![]() |
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ فِي اشْتِمَالِ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ. التَّوْحِيدُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ. وَنَوْعٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ. وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ: التَّوْحِيدَ الْعِلْمِيَّ. وَالثَّانِي: التَّوْحِيدَ الْقَصْدِيَّ الْإِرَادِيَّ. لِتَعَلُّقِ الْأَوَّلِ بِالْأَخْبَارِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالثَّانِي بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَهَذَا الثَّانِي أَيْضًا نَوْعَانِ: تَوْحِيدٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ. وَتَوْحِيدٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. فَأَمَّا تَوْحِيدُ الْعِلْمِ: فَمَدَارُهُ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَعَلَى نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالْمِثَالِ، وَالتَّنْزِيهِ عَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ: مُجْمَلٌ، وَمُفَصَّلٌ. أَمَّا الْمُجْمَلُ: فَإِثْبَاتُ الْحَمْدِ لَهُ سُبْحَانَهُ. وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ: فَذِكْرُ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْمُلْكِ، وَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ مَدَارُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. فَأَمَّا تَضَمُّنُ الْحَمْدِ لِذَلِكَ: فَإِنَّ الْحَمْدَ يَتَضَمَّنُ مَدْحَ الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، مَعَ مَحَبَّتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَالْخُضُوعِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ حَامِدًا مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ الْمَحْمُودِ، وَلَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ مَحَبَّتِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَكُلَّمَا كَانَتْ صِفَاتُ كَمَالِ الْمَحْمُودِ أَكْثَرَ كَانَ حَمْدُهُ أَكْمَلَ، وَكُلَّمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ نَقَصَ مِنْ حَمْدِهِ بِحَسَبِهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ حَمْدًا لَا يُحْصِيهِ سِوَاهُ، لِكَمَالِ صِفَاتِهِ وَكَثْرَتِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا لَا يُحْصِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا سِوَاهُ، وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى آلِهَةَ الْكُفَّارِ، وَعَابَهَا بِسَلْبِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ عَنْهَا، فَعَابَهَا بِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَهْدِي، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَهَذِهِ صِفَةُ إِلَهِ الْجَهْمِيَّةِ، الَّتِي عَابَ بِهَا الْأَصْنَامَ، نَسَبُوهَا إِلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُحَاجَّتِهِ لِأَبِيهِ: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: ٤٢] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَثَابَةِ لَقَالَ لَهُ آزَرُ: وَأَنْتَ إِلَهُكَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيَّ؟ لَكِنْ كَانَ مَعَ شِرْكِهِ أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَكَذَلِكَ كَفَّارُ قُرَيْشٍ كَانُوا مَعَ شِرْكِهِمْ مُقِرِّينَ بِصِفَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: ١٤٨] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ الْخَلْقِ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِدْلَالٌ عَلَى بُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ بِذَلِكَ. |
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَإِنْ قِيلَ: فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ. قِيلَ: بَلَى، قَدْ كَلَّمَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَمُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الْمَلَكِيِّ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَكَلَّمَ اللَّهُ سَائِرَ النَّاسِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كَلَامَهُ الَّذِي بَلَّغَتْهُ رُسُلُهُ عَنْهُ، وَقَالُوا لَهُمْ: هَذَا كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَأَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْكُمْ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ السَّلَفُ: مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ اللَّهِ مُتَكَلِمًا فَقَدْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَبْلِيغُ كَلَامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ، فَإِذَا انْتَفَى كَلَامُهُ انْتَفَتِ الرِّسَالَةُ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ طه عَنِ السَّامِرِيِّ: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: ٨٨] وَرَجْعُ الْقَوْلِ: هُوَ التَّكَلُّمُ وَالتَّكْلِيمُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ٧٦] فَجَعَلَ نَفْيَ صِفَةِ الْكَلَامِ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْفِطَرِ وَالْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ: أَنَّ فَاقِدَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يَكُونُ إلَهًا، وَلَا مُدَبِّرًا، وَلَا رَبًّا، بَلْ هُوَ مَذْمُومٌ، مَعِيبٌ نَاقِصٌ، لَيْسَ لَهُ الْحَمْدُ، لَا فِي الْأُولَى، وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ لِمَنْ لَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ، وَنُعُوتُ الْجَلَالِ، الَّتِي لِأَجْلِهَا اسْتَحَقَّ الْحَمْدَ، وَلِهَذَا سَمَّى السَّلَفُ كُتُبَهُمُ الَّتِي صَنَّفُوهَا فِي السُّنَّةِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الرَّبِّ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَكَلَامِهِ وَتَكْلِيمِهِ تَوْحِيدًا، لِأَنَّ نَفْيَ ذَلِكَ وَإِنْكَارَهُ وَالْكُفْرَ بِهِ إِنْكَارٌ لِلصَّانِعِ وَجَحْدٌ لَهُ، وَإِنَّمَا تَوْحِيدُهُ، إِثْبَاتُ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالنَّقَائِصِ، فَجَعَلَ الْمُعَطِّلَةُ جَحْدَ الصِّفَاتِ وَتَعْطِيلَ الصَّانِعِ عَنْهَا تَوْحِيدًا، وَجَعَلُوا إِثْبَاتَهَا لِلَّهِ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا وَتَرْكِيبًا، فَسَمَّوُا الْبَاطِلَ بِاسْمِ الْحَقِّ، تَرْغِيبًا فِيهِ، وَزُخْرُفًا يُنْفِقُونَهُ بِهِ، وَسَمَّوُا الْحَقَّ بِاسْمِ الْبَاطِلِ تَنْفِيرًا عَنْهُ، وَالنَّاسُ أَكْثَرُهُمْ مَعَ ظَاهِرِ السِّكَّةِ، لَيْسَ لَهُمْ نَقْدُ النُّقَّادِ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: ١٧] وَالْمَحْمُودُ لَا يُحْمَدُ عَلَى الْعَدَمِ وَالسُّكُوتِ الْبَتَّةَ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ سَلْبَ عُيُوبٍ وَنَقَائِصَ، تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ أَضْدَادِهَا مِنَ الْكِمَالَاتِ الْثُبُوتِيَّةِ، وَإِلَّا فَالسَّلْبُ الْمَحْضُ لَا حَمْدَ فِيهِ، وَلَا مَدْحَ وَلَا كَمَالَ. وَكَذَلِكَ حَمْدُهُ لِنَفْسِهِ عَلَى عَدَمِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ الْمُتَضَمِّنِ لِكَمَالِ صَمَدِيَّتِهِ وَغِنَاهُ وَمُلْكِهِ، وَتَعْبِيدِ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ، فَاتِّخَاذُ الْوَلَدِ يُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: ٦٨] . وَحَمْدُ نَفْسِهِ عَلَى عَدَمِ الشَّرِيكِ، الْمُتَضَمِّنِ تَفَرُّدَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، وَتَوَحُّدَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُهُ، فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ، فَلَوْ عُدِمَهَا لَكَانَ كُلُّ مَوْجُودٍ أَكْمَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ أَكْمَلُ مِنَ الْمَعْدُومِ، وَلِهَذَا لَا يَحْمَدُ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِعَدَمٍ إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِثُبُوتِ كَمَالٍ، كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا يَمُوتُ لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ حَيَاتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ كَمَالَ قَيُّومِيَّتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ، لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، لِكَمَالِ عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ، يَرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، فَمُجَرَّدُ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِكَمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُرَى، فَلَيْسَ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ لَا يُرَى كَمَالٌ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الْكَمَالُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ رُؤْيَةً وَلَا إِدْرَاكًا، لِعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَتَعَالِيهِ عَنْ إِدْرَاكِ الْمَخْلُوقِ لَهُ، وَكَذَلِكَ حَمِدَ نَفْسَهُ بِعَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، لِكَمَالِ عِلْمِهِ. فَكُلُّ سَلْبٍ فِي الْقُرْآنِ حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَلِمُضَادَّتِهِ لِثُبُوتِ ضِدِّهِ، وَلِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ ثُبُوتِ ضِدِّهِ. فَعَلِمْتُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَمْدِ تَابِعَةٌ لِثُبُوتِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَأَنَّ نَفْيَهَا نَفْيٌ لِحَمْدِهِ، وَنَفْيُ الْحَمْدِ مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ ضِدِّهِ. |
[COLOR=rgb(226, 80, 65)]
من مدارج السالكين ♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ دِلَالَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَهَذِهِ دِلَالَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. وَأَمَّا دِلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ: " اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، وَالرَّحِيمُ، وَالْمَلِكُ " فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصِّفَاتِ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ، وَهِيَ أَوْصَافٌ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ حُسْنَى، إِذْ لَوْ كَانَتْ أَلْفَاظًا لَا مَعَانِيَ فِيهَا لَمْ تَكُنْ حُسْنَى، وَلَا كَانَتْ دَالَّةً عَلَى مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ، وَلَسَاغَ وُقُوعُ أَسْمَاءِ الِانْتِقَامِ وَالْغَضَبِ فِي مَقَامِ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَبِالْعَكْسِ، فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ الْمُنْتَقِمُ، وَاللَّهُمَّ أَعْطِنِي، فَإِنَّكَ أَنْتَ الضَّارُّ الْمَانِعُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَنَفْيُ مَعَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٨٠] وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى مَعَانٍ وَأَوْصَافٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهَا بِمَصَادِرِهَا وَيُوصَفُ بِهَا، لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَصَادِرِهَا، وَأَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: ٥٨] فَعَلِمَ أَنَّ الْقَوِيَّ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَمَعْنَاهُ الْمَوْصُوفُ بِالْقُوَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: ١٠] فَالْعَزِيزُ مَنْ لَهُ الْعِزَّةُ، فَلَوْلَا ثُبُوتُ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ لَهُ لَمْ يُسَمَّ قَوِيًّا وَلَا عَزِيزًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٦]. {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: ١٤]. {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: ٢٥٥] . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» فَأُثْبِتَ الْمَصْدَرُ الَّذِي اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُهُ الْبَصِيرُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ ".» يتبع 🌺[/COLOR] |
[COLOR=rgb(65, 168, 95)]من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡ وَفِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ الِاسْتِخَارَةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَتُخَيِّرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ» فَهُوَ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ. وَقَالَ تَعَالَى لِمُوسَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤] فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ. وَهُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ الْعَظَمَةٌ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَظَمَةُ إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي» وَهُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: ١٢]. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِحَيَاةِ اللَّهِ، أَوْ سَمْعِهِ، أَوْ بَصَرِهِ، أَوْ قُوَّتِهِ، أَوْ عِزَّتِهِ أَوْ عَظَمَتِهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَكَانَتْ مُكَفِّرَةً، لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ كَمَالِهِ الَّتِي اشْتُقَّتْ مِنْهَا أَسْمَاؤُهُ. وأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَعَانٍ وَصِفَاتٍ لَمْ يَسُغْ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِأَفْعَالِهَا، فَلَا يُقَالُ: يَسْمَعُ وَيَرَى، وَيَعْلَمُ وَيَقْدِرُ وَيُرِيدُ، فَإِنَّ ثُبُوتَ أَحْكَامِ الصِّفَاتِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، فَإِذَا انْتَفَى أَصْلُ الصِّفَةِ اسْتَحَالَ ثُبُوتُ حُكْمِهَا. وأَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ ذَوَاتِ مَعَانٍ وَأَوْصَافٍ لَكَانَتْ جَامِدَةً كَالْأَعْلَامِ الْمَحْضَةِ، الَّتِي لَمْ تُوضَعْ لِمُسَمَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى قَامَ بِهِ، فَكَانَتْ كُلُّهَا سَوَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا، وَهَذَا مُكَابَرَةٌ صَرِيحَةٌ، وَبُهْتٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ مَعْنَى اسْمِ الْقَدِيرِ هُوَ مَعْنَى اسْمِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، وَمَعْنَى اسْمِ التَّوَّابِ هُوَ مَعْنَى اسْمِ الْمُنْتَقِمِ، وَمَعْنَى اسْمِ الْمُعْطِي هُوَ مَعْنَى اسْمِ الْمَانِعِ فَقَدْ كَابَرَ الْعَقْلَ وَاللُّغَةَ وَالْفِطْرَةَ. فَنَفْيُ مَعَانِي أَسْمَائِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِيهَا، وَالْإِلْحَادُ فِيهَا أَنْوَاعٌ هَذَا أَحُدُهَا. الثَّانِي: تَسْمِيَةُ الْأَوْثَانِ بِهَا، كَمَا يُسَمُّونَهَا آلِهَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: عَدَلُوا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْا بِهَا أَوْثَانَهُمْ، فَزَادُوا وَنَقَصُوا، فَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَمَنَاةَ مِنَ الْمَنَّانِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: ١٨٠] يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى. وَحَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ فِيهَا الْعُدُولُ بِهَا عَنِ الصَّوَابِ فِيهَا، وَإِدْخَالُ مَا لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا فِيهَا، وَإِخْرَاجُ حَقَائِقِ مَعَانِيهَا عَنْهَا، هَذَا حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، فَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْإِلْحَادَ بِالْكَذِبِ، أَوْ هُوَ غَايَةُ الْمُلْحِدِ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ فِي مَعَانِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَخَرَجَ بِهَا عَنْ حَقَائِقِهَا، أَوْ بَعْضِهَا، فَقَدْ عَدَلَ بِهَا عَنِ الصَّوَابِ وَالْحَقِّ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ. فَالْإِلْحَادُ إِمَّا بِجَحْدِهَا وَإِنْكَارِهَا، وَإِمَّا بِجَحْدِ مَعَانِيهَا وَتَعْطِيلِهَا، وَإِمَّا بِتَحْرِيفِهَا عَنِ الصَّوَابِ، وَإِخْرَاجِهَا عَنِ الْحَقِّ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَإِمَّا بِجَعْلِهَا أَسْمَاءً لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَصْنُوعَاتِ، كَإِلْحَادِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَسْمَاءَ هَذَا الْكَوْنِ، مَحْمُودَهَا وَمَذْمُومَهَا، حَتَّى قَالَ زَعِيمُهُمْ: وَهُوَ الْمُسَمَّى بِكُلِّ اسْمٍ مَمْدُوحٍ عَقْلًا، وَشَرْعًا وَعُرْفًا، وَبِكُلِّ اسْمٍ مَذْمُومٍ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعُرْفًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.[/COLOR] |
جزاك الله خير على الموضوع
|
اقتباس:
ربنا يسعدك في الدارين 😍 |
[COLOR=rgb(41, 105, 176)]من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ اسْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِمُفْرَدِهَا وَيَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ الْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الِاسْمَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَةِ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا بِالْمُطَابَقَةِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِالتَّضَمُّنِ وَاللُّزُومِ، فَيَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِمُفْرَدِهَا بِالتَّضَمُّنِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الصِّفَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ الْأُخْرَى بِاللُّزُومِ، فَإِنَّ اسْمَ السَّمِيعِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ الرَّبِّ وَسَمْعِهِ بِالْمُطَابَقَةِ، وَعَلَى الذَّاتِ وَحْدَهَا، وَعَلَى السَّمْعِ وَحْدَهُ بِالتَّضَمُّنِ، وَيَدُلُّ عَلَى اسْمِ الْحَيِّ وَصِفَةِ الْحَيَاةِ بِالِالْتِزَامِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَكِنْ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي مَعْرِفَةِ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ، وَمِنْ هَاهُنَا يَقَعُ اخْتِلَافُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَحْكَامِ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَازِمٌ لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ لَازِمٌ لِلْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّ سَائِرَ الْكَمَالِ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ أَثْبَتَ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَا يُنْكِرُهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لُزُومَ ذَلِكَ، وَلَا عَرِفَ حَقِيقَةَ الْحَيَاةِ وَلَوَازِمَهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِهِ. فَإِنَّ اسْمَ الْعَظِيمِ لَهُ لَوَازِمُ يُنْكِرُهَا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ عَظْمَةَ اللَّهِ وَلَوَازِمَهَا. وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، وَاسْمُ الْحَكِيمِ وَسَائِرُ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ. وَكَذَلِكَ اسْمُهُ الظَّاهِرُ مِنْ لَوَازِمِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": «وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ» بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ جَحَدَ فَوْقِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الظَّاهِرِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ هُوَ مَنْ لَهُ فَوْقِيَّةُ الْقَدْرِ فَقَطْ، كَمَا يُقَالُ: الذَّهَبُ فَوْقَ الْفِضَّةِ، وَالْجَوْهَرُ فَوْقَ الزُّجَاجِ; لِأَنَّ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالظُّهُورِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمُفَوَّقُ أَظْهَرَ مِنَ الْفَائِقِ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظُهُورُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ ظَاهِرًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، لِمُقَابَلَةِ الِاسْمِ بِ " الْبَاطِنِ " وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ، كَمَا قَابَلَ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، بِ " الْآخِرِ " الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ. وَكَذَلِكَ اسْمُ " الْحَكِيمِ " مِنْ لَوَازِمِهِ ثُبُوتُ الْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ الْمَقْصُودَةِ لَهُ بِأَفْعَالِهِ، وَوَضْعُهُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِيقَاعُهَا عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، فَإِنْكَارُ ذَلِكَ إِنْكَارٌ لِهَذَا الِاسْمِ وَلَوَازِمِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى.[/COLOR] |
[COLOR=rgb(41, 105, 176)]
من مدارج السالكين ♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ اسْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى إِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ، فَاسْمُ اللَّهِ دَالٌّ عَلَى جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِالْعُلْيَا بِالدِّلَالَاتِ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى إِلَهِيَّتِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِثُبُوتِ صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لَهُ مَعَ نَفْيِ أَضْدَادِهَا عَنْهُ. وَصِفَاتُ الْإِلَهِيَّةِ: هِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ، الْمُنَزَّهَةُ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالْمِثَالِ، وَعَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَلِهَذَا يُضِيفُ اللَّهُ تَعَالَى سَائِرَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى إِلَى هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: ١٨٠] وَيُقَالُ: الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ، وَالْقُدُّوسُ، وَالسَّلَامُ، وَالْعَزِيزُ، وَالْحَكِيمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَلَا يُقَالُ: اللَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ، وَلَا مِنْ أَسْمَاءِ الْعَزِيزِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَعُلِمَ أَنَّ اسْمَهُ اللَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِجَمِيعِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، دَالٌّ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَالِ، وَالْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى تَفْصِيلٌ وَتَبْيِينٌ لِصِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ، وَاسْمُ اللَّهِ دَالٌّ عَلَى كَوْنِهِ مَأْلُوهًا مَعْبُودًا، تُؤَلِّهُهُ الْخَلَائِقُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَخُضُوعًا، وَفَزَعًا إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَالنَّوَائِبِ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ، الْمُتَضَمِّنَيْنِ لِكَمَالِ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ، وَإِلَهِيَّتُهُ وَرُبُوبِيَّتُهُ وَرَحْمَانِيَّتُهُ وَمُلْكُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ كَمَالِهِ، إِذْ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِمَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، وَلَا سَمِيعٍ، وَلَا بَصِيرٍ، وَلَا قَادِرٍ، وَلَا مُتَكَلِّمٍ، وَلَا فَعَّالٍ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا حَكِيمٍ فِي أَفْعَالِهِ. وَصِفَاتُ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ: أَخَصُّ بِاسْمِ اللَّهِ. وَصِفَاتُ الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ، وَالتَّفَرُّدِ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَنُفُوذِ الْمَشِيئَةِ وَكَمَالِ الْقُوَّةِ، وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الْخَلِيقَةِ أَخَصُّ بِاسْمِ الرَّبِّ. وَصِفَاتُ الْإِحْسَانِ، وَالْجُودِ وَالْبِرِّ، وَالْحَنَانِ وَالْمِنَّةِ، وَالرَّأْفَةِ وَاللُّطْفِ أَخَصُّ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، وَكُرِّرَ إِيَذَانًا بِثُبُوتِ الْوَصْفِ، وَحُصُولِ أَثَرِهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِمُتَعَلِّقَاتِهِ. فَالرَّحْمَنُ الَّذِي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، وَالرَّحِيمُ الرَّاحِمُ لِعِبَادِهِ، وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣] {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١١٧] وَلَمْ يَجِئْ: رَحْمَنُ بِعِبَادِهِ، وَلَا رَحْمَنُ بِالْمُؤْمِنِينَ، مَعَ مَا فِي اسْمِ الرَّحْمَنِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ فَعْلَانِ مِنْ سِعَةِ هَذَا الْوَصْفِ، وَثُبُوتِ جَمِيعِ مَعْنَاهُ الْمَوْصُوفِ بِهِ. ألَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: غَضْبَانُ، لِلْمُمْتَلِئِ غَضَبًا، وَنَدْمَانُ وَحَيْرَانُ وَسَكْرَانُ وَلَهْفَانُ لِمَنْ مُلِئَ بِذَلِكَ، فَبِنَاءُ فَعْلَانِ لِلسَّعَةِ وَالشُّمُولِ، وَلِهَذَا يَقْرِنُ اسْتِوَاءَهُ عَلَى الْعَرْشِ بِهَذَا الِاسْمِ كَثِيرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: ٥٩] فَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، لِأَنَّ الْعَرْشَ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ قَدْ وَسِعَهَا، وَالرَّحْمَةُ مُحِيطَةٌ بِالْخَلْقِ وَاسِعَةٌ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦] فَاسْتَوَى عَلَى أَوْسَعِ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَوْسَعِ الصِّفَاتِ، فَلِذَلِكَ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» وَفِي لَفْظٍ «فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ» . فَتَأَمَّلِ اخْتِصَاصَ هَذَا الْكِتَابِ بِذِكْرِ الرَّحْمَةِ، وَوَضْعَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَطَابِقْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٩] يَنْفَتِحُ لَكَ بَابٌ عَظِيمٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنْ لَمْ يُغْلِقْهُ عَنْكَ التَّعْطِيلُ وَالتَّجَهُّمُ. وَصِفَاتُ الْعَدْلِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَالْإِعْزَازِ وَالْإِذْلَالِ، وَالْقَهْرِ وَالْحُكْمِ، وَنَحْوُهَا أَخَصُّ بِاسْمِ الْمَلِكِ وَخَصَّهُ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ بِالْعَدْلِ، لِتَفَرُّدِهِ بِالْحُكْمِ فِيهِ وَحْدَهُ، وَلِأَنَّهُ الْيَوْمُ الْحَقُّ، وَمَا قَبْلَهُ كَسَاعَةٍ، وَلِأَنَّهُ الْغَايَةُ، وَأَيَّامُ الدُّنْيَا مَرَاحِلُ إِلَيْهِ.[/COLOR] |
[COLOR=rgb(147, 101, 184)]من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ ارْتِبَاطُ الْخَلْقِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَتَأَمَّلِ ارْتِبَاطَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ كَيْفَ نَشَأَ عَنْهَا الْخَلْقُ، وَالْأَمْرُ، وَالثَّوَابُ، وَالْعِقَابُ؟ وَكَيْفَ جَمَعَتِ الْخَلْقَ وَفَرَّقَتْهُمْ؟ فَلَهَا الْجَمْعُ، وَلَهَا الْفَرْقُ. فَاسْمُ الرَّبِّ لَهُ الْجَمْعُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُوَ رَبُّ كُلَّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبْدٌ لَهُ فِي قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ، فَاجْتَمَعُوا بِصِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَافْتَرَقُوا بِصِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَأَلَّهَهُ وَحْدَهُ السُّعَدَاءُ، وَأَقَرُّوا لَهُ طَوْعًا بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ، وَالْحُبُّ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِخْبَاتُ وَالْخَشْيَةُ، وَالتَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ إِلَّا لَهُ. وَهُنَا افْتَرَقَ النَّاسُ، وَصَارُوا فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا مُشْرِكِينَ فِي السَّعِيرِ. وَفَرِيقًا مُوَحِّدِينَ فِي الْجَنَّةِ. فَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الَّتِي فَرَّقَتْهُمْ، كَمَا أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ هِيَ الَّتِي جَمَعَتْهُمْ. فَالدِّينُ وَالشَّرْعُ، وَالْأَمْرُ وَالَنَّهْيُ مَظْهَرُهُ، وَقِيَامُهُ مِنْ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْفِعْلُ مِنْ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالْجَزَاءُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ صِفَةِ الْمُلْكِ، وَهُوَ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ، فَأَمَرَهُمْ بِإِلَهِيَّتِهِ، وَأَعَانَهُمْ وَوَفَّقَهُمْ وَهَدَاهُمْ وَأَضَلَّهُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَأَثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ بِمُلْكِهِ وَعَدْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْأُخْرَى. وَأَمَّا الرَّحْمَةُ فَهِيَ التَّعَلُّقُ، وَالسَّبَبُ الَّذِي بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، فَالتَّأْلِيهُ مِنْهُمْ لَهُ، وَالرُّبُوبِيَّةُ مِنْهُ لَهُمْ، وَالرَّحْمَةُ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، بِهَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ، وَبِهَا هَدَاهُمْ، وَبِهَا أَسْكَنَهُمْ دَارَ ثَوَابِهِ، وَبِهَا رَزَقَهُمْ وَعَافَاهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سَبَبُ الْعُبُودِيَّةِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سَبَبُ الرَّحْمَةِ. وَاقْتِرَانُ رُبُوبِيَّتِهِ بِرَحْمَتِهِ كَاقْتِرَانِ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِرَحْمَتِهِ، فَ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ {رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٢ - ٣] فَإِنَّ شُمُولَ الرُّبُوبِيَّةِ وَسِعَتْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْهَا أَقْصَى شُمُولِ الرَّحْمَةِ وَسِعَتِهَا، فَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ بِرَحْمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، مَعَ أَنَّ فِي كَوْنِهِ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَكَوْنِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.[/COLOR] |
[COLOR=rgb(41, 105, 176)]من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ: ذِكْرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ بَعْدَ الْحَمْدِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ بَعْدَ الْحَمْدِ، وَإِيقَاعِ الْحَمْدِ عَلَى مَضْمُونِهَا وَمُقْتَضَاهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رَحْمَانِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي مُلْكِهِ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ مَحْمُودٌ، وَرَبٌّ مَحْمُودٌ، وَرَحْمَنٌ مَحْمُودٌ، وَمَلِكٌ مَحْمُودٌ، فَلَهُ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَقْسَامِ الْكَمَالِ: كَمَالٌ مِنْ هَذَا الِاسْمِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنَ الْآخَرِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنِ اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: ٦]. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: ٢٦]. {وَاللَّهُ قَدِيرٌ} [الممتحنة: ٧]. {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢١٨]. فَالْغِنَى صِفَةُ كَمَالٍ، وَالْحَمْدُ صِفَةُ كَمَالٍ، وَاقْتِرَانُ غِنَاهُ بِحَمْدِهِ كَمَالٌ أَيْضًا، وَعِلْمُهُ كَمَالٌ، وَحِكْمَتُهُ كَمَالٌ، وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِكْمَةِ كَمَالٌ أَيْضًا، وَقُدْرَتُهُ كَمَالٌ وَمَغْفِرَتُهُ كَمَالٌ، وَاقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ بِالْمَغْفِرَةِ كَمَالٌ، وَكَذَلِكَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣]. وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِلْمِ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: ١٢] . وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ: اثْنَانِ يَقُولَانِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ. وَاثْنَانِ يَقُولَانِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ. فَمَا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَفَا، وَلَا كُلُّ مَنْ عَفَا يَعْفُو عَنْ قُدْرَةٍ، وَلَا كُلُّ مَنْ عَلِمَ يَكُونُ حَلِيمًا، وَلَا كُلُّ حَلِيمٍ عَالِمٌ، فَمَا قُرِنَ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ، وَمِنْ عَفْوٍ إِلَى قُدْرَةٍ، وَمِنْ مُلْكٍ إِلَى حَمْدٍ، وَمِنْ عِزَّةٍ إِلَى رَحْمَةٍ. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٩] وَمِنْ هَاهُنَا كَانَ قَوْلُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، أَيْ إِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ كَانَ مَصْدَرُ مَغْفِرَتِكَ عَنْ عِزَّةٍ، وَهِيَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ، وَعَنْ حِكْمَةٍ، وَهِيَ كَمَالُ الْعِلْمِ، فَمَنْ غَفَرَ عَنْ عَجْزٍ وَجَهْلٍ بِجُرْمِ الْجَانِي، فَأَنْتَ لَا تَغْفِرُ إِلَّا عَنْ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ، وَعِلْمٍ تَامٍّ، وَحِكْمَةٍ تَضَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الدَّالِّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ فِي غَيْرِ حِينِهَا، وَقَدْ فَاتَتْ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، كَانَ فِي هَذَا مِنَ الِاسْتِعْطَافِ وَالتَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا سِيَّمَا وَالْمَوْقِفُ مَوْقِفُ عَظَمَةٍ وَجَلَالٍ، وَمَوْقِفُ انْتِقَامٍ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا، وَاتَّخَذَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ، فَذِكْرُ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِيهِ أَلْيَقُ مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٥] وَلَمْ يَقِلْ: فَإِنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ اسْتِعْطَافٍ وَتَعْرِيضٍ بِالدُّعَاءِ، أَيْ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وَتَرْحَمْهُمْ، بِأَنْ تُوَفِّقَهُمْ لِلرُّجُوعِ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . وَفِي هَذَا أَظْهَرُ الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَعَالَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَوْصَافٍ وَمَعَانٍ قَامَتْ بِهِ، وَأَنَّ كُلَّ اسْمٍ يُنَاسِبُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَاقْتَرَنَ بِهِ، مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.[/COLOR] |
الساعة الآن 04:52 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir