عرض مشاركة واحدة
قديم 09-21-2023, 10:56 PM
المشاركة 78
جاروط
نجوم الغابة العربية
  • غير متواجد
Post
[COLOR=rgb(147, 101, 184)] قطوف من مدارج السالكين [/COLOR][COLOR=rgb(147, 101, 184)]
*******************

فَصْلٌ أَهْلُ مَقَامِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لَهُمْ فِي أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ وَأَنْفَعِهَا وَأَحَقِّهَا بِالْإِيثَارِ وَالتَّخْصِيصِ أَرْبَعُ طُرُقٍ

فَصْلٌ
ثُمَّ أَهْلُ مَقَامِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " لَهُمْ فِي أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ وَأَنْفَعِهَا وَأَحَقِّهَا بِالْإِيثَارِ وَالتَّخْصِيصِ أَرْبَعُ طُرُقٍ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ:

الصِّنْفُ الْأَوَّلُ:
عِنْدَهُمْ أَنْفَعُ الْعِبَادَاتِ وَأَفْضَلُهَا أَشَقُّهَا عَلَى النُّفُوسِ وَأَصْعَبُهَا.
قَالُوا: لِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْأَشْيَاءِ عَنْ هَوَاهَا، وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّعَبُّدِ.
قَالُوا: وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ، وَرَوَوْا حَدِيثًا لَا أَصْلَ لَهُ " «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحَمَزُهَا» " أَيْ أَصْعَبُهَا وَأَشَقُّهَا.
وَهَؤُلَاءِ: هُمْ أَهْلُ الْمُجَاهَدَاتِ وَالْجَوْرِ عَلَى النُّفُوسِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا تَسْتَقِيمُ النُّفُوسُ بِذَلِكَ، إِذْ طَبْعُهَا الْكَسَلُ وَالْمَهَانَةُ، وَالْإِخْلَادُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا تَسْتَقِيمُ إِلَّا بِرُكُوبِ الْأَهْوَالِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ.

الصِّنْفُ الثَّانِي:
قَالُوا: أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ التَّجَرُّدُ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّقَلُّلُ مِنْهَا غَايَةَ الْإِمْكَانِ، وَاطِّرَاحُ الِاهْتِمَامِ بِهَا، وَعَدَمُ الِاكْتِرَاثِ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْهَا.
ثُمَّ هَؤُلَاءِ قِسْمَانِ:
فَعَوَامُّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا غَايَةٌ، فَشَمَّرُوا إِلَيْهِ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَيْهِ .
وَقَالُوا: هُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ، فَرَأَوُا الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا غَايَةَ كُلِّ عِبَادَةٍ وَرَأْسَهَا.
وَخَوَاصُهُمْ رَأَوْا هَذَا مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ، وَجَمْعُ الْهِمَّةِ عَلَيْهِ، وَتَفْرِيغُ الْقَلْبِ لِمَحَبَّتِهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِمَرْضَاتِهِ، فَرَأَوْا أَنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ فِي الْجَمْعِيَّةِ عَلَى اللَّهِ، وَدَوَامِ ذِكْرِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَالِاشْتِغَالِ بِمُرَاقَبَتِهِ، دُونَ كُلِّ مَا فِيهِ تَفْرِيقٌ لِلْقَلْبِ وَتَشْتِيتٌ لَهُ.
ثُمَّ هَؤُلَاءِ قِسْمَانِ:
فَالْعَارِفُونَ الْمُتَّبِعُونَ مِنْهُمْ إِذَا جَاءَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بَادَرُوا إِلَيْهِ وَلَوْ فَرَّقَهُمْ وَأَذْهَبَ جَمْعِيَّتَهُمْ.
وَالْمُنْحَرِفُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْعِبَادَةِ جَمْعِيَّةُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ، فَإِذَا جَاءَ مَا يُفَرِّقُهُ عَنِ اللَّهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا يَقُولُ قَائِلُهُمْ:
يُطَالَبُ بِالْأَوْرَادِ مَنْ كَانَ غَافِلًا
فَكَيْفَ بِقَلْبٍ كُلُّ أَوْقَاتِهِ وِرْدُ

ثُمَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا قِسْمَانِ:
مِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُ الْوَاجِبَاتِ وَالْفَرَائِضَ لِجَمْعِيَّتِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَيَتْرُكُ السُّنَنَ وَالنَّوَافِلَ، وَتَعَلُّمَ الْعِلْمِ النَّافِعِ لِجَمْعِيَّتِهِ.
وَسَأَلَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ شَيْخًا عَارِفًا، فَقَالَ:
إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَنَا فِي جَمْعِيَّتِي عَلَى اللَّهِ، فَإِنْ قُمْتُ وَخَرَجْتُ نَفَقْتُ، وَإِنْ بَقِيتُ عَلَى حَالِي بَقِيتُ عَلَى جَمْعِيَّتِي، فَمَا الْأَفْضَلُ فِي حَقِّي؟
فَقَالَ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَنْتَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَقُمْ، وَأَجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ، ثُمَّ عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ عَلَى اللَّهِ حَظُّ الرُّوحِ وَالْقَلْبِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي حَقُّ الرَّبِّ، وَمَنْ آثَرَ حَظَّ رُوحِهِ عَلَى حَقِّ رَبِّهِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ".
[/COLOR]
[COLOR=rgb(147, 101, 184)] 🌹 يتبع [/COLOR]