الموضوع
:
قطوف من مدارج السالكين
عرض مشاركة واحدة
03-28-2022, 08:32 PM
المشاركة
33
جاروط
نجوم الغابة العربية
تاريخ التسجيل :
Jan 2022
رقم العضوية :
320
المشاركات:
17,319
قطوف من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ مَرْتَبَةُ التَّحْدِيثِ
وَهَذِهِ دُونَ مَرْتَبَةِ الْوَحْيِ الْخَاصِّ، وَتَكُونُ دُونَ مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِينَ، كَمَا كَانَتْ لِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» .
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ:
جَزَمَ بِأَنَّهُمْ كَائِنُونَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا، وَعَلَّقَ وُجُودَهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِ " إِنْ " الشَّرْطِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ الْأُمَمِ، لِاحْتِيَاجِ الْأُمَمِ قَبْلَنَا إِلَيْهِمْ، وَاسْتِغْنَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْهُمْ بِكَمَالِ نَبِيِّهَا وَرِسَالَتِهِ، فَلَمْ يُحْوِجِ اللَّهُ الْأُمَّةَ بَعْدَهُ إِلَى مُحَدَّثٍ وَلَا مُلْهَمٍ، وَلَا صَاحِبِ كَشْفٍ وَلَا مَنَامٍ، فَهَذَا التَّعْلِيقُ لِكَمَالِ الْأُمَّةِ وَاسْتِغْنَائِهَا لَا لِنَقْصِهَا.
وَالْمُحَدَّثُ: هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ فِي سِرِّهِ وَقَلْبِهِ بِالشَّيْءِ، فَيَكُونُ كَمَا يُحَدِّثُ بِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَالصِّدِّيقُ أَكْمَلُ مِنَ الْمُحَدَّثِ، لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِكَمَالِ صَدِّيقِيَّتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ عَنِ التَّحْدِيثِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَشْفِ، فَإِنَّهُ قَدْ سَلَّمَ قَلْبَهُ كُلَّهُ وَسِرَّهُ وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ لِلرَّسُولِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا مِنْهُ.
قَالَ: وَكَانَ هَذَا الْمُحَدَّثُ يَعْرِضُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبِلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، فَعُلِمَ أَنَّ مَرْتَبَةَ الصِّدِّيقِيَّةِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ التَّحْدِيثِ.
قَالَ: وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْخَيَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ:
حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي، فَصَحِيحٌ أَنَّ قَلْبَهُ حَدَّثَهُ، وَلَكِنْ عَمَّنْ؟ عَنْ شَيْطَانِهِ، أَوْ عَنْ رَبِّهِ؟
فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي، كَانَ مُسْنِدًا الْحَدِيثَ إِلَى مَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ، وَذَلِكَ كَذِبٌ.
قَالَ: وَمُحَدَّثُ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَلَا تَفَوَّهَ بِهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، بَلْ كَتَبَ كَاتِبُهُ يَوْمًا:
هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
فَقَالَ: لَا، امْحُهُ وَاكْتُبْ: هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنْ عُمَرَ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيءٌ.
وَقَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، فَهَذَا قَوْلُ الْمُحَدَّثِ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ تَرَى الِاتِّحَادِيَّ وَالْحُلُولِيَّ وَالْإِبَاحِيَّ الْشَطَّاحَ، وَالسَّمَاعِيَّ مُجَاهِرًا بِالْقِحَةِ وَالْفِرْيَةِ، يَقُولُ:
" حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي ".
فَانْظُرْ إِلَى مَا بَيْنَ الْقَائِلَيْنِ وَالْمَرْتَبَتَيْنِ وَالْقَوْلَيْنِ وَالْحَالَيْنِ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا تَجْعَلِ الزَّغَلَ وَالْخَالِصَ شَيْئًا وَاحِدًا.
رد مع اقتباس