أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
قال الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال :
أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسما ، إما قال لهم و إما قالوا له : لم ضحكت ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إنه أنزلت علي آنفا سورة " .
فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم: ( إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها ، قال : " هل تدرون ما الكوثر ؟ ".
قالوا : الله و رسوله أعلم .
قال : " هو نهر أعطانيه ربي عز و جل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول : يا رب ، إنه من أمتي .
فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " .
هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، و هذا السياق .
و قد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر ، و أن عليه آنية عدد نجوم السماء . و قد روى هذا الحديث مسلم و أبو داود و النسائي من طريق محمد بن فضيل و علي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس .
و لفظ مسلم قال :
" بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال : " أنزلت علي آنفا سورة " ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ "
قلنا : الله و رسوله أعلم .
قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز و جل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي .
فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " .
وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها .
فأما قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة .
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أنس فقال : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، و لم يشق شقا ، و إذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسكه ذفرة ، و إذا حصاه اللؤلؤ "
و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " دخلت الجنة فإذا أنا بنهر ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز و جل " .
و رواه البخاري في صحيحه ، و مسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : لما عرج بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء قال : " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر " . وهذا لفظ البخاري رحمه الله .
و قال ابن جرير : حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن هلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ و زبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك . قال : " يا جبريل ، ما هذا النهر ؟
قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربك " .
وقد تقدم [ في ] حديث الإسراء في سورة " سبحان " ، من طريق شريك ، عن أنس [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو مخرج في الصحيحين .
وقال سعيد ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقال الملك الذي معه : أتدري ما هذا ؟
هذا الكوثر الذي أعطاك الله .
و ضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك " وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم ، عن قتادة به .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا أبو أيوب العباسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الله ، ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، [ ماؤه ] أبيض من اللبن ، و أحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها " .
وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟
قال : " نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " . قال عمر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها يا عمر " .
رواه ابن جرير ، من حديث الزهري ، عن أخيه عبد الله ، عن أنس : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء .
وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن عائشة قال : سألتها عن قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قالت : نهر [ عظيم ] أعطيه نبيكم صلى الله عليه و سلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم .
ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف ، عن أبي إسحاق .
ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مجوف . وقال إسرائيل : نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء .
وحدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية عن شقيق - أو مسروق - قال : قلت لعائشة : يا أم المؤمنين ، حدثيني عن الكوثر . قالت : نهر في بطنان الجنة .
قلت : وما بطنان الجنة ؟
قالت : وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح عن عائشة قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه .
وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات : " عن رجل ، عنها " . ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم .
قال السهيلي : ورواه الدارقطني مرفوعا ، من طريق مالك بن مغول ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ؟
فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .
ورواه أيضا من حديث هشيم ، عن أبي بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير .
[ وقال الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير ] .
وهذا التفسير يعم النهر وغيره ; لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر ، كما قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحارب بن دثار ، والحسن بن أبي الحسن البصري . حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة .
وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن ، وثواب الآخرة .
وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا ، فقال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل .
وروى العوفي ، عن ابن عباس نحو ذلك .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .
وكذا رواه الترمذي ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا . وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال . . . وقال عطاء [ بن السائب ] ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " .
وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير ، من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب به مرفوعا ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير . فقال : صدق والله إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عمر قال : لما نزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " .
وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت : خرج يا نبي الله آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ; أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل ، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان ، وزبرجد ولؤلؤ " .
حرام بن عثمان ضعيف . ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض [ ولنذكرها هاهنا ] .
وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة . وقال عطاء : هو حوض في الجنة .
و روى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن مهران ، عن الثوري ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، فذكر مثل هذه القصة ، أو نحوها .
و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نعيت إلي نفسي " . . بأنه مقبوض في تلك السنة . تفرد به أحمد .
و روى العوفي ، عن ابن عباس ، مثله . وهكذا قال مجاهد و أبو العالية و الضحاك و غير واحد : إنها أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم نعي إليه .
و قال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى ، حدثنا الحسين بن عيسى الحنفي ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة إذ قال : " الله أكبر ، الله أكبر! جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن " .
قيل : يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟
قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، و الفقه يمان ، و الحكمة يمانية "
ثم رواه عن ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة مرسلا .
و قال الطبراني : حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت :
( إذا جاء نصر الله والفتح ) حتى ختم السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه حين نزلت ، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : " جاء الفتح ونصر الله ، و جاء أهل اليمن " . فقال رجل :
يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟
قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، و الفقه يمان " .
و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) علم النبي صلى الله عليه و سلم أنه قد نعيت إليه نفسه ، فقيل : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) السورة كلها .
حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين : أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الآية : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال : لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه
و قال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن عون ، عن أبي العميس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعا : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) .
و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : لما نزلت هذه السورة : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ختمها ، فقال : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " .
و قال : " لا هجرة بعد الفتح ، و لكن جهاد و نية " .
فقال له مروان : كذبت - و عنده رافع بن خديج و زيد بن ثابت ، قاعدان معه على السرير - فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك ، و لكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، و هذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة . فرفع مروان عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق .
تفرد به أحمد ، و هذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم الفتح : " لا هجرة ، و لكن جهاد و نية ، و لكن إذا استنفرتم فانفروا " . أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما .
فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين ، من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن و الحصون أن نحمد الله و نشكره و نسبحه ، يعني نصلي و نستغفره - معنى مليح صحيح ، و قد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات ، فقال قائلون : هي صلاة الضحى . و أجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها ، فكيف صلاها ذلك اليوم و قد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة ؟
و لهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسعة عشر يوما يقصر الصلاة و يفطر هو و جميع الجيش ، و كانوا نحوا من عشرة آلاف . قال هؤلاء : و إنما كانت صلاة الفتح ، قالوا : فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات . و هكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن ، ثم قال بعضهم : يصليها كلها بتسليمة واحدة . و الصحيح أنه يسلم من كل ركعتين ، كما ورد في سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين .
و أما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله عنهما ، من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه الكريمة ، و اعلم أنك إذا فتحت مكة - و هي قريتك التي أخرجتك - و دخل الناس في دين الله أفواجا ، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا ، فتهيأ للقدوم علينا و الوفود إلينا ، فالآخرة خير لك من الدنيا ، و لسوف يعطيك ربك فترضى. [/COLOR]
و لهذا قال : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .
قال النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه حين أنزلت ، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : " جاء الفتح ، و جاء نصر الله ، و جاء أهل اليمن " .
فقال رجل : يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، و الحكمة يمانية ، و الفقه يمان " .
و قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه و سجوده : " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .
و أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به .
و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر في آخر أمره من قول : " سبحان الله و بحمده ، أستغفر الله و أتوب إليه " .
و قال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، و أمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده و أستغفره ، إنه كان توابا ، فقد رأيتها : ( إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )
و رواه مسلم من طريق داود - وهو ابن أبي هند - به .
و قال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص ، حدثنا عاصم ، عن الشعبي عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر أمره لا يقوم و لا يقعد ، و لا يذهب و لا يجيء ، إلا قال : " سبحان الله و بحمده " . فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر من سبحان الله و بحمده ، لا تذهب و لا تجيء ، و لا تقوم و لا تقعد إلا قلت : سبحان الله و بحمده ؟
قال : " إني أمرت بها " ، فقال إذا جاء نصر الله و الفتح ) إلى آخر السورة .
غريب ، و قد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه و ألفاظه في جزء مفرد ، فيكتب هاهنا .
و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) كان يكثر إذا قرأها - و ركع - أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا .
تفرد به أحمد .
و رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عمرو بن مرة ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق به .
و المراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، و لم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، و لله الحمد والمنة .
و قد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه و قومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي . الحديث وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا : السيرة ، فمن أراد فليراجعه هناك ، ولله الحمد والمنة .
و قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال : قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس و ما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، و سيخرجون منه أفواجا " .
[ آخر تفسير سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " و لله الحمد و المنة ] .