أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
تفسير ابن كثير
@@@@@@
( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد : 1]
تفسير سورة تبت و هي مكية .
قال البخاري :
حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس :
أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى :
" يا صباحاه " . فاجتمعت إليه قريش ، فقال :
" أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم تصدقوني ؟ " .
قالوا : نعم .
قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .
فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك . فأنزل الله : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخرها .
وفي رواية :
فقام ينفض يديه ، وهو يقول : تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .
الأول دعاء عليه ، و الثاني خبر عنه . فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه و سلم و اسمه : عبد العزى بن عبد المطلب ، و كنيته أبو عتبة . و إنما سمي " أبا لهب " لإشراق وجهه ، و كان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه و سلم و البغضة له ، و الازدراء به ، و التنقص له و لدينه . .
قال الإمام أحمد :
حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال :
أخبرني رجل - يقال له : ربيعة بن عباد ، من بني الديل ، و كان جاهليا فأسلم - قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز و هو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " و الناس مجتمعون عليه ، و وراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين ، يقول : إنه صابئ كاذب . يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب .
ثم رواه عن سريج ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، فذكره - قال أبو الزناد : قلت لربيعة : كنت يومئذ صغيرا ؟
قال : لا والله ، إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة . تفرد به أحمد .
و قال محمد بن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب ، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يتبع القبائل - و وراءه رجل أحول وضيء ، ذو جمة - يقف رسول الله صلى الله عليه و سلم على القبيلة فيقول : " يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا ، و أن تصدقوني و تمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " . و إذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات و العزى ، و حلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش ، إلى ما جاء به من البدعة و الضلالة ، فلا تسمعوا له و لا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : عمه أبو لهب .
رواه أحمد أيضا والطبراني بهذا اللفظ .
فقوله تعالى : ( تبت يدا أبي لهب ) أي : خسرت و خابت ، و ضل عمله و سعيه ( وتب ) أي : و قد تب تحقق خسارته و هلاكه.
تفسير ابن كثير
@@@@@@
( مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) [المسد : 2]
و قوله : ( ما أغنى عنه ماله وما كسب )
قال ابن عباس و غيره : ( وما كسب ) يعني : ولده .
و روي عن عائشة ، و مجاهد ، وعطاء ، والحسن ، وابن سيرين ، مثله .
و ذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دعا قومه إلى الإيمان ، قال أبو لهب : إذا كان ما يقول ابن أخي حقا ، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي و ولدي ، فأنزل الله : ( ما أغنى عنه ماله وما كسب ) .
@@@@@@@
( سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) [المسد : 3]
أي ذات شرر و لهب و إحراق شديد.
@@@@@@
( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد : 4]
( وامرأته حمالة الحطب ) و كانت زوجته من سادات نساء قريش ، و هي : أم جميل ، و اسمها أروى بنت حرب بن أمية ، و هي أخت أبي سفيان . و كانت عونا لزوجها على كفره و جحوده و عناده ; فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم . و لهذا قال : ( حمالة الحطب)
( في جيدها حبل من مسد ) يعني :
تحمل الحطب فتلقي على زوجها ، ليزداد على ما هو فيه ، و هي مهيأة لذلك مستعدة له .
( في جيدها حبل من مسد ) قال مجاهد وعروة : من مسد النار .
و عن مجاهد ، و عكرمة ، و الحسن ، و قتادة ، و الثوري ، و السدي : ( حمالة الحطب ) كانت تمشي بالنميمة ، [ و اختاره ابن جرير ] .
و قال العوفي ، عن ابن عباس ، و عطية الجدلي ، و الضحاك ، و ابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و اختاره ابن جرير .
قال ابن جرير :
و قيل : كانت تعير النبي صلى الله عليه و سلم بالفقر ، و كانت تحتطب ، فعيرت بذلك .
كذا حكاه ، و لم يعزه إلى أحد . و الصحيح الأول ، و الله أعلم .
قال سعيد بن المسيب :
كانت لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار .
و قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سليم مولى الشعبي ، عن الشعبي قال : المسد : الليف .
و قال عروة بن الزبير : المسد : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا .
و عن الثوري : هو قلادة من نار ، طولها سبعون ذراعا .
و قال الجوهري : المسد : الليف . و المسد أيضا : حبل من ليف أو خوص ، و قد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ، و مسدت الحبل أمسده مسدا : إذا أجدت فتله .
و قال مجاهد : ( في جيدها حبل من مسد ) أي : طوق من حديد ، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا ؟
و قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي و أبو زرعة ، قالا : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن ابن تدرس ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ، و لها ولولة ، و في يدها فهر ، و هي تقول :
مذمما أبينا و دينه قلينا و أمره عصينا
و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد و معه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، قد أقبلت و أنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنها لن تراني " . و قرأ قرآنا اعتصم به ، كما قال تعالى : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) [ الإسراء : 45 ] . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر و لم تر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا أبا بكر ، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟
قال : لا و رب هذا البيت ما هجاك .
فولت و هي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها .
قال : و قال الوليد في حديثه أو غيره : فعثرت أم جميل في مرطها و هي تطوف بالبيت ، فقالت : تعس مذمم . فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب : إني لحصان فما أكلم ، و ثقاف فما أعلم ، و كلنا من بني العم ، و قريش بعد أعلم .
و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد و أحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) جاءت امرأة أبي لهب و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس ، و معه أبو بكر . فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء .
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنه سيحال بيني و بينها " .
فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك .
فقال أبو بكر : لا و رب هذه البنية ما نطق بالشعر و لا يتفوه به .
فقالت : إنك لمصدق ، فلما ولت قال أبو بكر ، : ما رأتك ؟
قال : " لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت " .
ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد ، عن أبي بكر ، .
و قد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : ( في جيدها حبل من مسد ) أي : في عنقها حبل في نار [ جهنم ] ترفع به إلى شفيرها ، ثم يرمى بها إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما .
قال أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير - و قد روى ذلك - و عبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب " النبات " : كل مسد : رشاء ، و أنشد في ذلك :
و بكرة و محورا صرارا و مسدا من أبق مغارا
قال : و الأبق : القنب .
و قال الآخر :
يا مسد الخوص تعوذ مني إن تك لدنا لينا فإني
ما شئت من أشمط مقسئن
قال العلماء :
و في هذه السورة معجزة ظاهرة و دليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : ( سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ) فأخبر عنهما بالشقاء و عدم الإيمان ، لم يقيض لهما أن يؤمنا ، و لا واحد منهما لا ظاهرا و لا باطنا ، لا مسرا و لا معلنا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة .