الموضوع
:
سورة الحجرات. تفسير ابن كثير
عرض مشاركة واحدة
10-09-2024, 03:20 PM
المشاركة
10
جاروط
نجوم الغابة العربية
تاريخ التسجيل :
Jan 2022
رقم العضوية :
320
المشاركات:
17,319
تفسير ابن كثير
@@@@@@
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : 13]
يقول تعالى مخبرا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ، وهما آدم وحواء ، وجعلهم شعوبا ، وهي أعم من القبائل ، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك .
وقيل : المراد بالشعوب بطون العجم ، وبالقبائل بطون العرب ، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل .
وقد لخصت هذا في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب : " الإنباه " لأبي عمر بن عبد البر ، ومن كتاب " القصد والأمم ، في معرفة أنساب العرب والعجم " .
فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ; ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا ، منبها على تساويهم في البشرية :
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) أي : ليحصل التعارف بينهم ، كل يرجع إلى قبيلته .
وقال مجاهد في قوله :
( لتعارفوا ) ، كما يقال : فلان بن فلان من كذا وكذا ، أي : من قبيلة كذا وكذا .
وقال سفيان الثوري :
كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها ، وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها .
وقد قال أبو عيسى الترمذي :
حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الملك بن عيسى الثقفي ، عن يزيد - مولى المنبعث - عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ; فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر " .
ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وقوله : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) أي : إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب . وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قال البخاري رحمه الله :
حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا عبدة ، عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس أكرم ؟
قال : " أكرمهم عند الله أتقاهم "
قالوا : ليس عن هذا نسألك .
قال : " فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله " .
قالوا : ليس عن هذا نسألك .
قال : " فعن معادن العرب تسألوني ؟ "
قالوا : نعم .
قال : " فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " .
وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان .
ورواه النسائي في التفسير من حديث عبيد الله - وهو ابن عمر العمري - به .
حديث آخر : قال مسلم ، رحمه الله :
حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ، عن كثير بن هشام ، به .
حديث آخر :
وقال الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن بكر ، عن أبي ذر قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " انظر ، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى .
تفرد به أحمد .
حديث آخر :
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :
حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة ، حدثنا عبيد بن حنين الطائي ، سمعت محمد بن حبيب بن خراش العصري ، يحدث عن أبيه : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « المسلمون إخوة ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى "
حديث آخر :
قال أبو بكر البزار في مسنده :
حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي ، حدثنا الحسن بن الحسين ، حدثنا قيس - يعني ابن الربيع - عن شبيب بن غرقدة ، عن المستظل بن حصين ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" كلكم بنو آدم . وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان " .
ثم قال : لا نعرفه عن حذيفة إلا من هذا الوجه .
حديث آخر :
قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا يحيى بن زكريا القطان ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده ، فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل - صلى الله عليه وسلم - على أيدي الرجال ، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبهم على راحلته ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال :
" يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله . إن الله يقول :
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) ثم قال : " أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .
هكذا رواه عبد بن حميد ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، به .
حديث آخر :
قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد ، كلكم بنو آدم طف الصاع لم يملأه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى ، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا " .
وقد رواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، به ولفظه :
" الناس لآدم وحواء ، طف الصاع لم يملئوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .
وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه .
حديث آخر :
قال الإمام أحمد :
حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عبد الله بن عميرة زوج درة ابنة أبي لهب ، عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟
فقال - صلى الله عليه وسلم - : " خير الناس أقرؤهم ، وأتقاهم لله عز وجل ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم " .
حديث آخر :
قال الإمام أحمد :
حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو الأسود ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : ما أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من الدنيا ، ولا أعجبه أحد قط ، إلا ذو تقى .
تفرد به أحمد رحمه الله .
وقوله : ( إن الله عليم خبير ) أي : عليم بكم ، خبير بأموركم ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ، ويعذب من يشاء ، ويفضل من يشاء على من يشاء ، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله .
وقد استدل بهذه الآية الكريمة وهذه الأحاديث الشريفة ، من ذهب من العلماء إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط ، ولا يشترط سوى الدين ، لقوله : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
وذهب الآخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب الفقه ، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في " كتاب الأحكام " ولله الحمد والمنة . وقد روى الطبراني عن عبد الرحمن أنه سمع رجلا من بني هاشم يقول :
أنا أولى الناس برسول الله .
فقال : غيرك أولى به منك ، ولك منه نسبه .
رد مع اقتباس