مشاهدة النسخة كاملة : دروس في السيرة النبوية
الغريب
06-06-2022, 04:06 PM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الاولى .
إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق سيدنا محمد ﷺ
وهو أول الخلق نوراً وآخر الأنبياء وخاتمهم .
نظر الله إلى خلقه فقسمهم فرقتين .
فجعل نبينا محمد ﷺ في خير فرقة . ثم مازال يختارهم خياراً من خيار .
"نسبه ﷺ المتصل من آدم إلى الرسول نسب كريم طاهر نقي"
من أصلاب الرجال الطاهرة إلى أرحام النساء الطاهرة .
ما كان في نسبه ﷺ سفاح جاهلية إلى أن شرّف هذا الوجود ﷺ .
نبدأ بجده عبد المطلب جد النبي ﷺ .
عبد المطلب لقب له وليس إسمه الحقيقي . أما إسمه شيبة الحمد .
فمن أين جاء إسم عبد المطلب ؟
أبوه اسمه هاشم كان سيد قريش ومتزوج من يثرب .
كان هاشم من الأشراف وهو زعيم رحلتا الشتاء والصيف .
كانوا في الصيف يسافرون بالتجارة لبلاد الشام وفي الشتاء يسافرون لليمن .
وكان من عادة الأشراف أن يأخذوا زوجاتهم معهم .
فلما خرج لرحلة الصيف إلى بلاد الشام وكان هاشم مصطحبآ زوجته معه وكانت قد حملت بعبد المطلب "شيبة الحمد"
ولما وصلت يثرب جاءها المخاض وولدته .
فتركها هاشم عند أهلها وتابع رحلته إلى بلاد الشام للتجارة .
وأثناء رحلته توفي في مدينة غزة ودفن فيها فسميت "غزة هاشم"
أصبح عبد المطلب يتيم الأب وتربى عند أخواله وإسمه بينهم "شيبة الحمد"
فجاء من مكة عمه أخو أبوه "هاشم" وكان إسمه "المطلب" قال لأمه إبن أخي "شيبة" يجب أن يلحق بقريش فإنهم أهله وقومه لأنه أصبح كبير وهو الآن غريب بين القوم ..
ونحن أهل شرف في قومنا ولا يجوز أن يبقى إبن أخي عندكم ..
قالت أمه نخيّره ؟
وعندما سألوا "شيبة الحمد" قال ألحق بقومي .
"مع أنه كان صغير بالعمر . لكن مسألة الشرف كانت عنده عظيمة"
خرج عمه المطلب ومعه إبن أخيه "شيبة الحمد" إلى مكة ولما وصلوا مكة ودخلها مع هذا الغلام الصغير .. قالت قريش المطلب أحضر معه عبد من العبيد "اعتقدوا انه اشترى عبد جديد . فظنوا أن شيبة عبد من العبيد قد اشتراه المطلب"
فأصبحوا يقولوا "عبد للمطلب"
فقال لهم المطلب لا .. إنه شيبة إبن أخي ..
فمشى الإسم عليه اللقب اكثر من الاسم من أول دخوله مكة وصاروا يسموه عبد المطلب .. أما إسمه الحقيقي "شيبة الحمد" .
📗 الأنوار المحمدية
يتبع بإذن الله .
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-06-2022, 04:07 PM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية
حفر بئر زمزم .
كبر شيبة الحمد المعروف بلقب "عبد المطلب" وأصبح "سيد قريش" وكان له الشرف الكبير بين العرب وخاصةً عندما حفر بئر زمزم .
بئر زمزم كان مطمورآ بالتُراب من زمن بعيد بسبب فعل الزمن وكانت قريش تسمع عنهُ بالقصص القديمة إلى أن رأى عبد المطلب رؤيا في منامه .
رأى عبدالمطلب رؤيا و تكررت معه أكثر من مرة .
شخص يأمره بحفر بئر زمزم عند الكعبة ويحدد له مكان الحفر .
استيقظ من نومه وأخذ يفكر بالرؤيا المتكررة ويتذكر القصص القديمة ، التي كانت تروى أنه على زمن اسماعيل عليه السلام عندما كان رضيعاً إنفجر بئر تحت قدمي اسماعيل عليه السلام .
وأن أهل مكة دائماً يذكرون في مجالسهم أن هناك بئر في مكة مطمور لا يعرف مكانه .
وأن كل الآباء حفروا وبحثوا ولكنهم لم يجدوا هذا البئر المبارك .
خرج عبد المطلب لقريش وقص عليهم الرؤيا التي رأها .
"أي أن هناك مكان محدد يجب حفره يوجد تحته ماء زمزم"
قالوا له : دلنا على ذلك المكان . فأشار لهم إلى ذلك المكان الذي عند الكعبة .
فرفضوا جميعاً أن يحفر في هذا المكان والسبب .
(( لأن المكان الذي أشار إليه عبد المطلب يقع بين صنمين من الأصنام التي تعبدها قريش . صنمٌ إسمه ( أساف) والآخر إسمه ( نائلة ) .
حاول عبد المطلب أن يقنعهم ، ولكن رفضوا بشدة .
كان عبد المطلب عنده ولد وحيد . وهذا يعني في قريش أن ليس له عزوة ولا عشيرة ولا عصبية يدافعوا عنه .
وفي أيامهم كان كل شيء يمشي ويعتمد على القبائل والعصبية .
حزن عبد المطلب حُزن شديد واعتصر قلبه من الألم .
فوقف عنِد باب الكعبة وقلبه يعتصر من القهر ونذر لله إن وهبتني عشرة من الأولاد الذكور وبلغوا مبلغ الرجال وأستطعت حفر بئر زمزم .
لأذبحنّ أحد أبنائي .
لم يمضي عام إلا وقد ولدت زوجته الولد الثاني .
وكل عام تلِد ولد حتى صار عددهم "عشرة" وكبروا وأصبحوا رجال وعصبة .
أصبح عبد المطلب صاحب عصبة وحمية في قريش فحفر بئر زمزم ولم يتجرأ أحد على منعه .
و "خرج الماء" فلما رأت قريش الماء فرحت فرحاً كبيراً بعملهِ هذا .
و أصبح عبد المطلب مُطالب بأن يوفي "نذره" وهو أن يذبح أحد أولاده العشرة عند باب الكعبة .
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع بإذن الله …
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-06-2022, 04:08 PM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة
فداء عبدالله والد النبي ﷺ .
تم اختيار عبد الله للتضحيه به بناء على الوعد الذي قطعه عبد المطلب على نفسه .
وضع عبد المطلب إبنه عبدالله أمام الكعبة وأستعد لذبحه .
وكانت أندية قريش حول الكعبة .
((الأندية هي عبارة عن مجالس لقريش كانوا يجلسون جماعات مع بعضهم البعض وكل جماعة تجلس مع أصحابها وتكون الكعبة أمامهم مباشرةً وكل ما يحدث عند الكعبة يرونه))
فلما استعد عبد المطلب لذبح عبدالله ضاجت قريش كلها وقام الناس من مجالسهم مسرعين حتى وصلوا الى عبد المطلب .
امسكوا بعبد الله وابعدوه ثم وقفوا بين عبدالمطلب وعبدالله وصاحوا بأعلى صوتهم .
لاااا واللات والعزى لاندعك تذبحه حتى تعذر فيه ((أي حتى نجد حل لهذا النذر))
يا عبد المطلب . أنت سيد قومك وكبيرهم وقدوتهم وإن ذبحت ولدك ستكون سُنة "عادة" في قريش كل رجل نذر سيذبح إبنه عند الكعبة .
قال عبد المطلب . يا قوم ..
لعل الله إبتلاني كما ابتلى جدكم إبراهيم بولده إسماعيل ؟
قالوا . لا لا . لن ندعك تذبحه حتى تُعذر فيه .
قال لهم .. وما الحل ؟؟
فصاح أحدهم . فلنحتكم الى الكهان .
وصاح آخر ننطلق الى "سحاج" عرافة يثرب نسألها لعلها تجد لك مخرجا .
"امرأة اسمها سحاج كاهنة في يثرب كانت تُعرف بعرافة يثرب"
عرافة يثرب خير من ينهض بالأمر "أي افضل كاهنة تستطيع أن تحل هذا الأمر"
سكت عبد المطلب عن الكلام ولم يعد له سبيل لرفض كلامهم ونزلت عليه السكينة والارتياح ثم نظر الى القوم .
وقال ننطلق الى سحاج عرافة يثرب .
فصاح الجميع وعلا صوتهم بالفرح وانتشر الخبر في مكة كلها كالنار بالهشيم وضجت مكة بأصوات الفرح .
وأطلت النساء بفرح ينظرن الى عبد الله بشفقة ورحمة وكانت كل فتيات مكة يتمنون عبد الله زوجاً لهن .
كان كل من نظر إليه يراه مكسواً بالجمال والهيبة والانوار .
الكل ينظر إليه وينظروا الى صبره لهذا الموقف الصعب .
هذا الفتى الجميل صاحب الوجه المضيء . إنه جميل وما أكثر الجمال في قريش ولكن جمالهُ نادر يشف عن جمال الروح .
ففي جماله شيء غريب . نور يكسوه في وجهه شيئاً لا ترى مثله في وجه شباب قريش .
(( هناك كثير من الروايات في كتب السيرة قد تحدثت عن جمال عبدالله والنور الذي كان يكتسيه ))
ركبوا جميعاً وانطلقوا إليها .
فلم يجدوها في يثرب . كانت في خيبر . فلحقوا بها الى خيبر .
فلما دخلوا على كاهنة يثرب نظرت إليهم تلك العجوز الكبيرة في العمر نظرة ذكاء وفراسة .
وقص عليها عبدالمطلب خبره وخبر إبنه عبدالله .
📗 الانوار المحمدية .
يتبع بإذن الله ...
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-06-2022, 04:09 PM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة
كاهنة يثرب وعبدالله الذبيح .
فلما اخبرها "عبد المطلب" بالأمر قالت الكاهنة . أمهلوني اليوم وارجعوا إلي في الغد حتى يأتيني قريني فأسأله !!
كان الكهنة والعرافين علاقتهم مع الجن تسأل قرينها أي الجني الذي تتعامل معه .
تركوها ورجعوا ....
كان من عادته عبدالمطلب إن وصل يثرب يذهب لزيارة اخواله والتجول في اسواق المدينة .
ولما خرجوا من عندها لم يذهب عبد المطلب لزيارة اخواله من بني النجار ولم يذهب الى اسواق المدينة يتذكر طفولته فيها .
كان مشغول البال بمصير ابنه عبدالله فقام يتضرع ويدعو الله أن يوفقه لما يرضاه .
رجعوا في اليوم الثاني الى الكاهنة فقالت لهم قد جاءني الجواب .
كم دية الرجل عندكم إذا قتل ؟؟
"أي رجل منكم قتل رجل . كم تدفعوا ديته مقابل أن يرضى أهله ."
قالوا : نعطيهم عشرة من الأبل .
قالت : إذآ تُقدِموا صاحبكم "تعني عبدالله" وتقدموا عشرة من الأبل .
وأطرحوا القدح .
تكتبوا اسم عبدالله على القدح الأول . وعلى الثاني تكتبوا عشرة من الأبل .
"قرعة" وأضربوا عليها وعلى صاحبكم القدح .
فإن خرجت عليه زد من الأبل عشرة .
اعملوا قرعة بين عبدالله والعشرة من الأبل .فلو خرجت القدح في القرعة بأسم العشرة من الأبل فقد رضي ربكم بالفداء .
فإن خرجت بأسم عبدالله يجب عليكم ان تزيدوها عشرة وتعيدوا القرعة .
قال عبد المطلب : وإن خرجت عليه مرة اخرى ماذا نفعل ؟؟
قالت : تزيدوا عشرة ثم عشرة حتى تخرج على الأبل . حتى يرضى ربكم ويفدى هذا الغلام .
ولا تتردد وأعلم أنك ستنال رضا الآلهة ونجاة صاحبك .
يقول النبي ﷺ أنا أبن الذبيحين .
والمقصود ابوه عبد الله ..
وأبوه الثاني اسماعيل عليه السلام . لما رأى ابراهيم عليه السلام رؤيا تأمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام .
فصدق الرؤيا وهمّ بذبحه ففداه الله بذبح عظيم .
الجد الأكبر للنبي ﷺ نبي الله اسماعيل عليه السلام أنا ابن الذبيحين .
فرحت قريش جميعاً وأصبحت قريش ترفع صوتها وتتفاخر بالكرم والسخاء والنخوة .
وأخذوا يصيحون بأعلى صوتهم يقولون :
واللات والعزى . لنفدي عبد الله وإن لم يبقى في مكة إبل .
رجعوا مكة . والناس في مكة حزينه وفي قلق لأن عبدالله كان في مكة من أحب الناس إليهم وكان أجمل شباب قريش وأكرمهم خلقاً فكيف يذبح ؟
فصار عندهم قلق وكآبة .
شاع الخبر في مكة وإجتمع الناس وأحضروا عشرة من الإبل .
قدموا عبدالله وقدموا عشرة من الإبل ..
طرحوا القدح فخرج السهم على عبدالله !
فأضافوا عشرة فخرج السهم على عبدالله !!
فألحقوها عشرة فخرج السهم على عبد الله !!!
فما زالوا يزيدون عشرة فوق عشرة يلحقونها عشرة حتى بلغت الإبل مئة على التمام .
عشر عشرات حتى خرج السهم على الإبل .
صرخت قريش بصوت عالي قد رضي ربك يا عبد المطلب
فقال لا .
قالوا لما لا . يا سيد قومك ؟
ما القصة يا عبد المطلب . القدح أول مرة طلع على عبد الله مباشرة هممت لذبحه .
قال لهم حتى أضرب القدح ثلاث فإن خرجت على الإبل ثلاث هنا أعلم أن ربي قد رضي .
وإلا فلابد من ذبح الولد .
قالوا كما تريد
فقاموا بالقرعة ثلاث مرات وفي كل مرة تخرج على الإبل .
فقال عبد المطلب الآن إطمأن قلبي وأن ربي قد رضي .
وكان فداء عبدالله 100 من الإبل .
نحرت الإبل وجعلها عبد المطلب طعام للناس والسباع والوحوش في الجبال لا يمنع عنها أحد .
فرحت قريش بفداء عبد الله فرحاً ما بعده فرح .. ثم أخذ عبد المطلب بيد إبنه عبد الله و سار به باتجاه الكعبة .
📗 الأنوار المحمدية .
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-06-2022, 04:10 PM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة
زواج عبدالله من آمنة بنت وهب .
فرحت قريش بفداء "عبدالله" فأخذ "عبد المطلب" بيد إبنه وسار به الى الكعبة والناس ينظرون وطاف به بالبيت سبعاً .
نظرت قريش إليهم فرأت نور يخرج من عبدالله نور يتهلل في وجهه .
وجاءت قريش تهنيء عبد المطلب في نجاة ولده .
مازال عبد المطلب يتذكر كلام ذلك الحبر اليهودي في اليمن عندما كان في رحلة الشتاء ودخل اليمن نزل عند حبر من اليهود .
فقال الحبر لعبد المطلب متعجباً .
رجل من أهل الديور "بمعنى يسأله متعجب انت من أهل الكتاب"
يا عبد المطلب . أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك .
"تأذن لي أتفحص جسدك ، وكأنه عنده علامات إذا وجدت فيه تدل على شيء"
قال : نعم إذا لم يكن عورة .
فلما نظر الحبر لجسده وتفحصه .
قال له : أشهد أنك تحمل بين يديك . ملكاً . ونبوة .
قال الحبر إذا رجعت تزوج من بني زهرة .
يا عبد المطلب . سيخرج من ذريتك رجل ذو أمر عظيم يجمع بين الملك والنبوة .
وسيكون فخر لقبيلتين من العرب هم "بني هاشم .. وبني زهرة"
فلما رجع تزوج من "هالة بنت وهب" من بني زهرة .
بقي هذا الكلام في رأس عبد المطلب فقرر أن يزوج عبدالله ويفرح به .
يزوجه من "بني زهرة" من آمنة املاً بكلام ذلك الحبر اليهودي لعله يتحقق حلمه .
علمت قريش أن عبد المطلب قرر أن يزوج ابنه عبد الله من بني زهرة .
انتشر الخبر في مكة حتى أن فتيات مكة مرضن ولزمن الفراش عندما سمعن هذا الخبر تأسفاً وحسرة .
فكل فتاة كانت تتمنى أن تكون زوجة لهذا الرجل المبارك .
ذهب عبد المطلب الى سيد بني زهرة وخطب آمنة لأبنه عبدالله .
كان عمر "عبدالله" 18 عام وكان عمر آمنة 14 عام .
وفي نفس اليوم تزوجها عبدالله ودخل بها .
وكان من عادة العرب أن العريس يبقى في ديار اهل العروس ثلاثة أيام وبعدها يأخذ زوجته ويرجع الى أهله .
فحملت آمنة بسيد ولد آدم ﷺ .
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع ..... بمشيئة الله تعالى.
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
ألحان
06-06-2022, 10:54 PM
سيرة طيبة مباركة جزاكم الله كل خير .. سلمت استاذنا
الغريب
06-07-2022, 01:24 AM
جزااك الله خير
الحان ع المرور
جاروط
06-07-2022, 09:55 PM
في ميزان حسناتك يارب 😍
♥💚♥💚 اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم 💚♥💚♥
جاروط
06-07-2022, 09:58 PM
ربنا يتقبل منا و منكم صالح الأعمال
🌹💎🌹💎 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 💎🌺💎🌺
جاروط
06-07-2022, 10:03 PM
ربنا يحشرك تحت لوائه
♥💚♥💚 💎🌹💎 صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً 💎🌺 💚♥💚♥
جاروط
06-07-2022, 10:07 PM
ربنا يكرمك و يحسن خاتمك في الأمور كلها
🌹💎🌺 اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم و بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ❤💚😍
جاروط
06-07-2022, 10:09 PM
يا حبذا لو جمعت جميعها في موضوع واحد متجدد ليتم تثبيتها
🌺🌺🌺
جزاك الله خيراً
🌹🌹🌹🌹🌹
🌷🌺🌹صلي يارب ثم سلم على من هو للعالمين رحمة و شفاء 🌷🎗💎
الغريب
06-08-2022, 02:38 AM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة
وفاة والدِ النبي ﷺ .
عندما مضى ثلاث أيام أخذ "عبدالله عروسته آمنة بنت وهب" وارتحل بها إلى قومه .
وبعد أيام تجهزت القافلة لرحلة الصيف التي كانت مُتجهة لبلاد الشام فأختاروا فيها "عبدُالله" العريس كي يكون في القافلة مع بعضِ إخوته .
ودّع "عبدالله" عروسته "آمنة بنت وهب"
ودّعها "عُبدالله" ثم أنطلق مع القافلة الى بلاد الشام .
بعد أشهر رجعت القافلة وليس فيها "عبدالله" !!
فسأل "عبد المطلب أين عبدالله" ؟؟
قالوا له : لا تقلق يا شيخ مكة .
تركناه عند أخواله في بني النجار ، في يثرب فقد أصابه بعض المرض .
وعندما يتعافى سيرجع .
تركناهُ هناك فلقد خفنا عليه من مشقة السفر .
نظر "عبد المطلب" الى إبنه الكبير "الحارث" قال يابني انطلق على الفور الى يثرب وأحضر "عبدالله" ولو في هودج الذي يحملُ النساء .
ذهب الحارث و وصل يثرب فوجد القوم في عزاء .
سأل عن أخوه فقالوا له . قد مات اخوك عبدالله وذلك قبره .
فوقف عند قبرِ أخيه وبكى حتى أفرغ حُزنه بالبكاء عليه .
رجع الى مكة وأخبر أبيه . فكانت الفاجعة .
ضاجت مكة وقريش بهذا الخبر .
((سبحان الله قبل أشهر يُفدى بمئةٍ من الإبل وبعد شهرين يدركهُ الموت !!
ما السر في ذلك ؟؟
(( حتى يخرُج من صُلبهِ محمدٌ رسول الله ﷺ ))
حزنت مكة كلها على وفاة "عبدالله"
وكانت "آمنة" قد حملت بهذا الطفل المبارك الذي سيكون رحمة للعالمين .
لم تكن تعلم أنها حامل ولإنها كانت صغيرة بالعمر ولإنها أول مرة تحمل .
تقول "آمنة" لم أعرف أني حامل إلا أنني أنكرت حيضتي "أي أنقطع عنها الحيض"
فلما كان الشهر الثاني من وفاة زوجها عبد الله رأت رؤيا ..
هتف هاتفٌ في أذنها وهي نائمة .....
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع ..... بمشيئة الله تعالى.
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الاستاذ
06-08-2022, 04:52 AM
الله ينور عليك يا رحال
الغريب
06-08-2022, 10:11 AM
ابن الحته
نورك يالغلا شاكر مرورك
الانيق
الغريب
06-09-2022, 11:00 AM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة
حمل آمنة بسيد الخلق ﷺ .
رأت آمنة أم النبي ﷺ رؤيا تقول . هتف هاتف في أذني وأنا بين النائم واليقظان
قال لي : يا آمنة هل شعرتِ أنك حملتِ ؟؟
تقول آمنة فكأني شعرتُ أني أقول له لا أدري !!
قال : يا آمنة قد حملتي بسيد هذه الأمة ونبيها .
فإذا ولدته فسميه "محمد"
قالت فكان ذلك مما أكد لي الحمل .
ثم عرفت آمنة أنها حامل بعد انقطاع الحيض فعلم عبد المطلب أن آمنة قد حملت .
فرح عبدالمطلب فرحاً كبيراً وفرحت مكة كلها بهذا الخبر
ثم ذهب ليهنيء آمنة فقالت له آمنة .
أريد أخبرك عن رؤيا رأيتها ، فلما قصت عليه الرؤيا.
تذكر عبد المطلب جميع ما مر به من مُبشرات وأنه سيخرُج من صُلبهِ مولود له شأن عظيم .
وتذكر تلك الرؤيا في منامه .
"أنه رأى سلسلة من فضة خرجت من ظهره حتى صعدت للسماء .
ثم رجعت إلى شجرة خضراء لها غصون ولها ظل .
فجاء جميع الخلق وتعلقوا بها .
ولإنه كان يسافر كثيراً فكان يقابل الأحبار والعرافين وأهل الكتاب .
وكانوا جميعهم يبشرونه أنك في ظِل نبي آخر الزمن هو فخرٌ للعرب كلها ولن يخرج إلا من دائرة بيتك .
وقص رؤياه لأهل المعرفة والكتاب ولِمن كان عِندهُ علم بتفسير الرؤى
فقالوا له : يخرج من صُلبك مولود يكون له شأن عظيم في الأرض والسماء !!
فلما قصت عليه آمنة الرؤيا تهلل وجهه بالسعادة
وقال لها . يا آمنة أُكتمي رؤياكي ولا تحدثي بها أحداً .
يا آمنة إن أهل الكتاب أخبروني وبشروني بنبي آخر الزمن المنتظر ولعل الجنين الذي في بطنك يكون هو .
فإن لأهل الكتاب حوله إشاعة كبيرة ..
ومضت الأشهر والأيام وآمنة تقول لم أجد في حملي كما تجد النساء .
لم أشعر به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء .
"أي . لا وحام ولا تعب ولا دوخة ولا إرهاق ولا ألم"
حتى أني أذهب للبئر لأشرب أرى ماء البئر قد أرتفع فإذا شربت رجع الماء .
وذلك ببركة من تحمل ﷺ .
فأخبرتُ بعض النساء حولي فقلن لي علقي حديداً في عضديك ورقبتك .
"يعني مثل أيامنا هذه . تعليق الطوق في الرقبة على شكل عين وما إلى ذلك من الدجل والشرك لترد العين والحسد وأذى الجن"
قالت ففعلت . فما مضى يوم إلا قطع فتركته ولم ألبسه ..
ومضت الأشهر حتى دخلت في الشهر التاسع .
وهنا قبل مولده ﷺ بخمسين يوم وقع حدث عظيم أهتزت له مكة والعرب .
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع... بمشيئة الله تعالى.
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-09-2022, 11:02 AM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة
إرهاصات النبوة .
قبل مولدِ النبي ﷺ بخمسين يوم وقعت حادثة اهتز لها العرب جميعاً .
وهي حادثةُ الفيل وكانت من إرهاصاتِ النُبوة قبل مولدهِ ﷺ .
فما هي الإرهاصة والمعجزة والكرامة والإستدراج والإهانة .
هم خمسُ أسماءٍ لمسمىً واحد وهو الأمرُ الخارقُ للعادة .
الإرهاصة .
هي أمرٌ خارق يحدثُ لأي نبي قبل مولده أو قبل أن ينزل الوحي عليه .
وهو عبارة عن تجهيز لحضوره تماماً مثل حادثة أصحاب الفيل قبل مولده ﷺ بخمسين يوماً وسنأتي على ذكرها .
المعجزة .
عندما يُوحى إلى نبي ويتسلم مهام الرسالة ويقول للناس إني رسول الله إليكم ويأتي بأمر خارقٍ للعادة دليل على صدقهِ ورسالته .
الكرامة .
أمرٌ خارق يحدث لإنسان صالح ...
مثل الصحابة رضوان الله عليهم والأولياء .
الإستدراج .
تكون لإنسان منافق يعتقد الناس أنه من الصالحين
فيستدرجهُ الله سبحانه بأمرٍ خارق حتى يوردهُ في النهاية للهاوية .
قال تعالى
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)
سورة الاعراف .
الإهانة .
أمرٌ خارق يحدثُ لمن يدّعي أنهُ رجل صالح مثل مسليمة الكذاب .
إدعى مسيلمة الكذاب النبوة وأنه شريكٌ لمحمد ﷺ في الأرض بالرسالة .
كان قومهُ يعلمون أنه كاذب فأرادوا أن يستهزوء به .
قالوا يا مسيلمة . محمد قد ظهر على يده خوارق .
قال لهم . ماذا تريدون ؟؟
قالوا : بلغنا أن محمداً بصق في عين أحد أصحابه بعد أن قُلعت من مكانها في إحدى الغزوات .
(( يقصدون الصحابي قتادة رضي الله عنه عندما قُلعت عينه في غزوة أُحد فجاء يحملُها على كفه فأخذها النبي ﷺ وأرجعها مكانها وبصق عليها فرجعت تبرُق في وجهِ قتادة .
وكان قتادة يقول والذي بعث محمداً بالحق لإني أرى فيها أفضل من عيني السليمة ))
قال مسيلمة أحضروا لي رجل أعور .
فأحضروا له رجل أعور فبصق في عينهِ من أجلِ ان يُشفى فعميت عينه الأخرى .
هذا أمر خارق لو بصق كل الناس في عين شخص لا يعمى .
فضحك الناس عليه
قال لهم . هاتوا غيرها .
قالوا له . بلغنا أن محمداً جاء الى بئر ماء مالح وقليل لا يسقي الظمأن فبصق فيه فكثر الماء وامتلأ البئر على الفور .
فذهب مسيلمة معهم إلى بئر فيه ماءٌ قليل فبصق فيه مسيلمة فجف الماءُ على الفور لم يبقى فيه نُقطة ماء واحدة .
"هذا مايُسمى الإهانة ولكنها خارقة للعادة ."
ومن الإرهاصات قبل مولده ﷺ حادثة أصحابُ الفيل .
كانت هذه الحادثة بمثابة لفت لأنظارِ العالمَ كُله لهذا المكان الذي سيولدُ فيه سيدُ الخلق وإمام المرسلين سيُدنا محمد ﷺ .
كان ذلك الحدث الضخم الغريب العجيب الذي لم يسمع به العالم من قبل .
فما قصة أصحابُ الفيل ولماذا أراد أبرهة هدمَ الكعبة ؟
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع بإذن الله …
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
ألحان
06-09-2022, 02:12 PM
سيرة طيبة مباركة كل الشكر ايها القدير
الغريب
06-09-2022, 02:33 PM
شكرا لك
ألحان
على مرورك الطيب
الغريب
06-09-2022, 10:22 PM
هدووء صديقي
الموقر شاكر مروركم الانيق
بين ثنايا متصفحي المتوااضع
بارك الله بك
الغريب
06-11-2022, 10:48 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة
أصحاب الفيل / الجزء الأول .
قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)
سورة الفيل .
عندما استولى ملك الحبشة على أرض اليمن ولى عليها حاكمآ من الأحباش إسمه "أبرهة الأشرم"
كان أبرهة رجلاً قصير و ممتليء .
تبارز يوماً مع رجل ضخم فضربه الرجل بالحربة على جبهته فشرم حاجبهُ وأنفه وعينه وشفته .
أي جرحها . لذلك سمي "الأشرم"
كان أبرهة حاكم لليمن وله جيش قوي .
وبما أنه حاكم جديد على هذه البلاد ولا يعرف طبيعة أهلها .
استغرب عندما رأى كثير من أهل اليمن يشدون الرحال الى مكة في موسم الحج .
فسأل أتباعه . ما ذاك ؟؟
قالوا له : يحجون .
قال لهم : والى أي شيء يحجون ؟؟
قالوا له : الى الكعبة .
قال : وماهي الكعبة ؟؟
قالوا : هي بيت يعتقد العرب أنه بيت الله في الأرض بناه جدهم إبراهيم عليه السلام .
قال : اخبروني عنه . من أي شيء صنع هذا البيت ؟؟
قالوا له : من الحجارة ولا سقف له .
قال لهم : وما كسوته ؟؟
قالوا له : كسوته من مخطوطات يمنية .
"كان ستار الكعبة في الجاهلية يصنع في بلاد اليمن قطع قماش تسمى مخطوطات لونها أحمر وأسود "
فكر أبرهة بالأمر . ثم استشار المقربين منه .
قال ما رأيكم أن نبني كنيسة للعرب في اليمن أفضل من هذا البيت ؟
أعُجبوا بالفكرة و وافقوه على فكرته .
بدأ ببناء كنيسة عظيمة في صنعاء وبالغ جداً في زخرفتها وزينها بأنواع الزمرد والياقوت .
"وكساها بأجمل القماش حتى يجذُب الناس إليها ويصرف انظارهم عن الكعبة"
ثم طلب من العرب أن يحجوا إليها ..
استهزء العرب منه قالوا نترك كعبة أبينا ابراهيم بيت الله لنحج الى كنيسة أبرهة ؟
مضت الأيام ولم يأتي إليها أحد فشعر أبرهة بالفشل والخيبة فلم يستجب الناس إليه .
حتى جاء رجل من أهل الحجاز ليلاً ودخلها حتى وصل إلى أرفع واجمل مكان فيها وتغوط عليها .
"يعني قضى حاجته عليها"
لطخها بالنجاسة ثم قال : هذا حجنا إليها يا أبرهة . ثم انصرف
في الصباح عندما استيقظ أبرهة من نومه أخبره حاشيته بما حدث ليلاً من ذلك الرجل .
فأشتعل أبرهة من الغضب وأقسم ليهدم كعبة العرب .
وحمل حملته على العرب
جهز جيش ضخم لم يُرى مثله لكي يهدم "الكعبة" وينتقم منهم .
تقدم أبرهة بجنده بفيل عظيم وفي طريقه كان يبعث جنوده على قبائل العرب ليغزوهم ويأخذ طعامهم وشرابهم لينفقها على جيشه .
حاولت قبائل عربية التصدي له ولكن باءت بالفشل والهزيمة أمام جيشه .
بعض القبائل العربية عندما سمعت بقدومه تركت منازلها وهربت الى الجبال .
كل العرب وقبائل العرب لم تستطع الوقوف في وجه أبرهة وجنده .
كان جيش أبرهة عبارة عن عاصفة دمرت قبائل العرب .
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع بإذن الله …
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-11-2022, 10:49 AM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة
أصحاب الفيل / الجزء الثاني .
جهز أبرهة جيشه وانطلق به في إتجاه الكعبة .
وكان من تجهيزات هذا الجيش الفيل والخيل والجمال .
تقدم أبرهة بجنده وكان يركب على فيل عظيم وأمر جنده أن يتبعوه .
كان الطريق الى مكة طويل فكان كلما مر على قبيلة من قبائل العرب بعث فرقة من جنده وأغاروا عليها ينهب أموالهم وأغنامهم وإبلها [[ ليطعم جيشه الضخم في الطريق ]]
بعض القبائل طبعا كأي زمان ومكان . بعض العرب وضعوا ايديهم بيده وقدموا له المساعدة لينالوا رضاه .
حتى وصل الى منطقة قريبة من مكة فأقام فيها .
ثم أرسل فرقة من جيشه فنهبت الإبل والاغنام لقريش التي كانت ترعى في الجبال والشعاب .
"من ضمنها إبل لعبد المطلب جد الحبيب ﷺ .
لما علم أهل مكة بالأمر اجتمعوا للتشاور .
وكان الخوف الشديد يملأ بيوت مكة وقالوا لا طاقة لنا بأبرهة وجيشه .
"أهل مكة ليس عندهم جيش منظم ومدرب .
والذي زاد خوفهم أكثر الفيل الضخم .
ثم بعث أبرهة رسول من عنده لأهل مكة .
قال له : إذهب إليهم واسأل عن سيد هذه البلد
وقل له
"إن الملك يقول لك إنه لم يأتي لحربكم .
إنما أتيت لهدم هذا البيت فلا تتعرضوا لنا للقتال واخلو لنا المكان كي نهدم هذا البيت .
فإن قالوا لك أنهم لا يريدون القتال فأحضر لي سيدهم أتشاور معه"
دخل رسول أبرهة مكة وسأل عن سيد قريش .
قالوا له : عبد المطلب سيد مكة وشيخها .
حضر عبد المطلب فقال له الرسول ما أمره به أبرهة
فقال عبد المطلب . والله لا نريد حربه وليس عندنا طاقة لحربه .
ولكن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم .
فإن أراد الله منع أبرهة من بيته وحرمه منعه
وإن أراد ان يخلي بينه وبين بيته فنحن لاطاقة لنا بقتال أبرهة .
فقال له الرسول : انطلق معي يا شيخ مكة فالملك يريد مقابلتك .
ذهب عبد المطلب لمقابلة أبرهة فأستأذن بالدخول عليه
قال أبرهة : من هذا الذي يطلب الدخول ؟
قالوا له : هذا عبد المطلب شيخ مكة هو الذي يطعم الناس والطير والسباع من كرمه وجوده .
ويؤمن الحجيج ويسقي الماء .
(( أعجب أبرهة بخصال عبد المطلب ))
فلما دخل عبد المطلب وكان عبد المطلب رجل طويل وعظيم له هيبة وجمال .
لما رآه أبرهة وثب واقفاً ورحب به .
وكان من عادة أبرهة يجلس على سرير ملكه .
والناس تجلس تحته فأراد أن يُجلس عبدالمطلب بجانبه لشدة هيبته .
كره أن تراهُ حاشيته وهو يجلسه بجانبه فنزل أبرهة عن سريره وجلس على البساط وأجلسه معه الى جانبه .
قال أبرهة لترجمانه : قل له حاجتك ؟
فقال له ذلك الترجمان .
فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي .
فلما قال له ذلك .
قال أبرهة لترجمانه قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني .
أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئتُ لهدمه ولا تكلمني فيه !
قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل "أي صاحبها" وإن للبيت رباً سيحميه .
قال أبرهة : ما كان ليمتنع مني "أي لا يستطيع رب البيت أن يقف بوجهي"
قال عبد المطلب له : أنت وذاك "بمعنى أنت حر"
فأعاد له أبرهة الإبل .
وأخذ يضحك ويقول للبيت رب يحميه . للبيت رب يحميه ويضحك بأستهزاء .
رجع عبد المطلب لمكة وإجتمع بقومه .
قالوا له قريش . ما الحيلة يا شيخ مكة ؟ "ماهو الحل"
قال لا حيلة لنا لا نستطيع رد أبرهة ولكن الله يستطيع .
فأصعدوا إلى رؤوس الجبال ولا تقاتلوا وأتركوه هو ورب البيت .
ثم ذهب عبد المطلب للكعبة وأخذ بحلقة باب الكعبة وقال إن المرء منا ليحمي رحله ..
اللهم فاحمي بيتك .
دعى الله وهز الحلقة ثم قال لقومه إصعدوا إلى الجبال وأنظروا ما يكون بين أبرهة ورب البيت . صعدوا وأخذوا يترقبون وينظرون .
مكة تترقب وكل العرب في الجزيرة العربية تنتظر أخبار أبرهة وهدمه للكعبة .
تجهز أبرهة هو وجنده لدخول مكة وهدم "الكعبة"
لما وصل أبرهة للكعبة وكان يركب على أعظم وأكبر فيل في الحبشة .
هذا الفيل كان إذا تقدم تقدمت خلفه كل الفيلة .
إذا برك تبرك كل الفيلة "كانت الفيلة مدربة على إتباعه"
فلما وصل هذا الفيل ورأى الكعبة ، برك وبرك خلفه كل الفيلة .
فأداروا وجهه الى جهة اليمن فقام يجري وقامت كل الفيلة خلفه تتبعه .
فوجهوه للكعبة فبرك للأرض ولم يتحرك
أمرهم أبرهة بضربه بالحديد فضربوه فأبى الحركة .
فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول .
عادوا ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك .
ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك .
ووجهوه إلى مكة فبرك .
قال أبرهة : أسقوه الخمر كي يفقد عقله لعله استجاب .
فأسقوه الخمر ولكن من غير فائدة .
أشتعل أبرهة غضباً من الفيل وسل سيفه وطعن الفيل بين عينيه فأرداه قتيلاً .
فجأة شعروا بأشعة الشمس تنحجب ونظروا فوقهم وإذ هي طيور كالغمام الممطر قد حجبت ضوء الشمس من كثرتها .
جاء أمر الله العلي القدير . جاء أمر مالك الملك .
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد .
طيور أبابيل . أسراب ضخمة من الطيور يلحق بعضها بعضا .
يقول أهل مكة عن هذه الطيور
(( لم نرى مثلها من قبل ولا بعد . رؤوسها تشبه رؤوس السباع .
وكان يحمل كل طير ثلاثة حجارة في منقاره حجر وفي رجليه حجرين .
جاءت حتى اجتمعت فوق رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها .
وقعت الحجارة عليهم فكانت تنزل على رأس الرجل تخرج من دبره .
وبعث الله ريحاً شديدة فزادتها شدة حتى جعلهم ربنا كما قال كعصف مأكول
القمح لما تستخرج الحبة من البذرة منه وتتناثر القشرة هنا وهناك .
فكل رجل كان يسقط عليه حجر تتناثر لحمه عن عظمه والدماء تسيل منه حتى يهلك .
حتى ممن هرب من الجند وقد اصابه الحجر كان على الطريق تتساقط أعضائه عضو عضو ، حتى أصبحوا كأبن الفرخ "الطير الصغير ليس له ريش"
وهكذا حمى الله بيته للبيت ربٌ يحميه
حمى الله البيت إستعداداً لهذا المولود .
ورجعت قريش وعرفوا عظمة الله تعالى وعظمة هذا البيت .
هنا أخذ الكون كله يستعد ويتحضر لإستقبال هذا النور النبوي المحمدي ﷺ .
وكان بين حادثة الفيل ومولد الحبيب المصطفى ﷺ 50 يوم .
يتبع مولده وماذا رأت آمنة يوم ولدته .
وعذراً على الإطالة
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع بإذن الله ...
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
ألحان
06-11-2022, 12:22 PM
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
متابعين لهذه السيرة العطرة المباركة
الغريب
06-11-2022, 01:25 PM
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
متابعين لهذه السيرة العطرة المباركة
الله يسسعدك ويبارك بك
وبعمرك لااعتقد هناك جمال
بحجم سيرة رسولنا الكريم عليهدافضل الصلاة والتسليم
الغريب
06-12-2022, 02:09 AM
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ ..
الحلقة الحادي عشر
مولد الحبيب ﷺ .
ولد ﷺ وتشرف هذا الكون بأطهر مخلوق وأشرفهم عند ربِ العالمين في صباح يوم الإثنين 12 ربيع الأول .
ما الحكمة بأنهُ ولد في شهر الربيع ؟؟
لماذا لم يولد في رمضان وهو أشرف الشهور ؟؟
لماذا لم يولد في الأشهر الحرام ؟؟
لماذا لم يولد يوم الجمعة ؟؟
لأن الشهور والأيام هي التي تتشرف بالرسول ﷺ .
وليس هو من يتشرف بالأيام ...
فلو كانت ولادته ﷺ في رمضان أو في الأشهر الحرم
لقال الناس بورك فيه بفضل تلك الأيام .
لذلك كان بمولده ﷺ شهر ربيع الأول من الأشهر المباركة .
وحتى عندما يُذكر اسم الربيع تطمئن القلوب والنفوس له .
كانت ولادته ﷺ في أول ساعة من النهار .
قيل عند الفجر . وقيل عند الضحى .
آمنة أم النبي ﷺ هي التي تخبرنا ما حدث معها عند الولادة عن طريق الصحابية الجليلة "شفاء" رضي الله عنها أم الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه .
كانت من الأوئل الذين أسلموا وهي القابلة التي وقفت مع آمنة أثناء الولادة .
تقول آمنة أم النبي ﷺ أخذني ما يأخذ النساء "تقصد الطلق" ولم يكن عندي أحد ولم يعلم بي من أحد .
فسمعت جلبةً عظيمة "مثل شيء ضخم وقع على الأرض وأصدر صوت عظيم"
فخفت . فسمعت صوت بعده أكبر من الذي قبله . فزاد خوفي .
ثم رأيت نور في المكان وخرج منه كجناح أبيض مسح على قلبي فزال عني الرعب والوجع كله .
ورأيت كأن رجال قد وقفوا في الهواء وبأيديهم أباريق من فضة .
فأخذني المخاض وخرج مني نور أضاءت له قصور الشام .
وكشف الله عن بصري فرأيت مشارق الأرض ومغاربها .
عندها دخلت عليها "شفاء" رضي الله عنها .
تقول "شفاء" . نزل ﷺ من أمه لا كما ينزل الصبية .
"شفاء عندها خبرة فهي التي كانت تولد نساء مكة وهي تعرف أن المولود عندما ينزل . ينزل من رأسه للأسفل .
تقول شفاء : نزل معتمداً على ركبتيه وكفيه ساجداً ينظر بطرف عينه للسماء كالمتضرع المبتهل لله تعالى.
ثم قبض قبضة من التراب "كانت بيوت مكة الأرضية من تراب"
تقول شفاء فحملته ونظرتُ الى وجهه وإذا به كالقمر ليلة البدر يتلألأ نوراً . وريحه ريح كالمسك يسطع منه .
فأردت أن أصنع له كما يصنع للمولود فإذا به لا يحتاج لشيء . كان مقطوع السرة .
تقول شفاء وكان مختوناً "مطهر طهور الأطفال" نظيف مطيب ريحه المسك ومكحل العيون .
تقول شفاء فما كان مني إلا أن ألبسته ثيابه وأعطيته لأمه لإنه ليس بحاجة لشيء ﷺ .
يقول الحبيب ﷺ عن نفسه .
أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت .
موقع ولادته ﷺ عند الكعبة يوجد الآن هناك مكتبة تسمى مكتبة مكة .
ولد المصطفى ﷺ وتشرف الكون بولادته .
وأرسلت آمنة الى جده عبد المطلب على الفور وكان عند الكعبة تخبره أنه قد ولد لك مولود فتعال فأنظر إليه .
فلما سمع عبد المطلب الخبر انطلق مسرعاً إليها مسروراً مندهشاً تغمره السعادة .
ولد لابني عبدالله الذي توفي قبل شهور مولود ....
📗 الأنوار المحمدية .
يتبع بإذن الله …
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-12-2022, 02:12 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ ..
الحلقة الثانية عشر
يوم تشريفه ﷺ لهذا الوجود .
وصل عبد المطلب ونظر للرسول ﷺ وإذا به كالبدر ثم نظر إلى صفاته ﷺ .
"كما قلنا سابقآ أنه كان يسمع من أهل الكتاب عن صفات نبي آخر الأمة"
هنا أيقن أن هذا المولود سيكون نبي هذه الأمة .
حمله عبدالمطلب ورفعه للأعلى يريد أن يعلن إسمه وقال يا آمنة .
فرفعت آمنة يدها "بمعنى أنتظر يا شيخ مكة ، لا تُعلن اسمه"
قالت آمنة : يا شيخ مكة . لقد ولد لا كما يولد الصبيان .
ولد ساجداً إلى الأرض معتمداً على ركبتيه ويديه ينظر الى السماء مختوناً يفيح منه المسك .
وقد هتف لي هاتف مرة أخرى عند ولادته "يا آمنة سميه محمد"
ابتسم عبد المطلب مندهشاً مسروراً وارتسمت السعادة في وجهه .
وقال : أي ورب البيت فلقد عزمت أن أسميه "محمد"
قالت : ولِما يا شيخ مكة عزمت على هذا الاسم ؟
قال : يا آمنة لقد رأيتُ رؤيا في منامي فسألت أهل الرؤى عنها فقالوا لي .
يخرج من صُلبك رجلٌ يطيعهُ أهل السماء والأرض .
فإني أُحب أن أسميه محمدا رجاءً "أن يحمده من في السماء وأن يحمده الناس على الأرض"
فأعلن إسمه محمد ﷺ .
دخلت ثويبة "ثويبة كانت جارية لأبي لهب تسكن قريبة من بيت آمنة"
فلما سمعت الخبر انطلقت على الفور مسرعة وهي تنادي . يا أبا لهب .
"كان لقبه أبو لهب قبل ولادة الرسول ﷺ . إسمه الحقيقي "عبدُ العزة" .
لقبه أبولهب لأنه كان شديد الجمال وكانوا يرون وجهه كأنه طلعة الشمس ولهبها .
"لكن لم ينفعه جمالهُ لعدم إيمانه بالله تعالى "
فقال أبولهب : ويحك يا جارية . ما الأمر ؟
قالت : ولِدَ لأخيك عبد الله مولود .
قال : يا جارية أحقاً ما تقولين ؟
قالت : نعم ورب البيت . وقد سماه أبوك "محمدا"
فقال لها من شدة فرحه وأنتي حرةٌ طليقة يا ثويبة "فأعتقها وأصبحت حرة"
لا أحد يستطيع وصف فرح ثويبة في تلك اللحظة .
إلا أنها من شدة فرحها بالعتق انطلقت مسرعة إلى آمنة وقالت يا آمنة أعتقني أبي لهب بسبب هذا الصبي .
ثم حملته وضمته إلى صدرها ﷺ .
ثم قالت يا آمنة هل تسمحي لي أن أرضعه ؟؟
فسمحت لها . فأرضعته ثويبة . فكان أول لبن دخل فمه ﷺ لبن ثويبة .
فأول مرضعة للرسول ﷺ كانت ثويبة .
أرضعته من لبن ابنها "مسروح" فمسروح أخو النبي ﷺ من الرضاعة .
وارضعت ثويبة ايضاً سيد الشهداء "حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول ﷺ فكان حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخو النبي صلى الله عليه وسلم بالرضاعة"
كان قريب في العمر منه في سن الرضاعة وكان حمزة رضي الله عنه قد سبق الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين من العمر .
كما أنه قريب له من جهة الأم .
فأمه هالة بنت وهيب إبنة عم آمنة أم الرسول ﷺ .
لذلك عندما عرض على رسول الله ﷺ الزواج من إبنة حمزة .
قال ﷺ لا تَحلُ لي . يحرمُ من الرضاع مايحرمُ من النسب . هي بنت أخي من الرضاعة .
ثم أرضعته أمه آمنة سبع أيام على التوالي ..
"وليس كما يقول بعض الجاهلين رفض أن يرضع من أمه هذا الكلام مكذوب"
أرضعته أمه سبع أيام لبن اللبان .
"حليب اللبان يعرفه النساء يعطي المناعة للطفل والصحة"
ثم أرضعته حليمة السعدية التي سيأتي ذكرها بالتفصيل .
عن ابن عباس رضي الله عنه وهو إبن عم الرسول ﷺ .
يقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لقد رأيت أبي لهب بعد موته في منامي .
فقلت له . أي أبي لهب ماذا رأيت بعدنا ؟
"يعني كيف حالك بعدنا ؟"
قال : لم أرى خيراً قط .
غير أني في كل يوم إثنين يخفف عني العذاب وأُسقى من ها هنا "ومد إصبعه الشاهد والإبهام" يعني بحجم هالأصبعين أسقى من ها هنا ماء بارد لفرحي بمولد محمد وإعتاقي ثويبة"
فسكت النبي ﷺ ..
وإذا سكت الرسول ﷺ يعني أقر الحديث وأيده .
"قيل أنه يخفف عنه عذاب القبر لإنه لم يدخل أحد جهنم إلا بعد يوم القيامة"
أما في جهنم لايخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون .
وبعد أن أعلن عبد المطلب عن اسم المولود وسماه محمد ﷺ حمله وانطلق به باتجاه الكعبة وهو مسرور مشرق الوجه قد فرح فرحاً لم يفرح مثلهُ من قبل ....
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.
يتبع بإذن الله تعالى......
جاروط
06-12-2022, 03:49 AM
♥💚♥💚 اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم 💚♥💚♥
في ميزان حسناتك يارب 😍
جاروط
06-12-2022, 03:51 AM
🌹💎🌹💎 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 💎🌺💎🌺
جزاك الله خيراً
جاروط
06-12-2022, 04:13 AM
🌹💎🌺 اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم و بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ❤💚😍
في ميزان حسناتك يارب 😍
الغريب
06-12-2022, 10:10 AM
الغالي
جاروووط احسن الله اليك
كل الشكر على المرور
الطيب وفقك الله دماقصررت
الغريب
06-12-2022, 10:15 AM
وانت كذلك
اخي جاروووط
ششاكر لك مرورك المميز
بارك الله بك
الغريب
06-12-2022, 10:16 AM
بارك الله بك.اخييينا
جارووط على مرورك
القيم والمتواااصل
بارك الله بك وأثابك
الغريب
06-13-2022, 02:59 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر
الأحبار والرهبان يوم مولده ﷺ .
حملهُ عبد المطلب حتى وصل الكعبة وفُتِح لهُ بابها ودخل إليها وهو يحمله .
ثم خرج وطاف فيها وهو مسرور ويردد ويقول
"الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام أعيذه بالبيت ذي الأركان من كل حاسد"
ثم رجع الى آمنة وأعطاها أياه وقال لها : احرصِي عليه .
ثم انطلق عبد المطلب مسرعاً الى الراهب النصراني "عيص" يستوثق منه .
أهل الكتاب "الأحبار والرهبان" في شهر مولده كلهم كانوا منتظرين مولدهُ وعندهم علامات ظهور نجمه وصفاته وأن مولده في مكة .
فلم يكن ميلاد النبي ﷺ مفاجأة بل علم به الكثير من أهل الكتاب .
الرهبان "علماء الدين النصارى"
الأحبار "رجال الدين اليهود"
عندنا في الاسلام لا يوجد شيء اسمه رجال دين.
فليس منا إلا عالم أو متعلم .
لايوجد عندنا ترتيب هرمي في الإسلام يشبه الرتب العسكرية .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ .
رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه .
📚 رواه مسلم .
عندنا في الإسلام بدويّ يدخل على النبي ﷺ وهو جالس على الأرض مع الناس فيسأل أيّكم محمد ؟؟ صلى الله عليه وسلم.
في الإسلام ليس هناك واسطة بينك وبين الله تعالى .
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
سورة البقرة .
ذهب عبد المطلب يستوثق من الراهب النصراني "عيص" عن هذا المولود لأنه كان يرجو أن يكون لهذا المولود شأن عظيم .
من هو الراهب "عيص" ؟؟
رجل جاء من بلاد الشام إلى مكة .
راهب من النصارى سكن في طرف مكة في صومعة .
إسمه عيص كان هو المرجع الوحيد في علم النصارى في ذلك الوقت .
عندما اقترب مولد النبي ﷺ جاء لمكة ينتظر مولده .
سكن عيص في أطراف مكة فكان يدخل مكة كل فترة من الزمن ويجلس في أندية قريش .
"قلنا أن الأندية كانت حول الكعبة مجالس يجلس فيها الرجال يجتمعون ويتحدثون"
فيدخل الراهب "عيص" في أندية قريش وأسواقها ويسأل يقول : يا معشر قريش . هل ولد فيكم مولود وله من الصفات ، كذا وكذا ؟
فيقولون له : يا عيص . الذي تصفه لم يولد بعد !!!
فيقول لهم عيص : وربِ موسى وعيسى ما تركتُ بلاد الخمر والخمير "يقصد بلاد الشام وخيراتها" وجئت هنا إلا في طلب هذا المولود .
فإن هذا زمن خروجه .
يولد في بلدكم "أي مكة" هو خاتم الأنبياء والمرسلين وبه تُختم الشرائع .
من أطاعه فقد اهتدى ومن عصاه فقد خاب وخسر .
كان كل فترة يمر ويسألهم فيقولون له ولد فلان وفلان ويعطونه أوصافهم .
فيقول لهم ، لا لا ليس هو .
ففي أول يوم من مولدهِ ﷺ وفي صبيحة ذلك اليوم لما ولد ﷺ وأخذه جده وطاف به بالكعبة ورأى صفات المولود ورجع أعطاه لأمه وأوصاها عليه .
هنا تذكر عبد المطلب الراهب عيص فأراد أن يذهب إليه ويستوثق منه الخبر .
انطلق عبد المطلب مسرعاً الى صومعة عيص .
عندما وصل للصومعة أخذ ينادي عيص .. عيص .
فقال له عيص : كن أباه يا شيخ مكة.
فقال عبد المطلب مستغرباً : من ؟
قال عيص : لقد ولد الذي كنت قد حدثتكم عنه .
وربِ موسى وعيسى إنه وجع يشتكي ثلاثة أيام ثم يعافى
"أي هذا المولود قد أصابه بعض المرض"
إحفظ لسانك يا عبدالمطلب "أي لا تتكلم عنه لأحد"
فإنه لايحسد حسده أحد "أي إذا علموا عنه شيء ، فالناس الحاقدة ستسعى لأذيته . وإذا وقع في مصيبة يتشمتون به"
وإياك واليهود فيبغون عليه كما بغوا على الأنبياء قبله "اي اليهود معروفون أنهم قتلة الأنبياء . فإذا سمعوا به اليهود قتلوه كما قتلوا الأنبياء قبله"
فقال عبد المطلب : يا عيص لقد ولد لأبني "عبدالله المتوفى قبل أشهر ولد"
فقال عيص : هو ذاك يا عبدالمطلب . هو ذاك وربِ موسى وعيسى .
إنا لنجد في كتبنا أنه يولدُ يتيماً . فاحفظ لسانك واحرص عليه .
فيه أخبار كثيرة عن الأحبار اليهود والرهبان من النصارى بمعرفتهم في يوم مولدهِ وصفاته ولكن نكتفي بقصة الراهب عيص و يكفينا قوله تعالى فيهم :
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146).
سورة البقرة
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى......
الغريب
06-13-2022, 03:00 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابع عشر
إلتماس المراضع له ﷺ .
تشرف الكون بسيدنا محمد ﷺ وأرضعته أمه سبع أيام على التوالي ..
ثم التمس له المراضع .
لماذا التمِس له المراضع ؟
كان من عادة قريش أصحاب السيادة يحبون أن يتربى أبنائهم خارج مكة .
"تقريباً مثل أيامنا هذه . الذي يملك المال يضع أولاده في أفضل مدرسة خاصة"
فلم يكن يسترضع في مكة كلها إلا الأغنياء وأصحاب السيادة .
وذلك لثلاثة أسباب .
1_ يخافون على أولادهم من وباء مكة في مواسم الحجيج .
"كان يأتي ناس كثير للحج والتجارة من شتى البلاد .
ومنهم من يحمل الأمراض المعدية معه فيخافون على أطفالهم الرضع من انتقال الأمراض .
فالكبار يستطيعون التحمل أما الرضع لا يتحملوا"
فكانوا يحبون أن يربى الولد في أول عمره في البادية حيث الهواء النظيف والبيئة النقية .
وعندما يكبر ويشتد عوده . يرجع إلى أهله .
2_ اللغة العربية .
في مكة لم تكن بتلك الفصاحة المطلوبة حيث كان أهل البادية في ذلك الزمن مشهورون بفصاحة اللسان .
فكانت اللغة العربية عندهم أكثر فصاحة فيتعلم الطفل الصغير فصاحة اللسان من صغره .
في هذا الزمن تجردنا من عروبتنا وأكثر اهتمامنا تعلم لغة الغرب .
وهو فعل جيد لا أحد يُنكره فمن تعلم لغة قومٍ أمنهم .
ولكن لا يعني ذلك أن نهمل لغتنا لغة القرآن الكريم ونجعلها وراء ظهورنا .
3_ أسياد مكة كانوا يحبون من الزوجة أن تتفرغ لزوجها وتتزين له .
لإنه من الأشراف ولا تنشغل عن زوجها بالرضاعة والحضانة .
وربما يسأل أحدهم .
إذا كان ذلك أحد الأسباب . فالنبي ﷺ ولد يتيماً ولا يوجد لآمنة زوج لكي تتفرغ له ؟
"السبب لأن جده عبدالمطلب لم يرضى بنقص قدر هذا المولود اليتيم أمام بقية الأولاد في مكة .
وأراد أن يجبر خاطر آمنة وقلبها ولو كان يتيماً يا آمنة .
فإن محمداً سيسترضع مثله مثل أبناء الأشراف ولن ينقص عليه شيء .
المراضع وهم نساء كانوا يأتون من البادية لمكة مع أزواجهم في العام إما مرة أو مرتين .
فجاء قوم من بني سعد :
"هم أهل حليمة السعدية مرضعة الحبيب ﷺ يريدون رؤية أطفال رضع في مكة من يطلب مرضعة حاضنة ، يطوفون بين أسياد قريش ، ويسألون هل منكم من يريد مرضعة ؟
هل منكم من يحب أن نحتض ولده ؟؟
فلم يبقى منهم مرضعة إلا عُرض عليها ، النبي ﷺ .
فيسألوا : من أبو هذا الصبي .
"يريدون رؤية أبوه لأن الأب هو الذي سيدفع لهم المال"
فيقال لهم : أبوه عبدالله . مات وأمه حامل به !
فتتغير ملامحهم ورغبتهم في حضانته ويقولون لا رغبة لنا لعلكم تجدون غيرنا ثم ينصرفوا .
لأنهم يريدون الأجر والكرم من والد الصبي .
صحيح أن جده عبد المطلب شيخ مكة ولكن المعروف لدى الجميع أن الكرم الأكثر يكون من الأب .
ومهما كانت الأسباب .
إنها إرادة الله عزوجل أليس هذا محمد ﷺ حبيب الله .
ألم يخبره بمنزلته عند رب العالمين واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا .
نترك الأسباب وننظر الى إرادة المسبب .
فالله عز وجل سبحانه صرف كل المراضع عنه إلا حليمة السعدية .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
جاروط
06-14-2022, 02:14 AM
في ميزان حسناتك يارب 😍
🌹💎🌹💎 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 💎🌺💎🌺
جاروط
06-14-2022, 02:16 AM
حشرك الله تحت لوائه
♥💚♥💚 اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم 💚♥💚♥
الغريب
06-14-2022, 02:16 AM
في ميزان حسناتك يارب 😍
🌹💎🌹💎 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 💎🌺💎🌺
بارك الله بك
الغالي جاروط
نتشرف بتوااجدك وتقيمات
وانصافك في الردود
كل الشكر بآلق وجزااك الله خير
الغريب
06-14-2022, 02:17 AM
حشرك الله تحت لوائه
♥💚♥💚 اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم 💚♥💚♥
الغريب
06-14-2022, 02:17 AM
الغالي جاروط
نتشرف بتوااجدك وتقيمات
وانصافك في الردود
كل الشكر بآلق وجزااك الله خير
الغريب
06-14-2022, 03:03 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر
حليمة السعدية . الجزء الأول .
صرف الله عز وجل كل المراضع عنه ﷺ إلا "حليمة السعدية"
تقول حليمة . والله مابقي من صواحبي إمرأة إلا أخذت رضيعاً غيره وأنا لم أجد غيره .
فكرهت أن أرجع من غير رضيع .
حليمة السعدية وزوجها أبو كبشة .
الذي يقرأ السيرة ويتعمق فيها يدرك أنهما كانا طيبين وحظهم في الدنيا قليل .
ولكن الله إذا أعطى أدهش .
فعزمت حليمة السعدية على أخذ هذا اليتيم . هي لم تراه بعد .
تقول حليمة : فذهبت الى عبدالمطلب فأستقبلني .
قال : من أنتِ ؟
قلت : حليمة السعدية .
فقال : بخٍ بخ . سعد وحلم ، خصلتان إذا اجتمعتا ، ففيهما خير الدهر وعز الأبد .
تفاءل بإسمها .
فقال . يا حليمة عندي غلاما يتيماً وقد عرضتهُ على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن . فهل لك أن تُرضيعه فعسى أن تسعدي به ؟
فقلت له : حتى أسال صاحبي "أي زوجها ، أبو كبشة"
تقول فرجعت فسألت زوجي فتهلل وجهه وأشرق وكأن الله قذف في قلبه الفرح والسرور .
فقال لي : نعم يا حليمة خذيه . ماذا تنتظرين ؟؟
فرجعت إلى عبد المطلب فوجدته جالساً ينتظرني ، فأستهل وجهه فرحاً عندما رأني .
ثم أخذني وأدخلني على آمنة .
فرحبت بي آمنة وقالت لي : أهلاً وسهلاً تفضلي بالدخول .
تقول حليمة : فدخلت في البيت الذي فيه محمد. صل الله عليه وسلم.
فلما نظرت إليه !
"فإذا هو مُغطى في صوف ، أبيض من اللبن . يفوح منه المسك . وتحته حريرة خضراء نائمٌ على ظهره . فأشفقت أن أوقظه لحسنه وجماله"
تقول حليمة : فاقتربت منه رويداً رويدا ووضعت يدي على صدره
فلما وضعت يدي تبسم . ثم فتح عيناه ونظر إليّ فخرج من عينيه نور دخل عنان السماء .
فما كان مني إلا أن حملته وضممته و قبّلته ثم أخذته ورجعت إلى رحلي .
تقول حليمة : فحملته وكان معي أخاه "أي تقصد ابنها الذي ولدته واسمه عبدالله ، أخو النبي ﷺ ، من الرضاعة"
ثم ... أعطيت إبني لأبيه أبا كبشة "أي زوجها"
كنت قد أتيت إلى مكة على أتان "انثى الحمار" كانت هزيلة ضعيفة .
وكان معنا ناقة والله لقد جف ضرعها .
حتى الناقة التي مع حليمة ليس فيها حليب وكانت سنة جفاف .
✨✨✨✨✨✨✨✨
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
تابع الحلقة الخامسة عشر
حليمة السعدية . الجزء الثاني .
أخذت حليمة النبي ﷺ ورجعت إلى رحلها .
تقول كنت قد أتيت إلى مكة على أتانِ "انثى الحمار" كانت هزيلة ضعيفة .
وكان معنا ناقة . و والله لقد جف ضرعها .
فكانت تركب على هذه الحمارة وهم ذاهبون لمكة
فكان الركب يسبقوني وأتاني "انثى الحمار" التي أركبها لا تستطيع أن تلحق بهم .
فيقولون : يا حليمة قد أعييتي الركب .
"اسرعي قليلاً فقد تأخرنا جميعاً . تعبنا منك بسبب سيرك البطيء"
تقول حليمة : فلما أخذت محمد ورجعت به إلى راحلتي عرضت عليه ثديي وما كان في صدري مايشبع إبني "عبدالله" أخو النبي ﷺ في الرضاعة وكان لا يرتوي من الحليب فلا ننام الليل من بكاءه .
فلما وضعت محمداً في حجري وعرضت عليه ثديي الأيمن اهتز صدري وانفجر فيه اللبن .
فشرب حتى إرتوى ﷺ ففرحت فأعطيته ثديي الآخر فلم يأخذه .
"وكأن الله عزوجل ألهمه أن له شريك في هذا اللبن فأخذ واحد وترك الآخر لأخوه عبدالله لإنه ﷺ جاء بالعدل .
فإن لم يعدل محمد رسول الله ﷺ فمن يعدل"
تقول حليمة : فلم يأخذ الثاني طوال سنتين.
قالت : فوضعت ابني على ثديي الثاني فرضع وشبع .
ثم قام زوجي أبو كبشة إلى الناقة وكان ضرعها قد نشف ليس فيها حليب .
فقام إليها وإذا ضرعها قد إمتلأ باللبن .
فقال أبا كبشة لحليمة : وهو يضحك من الفرح .
يا حليمة . ألم أقل لك أن هذا الصبي بركة !
فحلبها وشربنا ونمنا بخير ليلة .
في الصباح تجهز القوم للسفر ليعودوا لديارهم ديار بني سعد .
"المسافة من مكة لديار بني سعد حوالي 150 كم .
منطقة جبلية ومرتفعة عن سطح البحر جوها لطيف"
تقول حليمة : ركبت الأتان كانت لم تركب حليمة هذه الحمار من كثر ماهي نحيفة تضرب أقدامها بعضها ببعض حتى جرحت .
تقول : فلما ركبت وحملت محمداً معي وإذا بها انطلقت وكأنها تسابق الركب .
وصاحباتي يقولون : ياحليمة ياحليمة أتعبتينا في طريقنا إلى مكة ونحن ننتظرك لتلحقي بنا .
والآن أتعبتينا ونحن نلحق بك . أليست هذه أتانك التي أتيتي بها من ديارنا ؟
فترد عليهم حليمة : بلى هي .
يقولون لها : قولي لنا ماشأنها مالذي حل بها ماقصتها .
تقول : لا أدري .
فيقولون فعلاً إن أمرها لعجيب . كانت ضعيفة جدا ما الذي جعلها بهذه القوة .
"ذلك ببركة نبيكم وحبيبكم محمد ﷺ .
حتى اقتربوا من سوق عكاظ .
كانت قبائل العرب تجتمع في هذا السوق للتجارة وتعرض بضاعتها وتبدأ كل قبيلة تلقي الشعر والقصائد بمدح قبائلهم ويتفاخروا في عكاظ كل واحد على الآخر بالشعر.
"لذلك كان هذا سبب تسميته سوق عكاظ"
طبعاً في كل منطقة تجارية . من الذي يتواجد فيها دائماً ؟؟
"اليهود طبعاً .
فاليهود إذا بحثت عنهم تجدهم عند المال . هم أهل المادة سياستهم مسك العصب الرئيسي للأقتصاد"
لما نظر أحبار اليهود لقافلة بني سعد قادمة من بعيد عرفوا أن هذه القافلة تحمل رسول الله .
كيف عرفوا ؟؟؟
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-14-2022, 03:04 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
تابع الحلقة السادسة عشر
حليمة السعدية /الجزء الرابع .
تقول حليمة : وصلنا إلى ديار بني سعد فلم يبقى بيت في ديار بني سعد إلا فاح منه ريح العود وكانت أرضنا عجفا .
"أي أصابها الجفاف من قلة الماء ناشفة ولا يوجد ربيع في الأرض "
وكانت الأغنام تسرح وترجع هزيلة ولم يدخل في بطنها شيء من طعام وليس في ضرعها لبن .
تقول حليمة : فلما قدمنا بمحمد. صل الله عليه وسلم.
أصبحت أغنامي تعود وقد شبعت وقد امتلأ ضرعها باللبن .
كنا نرى الخضرة في أفواهها وليس في أرضنا نبته "ترجع الأغنام وما يزال موجود أثر الأعشاب في فمها والأرض قاحلة ليس فيها عرق أخضر"
فيصرخ أصحاب الأغنام بالرعاة الذين يعملون عندهم "ويحكم إسرحوا بالأغنام حيث تسرح أغنام حليمة"
ألا ترون أغنامهم ترجع وقد شبعت والخضرة في أفواههم .
ألا تعلمون أين تسرح أغنام حليمة ؟؟
فيقول الرعاة : والله إنا لنسرح معاً وترجع أغنامها معنا .
ولكن نرى أغنام حليمة لا ترفع رؤوسها عن الأرض وهي تأكل وتمضغ وليس في الأرض نبتة واحدة خضراء .
"ذلك ببركته ﷺ" .
تقول حليمة : فكنا نحلب أغنامنا ولا نهمل أهلنا .
"كانت حليمة ترسل لهم بالحليب الذي عندها" .
تقول : ففاض الخير كله على ديار بني سعد ببركته ﷺ .
تقول حليمة . هنا أصبح الناس يتفاءلوا بهذا الصبي اليتيم .
فأصبحوا إذا مرض أحدهم أو أصابته عِلة يأتي إلينا
يقول : أين محمد ؟صل الله عليه وسلم.
فيأخذ بيده الصغيرة ثم يضعها على المريض فيبرأ ويتعافى على الفور .
وكذلك إذا أصاب بعير لهم أو شاه شيء من المرض
يحملوا محمد. صل الله عليه وسلم. ويضعوه على ظهرها فتبراء بإذن الله تعالى .
تقول حليمة . وأخذ محمد ﷺ يشب شباب ليس كشباب الصبي .
يشب في يوم ما يشب غيره في شهر حتى إذا بلغ عمره عام وكأنه عامين.
فلما رأينا هذا الخير والبركة منه ، وقد أصبح عمره سنتين
رغبت أنه يبقى عندي بعد السنتين لأن مدة الرضاعة سنتين .
وكنت قد وعدت أمه آمنة أن نرجعه لها بعد عامين .
فعزمت أن أرجعه لأمه وأنا عندي نية في داخلي أن أرجع محمد. صل الله عليه وسلم. معي بعدما أستأذن أمه .
التي تروي الحديث .
حليمة السعدية رضي الله عنها . أسلمت وقد أدركت نزول الوحي .
وهي صحابية ولها رواية عن النبي ﷺ .
وقد أطال الله في عمرها حتى أنها ماتت بعد النبي ﷺ ودفنت بالبقيع في المدينة المنورة بجانب عثمان بن عفان رضي الله عنه .
ولأن حليمة صحابي رضي الله عنها... يؤخذ بحديثها كان الصحابة الكرام ينادونها أم النبي صل الله عليه وسلم.
تقول : رجعنا به إلى مكة فلما رأته أمه آمنة وجدّه عبد المطلب وكأنه غلام جفر .
"والجفر الذي يبلغ من العمر أربع سنين عمره سنتين ولكن اعتقدوا عمره أربع سنين"
تقول سرّو بحسن التربية ونموه السريع ﷺ .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
LioN KinG
06-14-2022, 11:30 PM
موضوع رائع وطرح مميز جزاك الله كل خير
ملاك الحب
06-15-2022, 11:03 AM
يعطيك العافية على هذا الطرح الرائع
الغريب
06-18-2022, 11:33 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة عشر
تقول حليمة السعدية رضي الله عنها : رجعنا بهِ إلى مكة فأخذتُ أحدث آمنة وجدّه عبدالمطلب عن محبتنا له وحبهُ لنا .
"تمهد لهم الحديث في محاولة لإقناعهم أن يرجع معها .
كم نُحب محمد. صل الله عليه وسلم.
وتعلقنا به وهو أيضا يحبنا ومتعلق بنا"
هنا آمنة أم النبي ﷺ فهمت من كلام حليمة أنها تريد أن ترجعه معها .
فقالت آمنة : ماشأنك يا حليمة .
"يعني إلى أي شيء تريدين أن تصلي أدخلي بالموضوع"
فسكتت حليمة ثم رفعت رأسها بخجل.
وقالت : أحببناه يا آمنة . ولا نتحمل فراقه وإنا رأينا البركة فيه . وإنا نُحب أن يبقى عندنا عامين آخرين نأمن عليه من وباء مكة .
"وفعلاً في ذلك الوقت بدأت تظهر أمراض بمكة بعد هلاك جيش أبرهة في حادثة الفيل وأجساد جنوده التي تعفنت"
وظلت حليمة تقنع آمنة . فما زالت تحدثها وتقنعها حتى وافقت آمنة .
ثم قالت آمنة : يا حليمة ألا أخبرك عن ولدي هذا ؟
"أي هل أحدثك عن ولدي أشياء لا تعرفيها . ياحليمة إحرصي عليه فإن لإبني هذا شأن .
وأخذت تحدثها عن حمله و ولادته وكيف نزل ساجداً وعن النُور الذي خرج منها .
إحرصي عليه يا حليمة .
رجعت حليمة وأخذت النبي ﷺ معها إلى ديار بني سعد ليقيم عند حليمة عامين آخرين معها في بني سعد .
تقول حليمة : ونحن في طريقنا مررنا بركب من الحبشة وفيهم من أهل الكتاب .
قافلة من الحبشة فيهم من أهل الكتاب الذين على دين سيدنا عيسى عليه السلام .
والحبشة كان منتشر فيها النصارى .
تقول حليمة . فعرضت الصبي عليهم بغية أن أتأكد وأتعرف .
حليمة رضي الله عنها كان عقلها مشغول بالتفكير .
ما السر الذي يحمله هذا الصبي وخاصة ما رأته من بركته . وحديث أمه آمنة عنه .
فأحبت أن تعرف من أهل الكتاب الرهبان لأن عندهم علم من الكتاب .
تقول : فعرضته على راهب فيهم
فقلت له . ألا ترى ولدي هذا ؟
قال الراهب . مابه ؟؟
قالت له : إن له أمور غريبة . انظر إلى حمرة عينيه هذه .
قالت فنظر فيه الراهب وأخذ يتفحصه...
فقال متعجباً . ما هذه الحمرة أيشتكي شيء في عينيه ؟
فقالت له :لا هي ترافقه منذ ولادته !!
ثم نظر إليه واستمر في تفحصه
ثم قال : ما اسمه ؟
قلت له : محمد .
فقال وهو مندهش . هل ولد يتيماً ؟
تقول حليمة فأحببت أن أصدقه الحديث فقلت له نعم قد ولد يتيماً .
تقول فأخذ الصبي يقبلّه وقال لمن معه إي وربِ عيسى . إي وربِ عيسى . إنه نبي .
فأقبل من معه مسرعين وأمسكوا الصبي ثم أخذوا يقبلوا رأسه ويضموه الى صدرهم .
ثم قالوا لها . لنأخذن هذا الغلام فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا .
فإن هذا الغلام كائن لنا وله شأن نحن نعرف أمره .
"اصبحوا يتحايلون على حليمة يريدون أن يأخذوه معهم إلى ملك الحبشة . فلقد عرفوا أمره وإنه نبي آخر الزمان"
تقول حليمة . فلم آكد انفلت به منهم "يعني ما صدقت أخذه منهم وامشي"
هل لاحظتم النصارى . ما كان منهم من خوف على الرسول من القتل . أما اليهود فهم أهل الأذية والقتل والغدر في الأرض .
قال الله تعالى
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)
سورة المائدة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله.....
الغريب
06-18-2022, 11:35 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة عشر
حادثة شق الصدر .
كانت في السنة الرابعة أو الخامسة من مولده.
روى الإمام مسلم رحمه الله عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام.. وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاسخرج القلب فاسخرج منه علقة.
فقال : هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه.
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا إن محمداً قد قتل.
فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
خُتم على كتف النبي ﷺ بخاتم النبوة .
يقول ﷺ عن يوم شق الصدر .
قال أحد الملائكة للآخر إختمه بختم النبوة . فوضع شيء كأنه النجمة بين كتفيي .
فأصبح ﷺ يشعر وكأن بين أكتافه خاتم .
يصف الصحابة رضوان الله عليهم خاتم النبوة :
من نظر إليه : كأنه لحمٌ بارز وفيه شعرات .
والشعرات التي في هذا اللحم من تأملها وأمعن النظر في ترتيب الشعارات كأنه يقرأ فيها "منصور"
بمعنى أنك يارسول الله ﷺ منصور وأمرك ظاهر .
وهو من بعض العلامات الموجودة عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن من وجدت بين كتفيه فهو نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء والمرسلين .
تقول حليمة : فأخذناه وحدثنا قومنا في بني سعد فخافوا عليه من الجن والشيطان .
وقالوا : يا حليمة . احضري له كاهن يرى ما القصة ؟
تقول حليمة : فأخذنا محمد.. صل الله عليه وسلم... إلى كاهن .
وهو يقول مالي ومال الكاهن . ليس بي شيء أنا بخير .
لا يريد الذهاب ولكن لأنه صغير بالعمر غلبناه وأخذناه إلى الكاهن .
هذا الكاهن يهودي كان يسكن في قرية بجانب ديار بني سعد.
تقول حليمة : دخلنا على الكاهن وأخذت أقص عليه ما رأى من أمور غريبة.
فقال لي الكاهن : اصمتي يا امرأة ، ودعيني أسمع الصبي
ونظر الى نبينا صل الله عليه وسلم.
وقال حدثني يا غلام ماذا جرى لك ؟
فحدثه كما حدثنا أنا وأبوه من قبل فلم يزد كلمة ولم ينقص كلمة .
قالت فلما سمع الكاهن حديثه كاملا ً .
قام من مكانه فزعآ ووقف على قدميه ثم أمسك بمحمد وضمه إليه .
وصاح بأعلى صوته : يااا للعرب ياااا للعرب من شرٍ قد اقترب .
اقتلووا هذا الصبي وأقتلوني معه ، لئن تركتموه ، وبلغ مبلغ الرجال "أي أصبح رجل" ليبدلن دينكم وليسفهن عقولكم وعقول آبائكم .
وليخالفن أمركم وليأتينكم بدين لم تسمعوا به .
أقتلوه واقتلوني معه .
تقول حليمة : فأنتزعت الصبي من بين يديه وصرخت في وجهه أجّن أعتّه " يعني أمجنون ومعتوه"
أطلب لنفسك من يقتلك .
أما نحن فلا نقتل ولدنا .
ثم أخذت محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت به مسرعة .
فمازل يصرخ أقتلووه لا تدعوه أقتلوه وأقتلوني معه حتى وقع مغشياً عليه .
تقول حليمة . ثم علمت بعد حين أنه قد هلك "ما كان مغمى عليه سقط ميت"
هكذا هم اليهود أعداء لله وللرسل عليهم الصلاة والسلام.
تقول حليمة السعدية :
وأصبحنا نتخوف عليه بعد تلك الحادثة .
فقال قومنا لزوجي أبا كبشة : نرى أن ترجع الصبي لأهله قبل أن يظهر منه شيء .
"أي نخاف أن يحدث له مكروه وتظهر له أمور عجيبة أخرى "
يا أبا كبشة : أرجعه الى أهله فقد انتهت مدة كفالته .
تقول حليمة : وأنا لا أريد أن أرجعه فقد تعلق قلبي به . ولكن قومنا غلبونا وخوفونا من الأمر فقررنا أن نرجعه لأهله .
تقول حليمة : فلما كنا على مشارف مكة واقتربنا بالوصول إلى مكة .
غفلت عنه ساعة فلم أجده بحثنا عنه بين الركب فلم أجده !!!
بحثنا حولنا فلم نجده حتى كادت أن تغيب الشمس وأنا أصيح وأقول وامحمداه .
فقال أبوه : لنذهب إلى مكة ونخبر جده عبدالمطلب بما حدث
تقول حليمة : فدخلنا مكة وكان عبد المطلب جالساً في حجر الكعبة...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-18-2022, 11:36 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسع عشر.
انتهاء حضانته عند حليمة ورجوعه لمكة ﷺ .
فلما دخلوا مكة وجدوا عبدالمطلب جد النبي ﷺ جالساً في حجر الكعبة .
تقول حليمة قلنا : لقد قدمنا بمحمد. صل الله عليه وسلم.
فقاطعهم وقال . ليس موعد قدومكم .
"أي رجعتم مبكرا قبل انتهاء فترة حضانته"
قلنا قدمنا لشأن ولكن أضللناه في مشارف مكة ضاع منا فلا ندري أين هو .
فوثب عبد المطلب على قدميه مفزوعآ لما سمع الخبر .
ثم وقف على باب الكعبة الملتزم وذرف الدموع الغزيرة .
ثم رفع يديه عند باب الملتزم .
وقال : لاهما " في لغة العرب اللهم"
لاهما رد لي محمدا . رده لي .
ثم أتخذه عندي يدآ أنت الذي سميته محمداً .
"تذكر الهاتف الذي قال لأمه آمنة إذا ولدته فسميه محمد"
تقول حليمة . فإذا عبد المطلب يسكت ووضع أذنه على باب الكعبة وكأنه ينصت لشيء بالكعبة يكلمه ونحن لا نسمع.
فقلنا . ما الأمر يا شيخ مكة ؟
قال . عرفت أين محمد .
"عبد المطلب سمع صوت من داخل الكعبة وهو يدعو الله يرد له محمد ﷺ يقول له:
لا تخافوا على محمد من الضياع فإن له ربّ يحميه ."
فسمع الصوت نفسه يقول : بوادي تهامة عند الشجرة اليمنى .
تقول حليمة : فأسرع عبد المطلب وركب فرساً وركب خلفه ورقة بن نوفل "سيأتي ذكر ورقة بن نوفل بعد نزول الوحي"
تقول : وانطلقا وانتظرناهم عند البيت .
لما ذهب عبد المطلب إلى وادي تهامة كما سمع من الهاتف "كان يعرف محمد ﷺ الصبي ذو العامين من العمر .
والآن أصبح ٤ سنين تغير شكله وملامحه وكبر .
لما وصل رآه يمسك بغصن شجرة يسحبه ويتركه .. يسحبه ويتركه .
فقال عبد المطلب . من أنت يا غلام ؟
قال . أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب شيخ مكة .
فبكى عبد المطلب و ذرفت دموعه على خديه.
وقال . وأنا جدك يا حبيبي . فداك نفسي .
ثم اقترب منه وحمله وحضنه وأخذ يقبّله وأجلسه في مقدمة فرسه في حضنه .
ثم رجع مكة وهو يحمد الله ثم نحر عشرون ناقة وعدد من الغنم
وأولم وليمة و دعى أهل مكة كلهم بفرحه برجوع محمد ﷺ .
بعض أقوال العلماء أن سبب نزول هذه الآية قال تعالى .
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
بسبب هذه الحادثة. والله أعلم.
تقول حليمة . نمنا تلك الليلة في ضيافتهم وأكرمونا .
فقالت آمنة . يا حليمة لِما تعجلتي بعودة محمد ولم تنتهي مدة كفالته ؟
كُنتِ حريصة على أن يمضي عندك عامين أو أكثر ولم يمضي العامين بعد ؟
قالت حليمة . قد أدّينا ما علينا "أي إنتهت تربيتنا له" وأحببت أن أرده إليكي سالماً معافى .
لأن الأم تشتاق لولدها !!
فضحكت آمنة وقالت :
ما هذا شأنك أبدا "لا ليست هذا القصة.... لم تقتنع"
يا حليمة لن أدعك تتركي هذا المنزل حتى تخبريني خبر محمد إحكيلي الصدق ليش رجعتي قبل ما ينتهي موعد حضانته مالذي حصل"؟؟
تقول حليمة . قد علمت آمنة أني أُخفي شيء قلت سأحدثك ولكن ما جرى ليس لنا به شأن "ليس لنا علاقة" فهو خارج إرادتنا .
قالت آمنة . تحدثي ولا تخافي من شيء .
تقول حليمة . فحدثتها بكل ما جرى .
ثم التفتت آمنة لمحمد وقالت . ما الذي جرى معك يا ولدي ؟
فحدثها القصة كاملة ﷺ .
فضحكت آمنة وقالت : يا حليمة وتخوفتي عليه من الشياطين.
قالت . نعم تخوفنا عليه .
قالت آمنة يا حليمة: ألم أخبرك خبر حملهِ وولادته .
وإن لإبني هذا شأن وأني لما حملت به قيل لي . قد حملتي بسيد هذه الأمة فإذا وضعته فسميه محمد .
يا حليمة . إن لإبني هذا شأن لا سبيل للشياطين أبدا.
تقول حليمة . فأكرموني أكثر ما يكرم قوم مرضع.
فرجعنا ونحن نفرح أن محمد الذي ربيناه سيكون له شأن أكثر من فرحتنا بالعطايا التي أعطونا إياها .
"وحق لك أن تفرحي يا حليمة . هنيئاً لكِ يا مرضعة حبيبنا وسيدنا محمد ﷺ .
رجعت حليمة رضي الله عنها وأرضاها فقد أسلمت هي وزوجها أبا كبشة وإبنها .
تقول حليمة . رجعت .
"وهي تكمل حديثها هذا الذي ترويه لعبدالله بن جعفر رضي الله عنه"
تقول . فما رأيت محمد ﷺ بعد ذلك إلا مرتين .
بعد زواجه بخديجة رضي الله عنها جئت أبارك زواجه .. وشكوت إليه ضعف حالنا .
فكلم خديجة رضي الله عنها فأعطتني عشرين ناقة وأعطتني خيراً كثيراً .
ورأيته يوم حُنين حين ظفر بأعدائه "إنتصر عليهم"
جلس يقسم غنائم حُنين فأقبلت إليه فلما رآني وثب قائمً على قدميه وفتح ذراعيه مرّحباً
وهو يقول . أمي .. أمي .. مرحبا بأمي .
وافسح لي . ثم خلع ردائه عن كتفيه ووضعه على الأرض وأجلسني عليه وأكرمني غاية الإكرام ﷺ .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-18-2022, 11:47 PM
ملاك الحب
كل الشكر على مروركم الطيب
وفقك الله ماقصرت
الغريب
06-20-2022, 12:08 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العشرون
آمنة أم النبي ﷺ .
رجع الرسول ﷺ لأمه آمنة وانتهت مدة الحضانة عند حليمة السعدية. رضي الله عنها.
أصبحت آمنة ترى من إبنها محمد خصال فيه تتعجب منها !
كان ﷺ له أدب رفيع . كان دائماً يجلس وينظر إلى السماء أكثر من الأرض .
خلوته أكثر من جلوته .
"يعني كان معتزل أكثر من أنه يختلط بالصبية والأهل"
كان إذا وُضع الطعام لا يبدأ ويمد يده قبل أحد . وينتظر... حتى إذا قيل له كُل .. مد يده وأكل.
وهكذا ترى آمنة خصائصه حتى مضى عندها عامين وأصبح في عمر السادسة .
الآن التي تروي لنا ، مالذي حدث للرسول ﷺ عند آمنة هي "بركة الحبشية أم أيمن" رضي الله عنها وارضاها .
بركة صحابية جليلة كانت من الأوائل من العبيد الذين أسلموا في مكة .
وكان الذي يملكها والد النبي "عبدالله المتوفى" وانتقلت بالوراثة للنبي ﷺ .
أعتقها النبي ﷺ وزوجها "لزيد بن حارثة" رضي الله عنه. فأنجبت لزيد "أسامة بن زيد" الصحابي الجليل رضي الله عنهما .
بركة كانت حاضنة الرسول ﷺ تقوم برعايته وخدمة آمنة أم النبي ﷺ وكانت تلازمهم دائماً .
تقول بركة . قالت آمنة لعبد المطلب يوماً :
ألا تأذن لنا يا شيخ مكة أن نذهب إلى يثرب بالقافلة نزور أنا ومحمد قبر عبد الله وأعرفه على قبر والده ؟
قال : نعم يا آمنة . ولكن حتى أجد قوم آمن عليكم معهم أرسلتكم .
قالت : فلمّا خرج قوم من أشراف مكة إلى يثرب .
جهزنا عبد المطلب وأرسلنا معهم .
خرجت آمنة مع ولدها ومعها بركة..... حتى وصلوا يثرب "المدينة المنورة" .
فذهبت القافلة تكمل تجارتها ونزلت آمنة والرسول ﷺ وبركة ضيوفاً عند بني النجار أخواله .
أخذت آمنة إبنها محمد ووقفت عند قبر أبيه....
وقالت له : يا بني . هذا قبر والدك عبدالله .
فقال لها : لِما يا أمي لا يكلمنا ؟
فقالت : يا بني إنه قد مات . والذي يموت لا يتكلم أبدا ولا يرجع إلى أهله .
يا بني هذا مكان جسده ولكن لن نلتقي به أبداً .
"هنا تعرف على معنى الموت . لم يكن يعرف معنى الموت الحقيقي حتى وقف على قبر أبيه وأن والده بهذا المكان وأنه لن يراه ابدا" ﷺ .
جلسوا في يثرب حوالي شهر وكان يخرج ﷺ يلعب مع الصبيان من بني النجار .
تعلم السباحة عندهم وكان يلعب كما يلعب الصبية و لكنه كان مميز بينهم بأدبه وأخلاقه. صل الله عليه وسلم.
كان اليهود منتشرين حول يثرب وهم أهل كتاب .
فلفت انتبهاهم أمر غريب .
كانوا يسمعون صراخ الأطفال وهم يلعبون "ها قد جاء محمد المكي" "محمد القرشي ذهب" "محمد المكي تعال معنا"
"محمد القرشي هيا نذهب هناك"
كأي أطفال يلعبون ويعلو صوتهم باللعب .
وهو معروف عندهم في كتبهم بهذه الأسماء من صفات نبي آخر الزمن "محمد المكي المدني القرشي"
لاحظ اليهود غمامة عليهم تظلهم وهم يلعبوا .
وإذا إنفرد محمد لوحده أصبحت الغمامة فوق رأسه .
فأصبح أهل الكتاب ينتبهوا ويتابعوا أخبار هذا الصبي ....
✨✨✨✨✨✨
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
وفاة آمنة أم النبي ﷺ .
أصبح أهل الكتاب ينتبهوا ويتابعوا أخبار هذا الصبي .
تقول بركة : كنت لا أفارقه بوصية من أمه آمنة .
فرأيت أهل الكتاب يختلفون إليه كثيرا.....
"تقصد اليهود يأتي واحد ويذهب الآخر يراقبون النبي ﷺ .
يترددون إليه كثيرا . يسألونها عنه كيف ينام وكيف يأكل وماذا يعمل ويسألوها عن أحواله ؟
تقول : فجاء إليه حبران من اليهود .
فقالوا . ما إسمك يا غلام ؟
قال : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .
فأخذوا ينظروا في عينيه ورأسه وتفحصوه كثيراً ثم كشف أحدهم بين كتفيه فوضع يده على خاتم النبوة .
وقال : هو .. هو وربِ عيسى وموسى إنه هو .
فقال الآخر . أأنت واثق مما تقول ؟
قال . نعم وهذا خاتم النبوة بين كتفيه . ثم إنصرفوا .
تقول . ثم رجعت به إلى أمه قالت فلم ينتصف النهار حتى جاء رهط منهم إلينا .
قالوا يا بركة : أخرجي لنا أحمد "معروف في كتبهم إسمه أحمد"
قالت لهم . ما عندنا أحمد .
قالوا لها . هذا الذي تقولون عنه محمد .
فقالت لهم . إسمه محمد وليس أحمد .
قالوا . محمد أو أحمد شيء واحد .أخرجي لنا محمد .
فقلت لهم . إنه نائم . تقول ولم أخرجه لهم وأخبرت أمه بالأمر وبما أسمع من أهل الكتاب .
فأخبَرت آمنة أخواله من بني النجار .
فخافوا عليه من اليهود . وقالوا لها أن ترجع إلى مكة بقافلة متجهة لمكة .
ركبت معهم وخرجت آمنة ومعها إبنها وبركة .
في الطريق عصفت الريح والرمال .
فتوقفت القافلة عدة أيام وأصاب آمنة المرض . وأخرت القافلة .
فاستأذنوا الناس بالقافلة بالرحيل وتركوا معها بعض الناس يرعوها وكان مرضها في منطقة يقال لها الأبواء وهي أقرب للمدينة .
وقد سميت بذلك لأن السيول تتبوّأها . يعني تحل وتستقر فيها .
تقول بركة . فمكثنا أيام نعالج مرضها ولكنها لا تستجيب والمرض يشتد بها .
ذات ليلة أخذ المرض يشتد بها أكثر وأكثر فعلمت آمنه أنها ستموت .
فقالت آمنة : يا بركة .. قربي مني محمدا .
قالت : فقربته . فوضعت يدها على رأسه تتلمسه وهي تنظر إليه وعمره 6 سنين .
وتقول :
بـارك الله فيك مـن غلام يا إبن الذي من حومة الحمام .
ونجا بعون الملك المنعـام . وفُدي غداة الضرب بالسهام بمائـة مـن إبـل سـوام .
إن صح ما أبصرت في منامي فأنـت مبعوث إلى الأنـام من عند ذي الجلال والإكرام .
تقول بركة : كانت آمنة تكرر هذا القول أكثر من مرة وهي تنظر إلى ابنها وكأنها تودعه .
ثم قالت : يا بركة لا تغفلي عن محمد فإن أهل الكتاب يعتقدون أنه نبي مبعوث .
وإن ألد أعدائه اليهود فأنا لا آمنهم عليه . فلا تجعليه يغيب عن ناظرك .
ثم قالت : يا بني . كل حي ميت . وكل جديد بال . وكل كبير يفنى .
وأنا ميتة وذكري باقي .
وقد تركت خيراً وولدت طهراً .
ثم ماتت ويدها على النبي ﷺ .
قالت بركة : وأخذ يكلمها فلا ترد عليه .
وعلمت أنها ماتت فأغمضت عيناها وضممت يدها إلى صدرها .
حاولت أن أبعد الصبي عنها ولكنه تمسك بها.
وهو يقول وينادي . أمي أمي .
ثم نظر إليّ وقال . لما لا ترد أمي عليّ ؟
تقول بركة . فاضطررت أن أقول له لقد ماتت يا بني .
هنا تذكر كلام أمه عن الموت قبل أيام عند قبر أبيه . وأن الذي يموت لا يرجع أبداً لأهله يا بني .
فذرف دمعاً غزيراً وهو متعلق بها .
فحاولت أن أبعده عنها .
فقال القوم الذين معي . دعيه يا بركة بجانب أمه .
فبقي طوال الليل بجانبها لم ينم يضمها ويبكي لا نسمع إلا بكائه وتنهده .
فكنت آتي إليه كي أُدير وجهه عن أمه من شدة البكاء كي لا يراها ﷺ .
فلما كان النهار شققنا لها قبر في الرمال واخذنا نحفر لها وهو يحفر معنا ويبكي .
فلما هممنا بدفنها تعلق بها وأصر أن ينزل معها في حفرتها .
ولما أتعبنا قال القوم لا بأس أنزلوه في حفرتها قليلاً .
فنزل وتمدد بجانبها بالحفرة وضمها إليه وهو يبكي فأنزل دمعاً كثيراً .
ثم أخرجوه من الحفرة ووضعوا عليها الرمال . وأخذت أم ايمن يده لتذهب .
فقال لها . نأخذ أمي معنا .
حتى إذا وصلت مكة وتوجهت إلى بيت جده عبد المطلب .
طرقت الباب فإذا عبد المطلب يفتح الباب ثم نظر للصبي
وقال : أين أمك يا محمد ؟
فبكى واخذ يردد . ماتت . ماتت .
فضمه عبد المطلب وقال له . أنت ابني . أنت ابني .
وأوصلت أم ايمن الطفل اليتيم المضاعف يتمه إلى جده عبد المطلب .
صلى الله وسلم عليك يا رسول الله.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-20-2022, 12:11 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية والعشرون
كفالة عبدالمطلب للنبي ﷺ .
رجع الصبي المضاعف يتمه إلى جده بعد وفاة أمه آمنة.
تقول بركة : لما رجعت مكة وأنا أحتضن محمد. صل الله عليه وسلم.
نظر إلينا عبد المطلب بعد أن علم بوفاة آمنة واحتضن الصبي وبكى .
ثم أخذنا وأسكننا في داره "أي في دار عبد المطلب"
وقال : يا بركة لا تدعي محمد يغيب عن نظرك ليلاًً ولا نهاراً فإني لا آمن عليه أهل الكتاب .
يقول العباس رضي الله عنه عم النبي ﷺ .
فَرَقَّ له رقة لم نعهدها من قبل "يقصد عبد المطلب حيث كان الحنان بقلبه للنبي صلى الله عليه وسلم بشكل لا أحد يتخيله"
وصب به صبابة لم يصبها بولد من أبنائه.
أصبح النبي ﷺ عند جده عبد المطلب كل شيء بحياته وتعلق فيه كثيراً .
فكان إذا وضع الطعام لا يقربه إلا إذا جاء ووضعه في حجره وأعطاه أفضل طعامه .
يقول العباس رضي الله عنه . كان لعبد المطلب سيد مكة فِراش في حجر الكعبة يجلس عليه ولايجلس عليه غيره .
حتى كان حرب بن أمية "وهو شيخ من شيوخ قريش وكان بمثابة السيد الثاني في مكة بعد عبد المطلب"
حتى حرب بن أمية ومن دونه يجلسون على الأرض حول الفراش وعبد المطلب يجلس على الفراش.
فيأتي رسول الله ﷺ وهو غلام يافع في السابعة من عمره فيجلس عليه .
يجلس على مفرش جده عبد المطلب فيذهب أعمامه يبعدونه فيقول عبد المطلب : دعوا إبني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه بشرف "يعني يحس أن له مكانة"
وأرجو من الله أن يبلغ من الشرف مالم يبلغه عربي قبله ولا بعده .
"والله يا جد نبينا لقد حقق الله رجاءك. فأي مخلوق من خلق الله جميعا بلغ الشرف الذي بلغه ﷺ ؟ ونحن الآن بعد 1400 سنة نفديه بأرواحنا ﷺ .
ثم يجلس عبد المطلب ويجلسه على يمينه يمسح على ظهره ورأسه.
ويقول : إن لإبني هذا شأن فاعرفوه يا أبنائي "يكلم أولاده عن محمد ﷺ "
يقول العباس . وكان عبد المطلب جالس يوم في حجر الكعبة وعنده ضيف وهو أسقف نجران
وهو من أهل اليمن "الأسقف أعلى رتبة عند الرهبان النصارى"
هذا الأسقف كان جالساً مع عبد المطلب ويتكلم معه .
فقال الأسقف لعبد المطلب .
إنا نجد في كتبنا صفة نبي من ولد إسماعيل في هذا البلد مولده .
وإن من صفاته كذا وكذا . وأخذ يحكي له أوصافه ، وهو يتحدث معه أقبل رسول الله ﷺ وكان عمره 8 سنين .
دخل على جده فنظر الأسقف إليه فقام الأسقف وأخذ يتفحصه وينظر إلى عيونه وظهره وقدميه .
قال له عبد المطلب : ما الأمر ؟
قال الأسقف : هو ذا . هو ذا يا شيخ مكة .
قال عبد المطلب: ما هو ؟
قال الأسقف : هو ذا الذي أحدثك عنه نبي هذه الأمة .
يا عبد المطلب : من يكون هذا الغلام .
قال له : هذا إبني .
قال الأسقف : لا .. إنه يولد يتيماً .
فقال عبد المطلب : نعم إنه إبن إبني عبد الله .
قال الأسقف : ما فعل أبوه ؟
فقال له : مات وأمه حبلى به .
قال الأسقف : الآن أنت صدقتني .
إنا نجد في كتبنا أنه يولد يتيماً ويموت أبوه وهو في بطن أمه .
يا عبد المطلب . هل تضاعف يتمه . ألم يفقد أمه ؟
قال : بلى ماتت أمه وهو الآن في حضانتي .
قال الأسقف : انظر يا عبد المطلب إلى قدم هذا الصبي .
ثم انظر إلى قدم جدكم إبراهيم. عليه الصلاة والسلام.
"قصده عن مقام إبراهيم عند الكعبة"
فهل تجد قدم أشبه بها من قدم هذا الصبي ؟
قالوا : فنظرنا فوجدناها تشبهها . مع فارق الحجم .
"يقول العباس كنا إذا جاء أبونا عبد المطلب سيد مكة وجلس على فراشه في حجر الكعبة وقفنا على رأسه .
وكان عدد أولاده تسعة يقول كنا نقف على رأسه وحوله ، خدمة له وتعظيماً"
فنظر عبد المطلب إلى أولاده وهم واقفين.
وقال : يا أبنائي تحفظوا على إبن أخيكم محمداً .
ألا تسمعون ما يقال فيه ؟
فقال الأسقف : إني أوصيك يا عبد المطلب أن تحذر عليه يهود .
"هل لاحظتم كم تحذير جاء في السيرة من اليهود .
حتى النصارى يعرفون بأن ألد أعداء محمد وأمته هم اليهود"
وعندما وصل المدينة ﷺ وكان اليهود يسكنون حولها ينتظرون نبي اخر الامة يخرج منهم .
نزلت عليه ﷺ أطول سورة في القران {سورة البقرة} جلها تتكلم عن اليهود وغدرهم وملخصها
{ يهود .. وعهود .. لا يلتقيان أبداً .. أبداً .. أبدا }.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
ألحان
06-20-2022, 12:50 AM
سيرة عطرة جزاكم الله خيرا
ألحان
06-20-2022, 12:51 AM
سيرة عطرة مباركة جزاكم الله خيرا
الغريب
06-20-2022, 12:52 AM
سيرة عطرة جزاكم الله خيرا
الروعه مروركم للراقي
الحان كل الشكر
الغريب
06-20-2022, 12:53 AM
سيرة عطرة مباركة جزاكم الله خيرا
شكرا لك على
على مرورك العطر
الحان جزيتي خيرر
جاروط
06-21-2022, 12:21 AM
جزاك الله خير الجزاء
🌼🌼🌼
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
جاروط
06-21-2022, 12:23 AM
في ميزان حسناتك يارب 😍
💐💐💐💐💐
صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
جاروط
06-21-2022, 12:27 AM
ربنا يجعلك من ورحمة ورثة جنة النعيم
🌹🌹🌹🌹🌹
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد و سلم تسليماً كثيراً
الغريب
06-21-2022, 03:18 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية والعشرون
كفالة عبدالمطلب للنبي ﷺ .
رجع الصبي المضاعف يتمه إلى جده بعد وفاة أمه آمنة.
تقول بركة : لما رجعت مكة وأنا أحتضن محمد. صل الله عليه وسلم.
نظر إلينا عبد المطلب بعد أن علم بوفاة آمنة واحتضن الصبي وبكى .
ثم أخذنا وأسكننا في داره "أي في دار عبد المطلب"
وقال : يا بركة لا تدعي محمد يغيب عن نظرك ليلاًً ولا نهاراً فإني لا آمن عليه أهل الكتاب .
يقول العباس رضي الله عنه عم النبي ﷺ .
فَرَقَّ له رقة لم نعهدها من قبل "يقصد عبد المطلب حيث كان الحنان بقلبه للنبي صلى الله عليه وسلم بشكل لا أحد يتخيله"
وصب به صبابة لم يصبها بولد من أبنائه.
أصبح النبي ﷺ عند جده عبد المطلب كل شيء بحياته وتعلق فيه كثيراً .
فكان إذا وضع الطعام لا يقربه إلا إذا جاء ووضعه في حجره وأعطاه أفضل طعامه .
يقول العباس رضي الله عنه . كان لعبد المطلب سيد مكة فِراش في حجر الكعبة يجلس عليه ولايجلس عليه غيره .
حتى كان حرب بن أمية "وهو شيخ من شيوخ قريش وكان بمثابة السيد الثاني في مكة بعد عبد المطلب"
حتى حرب بن أمية ومن دونه يجلسون على الأرض حول الفراش وعبد المطلب يجلس على الفراش.
فيأتي رسول الله ﷺ وهو غلام يافع في السابعة من عمره فيجلس عليه .
يجلس على مفرش جده عبد المطلب فيذهب أعمامه يبعدونه فيقول عبد المطلب : دعوا إبني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه بشرف "يعني يحس أن له مكانة"
وأرجو من الله أن يبلغ من الشرف مالم يبلغه عربي قبله ولا بعده .
"والله يا جد نبينا لقد حقق الله رجاءك. فأي مخلوق من خلق الله جميعا بلغ الشرف الذي بلغه ﷺ ؟ ونحن الآن بعد 1400 سنة نفديه بأرواحنا ﷺ .
ثم يجلس عبد المطلب ويجلسه على يمينه يمسح على ظهره ورأسه.
ويقول : إن لإبني هذا شأن فاعرفوه يا أبنائي "يكلم أولاده عن محمد ﷺ "
يقول العباس . وكان عبد المطلب جالس يوم في حجر الكعبة وعنده ضيف وهو أسقف نجران
وهو من أهل اليمن "الأسقف أعلى رتبة عند الرهبان النصارى"
هذا الأسقف كان جالساً مع عبد المطلب ويتكلم معه .
فقال الأسقف لعبد المطلب .
إنا نجد في كتبنا صفة نبي من ولد إسماعيل في هذا البلد مولده .
وإن من صفاته كذا وكذا . وأخذ يحكي له أوصافه ، وهو يتحدث معه أقبل رسول الله ﷺ وكان عمره 8 سنين .
دخل على جده فنظر الأسقف إليه فقام الأسقف وأخذ يتفحصه وينظر إلى عيونه وظهره وقدميه .
قال له عبد المطلب : ما الأمر ؟
قال الأسقف : هو ذا . هو ذا يا شيخ مكة .
قال عبد المطلب: ما هو ؟
قال الأسقف : هو ذا الذي أحدثك عنه نبي هذه الأمة .
يا عبد المطلب : من يكون هذا الغلام .
قال له : هذا إبني .
قال الأسقف : لا .. إنه يولد يتيماً .
فقال عبد المطلب : نعم إنه إبن إبني عبد الله .
قال الأسقف : ما فعل أبوه ؟
فقال له : مات وأمه حبلى به .
قال الأسقف : الآن أنت صدقتني .
إنا نجد في كتبنا أنه يولد يتيماً ويموت أبوه وهو في بطن أمه .
يا عبد المطلب . هل تضاعف يتمه . ألم يفقد أمه ؟
قال : بلى ماتت أمه وهو الآن في حضانتي .
قال الأسقف : انظر يا عبد المطلب إلى قدم هذا الصبي .
ثم انظر إلى قدم جدكم إبراهيم. عليه الصلاة والسلام.
"قصده عن مقام إبراهيم عند الكعبة"
فهل تجد قدم أشبه بها من قدم هذا الصبي ؟
قالوا : فنظرنا فوجدناها تشبهها . مع فارق الحجم .
"يقول العباس كنا إذا جاء أبونا عبد المطلب سيد مكة وجلس على فراشه في حجر الكعبة وقفنا على رأسه .
وكان عدد أولاده تسعة يقول كنا نقف على رأسه وحوله ، خدمة له وتعظيماً"
فنظر عبد المطلب إلى أولاده وهم واقفين.
وقال : يا أبنائي تحفظوا على إبن أخيكم محمداً .
ألا تسمعون ما يقال فيه ؟
فقال الأسقف : إني أوصيك يا عبد المطلب أن تحذر عليه يهود .
"هل لاحظتم كم تحذير جاء في السيرة من اليهود .
حتى النصارى يعرفون بأن ألد أعداء محمد وأمته هم اليهود"
وعندما وصل المدينة ﷺ وكان اليهود يسكنون حولها ينتظرون نبي اخر الامة يخرج منهم .
نزلت عليه ﷺ أطول سورة في القران {سورة البقرة} جلها تتكلم عن اليهود وغدرهم وملخصها
{ يهود .. وعهود .. لا يلتقيان أبداً .. أبداً .. أبدا }.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-21-2022, 03:20 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والعشرون
وفاة عبد المطلب جد النبي ﷺ .
مازال النبي ﷺ بكفالة جده عبد المطلب يرعاه خير رعاية ويعزه ويقدمه على أعمامه حتى بلغ ﷺ سن الثامنة من عمره .
تقول بركة : غفلت عنه يوماً وإذا بعبد المطلب عند رأسي يصرخ بي بأعلى صوته....
يا بركة . ألم أقل لك لا تغفلي عن محمد ؟
قلت له : هو ذا يلعب عندي .
قال : أين هو ؟ أتعلمي أين وجدته ؟
وجدته مع الصبية عند السدرة . ألم أقل لك أني لا آمن عليه يهود ؟
"عبد المطلب أيقن أن اليهود لا أمان لهم"
لا تجعليه يا بركة يغيب عن نظرك.
بلغ ﷺ من العمر 8 سنين ومرض عبد المطلب .
وجلس في سريره وسيدنا محمد ﷺ بقى جالساً عند سريره لا يفارقه .
شعر شيخ مكة عبد المطلب بدنو الأجل .
فأرسل لأولاده وبناته الست....
ووقفوا حول سريره تسعة رجال ومحمد ﷺ واقف عند رأسه
ثم نظر إليهم وبكى بكاءً مُراً .
فقال له أبو طالب "وأبو طالب لم يكن أكبر أولاده"
قال : ما هذا الخوف يا شيخ مكة ما عهدناك كذلك ؟
"أي لماذا هذا الخوف لم نعهدك تخاف من شيء . كل حياتك رجل شجاع وسيد قومك"
قال : يا بني إني لا أخاف الموت فإن الموت مصير كل حي .
لقد مات إبراهيم وإسماعيل وهما عند الله خير مني .
ولكن الذي يحزنني ويؤلم قلبي "هذا اليتيم"
إني أوقن أن له شأن وأنّ كل أهل الكتاب رأيتهم يجمعون أنه نبي منتظر .
ليتني أدرك ذلك الزمن "تمنى عبد المطلب أن يرى محمد ﷺ لما يبعث"
فقال أبو طالب : لا تحزن يا شيخ مكة نحن نعاهد الله ونعاهدك أن يكون محمداً أحب إلينا من أولادنا وأنفسنا .
فوكّل عبد المطلب كفالة نبينا صل وسلم عليه إلى أبي طالب "أبو طالب العم الشقيق للرسول ﷺ .
إنتقلت الكفالة إلى أبي طالب ومازال عبد المطلب حي على سريره .
ثم نظر عبد المطلب إلى الصبي اليتيم الذي تعلق فيه كثيراً وايضا تعلق ﷺ فيه كثيراً .
فقد رأى منه حنان الأب والأم رأى منه كل العطف .
نظر للنبي ﷺ الذي كان يبلغ من العمر 8 سنين ووضع يده على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليه وهو ينظر إليه ثم خرجت روحه ويده على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعينيه تنظر إليه .
هنا أدرك ﷺ أن جده منبع الحنان بعد أمه قد مات
وتذكر قول أمه : "يا بني الذي يموت لا يرجع إلى أهله ولا نلتقي به أبداً"
تقول بركة : فبكى الصبي بكاءً مُراً وأنا أنظر إليه يقف عند سرير جده يصب دمعاً غزيراً فما إستطعنا أن نبعده عنه .
ثم دفن عبد المطلب في الحجون "مقبرة معروفة بمكة لحد الآن"
وإنتقل ﷺ إلى كفالة عمه أبو طالب...
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية
يتبع بإذن الله تعالى
الغريب
06-21-2022, 03:22 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والعشرون
كفالة أبي طالب للنبي ﷺ .
إنتقل ﷺ مع حاضنته بركة "أم أيمن" الى كفالة عمه أبو طالب بعد وفاة جده عبد المطلب .
أبو طالب لقب أما اسمه الحقيقي "عبد مناف"
أبو طالب والد لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه ابن عم رسول الله. صل الله عليه وسلم.
وزعم شيعة علي رضي الله عنه أن اسم ابو طالب "عمران"
لقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين .
وقد أخطأوا في ذلك خطأ كبيرا ولم يتأملوا القرآن قبل أن يقولوا هذا البهتان .
فلو تابعوا تتمة قراءة الآيات لوجدوا بعدها:
قوله تعالى .
إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا .
كانت تعتقد أن الذي في بطنها ذكر فولدت انثى هي السيدة مريم بنت عمران. عليها الصلاة والسلام.
عمران هو والد السيدة مريم بنت عمران أم نبي الله عيسى عليه السلام .
كان أبو طالب قليل المال وعنده كثرة بالأولاد .
لكنه كان صاحب شرف في قومه وكرم نفس وكان قد حرم الخمر على نفسه كما حرمها أبوه عبدالمطلب على نفسه من قبل.
وكان محبوباً للجميع فورث الزعامة من أبوه عبد المطلب وأصبح شيخ مكة .
انتقل ﷺ إلى دار عمه أبو طالب وعاش بينهم كأنه واحد من أولاد أبو طالب .
حتى أن أبا طالب كان يعزه أكثر من أولاده .
كان أبو طالب لا يقبل أن ينام إلا أن ينام النبي ﷺ بجانبه ويفضله على أولاده .
عاش النبي ﷺ في كفالة عمه وعمره 8 سنين إلى أن بلغ الرجولة ولم ينفصل عن عمه إلا بعد زواجه بالسيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها .
تقول بركة "أم أيمن" إنتقلنا إلى دار أبي طالب وكان كثير الأولاد قليل المال .
كان إذا وضع الطعام إنتشلت الصبية الطعام إنتشالآ حرصاً على الشبع .
"أول ما يوضع الأكل الأولاد ياكلوا بسرعة من أجل الشبع مثل السباق قبل أن ينفذ الطعام"
تقول بركة : فكان عيال أبو طالب إذا أكلوا جميعاً أو فرادى لم يشبعوا .
وكانوا إذا شربوا لبنا من القعب شربوه بسرعة ولم يشبعوا "القعب ما نسميه الآن زبديه مصنوع من الخشب" لم يشبعوا لأن اللبن قليل . وما كانوا يشربوه دائماً .
وكان أبو طالب يؤثر الحجيج وزوار البيت على أولاده في الدار "يعني كان يتكارم على ضيوف الحرم أكتر من أولاده"
تقول بركة : فلما كان ياكلوا يأكل معهم يشبعوا جميعاً ويزيد فضلة من الطعام .
وإذا أكلوا ولم يكن موجود معهم لم يشبعوا ولم يكفيهم الطعام .
أبو طالب لاحظ هذا الشيء فأصبح يضع الطعام فطور وغداء وعشاء "يعني الوجبات كلها" ثم يقول لأولاده : مكانكم لا تأكلوا حتى يمد محمد يده.
لأنه كان ﷺ لا يمد يده قبل أحد .
"الصبية يأكلوا مباشرة على السريع ينتشلوا الأكل وكان ما يمد يده ﷺ إلا إذا زاد طعام مد يده وأكل"
فمنع ابوطالب أولاده أن يمدوا أيديهم قبل أن يبدأ محمد. صل الله عليه وسلم بالأكل .
فإذا بدأ وأكل شبعوا جميعاً وزاد من الطعام . ويحضر أبو طالب ، القعب من اللبن ويعطيه لمحمد أولا. صل الله عليه وسلم.
يقول له : اشرب يا بني...
فيقول له ﷺ : بل أنت يا عم "يعني أنت أول يا عمي"
فيقول له أبو طالب : لا أنت أولاً. إنك نسمة مباركة .
فإذا بدأ بالشرب شربوا جميعاً وشبعوا وبقي من اللبن زيادة .
وإذا شربوا قبله لايشبعوا .
فكان يقول أبو طالب : إن محمداً صبي مبارك .
تقول بركة : كان يصبح الصبية كعادتهم شعثاً رمصاً "وهذا شيء طبيعي كل الأطفال من اللعب والركض والغبرة...
لما يصحى من النوم تجد شعره غير مرتب مجعد منفوش شعثاً . والرمص الصفار الذي يكون في عيون الصغار لما يصحوا من النوم"
كان يصبح الصبية شعثاً رمصاً .
وكان محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون كل الصبية يصبح كحيلاً دهيناً طيب الرائحة كأنما الدهن على رأسه "يعني شعره ﷺ مرتب ناعم ما فيه تجاعيد كأنه داهنه بالزيت . عيونه كحيلتين لا أثر للرمص فيها"
تقول بركة : وما زلنا نلتمس من بركاته ﷺ كلما تقدم بالعمر أحداث كثيرة في كفالة أبو طالب.
سنذكر بعض كرامته ﷺ عند الله في كفالة أبو طالب قبل نزول الوحي .
للتنبيه
لانقول "قبل النبوة . وبعد النبوة"
هذا خطأ يقع فيه كثير من الناس
{{ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : نبي قبل أن ينفخ بآدم الروح كنت نبياً وآدم منجدل في طينته فهو في بطن أمه كان نبي وولد نبي وكبر نبي .
وعاش في كفالة عبد المطلب وكان نبي وعاش في كفالة أبي طالب وهو نبي"
لا نقول قبل النبوة وبعدها بل نقول : "قبل البعثة وبعد البعثة .
أو قبل : نزول الوحي وبعد نزول الوحي"
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية
يتبع بإذن الله تعالى....
جاروط
06-21-2022, 08:55 PM
في ميزان حسناتك يارب 😍
💐💐💐
صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
جاروط
06-21-2022, 08:57 PM
تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال
🌺🌺🌺🌺
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
جاروط
06-21-2022, 08:59 PM
ربنا يكرمك ويسعدك ويوفقك
🌹🌹🌹🌹
صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
الغريب
06-21-2022, 09:58 PM
ربنا يكرمك ويسعدك ويوفقك
🌹🌹🌹🌹
صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
حفظك الله فاضلي
جاروووط
تسعدني متابعتك ومرورك القيم
لله درك يالغلا
الغريب
06-21-2022, 09:59 PM
تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال
🌺🌺🌺🌺
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
حفظك الله فاضلي
جاروووط
تسعدني متابعتك ومرورك القيم
لله درك يالغلا
الغريب
06-21-2022, 09:59 PM
في ميزان حسناتك يارب 😍
💐💐💐
صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
حفظك الله فاضلي
جاروووط
تسعدني متابعتك ومرورك القيم
لله درك يالغلا
الغريب
06-21-2022, 10:00 PM
ربنا يجعلك من ورحمة ورثة جنة النعيم
🌹🌹🌹🌹🌹
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد و سلم تسليماً كثيراً
حفظك الله فاضلي
جاروووط
تسعدني متابعتك ومرورك القيم
لله درك يالغلا
الغريب
06-21-2022, 10:00 PM
في ميزان حسناتك يارب 😍
💐💐💐💐💐
صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
حفظك الله فاضلي
جاروووط
تسعدني متابعتك ومرورك القيم
لله درك يالغلا
الغريب
06-21-2022, 10:01 PM
جزاك الله خير الجزاء
🌼🌼🌼
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
حفظك الله فاضلي
جاروووط
تسعدني متابعتك ومرورك القيم
لله درك يالغلا
الغريب
06-22-2022, 01:59 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والعشرون
شبابه ﷺ وعمله في رعي الأغنام .
رجع النبي ﷺ مع عمه أبو طالب إلى مكة .
وما زال الله ينبته نباتاً حسناً على مكارم الأخلاق إستعداداً لما يعدّهُ له من حمل الرسالة . فاشتغل برعاية الأغنام .
شباب من الصحابة من أهل المدينة كانوا جالسين حول رسول الله ﷺ
فاحبوا أن يعرفوا أكثر عن الرسول ﷺ .
قالوا : يا رسول الله حدثنا عن بدء أمرك .
فقال لهم ﷺ .
بعثت وأنا أرعى الغنم لقومي . وما بعث الله نبي إلا ورعى الغنم .
▪︎مالحكمة من رعي الأغنام ولماذا اختار الله هذه المهنة لنبيه ؟
لأن رعاية الأغنام تعلم الصبر وتعلم الرحمة وتعلمك كيف تعتني بالصغير منهم .
وإذا ولدت مولود يأتي ليحمل طفلها ويصبر عليه حتى يرعى .
ويصبر عليهم عندما يسرحون . لأن الذي يصبر على هذه المخلوقات الضعيفة ويرعاها ويألفها ويصبر على تفرقها ويجمعها ويساعد الضعيف منها ويرد العدو من الحيوانات المفترسة عنها .
هنا يتعلم كيف يرعى أمور الرعية فينتقل من رعاية الغنم إلى رعاية الأمم .
حتى يتعلم كيف يرعى الأمم ويقود أمته ﷺ .
يقول ﷺ عن نفسه كنا نرعى الأغنام خارج مكة .
فإذا كان الليل أتينا أطراف مكة و رجعنا بالأغنام ثم نسرح بها في اليوم الثاني .
فسمعنا يوماً عزفا "مثل صوت عرس من بعيد"
فقال صاحب لي : يا محمد إعتني أنت بغنمي حتى أسمر مع من يسمرون "يعني أروح أسهر معهم بالحفلة"
وسمعنا عزفاً على الغرابيل "يعني صوت عزف على الدفوف الكبيرة وغناء"
وجاء يحدثنا . سمعت وسمعت وكان عرساً لأحد أبناء مكة وكيف كان سعيد .
"مثل ما نقول كانت سهرة شباب"
فتشوقت للذهاب فقلت له : في الليلة الثانية إعتني أنت بأغنامي لعلي أذهب إلى مكة وأسمر كما سمرت .
فذهبت حتى إذا كنت عند أطراف مكة بمكان أكاد أسمع منه الصوت "ضرب الله على أذنيي فنمت" فما أيقظني إلا قرص الشمس .
"يعني ما صحي حتى طلعت الشمس"
فلما رجعت قال لي صاحبي : ماذا صنعت ؟
قلت لا شيء ضرب الله على أذنيي فنمت قبل أن أصل .
قال : لا عليك إذهب الليلة لعلك كنت متعب .
قال : فلما كانت الليلة الثانية فذهبت فلما وصلت إلى نفس المكان . في الليلة التي قبلها ضرب الله على أذنيي فنمت في مكاني ولم أصل إليهم .
فلما رأيت ذلك علمت أن الله لا يحبه لي . فلم أرجع إليه أبداً .
"العصمة للأنبياء قبل البعثة وبعد البعثة . الله عزوجل يعصم نبيه من المعازف والغناء"
ماذا يعني ذلك . يا خير أمة ؟؟؟
أصبح الرسول ﷺ يكسب قوته من تعبه يرعى أغنام لقريش ويعطوه الأجر على ذلك ويصرف على نفسه من عرق جبينه وتعبه ﷺ .
ومازال ﷺ يرعى الأغنام ويعمل بها ولم يزل ينشأ النشأة الصالحة من مكارم الأخلاق حتى بلغ من العمر 25 سنة.
واستعدت قريش للخروج في رحلة الصيف إلى بلاد الشام وكان هناك في مكة سيدة فاضلة إسمها خديجة بنت خويلد الأسدية رضي الله عنها وأرضاها.
إلى هنا انتهى الجزء الأول من سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-22-2022, 02:01 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والعشرون
خديجة بنت خويلد .
رضي الله عنها
كان في مكة سيدة فاضلة اسمها "خديجة بنت خويلد" يلتقي نسبها مع النبي ﷺ في جده الخامس قصي بن كلاب .
كانت امرأة فاضلة حازمة وشريفة وعندها أموال كثيرة ولاتخرج في تجارة الصيف والشتاء .
كانت تستأجر الرجال في تجارتها .
وكانت تجارتها تعادل تجارة قريش بأجمعها
أي كانت تجارة قريش كلها نصفها لخديجة رضي الله عنها.
وكانت تعطي الرجل الذي تستأجره سهمآ من أرباح التجارة .
استعدت قريش لرحلة الصيف بتجارة إلى الشام .
فأخذت خديجة تفكر من تستأجر لهذه الرحلة .
في هذه الأثناء كان قد انتشر خبر هذا الشاب الصادق الأمين وجمال أخلاقه ﷺ .
لم يرى أحد منه كذبآ ولم يخلف موعدآ وإذا سألت في قريش من الصادق الأمين يقولون مباشرة محمد ﷺ .
فأخذت خديجة تستشير لو أني عرضت تجارتي على محمد بن عبدالله فهل يقبل .
قالوا لها إلى اليمن نعم أما إلى الشام فإن عمه ابوطالب لا يقبل لأن الأحبار أخبروه أن اليهود يكيدون له .
فأرسلت خديجة شخص يعرض عليه الفكرة .
فلما سمع ﷺ أن خديجة تريدك أن تخرج بتجارة لها إلى الشام إن كانت لك رغبة في ذلك وأنها ستعطيك ضعف ما تعطي غيرك لصدقك وأمانتك .
عرض ﷺ الموضوع على عمه أبوطالب .
قال له: عمه وإن كنت لا احبذ لك الشام وأخشى عليك من اليهود .
فإني مازلت اذكر أقوال الأحبار فيك وذلك الراهب بحيرا .
ولكن رزق ساقه الله إليك فلا ينبغي أن أمنعك.
اذهب يابني على بركة الله .
ولكن اصطحب معك خيار القوم ولاتبتعد عنهم وأسرع في تجارتك ورب البرية يحفظك يابني .
رد ﷺ الخبر لخديجة بالقبول وفرحت كثيرا .
وخرج مع القافلة وارسلت معه خادمآ لها اسمه ميسرة واوصته أن يكون خادمآ لهذا الرجل الأمين ...
وليبقى قريبا منه ويراقب حركاته وكلامه ليخبرها بكل شيء عند العودة .
خرج ميسرة مع الرسول ﷺ في تجارته .
وما أن تحرك الركب من الحرم حتى رأى الناس ٠ميعآ غمامة اقتربت من السماء وأظلت البعير الذي عليه . تعجب الناس .
لقد رأوا هذا الشيء عندما خرج مع عمه أبوطالب وكان عمره 12 عام فظنوا أنها تكريم السماء له لأنه يتيم .
واليوم عندما أصبح عمره 25 عام .
ماسر هذه الغمامة التي تظله فقط دون غيره .
لقد رأت قريش كلها هذا وشاهدها ميسرة لأنه يراقبه كما اوصته سيدته خديجة رضي الله عنها.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-22-2022, 02:04 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والعشرون
...
زواج النبي ﷺ من خديجة رضي الله عنها .
أرسلت خديجة رجل إلى الرسول ﷺ لكن بشكل غير مباشر .
وقال . يا محمد ما يمنعك من الزواج ؟
قال ﷺ له لا أجد ما أتزوج به .
"أي لا يوجد لدي مال لأتزوج كحال شباب هذه الأيام وهذا كان حال نبيكم"
فقال له . إذا دعيت إلى الشرف والجمال والحسب
فقال له ﷺ وأين ذلك ؟
قال له . خديجة بنت خويلد .
فقال ﷺ لقد دعاها سادة قريش و وجهائها من مكة . فامتنعت عن الزواج ورفضت .
"السيدة خديجة تزوجت قبل النبي برجل إسمه "أبو هالة" وأنجبت منه طفل إسمه هالة و تربى في كنف الرسول ﷺ بعد زواجه من خديجة"
رفضت خديجة رضي الله عنها كل سادة قريش وكانت تسمى "سيدة قريش"
بمعنى السيدة الاولى في مكة .
والآن هي التي تعرض نفسها على النبي لأنها عرفت عن خصائصه وصفاته وأخلاقه الكريمة ﷺ .
فقال النبي للرجل . إن ُكفيت هذا ونعم الزواج .
هنا صدرت الموافقة منه ﷺ .
وصل الخبر لخديجة بموافقته ففرحت وتهلل وجهها بالسعادة .
"ومن حقها أن تفرح رضي الله عنها وأرضاها"
قالت . أخبره أن يحضر أعمامه وأنا أحضر عمي.
لأن أبوها توفى قبل مدة ولها عمها وإسمه عمرو بن أسد .
فقام ﷺ بإحضار أعمامه وعلى رأسهم أبو طالب .
فلما حضروا قام أبو طالب وخطب
وقال ... الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وجعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوجاً
وجعلنا الحكام على الناس .
ثم إن ابن أخي "محمد بن عبدالله بن عبد المطلب" لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح عليه براً وفضلاً وكرماً وعقلاً .
وإن كان في المال قَل "يعني قليل المال" فإن المال ظل زائل وعارية مسترجعة.
"يعني المهر أنا بتكفل فيه"
وقد خطب كريمتكم خديجة رغبة ولها في مثل ذلك وما أحببتم من الصداق فعل .
فقام عمها عمرو بن أسد وقال :
محمد صلى الله عليه وسلم هو الفحل الذي لا يُقدع أنفه .
وهذه الكلمة كبيرة جداً عند العرب فماذا تعني ؟؟
العرب في موسم التزاوج والجماع عند الأبل كانوا يستأجروا جمل أصيل من سلالة أصيلة حتى يتزاوج مع ناقة وتحمل منه .
فيأتي الجمل من نسل أبوه الأصيل .
وإذا جاء أي جمل عادي يقترب من الناقة لأنه موسم للتزاوج وهاجت عليه شهوته كانوا يأخذوا الرمح ويضربون به أنف هذا الجمل ضربة قوية .
ومن شدة الوجع تبرد شهوته فلا يقرب على الناقة .
فيقال "قدع أنفه"
أما الجمل الأصيل يقال هذا لا يقدع أنفه .
فوقف عمرو بن أسد......
وقال . محمد . هو الفحل الذي لا يقدع أنفه
"أي هو الأصيل بن الأصيل من سلالة طاهرة لا يرفض أبداً، أبدا"
يعني موافقين بكل فخر .
وتم الزواج....
وعمل أبو طالب وليمة ودعى الناس إليها وقدّم عشرين ناقة صداق "مهر" للرسول ﷺ .
وهذا الزواج تم بعد رحلته في تجارة خديجة بأيام وقيل بأسابيع .
وكانت خديجة تتقدم عليه بالعمر . يقال أنه كان عمرها 40 سنة .
وقيل أقل ..
لا توجد في رواية ثابتة كم عمرها ولكن كانت تفوقه بالعمر ﷺ .
"تنبيه لمن أراد أن يقص السيرة .
لا نقول في السيرة كان فلان أكبر من النبي بكذا وكذا فهذا من قلة الأدب مع رسول الله ﷺ .
عمه العباس رضي الله عنه كان قريب في السن من النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما سأله الصحابة من أكبر أنت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله اكبر ، ولكني ولدت قبله بعامين
هل رأيتم قمة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من الأدب أن نقول أسن منه بعامين او يتقدمه بعامين .
ولا نقول أكبر من رسول الله ﷺ ..
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
ملاك الحب
06-22-2022, 10:05 AM
يعطيك العافية على هذا الطرح الرائع وجعله الله في ميزان حسناتك
ملاك الحب
06-22-2022, 10:05 AM
يعطيك العافية على هذا الطرح الرائع وجعله الله في ميزان حسناتك
ملاك الحب
06-22-2022, 10:06 AM
يعطيك العافية على هذا الطرح الرائع وجعله الله في ميزان حسناتك
الغريب
06-22-2022, 12:29 PM
يعطيك العافية على هذا الطرح الرائع وجعله الله في ميزان حسناتك
الله يعافييك
ملاك الحب
شاكر لك حضوررك
الغريب
06-23-2022, 01:38 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابع والعشرون
تجديد بناء الكعبة المشرفة .
تزامن اتفاق قريش على تجديد بناء الكعبة المشرفة مع حمل السيدة خديجة رضي الله عنها بفاطمة رضي الله عنها .
كانت امرأة من قريش تطوف حول الكعبة المشرفة وبيدها مبخرة فيها جمر .
كانت تطوف وتبخر الكعبة فوقعت جمرة وعلقت بكسوة الكعبة فاشتعلت واحترقت الكسوة .
وكان سقف الكعبة والأعمدة من الداخل من الخشب فاحترق ولم يبقى إلا الجدران لأنها من الحجارة .
ومن قوة الحريق تصدعت جدران الكعبة .
وبعد شهر جاء موسم الأمطار فهطلت بغزارة وتشكلت السيول وتدفقت إلى الكعبة .
ولأنها بوادي فقد دخلت السيول إلى جوف الكعبة .
هنا تصدعت الجدران وبدأت تنهار وتتساقط الحجارة فصار أهل مكة لا يطوفون حول الكعبة خوفا من سقوط الحجارة عليهم .
وبعد فترة حاول لص سرقة الكنز الذي في الكعبة فدخل من الباب الثاني للكعبة .
كان للكعبة بابان :
الباب المعروف حاليا والباب الثاني مقابل الركن اليماني .
"قبل فترة وعبر وسائل الإعلام وأثناء الريح الشديدة ارتفع ستار الكعبة فظهر للناس مكان الباب الثاني وقد أغلق بالحجارة"
دخل هذا اللص من الباب الثاني إلا أنه سقط في البئر ولم يستطع الخروج فاستنجد وصرخ حتى سمعه الناس وساعدوه على الخروج .
هذه الأسباب جعلت قريش تفكر بتجديد بناء الكعبة .
فاتفقوا على رفع باب الكعبة وإغلاق الباب الثاني حفاظآ على كنز الكعبة حتى لايسرق ...
صحيح أن قريش كانوا مشركين لكنهم كانوا يعبدون الله ولكنهم يشركون في عبادتهم الأصنام .
يعلمون أن الله هو خالق كل شيء ويتضرعون بالأصنام ليتقربو بها إلى الله تعالى .
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
سورة الزمر .
كانوا يعظمون شعائر الله وكانت الكعبة حجارة فوق بعضها البعض من غير طين .
وخافوا أن ينزلوا هذه الحجارة .
وتذكروا جيش أبرهة قبل 35 عام عندما جاء لهدم الكعبة فقد شاهدوه بأعينهم وكيف فعل الله به وجيشه .
ولم يجرؤ أحد منهم على مس حجر من الكعبة لإنزاله .
لم يكن عندهم مواد البناء لتجديد الكعبة .
فهيأ الله لهم أسباب هذا العمل .
سمعوا أن هناك على شاطيء جدة سفينة أرسلها قيصر الروم وبها فنان بالبناء وكان نجار ماهر .
كان قيصر الروم قد أرسل هذه السفينة لترميم كنيسة بالحبشة حرقها الفرس .
فلما كانت قريبة من شاطيء جدة دفعتها الرياح إلى الساحل وتحطمت وسقطت كل الأمتعة التي بها .
وصل الخبر إلى قريش فاسرعوا والتقوا بهذا البناء وحدثوه بالموضوع .
فقال لهم . السفينة تحطمت ولن أستطيع أن أكمل المشوار وهذا عذري عند قيصر .
قالوا له . نشتري منك الأخشاب لتجديد بناء الكعبة وتأتي وتكون أنت المشرف على البناء .
واتفقوا معه على ذلك .
شرعوا بتجديد بناء الكعبة وقسموا الكعبة أجزاء .
الجدار الذي به باب الكعبة المعروف حتى الآن أخذته "بني عبدمناف" قبيلة النبي ﷺ .
الجدار الذي فيه حجر اسماعيل أخذته قبيلة "بني عبدالدار"
الجدار الذي بين الركن اليماني والحجر الأسود أخذته قبيلة "بني مخزوم"
الجدار الرابع وهو ظهر الكعبة "أي خلف باب الكعبة مباشرة" أخذته "باقي قبائل قريش"
فأنزلوا باقي حجارة الكعبة حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم عليه السلام .
أزالوا عنها الغبار فوجدوها حجارة خضراء ماكانت سوداء كباقي حجارة الكعبة .
ووجدوا حتى شكلها يختلف عن كل الحجارة التي يعرفها الناس .
كان لونها أخضر كالربيع وأشكالها كأسنمة البخت "محدبة وداخلة ببعضها ومتشابكة كالأصابع"
فقالوا . هذه قواعد إبراهيم عليه السلام.
فأراد أحدهم أن يختبر صلابتها فخرج منها شرار كاد أن يخطف أبصارهم .
قال أحدهم واهتزت مكة كلها كالزلزال حتى خافوا أن تقع الجبال عليهم .
فصاحوا جميعآ اتركوا قواعد إبراهيم عليه السلام .
لاتقربوا قواعد ابراهيم .
"هذه القواعد تنسب لابراهيم عليه السلام ولكن ليس سيدنا إبراهيم من وضعها"
سيدنا ابراهيم هو من جدد البناء عليها .
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
سورة البقرة .
إبراهيم عليه السلام هو من جدد البناء وليس من وضع القواعد لأن من وضع القواعد للبيت على الأرض هو جبريل عليه السلام قبل أن يخلق آدم عليه السلام وينزل إلى الأرض بأمر من الله عزوجل .
قبل أن يبدأوا بالبناء قال واحد منهم .
"إياكم أن يدخل في بناء الكعبة إلا المال الطيب الحلال فلا يدخل في بنائها ربا ولا مظلمة لأحد من الناس"
هذا يعني أنهم كانوا يعرفون أن الربا حرام لأنهم كانوا على بقية شريعة ابراهيم ولكن أشركوا في عبادة الله الأصنام .
لأن أكثر الأموال التي لديهم من الحرام كأغلب الناس هذه الايام من الربا وأموال البنوك والسرقة والرشوة. نسأل الله السلامة والعافية.
رأوا أن الأموال الحلال التي جمعوها قليلة لاتكفي أجرة البناء فاختصروا بناء الكعبة واخرجوا حجر اسماعيل منها .
فصنعوا جدارا دائريا على الشكل الذي نراه حاليا حتى يعرف الناس أن الطواف خارج هذا الجدار الدائري خارج مساحة الكعبة المشرفة أساسا .
جاء في الصحيحين أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت .
يارسول الله أدخلني الكعبة .
فأخذ بيدها ﷺ وأدخلها حجر اسماعيل وقال لها .
صلي هاهنا فانها كعبة . غير أن قومك ضاقت بهم النفقة الطيبة حتى يتموا بناءها فأخرجوه منها . ولولا أنهم حديثوا عهد بكفر "خرجوا من الكفر ودخلوا الاسلام حديثآ" لأمرت بنقضها وبنائها على قواعد ابراهيم عليه السلام . لكن الله قدر وما شاء فعل .
وبقيت الكعبة على الشكل الحالي الذي نراه اليوم .
جمعت قريش المال الحلال وبدأت بالبناء واخذوا ينقلون الحجارة .
كان ﷺ يعمل مع أعمامه بهذا العمل المشرف لأن قريش تعتبر هذا العمل شرف عظيم .
فأخذ ﷺ ينقل الحجارة ويحملها مع أعمامه .
وكان رفيقة في العمل عمه العباس رضي الله عنه .
كان قريبا منه بالعمر وكان يمشي مع النبي ﷺ ذهابآ وايابآ في نقل الحجارة .
كانت قريش لاتهتم إذا انكشفت عوراتهم .
كانوا لايعرفون "البنطال" .
كان لباسهم عبارة عن قطعة قماش تلف حول الجسم تسمى "وزرة"
كان الواحد منهم إذا أراد العمل يلف ثوبه إلى رقبته فتنكشف عورته .
حتى كان بعض الناس يعتقدون أن الطواف حول الكعبة لايقبل إلا وهو عاري من الثياب لاعتقادهم أن هذه الملابس قد عصي الله بها فلا يقبل طاعتنا .
كانوا يذهبون إلى حجر اسماعيل يحطم بعضهم البعض من الازدحام فاكتسب اسمه "الحطيم" يخلع أحدهم ثيابه ويطوف حول الكعبة عاري كما انجبته أمه .
اثناء العمل نظر العباس فرأى الحجارة تؤذي رقبة رسول الله ﷺ .
قال له . يا ابن اخي ضع إزارك على عاتقك .
استحى ﷺ أن يرد كلام عمه لأن عمه قال ذلك من خوفه عليه ﷺ .
فرفع ﷺ طرف ثوبه فبدت عورته .
فتفاجأوا بالنبي ﷺ يقع على الأرض مغشيآ عليه وهو يصيح إزاري إزاري .
ورد في الصحيحين عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال .
لما بنيت الكعبة ذهب النبي ﷺ وعمه العباس ينقلان الحجارة .
فقال العباس للنبي ﷺ اجعل ازارك على رقبتك يقيك من الحجارة .
فخر ﷺ إلى الأرض مغشيآ عليه وطمحت عيناه الى السماء .
ثم أفاق وقال . إزاري إزاري . فشد عليه ازاره ﷺ .
وأخذت قريش تبني الكعبة . كل قبيلة بالقسم الذي اتفق عليه حتى وصلوا لموضع الحجر الاسود بالزاوية المخصصة له .
وهنا وقع خلاف كبير بين القبائل .
الحجر الأسود والزاوية المخصصة التي تقع بين "بني عبدمناف" و "بني مخزوم" .
وكل قبيلة تريد شرف وضع الحجر الأسود في مكانه وتدخلت قبيلة "بني الدار" أيضآ تريد هي وضع الحجر الأسود مكانه .
ودهاجت القبائل وماجت وارتفعت اصواتهم بالتحدي ووقع خلاف كبير بينهم .
ماهو الحجر الاسود .
هو حجر ليس كمثل أي حجر في الدنيا .
هذا الحجر جلس عليه ابونا آدم عليه السلام لما هبط من الجنة .
وهذا أحد الاقوال .
ورد في الصحيحين أن النبي ﷺ قال .
كان أبيض شفافآ يرى ظاهره من باطنه . يقرأ الكتاب منه "لو وضعت كتابا خلف الحجر يمكنك قراءة الكلمات من خلاله"
قالوا وكيف اسود يارسول الله .
قال ﷺ . اسود من خطايا بني آدم . أما علمتم أن من استلم الركن حطت خطاياه عنه عند الحجر كما تحط اوراق الشجر عن امها في فصل الخريف .
وأن هذا الحجر يبعث يوم القيامة وله عينان وله شفتان وله لسان زلق يشهد لمن استلمه من أهل التوحيد .
ولما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض كانت الكعبة موجودة وامره الله تعالى أن يسعى بها ويطوف بها تقربا إلى الله تعالى ثم بقي الحجر بها .
فلما أمر الله ابراهيم عليه السلام ببناء الكعبة .
امره أن يضع الحجر في هذا المكان بالضبط من أجل أن يكون بداية للطواف حول الكعبة .
تنازعت كل قبائل قريش على وضع الحجر الأسود في مكانه ووقع الخلاف بينهم .
أما النبي ﷺ فقد انسحب من بينهم لأنه لايحب الخلافات واتجه إلى بيته .
جلس رسول الله ﷺ في بيته عدة أيام .
تعطل البناء لأنه لايمكن متابعة البناء حتى يوضع الحجر الاسوك مكانه .
ولما طال الخلاف بينهم اجتمعت بني مخزوم مع بعضهم سرا .
ثم ذبحوا جدي وغمسوا أيديهم في دمه وصاروا يلحسوا أصابهم من الدم .
وقالوا . نحن لعقة الدم . "نحن فرسان والذي يقرب من الحجر الأسود نشرب من دمه"
نعاهد رب البرية أننا سنضع الحجر الأسود غدآ في مكانه وإن اقترب منه أحد قطعنا عنقه .
في الصباح اتجهت كل قبيلة إلى الكعبة ولا تعلم كل قبيلة بنوايا القبيلة الأخرى .
وقف كبير بني مخزوم وقال . نحن فعلنا كذا وكذا . والذي يقترب من الحجر الأسود قطعنا عنقه .
ووقف ابوطالب وقال ونحن فعلنا كذا وكذا والذي يقترب من الحجر الأسود قتلناه بالسيف .
وقفوا كل القبائل ماسكين سيوفهم واشتد الخلاف والغضب بينهم .
فوقف كبيرهم بالسن ورفع يده "كانوا يحترمون الكبير بالسن كثيرا"
وقال : لما التفاني يا قريش
"لماذا تذبحوا بعضكم ياقريش"
يريد أن يبعدهم عن الشر ويحقن الدماء .
قالوا بما تشير علينا .
قال . نجلس جميعا وننظر إلى باب بني شيبة .
وأول رجل يدخل علينا رضينا بحكمه كيفما كان .
"باب بني شيبة هو الذي من جهة المسعى والناس تدخل منه إلى البيت الحرام للطواف"
قالوا جميعا بصوت واحد رضينا .
هل رأيتم مثل هذا : رجال شرسون يلعقون الدماء وعقولهم مثل عقول العصافير .
لنفترض أن مجنونا دخل عليهم هل كانوا يرضون بحكمه ...
ولكن الله يريد بهذا ليريهم قدر هذا النبي ﷺ قبل البعثة .
كان النبي ﷺ في بيته وحضرت السيدة خديجة الولادة في بطنها الرابع وبدأت النساء يحضرن لبيتها .
فاستحى ﷺ وغادر البيت واتجه إلى الحرم يستطلع أخبار قريش وما الذي حصل معهم .
قريش ورجالاتها جالسون يراقبون من الذي سيدخل أول واحد من باب بني شيبة ليحكم بينهم .
فإذا بهم بالطلعة المحمدية ﷺ بوقاره وهدوئه يطل عليهم من باب بني شيبة .
وثب الجميع وهتفوا جميعا محمد هذا ابن سيد قومه . هذا الصادق الأمين . كلنا رضينا بحكمه .
واقبلوا إليه يحدثوه
قالوا :أيها الصادق الأمين .
لقد بلغ من القوم كذا وكذا . فاتفقنا أن أول من يدخل علينا أن يحكم بيننا .
قال لهم . وكلكم تسمعون لحكمي .
قالوا نرضى بما تحكم .
قام ﷺ ولم يشاور أحد ولم يتكلم بكلمة . فوضع ثوبه على الأرض وحمل الحجر ووضعه على الثوب ثم نظر بقريش مجتمعين .
وقال . فليقم الي شيخ كل قبيلة فيكم .
فقاموا وكأنهم جنود أو خدم عنده .
قال لهم . ليأخذ كل واحد منكم طرف من الثوب .
فاخذ كل واحد منهم طرف من الثوب .
قال لهم . انهضوا به جميعا واقتربوا بالحجر من البيت .
فلما اقتربوا أخذ الحجر ﷺ بيديه الشريفتين ووضعه مكانه .
فصاح الجميع بصوت واحد بوركت يا محمد .
بوركت من عاقل بوركت أيها الصادق الأمين .
لقد فطم الله على يديك الشر .
فاصبح له ﷺ الفضل على قريش كلها .
هذا الكلام قبل البعثة ب 5 سنوات وكان عمره 35 سنه .
عاد ﷺ إلى بيته فوجد أن خديجة رضي الله عنها قد ولدت وانجبت بنت .
حملها ﷺ ثم ضمها إلى صدره وقبلها وأخذ يشمها وقال هذه ريحانة .
وسماها فاطمة لأن الله فطم يومها الشر بين القوم ساعة مولدها رضي الله عنها.
✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-23-2022, 01:40 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة و العشرون
فاطمة رضي الله عنها .
بعد أن حقن الله دماء قريش على يد أبيها النبي ﷺ ولدت فاطمة رضي الله عنها .
فسماها ﷺ فاطمة . لأن الله فطم دماء قريش ساعة ولادتها .
فذبج النبي ﷺ قيل : أربعة خراف وأولم وأطعم الناس .
وقد سماها رسول الله ﷺ فاطمة أم ابيها .:
لأنه ترمل من أمها خديجة رضي الله عنها ولم يكن أحد يقوم بخدمته غير فاطمة وتعطف عليه وكأنها أمه رضي الله عنها وأرضاها .
كانت أقرب الناس إلى أبيها حتى قال يوما عنها:
فاطمة . بضعة مني . رضاها من رضاي وسخطها من سخطي .
وقال أيضا :
فاطمة سيدة نساء العالمين في الدنيا والآخرة . إلا أمها خديجة .
فاطمة أم لآل البيت كانت ولادتها قبل البعثة ب 5 سنين .
ثم حملت خديجة بعد ولادتها . وأنجبت ولد ذكر فسماه النبي ﷺ القاسم .
وبه كان يكنى ﷺ ب أبا القاسم . وبلغ من العمر 18 شهر وتوفي .
وبعدما أوحى الله إلى النبي ﷺ حملت السيدة خديجة وولدت له الولد الثاني وكان ذكر فسماه عبدالله .
ولأنه ولد في الاسلام فقد لقبه الصحابه رضي الله عنهم : ب "الطاهر و الطيب"
وقد اعتقد البعض أن الطيب و الطاهر هم أولاد للنبي ﷺ اضافة ل القاسم وعبد الله
والحقيقة أن ابناء النبي ذكورآ من السيدة خديجة هم *القاسم وعبد الله فقط .
وقد رزق ﷺ بولد ذكر آخر من السيدة "ماريا القبطية" رضي الله عنها فسماه النبي ﷺ ابراهيم وكان أشبه الناس برسول الله ﷺ .
وقد عاش إبراهيم 18 شهر ومات عندما صار يمشي .
ولما مات إبراهيم . وقف ﷺ على قبره وأخذ يبكي حتى ابتلت لحيته .
فقال أحد الصحابة : يارسول الله ألم تنهانا.
فقال ﷺ . ما عن هذا نهيتكم . إنما نهيتكم أن يضرب الرجل وجهه و يشق جيبه أو يقول ما يسخط الله تعالى .
إن العين لتدمع . وإن الفلب ليحزن . وإنا على فراقك ياابرهيم لمحزونون .
*ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها إلا إبراهيم عليه السلام. فإنه من مارية القبطية.
أولاده:
القاسم و عبدالله.
زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة.
مات البنون كلهم صغاراً.
أما البنات فقد أدركن كلهن زمن النبوة. فأسلمن و هاجرن ثم توفاهن الموت قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة رضي الله عنهن فإنها عاشت بعده ستة أشهر.
✨✨✨✨✨✨✨
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الوحي .. الجزء الاول ..
قبل أن نتحدث عن الوحي يجب أن نعرف منزلة النبي ﷺ في قومه قبل أن يقول لهم إني رسول الله إليكم .
بعد أن حقن الله دماء قريش على يديه ﷺ ارتفعت منزلته عندهم واعتبروه رجل حكمة وعقل وبركة على قومه كلهم .
إضافة بأنه معروف بالصادق الأمين لأن مجتمعهم كان مجتمع كاذب ولايفي بوعوده ويخون الأمانه .
فلما رأو أنه لايكذب وماجربوا عليه كذبآ قط. صار كالعلم بين القبائل وصارت شهرته بالصادق الأمين .
ومن أخلاقه الحميدة أنه لاينسى من أسدى إليه معروفا مثل عمه أبوطالب .
كفله عمه بعد وفاة جده عبدالمطلب وكان عمره 8 سنوات .
لم ينسى هذا الفضل فإنه لاينكر المعروف إلا لئيم .
قال ﷺ من أسدى إليكم معروفآ فكافؤوه ولاتعادوه ولاتنقصوه . فإنه لاينكر المعروف إلا لئيم .
وقال ﷺ من لم يشكر الناس لم يشكر الله .
هذه اخلاقه ﷺ قبل نزول الوحي.
هو ﷺ الذي قال أدبني ربي فأحسن تأديبي .
والله سبحانه وتعالى رباه بالأخلاق الربانية .
فعندما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه ﷺ قالت .
كان خلقه القرآن ﷺ . يحل حلاله ويحرم حرامه ولايتعدى على نواهيه .
ومن حسن خلقه ﷺ الذي تربى عليه أنه ما نسي عمه أبوطالب لما كبر وتزوج .
نظر إلى بيت عمه فوجده كثير العيال وقليل المال.
"أحواله ضيقة بمقولة هذه الايام"
فذهب ﷺ بكل أدب إلى عمه العباس لأنه قريب منه بالسن منه.
فقال له : ياعم : إن ابا طالب قد أكثر العيال وقليل المال فهل نخفف عنه .
قال العباس رضي الله عنه . كيف :
قال ﷺ . نذهب إليه وآخذ واحد من أبنائه وتأخذ واحد ويكونا في كفالتنا .
قال العباس : نعم الرأي .
وذهبا إلى أبوطالب وعرضا عليه .
فأخذ النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأخذ العباس جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم .
حبب إلى النبي ﷺ في هذه الفترة الإختلاء عن الناس فكان يختلي في بيته .
ثم أصبح يذهب إلى الكعبة ويطوف حولها ثم يجلس في حجر اسماعيل .
ثم أصبح يذهب خارج مكة فهداه الله إلى غار حراء .
هذا الغار يبعد عن مكة 5 كيلومتر في جبل مرتفع طريقه وعره والصعود إليه خطر مرهق وشاق .
الغار عبارة عن تجويف في الجبل يتسع لأربعة رجال جالسين وبارتفاع رجلين .
كان النبي ﷺ يعتزل في الغار في شهر رمضان.
"هكذا كان اسمه في قريش"
كان إلهام من الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر وكان يدعو الله أن يهديه إلى ملة ابراهيم الحنيفة .
كان يأخذ معه طعامه وشرابه ويبقى فيه عدة أيام ثم يعود لبيته وكان أكثر وقته يتفكر في خلق السموات والأرض ويتأمل الجبال والسهول الواسعة والغيوم والسماء .
كانت السيدة خديجة تأتي للنبي ﷺ وتبقى معه فترة ثم تعود لبيتها .
كانت خديجة تشعر أن لزوجها شأن عظيم فهي عرفته جيدا بأخلاقه وتعامله وطيبته ونبله ومعاملته مع الجميع .
وكان ورقة بن نوفل يسألها كل فترة عن أحواله وأخباره كيف ينام وكيف يذهب وكيف يأتي وهل من جديد .
فلما أراد الله أن يبعث الوحي كان هناك فترة تمهيد لأنه سيقابل جبريل عليه السلام .
لأن استقبال الوحي ليس بالأمر السهل على الإطلاق فأصبح ﷺ يرى الرؤيا ليلآ مثل أن يأتي أحدهم يزورهم في البيت ومعه كذا ويتحدثون بموضوع كذا ويحدث كذا .
فيأتي النهار فتتحقق الرؤيا كفلق الصبح وكما رآها تمامآ فشعر ﷺ أن هناك شيء غريب وغير عادي .
وأصبح يسمع في منامه من يقول له يامحمد يامحمد يارسول الله .
فأصبح إذا خرج إلى غار حراء وحيدا أو مشى في شوارع مكة أصبح يسمع الحجر والشجر يسلم عليه ويقول السلام عليك يارسول الله .
فيلتفت يبحث عن مصدر الصوت فلا يرى أحد .
ورد في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال .
إني لأعرف حجرآ بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث . إني لأعرفه الآن .
كان هذا مقدمة لنزول الوحي حتى لايكون نزول الوحي فجأة وصار النبي ﷺ يشعر أن له شأن وأنه يراد منه أمر عظيم .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
جاروط
06-23-2022, 03:54 AM
في ميزان حسناتك يارب 😍
🌹🌹🌹🌹🌹
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
الغريب
06-23-2022, 03:56 AM
في ميزان حسناتك يارب 😍
🌹🌹🌹🌹🌹
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
جزااك الله خير
استاذي جاروط
على مرورك الطيب وفقك
الله ماقصرت
جاروط
06-23-2022, 04:01 AM
ربنا يسعدك في الدارين
🌷🌷🌷🌷
🌹🌺 اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى صحبه و سلم تسليماً كثيراً 💐🌷
الغريب
06-23-2022, 04:04 AM
اهلا بك اخي واستاذي الموقرجاروووط
كم يسعدني حضورك بين ثنايا متصفحي المتواأضع بارك الله بك
واسعدك في الدارين
الغريب
06-23-2022, 01:43 PM
السيره النبويه الدرس التاسع والعشرون
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و العشرون.
الوحي .. الجزء الثاني ..
في رمضان ولم يتم ﷺ من عمره 40 سنة كان يجلس في الغار وكانت ليلة مظلمة ولا وجود لضوء القمر سمع صوت من مكان بعيد وعال يناديه يامحمد يامحمد .
إنه من لطف الله جل جلاله أن الوحي لم يأته في الغار حتى لايرعبه ﷺ .
التفت ﷺ وأخذ ينادي من ينادي . من ينادي .
فقام ﷺ من مكانه ووقف عند باب الغار والتفت يمنة ويسرى وينظر الطريق فلم يرى أحد .
فسمع منادي يامحمد .
فالتفت إلى أعلى فرأى جبريل عليه السلام.. بين السماء والأرض على صورة انسان .
قال له جبريل . يامحمد أنا جبريل وأنت محمد رسول الله .
خاف رسول الله أن يكون من أعمال الجن أو الشياطين فرجع إلى الغار وهو يرتعد من الخوف . ومازال يسمع كلام جبريل عليه السلام .
أنا جبريل وأنت رسول الله .
أنا جبريل وأنت رسول الله .
أنا جبريل وأنت رسول الله .
بقي يكررها كنوع من التنبيه حتى نزل ووقف عند باب الغار .
فدخل الغار ووقف أمام النبي ﷺ وقال السلام عليك يارسول الله .
أنا جبريل وأنت محمد رسول الله .
فنظر إليه ﷺ وهو يرتعد من الخوف وقال وعليك السلام .
فقال جبريل . أنا جبريل وأنت محمد رسول الله .
قال ﷺ . فنظرت إليه وإذ بيدة قطعة من حرير .
قال . يا محمد إقرأ ...
قال ﷺ . ما أنا بقاريء .
فأخذني وغطني غطة شديدة "ضمه إليه " حتى خشيت أن أنفاسي تذهب ثم أرسلني .
وقال . إقرأ .
قال ﷺ . ما أنا بقاريء .
فأخذني وغطني الثانية ثم أرسلني .
وقال . إقرأ .
قال ﷺ . ما انا بقاريء .
فأخذني وغطني الثالثة ثم أرسلني .
وقال . إقرأ .
قال ﷺ . فخشيت إن قلت ما أنا بقاريء أن يكرر ضغطته .
فقلت . ماذا أقرأ .. ماذا أقرأ .
فقال .
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
ثم ارتفع جبريل .
ثم أخذتني الرعدة وشدة الخوف وخشيت أن يكون تلبس من الشياطين .
فنزلت من الغار واتجهت إلى البيت .
رسول الله ﷺ يرتعد من الخوف والطريق وعرة والليل حالك لاوجود لضوء القمر والمسافة طويلة ومع ذلك اتجه إلى بيته ﷺ .
رأت خديجة رضي الله عنها حاله ﷺ وعودتة ليلا .
فقالت له . ما الخبر يا ابن عم .
فقال ﷺ . دثروني دتثروني زملوني زملوني .
فأسرعت خديجة وأتت بغطاء ووضعته عليه وهو يرتعد من القشعريرة وخديجة جالسة قربه تنظر إليه لاتعلم ما الأمر .
وبعد أن هدأ قليلا سألته : ما الخبر .
قال ﷺ . ياخديجة .
أخشى الجن والشياطين وأخشى أن يلبس علي أو أني اتخيل كما يصنع بالكهنة .
قالت له :ما الخبر .
فقال لها ﷺ ما حصل معه بالتفصيل .
قالت خديجة :والله لايخزيك الله أبدا .
إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكرم الضيف وتعين على نوائب الحق .
كلمات قالتها خديجة رضي الله عنها تريح القلب بعد شدة رؤية جبريل عليه السلام .
أنت لست بالوجه الذي يرده الله.
لن يخزيك الله وأنت تحمل الخير للناس .
"لأن هذه الصفات يستحيل أن تجتمع مع سفاهة الجن والشياطين وأنت صاحب هذه الصفات فالله يحفظك من الجن والشياطين"
ثم قالت : أبشر أنت رسول الله إلى هذه الأمة .
يقول رسول الله ﷺ . بعد أن سمعت هذا الكلام هدأت نفسي .
ثم قالت : يا ابن عم .
إن ورقة بن نوفل قد تنصر وقد حدثني عن أمور أهل الكتاب الكثير الكثير .
فهل تسمح أن نذهب فنسأله عن اسم "جبريل"
خرج النبي ﷺ وخرجت معه خديجة رضي الله عنها وذهبوا إلى ورقة بن نوفل .
كان رجلا طاعنا في السن وكان أعمى وقد فقد بصره .
فلما دخلا عليه.
قالت خديجة يا ابن عمي .
اسمع من ابن أخيك محمد .
كان ورقة ابن نوفل ابن عمها حقيقة.
قال ورقة بن نوفل . هات يا محمد ياخير قومه.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-23-2022, 01:44 PM
السيره النبويه الدرس الثلاثون
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والثلاثون
إسلام أبو بكر رضي الله عنه .
لما علم رسول الله ﷺ أنه مرسل لهذه الأمة كان له صديق حميم وكان أحب الرجال إلى قلبه
أبوبكر الصديق .
كان يصغره بسنتين . أي كان عمره 38 سنه
كان أبوبكر الصديق رضي الله عنه يعرف أخلاق صاحبه محمد ﷺ جيدا .
كان أبوبكر الصديق رضي الله عنه خلوقآ ومتواضع وكريم ولايقرب أماكن الفساد ..
ولم يسجد لصنم ولم يشرب خمرآ قط أبدآ .
أراد النبي ﷺ أن يقول سره لأقرب الناس له فذهب إلى
أبوبكر الصديق رضي الله عنه فوجده يطوف بالكعبة .
فأخذه النبي في خلوة خارج الحرم بعيدا عن الناس .
قال له : اجلس يا أبابكر . فجلس .
قال النبي ﷺ يا: أبابكر هل تصدقني إن حدثتك .
قال أبوبكر . يامحمد لم أجرب عليك الكذب قط .
وإنك فينا الصادق الأمين .
تكلم يا محمد .
قال ﷺ . هل تذكر إذ أنا أرغب عن آلهة قومي وأبحث عن ملة إبراهيم عليه السلام ورب هذه البرية .
قال . بلى أذكر يامحمد .
قال ﷺ . يا أبابكر إن الله أكرمني وهداني إلى ملة إبراهيم. وأوحى إلي، واختارني أن أكون رسول الله لهذه الأمة.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه . أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .
لا أظن أن هذه الأصنام تضر وتنفع .
يارسول الله : ما يصنع من أراد الدخول في هذا الدين .
قال ﷺ . لقد دخلت يا أبابكر .
قال أبوبكر : وها أنا أكررها . أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .
أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .
وأخذ يكررها ويكررها ...
"أبو بكر يجيب النبي فورا .. ما أطيب قلبك يا ابا بكر" رضي الله عنه.
قال ﷺ . حسبك يا أبا بكر . يكف قولها مرة واحدة .
هل رأيتم جمال موقف أبوبكر الصديق رضي الله عنه.
أسلم من غير تردد ولم ينسى رسول الله ﷺ له هذا الموقف .
قال رسول الله ﷺ .
مادعوت أحدآ إلى الإسلام إلا وكانت له كبوة . إلا أبو بكر دخل في دين الله من لحظة علم أنه يوحى إلي .
علم أبوبكر أن بهذا الدين نجاة من النار ورضى من الله وبشرى بالجنة في الآخرة .
وعلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه يجب أن يبلغ من يستطيع للدخول في هذا الدين .
فذهب إلى أحب أصحابه صديقه عثمان بن عفان وكان يثق به فعرض عليه الإسلام . فأسلم رضي الله عنه .
وذهب إلى عبد الرحمن بن عوف وعرض عليه الدين الجديد فأسلم رضي الله عنه .
وذهب أيضآ إلى ابوعبيدة وعرض عليه الدين الجديد فأسلم رضي الله عنه .
وذهب إلى الزبير فدعاه إلى الاسلام فأسلم رضي الله عنه .
ثم ذهب إلى طلحة ودعاه إلى الاسلام فأسلم رضي الله عنه .
رضي الله عنك يا ابوبكر في يوم واحد أسلم على يديه خمسة وهم من العشرة المبشرين بالجنة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-24-2022, 02:36 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والثلاثون
إسلام أبو بكر رضي الله عنه .
لما علم رسول الله ﷺ أنه مرسل لهذه الأمة كان له صديق حميم وكان أحب الرجال إلى قلبه
أبوبكر الصديق .
كان يصغره بسنتين . أي كان عمره 38 سنه
كان أبوبكر الصديق رضي الله عنه يعرف أخلاق صاحبه محمد ﷺ جيدا .
كان أبوبكر الصديق رضي الله عنه خلوقآ ومتواضع وكريم ولايقرب أماكن الفساد ..
ولم يسجد لصنم ولم يشرب خمرآ قط أبدآ .
أراد النبي ﷺ أن يقول سره لأقرب الناس له فذهب إلى
أبوبكر الصديق رضي الله عنه فوجده يطوف بالكعبة .
فأخذه النبي في خلوة خارج الحرم بعيدا عن الناس .
قال له : اجلس يا أبابكر . فجلس .
قال النبي ﷺ يا: أبابكر هل تصدقني إن حدثتك .
قال أبوبكر . يامحمد لم أجرب عليك الكذب قط .
وإنك فينا الصادق الأمين .
تكلم يا محمد .
قال ﷺ . هل تذكر إذ أنا أرغب عن آلهة قومي وأبحث عن ملة إبراهيم عليه السلام ورب هذه البرية .
قال . بلى أذكر يامحمد .
قال ﷺ . يا أبابكر إن الله أكرمني وهداني إلى ملة إبراهيم. وأوحى إلي، واختارني أن أكون رسول الله لهذه الأمة.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه . أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .
لا أظن أن هذه الأصنام تضر وتنفع .
يارسول الله : ما يصنع من أراد الدخول في هذا الدين .
قال ﷺ . لقد دخلت يا أبابكر .
قال أبوبكر : وها أنا أكررها . أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .
أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .
وأخذ يكررها ويكررها ...
"أبو بكر يجيب النبي فورا .. ما أطيب قلبك يا ابا بكر" رضي الله عنه.
قال ﷺ . حسبك يا أبا بكر . يكف قولها مرة واحدة .
هل رأيتم جمال موقف أبوبكر الصديق رضي الله عنه.
أسلم من غير تردد ولم ينسى رسول الله ﷺ له هذا الموقف .
قال رسول الله ﷺ .
مادعوت أحدآ إلى الإسلام إلا وكانت له كبوة . إلا أبو بكر دخل في دين الله من لحظة علم أنه يوحى إلي .
علم أبوبكر أن بهذا الدين نجاة من النار ورضى من الله وبشرى بالجنة في الآخرة .
وعلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه يجب أن يبلغ من يستطيع للدخول في هذا الدين .
فذهب إلى أحب أصحابه صديقه عثمان بن عفان وكان يثق به فعرض عليه الإسلام . فأسلم رضي الله عنه .
وذهب إلى عبد الرحمن بن عوف وعرض عليه الدين الجديد فأسلم رضي الله عنه .
وذهب أيضآ إلى ابوعبيدة وعرض عليه الدين الجديد فأسلم رضي الله عنه .
وذهب إلى الزبير فدعاه إلى الاسلام فأسلم رضي الله عنه .
ثم ذهب إلى طلحة ودعاه إلى الاسلام فأسلم رضي الله عنه .
رضي الله عنك يا ابوبكر في يوم واحد أسلم على يديه خمسة وهم من العشرة المبشرين بالجنة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والثلاثون
إسلام زيد بن حارثة رضي الله عنه .
اسمه زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب الكلبي .
كانت العرب في الجاهلية تغير على بعضها تقتل وتنهب وتأخذ النساء والأطفال سبايا .
كانوا أشداء على بعضهم يقوى بعضهم على بعض .
كانت أمه في زيارة عند أهلها من قبلية أخرى ومعها طفلها زيد فهجمت عليهم قبيلة أخرى وكان من ضمن السبايا هذا الطفل الذي أخذ من حضن أمه .
وفي سوق عكاظ تم عرضه للبيع .
كان في السوق تجار من قريش ومن بينهم رجل يدعى حكيم .
"السيدة خديجة هي عمته"
وكان من ضمن المشتريات هذا الطفل .
عند عودته إلى مكة حضرت السيدة خديجة تسلم عليه.
وقبل أن تمشي أحب حكيم أن يكرم عمته فقال لها أن يهديها خادم وأن تختاره هي بنفسها .
فألهمها الله تعالى أن تختار زيد .
كان زيد كما ذكر الصحابه قصير . أسمر . شديد السمرة . أفطس الأنف .
نظرت السيدة خديجة لزيد .
وقالت . أعطني هذا الغلام يا ابن أخي.
وذهبت به إلى بيتها ولما دخلت .
قال لها النبي ﷺ من هذا يا خديجة رضي الله عنها .
طبعآ هذا الكلام قبل البعثة.
قالت خديجة رضي الله عنها : غلام اعطانيه ابن أخي حكيم هدية .
نظر النبي ﷺ إليه نظرة شفقة ورحمة .
قال ﷺ .: ياخديجة هذا الصبي ليس أعجمي .
ووضع ﷺ يده على رأس الصبي بكل لطف وشفقة .
وقال له : ياغلام . اتعرف أباك .
قال زيد . نعم . أنا زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب الكلبي .
فنظر ﷺ إلى خديجة وقال : أجل إن دمه عربي وروحه تدل على ذلك .
قالت خديجة رضي الله عنها : أراه قد شد انتباهك وإني قد وهبته لك وأجعل رقبته في يدك فافعل به ماتشاء .
فأخذه النبي ﷺ ونظر إليه ثم قال : ياغلام أنت حر لوجه الله تعالى.
إن شئت أقم في بيت محمد معززا مكرما .
وإن شئت أن ترجع لأهلك فارجع .
عندما رأى زيد هذه الرأفة والرحمة والحنان من رسول الله ﷺ قال :
بل أبقى معك .
فأقام زيد في بيت النبي ﷺ حر طليق . لاعبدآ ولا خادم .
وما زال يتربى ويتعلم من مكارا الأخلاق في بيت النبوة .
أحبه النبي ﷺ وأحب النبي رضي الله عنه .
كان خفيف الظل والروح وشخصيته محبوبة وكان مخلصآ للنبي ﷺ .
مضت الأيام وأهل زيد بن حارثة يبحثون عنه بين العرب .
وسمع أبوه أن زيدا في مكة عند رجل اسمه محمد. صل الله عليه وسلم.
فجاء أبوه وأعمامه ودخلوا مكة وأخذوا يسألوا عن محمد بن عبد الله .
فأشاروا إليه وكان ﷺ جالسآ مع أصحاب له .
قدموا إليه وسلموا على القوم .
قال أبو زيد : يا محمد يا ابن سيد قومه .
إنكم أهل حرم تفكون العاني وتطلقون الأسير وتعينوا على مواقف الدهر .
ولقد اتينا نفدي ولدنا .
قال ﷺ . وما ذاك :
قال : ابني زيد وأنا حارثة وهذا عمه.
وقد علمنا أن ولدنا عندك . ونحن نفديه بالمال . فاطلب ماشئت .
قال ﷺ . ألا لكم خير من هذا .
"أحسن من أن تدفعوا المال . أعطيكم خيار أفضل "
قال . وما هو .
قال ﷺ . نرسل إلى زيد ونخيره . فإن اختاركم فهو لكم .
وإن اختارني فما أنا بالذي يختار على من يختارني من شيء .
قال عمه : أنصفت وعدلت وزدت في العدل .
فارسل النبي ﷺ في طلب زيد وهو جالس معهم لم يغادرهم .
حضر زيد فرأى أبوه وعمه فعرفهم وذهب مسرعآ نحوهم وعانقهم .
قال له النبي ﷺ : يازيد أتعرف هؤلاء القوم .
قال زيد : نعم هذا أبي حارثة وهذا عمي فلان وهذا فلان وهذا فلان من قومي .
قال النبي ﷺ . اجلس يا زيد . فجلس؟
يا زيد : القوم قدموا لفدائك وأنا أخيرك بيني وبينهم .
إن اخترتهم فأنت لهم بلا فداء . وإن اخترتني كان لي معك شأن آخر .
نظر زيد إلى القوم ونظر إلى النبي ﷺ .
وقال : ما أنا بالذي يختار عليك أحد . اخترتك يا ابا القاسم .
صاح عمه وأبوه :
زيد زيد لاأم لك ...
اتختار العبودية على الحرية!!
"لا أم لك : شتيمة محببة عند العرب تعني : تعدمك أمك "
قال زيد . وأشار إلى النبي ﷺ . لوعرفتم هذا الرجل وعشتم معه لاخترتم أن تكونوا عبيد عنده .
هل تعلمون أنه أعطاني حريتي من اليوم الأول . وأنا أعيش في بيته كواحد من أهله .
ثم نظر إلى النبي ﷺ وقال : اختارك أنت يا أبا القاسم .
أمسك النبي ﷺ بيد زيد ووقف في صحن الكعبة ونادى :
يامعشر قريش ويامن حضر من العرب : اشهدوا أن زيد ابن محمد يرثني وأرثه .
هو من اليوم ابني.
"كان من عادة العرب التبني قبل أن ينزل الوحي والقرآن ويبطل التبني"
فلما نزل الوحي بطل التبني .
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)
سورة الاحزاب .
عندما سمع أبو زيد وعمه أن ابنهم أصبح ابن محمد ابن أشراف مكة والعرب فرحوا .
وقالوا : يامحمد : لقد اكرمتنا اكثر مما توقعنا .
وعادوا إلى ديارهم وهم فرحين وتركوا ابنهم مع هذا الشرف العظيم في مكة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثلاثون
دار ابن الأرقم .
كان ممن أسلم على يد أبوبكر الصديق رضي الله عنه الصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم .
كان من السابقين للإسلام وقد شهد مع النبي ﷺ جميع غزواته رضي الله عنه .
وقد أطال الله عمره وتوفي وعمره 83 سنة في خلافة معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهم .
كان بيته في مكة على جبل الصفا .
بعد نزول الآية الكريمة .
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
أخذ النبي ﷺ يدعو إلى الله تعالى خفية لمدة 3 سنوات وأخذ عدد المسلمين يزداد .
فاتخذ النبي ﷺ من دار الأرقم بن أبي الأرقم مقرآ لدعوته .
فأصبح المسلمون يجتمعون في بيته عند جبل الصفا .
كان ﷺ يجلس ويقرأ عليهم الآيات القرآنية التي يأتي بها الوحي .
ويعلمهم أمور دينهم وأخلاق الدين التي كانت غريبة على مجتمعهم .
يدعوهم إلى صدق الحديث . وكان من النادر أن ترى فيهم رجلا صادقآ .
بدليل أن النبي ﷺ ولأنه صادق بينهم أصبح معروفا بينهم بالصادق الأمين .
كان يأمرهم بالصدق والأمانة وعدم وأد البنات ويدعوهم إلى الإبتعاد عن الزنا والحرام .
فكانت أول تعاليم الإسلام عن مكارم الأخلاق في دار ابن الأرقم .
"فمن كانت له أخلاق كان له دين . ومن ليس لديه أخلاق لا دين له"
كان ﷺ يربيهم على مكارم الأخلاق ويأمرهم بكتمان الأمر والابقاء عليه سرآ .
كان أحدهم إذا أراد أن يصلي يذهب إلى شعاب مكة ويصلي هناك حتى لا يراه أحد .
اما أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فقد اتخذ مكانآ في ببته وأخذ يصلي فيه .
ولم يزالوا على هذا الوضع حتى نزل الوحي بقوله تعالى :
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
سورة الشعراء .
تعتبر هذه الآيات بأنها الأمر بالبدء بالدعوة جهرآ لكنها تخصيصآ لعشيرته ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
و أنذر عشيرتك الأقربين .
كان النبي ﷺ يدعوا إلى الله تعالى مدة 3 سنوات سرآ ومع ذلك تسربت الأخبار لقريش بأن محمد يكلم السماء ويدعو إلى دين جديد .
كان كلما مر ﷺ أمام جماعة من قريش يقولوا بين بعضهم البعض انظروا إلى غلام عبدالمطلب يدعي أنه يكلم من السماء .
"لم يكونوا يهتمون لهذا الأمر "
وعندما انزلت وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
هنا أصبح لزاما الجهر بالدعوة .
فأخذ يفكر ﷺ في كيف يجمع بني عبدالمطلب ليدعوهم إلى الله تعالى.
جاء لزيارته عماته ﷺ وكانوا يعلمون أنه قد أوحي إليه من السماء .
فلما جلسوا معه وكان مهموما ﷺ فظنوا أنه مريض .
فسألوه : هل تشكو من مرض .
قال ﷺ ما اشتكيت من شيء ولكن الله تعالى أمرني ب وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
وأنا أريد أن أجمع بني عبدالمطلب لأدعوهم الى الله تعالى .
قالوا : أدعهم ولكن لا تجعل عبد العزى بينهم "يقصدون ابولهب"
لأنهم يعلمون أن ابولهب يتبع أمر زوجته "أم جميل" وإذا ذكر أمامها محمد تغضب .
"حالها كحال نساء هذا الزمن الغيرة من أولاد سلفها خاصة إذا كانوا أفضل من أبنائها "
وخاصة أنهم علموا أن محمد ﷺ جاء بدين جديد .
وكانت زوجة بذيئة اللسان سليطة وصوتها عالي أعلى من صوت زوجها وهو أمامها ضعيف يطيعها بكل شيء .
عمات النبي ﷺ يعلمون أن زوجته مسيطرة عليه ويعلمون أنها تحقد على محمد وأنها امرأة فاجرة ولهذا أبو لهب سيقول ما يرضي زوجته .
ولهذا نصحوا النبي صلى الله عليه وسلم : أن لايدعوا ابولهب.
ولكن رسول الله ﷺ مأمور أن يدعوا عشيرته الأقربين وأبو لهب من عشيرته .
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أولم النبي ﷺ ودعا بني هاشم جميعهم "قرابة 40 رجل" وذبح لهم جدي .
يقول علي رضي الله عنه مستغربآ : جدي واحد ماذا سيكفي هذا الجدي ل 40 رجل والواحد منهم يأكله لوحده .
وأنا أقول في نفسي : لمن سيقدمه.
صنعت الطعام أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاه .
وانتظروا حضور الرجال .
أبو لهب لما أراد الذهاب وقد دعي لهذه الوليمة .
لم يكن يعجبه هذا الشيء .
وامرأته تعينه على الرفض "
وكما قلنا هي تغار منه وتحقد عليه .
هي من بني عبدشمس وأخت لأبوسفيان وتحسب أنها وعشيرتها أفضل من بني هاشم ولا تحب أن ترى الخير فيهم .
وعندما وجهت الدعوة لي أبولهب سألته : لماذا يدعوكم محمد وما المناسبة .
قال أبولهب : لا أدري : لعله من أجل هذا الدين الجديد .
قالت له : إياك ثم إياك .
خذ على يده قبل أن تأخذ على يدكم العرب .
"امنعه وأوقفه عند حده قبل أن ينتشر خبره وتنفضحوا ببن العرب"
فكان أبو لهب أول من يستمع لرأي زوجته وهي حاقدة على إخوته واقربائه .
يقول علي رضي الله عنه : لما حضروا وأكلو وشبعوا جميعا وزاد من الطعام .
جدي وآحد : شبعت منه بنو هاشم وزاد منه أيضا.
جلس رسول الله ﷺ وقال فيهم :
يابني هاشم . إن الرائد لايكذب أهله .
فوالله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم وإني رسول الله إليكم خاصة . وإلى الناس عامة .
والله الذي لا إله إلا هو . لتموتن كما تنامون . ولتبعثن كما تستيقظون . ولتجزون بالخير خيرا . وبالشر شرا .
ووالله إنها لجنة أبدآ . أو نار أبدا .
والله يا بني عبدالمطلب . ما أعلم شابا جاء بأفضل مما جئتكم به . وإني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة .
فأخذ بعض الجالسين يتكلم بكلام مهذب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوقف أبولهب وقال : اسمعوا يابني هاشم خذوا على يده قبل أن تأخذ العرب على يده.
"كما برمجته حمالة الحطب قبل أن يأتي للوليمة"
فو اللات والعزى لاندعه يسفه دين عبدالمطلب فإن اسلمتموه حينئذ زللتم .
"أي إذا ظل يدعوا إلى دين جديد وعادته العرب وطلبوا تسليمه لهم .
فهذا الذل أن نسلم واحدآ منا لهم . وإن لم تسلموه قاتلتكم العرب من أجله "
فقامت صفية رضي الله عنها وقالت : أيحسن بك يا أخي خذلان ابن أخيك .
فوالله مازال الأحبار والرهبان يخبرون أبانا عبدالمطلب أنه يخرج من ضنضئك نبي .
"أي من صلبك نبي"
قال أبولهب : هذا والله هو الباطل والأماني وكلام النساء .
إذا قامت قوة قريش والعرب معها فما قوتنا أمامهم . فما قوتنا أمامهم إلا أكلة رأس .
"أي مانحن أمامهم إلا كاللقمة في فم أحدهم"
احتد النقاش وانصرف الجمع ولم تكن هناك أي نتيجة تذكر إرضاء لأبولهب وزوجته حمالة الحطب .
واستمر أبو لهب خلف النبي ﷺ يؤذيه ويصد عنه كل من جاء من العرب إلى البيت الحرام .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٣/٢/٢٠٢١ ١١:٣٣ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثلاثون
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ .
أول من تصدى للنبي ﷺ في دعوته لعشيرته هو عمه أبو لهب وزوجته أم جميل .
وانفض الإجتماع بلا أي نتيجة .
وماهي إلا أيام حتى جاء الأمر الالهي .
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ الله إِلَٰهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
سورة الحجر .
وجاءه جبريل عليه السلام بأحسن صورة وأطيب رائحة .
قال له : يامحمد . الله يقرؤك السلام ويقول لك أنت رسول الله إلى الإنس والجن كافة . فادعهم إلى قول لا اله إلا الله .
صعد رسول الله ﷺ إلى جبل الصفا...
"كان من عادة العرب أنه إذا أراد أحد أن يستغيث أو ينذر يصعد جبل الصفا وينادي في الناس"
صعد رسول الله ﷺ جبل الصفا في صبيحة يوم وقريش في أنديتها ونادى .
واااا صباحا .... وااااصباحا ..
"كانت هذه صيغة من يطلب الغوث أو انذار القوم"
يابني هاشم . يابني مخزوم . يابني عبدشمس .. أيها العرب في الحرم .
نادى بطون قريش وجميع الموجودون في الحرم عند الكعبة .
ولما سمع الناس النداء هرعوا إليه جميعا وهم يقولون هذا صوت محمد الصادق الأمين .
ومن لم يستطع الحضور أرسل من يستعلم ما الخبر حتى ازدحم الناس حوله والكل يريد معرفة سبب هذا النداء .
وحضر أعمام النبي ﷺ ومن بينهم أبو لهب .
قال ﷺ :
يامعشر قريش .
أرأيتم لو حدثتكم أن خلف هذا الجبل خيل تريد أن تغزوكم . أكنتم مصدقي .
قالوا : ماجربنا عليك الكذب وإنك فينا الصادق الأمين .
قال ﷺ . وإني لرسول الله اليكم و ...
قاطعه أبو لهب وصرخ بصوت عال : ألهذا جمعتنا . تبآ لك سائر اليوم .
وأخذ حجرآ يريد أن يرمي به النبي ﷺ .
فلما رأى الناس تصرف أبو لهب يصرخ عليه ويتهجم عليه انفضوا من الموقف وانتشروا دون أن يكمل كلامه ﷺ .
وقف ﷺ حزينا على جبل الصفا وإذ بجبريل ينزل عليه بهذه الآيات .
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)
يعلم الله جل جلاله أن أبو لهب لن يهتدي ولايمكن أن يهتدي لأن فيه عزة نفس وعناد وكفر .
وانتشرت هذه الآيات بين الناس وصاروا يتناقلونها ويرددوها بين أهلهم .
فوصلت هذه الآيات إلى زوجة أبو لهب وأنها حمالة الحطب فاشتعلت من الغضب واتجهت إلى الكعبة تريد محمد ﷺ .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة و الثلاثون.
حمالة الحطب وبنات النبي ﷺ .
لم تكتفي حمالة الحطب من رغبتها بايذاء النبي ﷺ .
فذهبت مسرعة إلى بيت أخيها ابو سفيان متحرقة ومشتعلة غضبا .
دخلت بيت أخيها دون استئذان وقالت باستهزاء : ويحك يا أخمس .
"أي ياشجاع باستهزاء"
اشتعل أبوسفيان غضبا.
فهي قبل أن تتكلم جعلته يغلي غضبا .
قال : ما الأمر .
قالت . أما تغضب أن هجاني محمد. صل الله عليه وسلم.
فوثب غاضبا واستل سيفه .
وقال : أنا سأكفيك إياه .
ثم خرج يريد أن يقتص من محمد. صل الله عليه وسلم.
فما أن خرج حتى عاد مسرعا وقد تغير لونه مرتعبآ .
قالت . ما الأمر .
قال : يا أخية أيرضيك أن رأس أخيك في فم ثعبان .
"أترضين أن تري رأس أخيك يبتلعه ثعبان"
قالت : لا و الله .
قال : هو ذاك . ما أن خرجت وتوجهت أريد محمد حتى رأيت ثعبانآ فاتحآ فاه يريدني .
قالت باستهزاء : هذا محمد قد سحرك .
لم تكتفي هذه الفاجرة بهذا. فاتجهت إلى زوجها المطيع أبي لهب
كان لأبي لهب ثلاثة أبناء هم . عتبة و عتيبة ومعتب وبنت واحدة .
كلهم أسلموا إلا عتيبة مات على الكفر .
وكان النبي ﷺ قبل الوحي قد زوج بناته لأبناء عمه أبي لهب .
عتبة تزوج من رقية بنت الرسول ﷺ .
وعتيبة تزوج من أم كلثوم بنت الرسول ﷺ .
ولم يدخلا بهما .
"كما نقول في هذه الأيام خطبة وكتب كتاب ولم يحصل الفرح والعرس"
جاءت حمالة الحطب لزوجها أبي لهب وهي غاضبة .
وقالت : يا أبا لهب . أترضى أن محمد هجانا .
وأخذت تحرضه وتبغضه وتنفخ فيه نارآ حتى حرضته أن يطلق أبناءه بنات محمد ﷺ .
فوقف هذا الزوج المطيع لينهي هذا النقاش .
وقال لبنيه : رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا بنات محمد .
"أي أتبرأ منكما"
فطلقا بنات محمد .
الرسول ﷺ صحيح أنه نبي ولكنه بشر .
ولا ننسى أنه أب يحب بناته يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم .
والكل سيتكلم عن طلاق بناته . والكثير سيشمت .
سيكون حديث الناس كيف أن عمه رفض زواج أبنائه من بنات محمد. صل الله عليه وسلم.
هذه حادثة كبير وعظيمة في قريش والعرب..... وليست سهلة
لكن الله سبحانه أبدل رقية بزوج عظيم جليل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه .
فقد كان رجل مؤمن ذو جاه وشرف ومال .
كان عثمان كثير المال ورث عن أباه المال الكثير .
"جيش أبرهة عندما جاء ومات على أطراف مكة تركوا متاعهم وحليهم غنيمة لقريش .
وكانت حصة الواحد منهم عظيمة ووالد عثمان بن عفان ممن نالوا من هذه الغنائم وكان تاجرا ماهر في التجارة فنمت ثروته أضعافا"
توفيت رقية رضي الله عنها عند عثمان بن عفان رضي الله عنه
فتزوج من اختها أم كلثوم رضي الله عنهم جميعآ .
ولذلك سمي رضي الله عنه ب ذي النورين .
وقد كان رد عتيبة انتقامآ لأمه شرسآ.
جاء إلى النبي ﷺ .
وبعد أن طلق ابنته مسك قميص النبي وشقه وقال له :
يا محمد إني كافر بما انزل إليك وفارقت ابنتك ولاتحبني ولا احبك.
ثم بصق في وجه النبي ﷺ ورد عليه بنته .
فرفع ﷺ يديه إلى السماء وقال:
اللهم سلط عليه كلبا من كلابك .
وكان أبو طالب موجود .
فوجم وتيبس لأنه يعلم والكل يعلم أن دعاء محمد ﷺ مستجاب له.
فقال له : يا ابن أخي ماكان أغناك عن هذه الدعوة .
رجع عتيبة إلى بيت أبيه خائف يرتجف وأخبر أبيه بما حدث ودعوة محمد .
فقال له : والله لا آمن عليك دعوة محمد. صل الله عليه وسلم.
مضت الأيام ويغادر عتيبة مع أبيه أبو لهب ورجال من قريش بتجارة إلى الشام .
وفي الطريق يصلون إلى منطقة اسمها الزرقاء .
وأرادوا أن يناموا وكان قريبا منهم منزل يسكنه راهب .
فقال لهم : ياقوم إن هذه الأرض مسبعة "فيها سباع وأسود"
فقال أبو لهب لأصحابه .
ياقوم إنكم علمتم نسبي وحقي.
قالوا : أجل يا أبا لهب .
قال . أعينونا معشر قريش هذه الليلة : فإني لا آمن على ولدي دعوة محمد. صل الله عليه وسلم
نفرش لابني فراش . ثم نفرش فراشنا حوله .
ثم نضع امتعتنا حولنا وننيخ الجمال حولنا ونراقب عتيبة .
ونام القوم .
في الليل جاء أسد ضخم .
وبوثبة واحدة قفز ووقف فوق رأس عتيبة .
فاستيقظ عتيبة وصاح وهو يريد الفرار .
هذه دعوة محمد صل الله عليه وسلم.
هو في مكة وأنا في الشام .
استيقظ الناس وإذا بالأسد يقضمة قضمة واحدة طحن فيها رأسه.
فقال أبو لهب وقلبه يتقطع على إبنه.
قد عرفت والله ماكان ليفلت من دعوة محمد صل الله عليه وسلم.
اللهم سلط عليه كلبا من كلابك .
ومع ذلك لم تكتفي حمالة الحطب.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثلاثون
زوجة أبو لهب حمالة الحطب .
لما سمعت أن الناس تردد اسمها بحمالة الحطب اتجهت مسرعة إلى الكعبة تريد محمد ﷺ .
لماذا سماها الله سبحانه بحمالة الحطب .
1- لأنها كانت تجمع الحطب وتأتي به إلى بيتها لأنها بخيلة وهي مقتدرة على استئجار من ياتيها به .
2- كانت تجمع الشوك والحسك وترميه في طريق النبي ﷺ وأمام بيته لايذائه .
3- من شدة حقدها كانت تنتقل من بيت إلى ببت : تنقل الفتنة والأخبار الكاذبة عن محمد ﷺ وهذا الفعل يسميه العرب :
"فلان يحتطب بفلان"
سمعت بذكرها حمالة الحطب على ألسنة الصبية فجاءت مسرعة إلى حجر اسماعيل عند الكعبة مكان تواجد النبي ﷺ غالبا .
كان ﷺ جالسا هو وأبو بكر فاتجهت مباشرة إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
الله سبحانه حجب عنها رؤية رسول الله ﷺ كانت في غاية الغضب وتحمل في يدها فهرا .
"الفهر هو حجر طويل يشبه يد الهاون"
قالت : يا أبا بكر أين صاحبك "مذمم" هذا .
"سبحان الله . قد قالت مذمم عكس اسم محمد حتى لاتصله ﷺ شتيمة من هذه المرأة السليطة"
سكت أبو بكر لايدري ما يقول.
وأردفت قائلة : أيهجوني صاحبك فيذكر اسمي على لسان الكبار والصغار .
واللات والعزة إن رأيته لأضربن رأسه بهذا الحجر .
أفي مثلي وأنا ابنة سيد عبدشمس يقال الهجاء والسب .
أبوبكر الصديق رضي الله عنه وهو مندهش قال : هل ترين عندي أحد.
قالت : اتهزأ بي . ما أرى عندك أحد .
قل لمحمد إذا رأيته لأهجونه كما هجاني :
مذممآ أبينا . ودينه قلينا . وأمره عصينا.
أبو بكر الصديق رضي الله مصدوم ولايدري ما يقول .
ثم انصرفت .
فاتجه أبو بكر جهة النبي ﷺ .
وقال : بأبي أنت وأمي يارسول الله . ألم تكن تراك .
قال ﷺ . لا يا أبا بكر .
إن الله أخذ بصرها عني .
وإني عندما اتت جاء جبريل فوقف ووضع جناحه بيني وبينها فلم تراني .
ألم تسمعها .
لم يهديها الله لذكر اسمي قالت مذمم وأنا محمد ولست بمذمم .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة و الثلاثون
ايذاء أبو لهب للنبي ﷺ .
لم تكتفي حمالة الحطب عند طلاق أولادها لبنات النبي ﷺ .
بل أخذت تحرض زوجها على ايذاء النبي ﷺ وتوسوس له.
إياك أن تترك محمد. صل الله عليه وسلم.
وخذ على يده . امنعه . ستقوم العرب عليكم . أنت عمه وأولى الناس به .
وعندما جهر رسول الله ﷺ بالدعوة ظل أبو لهب الزوج المطيع لزوجته يلاحق النبي أينما ذهب ويقول للناس .
يا معشر الناس : تعلمون أني عمه وأنا أعلم الناس به :
إن به مس من الجن وقد اختلط عليه .
"كان يستخدم أمس العبارات لتنفير الناس من الإستجابه لدعوة النبي ﷺ"
فيكون رد فعل الناس : إذا كان عمه وهو أقرب الناس إليه يقول هذا .
فينفر الناس ولا يستجيبون له .
ومازال أبو لهب في طغيانه .
يقول بعض الصحابه رضي الله عنهم أجمعين :
كنا نرى في بداية الدعوة رجل حسن الوجه ذو ضفيرتين يمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الأسواق كلما دعى رجلا إلى الإسلام يأتي ويكذبه .
فقلنا من هذا : "ليس كل من دعاهم النبي ﷺ من قريش"
فقيل لنا : هذا عمه وقد ناصبه العداء .
وأصر أبو لهب على الكفر ومناصبة العداء للنبي ﷺ حتى مات أبشع ميتة .
فبعد معركة بدر وصله خبر أن قريش هزمت .
فاغتاظ قهرآ ووقف يسب النبي ﷺ أمام أم الفضل زوجة العباس رضي الله عنهما .
"كانت أم الفضل وزوجها مسلمين وكاتمين إسلامهم . وخرج زوجها إلى معركة بدر مع قريش مجبرآ .
وقد أخذه المسلمون أسيرآ"
وقف أبو لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم. أمامها وهو يظن أنه يواسيها لأسر زوجها .
فما كان من هذه المؤمنة إلا أن اقتلعت عامودآ لخيمة وضربته به فشجت رأسه .
ومع هذه الضربة ابتلاه الله بمرض معدي فصار الناس يهربون منه خوفآ من أن يصيبهم مرضه .
وصار وحيدآ في بيته لا يستطيع أن يقترب منه أحد حتى أبناءه.
فلما مات خافوا أن يغسلوه مخافة العدوى .
فطلب أبناءه من الخدم هدم البيت عليه ودفنه تحته كي لاتنتشر رائحته .
"ياسبحان الله. يا سبحان الله"
(إن مكان بيته ومدفنه حاليا هو مكان دورة المياه للرجال عند ابواب المسعى حاليا")
"أهانة الله في الدنيا والآخرة بسبب حمالة الحطب"
بداية الدعوة لم تعترض قريش .
ولكن لما رأو عمه يعاديه ويصفه بالكذب والجنون .
قال الناس : إذا كان عمه لايقف معه فلماذا نخاف من بني هاشم .
ولكن هناك عمه أبوطالب شريف مكة وكبير بني هاشم .
وقف مع النبي ﷺ في بداية دعوته .
ومن أجل ذلك أخذت قريش تعمل له ألف حساب قبل أن تقدم على أي فعل .
فاكتفوا بالإستهزاء من الدعوة ...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة و الثلاثون
استهزاء قريش من الدعوة .
نحن الآن في السنة الرابعة للدعوة وقد مضى ثلاث سنوات والدعوة سرآ .
والآن في السنة الرابعة بدأت الدعوة إلى دين الله تعالى جهرا.
فبدأت قريش بالمضايقات والإستهزاء والتعذيب لأصحاب رسول الله ﷺ .
منهم من استشهد رضي الله عنه تحت التعذيب .
ومنهم من قاسى وتحمل أشد انواع التعذيب حتى فرج الله عنه .
الرسول ﷺ يتعرض لحملات تشويه لاتنتهي .
فيقال عنه :
أنه مجنون ويقال أنه ساحر ويقال أنه شاعر ويقال أنه كاهن.
وخارج مكة في القبائل العربية أصبح يصل الناس أخبار أن في مكة ساحر عظيم .
قريش تضيق على رسول الله ﷺ فلا تعطي الفرصة لأحد أن يسمع القرآن الكريم ولا تعطي الفرصة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكلم أحد .
أبولهب يلاحق النبي وينفر الناس من الإستجابة لدعوة محمد ﷺ .
حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل إسلامه كان يخافه الناس : فيمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وينهى الناس عن التحدث له مخافة من عمر رضي الله عنه.
فلا يجرؤ أحد أن يتحدث أو يستمع إلى النبي ﷺ .
كانوا إذا قرأ الرسول ﷺ القرآن الكريم يصفرون ويحدثون ضجيجآ قويا يغطون به على صوت القرآن الكريم.
ورغم كل هذا كان الرسول ﷺ يبذل جهده لايكل ولايمل من متابعة الدعوة .
وكان يدعوا الناس في مواسم الحج عندما تاتي الناس إلى الكعبة .
وكان كلما تنزلت الآيات يأتي ﷺ ويصلي عند الكعبة ويقرآ لتسمع قريش آيات القرآن الكريم.
لقد اهتم القرآن الكريم في مكة بآيات قصص الأمم السابقة وما فيها من وعيد .
وفيها من الآيات ما يثبت به قلب النبي ﷺ ودعوته لتحمل أذى قريش له ولأصحابه رضي الله عنهم.
فيها من الآيات ما يتودد به الله إلى المسلمين بذكر من سبقهم من الأمم وكيف أثابهم الله على إيمانهم.
جاء "ابي بن خلف" إلى النبي ﷺ وهو يحمل عظم رميم "متفتت"
قال : أترى يا محمد : أن يحى هذه ربك بعدما قد رمم.
فأنزل الله سبحانه :
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْى الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
سورة ياسين .
يامن تستغرب من هذا العظم الرميم انظر لنفسك من أي شيء خلقت.
خلقت من نطفة وإذا بك تخاصم.
قالوا كيف لمحمد أن يكون نبي ومستجاب الدعوة و نحن أغنى منه وهو فقير .
لو أن الله تعالى أرسل رسولآ من الملائكة.
كيف لمحمد أن يكون رسولآ وهو يأكل مما نأكل ويمشي في السوق وهو يريد أن يتفضل علينا .
وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا (10)
سورة الفرقان .
يقولون محمد فقير ويريد أن يكون ملكآ علينا والملوك لا تمشي في الأسواق.
فيرد عليهم تبارك وتعالى .
تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)
سورة الفرقان .
يقولون : يامحمد لا نؤمن حتى تنزل علينا من السماء كتابآ من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنك رسول الله .
فيرد عليهم الله سبحانه وتعالى .
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ (8)
سورة الانعام .
هذا كان حال النبي ﷺ مع قريش .
كان كلما أقبل أو مر بجانبهم أو ذهب يسمعوه كلام استهزاء .
قالوا هذا ابن أبي كبشة يكلم من السماء .
هذا راعي الغنم يكلم السماء.
كان ﷺ يسمع كلامهم ويسكت ويعود إلى بيته متعبآ و حزينآ .
تستقبله خديجة رضي الله عنها فتواسيه وتخفف عنه أحزانه ولا تتركه حتى ترى الإبتسامة في وجهه.
اشتد الوحي وبدأ يبين لقومه سخافة هذه الأصنام التي يصنعوها ويعبدوها وسفاهة صنيعهم وآباءهم .
وأنزل الله تعالى .
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)
سورة الأنبياء .
غضبت قريش لهذا الكلام وقالوا محمد يسب آلهتنا .
وجاء كبير الشعراء في قريش واسمه "عبدالله ابن الزبعري" إلى النبي ﷺ وقال له:
يامحمد هذا الشيء الذي تقوله .
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ .
هو لآلهتنا خاصة أم لكل ما عبد من دون الله.
قال ﷺ . كل ماعبد من دون الله .
فقال . ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وأن عزير عبد صالح .
قال ﷺ بلى .
فقال عبدالله بن الزبعري : كل هؤلاء قد عبدوهم الناس.
هل هؤلاء حصب لجهنم .
فصاح أهل مكة ومنهم من أخذ يصفق ...
فنزلت الآية الكريمة .
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)
سورة الانبياء .
وقال تعالى .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
سورة البقرة
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
سورة المائدة .
هنا لما رأت قريش أن القرآن الكريم يسخر منهم ومن آلهتهم أخذتهم حمية الجاهلية .
كيف يسفه هذا النبي أحلامهم وأحلام آبائهم إلى قلة العقل .
فاجتمعوا وذهبو إلى أبوطالب .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٨/٢/٢٠٢١ ٤:٥٧ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و الثلاثون
تفجير الأوضاع في مكة ..
سمعت قريش أن القرآن الكريم ينال من أصنامهم وآبائهم فأخذتهم حمية الجاهلية .
فاجمتع شيوخهم وذهبوا إلى أبو طالب .
قالوا له : إنك فينا كبير السن وصاحب شرف في قومك وأن ابن أخيك محمد قد جاء بدين جديد خالف فيه دين الآباء والأجداد .
وليته كان حسبه يعني"ياليت وقف عند مخالفته دين آبائنا وأجدادنا"
أما أن يسفه آباءنا وأحلامنا ويعيب ديننا فنحن لا نرضى بذلك .
يا أبا طالب :
إما أن تمنعه أو يكون لنا معه شأن آخر .
هنا أبو طالب تصرف معهم بالحكمة واللين حتى امتص غضبهم ووعدهم بالحسنى حتى انصرف القوم .
ولم يغير موقفه من محمد ﷺ ولم يتكلم معه .
واستمر النبي ﷺ بالدعوة إلى الله تعالى .
ولما رأت قريش أن محمد ﷺ يتابع الدعوة إلى الله اجتمع سادتها وذهبوا للقاء أبوطالب مرة أخرى .
قالوا : يا أبا طالب .
قد جئناك مرة في شأن ابن أخيك فلم تفعل شيئا ومازال يسفه أحلامنا ويعيب آلهتنا .
فو اللات والعزة إما أن تأخذ على يده وتمنعه .
أو تقوم الحرب بيننا وبينكم وبينه : حتى يهلك أحد الفريقين .
"أي سنعلنها حرب بين قبائل قريش مجتمعة ضد بني هاشم" ثم انصرفوا .
تذكر أبوطالب كلام أبيه عبد المطلب عندما أوصاه بمحمد وعمره 8 سنوات وعهد إليه بكفالة محمد ﷺ .
((يا أباطالب : ألا تسمع مايقول أهل الكتاب في ابن أخيك محمد .
قال أجل .
قال عبد المطلب : إني أرجو من الله أن يكون لمحمد شأن .
يا أباطالب : وصيتي لك محمد واحرص عليه و إياك أن تسلمه إلى مكروه مادامت عينك تطرف ))
تذكر كلام أبيه عبد المطلب . وتذكر كلام أهل الكتاب من الرهبان .
تذكر المواقف التي مرت بمحمد ﷺ وأنه بمنزلة الإبن عنده .
فخاف أن يصيبه شر .
فجاء إلى النبي ﷺ وقال : يا ابن أخي : إن قومك كلموني فيك .
واليوم قد حمي امرهم ويريدون أن آخذ على يديك وامنعك .
وإما أن يعادني وإياك حتى يهلك أحد الفريقين .
يا ابن أخي : قد لبثت من العمر ما لا يخفى عليك .
فلا تكلفني يا ابن أخي ما لا أطيق .
ظن النبي ﷺ أن عمه سيسلمه ويتخلى عنه .
فقال :
والله ياعم . لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر . ماتركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
ثم دمعت عيناه وأخذ يبكي ﷺ .
ثم التفت وأخذ يمشي خارجا من بيت عمه .
أدرك أبوطالب أن ابن أخيه قد خشي أن يتخلى عنه فناداه قائلا .
يا محمد . يا محمد ارجع .
رجع النبي ﷺ إلى عمه .
فوضع أبوطالب يداه على كتفه وقال :
إمض يامحمد لما أمرت به .
فو الله لن يصلوا إليك بسوء حتى أوسد في التراب .
قرت عينا النبي ﷺ .
ورجع أبوطالب إلى قريش يكلمهم باللين ويهديء من أمرهم .
بقيت الأوضاع على حالها إلى أن تفلتت من يد أبو طالب .
جن جنون قريش واجتمعوا في دار الندوة وعقدوا مؤتمر "الشر والبغي"
اتفقوا فيه أن كل عشيرة تعذب من كان تحت يدها ممن كان قد دخل في دين محمد .
وأن يذيقوهم أشد العذاب حتى يرجع عن دين محمد .
فإذا رجعوا بقي محمد لوحده فلايضيرنا ذلك بشيء .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الأربعون
تعذيب آل ياسر ..
اتفقت قريش أن كل عشيرة تعذب من كان تحت يدها ممن كان دخل في دين محمد ﷺ .
آل ياسر كانوا من السباقين للإسلام.
ياسر الأب وزوجته سمية والإبن عمار بن ياسر .
هذه أول اسرة تدخل في الإسلام وسابع من تجهر بإسلامها .
سمية أول امرأة تدخل في الإسلام بعد خديجة رضي الله عنهما .
و ياسر رضي الله عنه.
وقد تجاوز عمرهما ال 60 سنه .
كان ابنهم عمار بن ياسر رضي الله عنه يذهب إلى دار الأرقم فيسمع ويتعلم من النبي ﷺ أخلاق هذا الدين .
وكانوا تحت يد فرعون هذه الأمة الذي لقبه رسول الله ﷺ أبو جهل .
كان يدعى في قريش أبو الحكم لانهم كانوا يعتبرونه ذو رأي سديد .
ولما تبين جهله أسماه رسول الله ﷺ أبو جهل واسمه الحقيقي عمرو بن هشام .
وقد أذاقهم هذا الطاغية أشد أنواع العذاب .
كان أبوجهل إذا سمع برجل أسلم يجن جنونه .
فإذا كان هذا الرجل ذو شرف ومنعة يؤنبه ويخزيه .
وإذا كان تاجر يتوعده بالقطيعة لتجارته .
وإذا كان هذا الرجل ضعيفا ولاعشيرة له يذيقه من أنواع العذاب ما لا تتحمله الجبال .
آل ياسر من الفئة الفقيرة والضعيفة الذين لاحول لهم ولا معين من البشر .
تسلط عليهم هذا الفاجر الكافر وأخذ يذيقهم أشد أنواع العذاب .
لم يرحم كبر سنهم وضعف المرأة المسنه .
كان يلبسهم الدروع الحديدية على جلودهم ويربطهم في الصحراء تحت أشعة الشمس الحارقة فتجف حلوقهم وتتيبس عروقهم وتتشقق جلودهم وتسيل الدماء من أجسامهم من الحرارة .
قيل أنه لم يشهد التاريخ أن امرأة عذبت كما عذبت سمية من أبي جهل فكان يضربها ضربآ شديدا ويؤذيها أشد الأذى .
لم يكن الرسول ﷺ يزور من يعذبون لأن قريش كانت تزيد من عذاب من يأتي رسول الله ﷺ لزيارته.
وحتى لا يواجه بنفسه بأس قريش وبطشها لأن الوضع لا يحتمل .
فكان ﷺ يدعوا لهم بالثبات .
ولما جاء اليوم الذي أخبره الله أن آل ياسر سيكونوا شهداء غدآ توجه إليهم.
وقد اشتد العذاب عليهم .
فوقف ﷺ أمامهم وهم يعذبون وقال لهم .
صبرآ آل ياسر فإن موعدكم الجنة .
جاءهم ﷺ وقت الظهر .
وعند العصر جاء خبر وفاتهم رضي الله عنهم (ياسر وزوجته سمية)
في ذلك اليوم جاء أبو جهل وهو لايعلم أن النبي ﷺ جاء إليهم.
كان قد مل من تعذيبهم ويريد أن ينتهي .
جاء ومعه آلهه "صنم صغير يحمله بيده"
قال : يا ياسر : قل بعزة اللات أطلق سراحك .
أدار ياسر وجهه عنه والتفت ناحية أخرى وقال لا إله إلا الله .
فجاءه أبو جهل من أمامه مرة أخرى .
وقال له : إذا قل هبل . قل هبل .
فأدار وجهه مرة أخرى وقال لا إله إلا الله .
فاتاه من أمامه مرة أخرى وقال له :
لا تريد أن تقول هذا . فقط قل كلمة تنال بها من شرف محمد .
فأدار وجهه وقال اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
يئس أبو جهل من محاولاته فوضع الصنم من يده جانبا وأخذ حبلا ولفة حول رقبة ياسر وأخذ يخنقه به وهو يقول له : يا ياسر : نل من محمد
يا ياسر : نل من محمد .
وياسر رضي الله عنه يقول . لا إله إلا الله محمد رسول الله .
واخذ يكررها حتى مات رضي الله عنه .
اشتد غضب أبو جهل مما رأى من ياسر فجاء إلى سمية .
أمرها أن تكفر بدين محمد فلم تستجب له .
طلب منها أن تنال من شرف محمد فلم تستجب .
فوضع الفاجر الكافر الصنم في فم أم عمار وأخذ يدفعه في فمها وهو يقول :
قولي هبل..... قولي هبل .
سبي محمد أطلق سراحك .
فجمعت ريقها حتى امتلأ في فمها و بصقة في وجه أبو جهل وصرخت بأعلى صوتها .
ياعدو الله : اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمد رسول الله .
فغضب أبو جهل اشد الغضب وأمر عبيدة أن يربطوا إحدى رجليها ببعير والرجل الأخرى ببعير ثم أخذ حربته وطعنها في مكان عفتها رحمها الله .
ماتت رضي الله عنها وهي تقول أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله .
فاضت روحها وزوجها رحمهم الله وإن موعدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-24-2022, 06:28 AM
: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الواحدة و الأربعون
*تعذيب بلال وخباب بن أرت ..*
صور أخرى من صور تعذيب الصحابه رضوان الله عليهم .
*تعذيب بلال بن رباح رضي الله عنه .*
كان بلال بن رباح عبد من العبيد عند امية بن خلف .
كان بلال صاحب بشرة سوداء.
كان يجرد من الثياب ويربط بالحبال ويلقى عريانا على رمال الصحراء الملتهبة ويوضع فوق بطنه صخرة كبيرة حتى لايرفع ظهره عن الرمال ثم يجلد بالسياط .
وقد ألهمه الله سبحانه ذكرآ لم يغيره ولم يسكت عنه ولم يأمره به النبي ﷺ .
بلال تحت التعذيب والسياط لا يذكر إلا هذا الذكر *أحد أحد ..*
امية يقول . ويحك يابلال لاتقل هذه الكلمة وإلا ضاعفت تعذيبك .
وبلال يرفع صوته *أحد أحد .... أحد أحد ..*
أمية يعذبه ويقول له لا تقل هذه الكلمة وإلا ضاعفت تعذيبك .
أمية يضربه بالسوط والناس واقفون حوله .
كان من المنطق أن بلال يردد الذكر بقلبه وأمية يخفف عنه عذابه .
هل كان بلال يريد إغاظة قريش ورجالاتها .
إن بلال لم يسكت عن ترديد الذكر . لأن الدين روح قبل أن يكون عمل .
بلال رضي الله عنه مصر على هذا الذكر ويعذبوه ولا يعلمون مقدار سعادته لهذا الذكر .
وقد مل أمية بن خلف من تعذيبه ويئسوا منه وجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه : واشتراه من أمية وأعتقه لوجه الله .
*تعذيب خباب بن أرت .*
هو من السابقين الأولين إلى الاسلام .
كان من قبيلة تميم وقد سبي صغيرآ وبيع عبدآ فاشترته أم أنمار الخزاعية .
أسلم خباب وهو عند هذه الشقية الظالمة فأخذت تعذبه عذابآ لم يخطر على بال بشر .
كانت تأمر غلمانها العبيد أن يشعلوا الجمر ويحملوه ويضعوه فوق الجمر .
يجردوه من ثيابه ويضعوه على الجمر وتجلس قربه وتقول .
واللات والعزة لا اتركك حتى لا اسمع طشيش الجمر في أذني .
"يذوب اللحم ويسيل فوق الجمر فيطفئه"
ويغيب رضي الله عنه عن وعيه ويبقى فوق الجمر يسيل دمه ولحمه حتى تنطفيء النار .
ثم تقول ارفعوه .
ولما صحى من غيبوبته والجمر على جسده بعضه لاصق به وبعضه يسقط .
قال : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذهب إلى النبي ﷺ وكان جالسآ قرب الكعبة في حجر اسماعيل وبجانبه ابوبكر الصديق رضي الله عنه.
يقول خباب رضي الله عنه :
وجدته ﷺ متغشيا ببردة على رأسه.
اقتربت منه وسلمت عليه.
فرفع البردة ونظر إلى وسلم علي . فوقفت أمامه
قلت : بأبي أنت وأمي .
إلى متى نعاني .
وأشرت إلى ظهري أريه الحروق والجمر .
ألا تستنصر لنا أن يخفف عذابنا .
فغضب رسول الله ﷺ وهب صارخا.
وقال :
*ماذا لقيتم في سبيل الله يا خباب .*
*لقد كان فيمن قبلكم يؤتى بالرجل فتحفر له حفرة ثم يوضع المنشار على رأسه حتى يخرج إلى مابين فخذيه . لايرده ذلك عن دينه .*
*كان يؤتى بالرجل فيمشط بأمشاط من الحديد لحمه وعصبه حتى يفصل عن عظمه وهو حي إلى أن يموت لايرده ذلك في سبيل الله .*
*فماذا لقيتم أنتم .*
*والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج المرأة أو يخرج أحدكم من حضرموت إلى البيت الحرام لا يخشى إلا الله .*
*ولكنكم تستعجلون .*
فانكمش خباب وعلم أنه لم يؤدي الواجب المطلوب بعد وانصرف وهو حزين.
يقول أبوبكر رضي الله عنه .
فقلت في نفسي لو دعا له رسول الله ﷺ واستنصر له .
فراعني ما فعل رسول الله إذ رفع يديه حتى بان إبطه ﷺ ثم قال .
*اللهم انصر خباب . اللهم انصر خباب . اللهم انصر خباب .*
رسول الله ﷺ كان يربي رجالا سيحملون هذا الدين إلى البشرية .
في مرحلة العهد المكي لا يوجد دلال.
في مرحلة العهد المكي لم يأذن الله بالقتال ولا بنصرة أخيك المسلم.
أراد الله تعالى أن يربى الصحابة رضي الله عنهم : على مجاهدة النفس وتحمل الشدائد .
لأن جهاد النفس قبل الجهاد في سبيل الله.
بعد مضي ثلاثة أيام أصيبت أم أنمار الخزاعية بمرض الصرع فأخذت تعوي كالكلاب .
احضروا لها كاهن .
فقال :
في داخلها جن لايخرج حتى تحمى جفنة من نحاس وتوضع على رأسها .
"جفنة من نحاس هي عبارة عن طنجرة أو زبدية من النحاس"
اجتمع ابناؤها و اخوتها وقرروا تنفيذ ماقاله الكاهن .
هنا ترددوا من يضع الجفنة على رأسها ..... خافوا .
فقالوا للخدم :
ألا يوجد منكم غلام يفعل ذلك .
قال خباب : إن شئتم أنا افعل ذلك .
قالوا له : أجل يا خباب افعل ذلك .
فقال لهم : _ولكني لست مسؤول عن النتائج _
قالوا أجل :
فأخذ الجفنة بالملقط ووضعها على رأسها فانفجر رأسها وماتت .
*هل نصر الله خباب أم لا*
لقد تم وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخرجت نساء كثير من حضرموت ومن الشام ومن مصر تريد بيت الله الحرام ولاتخاف في الطريق إلا الله سبحانه .
وعد الله تعالى : أن نعيش في هذه الأيام ونحن على أعتاب أبواب علامات الساعة على أيدينا أو أيدي من يأتي بعدنا .
وإن من وعد رسول الله ﷺ أنه لا تقوم الساعة حتى نقاتل اليهود.
عندها يختبيء اليهودي وراء الحجر والشجر فينادي الحجر والشجر :
يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله .
قال تعالى .
*فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة جئنا بكم لفيفا*
سورة الإسراء .
فهم يتجمعون من كل بقاع الأرض
وعد الله سبحانه ورسوله ﷺ حق .
ولكنا نحن الذين ضعف فينا الإيمان وصرنا نستعجل النصر من الله تعالى دون أن نأخذ بأسباب هذا النصر .
*إن الاسلام دين الله .*
*إذا عودي إشتد . وإذا ترك امتد .*
*والله سبحانه بالمرصاد لمن يصد .*
*وهو غني عمن يرتد . وبأسه على المجرمين لايرد .*
إن كان العدو قد أعد العدة فإن الله تعالى لايعجزه أحد .
*فجدد الإيمان ووحد الله* وسدد الصفوف وافتخر بإيمانك وإسلامك .
*فيا أيها المؤمن*
قدرك عظيم عند الله تعالى.
*ومما زادني شرفآ وتيها*
*وكدت بأخمصي أطأ الثريا .*
*دخولي تحت قولك ياعبادي*
*وأن صيرت أحمد لي نبيا .*
*أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .* صل وسلم على نبينا محمد.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثانية و الأربعون
*الزبانية و أبوجهل ..*
كان أبو جهل يرى النبي ﷺ في عزة في قومه .
كل أصحابه من الضعفاء كانوا يعذبوا ومحمد ﷺ يغدو ويرجع ولا أحد يتعرض له بسوء إلا بالإستهزاء .
فقال في نفسه . هذا لا يكفي .
فجاء يومأ إلى النبي ﷺ وكان يصلي .
وبعد أن فرغ من صلاته .
قال له : يا محمد لقد فارقت دين آبائنا وسفهت أحلامنا وعبت آلهتنا فلماذا تصلي عند كعبتنا .
إسمع يا محمد : أنا انهاك أن تصلي هاهنا .
وإن رأيتك تصلي نالك مني ما لاترضى .
فنظر النبي ﷺ في وجه أبوجهل وزجره وتوعده إن أعاد تهديده مرة أخرى ليناله مالا يرضاه.
فغضب أبوجهل وقال له : يا ابن أبي كبشة . يا يتيم أبا طالب . ياراعي الغنم لقومه .
أنت تهددني وأنا أكثر قريش ناديآ "عشيرة ورجال"
اعتز أبو جهل بقومه وعددهم وقوتهم .
وأدار أبو جهل وجهه وانصرف وهو يتلفظ بكلمات مبهمة إذا جئت تصلي هنا لأفعلن بك كذا و كذا .
ومضى النبي ﷺ وأبوجهل كل في دربه .
في طريقه ﷺ هبط جبريل عليه السلام ونزل بإعجاز قرآني وكانت أول آيات فيها زجر ووعيد :
قال تعالى .
*كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ(10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14)*
ألم يعلم: أبوجهل أن الله مطلع على الحوار بينكم .
* كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)*
السفع عند العرب : هو ضرب الخيل على مقدمة الرأس لوضع رأسها في اللجام .
يضرب الفرس التي لم تروض . عندها ينيخ الخيل ويقبل وضع اللجام له .
*فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)*
تحد من الله سبحانه .
يامحمد قل لأبوجهل ادعو من عشيرتك من تريد.
*سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)*
ونحن سندعو له الزبانية :
"ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"
*كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب (19)*
لاتسمع له ولا تعره أي اهتمام واسجد وتقرب بعبادتك وطاعتك .
بعد أن هدد أبوجهل النبي ﷺ عاد إلى قومه .
قال لهم : لقد نهيت محمد أن يصلي عند الكعبة .
واللات والعزة إن عاد وتحداني لأحملن حجرآ و أرضخن رأسه به.
وبعدها لتفعل بني هاشم ما تشاء
ويأتي ﷺ في اليوم التالي يصلي عند الكعبة وأبوجهل على وعده لقريش .
فتقدم ﷺ بجلاله وعظمته وبدأ الصلاة عند الكعبة .
نظر القوم لأبوجهل وقالوا : أين وعدك "سؤال سخرية"
فثار الشيطان في رأس أبو جهل وأسرع إلى حجر كبير ورفعه بصعوبة يريد رميه على النبي ﷺ وإذ به يرجع متقهقرآ خائفآ مرعوبآ وجمدت يداه مرفوعتان ولا يستطيع حتى رمي الحجر من يده .
وأخذ يرتعد . وتيبس في مكانه وقد بال في ثيابه .
فأسرع القوم وأخذوا الحجر من يده.
قالوا له أبا الحكم : ما الأمر . ويلك ماهذا!!!
فقال لهم : بل ويلكم أنتم .
ألم تروا ما رأيت .
قالوا : لم نرى شيئآ .
وماذا رأيت .
قال : عندما اقتربت من محمد رأيت فحل فاتح فاه لو اقتربت أكثر لابتلعني أنا والحجر .
قالوا : أرأيت هذا .
قال : واللات والعزة رأيته .
وله أنياب مارأيتها في فحل قط .
وما أن رجعت حتى هب بيني وبينه وادي من نار فيه فراش كله له زبانية.
لم يصدقوا وأخذوا بالإستهزاء من كلامه .
قال : ويلكم هذا الذي رأيت . لماذا تلوموني .
قالوا : سحرك محمد ؟؟؟
وعندما أتم النبي ﷺ صلاته وكان هناك بعض المستضعفين من الصحابة وقد سمعوا قول أبو جهل .
قدموا إلى النبي ﷺ وذكروا له قوله .
فقال ﷺ *أجل هذا أخي جبريل وقف بصورة فحل . والذي نفسي بيده لو تقدم خطوة لالتقمه جبريل وأخذته الزبانية عيانا .*
"لرأى الناس الزبانية وهي تأخذ أبو جهل بأعينهم"
ثم تلى ﷺ الآيات :
*كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب (19)*
✨✨✨✨✨✨✨
*أبوجهل*
بعدما رأت قريش ماحصل لأبو جهل من محاولته القاء الحجر على النبي ﷺ .
قرروا أن يعوضوا هذا الأمر لأبو جهل .
جاء رجل إلى مكة يريد أن يبيع إبل فاشتراها منه أبوجهل وقال له : غدآ أعطيك المال .
انتظر الرجل الغد وحضر ليأخذ ماله فأخذ أبو جهل يماطله غدآ وبعد الغد "كلام النصابين"
وبعد أن يئس الرجل جاء إلى رجال قريش يسألهم ويناشدهم العون من أجل ماله من أبو جهل
المستهزئين من قريش وجدوها فرصة لانتقام أبو جهل من محمد ﷺ .
قالوا له وهم يشيرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم : لايأتيك بالمال إلا هذا الرجل الجالس عند الكعبة .
جاء هذا الرجل إلى النبي ﷺ وحدثة من أجل ماله عند أبو جهل
فقام ﷺ وذهب إلى بيت أبو جهل ومعه الرجل .
قريش أرسلت من يتتبع أخبار الواقعة .
قرع النبي ﷺ الباب .
قال أبو جهل من الداخل .
من بالباب .
قال ﷺ . محمد .. أخرج إلي ...
فخرج أبو جهل وهو ممتقع اللون مرعوبآ .
قال : مرحبآ بابن سيد قومه . نعم يا ابن عبد المطلب ماحاجتك .
قال ﷺ . أعط هذا الرجل حقه .
قال أبو جهل . نعم وأبيك . لاتنصرفوا حتى يأخذ هذا الرجل حقة .
ودخل البيت وأتى بالدراهم وأعطاها للرجل .
قال أبو جهل للرجل .
هل أخذت حقك .
قال الرجل . نعم .
قال أبو جهل . فاشهد يا محمد أني أعطيت الرجل حقه .
قال ﷺ للرجل : اذهب فقد اخذت حقك .
ذهب الرجل إلى أندية قريش وقال لهم . جزيتم خيرا .
لقد أخذت حقي .
وجاء الرجل الذي أرسلته قريش لاستطلاع ما سيحصل وسألوه ما الخبر .
قال . واللات والعزة لم أرى عجبآ مثل اليوم .
ما إن قرع محمد الباب حتى خرج أبو جهل ممتقع اللون يرتجف لايملك نفسه .
فقال له محمد . أعطه حقه . فجاء بالمال ودفعه و أشهد عليه محمد .
فدخل ابوجهل .
قالوا له : ويلك أرسلنا لك محمد لتنتقم منه فماذا جرى .
قال لهم : لو رأيتم ما رأيت .
قالوا : عدنا إلى مارأيتم وما رأيت .
قال لهم : واللات والعزة تعلمون أني لا أخشى أحد .
ولكن تذكرون الفحل الذي فاتح فاه .
واللات والعزة كان مع محمد فاتح فاه ولو قلت له لا . للتقمني .
ياقوم : ما إن قرع محمد الباب حتى ارتج البيت كأنها زلزلة .
فقلت من : فقال محمد أخرج إلي .
دوى صوته في بيتي كأنه صاعقة وكأنه صوت 100 رجل .
أيها القوم لماذا تلومونني .
هذا ماحدث .
فضحك القوم مرة أخرى وقالوا . سحرك محمد ؟؟؟
ومع هذا لم يؤمن هذا الكافر المتكبر .
وأخذ الناس يستهزؤون من كلامه ويقولون سحرك محمد وهو يشتعل غيظآ من كلامهم .
وأراد أن يسترد بعض مكانته في قريش .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثالثة و الأربعون
*إسلام حمزة بن عبدالمطلب ..*
أبو جهل أصبح سخرية في قريش وكلما حأول أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم يرى هذا الفحل الذي يرعبه فأخذوا يقولون أبو جهل يخاف من محمد. صل الله عليه وسلم.
اغتاظ أبو جهل وأراد أن يحفظ بعض من كرامته أمام قريش فرأى النبي ﷺ جالسآ عند الصفا .
كان من عادته ﷺ لا يختلط مع رجال قريش .
بعد أن يصلي في الحرم يجلس على جبل الصفا يذكر الله وينظر إلى الكعبة .
جاء أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يسبه ويشتمه والنبي ﷺ لايرد ولا بكلمة وإنما يقول *حسبي الله ونعم الوكيل ويكررها .*
فذهب أبو جهل ظانآ أن النبي صلى الله عليه وسلم : لم يرد عليه خوفآ منه .
كان هناك جارية تجلس في شرفة منزلها سمعت ماجرى وكانت مسلمة تكتم إسلامها.
لم تتحمل الموقف فوقفت عند الكعبة تنظر من سياتي من بني هاشم لتخبره بما حدث.
ويدخل البطل حمزة بن عبدالمطلب ولم يكن قد أسلم بعد.
*من هو حمزة ...*
هو عم الرسول ﷺ أقوى رجل في قريش في ذلك الوقت وكان عمره آنذاك 47 سنه .
أسن من النبي وقتها بعامين وكان أخ للنبي ﷺ من الرضاعة من ثويبة.
كان رفيق طفولة للنبي صلى الله عليه وسلم ويحبه.
والرسول ﷺ يحبه جدآ .
كان ضخم الجثة . وقد وصفه من شهد بدر بأنه كالجمل كان يهد المشركين هدآ .
*خارجآ عن السيرة*
بعد مئات السنين أصاب سيل كبير مقبرة الصحابة رضي الله عنهم لشهداء أحد .
فتم تشكيل مجموعة من العلماء الأفاضل لإعادة دفن هؤلاء الصحابة الشهداء رضي الله عنهم
وقد وجد العلماء أن جثثهم رضي الله عنهم وكأن أحدهم مات بالأمس .
وجدوا حمزة رضي الله عنه واضعآ يده على بطنه وعندما حاول أحدهم رفع يده سآلت الدماء من الجرح الذي مات بسببه رضي الله عنه .
وقد وصفه أحدهم بأنه كان ضخم الجثة وقوي جدآ )
كان رضي الله عنه لطيفا مع الناس ومحبوب من الجميع ولايعتدي على أحد .
كان يحب صيد الأسود والقنص ويغيب أيامآ وليالي مبتعدآ عن الناس.
كان من عادة حمزة أنه أول مايأتي لمكة يدخل الحرم ويطوف بالكعبة.
هذه المرأة ولأنها تكتم إيمانها لجأت إلى المكر والحيلة "مكر النساء"
اقتربت من حمزة وأخذت تلطم على وجهها وصدرها وهي ثصرخ .
وآذلاه يابني عبد مناف . أين أنتم يابني عبدالمطلب .
قال لها حمزة : ما الأمر .
قالت : وآذلاه يابني عبد مناف . أين أنتم يابني عبدالمطلب .
قال لها حمزة :ما الأمر .
قالت : ما الأمر .
لا ادري كيف أسوقه إليك!
"مش عارفة كيف أحكي لك . وتلطم"
قالت : أنت حمزة أشد قريش وأسدها وصياد الأسود . يا ويلي مما جرى .
"أصبح الدم يغلي في رأس حمزة"
قال لها : ما الأمر يا امرأة .. تكلمي ...
قالت : لو كنت حاضرا وسمعت أباجهل ينال من ابن أخيك محمد وهو خير قريش .
قال : وماذا قال له محمد .
قالت لم يرد عليه بشيء فهو الصادق الأمين .
ألا ليتكم تموتون يابني هاشم أعز لكم وأشرف .
تألمت من ذلك وتمنيت لو مت ولم أسمع بهذا .
اشتعل حمزة غضبا وجعلته لايرى أرضآ ولا سماء .
نسي الطواف حول الكعبة ونسي الأسود والصيد .
"إنه كيد و دهاء النساء"
اتجه مباشرة إلى أندية قريش وأخذ الرمح من على عاتقه ودخل وقبل أن يلقي بالتحية رفع رمحه وضرب أبو جهل على رأسه فشجة شجة منكرة .
ثار الدم من رأس أبو جهل وفار على من حوله .
ثم قال . يا أبا جهل "لم يقل يا أبا الحكم"
أتشتم محمد وأنا على دينه . ردها على إن استطعت .
ثم اتجه إلى الجالسين وصرخ فيهم : ألا يواجهني فيكم رجل .
ثم أخذ الجميع ينسل انسلالا
لا أحد منهم يستطيع أن يكلم حمزة رضي الله عنه.
وأخذ أبوجهل يمسح الدم عن رأسه ويقول . لاعليك يا أبا عمارة .
أنا الذي نلت من ابن أخيك . أنا الباديء .
أبوجهل أخذ يهديء الوضع خوفآ من أن ينال منه حمزة بضربة أخرى .
انصرف حمزة رضي الله عنه.
ثم جلس يفكر في نفسه.
ماهذا الذي فعلته . هل أنا على دين محمد . ماهو دين محمد ؟
يقول حمزة رضي الله عنه :
فقلت ياخالق السموات والأرض يارب ابراهيم عليه السلام
يارب البرية هل أخطأت أم أصبت.
إن كان دين محمد على حق فاشرح صدري له .
فنمت على هذه الحالة .
حتى إذا أصبح الصباح توجهت إلى رسول الله ﷺ .
قلت له : يا ابن أخي أنت تعلم ما وقع مني بالأمس وأنا في حيرة لقد قلت أنا على دينك .
إقرأ علي شيئا من الذي أنزل عليك فإني أحب أن أسمع منك .
فقرأ عليه ﷺ . ولما انتهى من القراءة .
قال حمزة رضي الله عنه :إي والذي بعثك بالحق إنه لحق أنت الصادق .
فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأنا على ديني الأول
يا رسول الله .
عندما أذهب إلى الصيد وأتأمل الليل والنهار أقول لايمكن أن يكون خلق هذا اللات والعزى .
*أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .*
أسلم أسد الله ورسوله حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه وأرضاه.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى
الحلقة الرابعة والأربعون
*قريش تضعف أمام قوة إيمان الصحابة ..* رضي الله عنهم.
بعد صبر الصحابة رضي الله عنهم وثباتهم في مكة على قول *لا إله إلا الله محمد رسول الله .*
تم كسر كبريائها وغطرستها .
بسبب ذلك رأت قريش أن التعذيب للمستضعفين لم يأتي بنتيجة وليس منه فائدة وأنهم يزدادون ولا يرتد أحد منهم عن هذا الدين الجديد .
هنا قررت قريش اللجوء للمفاوضات .
"أعداء الله في كل زمان ومكان عندما يشعرون بالعجز والقهر أول شيء يلجأون إلى المفاوضات"
وما أشبه اليوم بالأمس .
قال تعالى .
*إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)*
سورة آل عمران .
رأوا أن التعذيب لايأتي بنتيجه فقالوا نجلس مع محمد. صل الله عليه وسلم ونفاوضه .
عرضوا على النبي ﷺ التفاوض مع قريش .
ولأنه ﷺ رحمة للعالمين وافق على التفاوض مع قريش لعل الله أن يهدي منهم من يؤمن فيكون قد انجاه الله من النار .
بدأت المفاوضات وكان مندوب قريش هو "عتبة بن نافع كنيته أبو الوليد "
أعلم أهل قريش وشاعرهم .
ذهب عتبة إلى النبي ﷺ وكان يصلي عند الكعبة ويقف جهة الركن اليماني حيث أنه ﷺ يستقبل الكعبة وباتجاه بيت المقدس قبلة الأنبياء من قبله سلام الله عليهم جميعآ .
ذهب أبو الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانتظر حتى فرغ ﷺ من صلاته فجلس بجانبه وقال له .
يا ابن أخي : "العرب اذا أحبت شخصآ أو أرادت أن تكسب وده تقول له ابن اخي"
قال النبي ﷺ . *نعم يا أبا الوليد .*
قال أبو الوليد : يامحمد إنك منا حيث علمت حسبآ ونسبآ .
وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم .
فاسمع مني يامحمد أعرض عليك امورا لعلك تقبل بعضها .
قال رسول الله ﷺ . *قل يا أبا الوليد وأنا اسمع .*
قال . يا ابن اخي :
إن كنت إنما ما جئت به من هذا الأمر تريد مالآ . جمعنا لك من أموالنا حتى كنت اكثرنا مالا .
وإن كنت تريد به شرفا . سودناك علينا حتى لانقطع أمرا دونك .
وإن كنت تريد ملكآ ملكناك علينا .
وإن كنت ترى هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا أموالنا حتى تبرأ منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه .
سكت أبو الوليد وجلس ينتظر جواب النبي ﷺ .
لقد عرض عليه الدنيا بحذافيرها وأن يكون ملكآ عليهم .
جلس أبو الوليد ليسمع جواب النبي ﷺ .
قال ﷺ . *فرغت يا أبا الوليد .*
قال ابو الوليد . أجل .
قال ﷺ . *اسمع مني يا ابا الوليد .*
قال أبو الوليد . ها أنا أسمع يا محمد .
قال ﷺ . *بسم الله الرحمن الرحيم*
*حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)*
سورة فصلت .
كان عتبة أول مرة يسمع القرآن .
وعندما وصل ﷺ إلى *صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود*
هب عتبة من مكانه ووضع كفه على فم النبي ﷺ وأمسك فمه .
وقال : أنشدك بالله والرحم . أنشدك بالله والرحم يامحمد إلا كففت .
"لأنه أعرف أهل قريش بالشعر فقد أدرك أن هذا ليس بكلام بشر ويعلم أن محمدا الصادق الأمين"
قال عتبة : هذا آخر ماعندك يا محمد .
قال ﷺ . *نعم لقد سمعت إليك يا أبا الوليد وأنت هاقد سمعت ما قلت فانظر ماذا ترى .*
قام عتبة وعاد إلى القوم وكانوا ينتظرونه .
وعندما اقترب منهم قالوا : نقسم أن عتبة عاد بغير الوجه الذي ذهب به .
قال أحدهم : ماذا حدث يا أبا الوليد .
قال أبو الوليد : تعلمون ياقوم أني أعلمكم بالشعر .
قالوا : أجل أنت أعلمنا بالشعر .
قال أبو الوليد : والله لقد سمعت من محمد كلام ماهو من الشعر ولا هو من الكهانة ولا هو من السحر .
وإني سمعت منه لنبأ عظيم .
ياقوم اجعلوها لي "اتركوا لي هذا الرأي"
اتركوا الرجل بينه وبين سائر العرب.
فإن له نبأ "خير كبير سيكون منه"
فإن ظهر فعزه عزكم "إن ظهر دين محمد وله العزة والشرف سينالكم منه العزة لأنكم قومه"
وإن أصابته العرب أصيب بغيركم "ان لم يظهر وقتله العرب كفوكم منه"
اتركوا الرجل واعتزلوه .
قالوا : سحرك محمد يا أبا الوليد .
قال أبو الوليد : لقد قلت لكم رأيي وأنا أحذركم منه .
وقد حذركم محمد وأنتم كلكم تعلمون صدقه وأمانته .
فقد أنذركم صاعقة كصاعقة عاد وثمود .
فتفرق القوم خوفآ من الصاعقة لأنهم يعلمون صدق النبي ﷺ وأمانته .
لقد رفضوا اتباع النبي ﷺ تكبرا ولأنه يهدم لهم : لذات الهوى التي اعتادوا عليها .
*وأنت أخي المسلم إياك أن تحلل ماحرم الله ترضي ملذاتك وأهوائك*
إذا قمت بفعل حرام فإياك أن تحرف آيات القرآن وأحاديث النبي ﷺ ارضاءآ لنفسك ولأهوائك ..
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الخامسة والأربعون
*المفاوضات .. الجزء الأول ...*
*عبس وتولى ..*
بدأت لغة المفاوضات في قريش .
حدث عظيم وقع أثناء المفاوضات لنعلم عظمة هذا الدين وهذا النبي ﷺ .
لتعلم أخي المؤمن كم أنت عظيم عند الله تعالى وكم يحبك مهما كنت بأي لون وبأي جنسية .
أنت مؤمن إذآ أنت عظيم عند الله تعالى .
قال ﷺ . *لافرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى .*
عناوين المفاوضات :
طلبوا من النبي ﷺ تبديل الآيات التي فيها تسفيه أحلامهم وشتم آلهتهم .
فأنزل الله سبحانه وتعالى .
*وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)*
سورة يونس .
وقالوا أيضا نؤمن : ولكن على أن تؤمن بآلهتنا يومآ و نؤمن بإلهك يوم .
فأنزل الله سبحانه تعالى .
*بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .*
*قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين (6)*
في بداية الدعوة جلسوا للنقاش وقال ﷺ ياقوم أنا رسول الله إليكم .
فهاج القوم وماجو ولم يقبلوا بكلامه ﷺ .
واليوم يجلس سادتهم للمفاوضات وهم يسمعون صاغرين لكلامه ﷺ .
وكان رسول الله ﷺ يأمل من هذه المفاوضات أن يؤمنوا ولو قليل منهم .
وفي أثناء النقاشات ورسول الله صلى الله عليه وسلم : يحادثهم جاء رجل من فقراء المسلمين الأولين للإسلام اسمه "عبدالله بن أم مكتوم" وكان أعمى رضي الله عنه وأرضاه .
أقبل ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى يحمل عصاه في يده وكلنا نعلم أن الأعمى لايمكنه أن يراعي ثيابه وهيئته . وطبعآ هو لايدري عنها متسخة أم لا..... جميلة أم لا .
كل هذه المواصفات تجعل من سادة قريش تنفر منه رضي الله عنه .
أقبل وهو يدك الأرض بعصاه يسأل عن رسول الله ﷺ أين أجده .
قالوا له تجده في نادي قريش مع سادتنا .
فأقبل وكان يريد من أن يزداد إيمانآ لعله نزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيئآ من القرآن الكريم ولم يسمع به .
اقترب من نادي قريش فسمع النبي ﷺ يتحدث فاقترب وقال السلام عليك يارسول الله.
علمني مما علمك الله .
كره النبي ﷺ مجيئه في هذا الوقت وهذه المقاطعة منه لحديثه مع القوم .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم مشاعر القوم من مثل هذا الرجل الأعمى رضي الله عنه وبأنه ينفرهم لأن سادة القوم لايجلسون مع الفقراء والعبيد .
لهذا رفضوا هذا الدين لأنه يساوي بين السادة والخدم والعبيد ويجعلهم سواسية .
قال تعالى .
*يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)*
سورة الحجرات .
قريش وسادتها لايقبلون هذه اللغة فهم يريدو السيد سيدآ والعبد عبدا .
فكيف لعبد أن يجالس سيدآ أو يساويه ويقف جنبه في الصلاة وقد يؤمه أيضا .
قال رسول الله ﷺ *كلكم من آدم وآدم من تراب*
يا الله سبحانك وتعالى ما أعظمك وأجلك وما ألطفك وما أرحمك.
كره رسول الله ﷺ حضور عبدالله بن أم مكتوم لأنه يعلم نفسيتهم وتكبرهم فلم يرد عليه وأدار له ظهره وتابع كلامه كأنه لم يسمعه .
ابن أم مكتوم رجل مؤمن ويقدر رسول الله ﷺ ويحبه وقد أدرك أن رسول الله ﷺ سمعه فجلس ولم يتكلم وهو يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش .
الذين رأو هذا الموقف من قريش بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت له بل وحتى أدار ظهره ﷺ له .
فرحبوا لهذا التصرف من النبي ﷺ
وأن النبي قد ظهر على وجهه الشريف ﷺ الضيق من حضوره رضي الله عنه .
ولكن الله تعالى لا يرضى هذا التصرف من النبي صلى الله عليه وسلم بحق عبد من عباده .
فأراد الله تعالى أن يعطي درسآ للنبي صلى الله عليه وسلم ولقريش ولعبد الله بن أم مكتوم وللمسلمين جميعآ.
*ياعبادي* : أنا الله وكل من قال لا إله إلا الله في كنفي ورعايتي وهو من أحبابي .
وهو أعظم عندي من كل كافر على وجه الأرض ولو كان زعيمآ أو ملكآ أو سيدآ .
ولو اشترك جميع من في الأرض والسموات في سفك دم مؤمن لألقيتهم في ناري ولا أبالي .
نزل جبريل على النبي ﷺ بسورة سميت بصورة المشهد الذي حدث .
*بسم الله الرحمن الرحيم .*
*عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7)*
المقصود هنا سادة قريش المتكبرين الذين لايريدون الإيمان بالله تعالى وأنت يامحمد تهتم بهم وهم أحرار في إيمانهم فإن لهم يوم يحاسبون فيه .
*وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)*
وأما من أتاك ليعلم من دينه ويسعى إليك فلا ترد عليه وتجيبه لطلبه .
*كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)*
الدعوة الى الله تعالى فقط تذكير . وكل إنسان حر بالإستجابه يختار ما يريد .
وأنت أيها الإنسان تختار الدين الذي تراه وقد جعل لك الله عقلآ لمصيرك وما أرسلت الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام إلا لتذكيرك بربك ونجاتك من النار .
قرأ النبي ﷺ هذه الآيات على المسلمين واخذوا يرددونها .
وكان ﷺ جالسآ مع أصحابه رضي الله عنهم فدخل عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه.
فوقف ﷺ وابتسم وفتح ذراعية مرحباً
وقال له . *يامرحبا يامرحبا بمن عاتبني فيه ربي .*
وكان ﷺ يكرمه ويجلسه بجانبه .
وكان ﷺ كثيراً مايقرأ هذه الآيات في الصلاة الجهرية وهو يؤم المصلين .
يقول ابن أم مكتوم : تمنيت أن لاتنزل هذه الآيات .
من أنا حتى يعاتبك الله في يارسول الله ؟
وبعدما هاجر النبي إلى المدينة المنورة كان ﷺ إذا أراد الخروج لغزوة يولي أمور المدينة لعبدالله بن أم مكتوم .
يقول الصحابة أن رسول الله ﷺ ولى ابن أم مكتوم على المدينة أكثر من 20 مرة وما سمعناه قرأ ولو مرة بهذه الآيات .
وقد سألوه لم لاتقرأها.
قال من أنا حتى أقرأ سورة عاتب الله بها النبي ﷺ من أجلي.
وكان ﷺ يقرأها كثير في صلاته ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السادس و الأربعون
*إسلام عمربن الخطاب*
أيا كان أسباب إسلام عمر رضي الله عنه فقد وردت قصص حول إسلامه فيها ضعف ولكن الصحيح أنه بسبب سماعه القرآن الكريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإسلام عمر رضي الله عنه "لحظة من أروع لحظات التاريخ الإسلامي . بضع آيات صنعت الأسطورة العجيبة عمر"
تغير وجه عمر وقال : هذا القول لايجب أن يشرك معه غيره .
هذا ليس قول بشر .
فلما سمع خباب هذا القول علم أن الإيمان قد دخل قلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وربط بين إيمان عمر رضي الله عنه ودعاء النبي ﷺ وأن الله قد استجاب دعاءه ﷺ .
خرج من مخبأه ووقف أمام عمر رضي الله عنه وقال . الله الله ياعمر .
قال له عمر : من أين جئت أنت .
قال خباب : اختبأت خوفآ منك .
قال له : لاتخف .
قال خباب : ياعمر والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت النبي يناجي ربه ويقول اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب .
فكن أنت ياعمر . لايسبقك إليها أبو جهل.
الله الله ياعمر . الله الله ياعمر .
قال عمر : ياخباب أين أجد محمد. دلني عليه .
قال خباب : تجده في دار الأرقم مع عدد من أصحابه.
ذهب عمر رضي الله عنه إلى دار الأرقم فقرع الباب "عمر الشديد لم يتغير بعد"
قرع الباب بشدة فقام رجل من الصحابة رضي الله عنهم يفتح الباب نظر من شقوق الباب فرأى عمر يحمل سيفه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفآ يرتجف وهو يقول عمر بن الخطاب متوشحآ سيفه بالباب .
وكان حمزة رضي الله عنه متواجد بين الحضور .
فقال : يارسول الله فليفتح له الباب.
إن كان يريد خيرآ أعطيناه إياه . وإن كان يريد شرآ قتلناه بسيفه الذي يحمله.
قال رسول الله ﷺ . افتح له الباب .
فقام الرجل ليفتح الباب .
يقول أحد الحاضرين : فما راعنا إلا والنبي ﷺ وقف وخطا خطوة فإذا به عند الباب وعمر عند الباب .
وقف النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه أمامه.....
ثم قال ﷺ *ما الذي أتى بك ياعمر والله لا أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة .*
فجلست على ركبتي وأنا خائف مذعور .
وقلت . إنما جئت حتى *أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .*
فقال ﷺ . *الله أكبر الله أكبر .*
وصاح الصحابة رضي الله عنهم كلهم بصوت واحد .
*الله أكبر الله أكبر*
وأصبح عدد الصحابة رضي الله عنهم في دار الأرقم بحضور عمر من غير النبي ﷺ 40 رجلا .
ثم قال عمر . بأبي أنت وأمي يارسول الله .
"لغة الإيمان تتغير فورآ في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم جميعآ"
قال عمر ألسنا على الحق إن حيينا أو متنا .
فقال ﷺ *والذي نفسي بيدة إنكم على الحق ماحييتم أو متم .*
فقال عمر رضي الله عنه لم نخفي أنفسنا وديننا يارسول الله .
فلنجهر به في طرقات مكة ولنطوف معك بالبيت يارسول الله ولنصلي على أنظار قريش كلها .
قال له ﷺ *ياعمر نحن قليل . وقد رأيت مالقي إخوانك من أذى قريش .*
قال عمر رضي الله عنه والذي بعثك بالحق يارسول الله
لا أدع مجلسآ جلست فيه بالكفر يؤذيك ويؤذي أصحابك إلا رجعت وجلست فيه بالإيمان أؤذي به قريش وسادتها .
انهض بنا يارسول الله .
سر النبي ﷺ فخرج بهم .
وخرجوا صفين في كل صف 20 رجل .
على رأس الصف الأيمن حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
وعلى رأس الصف الأيسر عمر بن الخطاب . رضي الله عنهم جميعآ .
والنبي ﷺ يتوسط الصفين .
خرجوا من دار الأرقم يمشون في طرقات مكة وهم يذكرون الله تعالى حتى وصلوا للكعبة فطاف النبي والصحابة معه بالكعبة سبعآ .
ولما رأت قريش ذلك على رأس صفوف المؤمنين حمزة بن عبدالمطلب وعمر بن الخطاب يحيطون بالنبي ﷺ ساء صباحها واغتاظت .
ثم استأذن عمر النبي ﷺ وذهب إلى نادي قريش ونظر إليهم فلم يكلمه أحد .
فنظر فلم يجد رأس الكفر أبو جهل فتوجه إلى بيته وطرق الباب .
قال أبو جهل . من بالباب .
قال عمر .
فخرج أبو جهل وقال . مرحبآ بابن أختي .
قال عمر رضي الله عنه : جئت أخبرك أني آمنت بالله ورسوله وصدقت بما أنزل على محمد .
فأغلق الباب في وجهه وهو يقول : قبحك الله وقبح ماجئت به .
فوقف عمر وأخذ يفكر بمن أكثر من ينقل الحديث في قريش فتذكر رجل اسمه جميل بن معمر "ينقل الحديث لاينسى منه كلمة . وينفجر إذا سمع خبر ولم ينقله"
ذهب عمر إلى بيت جميل وطرق الباب . ففتح له .
فقال له عمر : ياجميل ألم تدري .
قال جميل . ماذا .
قال عمر رضي الله عنه :لقد اسلمت وتبعت دين محمد .
يقول عبد الله بن عمر وكان يتبع والده . فوالله ما أغلق باب بيته ومباشرة ركض إلى نادي قريش ووقف قرب الكعبة .
ونادى بأعلى صوته . يامعشر قريش يامعشر قريش : إن عمر بن الخطاب صبأ .
وعمر خلفه يقول . لا .. كذبت والله ..... ولكني آمنت .
ومن ذلك اليوم قال له النبي ﷺ
*أنت الفاروق ياعمر يفرق الله بك بين الحق والباطل .*
أسلم رضي الله عنه وحقق الله به دعاء النبي ﷺ .
احتارت قريش في أمرها .
فبإسلام عمر رضي الله عنه أصبح من كان يخفي إسلامه ينادي ويعلن إسلامه على الملأ .
فلما رأت قريش ذلك ومن القريب هجرة عدد من الصحابة الى الحبشة جن جنونها وتقدمت بفكرة أخرى من المفاوضات.
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى......
[: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السابعة والأربعون
*المفاوضات "كاملة" ..*
أسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه .
وبعده بثلاثة أيام أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..
وبدأت شوكة المسلمين تقوى والمستضعفين الذين كانوا يخفون إسلامهم أعلنوه .
أصبح المسلمون يطوفون بالبيت ويصلون عند البيت ويجتمعون حلقات عند البيت ويردون على كل من يسخر من دينهم وقريش لاتدري ماذا تفعل .
كانت قريش قد تكلمت أولآ مع أبوطالب عم النبي ﷺ مرتين بخصوص دين محمد. صل الله عليه وسلم.
لكنه لم يفعل شيئآ وبقي على موقفه بحماية النبي ﷺ مما أدى لفشل قريش .
استخدمت العنف بعدها مع من تبع هذا الدين الجديد .
ولكنها فشلت أمام صبرهم وعزيمتهم .
قررت قريش التفاوض مباشرة فأرسلت له عتبة بن ربيعة ولكن عتبة فشل .
"ذكرنا قصته سابقا ."
ثم أرسلت الوليد بن المغيرة ولكن وبعد تأكده من صدق النبي ﷺ إلا أنه لإرضاء قريش قال عنه ساحر.
قدمت قريش عرضا فقالت :
يامحمد مارأيك أن نعبد نحن ما تعبد أنت .
وبالمقابل تعبد أنت ألهتنا...
وهكذا نكون اشتركنا نحن وأنت يا محمد في الأمر .
فإن وجدنا أن الذي تعبده أنت خير من الذي نعبده نحن نكون قد أخذنا حظنا منه .
وإن كان الذي نعبده نحن خير من الذي تعبده تكون أنت قد أخذت حظك منه .
ونسجد لإلهك مقابل أن تسجد لآلهتنا.
وإن شئت وقبلت بهذا تكون مدته سنه .
فهبط جبريل عليه السلام وأنزل سورة الكافرون .
*بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*
*قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين (6)*
كلام الله عز وجل كلام الحق ليس فيه مجاملة لأحد .
طلبت قريش من النبي ﷺ أن يطرد الفقراء والعبيد وأن لاتجلس معهم ولعلنا نؤمن بدلآ منهم .
فقال له عمه أبو طالب اقبل يا ابن أخي بهذا ولننظر ماذا من أمرهم .
فهبط جبريل عليه السلام بقول الله تعالى .
*وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)*
سورة الانعام .
ولم يقدم الرسول ﷺ أي تنازلات .
"المعروف أنه في المفاوضات الطرف الضعيف هو الذي يقدم التنازلات وقريش تظن أنها هي الطرف القوي ولكنها هي التي تقدم التنازلات "
الرسول ﷺ لم يكن في أي لحظة هو الطرف الأضعف لأن الله تعالى معه .
قريش هي الطرف الأضعف وقد ذكر الله تعالى هذا بقوله .
*وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)*
سورة القلم .
أي أنهم يتمنون ويرجون أن تلين وتقدم تنازلا واحدآ وستجدهم يقدمون تنازلات .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي لو ترخص لهم فيرخصون.
وهكذا وبعد كل هذه المفاوضات واسلام حمزة بن عبدالمطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم وهجرة الحبشة رأت أنها لاتزال في نقطة الصفر والإسلام يزداد وينتشر .
فلجأوا إلى عرض جديد :
عرضوا على أبوطالب أجمل شاب لديهم وكان هو عمارة بن الوليد سيد شبابهم ومعه 200 من الإبل مقابل أن يعطيهم محمد يقتلوه ويستريحوا منه.
فغضب أبوطالب وصاح بهم .
بئس ماتشيرون علي به . تعطوني ولدكم أربيه لكم وأعطيكم ولدي كي تقتلوه .
لا والله لا يكون هذا أبدآ .
قالوا إذا هي الحرب بيننا وبينك!!
قال لهم : هي الحرب .
وانقسمت قبائل قريش بين مؤيد ومعارض لأنهم يعلمون أنه بالحرب ستفني قريش بعضها البعض .
انقسمت قبائل قريش فريقان .
الفريق الأول مع أبوجهل يؤيدون فكرة تسليم رسول الله وقتله.
الفريق الثاني مع أبوطالب يؤيدون فكرة حماية النبي حتى لايصلوا إليه ويمسوه بأذى وكان منهم مسلمون وغير مسلمون .
*حصار شعب أبوطالب .*
اسم النبي ﷺ : هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف .
عبدمناف الجد الثالث للنبي ﷺ لديه 4 أولاد ذكور هم :
1 - هاشم . وهو جد النبي ﷺ وقد ذكرنا قصته سابقآ .
2 - المطلب . وقد ذكرنا قصته في بداية السيرة .
3 - عبد شمس .
4 - نوفل .
عبد مناف هو جد للهاشميين .
وباقي قبائل قريش تلتقي مع الهاشميين بالقرآبة عند الجد السابع والثامن .
ابناء هاشم والمطلب كانوا دومآ يدآ واحدة .
ولما قررت قريش قتل محمد استنفر أبوطالب العشيرتين بأبيات شعر .
وبالبيت حق البيت من بطن مكة
وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
على قدميه حافيا غير ناعل
وأشواط بين المروتين إلى الصفا
وما فيهما من صورة وتماثل
ومن حج بيت الله من كل راكب
ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
*وانشد أيضآ* :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح
ولقد صدقت وكنت ، ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فلما سمع بنو هاشم أبيات الشعر من ابن عمهم أبوطالب وقفوا جميعهم يد واحدة في حماية النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين وكفار . كما يقال "عشائرية"
وأبناء عمهم عبد شمس ونوفل وقفوا مع باقي قريش ضد أبناء عمهم .
ابناء هاشم والمطلب تركوا بيوتهم ونصبوا الخيام في أرض لأبوطالب قرب بيته ليكونوا جميعا بجانب بعضهم البعض لحماية النبي ﷺ .
فقامت قريش مع قبائل عبد شمس ونوفل ومعهم أبو لهب الزوج المطيع لزوجته بمعاهدة وأجمعوا فيها على اتفاق .
صحيفة المعاهدة كانت تنص على التالي :
1- أننا نقاطع بني هاشم وبني المطلب لا نزوجهم ولا نتزوج منهم .
2- لا نبيع لهم ولا نشتري منهم .
3- إذا جاء تجار إلى مكة نشتري منهم بأعلى الأسعار حتى لايستطيع بني هاشم الشراء .
وقعوا الصحيفة وعلقوها داخل الكعبة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الستون *٦٠*
*قرار الهجرة ..*
بعدما أخبر النبي ﷺ قريش برحلة الإسراء وطلبوا منه وصف المسجد الأقصى .
وجاء وصفه ﷺ مطابقا لبيت المقدس .
وطلبوا منه أن يخبرهم عن قافلتهم إلى الشام .
فوافق وصفه ﷺ عن القافلة كل الوصف .
فما كان من فرعون هذه الأمة وممثل قريش إلا أن قال . أشهد أنك ساحر يا محمد .
بنظرة عامة إلى الوضع الآن في مكة .
فقد كان ﷺ كل يوم يقاسي من قريش الإستهزاء بدعوته والاذى في الطريق وفي السوق وعند الكعبة المشرفة وحصار المسلمين لثلاثة أعوام متتالية .
وفي العام العاشر للبعثة وقد اطلق عليه عام الحزن .
فيه مات عمه أبوطالب الذي كان يحميه من قريش .
وفيه توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان يأوي إليها فتواسيه .
فاشتد أذى قريش على النبي ﷺ حتى أنه قال :
*ما نالت قريش شيئآ أكرهه حتى مات أبو طالب .*
في هذا الوقت بدأ ﷺ يفكر بالهجرة من مكة .
يجب أن يترك مكة هو والمسلمون ويلجأوا إلى مدينة أخرى تكون نواة للدولة الإسلامية.
وقد أصبح الوضع لايطاق ولا أحد من أهل مكة يريد أن يدخل في الإسلام .
ومن يدخل في الإسلام يكتم إيمانه خوفآ من بطش قريش .
وقد بلغ الإيذاء بالمسلمين أن قريش شوهت صورة النبي ﷺ في مكة وخارجها .
أما خارج مكة فكانت قريش تمنع النبي ﷺ من تبليغ دعوته خارج مكة .
كانت قريش كلما جاء أحد من خارج مكة تحذره وتقول له هناك رجل ساحر اسمه محمد بن عبدالله إذا سمعت كلامه يسحرك ويفرق بينك وبين قومك وبين أبيك وزوجتك .
حتى أنه جاء إلى مكة سيد من سادت قبيلة دوس اسمه عمرو بن طفيل .
فأخذوا يحذرونه من النبي ﷺ إياك أن تقترب منه أو تسمع كلامه .
حتى أنه حشى في أذنيه القطن خوفآ من أن يسمع لكلامه ﷺ فيسحره .
وانتشر هذا الأمر في الجزيرة العربية حتى أن الرجل إذا أراد السفر لمكة كان قومه يحذرونه من غلام قريش لايفتنك محمد بن عبدالله .
ضاق الأمر على النبي ﷺ .
ضاقت ولما اشتدت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لاتفرج .
عند ذلك قرر النبي ﷺ ترك مكة والهجرة منها فالوقت يمر .
عشر سنين منذ بداية الدعوة والإسلام لايتحرك أو أن الحركة بطيئة .
الرسول يريد أن يبلغ الإسلام ليس لأهل مكة فقط .
بل للناس كافة والجن أيضآ .
مهمة ليس سهلة على الإطلاق .
فقرر النبي ﷺ عرض الدعوة على رؤساء القبائل خارج مكة في موسم الحج ومواسم التجارة .
كانت كل القبائل تأتي إلى مكة في موسم الحج فكان ﷺ ينتهز هذه الفرصة في عرض الإسلام على تلك القبائل .
وكان ﷺ يذهب إلى الأسواق الموسمية حتى يلتقي بالعرب من كل أنحاء الجزيرة .
كان ﷺ يقف في السوق ويقول . من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي . فإن قريشا يمنعوني أن أبلغ رسالة ربي .
كان طلبه ﷺ واضح وهو . الإيواء والنصره حتى يبلغ كلامه .
حتى انه وقف أحد الأيام في السوق وقال أيها الناس *قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .*
منهم من تفل في وجهه .
ومنهم من حثا عليه التراب .
ومنهم من سبه وشتمه ﷺ حتى انتصف النهار .
حتى جاءت ابنته زينب رضي الله عنها ومعها ماء .
فغسل وجهه ويديه وهو ينظر إلى الدمعة الخارجة من عينيها من حزنها على أبيها .
فقال لها ﷺ : يا بنية لا تخشي على أبيك . غلبة ولا ذلة .
يصبرها ﷺ . فالأب لايتحمل دمعة ابنته ...
قدوة للأمة..... صل الله عليه وسلم فيا من تتباكون عند أول ابتلاء والبعض قد يكفر .
كان ﷺ يخرج لمقابلة القبائل في الليل سرآ أو أن يذهب إلى تلك القبائل في أماكنهم كما فعل مع الطائف .
من هذه القبائل التي ذهب إليها فبائل بني كلب وبني حنيفة وبني عامر وغيرهم .
حتى أن المفاوضات مع بني عامر كانت ستنجح وهي إحدى أكبر خمس قبائل في الجزيرة العربية .
ذهب إليهم رسول الله ﷺ وعرض عليهم الدعوة للإسلام .
فقال رجل منهم اسمه بحيرة بن فراس بعدما سمع كلام النبي ﷺ وأعجب به .
قال لقومه : والنبي جالس بينهم .
والله لو أني أخذت هذا الرجل لأكلت به العرب .
"يعني لو تكفلته لانتصرت على جميع العرب"
ثم نظر للنبي ﷺ وقال .
أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك وأظهرك الله على من خالفك . أيكون لنا الأمر من بعدك .
"لو بايعناك وأصبحت ملك من ملوك العرب العظام وانتصرت على من خالفك . توعدنا أن يكون خلفائك من بعدك"
قال ﷺ : لله الأمر فيضعه حيث يشاء .
قال بحيرة . أفنهدف نحورنا للعرب دونك "نتعرض للموت دفاعأ عنك" فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا . لاحاجة لنا بأمرك .
النبي ﷺ رفض بني عامر لأن نيتهم كانت السلطة و السيطرة على العرب وليست لوجه الله تعالى و للإسلام.
كثير من الناس يستعجلون تحقيق الهدف ويكون الأساس غير سليم فيجدوا أنفسهم لم يحققوا شيئا .
المفاوضات مع بني شيبة وهي من القبائل المحترمة التي خرج إليها رسول الله ﷺ وكان معه أبو بكر الصديق وعلي بن ابوطالب رضي الله عنهما.
يقول علي بن أبي طالب وهو راوي الحديث .
لما أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه .
حتى وصلنا إلى مجلس عليه السكينة والوقار . "لايعرفون من أي القبائل هم"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : من القوم "من أي القبائل"
قالوا من شيبان بن ثعلبة .
التفت أبو بكر إلى النبي ﷺ وقال . بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس "أي كبار القبيلة"
وكان بينهم رجل يقال له مفروق وكان يغلبهم لسانآ وجمالآ وكانت له غديرتان تسقطان على تريبتيه .
"غديرتان هما عظمتان أعلى الصدر وعندما تكون بارزتان تدلان على القوة والجمال"
فاستأذن أبو بكر بالجلوس . فأذنوا لهم.
فجلس أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجانب مفروق .
قال أبو بكر الصديق لمفروق : كم العدد فيكم .
قال مفروق : إنا لا نزيد عن الألف . ولن تغلب ألف من قلة .
"لما سأل أبو بكر كم عددكم . فهم مفروق أن سؤال أبو بكر يدل على أنهم يريدون المساعدة .
فقال نحن عددنا ألف ولكن لاتستهين بالعدد أطلب ما تريد"
فقال أبو بكر : وكم المنعة فيكم .
قال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبآ حين القتال .
وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد .
ونؤثر السلاح على اللقاح .
والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا مرة .
"أي يبلغ غضبنا شدته حين القتال ولا نرى أمامنا من الغضب .
وإن اهتمامنا بمعدات القتال أهم من أولادنا .
ونؤثر الإهتمام بسلاحنا أكثر من النوم مع نسائنا .
ومع ذلك النصر من عند الله نفوز مرة ونخسر مرة"
ثم قال مفروق : لعلك أخو قريش .
فقال أبو بكر :إن كان بلغكم أنه رسول الله ﷺ فها هو ذا : وأشار إلى النبي ﷺ .
فالتفت مفروق إلى النبي ﷺ وقال : إلى ما تدعونا يا أخا قريش .
قال ﷺ . *أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله . وإلى أن تؤوني وتنصروني فإن قريشآ قد تظاهرت على الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد .*
قال مفروق : وإلى ما أيضآ تدعو يا أخا قريش . فوالله ماسمعت كلامآ أحسن من هذا .
فتلا رسول الله ﷺ .
*قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)*
سورة الأنعام .
ذهل مفروق من كلام الله تعالى وقال متأثرآ : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .
ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك .
ثم نظر مفروق إلى شيخهم وقال موجهاً حديثه للنبي ﷺ .
يا أخا قريش : هذا هانيء بن قبيصة وهو شيخنا .
فقال هانيء : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش :
وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول له ولا آخر لذل في الرأي .
"يعني أنا سمعت كلامك بس من جلسة واحدة لا ينفع أخذ القرار فيه"
وإنه لقلة نظر في العاقبة أن الزلة مع العجلة .
ولكن نرجع وترجع .
وننظر
ثم نظر هانيء إلى رجل آخر يجلس معهم "يعني شاركنا الحديث"
اسمه . المثنى بن حارثة .
قال المثنى "وقد أسلم لاحقآ" قد سمعت مقالتك يا أخا قريش .
والجواب فيه جواب هانيء بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك .
"يعني هانيء قال الصواب"
وإنا إنما نزلنا بين صريين أحدهما اليمامة والأخرى الشمامة .
فقال رسول الله ﷺ . وما هما الصريان .
قال المثنى . أنهار كسرى . ومياه العرب .
"يعني نحن عايشين بين نارين بين كسرى والعرب منطقة حدودية"
فأما ماكان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول .
وإنا إنما على عهد أخذه علينا كسرى أن لانحدث حدثآ ولا نؤوي محدثآ .
"يعني قومنا عايشين بعضهم بأراضي كسرى وبعضهم بأراضي العرب مثلما نقول على الحدود . وكسرى مايرحم.... وعاهدناه أن لانؤوي أحد يوجع رأسنا ورأسه"
وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك .
"يعني إذا سمع فيك وبدينك ما يعجبه . أنت تدعوا إلى *كلكم من آدم و آدم من تراب . وكلنا سواسية .*
والملوك لا يعجبهم إلا السيد سيد و الخادم خادم"
فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا .
قال رسول الله ﷺ وقد أعجب بكلامهم .
*ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق .*
*وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه .*
*ثم بشرهم النبي ﷺ . فقال أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم و يفرشكم نساءهم تسبحون الله وتقدسون .*
قالوا . اللهم فلك ذلك .
وقد كان ذلك بعد معارك مع الفرس وانتصر بها المسلمون جميعآ .
كان موقف بني شيبان فيه وضوح وتعظيم للنبي ﷺ وقد عرضوا عليه حماية جزئية ...
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
سيرة الحبيب الصطفى
[ﷺ .*
الحلقة الثامنة و الأربعون
*الهجرة الثانية إلى الحبشة ..*
لما رأى النبي ﷺ أنه في حماية من أهله وعشيرته .
خاف ﷺ على المستضعفين من المسلمين فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة وكانو 83 رجل وبضع وعشرة امرأة .
الذين هاجروا في المرة الأولى عادوا عندما علموا بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وظنوا أن الأمور تحسنت في مكة فوجدوا أن الأمور أسوأ فذهبوا في الهجرة الثانية .
النبي ﷺ وأصحابه في شعب أبوطالب بالمقاطعة .
استمرت المقاطعة 3 سنوات حتى أكل فيها النبي ﷺ من ورق الشجر .
سنتكلم الآن عن الهجرة الثانية إلى الحبشة ولاحقآ نتكلم عن حصار المسلمين في شعب أبوطالب.
هاجر الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة وقد جعل النبي ﷺ أميرآ عليهم جعفر بن أبي طالب .
عاشوا في الحبشة ومنهم من عمل بالزراعة ومنهم من عمل بالصناعات الجلدية .
كانت أخلاقهم رفيعة ومعاملتهم طيبة واحترموا قوانين البلاد .
فأحبهم الناس وعاملوهم معاملة طيبة .
وصلت إلى مكة أنباء أن المسلمين في الحبشة في أمن واستقرار وحياة طيبة .
كما وصلت إلى قريش قصيدة من أحد المهاجرين المسلمين يتحدث فيها عن سعادتهم ورفاقه في الحبشة .
فاغتاظت قريش وقالوا : لقد أصبح لمحمد قواعد خارج مكة .
فاجتمعوا وعقدوا مؤتمر يدرسون فيه ماذا يفعلون .
ماذا نصنع وما العمل مع من هاجر من أصحاب محمد .
قالوا نرسل رجلين يحسنان السياسة إلى النجاشي ملك الحبشة .
"النجاشي لقب لمن يحكم الحبشة وليس اسمآ له .
إسمه أصحمه بن أبجر .
*ملاحظة*
النجاشي : لقب لملك الحبشة .
قيصر : لقب على من ملك الروم .
كسرى : لقب لملك الفرس .
المقوقس : لقب لملك مصر .
قرروا إرسال رجلين من دهاتهم إلى الملك النجاشي .
يحملون الهدايا لمحاولة إقناعة بطرد المسلمين وإعادتهم إلى مكة مرة أخرى .
اختاروا لهذه المهمة عمر بن العاص و عبدالله بن ربيعة .
عمر بن العاص كانت له علاقه قوية مع النجاشي .
قالت لهم قريش : أعطوا الهدايا أولاً للبطارقة قبل النجاشي.
وبعد أن يرضوا قولوا لهم نريد مقابلة النجاشي من أجل السفهاء من قومنا الذين جاؤوا إلى بلادكم .
وصلوا الحبشة ووزعوا الهدايا على البطارقة .
قالوا للبطارقة :
إن هؤلاء سفهاء من قومنا فارقوا ديننا ونريد أن نكلم النجاشي بهم .
وأنتم أقنعوه أن يسلمهم لنا دون أن يستقبلهم ويسألهم .
قالوا : ولماذا دون أن يسألهم .
قالوا لهم لأن محمد وصحبة يعملون بالسحر وإذا قابلوه سحروه فلا يسمع لأحد .
نفذ الخطة عمر بن العاص مع البطارقة .
ولما اجتمع عمر بن العاص والبطارقة بالنجاشي وقدموا له الهدايا .
قال له : ما الأمر ياعمر تكلم .
قال عمر : إن فينا سفهاء خرجوا عن دين الآباء والأجداد .
فلا هم بقوا على ديننا ولا دخلوا في دينك أيها الملك وابتدعوا دينآ لانعرفه نحن ولا أنت.
"عمر بن العاص داهية : لاحظتم اسلوبه بالكلام"
وقد أرسلنا أشراف قومنا حتى تردهم إلينا .
فأهلهم أعلم بهم وهم بهم أولى .
صاح البطارقة بصوت واحد . نعم صدق أيها الملك .
فصاح الملك العادل : بئس ما شهدتم به .
كيف أحكم بنعم قبل أن أسمع الطرف الآخر . بئس ما شهدتم به .
ثم صاح بالجند . أرسلوا إليهم حتى أسمع منهم .
فإذا سمعت قضيت بأنهم صادقون أو غير صادقين .
فلما أرسل النجاشي في طلبهم قالوا لبعضهم ماذا نقول .
فقال جعفر نقول الصدق وما أنزل على نبينا .
قالوا يا جعفر كن أنت المتكلم فينا .
فتقدم جعفر ووقف المسلمون خلفه .
ولما حضر النجاشي ركع الجميع إجلالآ له إلا المسلمون بقوا واقفين .
نظر النجاشي إليهم وقال : ألا تركعون لنبيكم .
قالوا : لا لقد علمنا نبينا أن لا نركع إلا لله تعالى .
قال النجاشي : كيف تسلمون على نبيكم .
قالوا : نقول له السلام عليك أيها النبي .
سكت النجاشي ثم نظر إلى عمر بن العاص .
وقال له : هات ما عندك يا عمر .
فأخبره بما قاله للبطارقة . حتى انتهى .
قال النجاشي للصحابه : وأنتم من يتكلم فيكم .
فتقدم جعفر بن عبدالمطلب وقال :
أيها الملك .
كنا قومآ أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجوار ويأكل القوي فينا الضعيف وندفن البنات أحياء ونأتي كل الموبقات .
حتى بعث الله إلينا رسولآ نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه .
دعانا لنعبد الله ونوحده ونخلع ماكنا نعبد وآباؤنا من دونه من الأصنام والأوثان .
أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانه وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.
وأمرنا أن نعبد الله لانشرك به شيئا .
ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات .
فتعدى علينا قومنا فعذبونا وضيقوا علينا حتى قال لنا نبينا اذهبوا إلى الحبشة .
قال النجاشي : ولم اختار نبيكم الحبشة .
قال جعفر : قال لنا نبينا إن فيها رجل لا يظلم عنده أحد .
قال النجاشي : وهل تحفظ شيء مما أنزل على نبيكم .
قال جعفر : نعم .
وقرأ عليه شيء من القرآن .
فدمعت عين النجاشي ودمعت عيون البطارقة.
وقد وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم .
*لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)*
سورة المائدة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[
سيرة الحبيب المثطفى
الحلقة التاسعة و الأربعون
*الملك العادل ..*
قال النجاشي بعدما سمع القرآن الكريم من جعفر رضي الله عنه.
"إن الذي جاء به نبيكم وجاء به عيسى لمن مشكاة واحدة"
*انطلقوا أنتم آمنون*
ثم نظر لعمر بن العاص وقال : والله لن أسلمهم لكم ولا بجبل من ذهب .
وانفض المجلس وخاب أمل عمرو بن العاص ولكن الداهية لا يستسلم من أول جولة .
قال : سأغدوا غدأ إلى النجاشي وأوقع جعفر ومن معه بمسألة لم تخطر على بالهم .
النجاشي ومن معه يعبدون المسيح عيسى وهو عندهم إله في نظرهم .
ذهب إلى النجاشي في اليوم التالي .
قال عمرو بن العاص : إن هؤلاء الجماعة يقولون في عيسى ابن مريم قولآ عظيماً
_ وربما يؤثر عليكم _
فغضب النجاشي وأرسل إليهم مرة ثانية وأحضروهم إليه .
فتشاور الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم .
ماذا نقول للملك وهو ومن معه يعبدون المسيح .
_ هنا درس لكل مسلم بأنه لامجاملة في دين الله تعالى_
إن الإسلام دين الله الحق ولاشيء عند الله اسمه مؤتمر الأديان .
قال تعالى .
*إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)*
سورة آل عمران .
قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : والله لا أقول له إلا ما أنزل الله لانغير في ديننا شيء .
فحضر المسلمون وحضر النجاشي والأساقفة والبطارقة وعمرو وعبد الله بن ربيعة .
قال النجاشي : يا جعفر . ماتقول في المسيح .
قال جعفر : نقول فيه ما أنزل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال النجاشي : وهل أنزل عن المسيح شيء على نبيكم .
قال جعفر . نعم .
قال النجاشي . هات ماعندك .
فوقف جعفر رضي الله عنه وهو يعلم أن الآيات مخالفة لدين الملك والبطارقة ولكن لامجاملة في دين الله تعالى .
فقرأ جعفر الآيات التالية .
بسم الله الرحمن الرحيم .
*وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36)*
سمع النجاشي كلام الله من مؤمن صادق فأجهش بالبكاء وبكى الأساقفة معه .
ثم خط على الأرض بعصاة كانت معه وقال النجاشي :
لم يتعدى المسيح هذا الخط .
أي أن المسيح عبد لله كما جاء في كتاب الله .
ثم قال لجعفر : انطلقوا في بلادي سالمين آمنين .
من سبكم غرم .
من سبكم غرم .
من سبكم غرم .
ثم نظر الى البطارقة وقال لهم . أرجعوا الهدايا إلى عمرو بن العاص .
ثم التفت الى عمرو وقال له . ارجع لقومك .
والذي نفسي بيده الذي وهبني الملك من غير رشوة لا آخذ رشوة بعبد من عباد الله .
ثم نظر إلى الصحابة رضي الله عنهم ووجه كلامه لعمرو وقال . ياعمرو هؤلاء الرجال خير عندي من جبال الأرض ذهبا . كن مع الله ترى الله معك"
رجع عمرو بن العاص إلى مكة خالي الوفاض .
وتمتع المسلمون بالأمن والأمان في الحبشة .
وكان لمحاولة قريش مع النجاشي أن دخل في الإسلام رحمه الله .
هو من التابعين الذين أسلموا في عهد رسول الله ﷺ ولم يراه .
أخذ دينه من الصحابه فيسمى من التابعين .
قال تعالى .
*وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)*
سورة التوبة .
وبعد دخول النجاشي في الإسلام حدث في الحبشة مايسمى ثورة و انقلاب .
الحبشة على دين النصرانية ولم يقبلوا أن يكون الملك مسلمآ وكادت أن تحدث مواجهة عسكرية .
فجهز النجاشي سفينة وأمر المسلمين أن يركبوا بها وقال لهم :
إذا هزمت في المعركة غادروا الحبشة .
واذا انتصرت فابقوا معنا في الحبشة .
ولكن لم تحدث المعركة لأن النجاشي تكلم مع معارضيه فهموا من كلامه أنه لايزال على دين النصرانية .
كتم إسلامه رضي الله عنه حتى يجنب الناس إراقة الدماء .
وبقي المسلمون في الحبشة حتى كانت هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة المنورة حيث عادوا ورافقوا النبي ﷺ في المدينة .وبعد مغادرة المسلمين للحبشة بفترة وجيزة مات النجاشي رضي الله عنه وعلم رسول الله ﷺ بوفاته .
فقال ﷺ لأصحابه:
*مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .*
وصلوا عليه صلاة الغائب .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.......
يتبع بإذن الله تعالى.......
سير ةالحبيب المصطفى
[ ﷺ .*
الحلقة الخمسون
*حصار المسلمين بشعب ابوطالب ..*
قام أبوطالب وجمع قومه من بني هاشم واستجاب له بنو المطلب أبناء العم .
وقد خالفهم بنو عبدشمس وبنو نوفل وأبو لهب ووقفوا مع قريش .
اجتمع ابوطالب وقومه وقد علموا أن قبائل قريش تريد قتل النبي ﷺ .
وقف أبوطالب وقال لأبناء عمه .
كل واحد منكم يحمل سيفه ويقف خلف سيد من قريش "حدد لكل واحد منهم اسم . أنت تقف خلف فلان . وأنت تقف خلف فلان"
وأخبرهم عن علامة معينة كل واحد منكم عندما ترون العلامة يرفع سيفه فوق رأس من يقف خلفة .
فقام أبوطالب ومن معه إلى الكعبة ودخلوا بين استارها وعاهدوا الله أنهم لن يسلموا محمد صلى الله عليه وسلم لشيء يكرهه مادامت فيهم عين تطرف .
ثم أخذ ابوطالب النبي ﷺ من يده ووقف معه عند الكعبة ونادى يا معشر قريش .
فاجتمعت قريش وسادتها عند الكعبة .
فقال أبوطالب : يامعشر قريش . أتدرون ما هممت به .
قالوا . لا .
ثم أشار لبني هاشم فأخرج كل منهم سيفه من ثيابه .
نظر سادة قريش فوجد كل منهم شابآ قويآ يحمل سيفه فوق رأسه .
ثم صاح فيهم أبوطالب .
والله لو قتل محمد لأقاتلنكم حتى نتفانى نحن وأنتم .
هنا قررت قريش المقاطعة الساقطة .
لانبيعهم ولانشتري منهم ولانزوجهم ولانتزوج منهم ولانساعدهم ولانقبل منهم الصلح حتى يسلموا إلينا محمد للسيف .
واجتمعوا كلهم في شعب أبوطالب .
بدأ الحصار في بداية السنة السابعة من البعثة .
وظل بني هاشم وبني عبدمناف متجمعين في شعب ابوطالب .
ماسبب تسمية شعب ابوطالب :
مكة كما نعلم تقع في وادي وحولها الجبال وبين الجبال هناك طرق ضيقة يسمونها شعاب الجبال .
قصي ابن كلاب "هو الجد الرابع للنبي ﷺ" قام بتقسيم هذه الشعاب ببن قبائل قريش .
كل قبيلة لها شعب خاص بها وكل شعب له اسم .
فقريش اطلقت اسم شعب ابوطالب لان أبوطالب هو سيد بني هاشم ولأن بيته أول بيت في الشعب .
فاجتمع بنو عبد المطلب وبنو هاشم مسلمهم وكافرهم عند بيت أبوطالب في هذا الشعب .
طال الحصار .
لم يمنعوهم من الخروج ولكن المقاطعة كانت عبارة عن حصار اقتصادي قاسي جدآ .
عندمما كان التجار يأتون لمكة كان يسارع أهل مكة حتى يشتروها منهم حتى لايسمحوا لبني هاشم بالاستفادة والشراء .
وكان أشد أعداء النبي ﷺ عمه زوج حمالة الحطب .
كان عنده مال كثير فيأتي إلى التاجر وإذا رأى من حلفاء أبوطالب من يشتري يذهب إلى التاجر ويعرض عليه 10 أضعاف السعر ويأخذ البضاعة .
حتى لا يستطيعون الشراء من أحد .
أنفق النبي ﷺ وامنا خديجة وأبوبكر الصديق وكل بني هاشم أموالهم حتى أكلوا أوراق الشجر وحتى تشققت شفاههم .
قال أحد الصحابة رضي الله عنهم : كنا نبعر كما يبعر البعير "يعني أنه لايقضي حاجته . كانت تلك الفضلات تشبه مايخرج من الجمل من كثرة أكل اوراق الشجر"
يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :أنه عثر على قطعة من الجلد فأخذها ووضعها على النار . ثم أخذ يمضغها ولايستطيع بلعها . وبقي على ذلك ثلاثة أيام .
كانت أصوات الأطفال ترتفع في الليل والنهار من شدة الجوع . وكثير منهم مرض ومات .
كانت قريش تقوم بدوريات عند مداخل ومخارج الشعب حتى تتأكد أنه لايصل طعام لبني هاشم وكانت قريش تؤذي كل من يرسل إليهم الطعام .
كان هذا الحصار شديد جدآ على النبي ﷺ .
لأن هذا الحصار كان به مسلمون وكافرون من بني هاشم وبني عبدمناف .
الذين لم يسلموا من بني هاشم وعبدمناف اخذوا ينظرون إلى أن السبب في وضعهم هذا هو النبي ﷺ ويقولون لقد جعنا ومات اطفالنا بسببك يا محمد .
ضغط نفسي رهيب اصبحوا فيه .
ثلاث سنوات كاملة لايصل إليهم طعام إلا مايتم تهريبة من المتعاطفين معهم وخاصة من الذين بينهم قرابة ومصاهرة من البطون الأخرى .
يسر الله بعض الرجال الذين فيهم نخوة ورجولة ولم يرضوا بهذه المقاطعة ولكن لايستطيعون رفضها لأنها باجماع قريش .
كان هناك رجل اسمه حكيم .
ابن أخ السيدة خديجة رضي الله عنها .
كان حكيم يأتي بالطعام سرآ إلى الشعب .
جاء يومآ بالطعام سرآ وكان من المراقبين أبوجهل .
قال ابوجهل : ماهذا ياحكيم . واللات لا أدعك أنت وطعامك حتى أفضحك في كل مكة .
واخذوا يتجادلون فحضر رجل يدعى "أبو البختري بن هشام" وكان وجيهآ في قومه .
وسمع جدالهم فقال . ما شأنك يا ابا الحكم "ابوجهل ينادونه بمكة ابو الحكم"
ما شأنك يا ابا الحكم . رجل يريد ايصال الطعام لعمته .
قال ابوجهل . لا . أجمعت قريش أن لانوصل لهم شيء .
فتجادل ابو البختري و ابوجهل واشتد الجدال ببنهم فما كان من ابو البختري إلا أن وجد عظمة بعير فضرب بها أبو جهل على رأسه فشجه .
الإثنان مشركين . ولكن النخوة العربية ظهرت من ابوالبختري .
وقال البختري : ما رأيت في العرب مثلك لئيم يرضى أن يموت ابن عمه جوعا وهو منعم .
خلال سنوات الحصار التي دامت 3 سنوات حمى ابوطالب النبي ﷺ .
هذا الشيخ كان عمره في ذلك الوقت 80 سنه كان يسهر الليل ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه عمه أن ينام مكانه في فراشه .
حتى إذا نام الناس يذهب الى النبي ويقول له قم .
ويامر أحد ابنائه ينام مكانه .
ويذهب بالنبي إلى مكان آخر لينام به النبي ﷺ لايعرفه غيره .
طال الحصار فقام رجال من قريش عندهم نخوة .
قالوا : إلى متى نأكل ونشرب وأبناء عمومتنا يموتون جوعآ .
فذهب رجل يدعى "هشام بن عمر الغامدي" إلى رجل اسمه "زهير"
قال : أترضى يازهير أن يموت قومك جوعآ ونسمع صراخهم وأنت تأكل وتشرب .
أسألك برب البرية لوكان أخوال أبو جهل بالشعب أكان يرضى بالمقاطعة .
قال زهير : لا لا يرضى .
قال هشام : اذا لماذا ترضى أنت . أكان ابوجهل خيرآ منك .
اشتعل زهير غضبا وقال .
ماذا أصنع . لو أجد رجل معي .
قال هشام . ها أنا معك .
قال زهير . نريد رجل ثالث . لأن الجماعة خير .
ذهبوا وضموا إليهم ثلاثة رجال فأصبحوا خمسة زهير وهشام والبختري والمطعم بن عدي و زمعة .
تواعدوا بالسر على جبل الحجون أن يقوم أحدهم بالإعتراض على المقاطعة وهم يقومون بمساندته أمام قريش .
في الصباح جاء زهير إلى نادي قريش وبقي واقفآ
قالوا له : اجلس يا زهير .
قال . لا والله لا أجلس وبنوا هاشم يموتون جوعآ .
والله لا أرضى حتى تمزق هذه الصحيفة الظالمة .
قام أبو جهل وقال . كذبت والله .
إنما كتبت هذه الصحيفة بإجماع سادة قريش .
فقام هشام وقال . كذبت أنت والله .
ماوافقنا عليها وما رضيناها ولكن اجبرتمونا عليها .
فقام ثالث وقال : صدقت والله
فقام الرباع والخامس وقالوا سيوفنا معكم أين ما تريدون .
فقال أبو جهل . هذا امر دبر بالليل "اتفقتم عليه سرا"
وبينما هم يتجادلون وإذ أقبل عليهم أبوطالب .
اندهشت سادة قريش من قدومه .
أبوطالب كان في الليل جالسآ مع النبي ﷺ يشكو إليه هذا الضيق .
فقال ﷺ . لاعليك ياعم . صحيفتهم الظالمة قد ارسل عليها الله الأرضة .
"الأرضة تأكل الخشب والصحيفة من الجلد ولكنها من آيات الله سبحانه"
فقال أبوطالب . يامحمد هل ربك الذي يوحي إليك هو الذي اخبرك .
قال ﷺ . أجل .
قال أبوطالب . والله إنك لصادق . ولا يدخل عليك أحد أنت لاتكذب أبدا .
فوثب أبوطالب من مكانه مسرعا .
قال ﷺ . إلى أين ياعم .
قال أبوطالب . سأواجه قريش كلها أنت صادق ولا تكذب .
مادام الله قضى على صحيفتهم فاليوم يجب أن نخرج من الشعب .
ولما دخل أبوطالب وكان الرجال يتجادلون نمزقها أم لانمزقها .
قالوا : مرحبآ بابوطالب . فجلس .
قال لهم . لقد مضت بيننا وبينكم ثلاث سنوات واليوم استجد أمر .
فليجتمع كل سادة قريش . فاجتمعوا .
قال . أحضروا الصحيفة من الكعبة .
"فكر سادة قريش أن ابوطالب سيمزق الصحيفة ويسلمهم محمد"
أحضروا الصحيفة وهي ملفوفة والختم عليها "مثل ختم الشمع الأحمر " ووضعت أمامهم .
قالوا ما الأمر يا ابوطالب .
قال ابوطالب . ياقوم . لقد اخبرني محمد وكلكم يعلم أن محمد لايكذب أن الله قد أرسل على صحيفتكم "الأرضة" فلحست كل ماكتب فيها إلا اسم الله .
ولم يبقى من ظلمكم وقطيعتكم شيء .
ضحك القوم وأخذوا يسخرون من كلامه .
قال ابوطالب . لاتعجلوا ياقوم . واسمعوني .
إن كان محمد صادق فيما قال فعلينا أن ننهي هذه القضية .
وان كان كاذبا فيما قال أسلمه لكم وتضربون عنقه هل أنتم موافقون .
قالوا جميعا موافقون لأنهم يطمعون أن يسلمهم محمد والصحيفة ملفوفة أمامهم وبالختم منذ 3 سنوات .
فاسرعوا إلى الصحيفة وفكوا الختم قاموا القماش الملفوف عليها وفتحوها .
وإذا هي كما قال ﷺ الأرضة لحست الكتابة كلها ولم يبقى منها إلا *باسمك اللهم*
قال أبوطالب : هل تبين لكم ياقوم . محمد لايكذب .
فقال رأس الكفر فرعون هذه الأمة أبو جهل . هذا سحر من ابن أخيك .
فقام زهير ورفاقة الخمس واستلوا سيوفهم وقالوا : لابد من تمزيق هذه الصحيفة .
ووالله لانبرح هذا المكان إلا ويخرج بنو هاشم .
*وعذرا على الاطالة*
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-25-2022, 01:55 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والخمسون
وفاة أبوطالب وخديجة رضي الله عنها ..
انتهى الحصار وخرج بنو هاشم وبنو عبدالمطلب من شعبهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية وممارسة نشاطهم في مكة .
لكن مازالت العداوة من قريش تجاه محمد ودعوته ﷺ .
وبسبب الحصار الذي كان فقد ضعفت صحة أبوطالب وشارف على الموت وقد بلغ من العمر 83 سنه .
وصل خبر مرضه إلى سادة قريش وأنه على فراش الموت .
فاجتمع سادة قريش وقال بعضهم لبعض .
لنذهب إلى أبوطالب قبل أن ينزل به الموت وقبل أن يأتي ابن أخيه محمد يأخذ لنا منه ويأخذ له منا .
فإنا نخاف من حمزة و عمر رضي الله عنهما
أن يتبعة غيرهم ويأخذوا السيادة منا .
فاجتمع سادة قريش ومنهم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وأبوسفيان وأبوجهل وغيرهم وحضروا لبيت أبوطالب .
أحب أبوطالب وبحضور الوجهاء أن يتم الصلح بينهم وبين محمد ﷺ قبل موته .
قال أبوطالب للقوم : أحب أن أرحل عن الدنيا وأنا أشهد صلحآ بينكم .
فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالحضور فحضر ﷺ .
"تجمع الروايات أنه كان بين أبوطالب والحضور متسع مسافة تتسع لجلوس رجل فيها .
ولما أرسل أبوطالب لحضور النبي ﷺ قفز أبو جهل وجلس فيها خوفآ من جلوس محمد ﷺ قرب أبوطالب ويكون له تأثير عليه"
ولما حضر ﷺ لم يجد مكانآ إلا أن يبقى واقفآ عند الباب .
كان إذا دخل أعرابي لمجلس رسول الله ﷺ يسأل أيكم محمد "لأنه ﷺ ماكان يميز جلسته عن غيره من الحضور .
وكان يجلس حيثما انتهى به المجلس" صلى الله عليه وسلم
رفع أبوطالب رأسه إليه وقال : يا محمد يا ابن أخي .
هؤلاء أشراف قريش وسادتها .
وقد نزل بي من الأمر ماترى واحب أن أرى صلحآ بينكم قبل أن أموت .
قال ﷺ . نعم ياعم .
أريد منهم كلمة واحدة لاسواها تدين لكم بها العرب وتتبعهم العجم .
(( ولكن الكفر ضلال ))
فقال فرعون هذه الامة أبو جهل .
نعم وأبيك . نعطيك عشرة من الإبل ويتم الصلح .
قال ﷺ قولوا لا اله إلا الله وتخلعوا عبادة الأصنام .
وكعادتهم بكفرهم وضلالهم أخذوا بالاستهزاء من كلامه .
فقال أبوجهل . واللات إن هذا الرجل لن يعطيكم شيء .
فنظر أبوطالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تأثر من فعل القوم أراد أن يخفف عنه .
فقال : يا محمد ما طلبت منهم شحطة .
الشحطة : عند العرب الطلب المعجز أو الصعب تنفيذه .
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم كلام عمه طمع في إسلامه .
فقال له : أنت ياعم قلها وأنا أشهد لك عند الله وأشفع لك بها .
فلم يعلن أبوطالب إسلامه وفاضت روحه لم يقلها على مسمع النبي صلى الله عليه وسلم
أبوطالب بكلامه وأفعاله ساعد النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وبذل جهوداً جبارة في سبيل الاسلام .
تحمل الكثير لمدة 7 سنوات وهي أصعب سنوات الدعوة ولم يسمع منه النبي ﷺ لا إله إلا الله .
أبوطالب أفعاله وأقواله تؤكد بتصديق النبي ﷺ وكان يكرر بأن محمد لا يكذب .
كيف لا : وهو الذي رباه وكان بمنزلة الأب لديه ويعرفه أكثر من أي شخص .
وقد قال له في بداية الدعوة إمضي لما أمرت به .
أكثر أقوال العلماء أن أبو طالب مات على الشرك .
وحزن رسول الله ﷺ وتم دفنه في مقبرة الحجون وبعد موته زادت قريش من ايذائها بالنبي ﷺ .
وفاة خديجة رضي الله عنها .
يقول ﷺ :
ما نالت مني قريش بشيء أكرهه إلا بعد وفاة أبوطالب .
ولم ينتهي حزنه ﷺ على عمه حتى ماتت خديجة رضي الله عنها .
مات النصير القوي خارج البيت وهو عمه أبوطالب .
ومات الحضن الدافيء داخل البيت وهي السيدة خديجة رضي الله عنها .
حزن ﷺ حزنا شديداً وأطلق على هذا العام عام الحزن .
وكأن في توقيت وفاتهما أن الله سبحانه يقول له لا تعتمد على مساعدة أحد .
اجعل اتكالك على الله وأن النصر من عند الله تعالى وليس من عند أي أحد.
ماتت خديجة رضي الله عنها وشيعها ﷺ إلى مقبرة الحجون ونزل في قبرها ودعى لها .
((فقد ﷺ النصيرين الذين كانا يخففان عنه ﷺ من أذى قريش))
رحل أبو طالب .
ورحلت خديجة رضي الله عنها وتكالبت عليه قريش بالإيذاء.
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.......
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والخمسون
اشتداد ايذاء النبي ..صلى الله عليه وسلم.
بعد وفاة أبوطالب عم النبي ﷺ وخديجة رضي الله عنها تجرأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم كما لم تتجرأ من قبل .
وفاة أبوطالب لا تعني أن بني هاشم رفعت حمايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وفاة أبوطالب أثرت بالنبي ﷺ لأنه كان شخصية قوية مهابة في مكة .
ولو سألنا أين حمزة بن عبدالمطلب وعمر بن الخطاب في حماية النبي صلى الله عليه وسلم
نرى أنهما دخلا في كنف الإسلام.
وهما مأموران بأنك إذا رأيت أخاك المسلم يعذب فليس عندك إذن بالدفاع عنه .
هكذا كان الأمر الإلهي في العهد المكي للدعوة الإسلامية.
ولقد تم الإذن بالرد على المشركين ومقاتلتهم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة .
قال تعالى .
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
سورة الحج .
والحكمة من هذا الأمر أن الله أراد أن يربى الصحابة رضي الله عنهم : على التربية الروحية .
وسبب آخر أنه إذا آمن أحد من الصحابة رضي الله عنهم : فإن إيمانه يكون إيمانآ صادقا لا نفاق فيه .
وبما أن الأذى واقع على كل من قال لا إله إلا الله وممنوع القتال فما الذي يجبر المنافق على الدخول في هذا الدين ويعرض نفسه إلى التعذيب والإهانة والأذى .
فلم يدخل في دين الإسلام بمكة إلا كل صادق الإيمان ومستعد للموت .
ولذلك لم نرى في مكة منافق واحد .
لقد بدأ النفاق يظهر في المدينة المنورة عندما قويت دولة الإسلام وأخذ أحدهم يدعي الإسلام من أجل الإستفادة تحت ظل الدولة .
ولهذا حمزة بن عبدالمطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم يجب أن يلتزموا ويقفوا عند أمر الله تعالى.
بعض من جرأة قريش على رسول الله ﷺ .
كان ﷺ يسير في طرقات مكة فاعترض له أحد سفهائها وقذف في وجهه التراب والرمال .
عاد ﷺ إلى بيته فقامت بناته مسرعات ينفضن التراب والغبار عن رأسه الشريف وهن يبكين .
فأخذ ﷺ يصبرهن .
وقال ﷺ لا تبكون . فإن الله مانع أباكم .
✨✨✨✨✨✨✨
وقف ﷺ يومآ يصلي عند الكعبة : فأتى أحد أشقياء مكة وهو عقبة بن أبي معيط ولف عباءته حول رقبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يخنقة .
ولم ينقذه ﷺ من ذلك الموقف إلا أبو بكر الصديق الذي دفع عقبة وهو يقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .
✨✨✨✨✨✨✨
أبوجهل جالس في نادي قريش وكان ﷺ عند الكعبة يصلي .
فقال أبو جهل : أليس فيكم رجل يقوم إلى فرث جزور بني فلان فيلقيه على ظهر محمد صلى الله عليه وسلم إذا سجد .
"ذبحو جمل صغير وما كانوا يهتموا للكرشة . والفرث هو الأوساخ التي داخل الكرشة"
فاستجاب له ذلك الشقي "عقبة بن أبي معيط" فأحضر الكرشة وما فيها وانتظر حتى سجد ﷺ وافرغها على ظهره .
فلم يستطع ﷺ أن يرفع رأسه وسادة قريش يضحكون .
يقول عبدالله بن مسعود : فما استطاع أحد منا أن يميط الأذى عن رسول الله ﷺ خوفآ من بطش الجبابرة في قريش .
فانطلق رجل وأخبر فاطمة فأتت مسرعة وأماطت الأذى عنه حتى رفع رأسه وأتم صلاته ﷺ .
وأردف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول فلما فرغ من صلاته ﷺ سمعته يقول .
اللهم عليك بالملأ من قريش . ذكرهم بأسمائهم .
والله ماذكر اسم واحد منهم إلا قتل في معركة بدر .
دعوة خير الخلق ﷺ في أعمق موقع ظلم .
يؤذى بدون سبب ويعتدى عليه فدعا على الكفار في العهد المكي وعند الكعبة .
يمهلهم الله سبحانه سنين ثم يحقق الله دعوته بعد الهجرة يوم بدر .
كثير من الناس يقول: مالنا ندعو وندعو ولا يستجاب لنا .
يا هذا :
من أقرب الى الله انا وانت أم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
موسى وهارون عليهما السلام دعوا على فرعون فقال الله سبحانة :
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
سورة يونس .
فكان بين الدعاء والاستجابه بضع سنين .
الله سبحانه يستجيب الدعاء كما وعد .
ولكن كما يريد هو لا كما نريد نحن فهو الحكيم الرحيم ولأن الله لايعجل لعجلة أحدنا .
قال تعالى .
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
هذا الشقي عقبة ابن أبي معيط كان على وشك أن يؤمن وأن يكون من الصحابة رضي الله عنهم.
ولكن صداقته لأبوجهل منعته من ذلك .
كان أبوجهل في سفر وخلال فترة غيابه تأثر عقبة بالنبي صلى الله عليه.
وعندما عاد أبوجهل ذهب إليه وحادثة وقال له .
وجهي من وجهك حرام وكلامي من كلامك حرام حتى تبصق في وجه محمد صلى الله عليه وسلم
فذهب ذلك الشقي وبصق في وجه النبي ﷺ .
فأنزل الله سبحانه قوله تعالى .
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)
سورة الفرقان .
هذا مثال صالح وقوي لرفاق السوء. نسأل الله تعالى العافية و المعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
✨✨✨✨✨✨✨✨
خرج رسول الله ﷺ يوما وطاف بالكعبة فاجتمع عليه رجال من مشركي قريش وأخذوا يدفعونه ويجذبونه من ملابسة ويقولون له .
أنت الذي سفهت آباءنا وأنت الذي جعلت الآلهة الها واحدا والنبي ﷺ يقول نعم .
فجاء أبو بكر ليدفع المشركين عن النبي ﷺ .
فدفع المشركين أبو بكر حتى وقع على الأرض وأخذوا يضربونه بنعالهم حتى نفرت الدماء من وجهه وأغمي عليه .
وحمل إلى بيته ولم يفق إلا ليلآ .
واول ما أفاق رضي الله عنه قال : ماذا فعلوا برسول الله .
قالوا له هو بخير .
فقال . لا آكل ولا أشرب حتى تحملوني إليه أنظره .
فلما ذهبوا به إلى النبي ﷺ ونظر إليه واطمأن .
قال . الحمد لله .
فقام النبي ﷺ إليه واحتضنه وهو حزين .
قال أبو بكر . ليس بي شيء يارسول الله إلا ما أصابني في وجهي .
أمة الحبيب محمد ﷺ :
كان النبي ﷺ يتعرض لإيذاء نفسي وبدني شديد يوميآ وبصفة مستمرة من جيرانه وفي الطريق وفي السوق وعند الكعبة حتى نعرف أن ضريبة الحق باهظة الثمن .
قال تعالى .
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
جاء الأمر بالصبر بعد الثبات على الحق .
وطالما أنك على الحق فلابد أن تبتلى وعليك بالصبر .
ولما رأى النبي ﷺ أن الأمور تفاقمت وتربة مكة لم تعد صالحة لرمي بذور الدعوة فيها أراد أن يدعوا إلى الله في مكان آخر .
فقرر الذهاب إلى الطائف.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.......
يتبع بإذن الله تعالى......
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والخمسون
رحلة الطائف ..
نحن الآن في السنة العاشرة للبعثة وقد توفي أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها .
فسمي ذلك العام بعام الحزن .
وقد اشتد ايذاء قريش للنبي ﷺ ولم تعد مكة صالحة للدعوة إلى الله تعالى .
فقرر النبي ﷺ التوجة بالدعوة إلى الطائف .
لماذا الطائف .
هي المدينة الثانية في الجزيرة العرببة .
وتعتبر مركز تجاري وبها كثافة سكانية .
ولها مكانة في قلوب العرب .
وقبيلة ثقيف التي تحكم الطائف تعد ثاني أكبر قبيلة بعد قريش .
فإذا آمنت تستطيع الوقوف في وجه قريش .
ولذلك كان اختيار الطائف منه ﷺ .
الطائف تبعد عن مكة 120 كيلو متر تقريبا وكانت تعتبر مصيفآ لمكة وما حولها .
ولذلك كان بها بساتين لسادة قريش وزعمائها إذا اشتد الحر يخرج أهل مكة إليها لأن جوها يشبه جو فلسطين والشام معتدل في الحر .
قال تعالى .
وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
القريتين هما الطائف ومكة .
خرج ﷺ ليلآ متخفيآ مشيآ على الأقدام لأنه لايريد أن يعرف أحد من قريش بخروجه درءآ للشماتة إن لم تنجح محاولته ﷺ .
وقد إصطحب ﷺ معه زيد بن حارثة رضي الله عنه .
ولما دخل الطائف توجه إلى سادة القوم "العادة عند العرب" وهم ثلاثة إخوة من ثقيف وهم :
اكبرهم اسمه عبدياليل .
الثاني اسمه مسعود .
الثالث اسمه نعيم .
وكانوا يعرفون بدعوة الرسول ﷺ .
جلس النبي ﷺ إليهم ولكنهم لم يقوموا بواجب الضيافة له ولم يكن لديهم حسن استقبال له .
ومع ذلك عرض عليهم ﷺ الدخول في دين الله تعالى .
فماذا كان ردهم؟؟
عبد ياليل قال :
ألم يرى الله غيرك أنت يا محمد يبعثك إلى العالمين .
لولا أنزل على رجل من القريتين عظيم .
مسعود قال :
لإن كان الله أرسلك رسولآ لأمزقن ثياب الكعبة .
نعيم قال :
أنا لو أعلم أنك رسولا من الله . لا أكلمك أبدآ .
لانك لو كنت كما تزعم فأنت أعظم من أن أكذبك .
وإن لم تكن كما تزعم فأنت أهون من أن أرد عليك .
فقام ﷺ وقال أما وقد قلتم ما قلتم فإن لي عندكم كضيافة .
قالوا وما هو :
قال . لا تخبروا قريش أني جئت إليكم .
"لأن قريش لو علمت بذهاب محمد إلى الطائف ستزيد عداوتها وهو عند العرب استقواء بالغير"
قالوا : لا واللات لنرسلن إليهم الآن وأنت عندنا .
قم يافلان إذهب لقريش ويخبرهم بأن محمد يستنصر بثقيف عليكم .
خرج ﷺ من عندهم وقد يئس من أهل الطائف أيضآ .
فلما خرج نادوا سفهائهم وأطفالهم وأخذوا يرشقونه بالحجارة حتى أدمت رجليه وأخذ الدم يسيل من رجليه ﷺ ووقف زيد رضي الله عنه يبعد الحجارة حتى شج رأسه .
وفرا هاربين مسافة حتى خرجا من الطائف .
فوجد ﷺ بستانآ وكان هذا البستان لإبنا ربيعة عتبة وشيبة .
جلس ﷺ يستريح تحت ظل شجرة وأخذ يمسح الدماء ثم توجه إلى الله سبحانه .
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس .
يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي .
إلى من تكلني .
إلى بعيد يتهجمني . أم إلى عدو ملكته أمري .
إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي .
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك .
لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك .
خرج هذا الدعاء من أفضل خلق الله فضجت ملائكة الأرض والسماء كلهم .
كيف يحصل هذا بخير رجل وخير مخلوق في السماء والأرض .
ولكن الله سبحانه وتعالى سميع بصير يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء .
فأمر سبحانه جبريل عليه السلام أن يهبط وإذا بغمامة تهبط من السماء وتظله ﷺ .
نظر إلى الغمامة وإذ عليها جبريل ومعه رجل آخر
قال رسول الله ﷺ لا اعرفه .
اقترب جبريل عليه السلام من النبي وسلم عليه .
وقال . يا محمد . هذا أخي ملك الجبال؟؟
أرسله الله إليك ليطيعك فيما تأمره . فأمره بما تريد .
تقدم ملك الجبال وقال . السلام عليك أيها النبي. صل الله عليه وسلم
إن الله أمرني أن أطيعك فيما تأمرني .
إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. (جبلين عظيمين)
وإن شئت دمدمت عليهم فلا ترى بعد ذلك منهم عدو .
صلى الله وسلم عليك يارسول الله يارحمة للعالمين .
دماؤه تنزف ودموعه على لحيته وما أفاق من الصدمة بعد .
هذا رسول الله وقد أعطاه الله الحكم الآن وهو مظلوم وملك الجبال تحت أمره وطاعته .
كلمة واحدة من رسول الله ﷺ وتنتهي قريش والطائف إن أراد .
وقف ﷺ وضم إلى صدره ملك الجبال .
وقال . لا يا أخي . لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله .
نظر جبريل إليه ﷺ وقال : صدق من سماك رؤوف رحيم .
قال تعالى .
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)
سورة التوبة .
عتبة وشيبة كانوا في البستان وقد علموا بما فعل به أهل الطائف ورأوا الدماء تسيل من رجليه ﷺ والتعب باد عليه .
دخل العطف لقلبهم وتعاطفوا معه لأنه من صلة رحم بهم فهو من بني هاشم وهم من بني عبد شمس .
شعر شيبة وربيعة بالعطف على رسول الله ﷺ وكان عندهم غلام نصراني اسمه "عداس" فأرسلوه بطبق من العنب وماء بارد إلى النبي ﷺ .
قالوا له : اذهب بهذا الطبق والماء إلى ذلك الرجل لعله يأكل .
رسول الله ﷺ لم يقدم له أهل الطائف أي ضيافه والطريق طويل .
أقبل عداس ووضع الطعام وجلس بين يدي النبي ﷺ وقال :
أيها الرجل : أرسل إليك سيدي بهذا الطبق تفضل وكل منه .
مد رسول الله ﷺ يده وقال : بسم الله الرحمن الرحيم .
تعجب عداس وقال : من أنت أيها الرجل وماذا تقول .
والله هذه الكلمة لا يعرفها أهل هذه البلاد .
ابتسم رسول الله ﷺ وقال : ما اسمك ومن أين أنت .
قال : أنا عداس رجل نصراني من نينوى .
ابتسم ﷺ وقال : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى .
قال عداس بدهشة .
وما أدراك من يونس بن متى .
والله لقد خرجت منها منذ سنين وما فيها 10 رجال يعرفون يونس بن متى؟
فما علمك به وأنت في بلد الأميين .
"جميع الأنبياء عليهم السلام كان الله تعالى يرسلهم في بني اسرائيل ولم يبعث في هذا البلد أي نبي قبل رسول الله ﷺ وكانوا يعبدون الأصنام "
قال ﷺ وهو يبتسم : ذاك أخي وهو نبي . وأنا نبي مثله .
وذكر لعداس خبر يونس عليه السلام وما وقع له مع قومه .
لما سمع عداس كلام النبي ﷺ .
قال . أشهد أنك رسول الله المنتظر خاتم الأنبياء وهب يقبل رأسه ويديه وقدميه .
من بعيد شيبة وربيعة ينظران عداس وهو يقبل النبي ﷺ .
قال شيبة لأخية . أما غلامنا فقد أفسده محمد .
ولما رجع عداس إليهم قالوا له: ويحك أرسلناك تطعم الرجل وتسقيه .
قمت تقبل رأسه وقدميه .
ما الذي دهاك؟؟
قال : والله يا سيدي ما على وجه الأرض كلها رجل خير من هذا الرجل .
إنه خير خلق الله .
قالوا له : ويحك سحرك محمد . دينك خير من دينه فلا تسمع له .
قال عداس : لا لقد هداني . إنه نبي ..
قالوا : وما أدراك .
قال . أخبرني بأمر لايعلمه إلا نبي .
لقد أخبرني بيونس بن متى نبي بلادنا مع قومه .
وقرأ علي ما أنزل عليه وهو موافق لما نعلمه نحن أهل الكتاب .
وهذا لايعرفه إلا نبي .
وأسلم عداس .
نتقدم قليلا في السيرة
في معركة بدر كان شيبة وربيعة في صف المشركين من قريش .
وقبل المعركة كانوا يستعدون للخروج للمعركة .
قالوا لعداس . أخرج معنا .
قال عداس . إلى أين .
قالوا . للحرب .
قال عداس . حرب من .
قالوا . حرب محمد .
قال عداس . اتريدان حرب ذلك الرجل الذي جلس تحت الشجرة بالبستان وقدمنا له الطعام واسلمت على يديه .
قالوا . أجل هو .
قال عداس . والله الذي لا إله إلا هو : أن هذا الرجل لا تقف في وجهه الجبال كلها لو اجتمعت .
انصحكم لا تخرجوا وتقاتلوه .
لم يسمعوا له .
وكانو أول قتيلين في المعركة.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٦/٣/٢٠٢١ ١٠:٢٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والخمسون
الإسراء و المعراج / الجزء الأول ..
دخل رسول الله ﷺ مكة بجوار المطعم بن عدي ولم يلقى أي استجابة من الطائف .
في هذه الأوقات الصعبة نام رسول الله ﷺ في بيته فجاءت رحلة الإسراء والمعراج .
وكأنها جاءت لمواساة الرسول ﷺ بعد مالاقاه من قريش ورحلة الطائف .
_ وكأن الله سبحانه يقول له ﷺ إذا كان هذا ماتلقاه يارسول الله فتعال وانظر مكانتك عند أهل السماء _
قال تعالى .
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
تبدأ الآية الكريمة بقوله تعالى .
سبحان . تنزيه الله تعالى عن النقص والعجز .
الَّذِي أَسْرَىٰ . يعني أنه أمر حقيقي وليس منامآ كما يدعي بعض المنافقين .
بِعَبْدِهِ . العبد هو الشخص جسدآ و روحآ .
ولو كان الأمر منامآ كما يظن البعض لما ضجت قريش وجن جنونها لأنها تعلم صدق النبي ﷺ .
ففي الليلة السابعة من عودته ﷺ من رحلة الطائف كان ﷺ نائما في بيت أم هاني.
وبعض الروايات تقول أنه ﷺ كان في حجر الكعبة .
والبعض الآخر أنه كان ﷺ في بيته ..
ولكن أغلب الروايات وأصحها تقول انه كان في ببت أم هاني رضي الله عنها .
المهم جوهر الموضوع ونتائجة .
جاء جبريل عليه السلام وناداه ﷺ يامحمد .
فأيقظه وقال له : يا محمد استعد للقاء الله سبحانه وتعالى .
كيف يذهب رسول الله ﷺ إلى لقاء الله تعالى .
عندما نذكر الإسراء والمعراج فالكل يعتقد أن البراق نقل رسول الله ﷺ إلى لقاء الله، تعالى، سبحانه وهو تعالى منزه عن الزمان والمكان .
فكل ما خطر ببالنا فالله سبحانه خير من ذلك .
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
ولكن كل هذه الحركة هي كرامة للنبي ﷺ المخلوق البشري ليبين لجميع خلقة كرامة هذا النبي ..
حتى أهل السماء جميعهم مفتقرين إليه تعالى متشوقون لقربه احتاروا في عظمته سبحانه والأبواب دونه تعالى مغلقة إلا على من اختاره الله واصطفاه من خلقه سبحانه .
أنى نظر أحدهم وجد اسم الله سبحانه مقرونآ باسمه ﷺ لا إله إلا الله محمد رسول الله .
قال تعالى .
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
وقال تعالى .
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَائكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِي یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا (56)
سورة الأحزاب .
حتى الملائكة عليهم السلام مأمورون باتباعه ﷺ قبل خلقه .
قال تعالى .
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81)
سورة آل عمران .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والخمسون
الإسراء والمعراج / الجزء الثاني ..
ما أجملها من رسالة من الله سبحانه وتعالى لحبيبه محمد ﷺ أعز خلقه وأقربهم إليه.
فإذا كانت الطائف وقريش أغلقت دونه الأبواب . فها هو الله جل جلاله يفتح لك أبواب السموات السبع .
وإن لم يكونوا أعطوك نصرآ من لديهم ويحسنوا ضيافتك فالله سبحانه يعطيك نصرآ هذه الليلة .
وإذا كان أهل الطائف وقريش لم يؤمنوا بك ويتبعوك فها هي ملائكة السموات والأنبياء والمرسلين يصلون خلفك هذه الليلة .
الإسراء والمعراج دعوة تكريم منه جل جلاله لنبيه ﷺ أشرف الخلق كلهم .
قام ﷺ واغتسل ثم طلب منه جبريل أن يعتم بعمامة سوداء .
فلبس ﷺ عمامة سوداء لها ذؤابتان " ذؤابة طرف العمامة يرخيها على كتفيه وقد لبسها ﷺ يوم فتح مكة"
ثم مشى مع جبريل عليه السلام فطاف بالبيت سبعآ ثم صلى ركعتين .
فقدم له جبريل عليه السلام دابة اسمها البراق .
"يقول ﷺ أكبر من الحمار و أصغر من الفرس لونه أبيض"
فاقترب منه ﷺ فأصبح يتفلت "مثل الدابة الرافضة أن يركبها أحد"
فقال له جبريل : أتصنع هذا بمحمد صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ماركبك أحد أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا يعني أن البراق مركوب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودليل ذلك أيضآ أنه ﷺ عندما وصل بيت المقدس قال . ربطت البراق في الحلقة التي كانت تربط بها الانبياء .
وجبريل يؤكد أيضآ أن الأنبياء ركبوا البراق بقوله : ماركبك أحد أفضل من محمد. صل الله عليه وسلم.
فلما قال جبريل عليه السلام هذا للبراق انصب عرقآ خجلآ منه ﷺ .
يقول ﷺ واصفا البراق لأصحابه رضي الله عنهم.
إن له بين يديه وفخذيه جناحان يطير بهما .
سرعته يضع حافره عند منتهى طرفه .
ركب ﷺ البراق ثم ارتقى به في السماء بعد منتصف الليل .
الدليل أنه تعالى يقول .
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
تقول العرب ( أسرى ليلاً ) إذا سافر الرجل ليلاً قبل طلوع الفجر .
وتقول العرب ( أدلج ) إذا سافر مساءآ أول عتمة الليل .
حتى إذا كان في سماء المدينة المنورة أمر جبريل عليه السلام البراق أن يهبط .
فهبط ونزل إلى الأرض .
هبط البراق في موضع المسجد النبوي الآن .
فقال جبريل : صلي هنا يا محمد .
فصلى النبي ﷺ ركعتين .
فكان موضع قبره الشريف الآن .
وقال له جبريل : سيكون لك مسجد هنا يا محمد .
وهذه بشرى للنبي ﷺ بالخروج من مأذق مكة والعزة التي ستكون له ﷺ ولدعوتة إلى الإسلام .
لماذا سمي بالمسجد الأقصى .
سمي بالمسجد الأقصى لأنه بعيد نسبيآ عن البيت الحرام .
والمسجد النبوي يقال له الأدنى لأنه الأقرب للبيت الحرام .
ثم انطلق البراق بالنبي ﷺ وسرى به حتى جاء بيت المقدس .
الوقت ليلآ والإنارة معدومة وهو ﷺ لا يعرف أين أتى ولا أين دخل ودليله ﷺ جبريل عليه السلام .
هبط البراق عند الصخرة فقال له جبريل إربط هنا وأشار له إلى تجويف في الصخرة لربط البراق .
ثم دخل ﷺ بيت المقدس فصلى ركعتين .
الروايات متعددة .
منها ما تقول بأنه ﷺ صلى بالأنبياء ومن ثم عرج إلى السماء .
ومنها ما تقول بأنه صلى لوحدة وعندما عاد صلى بالأنبياء .
عند عروجه ﷺ إلى السموات كان جبريل عليه السلام في كل سماء يستفتح ثم يعرفه جبريل على كل نبي من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
ثم قدم جبريل للنبي ﷺ الضياف وكانت عبارة عن كأسين .
كأس فيها لبن.
وكأس فيها خمر من خمر الجنة لاتذهب بالعقل .
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا (17)
فاختار ﷺ كأس اللبن .
فقال له جبريل عليه السلام : هديت إلى الفطرة وقد أخذتها لامتك.
عرج النبي ﷺ ولما وصل السماء الدنيا استأذن جبريل .
استأذن لايعني أن يطرق الباب فيفتح .
استأذن لأن السماء محروسة بالملائكة عليهم السلام ولايدخلها أحد إلا بإذن .
استأذن جبريل فقيل له من معك .
فقال محمد .
قيل له : وقد أرسل إليه .
قال . نعم .
قالوا : مرحبا به ونعم المجيء جاء .
ففتح له .
يقول ﷺ فوجدت في السماء الأولى رجل ينظر عن يمينه فيرى سواد عظيم .
يعني ناس كثير كثير .
فيضحك .
وينظر عن يساره فيرى سواد عظيم فيبكي .
قلت ما هذا ياجبريل .
فقال : هذا أبوك آدم ينظر إلى أبنائه من أهل الجنة فيضحك فرحا لهم .
وينظر إلى أبنائه من أهل النار فيبكي حزنا عليهم .
فسلم ﷺ على أبينا آدم عليه السلام .
فقال له . أهلا بالإبن الصالح والنبي الصالح والأخ الصالح .
وفي السماء الثانية . عيسى ويحيى عليهم السلام .
وفي السماء الثالثة . يوسف عليه السلام .
وفي السماء الرابعة . إدريس عليه السلام .
وفي السماء الخامسة . هارون عليه السلام .
وفي السماء السادسة . موسى عليه السلام .
وفي السماء السابعة . ابراهيم عليه السلام .
وقد رآه النبي ﷺ جالسآ ومسندآ ظهره إلى البيت المعمور وهو ( الكعبة) لأهل السموات يتعبدون إليه في السماء وموجود فوق الكعبة المشرفة مباشرة وفوقه العرش مباشرة .
وبعد أن يسلم إبراهيم عليه ﷺ بعث إلينا أمة محمد ﷺ برسالة :
أقريء أمتك مني السلام .
قل لهم . إن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وإن غراسها . سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
وهكذا التقى سيدنا محمد ﷺ بجميع الأنبياء عليهم السلام في السموات إلى أن ارتقى فوق السموات السبع ووصل إلى سدرة المنتهى .
فإذا بجبريل عليه السلام يأخذ هيئته الملائكية .
قال تعالى .
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
سورة النجم .
وهذه المرة الثانية التي يرى فيها رسول الله ﷺ جبريل عليه السلام بصورته الملائكية عليهم السلام.
وقد كانت المرة الأولى عند نزول الوحي وبعد فترة الإنقطاع رآه وقد سد الأفق عليه السلام فارتعد وارتجف وجثا على ركبتيه من هيئته وشكله لجبريل عليه السلام .
فإذا بجبريل وله ستمائة جناح .
وإذا نشر جناحين من أجنحته غطى الكون من مشرقه إلى مغربه .
عندما رفع جبريل عليه السلام قوم سيدنا لوط وقد قيل إنها :كانت سبعة قرى رفعهم بطرف جناحه حتى أن ملائكة السماء سمعت صراخهم .
اجتثهم من تحت الأرض ورفعهم ثم جعل عاليها سافلها وهوى بهم إلى الأرض .
رأى سيدنا رسول الله ﷺ جبريل عليه السلام على شكله الملائكي فلما وصل إلى مكان معين وقف وثبت في مكانه .
نظر رسول الله ﷺ إليه .
فقال جبريل عليه السلام . تقدم يا محمد .
قال ﷺ . ها هنا يا جبريل يترك الخليل خليلة .
قال جبريل عليه السلام : هذا المقام لا ينبغي لغيرك .
وقف ﷺ متحيرا وقال : لا ينبغي لغيري .
طمأنه جبريل عليه السلام .
وقال . والذي أرسلك .
ونفسي ونفسك بيده .
لو تقدمت معك بعد الآن قيد أنملة لاحترقت .
جبريل عليه السلام يقول عن نفسه لاحترقت.
يا محمد لكل منا مقام معلوم . وهذا المقام لا ينبغي إلا لك تقدم : تقدم يا محمد .
يقول ﷺ تقدمت فسمعت صوت ينادي مرحبآ يا محمد .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-26-2022, 08:17 AM
سيرةالحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السادسة و الخمسون
الإسراء و المعراج / الجزء الثالث .
فرض الصلاة .
يقول ﷺ ثم دعيت ادنو يا محمد . فدنوت فكلمني ربي بلا واسطة .
ماجرى من كلام لم يصفه ﷺ ولكن نتيجته أن الله عز وجل فرض فيه الصلاة
جاء في صحيح البخاري رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى فرض الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة .
فلما هبط ﷺ هبط معه إبراهيم عليه السلام إلى السماء السادسة وفيها موسى عليه السلام .
فسأل موسى النبي ﷺ . ماذا فرض ربك عليك وعلى أمتك .
قال ﷺ . خمسين صلاة في اليوم والليلة .
قال موسى عليه السلام . أمتك لا تطيق وإني جربت بني اسرائيل من قبل .
فارجع إلى ربك واسأله التخفيف .
"ارجع إلى ربك ليس معناه أن تصعد إلى السماء السابعة وبعدها إلى سدرة المنتهى .
إنما معناه : أدعوا الله وناجه أن يخفف"
فناجى ﷺ الله سبحانه فأوحى الله إليه أن حططت عنك عشرة .
فقال ﷺ : لموسى عليه السلام . قد حط ربي عني عشرة .
قال موسى عليه السلام . أمتك لا تطيق اسأله التخفيف .
فمازال ﷺ يسأل الله التخفيف حتى أصبحت عشرة .
فقال موسى للنبي ﷺ . أمتك لا تطيق اسأله التخفيف .
فرجع ﷺ يدعوا الله ويناجيه التخفيف فأوحى الله سبحانه أن خففت عنك خمسة .
فأدرك ﷺ : بأدبه وفهمه عن الله سبحانه أن الله تعالى يريد أن تبقى خمسة فإذا سأله التخفيف فماذا يسقط بعد .
فقال لموسى عليه السلام قد أسقط الله عني خمس وبقي خمس .
قال موسى عليه السلام . أمتك لا تطيق اسأله التخفيف .
قال ﷺ . لقد استحييت يا أخي من ربي ولقد راجعته كثيرآ .
رضيت بما فرض علي ربي .
فإذا بالنداء من الله الحق .
قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي . هي بالفعل خمسة وبالأجر خمسين .
قيمة الصلاة فرضها الله سبحانه وتعالى في السماء لشدة أهميتها
( من حافظ عليها كانت له نورآ وبرهان ونجاة يوم القيامة)
( إن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل)
ما معنى إمامة النبي ﷺ بالأنبياء عليهم السلام .
أولآ . تشريف للنبي وتقديم له ﷺ على باقي الأنبياء جميعآ .
ثانيآ . إعلان بأن الدين عند الله واحد .
فدين جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام هو الإسلام.
قال تعالى .
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)
سورة آل عمران .
كانت صلاة الركعتين إشارة ورسالة من الله سبحانه إلى البشرية جمعاء بأن الدين واحد وهو الاسلام .
قال تعالى .
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)
سورة آل عمران .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى......
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة و الخمسون
المسجد الأقصى ..
أخذ جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وقدم إليه البراق فركبه ﷺ وعاد به إلى المسجد الحرام قبل طلوع الفجر .
لماذا يسرى بالنبي ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم يعرج به إلى السماء .
لماذا لم يعرج به ﷺ إلى السماء من المسجد الحرام مباشرة .
لنعرف أن حادثة الإسراء تقول لنا أيها الامة: بكم تختم الأمم ياخير أمة أخرجت للناس .
وبما أنكم بكم يختم العالم فالجولة الأخيرة ستكون بينكم وبين المغضوب عليهم اليهود .
أليس الصراع الآن على بيت المقدس .
هل هو للمسلمين أم لليهود .
عندما ذكر الله تعالى .
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)
هل رأيتم سر الله تعالى في ذلك .
عندما ذكر الله تعالى الإسراء عطف الحديث مباشرة على موسى عليه السلام وبني اسرائيل .
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
هنا السر : صراع طويل سيكون بين خير الأمم والمغضوب عليهم من الأمم .
وللباطل جولات و جولات ولكن في الجولة الأخيرة متى شاء الله أن تكون ستكون عليهم ضربة واحدة تنسفهم وتبيدهم .
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
سورة الانبياء .
المسجد الاقصى : حق لكل المسلمين في كل بقاع العالم وليس للفلسطينيين أو العرب فقط .
ولذلك سنذكر بعضآ من فضائله ليعلمها الصغير والكبير من المسلمين .
المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني بعد المسجد الحرام .
وسمي بالأقصى لأنه بعيد نسبيآ عن المسجد الحرام .
وبتسميته بالأقصى تكون بشارة بأنه سيكون مسجد أدنى "أقرب" بين المسجدين وهو المسجد النبوي في المدينة المنورة .
لماذا سميت القدس .
لأن الأرض حولها مباركة . والمبارك مقدس .
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ....
بيت المقدس .
أي بيت الأنبياء عليهم السلام
فأكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا حول بيت المقدس وفيه دفنوا .
بيت المقدس وما بورك حوله يشمل بلاد الشام كلها .
مدينة السلام .
لأن الله سبحانه جعل فيها الانبياء عليهم السلام .
والسلام عليهم هابط وصاعد من الملائكة ليل نهار .
قبلة الأنبياء .
جميع الأنبياء عليهم السلام كانت قبلتهم المسجد الاقصى .
وحتى النبي ﷺ كان يتوجه إليه مدة ستة عشر شهرآ قبل تحويل القبلة بنص قرآني صريح .
أرض المحشر .
الأرض المباركة يوم القيامة ستكون هي أرض المحشر بعد أن يخرج الناس من الأجداث .
ثالث مسجد تشد اليه الرحال .
قال ﷺ .
لاتشد الرحال إلا لثلاث المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى .
مضاعفة أجر الصلاة فيه .
صلاة الفريضة بأي مسجد أجرها بسبع وعشرون درجة.
وفي المسجد الاقصى بخمسمائة صلاة .
وفي المسجد الحرام ب ١٠٠ ألف صلاة ..
والمسجد النبوي الشريف ب ألف صلاة.
موطن الحق .
بروايات مختلفة وإنما لموضوع واحد ...
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال :
وعن قرة بن إياس المزني رضي الله عنه قال :
وعن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله ﷺ : قال ﷺ .
إذا فسد أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم . و لا تزالُ طائفةٌ من أُمَّتي منصورين لا يضرُّهم من خذَلهم حتى تقومَ الساعةُ .
📗 أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان .
بشارة النصر للمؤمنين على اليهود .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثامنة والخمسون
استقبال قريش خبر الإسراء والمعراج ..
رجع النبي ﷺ إلى بيت أم هانيء. رضي الله عنها.
فقالت له أم هانيء : فقدتك بالليل ولم أجدك أين كنت .
"افتقدته ليلا لأنها كانت تخاف عليه من قريش"
قال ﷺ : يا أم هانيء .
لقد أسري بي الليلة إلى بيت المقدس وعرج بي إلى السماء . واجتمعت بالأنبياء جميعهم .
وقد فرض الله على وعلى أمتي خمس صلوات في اليوم والليلة . وها أنا قد عدت إليكم .
فأمسكت به أم هانيء رغبة ورهبة.
"رغبة . فرحة بالبشرى ..
ورهبة خوفآ من تكذيب قريش له ﷺ فإن العقل لا يصدق ذلك"
قالت : بأبي أنت وأمي . أتحدث قومك بهذا .
قال ﷺ . نعم .
قالت : لا تفعل فإنهم مكذبوك .
قال ﷺ . والله محدثهم ولو يكذبون .
وهذا درس بليغ لجميع الدعاة بأن يبلغوا الدعوة : إن صدق الناس أو لم يصدقوا
جلس ﷺ في داره حتى أشرقت الشمس ثم خرج إلى الكعبة فطاف سبعآ .
وجلس ﷺ في حجر الكعبة وكان مسرورآ من تكريم الله سبحانه وتعالى له .
كان أول من التقى به النبي ﷺ فرعون هذه الأمة أبوجهل .
قال أبو جهل : ها يا محمد .
هل من جديد؟؟
قال ﷺ نعم . لقد أسري بي إلى بيت المقدس واجتمعت بالأنبياء وصليت بهم .
قال أبوجهل : الليلة .
قال ﷺ أجل .
قال أبوجهل : وعدت إلينا قبل أن يطلع النهار .
قال ﷺ نعم .
ذهل أبوجهل وخاف إن فارق النبي صلى الله عليه وسلم.
كي يحدث الناس بما يقول ﷺ أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عن أقواله فيكذب أبوجهل .
فلم يحرك قدميه وبقي في مكانه .
قال أبو جهل : أتحدث القوم بما حدثتني .
قال ﷺ نعم .
فصاح أبو جهل . يا آل بني لؤي . يا آل بني فهر . يا آل بني كعب .
نادى كل قريش .
هرع الناس وبدأوا يجتمعوا وقالوا : ويحك ماذا بك يا أبا الحكم .
قال أبوجهل : اسمعوا الى محمد ماذا يقول .
فحدثهم النبي ﷺ بما قال لأبو جهل من الإسراء ولم يذكر المعراج بعد .
قال ﷺ . جاءني جبريل هذه الليلة وقدم لي دابة أكبر من الحمار ودون الفرس يقال لها البراق فأتيت بيت المقدس .
قاطعه القوم وقالوا وعدت إلى مكة قبل أن يطلع النهار .
قال ﷺ نعم .
يقول بعض الصحابة وكانوا واقفين :
فراع قريش الخبر فهم بين مصفر ومصفق وواضع يده على رأسه .
أسرع أبوجهل يبحث عن أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليخبره بما يقول صاحبه حتى لقيه .
قال أبوجهل : يا أبو بكر : أبلغك ما يقول صاحبك اليوم .
قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه ماذا يقول .
قال أبو جهل : يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة ورجع في جزء من الليل قبل أن يطلع النهار .
أنظروا إلى تصرف وفطنة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
وأبوجهل أكثر من فاسق .
هو كافر جاء بخبر لايقبله العقل .
أراد أبوبكر أن يستوثق من الكلام .
قال أبوبكر . أحدثك رسول الله بهذا .
قال أبو جهل . نعم .
وهو الآن عند قومك يحدثهم هذا الحديث .
قال أبو بكر . إن كان رسول الله قد قاله فقد صدق .
فإني أصدقه في أكبر من هذا .
أصدقه في خبر السماء يأتي في غدوه أو رواحه .
وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومضى إلى الكعبة حيث رسول الله ﷺ والناس مجتمعة حوله .
فاخترق الجموع متقدمآ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد اصبحت المسألة عنده يقين .
تقدم ولم يسأل ولم يستفسر وصافح النبي ﷺ وأخذ برأسه وقبله وصاح بالناس .
هنيئآ لك رحلتك المباركة يا رسول الله .
من أجل هذا . رسول الله ﷺ اسماه الصديق رضي الله تعالى عنه .
قال المطعم بن عدي :
يا ابن أخي . كل أمرك كان قبل اليوم أممه .
"أي أن الامر كان ضمن المنطق"
فكيف بك تأتي بيت المقدس في ليلة .
ونحن نضرب بطون الإبل صعودآ في شهر ورواح في شهر .
قال أبو جهل . أمصر على كلامك يا محمد .
قال ﷺ نعم .
قال القوم : نحن نعلم أنك لم تأتي بيت المقدس في حياتك ولا مرة .
فإن كنت جئته فصفه لنا .
قال ﷺ فكربت كربة لم أكرب مثلها من قبل .
لقد أسري به ﷺ ليلآ وعلى البراق ثم عرج به إلى السماء ودهش بالأنوار .
فهل تفرغ أن يحفظ كم باب لبيت المقدس وكم عمودآ للمسجد ليصفه .
فإذا بجبريل عليه السلام يقف أمامي يضرب الأرض بجناحة فاستوت . ثم قرب إلي بيت المقدس . حتى أن بيت المقدس عند بيت أبي عقيل بن أبي طالب .
"كان بيت أبي عقيل بعد الصفا قليلآ"
قال ﷺ فأخذت أنظر إليه وجبريل يدوره وأنا أصفه لهم باب باب . سارية سارية وحتى عمدان المسجد .
يقول الصحابة رضي الله عنهم : كانت الناس تقول عند كل وصف . اللهم صدق .
فلما انتهى من الوصف .
قال أبوجهل : أما الوصف فنعم .
لكن يا محمد إن لنا قافلة قادمة من الشام هل مررت بها .
أخبرنا عن قافلتنا ماشأنها . أين هي . متى تصل .
قال ﷺ . نعم مررت بها .
إن لكم قافلتان . أما القريبة عند التنعيم . والأخرى عند بئر الروحاء .
أما قافلتكم عند التنعيم يتقدمها جمل أورق . عليه غرارتان أحدهما سوداء والأخرى بيضاء .
"الأوراق الذي فيه مساحات للون والغرارتان هما كيسان على جانبي الجمل"
وعندما مررت من فوقهم جفلت الجمال من صوت البراق . فوقع لهم جمل أحمر وكسرت ساقه .
قالوا : ومتى تصل القافلة إلينا .
كان يوم الإثنين .
قال ﷺ . تصل يوم الأربعاء عند شروق الشمس .
قال أبوجهل . إذا موعدنا يوم الأربعاء عند شروق الشمس .
وانفض الناس وليس لهم حديث إلا عن الإسراء ...
وعند فجر يوم الأربعاء اجتمع الناس وأرسلوا إلى النبي ﷺ .
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ووقفوا ينتظرون .
قال أبوجهل : ها قد أشرقت الشمس يا محمد .
وصاح رجل من القوم : وهذه العير قد أقبلت والله .
فأقبلت العير مع شروق الشمس كما ذكر ﷺ .
أسرع أبوجهل ومعه بعض الرجال إلى القافلة وإذ يتقدمها جمل أورق عليه غرارتان كما وصف ﷺ .
سأل أبوجهل القافلة : هل كان بالأمس الأول من حدث .
قالوا أجل : لقد كان في الثلث الأخير من الليل قبل الفجر مر بنا ريح شديدة .
فجفلت العير ووقع منا جمل أحمر وكسرت ساقه .
نظروا إلى الجمل معصوب ومكسور ولونه أحمر .
صدق قول الرسول ووصفه ﷺ .
فماذا قال أبوجهل .
وقف أمام النبي ﷺ وقال : أشهد أنك لساحر .
الكفر عناد قاتل . قاتل الله الكفر وأهله
قال تعالى .
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ (15)
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.......
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١١/٣/٢٠٢١ ٥:٣٢ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والخمسون
تحديد أوقات الصلاة ..
في رحلة المعراج بالنبي ﷺ فرضت الصلاة وهي خمس صلوات في اليوم و الليلة .
ولكن كم ركعة كل صلاة ومتى . هذا غير معلوم للنبي ﷺ حتى الآن .
هبط جبريل عليه السلام وقال للنبي ﷺ . يامحمد قم فصلي .
قام ﷺ فتوضأ وصلى جبريل به إمامآ للتعليم .
وقال له هذا وقت صلاة الظهر أربع ركعات .
ومضى عليه السلام .
حتى إذا انحرفت الشمس قليلا وأصبح ظل الشيء مثله .
هبط جبريل عليه السلام وقال له يامحمد قم فصلي .
فصلى جبريل به إمامآ أربع ركعات .
وقال له هذا وقت صلاة العصر .
ومضى عليه السلام .
حتى إذا سقط قرص الشمس "وقت الغروب"
هبط جبريل عليه السلام وقال للنبي ﷺ يا محمد قم فصلي .
فصلى جبريل عليه السلام إمامآ بالنبي ﷺ ثلاث ركعات .
وقال له هذا وقت صلاة المغرب .
ومضى عليه السلام .
حتى إذا غاب الشفق وبدأت العتمة هبط جبريل عليه السلام وصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات .
وقال له هذا وقت صلاة العشاء .
ومضى عليه السلام .
حتى إذا كان الفجر جاءه جبريل عليه السلام وأيقظه وقال له قم فصلي .
فتوضأ ﷺ وصلى به جبريل عليه السلام ركعتي الفجر وقال له هذا وقت صلاة الفجر .
ومضى عليه السلام .
✨✨✨✨✨✨✨✨
في اليوم التالي لم يأتي جبريل عليه السلام وكان النبي ﷺ ينتظره وقت الظهر .
وقبل العصر بقليل جاء جبريل وصلى به الظهر .
كي يعلمه كم معك من الوقت لصلاة الظهر .
ثم ذهب .
حتى كادت الشمس أن تسقط قبل الغروب بقليل وقت الاصفرار .
جاءه وقال له قم فصلي .
وصلى به العصر .
ثم ذهب .
ولما غابت الشمس تمامآ جاء فصلى به المغرب . وعلمه أن وقت المغرب واحد .
ثم ذهب .
حتى مضى ثلث الليل الأول وقارب على النصف جاءه فصلى به العشاء .
ثم ذهب .
حتى إذا كان الفجر لم يأتي جبريل .
حتى أسفر الضوء وأصبح الرجل يقول للرجل أصبحت أصبحت .
ولكن قبل شروق الشمس .
"وقت الإسفاء لأن النور أسفر عن الظلمة وصار الواحد يعرف مايرى"
جاء جبريل وصلى به الصبح .
وقال جبريل عليه السلام .
يا محمد هذا وقتك ووقت أمتك . وبين الوقتين لك وقت .
فتعلم الصحابة رضي الله عنهم أوقات الصلاة دون الحاجة إلى ساعة توقيت .
أما اليوم فلا داعي لمعرفة الظل والقياس .
الوقت إذا رفع الأذان .
وما لم يأتي الأذان الثاني للصلاة . معك وقت .
"سمعت الأذان لصلاة العصر يعني انتهى وقت صلاة الظهر"
فإذا أشرقت الشمس فقد فات وقت صلاة الفجر .
وهكذا اكتملت أوقات الصلاة وموعدها وعدد ركعاتها .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ....
رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء
اللهم أعنا على ذكرك و شكرك وحسن عبادتك ووفقنا لكل خير
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
..
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الستون ٦٠
قرار الهجرة ..
بعدما أخبر النبي ﷺ قريش برحلة الإسراء وطلبوا منه وصف المسجد الأقصى .
وجاء وصفه ﷺ مطابقا لبيت المقدس .
وطلبوا منه أن يخبرهم عن قافلتهم إلى الشام .
فوافق وصفه ﷺ عن القافلة كل الوصف .
فما كان من فرعون هذه الأمة وممثل قريش إلا أن قال . أشهد أنك ساحر يا محمد .
بنظرة عامة إلى الوضع الآن في مكة .
فقد كان ﷺ كل يوم يقاسي من قريش الإستهزاء بدعوته والاذى في الطريق وفي السوق وعند الكعبة المشرفة وحصار المسلمين لثلاثة أعوام متتالية .
وفي العام العاشر للبعثة وقد اطلق عليه عام الحزن .
فيه مات عمه أبوطالب الذي كان يحميه من قريش .
وفيه توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان يأوي إليها فتواسيه .
فاشتد أذى قريش على النبي ﷺ حتى أنه قال :
ما نالت قريش شيئآ أكرهه حتى مات أبو طالب .
في هذا الوقت بدأ ﷺ يفكر بالهجرة من مكة .
يجب أن يترك مكة هو والمسلمون ويلجأوا إلى مدينة أخرى تكون نواة للدولة الإسلامية.
وقد أصبح الوضع لايطاق ولا أحد من أهل مكة يريد أن يدخل في الإسلام .
ومن يدخل في الإسلام يكتم إيمانه خوفآ من بطش قريش .
وقد بلغ الإيذاء بالمسلمين أن قريش شوهت صورة النبي ﷺ في مكة وخارجها .
أما خارج مكة فكانت قريش تمنع النبي ﷺ من تبليغ دعوته خارج مكة .
كانت قريش كلما جاء أحد من خارج مكة تحذره وتقول له هناك رجل ساحر اسمه محمد بن عبدالله إذا سمعت كلامه يسحرك ويفرق بينك وبين قومك وبين أبيك وزوجتك .
حتى أنه جاء إلى مكة سيد من سادت قبيلة دوس اسمه عمرو بن طفيل .
فأخذوا يحذرونه من النبي ﷺ إياك أن تقترب منه أو تسمع كلامه .
حتى أنه حشى في أذنيه القطن خوفآ من أن يسمع لكلامه ﷺ فيسحره .
وانتشر هذا الأمر في الجزيرة العربية حتى أن الرجل إذا أراد السفر لمكة كان قومه يحذرونه من غلام قريش لايفتنك محمد بن عبدالله .
ضاق الأمر على النبي ﷺ .
ضاقت ولما اشتدت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لاتفرج .
عند ذلك قرر النبي ﷺ ترك مكة والهجرة منها فالوقت يمر .
عشر سنين منذ بداية الدعوة والإسلام لايتحرك أو أن الحركة بطيئة .
الرسول يريد أن يبلغ الإسلام ليس لأهل مكة فقط .
بل للناس كافة والجن أيضآ .
مهمة ليس سهلة على الإطلاق .
فقرر النبي ﷺ عرض الدعوة على رؤساء القبائل خارج مكة في موسم الحج ومواسم التجارة .
كانت كل القبائل تأتي إلى مكة في موسم الحج فكان ﷺ ينتهز هذه الفرصة في عرض الإسلام على تلك القبائل .
وكان ﷺ يذهب إلى الأسواق الموسمية حتى يلتقي بالعرب من كل أنحاء الجزيرة .
كان ﷺ يقف في السوق ويقول . من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي . فإن قريشا يمنعوني أن أبلغ رسالة ربي .
كان طلبه ﷺ واضح وهو . الإيواء والنصره حتى يبلغ كلامه .
حتى انه وقف أحد الأيام في السوق وقال أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .
منهم من تفل في وجهه .
ومنهم من حثا عليه التراب .
ومنهم من سبه وشتمه ﷺ حتى انتصف النهار .
حتى جاءت ابنته زينب رضي الله عنها ومعها ماء .
فغسل وجهه ويديه وهو ينظر إلى الدمعة الخارجة من عينيها من حزنها على أبيها .
فقال لها ﷺ : يا بنية لا تخشي على أبيك . غلبة ولا ذلة .
يصبرها ﷺ . فالأب لايتحمل دمعة ابنته ...
قدوة للأمة..... صل الله عليه وسلم فيا من تتباكون عند أول ابتلاء والبعض قد يكفر .
كان ﷺ يخرج لمقابلة القبائل في الليل سرآ أو أن يذهب إلى تلك القبائل في أماكنهم كما فعل مع الطائف .
من هذه القبائل التي ذهب إليها فبائل بني كلب وبني حنيفة وبني عامر وغيرهم .
حتى أن المفاوضات مع بني عامر كانت ستنجح وهي إحدى أكبر خمس قبائل في الجزيرة العربية .
ذهب إليهم رسول الله ﷺ وعرض عليهم الدعوة للإسلام .
فقال رجل منهم اسمه بحيرة بن فراس بعدما سمع كلام النبي ﷺ وأعجب به .
قال لقومه : والنبي جالس بينهم .
والله لو أني أخذت هذا الرجل لأكلت به العرب .
"يعني لو تكفلته لانتصرت على جميع العرب"
ثم نظر للنبي ﷺ وقال .
أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك وأظهرك الله على من خالفك . أيكون لنا الأمر من بعدك .
"لو بايعناك وأصبحت ملك من ملوك العرب العظام وانتصرت على من خالفك . توعدنا أن يكون خلفائك من بعدك"
قال ﷺ : لله الأمر فيضعه حيث يشاء .
قال بحيرة . أفنهدف نحورنا للعرب دونك "نتعرض للموت دفاعأ عنك" فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا . لاحاجة لنا بأمرك .
النبي ﷺ رفض بني عامر لأن نيتهم كانت السلطة و السيطرة على العرب وليست لوجه الله تعالى و للإسلام.
كثير من الناس يستعجلون تحقيق الهدف ويكون الأساس غير سليم فيجدوا أنفسهم لم يحققوا شيئا .
المفاوضات مع بني شيبة وهي من القبائل المحترمة التي خرج إليها رسول الله ﷺ وكان معه أبو بكر الصديق وعلي بن ابوطالب رضي الله عنهما.
يقول علي بن أبي طالب وهو راوي الحديث .
لما أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه .
حتى وصلنا إلى مجلس عليه السكينة والوقار . "لايعرفون من أي القبائل هم"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : من القوم "من أي القبائل"
قالوا من شيبان بن ثعلبة .
التفت أبو بكر إلى النبي ﷺ وقال . بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس "أي كبار القبيلة"
وكان بينهم رجل يقال له مفروق وكان يغلبهم لسانآ وجمالآ وكانت له غديرتان تسقطان على تريبتيه .
"غديرتان هما عظمتان أعلى الصدر وعندما تكون بارزتان تدلان على القوة والجمال"
فاستأذن أبو بكر بالجلوس . فأذنوا لهم.
فجلس أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجانب مفروق .
قال أبو بكر الصديق لمفروق : كم العدد فيكم .
قال مفروق : إنا لا نزيد عن الألف . ولن تغلب ألف من قلة .
"لما سأل أبو بكر كم عددكم . فهم مفروق أن سؤال أبو بكر يدل على أنهم يريدون المساعدة .
فقال نحن عددنا ألف ولكن لاتستهين بالعدد أطلب ما تريد"
فقال أبو بكر : وكم المنعة فيكم .
قال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبآ حين القتال .
وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد .
ونؤثر السلاح على اللقاح .
والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا مرة .
"أي يبلغ غضبنا شدته حين القتال ولا نرى أمامنا من الغضب .
وإن اهتمامنا بمعدات القتال أهم من أولادنا .
ونؤثر الإهتمام بسلاحنا أكثر من النوم مع نسائنا .
ومع ذلك النصر من عند الله نفوز مرة ونخسر مرة"
ثم قال مفروق : لعلك أخو قريش .
فقال أبو بكر :إن كان بلغكم أنه رسول الله ﷺ فها هو ذا : وأشار إلى النبي ﷺ .
فالتفت مفروق إلى النبي ﷺ وقال : إلى ما تدعونا يا أخا قريش .
قال ﷺ . أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله . وإلى أن تؤوني وتنصروني فإن قريشآ قد تظاهرت على الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد .
قال مفروق : وإلى ما أيضآ تدعو يا أخا قريش . فوالله ماسمعت كلامآ أحسن من هذا .
فتلا رسول الله ﷺ .
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
سورة الأنعام .
ذهل مفروق من كلام الله تعالى وقال متأثرآ : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .
ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك .
ثم نظر مفروق إلى شيخهم وقال موجهاً حديثه للنبي ﷺ .
يا أخا قريش : هذا هانيء بن قبيصة وهو شيخنا .
فقال هانيء : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش :
وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول له ولا آخر لذل في الرأي .
"يعني أنا سمعت كلامك بس من جلسة واحدة لا ينفع أخذ القرار فيه"
وإنه لقلة نظر في العاقبة أن الزلة مع العجلة .
ولكن نرجع وترجع .
وننظر
ثم نظر هانيء إلى رجل آخر يجلس معهم "يعني شاركنا الحديث"
اسمه . المثنى بن حارثة .
قال المثنى "وقد أسلم لاحقآ" قد سمعت مقالتك يا أخا قريش .
والجواب فيه جواب هانيء بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك .
"يعني هانيء قال الصواب"
وإنا إنما نزلنا بين صريين أحدهما اليمامة والأخرى الشمامة .
فقال رسول الله ﷺ . وما هما الصريان .
قال المثنى . أنهار كسرى . ومياه العرب .
"يعني نحن عايشين بين نارين بين كسرى والعرب منطقة حدودية"
فأما ماكان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول .
وإنا إنما على عهد أخذه علينا كسرى أن لانحدث حدثآ ولا نؤوي محدثآ .
"يعني قومنا عايشين بعضهم بأراضي كسرى وبعضهم بأراضي العرب مثلما نقول على الحدود . وكسرى مايرحم.... وعاهدناه أن لانؤوي أحد يوجع رأسنا ورأسه"
وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك .
"يعني إذا سمع فيك وبدينك ما يعجبه . أنت تدعوا إلى كلكم من آدم و آدم من تراب . وكلنا سواسية .
والملوك لا يعجبهم إلا السيد سيد و الخادم خادم"
فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا .
قال رسول الله ﷺ وقد أعجب بكلامهم .
ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق .
وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه .
ثم بشرهم النبي ﷺ . فقال أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم و يفرشكم نساءهم تسبحون الله وتقدسون .
قالوا . اللهم فلك ذلك .
وقد كان ذلك بعد معارك مع الفرس وانتصر بها المسلمون جميعآ .
كان موقف بني شيبان فيه وضوح وتعظيم للنبي ﷺ وقد عرضوا عليه حماية جزئية ...
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-27-2022, 10:22 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والستون
بيعة العقبة الأولى ...
علم أن بعد كل هذه السنين وهو بينهم يدعوهم إلى الله لا أمل فيهم .
وأخذ ﷺ يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وأبو لهب عمه يمشي وراءه يكذبه .
فتنفر الناس منه .
يقولون عمه يقول عنه هذا
فلا داعي كي نسمع ما يقول .
حتى إلتقى ﷺ بنفر من الرجال الذين لم يصغوا إلى أبي لهب ووقفوا يستمعون إلى النبي ﷺ .
قال لهم ﷺ : ممن القوم .
قالوا : من يثرب "المدينة المنورة كان إسمها يثرب"
فقال ﷺ : من الأوس أم من الخزرج ؟؟
قالوا : من الأوس .
فقال لهم ﷺ هل تجلسوا أكلمكم ؟
قالوا : بلى يا إبن سيد قومه "هم يعلمون أنه إبن عبد المطلب"
فجلسوا إليه وكان عددهم سبعة .
1_ أميرهم أسعد بن زرارة
2_ رافع بن مالك
3_ معاذ بن عفراء
4_ عوف بن الحارث
5_ عبادة بن الصامت
6_ عقبة بن عامر
7_ جابر بن عبدالله السلمي "ليس جابر بن عبد الله الصحابي المشهور برواية الحديث"
سبعة رجال أميرهم "أسعد بن زرارة"
قالوا : ماذا عندك يا أخ قريش ؟
قال ﷺ إني رسول الله إليكم وإلى الناس كافة .
أدعوكم إلى لا إله إلا الله ونبذ ما تدعون من دونه من آلهة تصنعونها بأيديكم .
ودعاهم إلى الإسلام وأخلاقه ومبادئه .
فهمس بعضهم لبعض "ليس على سمع النبي" أليس هذا الذي تحدثكم عنه يهود ويستفتحون به عليكم .
لنقف هنا ؟؟
ماذا عن اليهود في هذا المقام لنفهم السيرة أكثر .
يثرب كان فيها ثلاثة قبائل من اليهود المغضوب عليهم.
1- بني النضير .
2- بني قينقاع .
3- بني قريظة .
يسكنون يثرب .
العرب كانوا قبيلتين الأوس والخزرج .
أوس وخزرج كان جدهم واحد : القبيلتين أبناء عمومة .
من نفس الأب ونفس الأم .
امهم اسمها "قَيلى" احفظوا هذا الإسم.
كانت اليهود تنسب العرب لأمهم "يعني يقولون فلان ابن فلانة"
لماذا ينسبون العرب لأمهم ؟؟
لأن اليهود أغلبهم أبناء زنا لا ينتسبون إلى آبائهم بل ينتسبون إلى أمهاتهم .
وهذا طبعهم وعنهم أخذ العوام أن الرجل ينسب إلى أمه لا إلى أبيه .
لأن أمه مؤكدة هي التي حملت وولدت .
أما من أبوه لا ندري ..
هذا الكلام عند المغضوب عليهم اليهود..... ومن قلدهم خاصة من أهل السحر والدجالين "إذا اراد أن يفك سحرآ يقول أعطني اسمه واسم أمه "
لأن السحر والتعامل مع الشياطين اختصاص المغضوب عليهم وهم تعلموا منهم الشعوذة .
أما شرع الله تعالى قال ربنا :
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ .
فاليهود ينادون العرب في يثرب من أوس وخزرج
"يا بني قَيلى" ينسبوهم إلى أمهم .
اليهود كانوا محراك الشر بين القبيلتين .
فكان يقع بين الأوس والخزرج ما يقع بين الناس من خلافات في تجارتهم وفي معاملتهم .
والعرب رجال فيهم الشهامة وهم أكرم قوم خلقهم الله تعالى .
فأكرمهم الله أن جعل حبيبه محمد ﷺ خاتم الأنبياء منهم .
وأكرمهم الله أن أنزل القرآن بلغتهم وجعلها لغة أهل الجنة خالدين فيها أبداً .
فكان اليهود قبل الإسلام لا يحبون أن تتحد العرب حتى قبل الإسلام .
كانوا دائماً يوقعون العداوة بين الأوس والخزرج أولاد العم .
إبن عمك قال عنك كذا . وإبن عمك قال .. الأوس قالوا : الخزرج قالوا ...
لأن اليهود يعلمون لو إجتمعت قلوب أولاد العم لأصبحت كل اليهود أذلاء تحت أقدام الأوس والخزرج .
و جعلوا أهل يثرب من العرب يعملون بالزراعة .
أما اليهود فقد اهتموا بالعمل بالصياغة والمجوهرات وصناعة السلاح .
فكانوا أصحاب أسواق الذهب وصنع السلاح .
لماذا يصنعوا السلاح ؟؟
لأجل أن يعملوا بينهم فتنة ويبيعوا الأوس سلاح .
ويذهبوا للخزرج يبيعوهم سلاح .
كان هذا شغلهم في يثرب .
فكانت اليهود تكثر القول عن هذا النبي الخاتم وصفاته .
حتى عرف الأوس والخزرج أوصاف نبي آخر الزمان من اليهود نفسهم .
وصدق الله العظيم إذ قال عن اليهود .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
وقال عنهم في موضع آخر
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
فعرف العرب أن هناك نبي سيبعث واقترب زمانه وعرفوا صفاته من اليهود .
فلما عرض النبي ﷺ نفسه عليهم قالوا لبعضهم البعض .
أتعلمون أليس هذا الذي تحدثكم عنه يهود وتتوعدكم به ويستفتحون به ؟
قالوا : ورب الكعبة إنه هو .
فقالوا : فلا تسبقنا إليه اليهود فلنؤمن به .
فآمن السبعة رضي الله عنهم وأرضاهم على رأسهم "أسعد بن زرارة أميرهم"
وضعوا أيديهم بيد النبي ﷺ إيمان فقط لا بيعة .
"يعني فقط : شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"
وعلمهم ﷺ شيء من الدين .
فقال له أسعد بن زرارة رضي الله عنه :
يا رسول الله لقد جئنا وكنا نريد أن نحالف قريش على إخوتنا بعد يوم بعاث .
ماهو يوم بعاث ؟
سنتحدث عنه لاحقآ في حلقة خاصة عن يوم بعاث .
قبل خمس سنين من إسلامهم الأوس والخزرج حصل بينهم قتال فمات كل الكبار منهم وساداتهم و لم يبقى إلا أبنائهم الشباب .
قال أسعد : يا رسول الله إن جمع الله قومنا عليك فلا أعز منك فينا .
وانطلقوا إلى قومهم دعاة إلى الله تعالى .
وشرح الله صدر البعض فجاؤوا في موسم الحج الثاني .
وبدل أن كانوا سبعة تخلف من السبعة إثنان.
وصحبهم من جديد سبعة رجال آخرين فأصبحوا 12 رجل .
إجتمعوا بالنبي ﷺ عند العقبة .
"أي عند جمرة العقبة في منى التي يرميها الحجاج في اليوم الأول"
إجتمعوا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم : وكانت بيعتهم لا تشمل جهاد .
لم يبايعهم على الجهاد لنرى ماذا سيفعل هؤلاء الكرام في غزوة بدر"
فقال لهم النبي ﷺ .
تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً . ولا تزنوا . ولا تسرقوا . ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له . ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه .
فقالوا : قبلنا وبايعوه .
وانطلقوا إلى قومهم ونحن الآن في السنة "12 من البعثة"
فلما انطلقوا بعثوا إلى رسول الله ﷺ إنا نريد رجل من أصحابك يعلمنا القرآن الكريم ويكون إمامنا بالصلاة . خافوا إذا وقف إمام من الأوس أن لا يرضى الخزرج .
وإذا كان الإمام من الخزرج أن لا يرضى الأوس.
وهم حديثين عهد بالإسلام .
أحبوا أن يخرجوا من هذا المأزق فاختار لهم ﷺ أول سفير .
"مصعب بن عمير رضي الله عنه"
مصعب أنعم فتى في قريش من السابقين إلى الإسلام
عندما أسلم . منعت أمه عنه المال .
"كان مصعب يصرف على أصحابه الشباب في مكة في سهرات السمر .
وكان مصعب يلبس أجمل الثياب وكان شاب منّعم بين شباب مكة كلهم"
فلما أسلم منعت أمه عنه المال وجعلته يلبس الخيش .
"كيس خيش يشقه من الأسفل و يلبسه بعنقه رضي الله عنه وأرضاه فلم يعد معه ما يشتري به من ثياب"
إختاره النبي ﷺ أن يكون معلم الأنصار في المدينة .
عرف النبي ﷺ من يختار .
مصعب الذي باع الدنيا كلها من أجل دينه لا يمكن أن تدخل الفتنة إلى قلبه في المدينة .
ولابد أن يكون صادق .
والدعوة إلى الله تحتاج إلى قوة الصدق و الإيمان.
ولنرى ماذا فعل مصعب بالمدينة المنورة رضي الله عنه .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والستون
سعد بن معاذ رضي الله عنه ..
ذهب "مصعب بن عمير" رضي الله عنه.
معهم إلى يثرب "المدينة المنورة" ونزل ضيف عند أسعد بن زرارة .
وأصبح مصعب يبيت عنده وفي النهار يذهب ويدعوا الناس إلى الله تعالى .
وكان يجتمع بهم بعد العصر في بستان ويقرأ عليهم القرآن الكريم ويعلمهم تعاليم الدين .
وكان أسعد بن زرارة له إبن خالة وهو سيد الأوس
إسمه "سعد بن معاذ"
إنتشر بالمدينة الخبر أن أناس إتبعوا دين القرشي وأن محمد قد أرسل رجل من أصحابه رضي الله عنهم يعلمهم هذا الدين الجديد .
ويوم من الأيام ذهب أسعد بن زرارة وأخذ معه مصعب إلى بستان قريب من بستان سعد بن معاذ .
وكان هذا البستان يجتمع من حوله شباب يثرب .
فأخذ مصعب إليه وجعله يقرأ القرآن هناك بصوت مسموع فاجتمع الشباب حوله يستمعون
"قريش كانوا سادة وكثير منهم كبير بالسن وكفروا أغلبهم برسول الله ودين الله"
في المدينة قبل خمس سنين قامت حرب في منطقة إسمها بعاث وسميت الحرب "يوم بعاث"
وكانت بين الأوس والخزرج قُتل فيها كبار الأوس والخزرج .
واستلم السيادة شبابهم .
أنظروا إلى دور الشباب في المجتمع.
إجتمع الشباب حول مصعب وهو يقرأ القرآن ويرتله كبما أُنزل وكما تعلمه من النبي ﷺ .
نظر إليهم سعد من بستانه فغاظه ذلك وقد تجمع الشباب حوله .
فقال لإبن عم له وإسمه "أُسيد بن الحضير"
قال . يا أسيد لا أب لك
"كلمة لا أب لك ليست شتيمة . كلمة تودد عند العرب فيها مدح للذي تتكلم معه مثل يعني الذي لا يعتمد على أبيه .
قال . يا أسيد لا أب لك .
قال : نعم يا سيد قومه .
قال : ألا ترى ما يصنع إبن خالتي أسعد بن زرارة .
واللات لولا صلة الرحم بيني وبينه لقمت ومنعته .
ولكن لا أحب أن تخسر ذمتي .
إذهب إليه أنت يا أسيد هو والقرشي الذي معه فامنعهم عما يفعلوا .
قال أسيد : أجل يا سيد قومه حباً وكرامة .
فقام أسيد بن حضير ومعه حربة ومضى إليهم .
فلما قدم إليهم أسيد .
قال : ما شأنكما إعتزلوا هذا المكان إن كان لكم في أنفسكم حاجة .
" يعني إن أحببتم ان تضلوا سالمين"
نظر إليه مصعب بن عمير رضي الله عنه.
"وهذا درس لكل داعية إلى الله تعالى"
نظر إليه مصعب وابتسم وبكل هدوء ولطف
قال له : أولك خير من ذلك ؟
قال : ما هو ؟
قال له مصعب : تجلس فتسمع .
فإن سمعت شيئاً يرضيك فهو ذا .
وإن كرهته إبتعدنا وكفيناك ما تكره .
فقال له أسيد : أنصفت .
فوضع حربته وجلس .
فقرأ عليه القرآن الكريم ودعاه إلى الإسلام .
فتغيرت ملامح وجهه وقد تأثر بكلام الله عزوجل
قال : بما يأمر دينكم هذا ؟
فأعطاه تعاليم الدين
فقال : إنكم تدعون إلى شيء حسن .
ماذا يصنع من أراد الدخول في دينكم ؟
قال له مصعب : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
ثم تغتسل وتتطهر وتصلي ركعتين لله .
فقام وفعل كما قال له مصعب وجلس معهم يستمع ونسي سعد بن معاذ .
فلما تذكر إستأذنهم وذهب مسرعاً لسعد بن معاذ وهو يتمنى لو أن سعدا هو الذي أسلم .
فلما أقبل أسيد نظر إليه سعد من بعيد.
وقال سعد للحاضرين : أقسم لكم لقد عاد أسيد بغير الوجه الذي ذهب به .
"شيء طبيعي: ذهب بوجهه مظلم وجه مشرك بالله ورجع بوجه منير وجه مسلم يؤمن بوحدانية الله"
فلما وصل سأله سعد : يا أسيد ما الخبر ؟؟
قال : يا سيد قومه لا بأس عند القوم وقد نهيتهم وقد وعداني أن يمتنعوا عن ما تكره
فلم يعجب سعد هذا الكلام ، وقام من مكانه مغضباً
وقال : ما كفيتني
فأخذ الحربة من يد أسيد ومضى سعد ولحقه أسيد بن الحضير لأنه علم أن سعد ذهب لقتال وشر .
فلما أقبل سعد بن معاذ إلى مصعب وأسعد بن زرارة
قال أسعد : يا مصعب جاءك سيد قومه كلهم هذا إبن خالتي سعد بن معاذ .
"والله لإن آمن هذا الرجل على يديك يا مصعب سيسلم الأوس كلهم"
يا مصعب أصدق الله فيه . فتوجه مصعب بقلبه إلى الله تعالى بالدعاء .
فلما إقترب سعد : وقف سعد بن معاذ أمام مصعب وأسعد
وكان مغضب وهو سيد قومه .
وقف ولأنه سيد :
قال : ما شأنكما ألم أرسل إليكما نذير ؟
فابتسم مصعب رضي الله عنه وأرضاه.
وقال له بهدوء : يا سيد قومه .
قال . نعم .
قال . ألا تجلس وتسمع .
إن سمعت شيئاً يرضيك هو ذاك .
وإن سمعت ما تكره كففنا عنك ما تكره .
قال : قد أنصفت وزدت في النصف "يعني عدلت وزدت بالعدل"
وسند حربته على النخلة وجلس سعد.
قال : هاتِ ما عندك .
فقرأ مصعب عليه القرآن وكان مصعب حسن الصوت .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)
سورة الزخرف .
فلما سمع سعد كلام الله تعالى
يقول . أسعد بن زرارة ... عن سعد .
"والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الإسلام ، في وجه سعد بن معاذ ، قبل أن ينطق بالشهادة ، وقد أشرق وجهه وهو يسمع القرآن"
فلما إنتهى مصعب دعاه إلى هذا الدين
قال : ماذا يصنع الذي يريد أن يدخل هذا الدين ؟
قال له مصعب : قُم يا سيد قومه فتطهر ثم تشهد ثم صلي ركعتين لله تعالى .
فقام وإغتسل ونطق الشهادتين وصلى ركعتين كما علمه مصعب .
ثم قال سعد بن معاذ رضي الله عنه :
ما واجب من يدخل هذا الدين ؟
قال له مصعب : أن يدعوا غيره إليه .
فقام سعد بن معاذ حتى أقبل على قومه .
فلما رأى القوم سعد بن معاذ من بعيد قادم إليهم
قالوا جميعاً :
واللات لقد عاد إليكم سعد بن معاذ بوجه غير الذي ذهب به "نور الإيمان"
فوقف سعد بن معاذ .
وقال : يا بني عبد الأشهل .
قالوا . نعم يا سيد قومه .
قال : كيف تعلمون أمري فيكم ؟
قالوا : سيدنا وإبن سيدنا . وأعقلنا وأحكمنا و إذا أمرت فأمرك مطاع .
فقال سعد : فإن كلامكم علي حرام .
رجالكم ونساؤكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله .
فدخلت بني عبد الأشهل كلها في ليلة واحدة في دين الله .
يقول مصعب : فوالله الذي لا إله إلا هو لم ننام في تلك الليلة وفي بني عبد الأشهل رجل مشرك .
وقام سعد وأسيد إبن عمه يكسران الأصنام .
دخل أغلب سكان المدينة المنورة بالإسلام وبكل سهولة
لماذا ؟؟
سبب انتشار الإسلام في المدينة بسرعة؟؟
لأن طبع أهل المدينة هو الرقة واللين وعدم الكبر وجحود الحق .
وذلك يرجع إلى أصلهم .
لأن أصل أهل المدينة من اليمن وأهل اليمن معروفون برقة القلوب ولين الطباع .
قال ﷺ لما جاء وفد من اليمن .
أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً .
شهادة من رسول الله ﷺ لأهلنا في اليمن .
والسبب الثاني:
وجود قبائل اليهود في المدينة جعل أهل المدينة على علم بأن هنا نبي سيبعث في ذلك الوقت .
وكان اليهود في المدينة يقولون إن نبياً مبعوثاً الآن قد أظل زمانه يعني جاء وقته .
سعد بن معاذ رضي الله عنه سنرى منه من خلال السيرة مواقفه مع رسول الله ﷺ .
أسلم وكان عمره 30 عام ومات وعمره 36 عام .
ست سنوات في الإسلام ولما توفى إهتز لموته عرش الرحمن .. هكذا الرجال
اهتز لموته عرش الرحمن "فرحاً وسروراً لأستقباله.
لما يخرج شخص لأستقبال إنسان عزيز عليه فيتحرك بلفهة عند قدومه . فيقال عن تحركه هذا ، اهتز له"
سعد بن معاذ الذي كان بديناً كما يصفه الصحابة.
لما استشهد وحملوه الصحابة ليدفنوه لم يجدوا له ثقلاً .
فقال لهم النبي ﷺ .
لقد حملته الملائكة وشهد لدفنه سبعون ألف من الملائكة لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك .
رضي الله عنه وارضاه .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٥/٣/٢٠٢١ ٥:٢٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة و الستون
بيعة العقبة الثانية .
إنتشر الإسلام في يثرب .
ولكن ليس كل أهل يثرب دخلوا في الإسلام .
إنما الذين دخلوا جميعهم قوم سعد بن معاذ من الأوس .
أما الخزرج فمنهم من أسلم ومنهم من لم يسلم .
ولم ينتشر الإسلام في كل بيوت الأنصار ولكن عدد كبير من أهل يثرب إنتشر فيهم الإسلام .
يثرب لم يكن إسمها المدينة وما سميت بالمدينة إلا بعد أن هاجر إليها النبي ﷺ فسماها بالمدينة . وسماها طيبة ،
إنتشر الإسلام بالمدينة المنورة
وأقام مصعب رضي الله عنه فيها سفيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الناس القرآن الكريم وتعاليم الدين حتى عُرف بالمدينة بالمقريء .
الناس الذين دخلوا الإسلام ولم يروا نبيهم ، ولم يسمعوا صوته ﷺ أصبحت قلوبهم تتشوق لرؤيته. صل الله عليه وسلم.
إلى متى نحن آمنون مطمئنون ونترك رسول الله ﷺ في مكة يتعرض للأذى من قريش ويعرض نفسه الكريمة على القبائل .
ألا فلنبايعه ونخرجه من مكة إلينا .
ولنا شهادة من رسول الله ﷺ نعتز بها .
خرج على أصحابه رضي الله عنهم يوماً وقد جلسوا يتدارسون .
فسألهم عن أي شيء يتدارسون ؟؟
قالوا : نقول من أشد خلق الله إيماناً .
قال : فماذا قلتم ؟
قالوا : أشد الخلق إيماناً الملائكة .
فقال لهم : كيف لا يؤمنون وهم يطفون حول العرش
قالوا : الأنبياء .
قال : كيف لا يؤمنون وقد أنزل عليهم الوحي .
قالوا : إذن نحنُ يا رسول الله .
قال . كيف لا تؤمنون وأنا بين اظهركم ويتنزل الوحي على من السماء .
قالوا : إذآ من يا رسول الله ؟
فقال : قوم من أمتي من بعدي يجدون كتاب بين أيديهم يقرأونه فيؤمنون به ولم يروني .
يود أحدهم لو رآني بأهله وماله .
أولئك أشد خلق الله إيماناً .
نحمد الله على نعمة الإيمان ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فلما كان موعد الحج سبقهم مصعب بن عمير رضي الله عنه قبل موسم الحج إلى مكة وأخذ ينسق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سبقهم مصعب بهذه الخطة إلى مكة حتى لا تشك قريش بهذا التنسيق فمصعب قرشي وهو من أهل مكة .
وكان التنسيق أن موعدهم في الحج.
وقال لهم مصعب رضي الله عنه : أن يختاروا بعض الرجال منهم ونصحهم أن لا يكون العدد كبير .
فإن الذين أسلموا أعدادهم أصبحت كثيرة في المدينة .
فلو إجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة كلهم إنفضح أمرهم .
فاتفقوا أن يكون عددهم 70 رجل .
فعدد 70 رجل بين أعداد الحجيج الذين يأتون إلى الكعبة من جميع بقاع الأرض لا يستطيع أحد من كفار قريش أن ينتبه لهم .
خرجوا سبعين رجل وامرأتان . وسبقهم مصعب رضي الله عنه .
وكان هو همزة الوصل بينهم وبين رسول الله ﷺ .
أخبرهم ﷺ على لسان مصعب أن موعدهم معه أواسط أيام التشريق
وكان موعدهم عند جمرة العقبة .
ولنرى حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المباحثات وأخذه بالأسباب .
قال ﷺ يا مصعب : قل لهم إذا مضى الثلث الأول من الليل والناس قد ناموا .
فلا تننظروا غائب ولا توقظوا نائم .
وليتسللوا إلى العقبة تسلل القطا .
"لم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم صياد ، وسبحان الذي علمه .
القطا نوع من الطيور يعرفه الصيادون .
من كثرة حذرها من الصيد لا تنام كما ينام الطير : بل تقف على رجل واحدة وتأخذ بالرجل الثانية حصى .
حتى إذا غطت بالنوم ترتخي المفاصل فتسقط الحصى فتستيقظ من نومها فتطير وتغير موقعها"
وليتسللوا تسلل القطا فإن عليهم من قريش عين .
"يعلم أن قريش تراقبهم"
فإنه إذا إفتضح أمرهم لا تُحمد العاقبة .
تم تحديد الموعد وكان موعد عجيب ،
يثبت مدى دقة وإحتياط رسول الله ﷺ وأخذه بالأسباب .
إختار رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يكون اللقاء في الثلث الأوسط من الليل وهو وقت يكون فيه جميع الناس في مكة في نوم عميق .
لأنه قد يتأخر نوم بعضهم إلى الثلث الأول من الليل قبل الفجر أما الثلث الأوسط فغالب الظن أن أهل مكة والحجيج سيكونون في سبات عميق .
إختار رسول الله صلى الله عليه وسلم : مكان بعيد وهو الشعب الأيمن عند العقبة حتى يكون بعيد عن عيون المراقبين إن كان هناك مستيقظ .
وتكتم ﷺ عن الموضوع ولم يخبر إلا ثلاثة "أبو بكر الصديق وعلي وعمه العباس رضي الله عنهم.
ولم يخبر أحد من المسلمين لأنه لا داعي ليعرفوا الموعد ووقته .
"المهم النتيجة وليكون الموضع أمن أكبر درجة"
يقول كعب بن مالك : فما نمنا تلك الليلة ونحن نتشوق لرؤية رسول الله ﷺ لأول مرة .
حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله نتسلل تسلل القطا .
وكانوا يخرجون رجل رجل . أو رجلين رجلين .
حتى إكتمل من الأنصار سبعون رجل وامرأتان في موعدهم .
وجاء أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعده ومعه العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي رضي الله عنهم
فأرسل النبي ﷺ أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى فم الشعب من ناحية.
وعلي إلى فم الشعب من الناحية الأخرى.
ليعطيا إشارة إلى المسلمين إذا شاهدوا حركة مريبة أو مراقبة للمكان .
"هذا اللقاء كان أعظم لقاء على وجه الأرض منذ أن خلقها الله تعالى .
لقاء تغيرت فيه خريطة العالم كله وقامت دولة الإسلام عليه وسقطت عروش الجبابرة . وانتشر الإسلام في كل بقاع الأرض"
إجتمع القوم قالوا فلما مضى نصف الليل
"وإذا بطلعت الحبيب المصطفى ﷺ تطل علينا .
ومعه رجل بعضنا يعرفه ، وبعضنا لا يعرفه
وهو "العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مازال على دين قريش لم يسلم ولم يعلن إسلامه بعد"
حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم ليطمئن على إبن أخيه.
قالوا : فلما أقبل علينا ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا لإستقباله وسلموا عليه .
ثم قال : لهم إجلسوا ثم جلس ﷺ .
وبدأ الحديث العباس بن عبد المطلب عمه
إستأذن العباس من النبي صلى الله عليه وسلم
وقال ..يا معشر الخزرج .
"كانت العرب تسمي يثرب أوسها وخزرجها بالخزرج وهي القبيلة الأكبر في يثرب"
إن محمداً منا حيث قد علمتم . وقد منعناه من قومنا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده .
وإنه أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم .
فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفوه .
فأنتم وما تحملتم من ذلك .
وإن كنتم ترون أنكم مسَلّموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه .
فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده .
فلما أراد القوم أن يتكلموا
قال لهم ﷺ : ليتكلم متكلمكم وليوجز فإن عليكم من قريش عين .
"ﷺ خايف عليهم من أذى قريش ويعلم أن قريش تراقبهم.
فقالوا : قد سمعنا كلام عمك .
فتكلم يا رسول الله :
فتكلم النبي ﷺ وحمد الله .
وقرأ شيء من القرآن .
ثم قال : أبايعكم على أن تؤمنوا بالله تعالى ولا تشركوا به شيئاً .
وأن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبنائكم .
"أي الرجل يموت ويستميت دفاع عن أهله وأولاده لا يتركهم"
أربع جمل كانت خطبة النبي ﷺ
فقال واحد منهم : أجل يا رسول الله بايعنا .
فنحن والله أبناء الحروب . وأبناء الحلقة ورثناها كابراً عن كابر .
والذي بعثك بالحق لنمعنك مما نمنع منه أنفسنا .
"أنظروا لبلاغة العرب ممكن تغلب الإنسان الكثرة فلا يستطيع أن يحمي زوجته أو أولاده ولكن هل يجبن الإنسان في الدفاع عن نفسه ولو كان آخر أنفاسه بالحياة يبقى يدافع عن نفسه"
فمد يده أسعد بن زرارة وقال : بايعنا يا رسول الله .
فقام أحد رجالهم وأمسك يد أسعد وأبعدها .
وقال : يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل ؟
قالوا . نعم
قال . إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس .
يا رسول الله إننا بيننا وبين الرجال حبالاً .
"يعني بينا وبين اليهود بالمدينة حبال وصل ومعاملة"
فهل عفيت إن نحن فعلنا ذلك .
"أي قطعنا علاقاتنا مع اليهود وإنضممنا إليك"
فهل عفيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا هل يمكن هذا ؟
فقال لهم ﷺ بل الدم الدم ، والهدم الهدم . أنتم مني وأنا منكم . أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم .
فقال : إن بايعناك على ما طلبت فماذا لنا ؟
قال ﷺ لكم الجنة .
"وكأنه يبشرهم جميعاً بالجنة"
فقالوا : لِما التردد يا قوم ؟
فقال الرجل : مهلاً تعلمون أنكم تبايعون على حرب العرب قاطبة .
فإن أنتم قوم تعلمون أنكم صابرون على هذا فبايعوه وإلا فمن الآن دعوه .
كما قال عمه فهو خير لكم في الدنيا والآخرة وأعز لرسول الله .
فقالوا : والله ما جئنا إلا لنبايعه على ذلك .
يارسول الله ابسط يدك نبايعك .
فبسط يده وبايعهم . رجل رجل ، حتى إذا جاء دور المرأتين سأل عنهما .
قالوا . هذه أم عمارة وهذه أم منيع ..
فبايعهم ﷺ دون مصافحة
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٦/٣/٢٠٢١ ١١:٣٠ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والستون
زواجه ﷺ من سودة بنت زمعة . رضي الله عنها.
بعد وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها .
شعر أصحاب النبي ﷺ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فقد أم العيال وقد داخلته وحشة .
وقد أصبح بحاجة إلى سكن .
لكن مهمة الدعوة تشغله عن كل ذلك .
فما تجرأ أحد من الصحابة رضي الله عنهم : أن يكلمه بموضوع الزواج .
مضى وقت على وفاة خديجة رضي الله عنها دون حتى ذهبت إليه صحابية جليلة إسمها "خولة بنت حكيم السلمية" رضي الله عنها.
حتى وصلت إلى داره ﷺ وبكل رفق وأدب جلست وكلمته.
النبي ﷺ ليس محظور عليه أن يجلس مع نساء المؤمنين .
فإنه ﷺ أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
هذا بالإضافة أنه لم يكن هناك أحكام تشريع تمنع الإختلاط ولا آيات حجاب .
كل ذلك كان بعد الهجرة في المدينة .
جلست وحدثته وقالت :
بأبي وأمي يا رسول الله .
أرى قد دخلتك وحشة بعد خديجة رضي الله عنها.
قال لها . أجل يا خولة .
فقالت . بأبي وأمي ألا تفكر بالزواج ؟
فأطرق رأسه ﷺ وبكى حتى ابتلت لحيته .
وقال : ومن بعد خديجة ؟
قالت : بنت أقرب الناس وأحبهم إليك "عائشة بنت أبي بكر الصديق" أول من آمن بك وخير صاحب لك .
فقال النبي ﷺ . عائشة ؟
ولكنها لم تنضج بعد يا خولة .
قالت : أخطبها من أبيها وتبني بها بعد ذلك .
فأطرق النبي ﷺ رأسه
وقال : ومن للبيت والعيال يا خولة ؟
قالت . هناك أخرى يا رسول الله .
قال . ومن ؟
قالت . أحببت أن أقدم لك البكر أولا . فإن شئت فإمرأة "ثيب"
قال . ومن ؟
قالت . سودة بنت زمعة .
فدمعت عين النبي ﷺ .
لماذا دمعت عين النبي عند سماع اسم "سودة بنت زمعة"
لأن مهام الدعوة شغلته عنها "سودة بنت زمعة"
قبل فترة من الأعوام وكانت مؤمنة من أهل مكة ، وزوجها إبن عمها "السكران بن عمرو" كان مسلم أيضاً.
عندهم ستة من العيال .
أسلما وكانا ممن هاجر إلى الحبشة في أول من هاجر .
ولما إستقروا بالحبشة توفى زوجها السكران بن عمرو فأصبحت سودة في غربة وترمل .
فرجعت المسكينة إلى مكة مع قوافل التجار فاقدة زوجها وكان أبوها وأهلها ما زالوا مشركين .
أصبحت "سودة بنت زمعة" في وضع لا تحسد عليه لأن كل أهلها كانوا على الشرك .
ولم يكن معها تجارة أو حرفة وليس لديها مال تنفق منه على عيالها الستة .
فبقيت معهم "سودة" مع أهلها وحيدة مقهورة
وكانت فرصة السيدة " سودة " في الزواج تكاد تكون معدومة لأنها لم تكن ذات حسب وجمال .
دمعت عين النبي عندما ذكرتها خولة ولكن موت خديجة وهجرة الطائف والمصائب التي يتلقاها
شغله عن حال هذه المسكينة .
فلما ذكرت له سودة نزلت دموعه .
كيف غفل عن هذه المرأة المسكينة ؟؟
مهاجرة من الأوائل ومسلمة مات زوجها وأهلها على شرك وما زالت تقيم على إيمانها .
انظروا إلى أن زواجه منها كان مجرد رحمة .
لأن النبي يريد أن يضمها لبيته ليرعاها فقط .
كانت كبيرة في السن .
إمرأة بسيطة جداً .
يقول عنها الإمام مسلم من سذاجتها "يعني من كثر طيبتها الزيادة" كاد الناس يظنون أنها ليست عاقلة.
فقال النبي ﷺ لخولة بعد أن مسح دموعه عن لحيته
وهل ترضى هي بالزواج ؟
فقالت : كيف لا يا رسول الله . دعني أنطلق إليها وأسألها .
قال . إنطلقي .
فذهبت خولة إلى سودة في منزل أبيها فوجدتها على باب المنزل .
فقالت خولة لسودة : أي خير وبركة أدخلهم الله عليكم يا سودة .
فقالت لها سودة . وما ذاك ؟
قالت . أرسلني رسول الله أخطبك عليه .
فلم تملك نفسها ما تحملت الخبر .
فجلست إلى الأرض رسول الله يخطبها ؟
فدخلت خولة إلى أبيها لسودة .
وقالت :_ أي زمعة .
إسمه زمعة وكان رجل قد طعن بالسن لا يقدر على المشي .
قالت . أي زمعة . أي خير ساقه الله إليك والبركة تعم بيتكم .
فقال . وما ذاك ؟
قالت . محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .
"لترى وقع الإسم على سمعه ماذا يكون وهو مشرك"
فقال لها . محمد ... نِعم الرجل .
قالت . إنه يخطب إليك سودة .
قال . رجل كريم فهل ترضى سودة ؟
قالت . نعم أخبرتها فمن الفرحة لم تملك نفسها فجلست إلى الأرض .
قال . إذاً أخبري محمد أني موافق على هذا الزواج .
فسعى النبي ﷺ بجلالة قدره إلى بيت والد سودة وهو مشرك .
حتى جلس إليه ووضع يده في يده وزوجه سودة .
وكان الزواج عند العرب وإن لم يكونوا على الإسلام
زواج نكاح لا سفاح .
لا بد أن يزوج المرأة ولي أمرها . وأن يسمي المهر . وأن يكون هنالك شهود .
وأعلن الخبر في مكة وانتقلت سودة إلى بيت النبي ﷺ .
وهي تعلم أنها لن تحل مكان خديجة بنت خويلد أبداً
ولكن أهل البيت النبوي فرحوا بقدومها .
فكان بيت النبي يضم ثلاث من بناته
رقية وأم كلثوم وفاطمة .
وكان يعيش في البيت "أم بركة حاضنته ﷺ ومر معنا ذكرها بالسيرة" وزيد بن حارثة .
جاءت سودة رضي الله عنها لتقوم بخدمة النبي ﷺ وترعى شؤونه الخاصة .
ولكنه من مكارم أخلاقه دخل عليها واتخذها زوجة بمعنى الزواج الصحيح .
وهكذا كان زواج الرسول ﷺ من السيدة "سودة" رضي الله عنها
نوع من الكفالة لها ولأبنائها .
وانقاذاً لها ولأبنائها من الضياع .
واحساساً من النبي صلى الله عليه وسلم بالمسؤولية عن جميع المسلمين .
وحتى يكون قدوة في هذا الأمر .
وقد اعجب قوم السيدة "سودة" بهذا الزواج .
وقابل قوم السيدة "سودة" وهم بنو عبد شمس هذه الإلتفاتة من الرسول ﷺ بالإعجاب والثناء لدرجة أنهم خففوا من عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه أنقذ واحدة منهم من الضياع .
كانت السيدة سودة خفيفة الروح .
وكانت طيبة جداً .
وكانت شديدة الكرم لدرجة كبيرة .
حتى تمنت السيدة عائشة رضي الله عنها أن تكون في أخلاقها .
كانت سودة دائماً تمازح النبي ﷺ وكان يضحك منها .
صلت يوماً خلف النبي ﷺ وكان النبي يطيل في صلاته في الركوع والسجود .
فلما انتهى من الصلاة .
قالت صليت خلفك فركعت بي حتى أمسكتُ بأنفي مخافة أن يقطر الدم .
فضحك النبي ﷺ ...... رضي الله عنها وأرضاها .
بقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات لم يشاركه أحد.... ثم أهدت ليلتها لعائشة لكبر سنها و لعلمها بحب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنهن أجمعين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الخامسة والستون
النقباء .
بعد أن تمت البيعة طلب رسول الله ﷺ منهم أن يختاروا 12 رجل يكونوا نقباء على قومهم .
"يتكفلوا بالمسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة"
فقال ﷺ للقوم :
أخرجوا إليّ منكم إثنا عشر نقيباً ليكونوا على قومهم .
كل نقيب يكون مسؤول عن عشيرته .
فالنقباء هم المسؤولين .
دين الإسلام كله نظام .
فأخرجوا.
فكان ﷺ إذا أخرجوا رجل قال : هل رجل غيره ؟؟
وتعجبوا ، نحن أعلم بقومنا؟؟
النبي ﷺ هو الذي يختار .
فقال القوم : وما علمك بنا يا رسول الله وأنت لم تعرفنا ؟
قال ﷺ لهم : هذا جبريل يشير إليّ أن ولّي عليهم هذا .. وولّي عليهم هذا .
"جبريل عليه السلام بأمر من الله . فالله عزوجل هو الذي إختار النقباء فكانوا 12 نقيب"
فقال ﷺ للنقباء أنتم على قومكم كفلاء كفالة الحوارين لعيسى بن مريم . وأنا كفيل على قومي أي على المهاجرين أهل مكة .
ثم قال : إنفضوا إلى رحالكم تسلل القطا كما جئتم لا يشعرن بكم أحد .
ولكن لأمر يريده الله تعالى ما أن أشرقت الشمس حتى جاءت قريش تسأل الخزرج ما الأمر الذي إتفقتوا عليه ليلاً مع محمد ؟
هل تحالفونه على حربنا ؟
يقول كعب : فأخذ بعضنا ينظر إلى بعض .
من الذي سرب الخبر ؟؟
قال كعب : وقام المشركون الذين أتوا معنا من يثرب ، ولم يعلموا بالأمر.
قاموا يقسمون لقريش باللات والعزى ، أنهم لم يكن مما تقولون شيء .
"وهم صادقون لأنهم لم يعلموا"
ثم توجهت قريش بالكلام إلى سيد الخزرج وهو أيضاً لا يعلم بالموضوع وهو "عبد الله بن سلول"
عبدالله بن سلول سيأتي ذكره معنا؟؟
"لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وإنتشر الإسلام أصبح رئيس المنافقين مسيلمة الكذاب"
وسبحان من ساقه اليوم ليكون في هذا الموقع.
لأن قريش تثق به .
فقال عبد الله بن سلول . ما هذا يا قريش إني زعيم قومي كما تعلمون ولا يخفوا عليّ أمر مثل هذا .
فو اللات والعزى ما حدث مما تذكرون أبداً
قالوا : صدقت يا إبن سلول فمثلك لا يكذب "المشركين يصدقوا بعض"
فلما إنطلقت قريش أسرع القوم بالخروج من مكة .
ولكن إنتشر الخبر فلقد بحثت قريش ودققت بالخبر حتى تأكدوا أنه كانت بيعة مع محمد ﷺ في تلك الليلة .
وقد رحلت الأنصار أهل يثرب وأصبحوا على أطراف مكة فركبوا خيلهم ولحقوا بهم .
فكان القوم قد إرتحلوا فلحقوا قريش آخر القافلة .
فأمسكوا بسعد بن عبادة "سعد هو سيد الخزرج" وأوثقوه بالحبال وأعادوه إلى مكة ضرباً وتوبيخاً .
يقول سعد بن عبادة راوي هذا الحديث :
فبينما هم يُجرجروني في الأرض ويضربوني إقترب مني رجل لا أشك أنه يكتم إيمانه
"يعني مسلم من مكة من المستضعفين"
كان واقف مع قريش
فهمس في أذني
قال . ويحك أليس بينك وبين أحد من رجال قريش عهد ؟؟
فقلت له : بلى والله إني كنت مجير "المُطعم بن عدي" في تجارته.
"يعني لما كانت تمر تجارة "المُطعم" من يثرب كان سعد يحمي تجارته .
قال : فناديه بإسمه وأنا أذهب وأبلغه .
قال . فهتفت بإسم المُطعم .
ثم إنطلق الرجل إلى المُطعم .
وقال : يا مُطعم إبن عدي هناك رجل من أهل يثرب يصرخ بإسمك .
ويقول بينك وبينه عهد وإنه الآن يضرب من قريش .
قال . ما إسمه ؟
قال له . سعد بن عبادة .
فقام المُطعم مسرع " تذكروا المطعم بن عدي هو الذي أجار النبي ﷺ عندما رجع من الطائف"
فقام المُطعم مسرعاً يجر ردائه
وقال : نعم والله لقد صدق .
فذهب المُطعم وقال بيده هكذا وهكذا "كأنما كش القوم كشاً . يعني بمنزلته في قومه ، شبههم بأنهم ذباب ، كشهم بيده .إبتعدوا عن سعد بن عبادة"
قال : ويلكم أنسيتم أن الرجل من سادة يثرب وأن تجارتكم لا تأتي إلا عليهم إبتعدوا عن الرجل .
قال سعد : ففك وثاقي وأطلقني ثم إنطلقت إلى يثرب سالماً .
إنطلق الناس إلى يثرب وعلم أهل مكة أنه تمت بيعة بين أهل يثرب وبين النبي ﷺ .
فزاد الأذى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
نقف هنا .
ونترك أهل يثرب ينشرون الإسلام في المدينة ونرجع إلى بيت النبوة .
ماذا حدث به بعد وفاة أم المؤمنين خديجة ؟؟
لأنه لا بد من ترتيب هذه الأمور .
قبل هجرته ﷺ لكي ننهي العهد المكي بما فيه من ألم .
كي نتجه إلى أعظم دولة ظهرت على وجه الأرض .
الدولة الإسلامية بقيادة سيدنا محمد ﷺ .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٨/٣/٢٠٢١ ٥:٠٤ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والستون
زواجه ﷺ من عائشة .
رضي الله عنها
في نفس اليوم الذي تزوج فيه ﷺ سودة رضي الله عنها.
ذهبت "خولة بنت حكيم" إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه
فإستقبلها أبو بكر .
فقالت : أي آل أبي بكر .
أي خير وبركة ساقه الله إليكم وأدخله الله على داركم ؟
قال لها : وما ذاك ؟
قالت : أرسلني رسول الله أخطب إليه عائشة إبنتك !!
دهش أبو بكر الصديق رضي الله عنه .. النبي صلى الله عليه وسلم يطلب إبنتي .
"وكلنا نعرف أبو بكر الصديق وعلاقته بالنبي ﷺ"
فقال : أمهليني يا خولة .
استغربت خولة رضي الله عنها
رسول الله يريد مصاهرتك .. أمهلك .
قال : يا خولة إني على عجلة من أمري .
أمهليني وخرج من الباب مسرعاً
قالت خولة مستغربة . ما الأمر ؟
فقالت زوجة أبو بكر لخولة .
يا خولة : إن أبا بكر ما قال قول إلا وصدق به .
قالت خولة : ما الأمر أفصحوا لي ؟
قالت لها : كان المُطعِم بن عدي قد ذكر لأبي بكر أمر عائشة يريدها لإبنه .
ولم يرد عليه أبو بكر بشيء .
قال له : أنت وذاك .
لأنها لم تنضج بعد"
فخاف أبو بكر أن يكون المطعم مازال يريدها لإبنه.
وأنه قد أعطاه كلمة ثم يزوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقع في مشكلة مع المطعم .
فذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المطعم مسرعاً وقُدر له الله الخلاص .
فلما وصل لداره إستقبلته زوجته
قالت : يا أبا بكر .
قال لها . نعم .
قالت : أخاف إن زوجتُ ولدي من إبنتك أن تحمله على الدخول في دينك هذا .
ويصبح ولدي من الصابئين .
فغضب أبو بكر ولم يرد عليها والتفت إلى زوجها المطعم
قال له : ماذا تقول هذه ؟
قال له : القول ما سمعت .
وإنا لنخشى ذلك يا أبا بكر .
فقال أبو بكر : إذا أنا في حل .
وخرج من عندهم ولم يجلس ولم يسلّم
ورجع إلى خولة :
وقال . إستأذني رسول الله أن أتمم الزواج .
تزوج النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها .
وهنا نقطة مهمة
"تزوجها لا يعني ، أنها إنتقلت لداره ودخل عليها"
تزوجها يعني : تم الإيجاب والقبول .
وضع يده بيد أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقال أبو بكر : زوجتك إبنتي وحدد المهر وهو 500 درهم .
تم الإيجاب والقبول و حدد المهر وتم الزواج.
هذا إسمه في الدين والفقه "زواج"
أما الدخول والزفاف فإسمه البناء "البناء هو ما يعرف اليوم ليلة الدخلة"
فمشى ﷺ بنفسه وطلب منه إبنته لنفسه .
وأعلن هذا الزواج في مكة .
فتزوج النبي ﷺ زواجين في يوم واحد .
من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ولم يدخل بها .
ومن سودة رضي الله عنها فإنتقلت إلى بيت النبوة ودخل بها على الفور .
رضي الله عنهن أجمعين فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم الآن له زوجتين .
واحده في بيته .
والثانية في بيت أبيها .
يتبع رد الشبهات في زواج عائشة رضي الله عنها .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والستون
رد الشبهات حول زواج النبي ﷺ من عائشة .
رضي الله عنها.
تزوج النبي ﷺ من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
هذا الزواج استغله أعداء الإسلام في الطعن بالإسلام .
والسؤال الذي نطرحه اليوم
كم كان عمر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين تزوجها النبي ﷺ ؟
القول الأول : وهو الصحيح
عمرها رضي الله عنها : حين خطبها النبي ﷺ 6 اعوام .
وأنه تزوجها بعد ثلاثة أعوام وكان عمرها 9 أعوام .
القول الثاني :
عمرها حين خطبها النبي ﷺ كان 14 عام .
وأنه تزوجها بعد أربعة أعوام وكان عمرها 18 عام .
ودليلهم في ذلك :
1_ رفضوا هذا الحديث .
وقالوا أن أحد رواة هذا الحديث وهو "هشام بن عروة" قال عنه مالك أن حديث "هشام بن عروة" بالعراق لا يقبل لأن حفظه للحديث بدأ يسوء في العراق .
2_ قالوا : أسماء بنت ابي بكر أخت عائشة : وكل المصادر التاريخية تؤكد ان أسماء وقت الهجرة كان عمرها 27 عام .
وقالوا الدليل الموثوق في ذلك أن أسماء ماتت مباشرة بعد أن قتل الحجاج ابنها "عبد الله بن الزبير" وذلك في عام 73 للهجرة .
وكل المصادر الموثوقة تقول كان عمرها عندما قتل الحجاج ابنها 100 عام .
عمرها: 100 _ 73 = 27
وهذا يعني أن وقت الهجرة عمر اسماء 27 عام وكل المصادر التاريخية تؤكد ان اسماء اكبر من اختها عائشة بـ 10 سنوات
فإذا كان عمر أسماء وقت الهجرة 27 عام .
فهذا يعني عمر عائشة 17 عام .
وقد خطبها النبي في السنة العاشرة من نزول الوحي قبل هجرته للمدينة بثلاث أعوام يعني عمرها كان 14 سنة .
في بداية السنة الثانية للهجرة تزوجها بعد أن نضجت .
يعني بعد أربع سنوات فيكون عمر عائشة قد أصبح 18 سنة .
وهناك نقاط كثيرة احتجوا بها ، ولهم أدلة كثيرة لا يسع المقام لذكرها .
رفضوا قول الفريق الأول لم يتزوج النبي ﷺ من طفلة .
إنما تزوج شابة ناضجة عمرها 18 عام .
أعداء الدين يتحدثون عن الفارق الكبير بالعمر
والرد على هذه الشبهة
أولاً :
في بيئة مكة كان هذا الأمر عادي جداً .
ثانياً :
كلنا تابعنا السيرة .
كل قريش كانت تتمنى أن تجد شيء واحد تنتقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجدوا .
لم يتركوا سبيل في تجريح واتهام الرسول حتى يشوهوه صورته ﷺ .
عندما أعلنوا خطبة رسول الله ﷺ في مكة كلها من عائشة رضي الله عنها
لم يستغرب أهل مكة .
لم تستغرب حمالة الحطب .
لم يستغرب أبو جهل .
لم يستغرب أبو لهب .
لم يستغرب أعداء النبي صلى الله عليه وسلم من قريش .
لم يقولوا كيف يخطب محمد عائشة وهي صغيرة بالعمر ؟
ولو كان هذا غريب في عرف العرب لأقامت قريش الدنيا ولم تقعدها لأنها تريد مدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يستغربوا مثل هذا الزواج فكان أمر شائع وشرع شائع .
خطب النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها وهي لم تنضج بعد .
وترك الأمر إلى بعد الهجرة في المدينة المنورة حتى بلغت الحيض .
معنى النضوج "أن يحتمل الجسم الزواج وما يتبعه"
وهذا ما يعرفه كل الناس قديماً .
"الزواج لم يكن مقيد بالعمر"
وهذا الكلام حتى في زمن الأنبياء عليهم السلام والأجيال الماضية كلها من آدم عليه الصلاة والسلام إلى قبل وقتنا الحالي .
كان الزواج يعتمد أن تكون البنت ناضجة صالحة للزواج ..
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
عرض ابنته "حفصة" للزواج قبل أن يتزوجها النبي ﷺ .
عرضها على ابو بكر الصديق رضي الله عنه
ثم عرضها على عثمان بن عفان رضي الله عنه
وعمر بن الخطاب أصغر من أبو بكر وأصغر من عثمان رضي الله عنهم.
يعني كان عمر يريد ان يزوج ابنته ممن هما أكبر من أبيها .
ستجد في ذلك الزمان أن عمر رضي الله عنه تزوج بعد ذلك من "ام كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
وكان عمر أكبر من علي بأكثر من 10 سنين رضي الله عنهما
ولما تزوج أم كلثوم كان أكبر منها بحوالي 50 سنة.
كان زواج النبي ﷺ من عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بالسن له هدف هام جداً .
وهي نقل سنة النبي ﷺ إلى آخر أمة على وجه الأرض .
وذلك بعد وفاته ﷺ .
كلنا نعلم البنت الصغيرة تكون قدرتها كبيرة بالحفظ والعمر أمامها طويل إذا كتب الله لها ذلك .
عائشة رضي الله عنها كان أمامها عمر طويل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لتنقل هذا العلم .
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أنها تتمتع بذكاء حاد وفطنة وقوة حفظ وحب للعلم والمعرفة .
ولذلك اختارها ﷺ لهذه "المهمة الجليلة"
وقال ﷺ خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء .
وقد حدث ذلك بالفعل فأصحبت رضي الله عنها
التلميذة النبوية النجيبة .
وبلغت القمة في تفسير القرآن الكريم وعلم الحديث والفقه والشعر بل والطب أيضاً .
وكان ترتيبها الرابع في كثرة الرواية للحديث .
بعد أبو هريرة وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم
فقد روت 2210 حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبلغ من فقهها وعلمها أن كثير من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرجعون إليها ويستفتونها .
يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه :
ما أشكل علينا أصحاب رسول الله حديث قط . فسألنا عائشة رضي الله عنها إلا وجدنا عندها منه علماً .
ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنه :
ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر : من عائشة رضي الله عنها.
في صحيح البخاري رحمه الله
عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( أريتك قبل أن أتزوجك مرتين، رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير، فقلت له : اكشف، فكشف فإذا هي أنت، فقلت : إن يكن هذا من عند الله يمضه.....) الحديث.
وفي الحديث الصحيح الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام قد أتاه في هيئة عائشة رضي الله عنها وأخبره أنها زوجته في الدنيا والآخرة)
وكانت عائشه رضي الله عنها بكرآ ولم يتزوج بكرآ غيرها.
وكانت تفتخر بذلك.
رضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى ✨✨✨
سيرة الحبيب ﷺ .*
الحلقة الثامنة والستون
بداية الهجرة . أم سلمة .
رضي الله عنها.
رجعت قريش تنهال على المستضعفين في مكة بالتعذيب بعد أن إكتشفوا أن بين محمد ﷺ والخزرج أهل يثرب مبايعة و إتفاق .
فقال ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم وقد رأى رؤيا في المنام .
أن أصحابه قد هاجروا إلى أرض سبخة.
"والسبخة هي الأرض المالحة" بين حرتين ذات نخيل .
"النبي صلى الله عليه وسلم يرى رؤيا في المنام .
وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"
فخرج إلى أصحابه مسرور .
وقال : قد أٌوريت دار هجرتكم . أرض سبخة ذات نخيل بين حرتين لا أرها إلا يثرب .
فإنطلقوا إليها .
فأخذ أصحابه يهاجرون جماعات وأفراد إلى المدينة المنورة .
فكان أول من هاجر من الصحابة "أبو سلمة وأم سلمة رضي الله عنهما"
تقول أم سلمة كما روى البخاري :
ما أعلم أهل بيت من المؤمنين أدخل الله عليهم من البلاء ما أدخل علينا .
"لنعرف قيمة هذا الدين يا أحباب المصطفى ﷺ .
لتعرفوا عزة هذا الدين وكم كان غاليآ في قلوب الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله.
رزقنا الله الإقتداء بهم والسير على نهجهم
بعض القصص لهجرة الصحابة رضوان الله عليهم .
ونبدأ مع قصة أم سلمة رضي الله عنها .
أراد أبو سلمة الخروج
فجاء ببعير وأركب زوجته وكان معهم ولدهم سلمة صبي دون التميز يعني بين الرابعة والخامسة من العمر .
ثم قام يمشي يقود بعيره فرآه أهل أم سلمة .
فقالوا : يا أبا سلمة ..
أما نفسك فقد غلبتنا عليها .
وأما إبنتنا هذه فلا واللات لا ندعها لك تذهب بها في الأرض مشرقاً ومغرباً .
بالأمس هاجرت بها إلى الحبشة واليوم لا ندري أين تذهب بها ..
أنت حر في نفسك . أما إبنتنا فدعها لنا .
فأخذوا حبل البعير من يده ثم أخذوا أم سلمة بنتهم وولدها .
ولم يلتفت أبو سلمة لأن المقاومة لا تصلح في ذلك الوقت ولم يؤمر الصحابة بالدفاع عن أنفسهم بعد .
ترك زوجته والولد ومضى في طريقه يمشي على قدميه متجه إلى يثرب .
"كونوا معي مع أم سلمة وهي أم المؤمنين وزوجة النبي ﷺ فيما بعد"
لما استشهد زوجها أبو سلمة بعد أحد في حمراء الأسد متأثر بجراحه .
تزوجها ﷺ وضمها تحت رعايته في بيت النبوة .
تقول أم سلمة : إنطلق أبو سلمة إلى يثرب مهاجر .
قالت : فلما رأى أهل زوجي أبو سلمة ما فعل أهلي أخذتهم الحمية .
فقالوا : أنتم أخذتم إبنتكم من إبننا . فو اللات والعزة لا ندع لكم الولد عندكم نحن أولى به .
تقول : فأخذوا ولدي مني فصرخت وآ ولداه .
قالت : فهمّ أهلي أن يأخذوا الولد لي .
فتجاذبته العشيرتين أهلي يريدونه لي وأهل أبو سلمة يريدون أن يأخذوه لأنه إبنهم
فهؤلاء يجذبون وهؤلاء يجذبون حتى خلعوا يد الصبي والأم تنظر .
خلعت يد سلمة وهو بين الرابعة أوالخامسة من العمر
"لا يحتمل شد الرجال"
قالت : وغلب أهل أبي سلمة فأخذوه فأصبح ولدي مخلوعة يده عند أهل أبيه لا أعلم من يرعاه .
وأنا محجوزة عند أهلي .
وزوجي قد هاجر إلى يثرب لا يعلم من أمرنا شيء .
فأصبحت أذهب كل صباح إلى أبطح مكة أبكي ولدي وزوجي .
وقد أمضيت على ذلك بضعة أشهر .
"وبعض الروايات تقول سنة كاملة كانت على هذا الحال"
حتى وقف يوماً أمامي إبن عم لي فبكى لبكائي .
"لأنها مفجوعة بولدها وزوجها"
فقال : إلى متى هذا لا بد من مخرج .
ومضى واثق الخطوة إلى قومه .
وقال : ألا تشفقون على هذه المسكينة إلى متى تحرمونها من ولدها وزوجها .
فغلبهم على الأمر حتى سمحوا لي بالخروج .
فلما علم أهل أبي سلمة أن أهلي سمحوا لي بالخروج ردوا علي ولدي .
قالت : فوضعت ولدي في حجري وأخذت بعيري وجلست عليه .
فقالوا لي : مهلاً حتى تجدي قافلة وتصحبيها .
فقلت : لا..... قد لين الله قلوبكم اليوم .
فلا أدري ماذا يكون غدا .
أرحل إلى زوجي اليوم قبل الغد .
قالت : وإنطلقت لا أدري أين يثرب تقع ؟
ولا يرافقني أحد لا من أهلي ولا من أهل زوجي .
قالت : حتى إذا كنت بالتنعيم قابلني "عثمان بن أبي طلحة"
وسبحان الله.
عثمان هذا قتل أبوه وإخوته الأربعة وعمه يوم أحد وكانوا في صف قريش .
ولم يقتل هو ورزقه الله الإسلام لأن له سابقة خير .
وأنظروا "من صنع معروف كافأه الله به"
قالت : لقيني عثمان بن أبي طلحة .
فقال : إلى أين يا إبنت زاد الركب.
وأم سلمة إسمها "هند بنت زاد الركب ."
لُقب أبوها بزاد الركب لكرمه على القوافل .
كان إذا خرج في قافلة لا يسمح لأحد أن يأكل من زاده أو ينفق على نفسه أبداً .
فكان مصروف الركب كله عليه لذلك سمي "زاد الركب" هند هذه بنته أم سلمة .
قال : إلى أين يا إبنت زاد الركب ؟
قالت : ألحق بزوجي حيث يسكن في يثرب.
فقال : ألا يصحبك أحد ؟
قالت : لا أحد إلا الله "انظروا ما أجمل الإيمان"
فقال : مالي بهذا مترك .
قالت : فتقدم وأخذ حبل البعير ومشى على رجليه يقود بعيري .
فلا والله ما رأيت رجل كان أكرم منه في صحبه ولا أجَلَّ خلقا .
تمدحه قبل أن يسلم .
ولأنه له سابقة خير ساق الله له الإسلام وأسلم فيما بعد من بين كل أهله .
قالت : كان يمشي بي بالبعير حتى إذا رأى وقت الراحة قد وجب .
أجلس البعير عند شجرة ثم إبتعد عني حتى أنزل عن البعير
فإذا نزلت رجع وأخذ البعير إلى بعيد وربطه في شجرة .
ثم إبتعد عني واضجع وأعطاني ظهره حتى آخذ راحتي .
قالت : حتى إذا رأى أننا إسترحنا وحان وقت الرحيل صفق بيده .
وقال : يا إبنت زاد الركب أقدم لك البعير "يعني إستعدي"
حتى إذا جلست ووضعت ولدي بحجري . جاء وأنهض البعير ومشى .
فما زال يصنع بي ذلك حتى أوصلني من مكة إلى يثرب "
قالت : فلما إقتربنا ورأى نخيل يثرب .
قال . يا أم سلمة إن زوجك في هذه القرية وقد أبلغتك مأمنك .
فإنطلقي راشدة .
فترك بعيري ثم وقف ينظر حتى دخلت في نخيل قباء ثم رجع ماشياً على قدميه .
هل رأيتم عثمان بن طلحة رضي الله عنه ؟
كان مشرك وتأخر اسلامه إلى قبل فتح مكة بقليل .
فعل كل هذا وقطع مسافة 500 كيلو ذهاباً و 500 كيلو اياباً وهو مشرك .
هذه أخلاق العرب وهم على الشرك .
تقول أم سلمة : فلما وصلت وعلم أبو سلمة من أوصلني أثنى عليه بخير .
ولما جاء النبي ﷺ إلى المدينة وعلم بأمرنا وما حدث معنا .
وما زالت يد الولد مخلوعة يعني مخلوعة من الكتف متدلية تعطلت عن الحركة مضى عليها أشهر"
فأمسك ﷺ يد الصبي ووضعها مكانها .
وبل يده بريقه ﷺ ومسح عليها فعادت يد الصبي أفضل مما كانت .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والستون
هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
تحدثنا عن هجرة أم سلمةوما عانته رضي الله عنها .
والآن نتحدث عن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
يقول الإمام البخاري ومسلم في الصحيح من حديث علي بن أبي طالب :
قال : ما هاجر أحد جهاراً نهاراً إلا عمر. رضي الله عنه.
وقد أخذ الناس يتسللون خفية خَشية أن تمنعهم قريش .
ولقد منعت من قدرت عليه إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
عندما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الهجرة تنكّب قوسه وتوشح سيفه وأمسك بيده الأسهم .
ثم تخنصر بعنزة " عصا يكون في رأسها حديدة" وضعها على خاصرته .
ثم أتى وضح النهار وقد إرتفعت الشمس وقريش في أنديتها .
طاف في البيت سبعة . طواف متمكن لا يلتفت إلى أحد .
حتى إذا فرغ ركع في المقام ركعتين صلاة مطمئن لا يلتفت إلى أحد .
ثم وقف واستقبل أندية قريش بوجهه واقترب منها واثق الخطوة ثم وقف وقال : شاهت الوجوه "يعني قبحها الله"
والله لا يرغم الله إلا هذه المعاطس .
"أي الأنوف يرغمها أي يدسها بالتراب مخزيه ..
يا معشر قريش إني راحل إلى يثرب .
فمن أراد منكم أن تثكله أمه أو ترمله زوجته أو ييتمه أولاده فليتبعني إلى بطن هذا الوادي.
يقول علي بن أبي طالب : فوالله ما تحرك قريشي من مجلسه .
ثم قال : يا معشر المستضعفين :
من أراد أن يصحبني إلى الهجرة فليتبع .
قال : فصحبه رهط فوالله ما تجرأ قريشي أن يرد مستضعف خوفاً من عمر رضي الله عنه.
فكان مع عمر رضي الله عنه من المسلمين المستضعفين 17 مهاجر .
والبعض قال 27.
فهاجر عمر رضي الله عنه علناً .
وهنا درس يجب أن نقف عنده
كثير من الناس تتسائل :
لماذا يهاجر عمر علنا لا يخاف من أحد معتمداً على الله ؟؟
ويهاجر النبي ﷺ بالسّر ويجلس في غار ثور ثلاثة أيام؟؟
الجواب ..
قال تعالى :
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .
فهو الأسوة الحسنة وسيرته ﷺ للتأسي والإقتداء .
فلو هاجر النبي صلى الله عليه وسلم علناً لكان من المستحب أو الواجب على جميع المؤمنين أن يقتدوا بنبيهم ويعتمدوا على الله تعالى بغير الأخذ بالأسباب ويهاجروا علناً ولا يخافوا من قريش؟؟
وهذا لا يناسب الكثير من الصحابة رضي الله عنهم المستضعفين.
ويمكن أن يلحق بهم الضرر .
لهذا هاجر ﷺ سراً آخذآ بالأسباب والحيطة رفقاً ورحمة بالمستضعفين من أمته .
جاء رجل إلى رسول الله من الأعراب البدو :
ووقف عند الخيمة وأمسك البعير وصاح :
يا رسول الله .. أأعقلها .. أم أتوكل ؟
"يعني أربط رجل الجمل بالحبل ، وإلا أتركها وأتوكل على الله"
فقال له ﷺ اعقلها وتوكل .
يعني : خذ بالإثنين مع بعض :
خذ بالأسباب وتوكل على الله تعالى
ننطلق الآن إلى يثرب نلقي نظرة عن وضع المسلمين هناك ثم نرجع إلى مكة وهجرة الصحابة رضي الله عنه.
ثم هجرة النبي ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السبعون ٧٠
أحداث في المدينة قبل هجرته ﷺ إليها .
أخذ ينتشر الإسلام في المدينة المنورة .
وبقي بعض القوم من سادة المدينة لم يدخلوا الإسلام .
وبدأت هجرة الصحابة رضي الله عنهم من مكة إلى المدينة .
وكان سيد من سادة الأنصار و إسمه "عمرو بن الجموح"
سيأتي له مواقف معنا بالسيرة ونعرف منزلة هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه .
عمرو بن الجموح هو سيد من سادة بني سلمة وكان موقعهم بين قباء والمدينة .
هذا الرجل أسلم إبنه واسمه "معاذ بن عمرو بن الجموح"
وكان له صديق قريب من عمره وهو "معاذ بن جبل" رضي الله عنهما.
معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو شباب صادقين في إيمانهم .
عز عليهما أن يكون سيد القوم "عمرو بن الجموح" ما زال مشرك ويعبد الصنم .
و كان لعمرو صنم مصنوع من الخشب وقد سماه "مناف" يتقرب إليه ويسجد بين يديه .
كان يلجأ إليه عند المصائب أو إذا أراد حاجة سجد له وطلب حاجته .
كان يحبه أكثر من أهله وماله .
وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وتطييبه وتلبيسه .
كان يعتني به من صغره إلى أن أصبح عمره 60 عام .
فلما انتشر الإسلام في المدينة المنورة .
أسلم أولاده وأمهم و "عمرو بن الجموح" لا يعلم بإسلامهم .
فجاء أولاده يستشيرونه :
قالوا : يا أبانا ما رأيك بهذا الدين الجديد لقد اتبعه الناس فما ترى في اتباعه ؟
فقال : لست أفعل حتى أشاور مناف "الصنم" فأَنظُرَ ما يقول .
ثم قام عمرو إلى الصنم "مناف"
أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى .
عمرو بن الجموح رضي الله عنه في معركة أحد منعه أولاده من الخروج للقتال .
وقال أبناؤه : إن الله قد عذرك ونحن نكفيك "لأنه أعرج " قالوا نحن نسد مكانك .
إلا أن عمرو بن الجموح أبى إلا أن يشهد المعركة مع أبنائه الأربعة .
ذهب إلى رسول الله ﷺ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك .
وألح عمرو بن الجموح في الخروج وبكى بين يدي رسول الله ﷺ .
فقال للنبي ﷺ : أرأيت إن قُتلت اليوم أأطأ بعرجتي هذه الجنة ؟
قال ﷺ نعم .
قال عمرو : فوالذي بعثك بالحق لأطأن بها الجنة اليوم إن شاء الله .
فتبسم الرسول الكريم ﷺ
وقال لأبنائه لا عليكم لا تمنعوه . لعل الله يرزقه الشهادة .
ويسرع عمرو إلى سلاحه ويمضي به ويشاهده المسلمون متحدياً عرجته .
كان يتعثر حينا ويخترق الصعاب حينا آخر ومعه صديقه "عبدالله بن عمرو بن حرام .
كان صديق حميم له وكان عبدالله زوج اخته " وكان أبنائه حوله .
فلما احتدت المعركة صرخ عمرو .
اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك ولا تردني إلى أهلي خائبا .
ويلتفت إلى ابنه جابر .
ويقول : يا جابر إني أرجو أن أكون أول من يصاب في أحد
فأوصيك ببنات عبدالله خيراً .
"لأن صديقه عبدالله كان عنده بنات يوصي ابنه ببنات صديقه بنات عمته.
ويستشهد عمرو وصديقه عبدالله .
وينظر الرسول ﷺ في وجه عمرو بن الجموح ثم يقول .
والذي نفسي بيده لقد رأيت عمرو بن الجموح يطأ في الجنه بعرجته .
ثم التفت لأصحابه رضي الله عنهم
وقال ﷺ اجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحدٍ فإنهما كانا في الدنيا متحابَّين متصافِيَين .
ولما وقع سيل أحد وانكشفت أجساد شهداء أحد
وكان جابر ابنه من جملة الحاضرين .
فوجدوا شهداء أُحد ليِّنةً أجسادُهم تتثنَّى أطرافُهم "
ونظر جابر إلى والده وزوجِ عمَّته .
يقول جابر : والذي بعث محمداً بالحق لقد وجدتهما كأنهما نائمان ولا تُفارق الابتسامةُ شفاههما اغتباطا بلقاء الله .
أريتم كيف كانت بداية عمرو بن الجموح يعبد صنم من خشب .
وكيف كانت نهايته عند وفاته .
نرجع
فوقف عمرو بن الجموح بين يدي الصنم معتمداً على رجله الصحيحة " تعظيماً واحتراماً للصنم مناف" ثم حمد الصنم وأثنى عليه .
ثم قال : يا مناف لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم ولا يريد أحداً بسوء سواك .
وإنما ينهانا عن عبادتك .. فأشِرْ عليّ يا مناف .
ثم تركه وخرج .
فلما أظلم الليل جاء ابنه وصديقه معاذ بن جبل رضي الله عنهما
و اتفقوا أن يذهبوا إلى هذا الصنم في الليل يأخذوه ويرموه في الحفرة التي يكون فيها أوساخ الناس .
فلما أصبح عمرو وذهب إلى صنمه كي يعبده .
بحث عنه فلم يجده .
فخرج يسأل من إعتدى على آلهتي الليلة ؟
فلا أحد يجيبه :
فيضحك الشابان وينظران ماذا سيصنع .
فيبحث عنه فيجده مُلقى في حفرة القذرات والنجاسات .
فيأخذه ويغسله ويطهره ويطيبه ثم يرجعه إلى داره يعبده .
فإذا كانت الليلة الثانية :
ذهبوا في الليل وأخذوه وصنعوا به كما صنعوا بالمرة الأولى .
فلما تكرر الفعل قال عمرو بن الجموح على مسمع الناس يخاطب الصنم .
قال : لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزينه ولكني لا أعلم .
ولكن عندي رأي :
فأخذ سيفه وكان من السيوف النادرة الغالية وعلقه في عنق الصنم .
وقال : هذا سيفي تتفاخر به أهل يثرب .
فإن جاء من يعتدي عليك الليلة . هذا السيف عندك فدافع عن نفسك .
فلما ذهب كي ينام ذهبوا إلى الصنم وأخذوا السيف من عنقه .
ثم أخذوا الصنم وربطوه بحبل واحد بجانب كلب ميت ونكسوه على رأسه في حفرة واحدة فيها وسخ الناس .
فلما أصبح لم يجد صنمه .
فذهب مباشرة إلى الحفرة فوجده مربوط بكلب ميت منكس على رأسه .
فنظر إليه ... فتبين له الحق من الضلال .
إذا كان السيف معه ولم يدافع عن نفسه وهو الآن في وسط النجاسة .
وفي هذه اللحظات يقبل عليه من قومه من يدعوه الى دين الله وتوحيده سبحانه .
فيجيب قائلا للصنم : والله لو كنت إلهآ لم تكن أنت والكلب وسط بئر .
الحمد لله العلي ذي المنن . الوهاب الرزاق الديان .
هو الذي أنقذني من قبل أن أكون في ظلمة قبر مُرتهن بأحمد المهدي النبي المؤتمن .
وأعلن اسلامه
نرجع الآن إلى مكة حيث رسول الله ﷺ هناك .
وهجرة أصحابه بعد أن ألقينا نظرة سريعة على بعض المسلمين في المدينة المنورة .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
06-27-2022, 10:31 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة و السبعون ٧١
هجرة الصحابي الجليل صهيب الرومي . رضي الله عنه.
حدث آخر نقف عنده وكان بين يدي هجرته ﷺ .
"نحن لم نتحدث بعد عن هجرة رسول الله ولكن نربط الأحداث ببعضها البعض"
لما خرج النبي ﷺ في هجرته ومعه أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
كان في مكة "صهيب الرومي" وهو صحابي جليل رضي الله عنه
روى لنا أصحاب السنن واللفظ للبيهقي والإمام أحمد كلهم بسنده عن صهيب قال :
خرج رسول الله ﷺ وخرج معه أبو بكر وكنت قد هممت أن أرافقهما .
أراد صهيب الرومي أن يكون الصاحب الثاني لرسول الله في الهجرة .
وسمع من قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر وأعلنت قريش جائزة كبرى .
100 ناقة من حمر النعم لمن يرد محمد علينا حياً كان أو ميتاً .
فإن رد الإثنان فله بكل واحد 100 ناقة .
فلما سمع صهيب بالخبر ، أراد أن يلحق النبي ﷺ بالهجرة وأن يكون مدافع عنه إذا تعرض له خطر .
صهيب رضي الله عنه : كانت تعترف له مكة كلها بأنه أرماهم فيها.
"يعني كان إذا شد قوسه ووضع السهم فيه لا يخطيء سهمه ولو كان في خاتم .
كان بارع جداً وتشهد له قريش كلها بذلك .
قال : فهممت أن ألحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
فأمسكني فتيان قريش، وحبسوني أيام عندهم يتناوبون حراستي .
فقمت ليلة أتظاهر أني مريض .
فقال بعضهم لبعض : لقد شغله اليوم بطنه فناموا .
"رجل ممغوص بطنه يوجعه لا يقدر أن يسافر "
قال : وأنا ليس بي شيء ولكن تصنعت ذلك لعلهم يطلقوا سراحي.
قال : فلما ناموا تسللت وركبت بعيري وخرجت ولم أتمكن من أن آخذ معي مالي فتركته تحت أسكفه "عتبة دار" وشعر بي القوم فلحق بي الرجال حتى لحقوا بي في أطراف مكة نادوني من بعيد
إنتظر يا صهيب .
لقد جئتنا صعلوك حقير لا مال لك وعملت في مكة حتى أصبحت من أكثرنا مالاً.
كان صهيب من أثرياء مكة ولكنه ليس مكي ( إنما بيع في سوق الرقيق وأعتقه الذي إشتراه)
ثم تاجر معه لأنه إكتشف أن عقله تجاري فأصبح ذا مال كثير وكان يملك من الذهب الشيء الكثير.
قالوا : جئتنا صعلوك لا مال لك وعملت عندنا والآن أنت أكثرنا مالا .
ثم ندعك تذهب بالمال إلى يثرب لا واللات لا يكون هذا أبدا
قال صهيب : فعلمت مطمع القوم .
فقلت لهم :_ لقد إستبان الأمر
يا أهل مكة كلكم تعلمون بأني أرماكم .
فو الله الذي لا إله إلا هو لا أترك سهم في كنانتي إلا وضعته في قلب رجل منكم .
فإن أردتم مالي دللتكم عليه .
أما أن تحولوا بيني وبين الهجرة فالموت دون ذلك.
فإن إنتهت سهامي وبقي منكم أحد أخذت سيفي وما زلت أضربكم حتى لا يبقى بيدي إلا قائمه "يعني حتى يتكسر"
كل هذا من أجل أن يلحق برسوله ﷺ وبإخوانه المؤمنين .
فقالوا له : قد رضينا ، دلنا على مالك .
فقال لهم : هو في مكان كذا وكذا ، تحت الأسكفه .
"يعني إخلعوا عتبة الباب تجدون المال مدفون تحتها"
وكان صادق وهم يعلمون أنه صادق ويعلمون أنه من دخل دين محمد لا يكذب.
قال تعالى .
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ...
قال تعالى .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .
فالمؤمن لا يكون كذاب
فعلموا أنه صادق فتركوه ورجعوا .
قال : وكان ذهب كثير .
فقلت "الحمد لله الذي صرفهم عني بحطام دنيا"
ثم مضيت ألحق برسول الله وكان ﷺ قد وصل إلى قباء .
قال : فلما إقتربت .
إستقبلني رسول الله وهو يضحك.
ويقول بخٍ بخٍ .. ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى
كنيته أبا يحيى .
فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله .
والذي بعثك بالحق لم يسبقني إليك أحد : هل جبريل أخبرك ؟
قال . نعم .
يقول : فبكيت وقلت الحمد لله جبريل يذكرني؟؟؟
هبط جبريل عليه السلام من فوق سبع سماوات بأمر من الله تعالى
وصهيب مازال واقفاً أمام النبي ﷺ .
وأنزل عليه قرآن يتلى إلى قيام الساعة
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد .
لأنه ألقى من قلبه حطام الدنيا كانت في يده فكان سهل أن يخرجها .
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : عن الدنيا للمؤمن .
فقال : نعم المال الصالح للرجل الصالح .
صهيب رضي الله عنه : باع دنياه وماله لماذا .
الثمن كان الآخرة مرضاة الله .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ .
النبي ﷺ يستقبله بخ بخ .
كلمة تعجب ومدح عند العرب .
ربح البيع أبا يحيى
ربح البيع أبا يحيى
ربح البيع أبا يحيى
ألا إن سلعة الله غالية
ألا إن سلعة هي الجنة
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والسبعون ٧٢
خوف قريش من هجرة النبي ﷺ .
جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، يستأذن النبي أن يلحق بإخوانه المهاجرين .
فقال له النبي ﷺ على رسلك.
"فإني أرجو أن يأذن لي "
أبا بكر الصديق رضي الله عنه قرأ الرسالة فعلم أن النبي ﷺ يريد الصحبة .
هاجر أصحاب النبي ﷺ .
هاجر حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم
هاجر عمر بن الخطاب الفاروق المؤيد بالحق من فوق سبع سماوات رضي الله عنه.
وهاجر الرجال الذين كان من الممكن أن يعتمد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لحمايته ولم يؤخر منهم أحد .
تكريماً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لكي ينال شرف الصحبة، ومعه معية الله تعالى.
قال تعالى :
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
▪ بعد رسول الله ﷺ مهما فعلنا لنكافيء أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا نستطيع ، فلا يستطيع مكافئته إلا الله"
رضي الله عنه وارضاه
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
وكأنها إشارة من الله تعالى بنص قرآني لنبينا محمد ﷺ .
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله .
لذلك إختاره النبي ﷺ
على رسلك أبا بكر فإني أرجو أن يأذن لي
قال ابو بكر الصديق رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي أترجو ذلك .
قال : نعم .
قال : إذاً الصحبة .
فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم برأسه : أن نعم .
فحبس نفسه عن الهجرة لكي يصحب النبي ﷺ .
لم يستعجل أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
ومازال النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر؟؟
كان من الممكن أن يأذن الله تعالى له قبل أن تشتعل الأمور في مكة ...
لكن لو كان ذلك لما كانت الهجرة درس لكل المسلمين أبداً .
لتكون أعظم درس في حياة المسلمين .
هاجر الصحابة رضي الله عنهم وبقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أبو بكر وعلي بن أبي طالب" رضي الله عنهما.
وكان علي رضي الله عنه فتى عمره يقارب 22 عام رضي الله عنه
وأبو بكر 51 عام رضي الله عنه.
وكان عمر النبي ﷺ 53 عام .
كان ممكن أن يعتمد النبي على الشباب .
هاجر كل المسلمين ولم يبق بمكة إلا الرسول ﷺ وعائلته وأبو بكر وعائلته.
وعلي رضي الله عنه.
كان ينتظر ﷺ أن يطمئن على هجرة كل المسلمين ثم يهاجر بعد ذلك .
علمت قريش أن أصحابه قد هاجروا وأن يثرب أصبحت دار إسلام وكل أهل المدينة ينتظرون قدوم النبي إليها ..
فجن جنونها : لماذا ؟؟
لأن هجرته أمر خطير جداً لأنه لو هاجر النبي ﷺ ليثرب :
فهذا يعني هو بداية دولة إسلامية في المدينة .
وهم يعلمون أن النبي ﷺ إذا أصبح لديه دولة إسلامية لن يترك مكة تحت حكم قريش .
والسبب الثاني :
قريش تعلم أن المدينة موقعها استراتيجي لأن المدينة " تقع بين مكة والشام"
وهو طريق تجارة قريش .
وتجارة قريش هي مصدر أموالها .
قريش كل قوتها بالمال.... والمال يأتي من تجارتها .
فإذا قطع عليهم أهل يثرب تجارتهم ضاعت قريش كلها .
فقامت العرب وللمرة الأولى في تاريخ البشرية بشيء إسمه "مؤتمر" .
وكان أول مؤتمر يعقد للعرب وحضره ابليس .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة و السبعون ٧٣
أول مؤتمر للعرب كان تحت رعاية إبليس .
لما سمعت قريش باقتراب هجرة النبي ﷺ ليثرب جُن جنونها .
فقررت قتل النبي ﷺ
سؤال :
لماذا لم تتخلص قريش من النبي ﷺ إلا قبل هجرته بيوم ؟؟
بقي النبي ﷺ في مكة 13 سنة يدعو إلى الإسلام فلماذا لم يقتلوه طوال تلك الأعوام الثلاثة عشر ؟
السبب :
أن كل قبيلة من القبائل كانت تخشى وتخاف من قبيلة النبي ﷺ " بني عبد مناف "
كانت أقوى بطون قريش ولن تسكت عن أخذ الثأر .
والآن قرروا قتل النبي ﷺ .
ماهو الشيء الجديد بالموضوع ؟
الآن قيادات قريش ورؤوس الكفر فكروا ولأول مرة :
في أن تشترك كل القبائل العربية بقتل النبي ﷺ وبذلك يصعب على قبيلة واحدة الأخذ بالثأر .
ويقبلوا الدية وينتهي الأمر .
اجتمعت قيادات قريش في دار الندوة لبحث هذا الأمر الخطير وكان على رأسهم :
"أبوجهل وأبوسفيان وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة"
وجميع قبائل قريش من سادتها وذلك قبل هجرة النبي ﷺ بيوم واحد . وعقدوا المؤتمر .
قالوا : نجتمع في دار الندوة ولا يحضر الإجتماع إلا كل ذي شرف .
"أي سادة قريش فقط .
وتكتموا على الخبر حتى يكون سر ولا يعلم به النبي ﷺ .
إجتمعوا في دار الندوة وجاء إبليس تكريماً لأبي جهل .
وقف على باب دار الندوة بصورة شيخ نجدي .
"لماذا جاء ابليس بصورة نجدي
لكي لا يعرف جاء بصورة رجل نجدي وعليه ثوب غليظ ويلبس عمامة ووقف عند الباب .
فقال له أبو جهل : من الرجل ؟
قال : شيخ من نجد ، سمعت بمؤتمركم فأحببت أن أشهده ولعله لا تعدمون رأي عندي .
قال أبو جهل : نِعمَ الرجل أدخل معنا .
دخل إبليس وأخذوا أماكنهم فكان إبليس يجلس بصدر المجلس لأنه ضيف .
فكان على رأس المجلس إبليس وأخذوا يتداولون الرأي والآن توصلوا للإقتراحات .
فقال قائل منهم : نحبسه كما كنا نحبس الشعراء وننتظر حتى يموت .
فلا يجتمع به أحد ولا يجتمع هو بأحد فنكون قطعنا بينه وبين أصحابه .
فقال إبليس : ما هذا لكم برأي يا سادة مكة .
إنكم لتعلمون حب أصحابهِ له وإنهم ليحبونه أكثر من الوالد والولد .
ولو سمعوا أنه محبوس عندكم جاؤوكم على الفور وقاتلوكم حتى ينقذوه .
وهذا ما تخافون منه أتسعون إليه برأيكم : ليس لكم هذا برأي .
فقال رجل آخر : نخرجه من مكة وننفيه منها ولا نبالي به أينما ذهب .
مباشرة تدخل إبليس واعترض .
هذا ما تخافون منه واجتمعتم لأجله .
قال هو خارج خارج دون أن تخرجوه فإن أخرجتموه سينزل على أهل يثرب وأصحابه وعند ذلك تقوى شوكته ويأتيكم ويغزوكم في مكة .
قال : ما هذا لكم برأي دبروا فيه رأي آخر .
فقال أبو جهل :
"كأن أبا جهل مقسوم من إبليس نصفين شيطان هذه الأمة.
فقال أبو جهل : إن لي رأي لن تصلوا إليه أبداً ولعله يعجبك يا شيخ نجد .
قال : هاتِ ما عندك ؟؟
قال : نأخذ من كل قبيلة شاب قوي ذو نسب .
ثم يعطى كل واحد منهم سيفا صارماً فيعمدوا إليه جميعاً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل .
فلا يقدر بنو هاشم على حربهم جميعاً ويرضون بالعُقل فنعقل لهم .
العُقل معناه الدية وسميت بالعُقل لأنهم كانوا يعقلون الإبل أي يربطوا 100 ناقة على باب صاحب الحق حتى يرضى ويعفو .
ويأخذوها لأنهم لايستطيعون أن يطالبوا بدمه و لايستطيعون أن يقاتلوا العرب جميعا .
إبتسم إبليس وإنشرح صدره وصفق .
"وما أرى التصفيق إلا أخذ عنه في المؤتمرات "
صفق لأبي جهل وقال : نِعمَ الرأي هذا فلا رأي غيره .
"إبليس يريد الخلاص من النبي ﷺ"
قال هذا هو الرأي .
وفض الإجتماع على العمل بهذا القرار الآثم الجائر الظالم الذي يدل على ما وصل إليه القوم من حقد وظلم وبغي .
وكيف أن الكفر قد تغلغل في قلوبهم وتمكن من عقولهم .
جمعوا الشباب وكان تدبيرهم مكراً كما قال الله في القرآن .
والمكر هو تدبير الأمر خفية واحكام الأذية .
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
فأوحى الله إلى نبيه وجاء جبريل يخبر النبي ﷺ بالمؤآمرة ويرسم له خطة الخروج .
لا حظوا معي ماذا كانت قرارت قريش :
أول قرار كان :
1 - أن يحبسوا النبي ﷺ .
2 - أن يخرجوه من مكة وينفوه خارجها .
3 - وهو قتل النبي ﷺ .
وانظروا كيف جاء القرآن الكريم بترتيب مختلف لنفهم بلاغة القرآن الكريم وحب الله عز وجل لنبيه ﷺ .
*قال تعالى :
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ .
ليثبتوك . وهذا الرأي الأول لهم
أو يقتلوك . وهذا الرأي الاخير الذي اتفقوا عليه .
أو يخرجوك . هذا الرأي الأوسط .
ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ..
فجاء الإخراج في الأخير مع أنه كان الرأي الوسط ورفض .
لماذا رتب القرآن هذا الترتيب ؟
لأن رسول الله ﷺ يفهم عن الله عز وجل وأن الله يختم بكلامه الحق والحقيقة .
في قصة يوسف قال تعالى .
إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ . وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ .
ختم الله الآيات بإظهار الحقيقة . بصدق نبي الله يوسف عليه السلام
وهذه هي الحقيقة :
فالله عز وجل يحب رسوله ﷺ .
وجاء القرآن الكريم حريص على شعور النبي ﷺ والشواهد من القرآن كثيرة نأخذ واحدة منها للتوضيح :
قال تعالى .
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ....
نزلت في المنافقين يوم الخندق .
عفا الله عنك لم أذنت لهم فقدم الله العفو قبل العتاب :
حتى لا يحزن قلب النبي صلى الله عليه وسلم من عتاب الله له فقدم العفو.
فجاء القرآن الكريم يخبر النبي ﷺ أن نهاية مؤتمرهم سيكون هجرتك من مكة ولن يحبسوك ولن يقتلوك.
فقدم له اقتراحتهم وانهى الله الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم بالبشرى.
فأخبره جبريل عليه السلام بالمؤآمرة .
وقال له : لا تنام هذه الليلة في فراشك وانتظر حتى يكون وسط الليل يكون الخروج.
وقال له أن يجهز نفسه في وسط النهار لأن المؤآمرة كانت في الصباح .
جاء جبريل عليه السلام وقت الظهر وبعد أن إرتفع قام ﷺ .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والسبعون ٧٤
تجهيزات النبي ﷺ للهجرة .
جاء جبريل عليه السلام وقت الظهر وأخبره بالمؤآمرة .
قال له لا تنام هذه الليلة في فراشك .
وانتظر حتى يكون وسط الليل يكون الخروج .
وبعد أن إرتفع جبريل قام ﷺ فتقنع بثوب .
"التقنع هو وضع الثوب على الرأس والإلتفاف به
أولاً : من شدة الحر .
وثانياً : للتخفي وأخذه بالأسباب ﷺ.
قام ﷺ فتقنع بثوب واتجه إلى دار أبو بكر الصديق ليخبره .
تقول : عائشة رضي الله عنها : كما أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
تقول كان رسول الله ﷺ لا يأتي عليه يوم إلا يغشانا
"أي يأتينا في دار أبو بكر الصديق رضي الله عنه "
إما بكرة وإما عشية.
وله ﷺ في بيت أبو بكر أهل وهي زوجته عائشة تزوجها ولكن لم يدخل بها .
قالت : حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله ﷺ في الهجرة : أتانا رسول الله ﷺ بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها .
"الهاجرة وقت الظهر والحر شديد"
قالت : فلما رآه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله : ما جاء بك بهذه الساعة إلا لأمر حدث ؟
قالت : فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله ﷺ على السرير .
قال له ﷺ أخرج عني من عندك .
"أخرج من كان عندك بالدار "
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فداك أبي وأمي إنما هم إلا أهلك .
"يعني زوجتك عائشة وأختها أسماء" رضي الله عنهما.
ما الخبر ؟
فقال : إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة .
فقال أبو بكر . الصحبة يا رسول الله .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم . نعم .
تقول عائشة رضي الله عنها : فجهش أبو بكر رضي الله عنه بالبكاء .
فلا والله ما علمت أن أحد يبكي من الفرح قبل أن رأيت أبا بكر يبكي يومها .
"تقول لا أدري أن الفرح يبكي . الناس تبكي من الحزن أما أن يبكي من الفرح"
وكان أبو بكر رضي الله عنه عندما أراد الهجرة وقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً أخذ يخطط ويستعد للهجرة .
ذهب واشترى راحلتين وجعل الراحلتين عند رجل من المشركين ليرعاهما وهو "عبد الله بن أريقط"
لأنه لو ترك الراحلتين عنده سيلفت الإنتباه.
ثم قال أبو بكر : يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا اليوم خذ واحده منهما
فقال ﷺ : ولكن بثمنها يا أبا بكر .... فقال : هي لك .
قال : بالثمن الذي إشتريتها به .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : نعم رضيت .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا قبلت .
كم ثمنها يا ابا بكر ؟
قال له . 400 درهم .
فقال له . هو لك في ذمتي .
هل تعلمون أن أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان من أثرياء قريش .
تقول أسماء بنته : كان أبي من أثرياء قريش يملك من المال 800 ألف .
تقول أسماء رضي الله عنها : فأنفقها على رسول الله والدعوة إلى الله وعلى المسلمين المستضعفين .
فلما هاجر لم يكن معه إلا 5000.
تقول : فوالله لما هاجر أخذها معه ولم يدع لنا شيئا .
وهو الذي إشترى بلال الحبشي رضي الله عنه وكان تحت التعذيب.
لما رأى ابو بكر الصديق رضي الله عنه تعذيب أمية بن خلف لبلال رضي الله عنه
قال أبو بكر لأمية : ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين . حتى متى تعذبه؟
قال : أنت أفسدته فأنقذه مما ترى .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه اشتريه منك . فكم تريد ؟؟
قال أمية : آخذه بدل قسطاس .
"قسطاس رجل من العبيد عند أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان هو وزوجته وبنته عبيد .
لم يسلموا وكان قسطاس من العبيد الأقوياء تتمنى كل قريش أن تمتلكه .
والتفت أمية بن خلف إلى من حوله وهمس قائلا لهم وهو يضحك لألعبن بأبي بكر لعبة ما لعبها أحد بأحد .
ضحك وقال : أعطيني قسطاس بدل منه يا ابا بكر رضي الله عنه.
فقال أبو بكر رضي الله عنه :إن فعلت تفعل ؟
قال . نعم .
قال . قد فعلت .
فتضاحك أمية
وقال : لا حتى تعطيني معه امرأته .
قال : إن فعلت تفعل ؟
قال . نعم .
قال . قد فعلت ذلك .
فتضاحك أمية
وقال : لا حتى تعطيني ابنته مع امرأته.
قال ابو بكر . إن فعلت تفعل ؟
قال . نعم .
قال . قد فعلت ذلك .
فتضاحك أمية وقال . لا حتى تزيدني معه رطل من ذهب .
فقال أبو بكر رضي الله عنه : أنت رجل لا تستحيي من الكذب.
قال : لا واللات والعزى .
لأن أعطيتني لأفعلنّ .
فقال : هي لك . فأخذه .
فقالت قريش وهي مستغربة بهذا المبلغ الذي اشترى فيه بلال رضي الله عنه .
قالوا : والله ما أعتق أبو بكر بلالا إلا ليد كانت له عنده فيكافئه .
"يعني بلال رضي الله عنه : عمل معروف لأبوبكر رضي الله عنه فأراد ان يكافيء بلال .
لم يدخل بعقولهم : أن هذا الدين يخرج حب الدنيا من القلوب"
فأنزل الله تعالى في سورة الليل آيات بحق أبي بكر رضي الله عنه رداً على قريش .
قال تعالى :
وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
وما لأحد عنده من نعمة تجزى .
لم يكن لبلال يد عند أبو بكر فيكافئه رضي الله عنهما.
وقد اشترى أبو بكر رضي الله تعالى عنه جماعة آخرين ممن كان يعذب في الله.
منهم "حمامة" أم بلال الحبشي اشتراها واعتقها أبو بكر
منهم "عامر بن فهيرة" كان يعذب في الله تعالى حتى لا يدري ما يقول .
اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأعتقه .
منهم "أبو فكيهة" كان يعذبه رجل من سادة قريش في منتصف النهار
في شدة الحر مقيدا إلى الرمضاء مربوط وممدد على رمال مكة الملتهبة .
وقد وضع على بطنه صخرة .
ومن شدة العذاب اغمي عليه وخرج لسانه من فمه
والمشركون يقولون لسيده "زده عذابا زده عذاباً حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره"
فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه .
ومنهم امرأة اسمها "زنيرة" عذبت في الله تعالى على يد أبوجهل حتى فقدت بصرها وعميت
قال لها يوما أبو جهل : إن اللات والعزى فعلنا بك ما ترين .
فقالت له : كلا والله لا تملك اللات والعزى نفعا ولا ضرا .
هذا أمر من السماء وربي قادر على أن يرد عليّ بصري .
فأصبحت تلك الليلة وقد رد الله تعالى عليها بصرها.
فقالت قريش : إن هذا من سحر محمد .
اشتراها أيضا أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتق الكثير ولا يسع المقام لذكرهم .
عن أنس رضي الله عنه قال النبي ﷺ .
حب أبي بكر واجب على أمتي .
رضي الله عنه وأرضاه
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والسبعون ٧٥
رد الأمانات إلى أهلها .
جهز أبو بكر الصديق رضي الله عنه راحلتين ، ولم يقبلﷺ منه الراحلة إلا بثمنها .
لماذا قبل النبي ﷺ إنفاق أبو بكر الصديق رضي الله عنه كله قبل ذلك ولم يقبل منه الراحلة ؟؟
لأنه ﷺ أحب أن تكون هجرته لله كاملة من ماله لله تعالى .
فرضي الصديق رضي الله عنه.
ثم طلب منه النبي ﷺ أن يختار له دليل للطريق يكون خبير .
فتشاورا و وقع إختيارهما على "عبد الله بن أريقط"
الذي وضع عنده أبوبكر رضي الله عنه الراحلتين .
عبد الله بن أريقط : رجل مشرك والهجرة ستكون بالسر .
والنبي لما جاء إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال له أخرج من عندك وذلك لكتمان الأمر .
إستعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر و الكتمان .
فما دام الأمر يحتاج إلى الكتمان فما معنى أن يختار النبي ﷺ دليله على الطريق رجل مشرك
أليس هذا إفشاء للسر
1- قد علم رسول الله ﷺ أن هذا الرجل ثقة وموضع للسر وأنه سيؤمن.
وبعد أن دلهم على الطريق أسلم عبد الله بن أريقط رضي الله عنه.
2- أبوبكر الصديق رضي الله عنه تاجر : والتاجر يستطيع أن يفهم الناس ومعادنها .
3- عبدالله بن أريقط كان خبير بالصحراء محنك ومميز جدا بخبرته.
الدرس من هذا أنه يمكن للمسلم أن يستعين بمشرك إذا لزم الأمر .
فأعطاه أبوبكر الصديق رضي الله عنه الراحلتان وتواعد معه بعد ثلاث أيام .
واتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله عنه : أن يختار غار ثور .
في تلك الليلة وضعت الخطة.
ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته.
وكان ليس عنده في البيت إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبنات النبي صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة زوجته رضي الله عنهن.
لماذا رجع ﷺ إلى بيته والوقت ضيق ؟
كي يرتب مع : علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف يرد الودائع إلى أهل مكة .
يقول ابن كثير رحمه الله : في كتابه "السيرة النبوية"
ولم يكن بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه ، إلا وضعه عند الرسول ﷺ .
مع كل هذا التكذيب وكل هذا الإيذاء .
ومع ذلك ليس هناك أحد يثقوا به في مكة كلها إلا الرسول ﷺ .
"لأن المال ليس فيه لعب.
نكذبه ولكن عند وضع الأمانات والمال نحن نعلم أنه الصادق الأمين"
قال النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه : إني مهاجر هذه الليلة .
وعليك أن تبقى أنت من بعدي هنا .
فإن لقريش عندي أمانات وودائع .
والله إنها من الأمور العجيبة .
قريش كلها الذي يملك منهم شيئاً ثمينا له قيمة ويخاف عليه : يضعه أمانة عند رسول الله .
هم يعلمون أنه "الصادق الأمين" ولكن العداوة عين الرضا وعين الغضب .
قال : يا علي تبقى ورائي حتى ترد هذه الأمانات إلى أصحابها
إنهم أعداؤك وأنت تعلم أنهم قد وضعوا يدهم على دار كل مسلم قد هاجر .
فالمسلمون الذين هاجروا أخذت قريش بيوتهم وأموالهم.
وسيأخذون دار النبي صلى الله عليه وسلم : وقد فعلوا فلقد أخذها "عقيل بن أبي طالب" شقيق علي رضي الله عنه وباعها .
ولما جاء ﷺ في حجة الوداع وقد أصبحت مكة دار إسلام
يقول أسامة بن زيد رضي الله عنه :
أتنزل في دارك ، يا رسول الله.
فقال : إضربوا قبتي عند الحجون .
وهل ترك لنا عقيل من دار ؟
لأن عقيل أخذها وباعها والذي إشتراها أسلم .
فجاء يعرض على النبي ﷺ أن يرجع له داره.
فقال ﷺ إنا لا نرجع في شيء تركناه لله .
جلس مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
يقول له : هذه لفلان
وهذه ملك فلان .
وهذه لفلان وفلان.
أخذ معه وقت طويل في رد الأمانات حتى العشاء .
في هذا الوقت جاءت قريش بشبابها الأقوياء وقد حاصروا بيت النبي ﷺ بالكامل .
جاء فتيان قريش كما اتفقوا ينهالون من كل مكان إلى دار النبي ﷺ وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم .
"يعني لم يتركوا منفذ أو متنفس إلا يوجد شاب يمسك سيف بيده وقائدهم أبو جهل أخزاه الله.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: الحلقة السادسة والسبعون ٧٦
حصار بيت النبي ﷺ .
جاء فتيان قريش كما اتفقوا ينهالون من كل مكان إلى دار النبي ﷺ وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم .
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب .
بسم الله الرحمن الرحيم.
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
ثم خرج ووضع التراب على رؤوسهم. فأخذ الله تعالى بأبصارهم فلم يشعروا به صلى الله عليه وسلم.
فما ترك منهم فتى إلا ووضع التراب على رأسه .
وقبل أن يخرج ﷺ قال لعلي رضي الله عنه : انظر فإنهم يحيطون بالدار وينظرون من خلل الباب.
"الخلل أي الشقوق . الباب كان ألواح خشب مجمع بعضها على بعض وفيها شقوق ولأن الدار فيها سراج وفي الخارج لا يوجد ضوء.... فالخارج يرى الذي بالداخل"
قال : انظر إنهم ينظرون من خلال الباب فعليك أن تشغلهم عني ساعة .
"أخذ بالأسباب والحكمة انظروا إلى حسن التوكل على الله ولكن مع الأخذ بالأسباب .. إعقلها وتوكل"
فعليك أن تنام بفراشي هذا يا علي رضي الله عنه
وأن تتغطى ببردي الأخضر هذا .
"أي الذي ينام فيه النبي وكل قريش تعرفه"
حتى إذا كان الفجر علموا أنك علي رضي الله عنه.
وترد الودائع للناس وتلحق بي إلى يثرب....
من هذه الكلمات "رد الودائع ثم تلحق بي وصلت الرسالة"
عرف علي رضي الله عنه ما دام يقول : أرجع الأمانات ثم اللحاق إلى يثرب إذاً أنا لن أقتل.
دروس الهجرة لم تكن في شخص النبي ﷺ فقط .
بل كانت في أصحابه أيضاً رضوان الله عليهم.
✨✨✨✨✨✨
نام على رضي الله عنه بالفراش . وطال الوقت على قريش وأخذوا ينظرون .
وكلما نظروا من شقوق الباب يرون رجل متغطي نائم ..
يقولون : هذا هو محمد نائم إلا أنهم شكّوا في الأمر....
كان على رضي الله عنه يتقلب بالفراش .
فهم يعلمون طبع النبي ﷺ .
كانوا يروه أكثر من مرة عندما ينام يضجع على شقه الأيمن ولا يتقلب . ولكن يقولون هو محمد في برده نائم .
حتى إذا تأخر إنتظارهم حدثوا بعضهم بعضاً .
قالوا : ألا نقتحم عليه داره ؟
لماذا ننتظر حتى الفجر ؟؟
فقال بعضهم : ماذا تقولون : إنها السبة في العرب
أي عار هذا .
كيف إذا تحدثت العرب وقالوا إقتحموا في الليل على بنات عمهم في خدورهن .
قالوا : لا بل ننتظره حتى يخرج لصلاة الفجر.
"كانوا كفار صحيح ... ولكنهم عرب .
كانوا من معدن كريم رفضوا"
انتظرت قريش .
حتى إذا كان قبيل الفجر جاءهم إبليس بعد أن خرج النبي ﷺ في منتصف الليل ..
جاءهم إبليس كما جاءهم من قبل ولكن ليس بصورة شيخ نجدي حتى لا يكتشف أمره .
جاء بصورة رجل عادي .
وقال : ويحكم ماذا تنتظرون ؟
قالوا : ننتظر محمد حتى إذا خرج قتلناه بسيوفنا
فقال : لهم قبح الله وجهكم .
قد خرج محمد منذ ساعة وما ترك رجل منكم إلا ووضع على رأسه التراب . إلتمسوا رؤوسكم .
وضعوا أيديهم على رؤوسهم وإذا التراب على رؤوسهم .
قالوا : كيف خرج ؟
قال لهم : قد خرج وأنتم نائمون .
قالوا : لم ننم أبداً .
قال لهم : لقد خرج ووضع التراب على رؤوسكم .
وبين مصدق و مكذب؟؟
نقتحم عليه لا نقتحم .
فقام علي رضي الله عنه من الفراش ليتوضأ لصلاة الفجر ..
فلما قام رأوه .. إنه علي رضي الله عنه.
فدفعوا الباب . وقالوا . إفتح يا علي رضي الله عنه.
ففتح الباب!!
قالوا : أين محمد ؟
قال لهم : لا أدري .
على رضي الله عنه فعلاً لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور .
فلم يخبر النبي عن خطة الهجرة إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
قال . لا أدري !!!
"هم يعلمون إذا قال أحد من أصحاب محمد لا أدري فهو صادق .
قالوا : ويلك قد شككنا أن محمد هو الذي بالفراش
ومحمد لا يتقلب ولكنك أوهمتنا .
قالوا : يا علي ألا تعلم أين ذهب ؟
قال : لا أدري .
فتركوا على رضي الله عنه وانصرفوا .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والسبعون ٧٧
غار ثور .
توجه النبي ﷺ إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وخرجا من فتحة في ظهر الباب .
قبل بزوغ الفجر حتى لحقا بغار ثور.....
خرج ﷺ من مكة وهو في الطريق يقف على مشارف مكة وينظر إليها :
و يقول ﷺ والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله عز وجل ولولا أني أُخْرجت منك ما خرجت .
وتوجهوه إلى جبل ثور الذي يوجد فيه غار ثور
وسمي الجبل بهذا الإسم عند قريش .
"لأن من نظر إلى الجبل من بعيد يراه كأنه صورة رأس الثور"
وصعدوا إلى الجبل وهي مسافة كبيرة جدا تحتاج لصعوده ساعات
وهم يصعدون للجبل أنزل الله عليه آيات من سورة القصص .
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ .
وأنزل عليه يطمئن قلبه وعد من الله له :
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ .
يعني أنك ستعود مرة أخرى لمكة وكانت طبيعة الجبل خشن .
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : عندما وصلنا للغار .
نظرت إلى قدمي النبي ﷺ في الغار وقد تقطرتا دماً .
لم يجدوا قريش محمد في البيت فجن جنونهم
وصرخ فرعون هذه الأمة أبو جهل واستنجد بقريش وأخذت تبحث عنه في كل أجزاء مكة .
وأخذوا يستخدمون الناس الذين يعرفون الأثر .
"خبراء آثار الاقدام"
وينتهي الأثر عند جبل ثور .
اندهشوا لماذا جبل ثور ؟
المهاجر من مكة للمدينة يجب أن يسلك جهة الشمال لأن المدينة تقع شمال مكة هذا طريق المدينة .
لكن جبل ثور يقع غرب مكة ويبعد مشياً على الأقدام ساعة ونصف تقريباً
لما إتبعوا الأثر ووصلوا إلى جبل ثور وإنتهى الأثر إستغربت قريش ووقفت مذهولة وحارت ساعة من الزمن!!!
قالوا : من أراد من أهل مكة الذهاب ليثرب يسلك طريق الغرب .
"كان هذا تمويه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك فالأثر أخذهم إلى هناك فهم لا يكذبون أنفسهم فقد كانوا يعرفون الأثر لا على الرمال فقط حتى على الصخر يعرفوا الأثر"
إنتهى الأثر هناك ..
قالوا لخبير الأثر .. أين إتجه ؟
قال : ليس إلا إلى الجبل لم يأخذ يمين ولا شمال
فالأثر من دار محمد إلى دار أبا بكر أثر واحد .
ومن دار أبي بكر إلى هنا أثر رجلان أثنان .
فاشتعل أبو جهل من الغضب .
وإتجه إلى دار أبي بكر لأن بيت أبو بكر أسهل من أن يصعدوا الجبل :
وقرع الباب بشدة.
تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : ففتحت له وإذا أبوجهل يقف بالباب مغضباً .
قال : يا بنت أبي بكر أين ذهب أبوك .
قلت : والله لا أدري .
"هي فعلاً في هذه اللحظة كانت لا تدري فبنات .
أبي بكر وحتى عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعلم أين يتجه النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا أنه خرج مهاجر لكن جبل ثور هذا سر بين إثنين ."
قالت : والله لا أدري .
ولكنه لم يملك نفسه من شدة الغضب.
قالت : فرفع يده وكان سفيهاً ولطمني على وجهي .
الرسول ﷺ بقي مع أبي بكر ثلاثة أيام في الغار
وأسماء بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها عندما علمت هي التي كانت تحمل لهم الطعام كل يوم
لماذا أسماء رضي الله عنها ؟
السبب : أن أسماء رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت حامل في الشهر السابع .
ولا يمكن أن يشك فيها أحد .
وبالمناسبة كانت حامل .. أتدرون بمن ؟؟
كانت حامل في "عبد الله بن الزبير" رضي الله عنه
الذي كان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة .
فقد ولدته أسماء بعد شهرين في المدينة المنورة
عبد الله بن الزبير .
الذي قُتل على يد الحجاج .
الذي كان الحجاج يستهزء به ويقول لعبدالله يا ابن ذات النطاقين يقصد أسماء
لماذا أسماها ذات النطاقين ؟؟
قبل أن يخرج الرسول ﷺ مهاجرا للمدينة من غار ثور
جهّزت الماء والغذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه
فلم تجد ما تربط به الوعاءين فقامت بشقّ نطاقها إلى نصفين .
"النطاق الحزام كانت لما تلبس المرأة الثوب في قريش كان ثوب المرأة فضفاض نسميه (روب)
فتربطه بقطعة قماش على خصرها حتى يسهل عليها المشي لأن إذا نزل على الأرض تتعثر بمشيها"
فقامت بشقّ نطاقها إلى نصفين
حتى تضع الغذاء وتربط بالآخر قربة الماء . وذهبت إلى غار ثور بلا نطاق .
فلما رآها النبي ﷺ، تسير بلا نطاق وتتعثر .
بشرها النبي ﷺ وقال .
يا أسماء والذي نفسي بيده لقد أبدلك الله نطاقين في الجنة .
"وهذه بشارة لأسماء بالجنة" رضي الله عنها.
الحجاج : كان يعاير عبد الله بن الزبير .
فدخلت أسماء رضي الله تعالى عنها على الحجاج.
وقالت : بلغني أنك تقول وتعاير ولدي عبدالله بابن ذات النطاقين .
نعم يا حجاج : أنا والله ذاتُ النطاقين .
كنت أرفع بهما طعام رسول الله ﷺ وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهما في الغار .
رجعت قريش وقررت صعود الجبل .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والسبعون. ٧٨
قريش عند غار ثور .
عاد أبوجهل وقريش إلى جبل ثور....
وقال : إصعدوا الجبل .
وصعود الجبل مهمةصعبة فأخذوا يصعدون الجبل بسيوفهم وعصيهم .
وكانوا جمع كبير من قريش وعلى رأسهم أبوجهل وأمية بن خلف .
جبل ثور يستغرق صعوده بضع ساعات إلى أن تصل لغار ثور .
صعدوا والوقت نهار وشمس ساطعة وكان الجو حار
حتى وقفوا بباب الغار .
صعدوا بغضب وجنون وقد أعلنوا جائزة لمن يرد محمد 100 من حمر النعم ( الإبل)
وصلت قريش إلى باب الغار حتى كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يسمع كلامهم .
يقول أبو بكر رضي الله عنه للنبي ﷺ بأبي وأمي أنت يا رسول الله لو نظر أحدهم من موضع قدميه إلى فم الغار وتأمل بالغار لأبصرنا
وقد نقل أنه لدغته عقرب عدة لدغات ولم يغير مجلسه أدبا مع حديث رسول الله ﷺ .
فقال له ﷺ يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما .
وينزل الله هذا في القرآن الكريم
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ....
لما قرأ احد الصحابة هذه الآيات أمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي ﷺ .
بكى بكاء شديد وابتلت لحيته وهو يردد ويقول :
أنا صاحبه أنا صاحبه ﷺ
سقطت دموع أبي بكر الصديق رضي الله عنه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وسأل فقال : لدغت فداك أبي و أمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب الألم.
قبل دخول النبي ﷺ للغار!!
يقول الصديق رضي الله عنه : للنبي ﷺ .
بأبي وأمي لا تدخله حتى أستكشفه لك .
"يعني أدخل أنا أول أشوف إذا فيه شيء يؤذي"
فقال له ﷺ أتحب يا أبا بكر إن به شيء أن ينزل بك قبلي ؟
قال . نعم لا أراك تصاب بمكروه .
فنزل الصديق في الغار وتفقده فلم يجد به شيء .
ولكن وجد فيه شقوق بين الصخور خاف أن يكون فيها شيء من أفاعي أو حشرات مؤذية تخرج من الشقوق .
فأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يمزق من ثوبه ويحشي هذه الشقوق .
ثم قال : ادخل يا رسول الله فدخل والليل كان ظلام .
"وقد صح أنه ﷺ خرج مهاجر غرة ربيع الأول سنة ( 1 هجري)
دخل النبي صلى الله عليه وسلم ومن شدة التعب وضع رأسه على قدم الصديق ونام .
وبقي الصديق من غير أن ينام خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما طلع الفجر وإنتشر النور نظر النبي ﷺ إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وهو من دون ثوب عليه قطعة قماش تستر عورته فقط .
قال ﷺ : يا أبا بكر رضي الله عنه أين ثوبك ؟
فاستحى الصديق وأنزل رأسه
وقال : سددت به هذه الشقوق يا رسول الله خشيت أن يخرج منها ما يؤذيك .
"الحديث في البخاري" رحمه الله.
فبكى النبي ﷺ حتى إبتلت لحيته ثم رفع يديه وقال .. اللهم إن الصديق قد أَوجَب . فاجعله معي في درجتي حيث كنت في الجنة .
الصديق رضي الله عنه ينال درجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة .
أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنفق ماله كله في الدعوة إلى الله تعالى والمستضعفين .
ولما هاجر لم يترك في بيته درهم ولا دينار.
وأنه نزل فيه قوله تعالى .
وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يرضى .
قسم من الله تعالى :
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه : يوم القيامة سيعطى ويعطى، ويعطى ، .. حتى يرضى.
وفي آية ثانية بعد أن أقسم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى .
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ...
أول آية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ولسوف يرضى.
والآية الثانية لرسول الله ﷺ .
ولسوف يعطيك ربك فترضى.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و السبعون ٧٩
سراقة بن مالك .
رجعت قريش من غار ثور وجائزتها كانت كما قلنا 100 ناقة من حمر النعم في كل منهما .
لمن يردهما أحياء أو ميتين .
وأخذت قريش تبحث في كل مكان طمع بالجائزة.
والنبي ﷺ جالس في الغار مدة ثلاثة أيام إلى أن خفّت حدة البحث .
فاطمأن النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : إنزل وأنظر موعد "عبد الله بن أريقط"
فنزل في اليوم الرابع وكان على موعد معه في مكان معين "الراحلتان مع عبد الله بن أريقط"
فإختب أبو بكر الصديق رضي الله عنه : حتى ظهر عبدالله أولاً
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يراقب هل خلفه أحد ؟؟
هل هو عين لأحد .
هل سيخون ويدل عليهم ؟
حتى إذا وجده ينتظر : ظهر له أبو بكر واستطاع أن يعرف منه صدق النية .
هل ما زال على وعده أن يكون الدليل إلى يثرب ؟؟
وكان الشرط أن يسلك بهم طريق لا تسلكه القبائل ولا تعرفه قريش فلما تأكد منه
قال : إنتظرني ها هنا ثم غاب أبو بكر الصديق رضي الله :
ورجع بالنبي ﷺ وقدم إليه أحسن الناقتين فركبها ﷺ وأطلق عليها إسم "القصواء" وهذه الناقة التي دخل بها النبي ﷺ المدينة ويقول لهم دعوها إنها مأمورة .
"يعني إن الله يأمرها ويوجهها"
إنطلق ﷺ يصحبه "أبو بكر رضي الله عنه : وعامر بن أبي فهيرة خادمه
والدليل للطريق عبدالله بن أريقط الرجل الخبير"
فلما كانوا على بعد قليل من مكة أبصر بهم رجل من بني مدلج سيد قومه : "سراقة بن مالك المدلجي"
كان سراقة جالس بين قومه والكل يتحدث مكة بضواحيها وكل من حولها ترصد أخبار محمد صلى الله عليه وسلم
وحديث بني مدلج محمد وصاحبه والجائزة 200 ناقة من حمر النعم .
فجاء شاب مسرع ويلهث .
قال : يا سراقة لقد أبصرت سواد في طريق الساحل بين الثلاثة أشخاص أو أربعة....
يا سراقة : لا آراهم إلا محمد وأصحابه.
يقول سراقة "وقد أسلم فيما بعد رضي الله عنه"
يقول : فغمزت له بعيني " أن أسكت .
ثم قلت . لا .. ليس محمد وصحبه هذا فلان وفلان ذهبوا ونحن نعلم وهم يبحثون عن ضالة لهم .
قال سراقة : وشغلت القوم بحديث بعيد عن صلب الموضوع ثم خرجت من مجلسي
وكان سراقة هو سيد القوم فلم يسأله أحد لماذا قام ؟
قال سراقة : فدخلت الدار وأمرت خادمي أن يأخذ حصاني وأن يضعها بعيداً عن نظر القوم . ثم أخذت رمحي فجعلت زجه بالأرض "الزج يعني حديدة الرمح حتى لا تلمع مع ضوء الشمس ويراه قومه"
وأخذت أخط برمحي الأرض حتى وصلت إلى حصاني فركبتها.
فما زالت تقربني إلى طريق الساحل حتى رأيت محمد وصحبه .
فدنوت منهم حتى هممت أن أرمي برمحي .
فعثرت بي فرسي فألقتني عن ظهرها .
فقمت فزجرتها ثم ركبت على ظهرها حتى دنوت منهم وأصبحت أسمع قراءة محمد وهو يقرأ القرآن الكريم.
حتى لو ألقيت برمحي لأصبت .
قال : فساخت يدا فرسي في الرمال "يعني نزلت بالرمل. وتوقفت فرسي بهذه الرمال فعلمت أنه ممنوع .
فقلت : يا محمد أنا سراقة بن مالك .
وها أنا قد أدركت قف أكلمكم .
فسمعته يقول لأبي بكر رضي الله عنه ولم يلتفت.
قل : له يا أبا بكر رضي الله عنه ماذا تبتغي منا ؟
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ماذا تبتغي منا ؟
قال : أكلمكم
قال : يا محمد قد علمت أن أمرك ظاهر .
"أي أن الله منعني أن أصل إليك علمت أنك مؤيد من الله"
قد علمت أن أمرك ظاهر أريد منك كتاب .
سراقة يطارد النبي ﷺ ويبشره بفتح مكة من الآن
فقال ﷺ لأبي بكر رضي الله عنه اكتب له كتاب وألقيه إليه . فقلت : يا محمد يا إبن سيد قومه قف أكلمك .
قال : فوقف واستدار وكان لا يلتفت ﷺ .
كان إذا أراد أن يلتفت إلتفت بكلّه .
فوقف وإستدار
قال : نعم يا سراقة ؟
قلت : إن معي مال وطعام أعرض عليكم مساعده.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا بمالك ولا طعامك .
قلت : هذا سهم من كنانتي يعرف بريشتي ستأتون على غنم لي مع الراعي خذوا منها ما شئتم .
فقال له ﷺ : بارك الله في غنمك لا حاجة لنا بذلك .
قلت : يا محمد إني على يقين بأن أمرك ظاهر وإني أعلم أنك دعوت عليّ وعلى فرسي حتى ساخت بالرمال .
فادعوا الله أن يطلقها وسأرجع ولن يأتيكم مني شر أبداً وهذا كتاب عهد بيني وبينك .
فقال النبي ﷺ : اللهم إن كان صادقاً فأطلق له فرسه .
قال : فنفضت يداها من الرمال وخرج لهم غبار ملء السماء كأنه دخان .
يقول سراقة ثم قال لي رسول الله ﷺ عمّي عنا الأخبار من هذا الوجه.
"يعني كل ما لقيت واحد أرجعه"
وإن كانت قريش جعلت لك مئة ناقة من حمر النعم
فأنا أقول لك يا سراقة لك سواري كسرى إن أنت وفيت.
سواري كسرى : شيء عظيم شخص مطارد من قومه يبشره بسواري كسرى الذي يضرب بهم المثل .
من يستطيع أن يصل لكسرى حتى يصل لسواري كسرى ..
سواري كسرى تاجه من الذهب كان كسرى لا يضعه على رأسه لأنه ثقيل لأن العنق لا يستطيع أن يحمله لو يميل يكسر رقبة كسرى .
فكان معلق بجنزير من الذهب بالسقف فوق العرش إذا جلس كسرى كان التاج فوق رأسه فلا يكون ثقله على رأسه يعده النبي صلى الله عليه وسلم بسواري كسرى"
يقول سراقة : فلم أكذبه ولكن قلت رجل مطارد من قومه يلجأ إلى غار يختبيء به ثلاثة أيام يبشرني بالظهور على كسرى إن أمره لعجب .
رجع سراقة وكلما لقى شخص بالطريق يقول له : كفيتم هذا الوجه إرجعوا إبحثوا في غيره
نأخذ أول بشارة لسراقة ونتقدم بالأحداث .
فتح النبي ﷺ مكة وسراقة لم يظهر ولم يأتي .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حُنين وانتصر : فأقبل سراقه يدس نفسه بين الخيل والرجال .
فأخذوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبعدونه ويقولون له : دونك دونك "أي إبتعد"
فرفع سراقة الكتاب الذي كتبه له أبو بكر الصديق رضي الله عنه
على أي شيء كتب له ؟
على قطعة من عظم.
رفع سراقة الكتاب :
وصرخ سراقة بين جموع الناس . يا محمد أنا سراقة بن مالك وهذا كتابك لي يوم الهجرة .
فسمعه النبي ﷺ .
وقال : أدنوه مني يوم وفاء وبر .
قال : فدنوت منه فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .
قال : فنظرت إلى ساقه ﷺ فكانت كأنها لب النخل "أي بيضاء جميلة"
قال : فأحببت أن أبقى قليلا معه
فأخذت أفكر بسؤال أسأله حتى لا يبعدوني عنه.
فلم يخطر ببالي إلا أن قلت :
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنني أبني لإبلي أحواض وأضع فيه الماء .
فتأتي الإبل الغريبة فتشرب منه هل يكون لي بذلك أجر ؟
فقال له ﷺ نعم في كل كبد حره أجر .
ومضت الأيام ورحل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى .
وولي الخلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ورحل إلى الرفيق الأعلى .
ثم جاء عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
وفتحت المدن و كسرى على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
وأرسل التاج والسوارين مع الغنائم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووصلت إلى المدينة .
وضعها عمر رضي الله عنه بالمسجد النبوي ونظر إلى سواري كسرى .
وبكى عمر .. وقال . أين سراقة بن مالك ؟
قالوا : رجل كبير بالسن يلزم في بيته .
قال : أحضروه....
فجاء سراقة يتكيء بين رجلين من الصحابة رضي الله عنهم حتى دخل المسجد النبوي .
فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا سراقة رضي الله عنه أتذكر وعد رسول الله ﷺ لك ؟
قال . سراقة .. أجل!
قال له عمر : هذا سواري كسرى .
فوضع السوار في يده .
فوقف سراقة أمام قبر النبي ﷺ وجهش بالبكاء وابتلت لحيته وقال :
أشهد أنك رسول الله .
اشهد انك رسول الله .
اشهد انك رسول الله .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة.... الثمانون ٨٠
خيمة أم معبد .
سلك بهما الدليل في اتجاه الجنوب نحو اليمن حتى أبعد... ثم اتجه إلى الغرب نحو ساحل البحر الأحمر..... ثم اتجه إلى الشمال على مقربة من الساحل.... وسلك طريقآ لا يسلكه الناس إلا نادراً.
مضى ﷺ في هجرته.....
حتى إذا كان في القديد على بعد نحو ١٣٠ كيلومترآ من مكة
كان هنالك خيمة لإمرأة خزاعية يصفها أصحاب الحديث مشهورة بكنيتها أم معبد .. إسمها عاتكة يقول أصحاب الحديث في وصفها :
كانت أم معبد إمرأة برزة جلدة
معنى برزة أي تبرز للناس في الطريق وتستقبل الرجال لأنها إمرأة عفيفة شريفة مسنة.
جلدة أي قوية.
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب القوافل والتجارة يعرفها .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسول الله هناك خيمة أم معبد .
لعلنا نجد عندها شيء نشتريه .
فاتجهوا إلى خيمتها
فسلم عليها النبي ﷺ .
وقال : يا أم معبد هل عندك من طعام أو تمر نشتريه ؟
فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم [[ أي للشراء ))
فقال لها ﷺ : يا أم معبد هل عندك من لبن ؟
قالت : لا والله .
فنظر إلى طرف الخيمة فوجد شاة .
قال ﷺ : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟
قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم .
يعني ضعيفة.
قال ﷺ : هل بها من لبن ؟
قالت : هي أجهد من ذلك .
قال ﷺ : أتأذنين لي في حلبها ؟
قالت : والله ما ضربها من فحل قط.
أي لم تحمل ولم تلد حتى تحلب يوم من الأيام .
قال ﷺ : أتأذنين لي أن أحلبها يا أم معبد ؟
قالت : فشأنك إن رأيت منها حلبا فاحلبها !!
فدعا النبي ﷺ بالشاة :
أي قال قربوها فقربها أبو بكر رضي الله عنه.
فمسح ﷺ بيده الكريمة ظهرها وساقيها وسمى الله .
وقال : اللهم بارك لنا في شاتنا .
فإجترت : أي درت باللبن
ثم قال : إليّ يا أم معبد بوعاء .
قال فأحضرت له وعاء يربض الرهط .
أحضرت له وعاء يربض الرهط فرفع ساقها ﷺ كي يحلبها .
فحلب فيها ثجاً حتى علتهُ الثّمالة .
أي ينزل الحليب بقوة ويضرب الوعاء بصوت فكان الحليب ينزل بقوة ، وله رغوة بيضاء .
علته الثمالة أي تعلوه الرغوة البيضاء التي تدل على دسم الحليب .
حتى ملء الوعاء .
فسقى أم معبد....
فقالت . إشربوا أنتم
قال لها النبي ﷺ : أنتي أولاً .
فشربت حتى رويت....
ثم سقى من معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه والدليل وإبن فهيرة حتى شربوا جميعاً .
ثم أخذ الوعاء ﷺ وشرب .
وقال ساقي القوم آخرهم شرباً .
ثم عاد إلى العنزة وحلبها مرة ثانية... حتى ملأ الإناء وتركه عندها و ارتحلوا.
وقد جاء في بعض الروايات : عن هند بنت الجون .
تكون أم معبد خالتها وقد أسلمت .
أنه لما كان ﷺ بخيمة خالتها أم معبد قام ليتوضأ .
فدعا بماء فغسل يديه .
ثم تمضمض ومجّ ذلك في عوسجة أي بصق ماء المضمضة في حوض مثل الأحواض التي نعرفها يكون فيها زرع .
تمضمض ومجّ ذلك في عوسجة إلى جانب الخيمة
فأصبحت وهي أعظم دوحة.
يعني : بعد فترة نبت في هذا الحوض شجرة ذات فروع كثيرة وكان لها ثمر كبير في لون الورس "أي تشبه لون شجرة الكركم"
وكانت رائحتها العنبر وطعمها الشهد .
ما أكل منها جائع إلا شبع .
ولا ظمآن إلا روي .
ولا سقيم إلا برىء .
ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا درّ "أي در حليب الشاة"
فكنا نسميها المباركة .
فأصبحنا في يوم من الأيام وقد سقط ثمرها
واصفر ورقها .
ففزعنا لذلك : فما راعنا إلا وقد وصلنا خبر وفاة النبي ﷺ .
ثم ترك الوعاء عندها ثم إرتحل .
فجلست أم معبد تقلب يديها . وتكلم نفسها .
وتقول . أتحلب الحائل ؟
والله إنه لأمر عجيب ،
أتحلب الحائل ؟
عنزة حائل لا حاملة و ما قرب منها فحل ولا ولدت يعني عنز بكر ..
كيف تحلب ؟؟
أتحلب الحائل.... أي رجل هذا ؟
تقول أم معبد : فجاء أبو معبد زوجها يسوق أعنُزاً عِجافاً يتساوكنّ هِزالاً : مُخهنّ قليل .
يعني هزيلات ضعاف ما في مخ في عظامهم .
يعني رأس الغنمة يروح لجهة وجسمها يروح لجهة
دايخة من الجوع .
فتعجب حين رأى اللبن وسألها عنه فأخبرته الخبر ووصفت النبي صلى الله عليه وسلم من مفرقه إلى قدمه ومن كلامه إلى أطواره وصفآ دقيقآ جدآ...
فقال أبو معبد : هذا والله! صاحب قريش.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الغريب
06-27-2022, 10:45 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة و السبعون ٧١
هجرة الصحابي الجليل صهيب الرومي . رضي الله عنه.
حدث آخر نقف عنده وكان بين يدي هجرته ﷺ .
"نحن لم نتحدث بعد عن هجرة رسول الله ولكن نربط الأحداث ببعضها البعض"
لما خرج النبي ﷺ في هجرته ومعه أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
كان في مكة "صهيب الرومي" وهو صحابي جليل رضي الله عنه
روى لنا أصحاب السنن واللفظ للبيهقي والإمام أحمد كلهم بسنده عن صهيب قال :
خرج رسول الله ﷺ وخرج معه أبو بكر وكنت قد هممت أن أرافقهما .
أراد صهيب الرومي أن يكون الصاحب الثاني لرسول الله في الهجرة .
وسمع من قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر وأعلنت قريش جائزة كبرى .
100 ناقة من حمر النعم لمن يرد محمد علينا حياً كان أو ميتاً .
فإن رد الإثنان فله بكل واحد 100 ناقة .
فلما سمع صهيب بالخبر ، أراد أن يلحق النبي ﷺ بالهجرة وأن يكون مدافع عنه إذا تعرض له خطر .
صهيب رضي الله عنه : كانت تعترف له مكة كلها بأنه أرماهم فيها.
"يعني كان إذا شد قوسه ووضع السهم فيه لا يخطيء سهمه ولو كان في خاتم .
كان بارع جداً وتشهد له قريش كلها بذلك .
قال : فهممت أن ألحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
فأمسكني فتيان قريش، وحبسوني أيام عندهم يتناوبون حراستي .
فقمت ليلة أتظاهر أني مريض .
فقال بعضهم لبعض : لقد شغله اليوم بطنه فناموا .
"رجل ممغوص بطنه يوجعه لا يقدر أن يسافر "
قال : وأنا ليس بي شيء ولكن تصنعت ذلك لعلهم يطلقوا سراحي.
قال : فلما ناموا تسللت وركبت بعيري وخرجت ولم أتمكن من أن آخذ معي مالي فتركته تحت أسكفه "عتبة دار" وشعر بي القوم فلحق بي الرجال حتى لحقوا بي في أطراف مكة نادوني من بعيد
إنتظر يا صهيب .
لقد جئتنا صعلوك حقير لا مال لك وعملت في مكة حتى أصبحت من أكثرنا مالاً.
كان صهيب من أثرياء مكة ولكنه ليس مكي ( إنما بيع في سوق الرقيق وأعتقه الذي إشتراه)
ثم تاجر معه لأنه إكتشف أن عقله تجاري فأصبح ذا مال كثير وكان يملك من الذهب الشيء الكثير.
قالوا : جئتنا صعلوك لا مال لك وعملت عندنا والآن أنت أكثرنا مالا .
ثم ندعك تذهب بالمال إلى يثرب لا واللات لا يكون هذا أبدا
قال صهيب : فعلمت مطمع القوم .
فقلت لهم :_ لقد إستبان الأمر
يا أهل مكة كلكم تعلمون بأني أرماكم .
فو الله الذي لا إله إلا هو لا أترك سهم في كنانتي إلا وضعته في قلب رجل منكم .
فإن أردتم مالي دللتكم عليه .
أما أن تحولوا بيني وبين الهجرة فالموت دون ذلك.
فإن إنتهت سهامي وبقي منكم أحد أخذت سيفي وما زلت أضربكم حتى لا يبقى بيدي إلا قائمه "يعني حتى يتكسر"
كل هذا من أجل أن يلحق برسوله ﷺ وبإخوانه المؤمنين .
فقالوا له : قد رضينا ، دلنا على مالك .
فقال لهم : هو في مكان كذا وكذا ، تحت الأسكفه .
"يعني إخلعوا عتبة الباب تجدون المال مدفون تحتها"
وكان صادق وهم يعلمون أنه صادق ويعلمون أنه من دخل دين محمد لا يكذب.
قال تعالى .
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ...
قال تعالى .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .
فالمؤمن لا يكون كذاب
فعلموا أنه صادق فتركوه ورجعوا .
قال : وكان ذهب كثير .
فقلت "الحمد لله الذي صرفهم عني بحطام دنيا"
ثم مضيت ألحق برسول الله وكان ﷺ قد وصل إلى قباء .
قال : فلما إقتربت .
إستقبلني رسول الله وهو يضحك.
ويقول بخٍ بخٍ .. ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى
كنيته أبا يحيى .
فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله .
والذي بعثك بالحق لم يسبقني إليك أحد : هل جبريل أخبرك ؟
قال . نعم .
يقول : فبكيت وقلت الحمد لله جبريل يذكرني؟؟؟
هبط جبريل عليه السلام من فوق سبع سماوات بأمر من الله تعالى
وصهيب مازال واقفاً أمام النبي ﷺ .
وأنزل عليه قرآن يتلى إلى قيام الساعة
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد .
لأنه ألقى من قلبه حطام الدنيا كانت في يده فكان سهل أن يخرجها .
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : عن الدنيا للمؤمن .
فقال : نعم المال الصالح للرجل الصالح .
صهيب رضي الله عنه : باع دنياه وماله لماذا .
الثمن كان الآخرة مرضاة الله .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ .
النبي ﷺ يستقبله بخ بخ .
كلمة تعجب ومدح عند العرب .
ربح البيع أبا يحيى
ربح البيع أبا يحيى
ربح البيع أبا يحيى
ألا إن سلعة الله غالية
ألا إن سلعة هي الجنة
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والسبعون ٧٢
خوف قريش من هجرة النبي ﷺ .
جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، يستأذن النبي أن يلحق بإخوانه المهاجرين .
فقال له النبي ﷺ على رسلك.
"فإني أرجو أن يأذن لي "
أبا بكر الصديق رضي الله عنه قرأ الرسالة فعلم أن النبي ﷺ يريد الصحبة .
هاجر أصحاب النبي ﷺ .
هاجر حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم
هاجر عمر بن الخطاب الفاروق المؤيد بالحق من فوق سبع سماوات رضي الله عنه.
وهاجر الرجال الذين كان من الممكن أن يعتمد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لحمايته ولم يؤخر منهم أحد .
تكريماً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لكي ينال شرف الصحبة، ومعه معية الله تعالى.
قال تعالى :
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
▪ بعد رسول الله ﷺ مهما فعلنا لنكافيء أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا نستطيع ، فلا يستطيع مكافئته إلا الله"
رضي الله عنه وارضاه
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
وكأنها إشارة من الله تعالى بنص قرآني لنبينا محمد ﷺ .
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله .
لذلك إختاره النبي ﷺ
على رسلك أبا بكر فإني أرجو أن يأذن لي
قال ابو بكر الصديق رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي أترجو ذلك .
قال : نعم .
قال : إذاً الصحبة .
فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم برأسه : أن نعم .
فحبس نفسه عن الهجرة لكي يصحب النبي ﷺ .
لم يستعجل أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
ومازال النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر؟؟
كان من الممكن أن يأذن الله تعالى له قبل أن تشتعل الأمور في مكة ...
لكن لو كان ذلك لما كانت الهجرة درس لكل المسلمين أبداً .
لتكون أعظم درس في حياة المسلمين .
هاجر الصحابة رضي الله عنهم وبقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أبو بكر وعلي بن أبي طالب" رضي الله عنهما.
وكان علي رضي الله عنه فتى عمره يقارب 22 عام رضي الله عنه
وأبو بكر 51 عام رضي الله عنه.
وكان عمر النبي ﷺ 53 عام .
كان ممكن أن يعتمد النبي على الشباب .
هاجر كل المسلمين ولم يبق بمكة إلا الرسول ﷺ وعائلته وأبو بكر وعائلته.
وعلي رضي الله عنه.
كان ينتظر ﷺ أن يطمئن على هجرة كل المسلمين ثم يهاجر بعد ذلك .
علمت قريش أن أصحابه قد هاجروا وأن يثرب أصبحت دار إسلام وكل أهل المدينة ينتظرون قدوم النبي إليها ..
فجن جنونها : لماذا ؟؟
لأن هجرته أمر خطير جداً لأنه لو هاجر النبي ﷺ ليثرب :
فهذا يعني هو بداية دولة إسلامية في المدينة .
وهم يعلمون أن النبي ﷺ إذا أصبح لديه دولة إسلامية لن يترك مكة تحت حكم قريش .
والسبب الثاني :
قريش تعلم أن المدينة موقعها استراتيجي لأن المدينة " تقع بين مكة والشام"
وهو طريق تجارة قريش .
وتجارة قريش هي مصدر أموالها .
قريش كل قوتها بالمال.... والمال يأتي من تجارتها .
فإذا قطع عليهم أهل يثرب تجارتهم ضاعت قريش كلها .
فقامت العرب وللمرة الأولى في تاريخ البشرية بشيء إسمه "مؤتمر" .
وكان أول مؤتمر يعقد للعرب وحضره ابليس .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة و السبعون ٧٣
أول مؤتمر للعرب كان تحت رعاية إبليس .
لما سمعت قريش باقتراب هجرة النبي ﷺ ليثرب جُن جنونها .
فقررت قتل النبي ﷺ
سؤال :
لماذا لم تتخلص قريش من النبي ﷺ إلا قبل هجرته بيوم ؟؟
بقي النبي ﷺ في مكة 13 سنة يدعو إلى الإسلام فلماذا لم يقتلوه طوال تلك الأعوام الثلاثة عشر ؟
السبب :
أن كل قبيلة من القبائل كانت تخشى وتخاف من قبيلة النبي ﷺ " بني عبد مناف "
كانت أقوى بطون قريش ولن تسكت عن أخذ الثأر .
والآن قرروا قتل النبي ﷺ .
ماهو الشيء الجديد بالموضوع ؟
الآن قيادات قريش ورؤوس الكفر فكروا ولأول مرة :
في أن تشترك كل القبائل العربية بقتل النبي ﷺ وبذلك يصعب على قبيلة واحدة الأخذ بالثأر .
ويقبلوا الدية وينتهي الأمر .
اجتمعت قيادات قريش في دار الندوة لبحث هذا الأمر الخطير وكان على رأسهم :
"أبوجهل وأبوسفيان وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة"
وجميع قبائل قريش من سادتها وذلك قبل هجرة النبي ﷺ بيوم واحد . وعقدوا المؤتمر .
قالوا : نجتمع في دار الندوة ولا يحضر الإجتماع إلا كل ذي شرف .
"أي سادة قريش فقط .
وتكتموا على الخبر حتى يكون سر ولا يعلم به النبي ﷺ .
إجتمعوا في دار الندوة وجاء إبليس تكريماً لأبي جهل .
وقف على باب دار الندوة بصورة شيخ نجدي .
"لماذا جاء ابليس بصورة نجدي
لكي لا يعرف جاء بصورة رجل نجدي وعليه ثوب غليظ ويلبس عمامة ووقف عند الباب .
فقال له أبو جهل : من الرجل ؟
قال : شيخ من نجد ، سمعت بمؤتمركم فأحببت أن أشهده ولعله لا تعدمون رأي عندي .
قال أبو جهل : نِعمَ الرجل أدخل معنا .
دخل إبليس وأخذوا أماكنهم فكان إبليس يجلس بصدر المجلس لأنه ضيف .
فكان على رأس المجلس إبليس وأخذوا يتداولون الرأي والآن توصلوا للإقتراحات .
فقال قائل منهم : نحبسه كما كنا نحبس الشعراء وننتظر حتى يموت .
فلا يجتمع به أحد ولا يجتمع هو بأحد فنكون قطعنا بينه وبين أصحابه .
فقال إبليس : ما هذا لكم برأي يا سادة مكة .
إنكم لتعلمون حب أصحابهِ له وإنهم ليحبونه أكثر من الوالد والولد .
ولو سمعوا أنه محبوس عندكم جاؤوكم على الفور وقاتلوكم حتى ينقذوه .
وهذا ما تخافون منه أتسعون إليه برأيكم : ليس لكم هذا برأي .
فقال رجل آخر : نخرجه من مكة وننفيه منها ولا نبالي به أينما ذهب .
مباشرة تدخل إبليس واعترض .
هذا ما تخافون منه واجتمعتم لأجله .
قال هو خارج خارج دون أن تخرجوه فإن أخرجتموه سينزل على أهل يثرب وأصحابه وعند ذلك تقوى شوكته ويأتيكم ويغزوكم في مكة .
قال : ما هذا لكم برأي دبروا فيه رأي آخر .
فقال أبو جهل :
"كأن أبا جهل مقسوم من إبليس نصفين شيطان هذه الأمة.
فقال أبو جهل : إن لي رأي لن تصلوا إليه أبداً ولعله يعجبك يا شيخ نجد .
قال : هاتِ ما عندك ؟؟
قال : نأخذ من كل قبيلة شاب قوي ذو نسب .
ثم يعطى كل واحد منهم سيفا صارماً فيعمدوا إليه جميعاً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل .
فلا يقدر بنو هاشم على حربهم جميعاً ويرضون بالعُقل فنعقل لهم .
العُقل معناه الدية وسميت بالعُقل لأنهم كانوا يعقلون الإبل أي يربطوا 100 ناقة على باب صاحب الحق حتى يرضى ويعفو .
ويأخذوها لأنهم لايستطيعون أن يطالبوا بدمه و لايستطيعون أن يقاتلوا العرب جميعا .
إبتسم إبليس وإنشرح صدره وصفق .
"وما أرى التصفيق إلا أخذ عنه في المؤتمرات "
صفق لأبي جهل وقال : نِعمَ الرأي هذا فلا رأي غيره .
"إبليس يريد الخلاص من النبي ﷺ"
قال هذا هو الرأي .
وفض الإجتماع على العمل بهذا القرار الآثم الجائر الظالم الذي يدل على ما وصل إليه القوم من حقد وظلم وبغي .
وكيف أن الكفر قد تغلغل في قلوبهم وتمكن من عقولهم .
جمعوا الشباب وكان تدبيرهم مكراً كما قال الله في القرآن .
والمكر هو تدبير الأمر خفية واحكام الأذية .
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
فأوحى الله إلى نبيه وجاء جبريل يخبر النبي ﷺ بالمؤآمرة ويرسم له خطة الخروج .
لا حظوا معي ماذا كانت قرارت قريش :
أول قرار كان :
1 - أن يحبسوا النبي ﷺ .
2 - أن يخرجوه من مكة وينفوه خارجها .
3 - وهو قتل النبي ﷺ .
وانظروا كيف جاء القرآن الكريم بترتيب مختلف لنفهم بلاغة القرآن الكريم وحب الله عز وجل لنبيه ﷺ .
*قال تعالى :
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ .
ليثبتوك . وهذا الرأي الأول لهم
أو يقتلوك . وهذا الرأي الاخير الذي اتفقوا عليه .
أو يخرجوك . هذا الرأي الأوسط .
ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ..
فجاء الإخراج في الأخير مع أنه كان الرأي الوسط ورفض .
لماذا رتب القرآن هذا الترتيب ؟
لأن رسول الله ﷺ يفهم عن الله عز وجل وأن الله يختم بكلامه الحق والحقيقة .
في قصة يوسف قال تعالى .
إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ . وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ .
ختم الله الآيات بإظهار الحقيقة . بصدق نبي الله يوسف عليه السلام
وهذه هي الحقيقة :
فالله عز وجل يحب رسوله ﷺ .
وجاء القرآن الكريم حريص على شعور النبي ﷺ والشواهد من القرآن كثيرة نأخذ واحدة منها للتوضيح :
قال تعالى .
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ....
نزلت في المنافقين يوم الخندق .
عفا الله عنك لم أذنت لهم فقدم الله العفو قبل العتاب :
حتى لا يحزن قلب النبي صلى الله عليه وسلم من عتاب الله له فقدم العفو.
فجاء القرآن الكريم يخبر النبي ﷺ أن نهاية مؤتمرهم سيكون هجرتك من مكة ولن يحبسوك ولن يقتلوك.
فقدم له اقتراحتهم وانهى الله الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم بالبشرى.
فأخبره جبريل عليه السلام بالمؤآمرة .
وقال له : لا تنام هذه الليلة في فراشك وانتظر حتى يكون وسط الليل يكون الخروج.
وقال له أن يجهز نفسه في وسط النهار لأن المؤآمرة كانت في الصباح .
جاء جبريل عليه السلام وقت الظهر وبعد أن إرتفع قام ﷺ .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والسبعون ٧٤
تجهيزات النبي ﷺ للهجرة .
جاء جبريل عليه السلام وقت الظهر وأخبره بالمؤآمرة .
قال له لا تنام هذه الليلة في فراشك .
وانتظر حتى يكون وسط الليل يكون الخروج .
وبعد أن إرتفع جبريل قام ﷺ فتقنع بثوب .
"التقنع هو وضع الثوب على الرأس والإلتفاف به
أولاً : من شدة الحر .
وثانياً : للتخفي وأخذه بالأسباب ﷺ.
قام ﷺ فتقنع بثوب واتجه إلى دار أبو بكر الصديق ليخبره .
تقول : عائشة رضي الله عنها : كما أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
تقول كان رسول الله ﷺ لا يأتي عليه يوم إلا يغشانا
"أي يأتينا في دار أبو بكر الصديق رضي الله عنه "
إما بكرة وإما عشية.
وله ﷺ في بيت أبو بكر أهل وهي زوجته عائشة تزوجها ولكن لم يدخل بها .
قالت : حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله ﷺ في الهجرة : أتانا رسول الله ﷺ بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها .
"الهاجرة وقت الظهر والحر شديد"
قالت : فلما رآه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله : ما جاء بك بهذه الساعة إلا لأمر حدث ؟
قالت : فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله ﷺ على السرير .
قال له ﷺ أخرج عني من عندك .
"أخرج من كان عندك بالدار "
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فداك أبي وأمي إنما هم إلا أهلك .
"يعني زوجتك عائشة وأختها أسماء" رضي الله عنهما.
ما الخبر ؟
فقال : إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة .
فقال أبو بكر . الصحبة يا رسول الله .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم . نعم .
تقول عائشة رضي الله عنها : فجهش أبو بكر رضي الله عنه بالبكاء .
فلا والله ما علمت أن أحد يبكي من الفرح قبل أن رأيت أبا بكر يبكي يومها .
"تقول لا أدري أن الفرح يبكي . الناس تبكي من الحزن أما أن يبكي من الفرح"
وكان أبو بكر رضي الله عنه عندما أراد الهجرة وقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً أخذ يخطط ويستعد للهجرة .
ذهب واشترى راحلتين وجعل الراحلتين عند رجل من المشركين ليرعاهما وهو "عبد الله بن أريقط"
لأنه لو ترك الراحلتين عنده سيلفت الإنتباه.
ثم قال أبو بكر : يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا اليوم خذ واحده منهما
فقال ﷺ : ولكن بثمنها يا أبا بكر .... فقال : هي لك .
قال : بالثمن الذي إشتريتها به .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : نعم رضيت .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا قبلت .
كم ثمنها يا ابا بكر ؟
قال له . 400 درهم .
فقال له . هو لك في ذمتي .
هل تعلمون أن أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان من أثرياء قريش .
تقول أسماء بنته : كان أبي من أثرياء قريش يملك من المال 800 ألف .
تقول أسماء رضي الله عنها : فأنفقها على رسول الله والدعوة إلى الله وعلى المسلمين المستضعفين .
فلما هاجر لم يكن معه إلا 5000.
تقول : فوالله لما هاجر أخذها معه ولم يدع لنا شيئا .
وهو الذي إشترى بلال الحبشي رضي الله عنه وكان تحت التعذيب.
لما رأى ابو بكر الصديق رضي الله عنه تعذيب أمية بن خلف لبلال رضي الله عنه
قال أبو بكر لأمية : ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين . حتى متى تعذبه؟
قال : أنت أفسدته فأنقذه مما ترى .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه اشتريه منك . فكم تريد ؟؟
قال أمية : آخذه بدل قسطاس .
"قسطاس رجل من العبيد عند أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان هو وزوجته وبنته عبيد .
لم يسلموا وكان قسطاس من العبيد الأقوياء تتمنى كل قريش أن تمتلكه .
والتفت أمية بن خلف إلى من حوله وهمس قائلا لهم وهو يضحك لألعبن بأبي بكر لعبة ما لعبها أحد بأحد .
ضحك وقال : أعطيني قسطاس بدل منه يا ابا بكر رضي الله عنه.
فقال أبو بكر رضي الله عنه :إن فعلت تفعل ؟
قال . نعم .
قال . قد فعلت .
فتضاحك أمية
وقال : لا حتى تعطيني معه امرأته .
قال : إن فعلت تفعل ؟
قال . نعم .
قال . قد فعلت ذلك .
فتضاحك أمية
وقال : لا حتى تعطيني ابنته مع امرأته.
قال ابو بكر . إن فعلت تفعل ؟
قال . نعم .
قال . قد فعلت ذلك .
فتضاحك أمية وقال . لا حتى تزيدني معه رطل من ذهب .
فقال أبو بكر رضي الله عنه : أنت رجل لا تستحيي من الكذب.
قال : لا واللات والعزى .
لأن أعطيتني لأفعلنّ .
فقال : هي لك . فأخذه .
فقالت قريش وهي مستغربة بهذا المبلغ الذي اشترى فيه بلال رضي الله عنه .
قالوا : والله ما أعتق أبو بكر بلالا إلا ليد كانت له عنده فيكافئه .
"يعني بلال رضي الله عنه : عمل معروف لأبوبكر رضي الله عنه فأراد ان يكافيء بلال .
لم يدخل بعقولهم : أن هذا الدين يخرج حب الدنيا من القلوب"
فأنزل الله تعالى في سورة الليل آيات بحق أبي بكر رضي الله عنه رداً على قريش .
قال تعالى :
وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
وما لأحد عنده من نعمة تجزى .
لم يكن لبلال يد عند أبو بكر فيكافئه رضي الله عنهما.
وقد اشترى أبو بكر رضي الله تعالى عنه جماعة آخرين ممن كان يعذب في الله.
منهم "حمامة" أم بلال الحبشي اشتراها واعتقها أبو بكر
منهم "عامر بن فهيرة" كان يعذب في الله تعالى حتى لا يدري ما يقول .
اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأعتقه .
منهم "أبو فكيهة" كان يعذبه رجل من سادة قريش في منتصف النهار
في شدة الحر مقيدا إلى الرمضاء مربوط وممدد على رمال مكة الملتهبة .
وقد وضع على بطنه صخرة .
ومن شدة العذاب اغمي عليه وخرج لسانه من فمه
والمشركون يقولون لسيده "زده عذابا زده عذاباً حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره"
فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه .
ومنهم امرأة اسمها "زنيرة" عذبت في الله تعالى على يد أبوجهل حتى فقدت بصرها وعميت
قال لها يوما أبو جهل : إن اللات والعزى فعلنا بك ما ترين .
فقالت له : كلا والله لا تملك اللات والعزى نفعا ولا ضرا .
هذا أمر من السماء وربي قادر على أن يرد عليّ بصري .
فأصبحت تلك الليلة وقد رد الله تعالى عليها بصرها.
فقالت قريش : إن هذا من سحر محمد .
اشتراها أيضا أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتق الكثير ولا يسع المقام لذكرهم .
عن أنس رضي الله عنه قال النبي ﷺ .
حب أبي بكر واجب على أمتي .
رضي الله عنه وأرضاه
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والسبعون ٧٥
رد الأمانات إلى أهلها .
جهز أبو بكر الصديق رضي الله عنه راحلتين ، ولم يقبلﷺ منه الراحلة إلا بثمنها .
لماذا قبل النبي ﷺ إنفاق أبو بكر الصديق رضي الله عنه كله قبل ذلك ولم يقبل منه الراحلة ؟؟
لأنه ﷺ أحب أن تكون هجرته لله كاملة من ماله لله تعالى .
فرضي الصديق رضي الله عنه.
ثم طلب منه النبي ﷺ أن يختار له دليل للطريق يكون خبير .
فتشاورا و وقع إختيارهما على "عبد الله بن أريقط"
الذي وضع عنده أبوبكر رضي الله عنه الراحلتين .
عبد الله بن أريقط : رجل مشرك والهجرة ستكون بالسر .
والنبي لما جاء إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال له أخرج من عندك وذلك لكتمان الأمر .
إستعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر و الكتمان .
فما دام الأمر يحتاج إلى الكتمان فما معنى أن يختار النبي ﷺ دليله على الطريق رجل مشرك
أليس هذا إفشاء للسر
1- قد علم رسول الله ﷺ أن هذا الرجل ثقة وموضع للسر وأنه سيؤمن.
وبعد أن دلهم على الطريق أسلم عبد الله بن أريقط رضي الله عنه.
2- أبوبكر الصديق رضي الله عنه تاجر : والتاجر يستطيع أن يفهم الناس ومعادنها .
3- عبدالله بن أريقط كان خبير بالصحراء محنك ومميز جدا بخبرته.
الدرس من هذا أنه يمكن للمسلم أن يستعين بمشرك إذا لزم الأمر .
فأعطاه أبوبكر الصديق رضي الله عنه الراحلتان وتواعد معه بعد ثلاث أيام .
واتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله عنه : أن يختار غار ثور .
في تلك الليلة وضعت الخطة.
ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته.
وكان ليس عنده في البيت إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبنات النبي صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة زوجته رضي الله عنهن.
لماذا رجع ﷺ إلى بيته والوقت ضيق ؟
كي يرتب مع : علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف يرد الودائع إلى أهل مكة .
يقول ابن كثير رحمه الله : في كتابه "السيرة النبوية"
ولم يكن بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه ، إلا وضعه عند الرسول ﷺ .
مع كل هذا التكذيب وكل هذا الإيذاء .
ومع ذلك ليس هناك أحد يثقوا به في مكة كلها إلا الرسول ﷺ .
"لأن المال ليس فيه لعب.
نكذبه ولكن عند وضع الأمانات والمال نحن نعلم أنه الصادق الأمين"
قال النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه : إني مهاجر هذه الليلة .
وعليك أن تبقى أنت من بعدي هنا .
فإن لقريش عندي أمانات وودائع .
والله إنها من الأمور العجيبة .
قريش كلها الذي يملك منهم شيئاً ثمينا له قيمة ويخاف عليه : يضعه أمانة عند رسول الله .
هم يعلمون أنه "الصادق الأمين" ولكن العداوة عين الرضا وعين الغضب .
قال : يا علي تبقى ورائي حتى ترد هذه الأمانات إلى أصحابها
إنهم أعداؤك وأنت تعلم أنهم قد وضعوا يدهم على دار كل مسلم قد هاجر .
فالمسلمون الذين هاجروا أخذت قريش بيوتهم وأموالهم.
وسيأخذون دار النبي صلى الله عليه وسلم : وقد فعلوا فلقد أخذها "عقيل بن أبي طالب" شقيق علي رضي الله عنه وباعها .
ولما جاء ﷺ في حجة الوداع وقد أصبحت مكة دار إسلام
يقول أسامة بن زيد رضي الله عنه :
أتنزل في دارك ، يا رسول الله.
فقال : إضربوا قبتي عند الحجون .
وهل ترك لنا عقيل من دار ؟
لأن عقيل أخذها وباعها والذي إشتراها أسلم .
فجاء يعرض على النبي ﷺ أن يرجع له داره.
فقال ﷺ إنا لا نرجع في شيء تركناه لله .
جلس مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
يقول له : هذه لفلان
وهذه ملك فلان .
وهذه لفلان وفلان.
أخذ معه وقت طويل في رد الأمانات حتى العشاء .
في هذا الوقت جاءت قريش بشبابها الأقوياء وقد حاصروا بيت النبي ﷺ بالكامل .
جاء فتيان قريش كما اتفقوا ينهالون من كل مكان إلى دار النبي ﷺ وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم .
"يعني لم يتركوا منفذ أو متنفس إلا يوجد شاب يمسك سيف بيده وقائدهم أبو جهل أخزاه الله.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: الحلقة السادسة والسبعون ٧٦
حصار بيت النبي ﷺ .
جاء فتيان قريش كما اتفقوا ينهالون من كل مكان إلى دار النبي ﷺ وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم .
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب .
بسم الله الرحمن الرحيم.
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
ثم خرج ووضع التراب على رؤوسهم. فأخذ الله تعالى بأبصارهم فلم يشعروا به صلى الله عليه وسلم.
فما ترك منهم فتى إلا ووضع التراب على رأسه .
وقبل أن يخرج ﷺ قال لعلي رضي الله عنه : انظر فإنهم يحيطون بالدار وينظرون من خلل الباب.
"الخلل أي الشقوق . الباب كان ألواح خشب مجمع بعضها على بعض وفيها شقوق ولأن الدار فيها سراج وفي الخارج لا يوجد ضوء.... فالخارج يرى الذي بالداخل"
قال : انظر إنهم ينظرون من خلال الباب فعليك أن تشغلهم عني ساعة .
"أخذ بالأسباب والحكمة انظروا إلى حسن التوكل على الله ولكن مع الأخذ بالأسباب .. إعقلها وتوكل"
فعليك أن تنام بفراشي هذا يا علي رضي الله عنه
وأن تتغطى ببردي الأخضر هذا .
"أي الذي ينام فيه النبي وكل قريش تعرفه"
حتى إذا كان الفجر علموا أنك علي رضي الله عنه.
وترد الودائع للناس وتلحق بي إلى يثرب....
من هذه الكلمات "رد الودائع ثم تلحق بي وصلت الرسالة"
عرف علي رضي الله عنه ما دام يقول : أرجع الأمانات ثم اللحاق إلى يثرب إذاً أنا لن أقتل.
دروس الهجرة لم تكن في شخص النبي ﷺ فقط .
بل كانت في أصحابه أيضاً رضوان الله عليهم.
✨✨✨✨✨✨
نام على رضي الله عنه بالفراش . وطال الوقت على قريش وأخذوا ينظرون .
وكلما نظروا من شقوق الباب يرون رجل متغطي نائم ..
يقولون : هذا هو محمد نائم إلا أنهم شكّوا في الأمر....
كان على رضي الله عنه يتقلب بالفراش .
فهم يعلمون طبع النبي ﷺ .
كانوا يروه أكثر من مرة عندما ينام يضجع على شقه الأيمن ولا يتقلب . ولكن يقولون هو محمد في برده نائم .
حتى إذا تأخر إنتظارهم حدثوا بعضهم بعضاً .
قالوا : ألا نقتحم عليه داره ؟
لماذا ننتظر حتى الفجر ؟؟
فقال بعضهم : ماذا تقولون : إنها السبة في العرب
أي عار هذا .
كيف إذا تحدثت العرب وقالوا إقتحموا في الليل على بنات عمهم في خدورهن .
قالوا : لا بل ننتظره حتى يخرج لصلاة الفجر.
"كانوا كفار صحيح ... ولكنهم عرب .
كانوا من معدن كريم رفضوا"
انتظرت قريش .
حتى إذا كان قبيل الفجر جاءهم إبليس بعد أن خرج النبي ﷺ في منتصف الليل ..
جاءهم إبليس كما جاءهم من قبل ولكن ليس بصورة شيخ نجدي حتى لا يكتشف أمره .
جاء بصورة رجل عادي .
وقال : ويحكم ماذا تنتظرون ؟
قالوا : ننتظر محمد حتى إذا خرج قتلناه بسيوفنا
فقال : لهم قبح الله وجهكم .
قد خرج محمد منذ ساعة وما ترك رجل منكم إلا ووضع على رأسه التراب . إلتمسوا رؤوسكم .
وضعوا أيديهم على رؤوسهم وإذا التراب على رؤوسهم .
قالوا : كيف خرج ؟
قال لهم : قد خرج وأنتم نائمون .
قالوا : لم ننم أبداً .
قال لهم : لقد خرج ووضع التراب على رؤوسكم .
وبين مصدق و مكذب؟؟
نقتحم عليه لا نقتحم .
فقام علي رضي الله عنه من الفراش ليتوضأ لصلاة الفجر ..
فلما قام رأوه .. إنه علي رضي الله عنه.
فدفعوا الباب . وقالوا . إفتح يا علي رضي الله عنه.
ففتح الباب!!
قالوا : أين محمد ؟
قال لهم : لا أدري .
على رضي الله عنه فعلاً لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور .
فلم يخبر النبي عن خطة الهجرة إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
قال . لا أدري !!!
"هم يعلمون إذا قال أحد من أصحاب محمد لا أدري فهو صادق .
قالوا : ويلك قد شككنا أن محمد هو الذي بالفراش
ومحمد لا يتقلب ولكنك أوهمتنا .
قالوا : يا علي ألا تعلم أين ذهب ؟
قال : لا أدري .
فتركوا على رضي الله عنه وانصرفوا .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والسبعون ٧٧
غار ثور .
توجه النبي ﷺ إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وخرجا من فتحة في ظهر الباب .
قبل بزوغ الفجر حتى لحقا بغار ثور.....
خرج ﷺ من مكة وهو في الطريق يقف على مشارف مكة وينظر إليها :
و يقول ﷺ والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله عز وجل ولولا أني أُخْرجت منك ما خرجت .
وتوجهوه إلى جبل ثور الذي يوجد فيه غار ثور
وسمي الجبل بهذا الإسم عند قريش .
"لأن من نظر إلى الجبل من بعيد يراه كأنه صورة رأس الثور"
وصعدوا إلى الجبل وهي مسافة كبيرة جدا تحتاج لصعوده ساعات
وهم يصعدون للجبل أنزل الله عليه آيات من سورة القصص .
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ .
وأنزل عليه يطمئن قلبه وعد من الله له :
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ .
يعني أنك ستعود مرة أخرى لمكة وكانت طبيعة الجبل خشن .
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : عندما وصلنا للغار .
نظرت إلى قدمي النبي ﷺ في الغار وقد تقطرتا دماً .
لم يجدوا قريش محمد في البيت فجن جنونهم
وصرخ فرعون هذه الأمة أبو جهل واستنجد بقريش وأخذت تبحث عنه في كل أجزاء مكة .
وأخذوا يستخدمون الناس الذين يعرفون الأثر .
"خبراء آثار الاقدام"
وينتهي الأثر عند جبل ثور .
اندهشوا لماذا جبل ثور ؟
المهاجر من مكة للمدينة يجب أن يسلك جهة الشمال لأن المدينة تقع شمال مكة هذا طريق المدينة .
لكن جبل ثور يقع غرب مكة ويبعد مشياً على الأقدام ساعة ونصف تقريباً
لما إتبعوا الأثر ووصلوا إلى جبل ثور وإنتهى الأثر إستغربت قريش ووقفت مذهولة وحارت ساعة من الزمن!!!
قالوا : من أراد من أهل مكة الذهاب ليثرب يسلك طريق الغرب .
"كان هذا تمويه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك فالأثر أخذهم إلى هناك فهم لا يكذبون أنفسهم فقد كانوا يعرفون الأثر لا على الرمال فقط حتى على الصخر يعرفوا الأثر"
إنتهى الأثر هناك ..
قالوا لخبير الأثر .. أين إتجه ؟
قال : ليس إلا إلى الجبل لم يأخذ يمين ولا شمال
فالأثر من دار محمد إلى دار أبا بكر أثر واحد .
ومن دار أبي بكر إلى هنا أثر رجلان أثنان .
فاشتعل أبو جهل من الغضب .
وإتجه إلى دار أبي بكر لأن بيت أبو بكر أسهل من أن يصعدوا الجبل :
وقرع الباب بشدة.
تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : ففتحت له وإذا أبوجهل يقف بالباب مغضباً .
قال : يا بنت أبي بكر أين ذهب أبوك .
قلت : والله لا أدري .
"هي فعلاً في هذه اللحظة كانت لا تدري فبنات .
أبي بكر وحتى عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعلم أين يتجه النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا أنه خرج مهاجر لكن جبل ثور هذا سر بين إثنين ."
قالت : والله لا أدري .
ولكنه لم يملك نفسه من شدة الغضب.
قالت : فرفع يده وكان سفيهاً ولطمني على وجهي .
الرسول ﷺ بقي مع أبي بكر ثلاثة أيام في الغار
وأسماء بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها عندما علمت هي التي كانت تحمل لهم الطعام كل يوم
لماذا أسماء رضي الله عنها ؟
السبب : أن أسماء رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت حامل في الشهر السابع .
ولا يمكن أن يشك فيها أحد .
وبالمناسبة كانت حامل .. أتدرون بمن ؟؟
كانت حامل في "عبد الله بن الزبير" رضي الله عنه
الذي كان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة .
فقد ولدته أسماء بعد شهرين في المدينة المنورة
عبد الله بن الزبير .
الذي قُتل على يد الحجاج .
الذي كان الحجاج يستهزء به ويقول لعبدالله يا ابن ذات النطاقين يقصد أسماء
لماذا أسماها ذات النطاقين ؟؟
قبل أن يخرج الرسول ﷺ مهاجرا للمدينة من غار ثور
جهّزت الماء والغذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه
فلم تجد ما تربط به الوعاءين فقامت بشقّ نطاقها إلى نصفين .
"النطاق الحزام كانت لما تلبس المرأة الثوب في قريش كان ثوب المرأة فضفاض نسميه (روب)
فتربطه بقطعة قماش على خصرها حتى يسهل عليها المشي لأن إذا نزل على الأرض تتعثر بمشيها"
فقامت بشقّ نطاقها إلى نصفين
حتى تضع الغذاء وتربط بالآخر قربة الماء . وذهبت إلى غار ثور بلا نطاق .
فلما رآها النبي ﷺ، تسير بلا نطاق وتتعثر .
بشرها النبي ﷺ وقال .
يا أسماء والذي نفسي بيده لقد أبدلك الله نطاقين في الجنة .
"وهذه بشارة لأسماء بالجنة" رضي الله عنها.
الحجاج : كان يعاير عبد الله بن الزبير .
فدخلت أسماء رضي الله تعالى عنها على الحجاج.
وقالت : بلغني أنك تقول وتعاير ولدي عبدالله بابن ذات النطاقين .
نعم يا حجاج : أنا والله ذاتُ النطاقين .
كنت أرفع بهما طعام رسول الله ﷺ وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهما في الغار .
رجعت قريش وقررت صعود الجبل .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والسبعون. ٧٨
قريش عند غار ثور .
عاد أبوجهل وقريش إلى جبل ثور....
وقال : إصعدوا الجبل .
وصعود الجبل مهمةصعبة فأخذوا يصعدون الجبل بسيوفهم وعصيهم .
وكانوا جمع كبير من قريش وعلى رأسهم أبوجهل وأمية بن خلف .
جبل ثور يستغرق صعوده بضع ساعات إلى أن تصل لغار ثور .
صعدوا والوقت نهار وشمس ساطعة وكان الجو حار
حتى وقفوا بباب الغار .
صعدوا بغضب وجنون وقد أعلنوا جائزة لمن يرد محمد 100 من حمر النعم ( الإبل)
وصلت قريش إلى باب الغار حتى كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يسمع كلامهم .
يقول أبو بكر رضي الله عنه للنبي ﷺ بأبي وأمي أنت يا رسول الله لو نظر أحدهم من موضع قدميه إلى فم الغار وتأمل بالغار لأبصرنا
وقد نقل أنه لدغته عقرب عدة لدغات ولم يغير مجلسه أدبا مع حديث رسول الله ﷺ .
فقال له ﷺ يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما .
وينزل الله هذا في القرآن الكريم
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ....
لما قرأ احد الصحابة هذه الآيات أمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي ﷺ .
بكى بكاء شديد وابتلت لحيته وهو يردد ويقول :
أنا صاحبه أنا صاحبه ﷺ
سقطت دموع أبي بكر الصديق رضي الله عنه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وسأل فقال : لدغت فداك أبي و أمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب الألم.
قبل دخول النبي ﷺ للغار!!
يقول الصديق رضي الله عنه : للنبي ﷺ .
بأبي وأمي لا تدخله حتى أستكشفه لك .
"يعني أدخل أنا أول أشوف إذا فيه شيء يؤذي"
فقال له ﷺ أتحب يا أبا بكر إن به شيء أن ينزل بك قبلي ؟
قال . نعم لا أراك تصاب بمكروه .
فنزل الصديق في الغار وتفقده فلم يجد به شيء .
ولكن وجد فيه شقوق بين الصخور خاف أن يكون فيها شيء من أفاعي أو حشرات مؤذية تخرج من الشقوق .
فأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يمزق من ثوبه ويحشي هذه الشقوق .
ثم قال : ادخل يا رسول الله فدخل والليل كان ظلام .
"وقد صح أنه ﷺ خرج مهاجر غرة ربيع الأول سنة ( 1 هجري)
دخل النبي صلى الله عليه وسلم ومن شدة التعب وضع رأسه على قدم الصديق ونام .
وبقي الصديق من غير أن ينام خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما طلع الفجر وإنتشر النور نظر النبي ﷺ إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وهو من دون ثوب عليه قطعة قماش تستر عورته فقط .
قال ﷺ : يا أبا بكر رضي الله عنه أين ثوبك ؟
فاستحى الصديق وأنزل رأسه
وقال : سددت به هذه الشقوق يا رسول الله خشيت أن يخرج منها ما يؤذيك .
"الحديث في البخاري" رحمه الله.
فبكى النبي ﷺ حتى إبتلت لحيته ثم رفع يديه وقال .. اللهم إن الصديق قد أَوجَب . فاجعله معي في درجتي حيث كنت في الجنة .
الصديق رضي الله عنه ينال درجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة .
أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنفق ماله كله في الدعوة إلى الله تعالى والمستضعفين .
ولما هاجر لم يترك في بيته درهم ولا دينار.
وأنه نزل فيه قوله تعالى .
وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يرضى .
قسم من الله تعالى :
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه : يوم القيامة سيعطى ويعطى، ويعطى ، .. حتى يرضى.
وفي آية ثانية بعد أن أقسم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى .
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ...
أول آية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ولسوف يرضى.
والآية الثانية لرسول الله ﷺ .
ولسوف يعطيك ربك فترضى.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: *سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و السبعون ٧٩
سراقة بن مالك .
رجعت قريش من غار ثور وجائزتها كانت كما قلنا 100 ناقة من حمر النعم في كل منهما .
لمن يردهما أحياء أو ميتين .
وأخذت قريش تبحث في كل مكان طمع بالجائزة.
والنبي ﷺ جالس في الغار مدة ثلاثة أيام إلى أن خفّت حدة البحث .
فاطمأن النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : إنزل وأنظر موعد "عبد الله بن أريقط"
فنزل في اليوم الرابع وكان على موعد معه في مكان معين "الراحلتان مع عبد الله بن أريقط"
فإختب أبو بكر الصديق رضي الله عنه : حتى ظهر عبدالله أولاً
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يراقب هل خلفه أحد ؟؟
هل هو عين لأحد .
هل سيخون ويدل عليهم ؟
حتى إذا وجده ينتظر : ظهر له أبو بكر واستطاع أن يعرف منه صدق النية .
هل ما زال على وعده أن يكون الدليل إلى يثرب ؟؟
وكان الشرط أن يسلك بهم طريق لا تسلكه القبائل ولا تعرفه قريش فلما تأكد منه
قال : إنتظرني ها هنا ثم غاب أبو بكر الصديق رضي الله :
ورجع بالنبي ﷺ وقدم إليه أحسن الناقتين فركبها ﷺ وأطلق عليها إسم "القصواء" وهذه الناقة التي دخل بها النبي ﷺ المدينة ويقول لهم دعوها إنها مأمورة .
"يعني إن الله يأمرها ويوجهها"
إنطلق ﷺ يصحبه "أبو بكر رضي الله عنه : وعامر بن أبي فهيرة خادمه
والدليل للطريق عبدالله بن أريقط الرجل الخبير"
فلما كانوا على بعد قليل من مكة أبصر بهم رجل من بني مدلج سيد قومه : "سراقة بن مالك المدلجي"
كان سراقة جالس بين قومه والكل يتحدث مكة بضواحيها وكل من حولها ترصد أخبار محمد صلى الله عليه وسلم
وحديث بني مدلج محمد وصاحبه والجائزة 200 ناقة من حمر النعم .
فجاء شاب مسرع ويلهث .
قال : يا سراقة لقد أبصرت سواد في طريق الساحل بين الثلاثة أشخاص أو أربعة....
يا سراقة : لا آراهم إلا محمد وأصحابه.
يقول سراقة "وقد أسلم فيما بعد رضي الله عنه"
يقول : فغمزت له بعيني " أن أسكت .
ثم قلت . لا .. ليس محمد وصحبه هذا فلان وفلان ذهبوا ونحن نعلم وهم يبحثون عن ضالة لهم .
قال سراقة : وشغلت القوم بحديث بعيد عن صلب الموضوع ثم خرجت من مجلسي
وكان سراقة هو سيد القوم فلم يسأله أحد لماذا قام ؟
قال سراقة : فدخلت الدار وأمرت خادمي أن يأخذ حصاني وأن يضعها بعيداً عن نظر القوم . ثم أخذت رمحي فجعلت زجه بالأرض "الزج يعني حديدة الرمح حتى لا تلمع مع ضوء الشمس ويراه قومه"
وأخذت أخط برمحي الأرض حتى وصلت إلى حصاني فركبتها.
فما زالت تقربني إلى طريق الساحل حتى رأيت محمد وصحبه .
فدنوت منهم حتى هممت أن أرمي برمحي .
فعثرت بي فرسي فألقتني عن ظهرها .
فقمت فزجرتها ثم ركبت على ظهرها حتى دنوت منهم وأصبحت أسمع قراءة محمد وهو يقرأ القرآن الكريم.
حتى لو ألقيت برمحي لأصبت .
قال : فساخت يدا فرسي في الرمال "يعني نزلت بالرمل. وتوقفت فرسي بهذه الرمال فعلمت أنه ممنوع .
فقلت : يا محمد أنا سراقة بن مالك .
وها أنا قد أدركت قف أكلمكم .
فسمعته يقول لأبي بكر رضي الله عنه ولم يلتفت.
قل : له يا أبا بكر رضي الله عنه ماذا تبتغي منا ؟
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ماذا تبتغي منا ؟
قال : أكلمكم
قال : يا محمد قد علمت أن أمرك ظاهر .
"أي أن الله منعني أن أصل إليك علمت أنك مؤيد من الله"
قد علمت أن أمرك ظاهر أريد منك كتاب .
سراقة يطارد النبي ﷺ ويبشره بفتح مكة من الآن
فقال ﷺ لأبي بكر رضي الله عنه اكتب له كتاب وألقيه إليه . فقلت : يا محمد يا إبن سيد قومه قف أكلمك .
قال : فوقف واستدار وكان لا يلتفت ﷺ .
كان إذا أراد أن يلتفت إلتفت بكلّه .
فوقف وإستدار
قال : نعم يا سراقة ؟
قلت : إن معي مال وطعام أعرض عليكم مساعده.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا بمالك ولا طعامك .
قلت : هذا سهم من كنانتي يعرف بريشتي ستأتون على غنم لي مع الراعي خذوا منها ما شئتم .
فقال له ﷺ : بارك الله في غنمك لا حاجة لنا بذلك .
قلت : يا محمد إني على يقين بأن أمرك ظاهر وإني أعلم أنك دعوت عليّ وعلى فرسي حتى ساخت بالرمال .
فادعوا الله أن يطلقها وسأرجع ولن يأتيكم مني شر أبداً وهذا كتاب عهد بيني وبينك .
فقال النبي ﷺ : اللهم إن كان صادقاً فأطلق له فرسه .
قال : فنفضت يداها من الرمال وخرج لهم غبار ملء السماء كأنه دخان .
يقول سراقة ثم قال لي رسول الله ﷺ عمّي عنا الأخبار من هذا الوجه.
"يعني كل ما لقيت واحد أرجعه"
وإن كانت قريش جعلت لك مئة ناقة من حمر النعم
فأنا أقول لك يا سراقة لك سواري كسرى إن أنت وفيت.
سواري كسرى : شيء عظيم شخص مطارد من قومه يبشره بسواري كسرى الذي يضرب بهم المثل .
من يستطيع أن يصل لكسرى حتى يصل لسواري كسرى ..
سواري كسرى تاجه من الذهب كان كسرى لا يضعه على رأسه لأنه ثقيل لأن العنق لا يستطيع أن يحمله لو يميل يكسر رقبة كسرى .
فكان معلق بجنزير من الذهب بالسقف فوق العرش إذا جلس كسرى كان التاج فوق رأسه فلا يكون ثقله على رأسه يعده النبي صلى الله عليه وسلم بسواري كسرى"
يقول سراقة : فلم أكذبه ولكن قلت رجل مطارد من قومه يلجأ إلى غار يختبيء به ثلاثة أيام يبشرني بالظهور على كسرى إن أمره لعجب .
رجع سراقة وكلما لقى شخص بالطريق يقول له : كفيتم هذا الوجه إرجعوا إبحثوا في غيره
نأخذ أول بشارة لسراقة ونتقدم بالأحداث .
فتح النبي ﷺ مكة وسراقة لم يظهر ولم يأتي .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حُنين وانتصر : فأقبل سراقه يدس نفسه بين الخيل والرجال .
فأخذوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبعدونه ويقولون له : دونك دونك "أي إبتعد"
فرفع سراقة الكتاب الذي كتبه له أبو بكر الصديق رضي الله عنه
على أي شيء كتب له ؟
على قطعة من عظم.
رفع سراقة الكتاب :
وصرخ سراقة بين جموع الناس . يا محمد أنا سراقة بن مالك وهذا كتابك لي يوم الهجرة .
فسمعه النبي ﷺ .
وقال : أدنوه مني يوم وفاء وبر .
قال : فدنوت منه فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .
قال : فنظرت إلى ساقه ﷺ فكانت كأنها لب النخل "أي بيضاء جميلة"
قال : فأحببت أن أبقى قليلا معه
فأخذت أفكر بسؤال أسأله حتى لا يبعدوني عنه.
فلم يخطر ببالي إلا أن قلت :
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنني أبني لإبلي أحواض وأضع فيه الماء .
فتأتي الإبل الغريبة فتشرب منه هل يكون لي بذلك أجر ؟
فقال له ﷺ نعم في كل كبد حره أجر .
ومضت الأيام ورحل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى .
وولي الخلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ورحل إلى الرفيق الأعلى .
ثم جاء عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
وفتحت المدن و كسرى على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
وأرسل التاج والسوارين مع الغنائم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووصلت إلى المدينة .
وضعها عمر رضي الله عنه بالمسجد النبوي ونظر إلى سواري كسرى .
وبكى عمر .. وقال . أين سراقة بن مالك ؟
قالوا : رجل كبير بالسن يلزم في بيته .
قال : أحضروه....
فجاء سراقة يتكيء بين رجلين من الصحابة رضي الله عنهم حتى دخل المسجد النبوي .
فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا سراقة رضي الله عنه أتذكر وعد رسول الله ﷺ لك ؟
قال . سراقة .. أجل!
قال له عمر : هذا سواري كسرى .
فوضع السوار في يده .
فوقف سراقة أمام قبر النبي ﷺ وجهش بالبكاء وابتلت لحيته وقال :
أشهد أنك رسول الله .
اشهد انك رسول الله .
اشهد انك رسول الله .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة.... الثمانون ٨٠
خيمة أم معبد .
سلك بهما الدليل في اتجاه الجنوب نحو اليمن حتى أبعد... ثم اتجه إلى الغرب نحو ساحل البحر الأحمر..... ثم اتجه إلى الشمال على مقربة من الساحل.... وسلك طريقآ لا يسلكه الناس إلا نادراً.
مضى ﷺ في هجرته.....
حتى إذا كان في القديد على بعد نحو ١٣٠ كيلومترآ من مكة
كان هنالك خيمة لإمرأة خزاعية يصفها أصحاب الحديث مشهورة بكنيتها أم معبد .. إسمها عاتكة يقول أصحاب الحديث في وصفها :
كانت أم معبد إمرأة برزة جلدة
معنى برزة أي تبرز للناس في الطريق وتستقبل الرجال لأنها إمرأة عفيفة شريفة مسنة.
جلدة أي قوية.
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب القوافل والتجارة يعرفها .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسول الله هناك خيمة أم معبد .
لعلنا نجد عندها شيء نشتريه .
فاتجهوا إلى خيمتها
فسلم عليها النبي ﷺ .
وقال : يا أم معبد هل عندك من طعام أو تمر نشتريه ؟
فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم [[ أي للشراء ))
فقال لها ﷺ : يا أم معبد هل عندك من لبن ؟
قالت : لا والله .
فنظر إلى طرف الخيمة فوجد شاة .
قال ﷺ : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟
قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم .
يعني ضعيفة.
قال ﷺ : هل بها من لبن ؟
قالت : هي أجهد من ذلك .
قال ﷺ : أتأذنين لي في حلبها ؟
قالت : والله ما ضربها من فحل قط.
أي لم تحمل ولم تلد حتى تحلب يوم من الأيام .
قال ﷺ : أتأذنين لي أن أحلبها يا أم معبد ؟
قالت : فشأنك إن رأيت منها حلبا فاحلبها !!
فدعا النبي ﷺ بالشاة :
أي قال قربوها فقربها أبو بكر رضي الله عنه.
فمسح ﷺ بيده الكريمة ظهرها وساقيها وسمى الله .
وقال : اللهم بارك لنا في شاتنا .
فإجترت : أي درت باللبن
ثم قال : إليّ يا أم معبد بوعاء .
قال فأحضرت له وعاء يربض الرهط .
أحضرت له وعاء يربض الرهط فرفع ساقها ﷺ كي يحلبها .
فحلب فيها ثجاً حتى علتهُ الثّمالة .
أي ينزل الحليب بقوة ويضرب الوعاء بصوت فكان الحليب ينزل بقوة ، وله رغوة بيضاء .
علته الثمالة أي تعلوه الرغوة البيضاء التي تدل على دسم الحليب .
حتى ملء الوعاء .
فسقى أم معبد....
فقالت . إشربوا أنتم
قال لها النبي ﷺ : أنتي أولاً .
فشربت حتى رويت....
ثم سقى من معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه والدليل وإبن فهيرة حتى شربوا جميعاً .
ثم أخذ الوعاء ﷺ وشرب .
وقال ساقي القوم آخرهم شرباً .
ثم عاد إلى العنزة وحلبها مرة ثانية... حتى ملأ الإناء وتركه عندها و ارتحلوا.
وقد جاء في بعض الروايات : عن هند بنت الجون .
تكون أم معبد خالتها وقد أسلمت .
أنه لما كان ﷺ بخيمة خالتها أم معبد قام ليتوضأ .
فدعا بماء فغسل يديه .
ثم تمضمض ومجّ ذلك في عوسجة أي بصق ماء المضمضة في حوض مثل الأحواض التي نعرفها يكون فيها زرع .
تمضمض ومجّ ذلك في عوسجة إلى جانب الخيمة
فأصبحت وهي أعظم دوحة.
يعني : بعد فترة نبت في هذا الحوض شجرة ذات فروع كثيرة وكان لها ثمر كبير في لون الورس "أي تشبه لون شجرة الكركم"
وكانت رائحتها العنبر وطعمها الشهد .
ما أكل منها جائع إلا شبع .
ولا ظمآن إلا روي .
ولا سقيم إلا برىء .
ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا درّ "أي در حليب الشاة"
فكنا نسميها المباركة .
فأصبحنا في يوم من الأيام وقد سقط ثمرها
واصفر ورقها .
ففزعنا لذلك : فما راعنا إلا وقد وصلنا خبر وفاة النبي ﷺ .
ثم ترك الوعاء عندها ثم إرتحل .
فجلست أم معبد تقلب يديها . وتكلم نفسها .
وتقول . أتحلب الحائل ؟
والله إنه لأمر عجيب ،
أتحلب الحائل ؟
عنزة حائل لا حاملة و ما قرب منها فحل ولا ولدت يعني عنز بكر ..
كيف تحلب ؟؟
أتحلب الحائل.... أي رجل هذا ؟
تقول أم معبد : فجاء أبو معبد زوجها يسوق أعنُزاً عِجافاً يتساوكنّ هِزالاً : مُخهنّ قليل .
يعني هزيلات ضعاف ما في مخ في عظامهم .
يعني رأس الغنمة يروح لجهة وجسمها يروح لجهة
دايخة من الجوع .
فتعجب حين رأى اللبن وسألها عنه فأخبرته الخبر ووصفت النبي صلى الله عليه وسلم من مفرقه إلى قدمه ومن كلامه إلى أطواره وصفآ دقيقآ جدآ...
فقال أبو معبد : هذا والله! صاحب قريش.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والثمانون ٨١
وصف أم معبد لرسول الله ﷺ .
فلما رأى أبو معبد اللبن في البيت...
قال : من أين هذا اللبن يا أم معبد وليس لكم في البيت حالب ولا حلوب ؟
قالت : أما والله لقد مر بنا رجل مبارك ها هو قد حلب الحائل.
انظر إلى الشاة فنظر إلى الشاة فإذا ضرعها ما زال ممتلء بعد كل هذا الحلب.
وقف أبو معبد مصدوم
قال : يا أم معبد حلب الحائل ؟
صِفيه لي يا أم معبد قالت :
رأيت رجل
ظاهر الوضاءة : أي ظاهر الجمال و الحسن.
أبلج الوجه : مشرق الوجه مضيئه.
حسن الخلق لم تعبه نحله : أي ليس نحيلآ.
ولم تزريه صعلة : أي صغر الرأس.
وسيم : أي كأنه صار الحسن له سمة.
في عينيه دعج : أي شديد سواد العين في شدة بياضها.
وفي أشفاره وطف: الشعر النابت على الجفن فيه طول.
وفي صوته صهل : كالبحة وهو ألا يكون حاد الصوت.
وفي عنقه سطع : أي طول العنق.
وفي لحيته كثاثة.
أزج : دقيق شعر الحاجبين مع طولهما.
أقرن : أي مقرون الحاجبين( متصل)
إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما : علا برأسه أو بيده وارتفع.
وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاها من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب .
حلو المنطق، فصل لا نزر و لا هذر .
كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن .
ربعة لا تشنوه من طول .
ولا تقتحمه عين من قصر .
غصن بين غصنين . فهو أنضر الثلاثة منظراً .
وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به،
إن قال سمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره .
محفود : أي مخدوم.
محشود : يجتمع الناس حوله.
لا عابس ولا مفند ﷺ : أي ليس عابس الوجه ولا مفند : ليس منسوبآ إلى الجهل وقلة العقل.
قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا
قال البيهقي رحمه الله في الدلائل وغيره من أهل السند:
كثرت غنم أم معبد حتى أحضرت بعض منها إلى المدينة .
فمر أبو بكر رضي الله عنه فرآها
فعرفه إبنها ( لأم معبد)
قال : يا أمي هذا الرجل الذي كان مع حالب الحائل
"هكذا أصبح إسمه عندهم حالب الحائل"
فقامت إليه :
قالت : يا عبدالله مَن الرجل الذي كان معك ؟
قال لها : ألا تعلمين .
قالت لا إلا أنه حلب الحائل .
فقال لها : هذا رسول الله محمد بن عبدالله .
قالت : أدخلني عليه فداه أبي وأمي .
قال : فأدخلتها فاستقبلها ﷺ أحسن استقبال وأطعمها ﷺ وأكرمها وأعطاها.
فأعلنت إسلامها رضي الله عنها وأرضاها .
تقول أم معبد : بقيت الشاة عندنا نحلبها في الصباح والمساء فوالله الذي لا إله إلا هو ما في أرض الله شيئاً يؤكل ولا شاة تحلب .
وبهذا نكون قد ختمنا السيرة في العهد المكي
ننتقل للعهد المدني بمشيئة الله تعالى.
كيف كانت يثرب ( المدينة) قبل أن يدخلها ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية و الثمانون ٨٢
في الطريق إلى المدينة
في اليوم الثالث سمع أهل مكة صوتآ بدأ من أسفلها ومر حتى خرج من أعلها، وتبعوه فلم يروا شخصه..... يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به
وأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم
به من الأفعال لا تجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سبحان مقلب القلوب
كان سراقة بن مالك في بداية أمره يريد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسلمه لزعماء مكة
لينال الجائزة 100 ناقة.
وإذا بالأمور تنقلب رأساً على عقب ويصبح يرد الطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعل لا يلقى أحدآ من الطلب إلا رده قائلاً : كفيتم هذا الوجه (أي من هذه الجهة والمكان)
فلما اطمأن إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة المنورة، جعل سراقة يقص ما كان من قصته و قصة فرسه.
وأشتهر ذلك عنه حتى امتلأت به نوادي مكة، فخاف رؤساء قريش أن يكون ذلك سببآ لإسلام بعض أهل مكة.
وكان سراقة أمير بني مدلج ورئيسهم.
فكتب أبو جهل إليهم
بني مدلج إني أخاف سفيهكم
سراقة مستغو لنصر محمد
عليكم به ألا يفرق جمعكم
فيصبح شتى بعد عز و سؤدد
فقال سراقة يرد على أبي جهل
أبا حكم والله لو كنت شاهدآ
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت و لم تشكك بأن محمداً
رسول وبرهان فمن ذا يقاومه
عليك فكف القوم عنه فإنني
أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر تود الناس فيه بأسرهم
بأن جميع الناس طرآ مسالمة
________________
وفي الطريق لقيه بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه في سبعين راكباً فأسلم هو و من معه، وصلوا خلفه صلاة العشاء الآخرة.
ولقيهما في بطن ريم ( اسم واد)
الزبير بن العوام رضي الله عنه في ركب من المسلمين كانوا قافلين من الشام، فكساهما الزبير ثيابآ بياضآ.
العهد المدني كان صعب وليس بالسهل أبدا.
لنرى ما الذي واجهه ﷺ عندما هاجر إلى المدينة وكم تحمل نبينا ﷺ في دعوته إلى الله تعالى وفي سبيل الله تعالى.
1- الحروب بين الأوس والخزرج
كانت المدينة تموج بالحروب الأهلية بين الأوس والخزرج.
أوس وخزرج إخوة من أم واحدة اسمها " قيلة "
وبرغم من أنهم من سلالة رجل واحد وأم واحدة.
وبينهما تاريخ طويل من الحروب الأهلية عددها أكثر من عشرة حروب .
آخرها كان "حرب بعاث" التي انتهت قبل الهجرة بخمسة سنوات فقط .
أشهر وأدمى معركة بينم والتي أورثت في نفوسهم الكثير من الثارات والاحتقانات .
2- اليهود
وجود ثلاثة قبائل يهودية كبيرة في المدينة وهي :
بني قينقاع
وبني النضير
وبني قريظة
وقد قابل اليهود الدعوة الإسلامية بالعداء الشديد .
لأنهم كانوا يطمعون أن يكون نبي آخر الزمان واحد منهم .
ثم كانت المفاجأة القاسية بالنسبة لهم أن يكون نبي آخر الزمان من العرب.
وهم يعلمون صفة رسول الله ﷺ في كتبهم قبل تحريفها بمنتهى الدقة .
قال تعالى .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
الشيء الوحيد الغير موجود في كتبهم :
هو نسب النبي ﷺ هو موجود أن اسمه محمد وموجود أن اسمه أحمد
وليس مكتوبا أنه :
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة إلى أن نصل إلى عدنان إلى أن نصل إلى اسماعيل .
كان كل الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام من نسل يعقوب ابن اسحق عليهم السلام.
ولكن جاء ﷺ من نسل إسماعيل عليه السلام .
وبالرغم من أن عدد اليهود في المدينة كان كبيرا.....
إلا أنهم كانوا أقل عدداً من "الأوس والخزرج"
ولذلك كان الأوس والخزرج مستعلين على اليهود في المدينة .
وكان يهود المدينة يشعرون بالقهر في مواجهة الأوس والخزرج .
ولذلك كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان لينتقم لهم من قهر الأوس والخزرج .
وكانوا دائما يقولون لهم
"قد أظل زمان نبي آخر الزمان نقتلكم به قتل عاد وإرم"
فلما جاء الرسول ﷺ نبي الرحمة للناس كافة.....من نسل إسماعيل عليه السلام، كان الأمر بمثابة الصدمة بالنسبة ليهود المدينة .
ولذلك قرروا معاداة الرسول ﷺ منذ أول يوم لدخوله المدينة .
قال تعالى .
فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ .
لذلك كان من أكبر المشاكل التى واجهت الرسول ﷺ هي وجود اليهود في المدينة .
واليهود معروفون بخبثهم ومكرهم ومكائدهم .
3- المشركين
وجود عدد كبير من المشركين في المدينة .
صحيح أن أغلبية أهل المدينة كانوا مسلمون ولكن لم يكن كلهم مسلمون .
وكان بعضهم لا يزال على شركه .
ولم يجبر الرسول ﷺ أحد على الاسلام .
وهؤلاء كانوا يكرهون الاسلام ويكرهون المسلمون ويضمرون لهم البغض والعدواة .
4- المنافقون
بعد الهجرة ودخول أغلب أهل المدينة في الإسلام.
ظهرت طائفة جديدة "المنافقون"
والمنافق: هو الذي يظهر ما لا يبطن .
وهذه الطائفة لم تكن موجودة في مكة لأن الإسلام كان ضعيفا.
ولكن ظهرت بعد الهجرة وبعد أن أصبح للإسلام دولة .
وخصوصا بعد غزوة بدر
هذه الطائفة أخطر بكثير من المشركين و الكفار.
لأن المشرك معروف بعداوته للإسلام وتستطيع أن تأخذ منه حذرك وأن تواجهه .
بينما المنافق مثل المرض الخفي الذي يفتك بالجسم دون أن تشعر به .
ولذلك عقاب المنافق أعظم من عقاب الكافر .
قال تعالى .
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ .
5- المشكلة الإقتصادية
ظهرت في المدينة مشكلة اقتصادية نتيجة هجرة عدد كبير من أهل مكة .
وموارد المدينة محدودة .
ولذلك لم يأمر الرسول ﷺ أصحابه المهاجرين إلى الحبشة بأن يأتوا إليه في المدينة .
6- مشاكل المهاجرون
واجه المهاجرين عدد من المشاكل الخاصة .
أولها : مشكلة السكن .
ثانيا : مشكلة اقتصادية .
المهاجرين تركوا مكة وأموالهم وأعمالهم.
والمشكلة أن أهل المدينة كلهم مزارعين وهي مهنتهم الوحيدة .
وهذه المهنة لا يعرفها أهل مكة لأن أهل مكة كان عملهم الأغلب بالتجارة فقط .
وأيضاً شعور المهاجرين بالغربة والحنين لبلدهم مكة .
فأصيب المهاجرين بحالة حزن واكتئاب حتى أن نصفهم أصابته الحمى بعد الهجرة .
اي ما نعرفه الآن بالملاريا.
وكان اسمها قديما "البرداء"
لأن من يصاب بهذا المرض تأتيه رعشة . وعمق انتشار المرض بينهم أحسسهم بالغربة من المدينة .
واختلف على المهاجرين أيضآ العادات والتقاليد .
فنساء المدينة شخصيتهم مع رجالهم فيها جرأة وقوة .
ولم تكن شخصية نساء مكة هكذا مع رجالهم .
لأن زوجات أهل المدينة يعملن في الزراعة مع أزواجهن .
أما نساء مكة لا يعملن لأن عمل أزواجهن التجارة .
وبدأت زوجات المهاجرين يتعلمن من نساء الأنصار وحصلت مشاكل كثيرة في بيوت المهاجرين بسبب ذلك .
وانتشر بين المهاجرين شعر كان يردده بلال رضي الله عنه :يقول
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة
بفخّ وحَوْلي إذخر وجليل
وهل أردنْ يوما مياه مَجِنَّة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
دعاء الرسول ﷺ :
اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد .
اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حُمَّاها فأجعلها بالجحفة .
وأجاب الله تعالى دعاءه صلى الله عليه وسلم فاستراح المسلمون من الأمراض، وأحبوا المدينة.
هذا الجزء مهم جداً في السيرة كان لا بد منه لنتعلم جميعاً ماذا فعل رسول الله ﷺ
السيرة منهاج حياة لكل المسلمين
ما الذي فعله رسول الله ﷺ لمواجهة هذه المشاكل ؟؟
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[٤: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثمانون ٨٣
وصول النبي ﷺ إلى أطراف المدينة بئر عذق .
وصل ﷺ عند قدومه للمدينة إلى بئر اسمه " بئر عذق "
هذا البئر على أطراف المدينة يقع في مزرعة المستظل يبعد عنها مسافة حوالي 10كم تقريباً.
استراح ﷺ في ذلك المكان وشرب من ماء البئر فكان أول ماء يشربه في المدينة من ذلك البئر ﷺ .
فاغتسل ﷺ على ذلك الماء ولبس الثياب الجدد البيض التي كساهما الزبير بن العوام رضي الله عنه.
أهل المدينة قد بلغهم خروج النبي ﷺ وأنه في طريقه إليهم .
قدروا مسافة الطريق وقالوا سبعة أيام إلى ثمانية .
وبلغهم أن النبي ﷺ قد خرج من مكة لهلال ربيع الأول .
وما كان في حسابهم ذهابه إلى الغار ثلاث أيام في لياليها .
ولم يكن في حسابهم أنه سلك طريق لا تسلكه القوافل .
فلما حسبوا الأيام بسبعة أو ثمانية .
فكانوا يخرجون كل يوم بعد صلاة الفجر إلى طرق المدينة ونراقب وصول رسول الله صلى الله عليه حتى تغلبنا الشمس على الظلال .
"أي تصبح حرارة الشمس عالية ولا يوجد شيء يستظلوا به . يضربهم حر الشمس"
مضت أربع أو خمس أيام وهم على هذه الحال .
وفي ذات يوم :
"أي الذي وصل به النبي ﷺ "
خرجنا كعادتنا حتى غلبتنا الشمس فدخلنا بيوتنا فما أن دخلنا بيوتنا حتى سمعنا صارخاً يهودي كان على سطح حصن لهم .
واليهود عندهم علم كما يعلم أهل المدينة أنهم يترقبون وصول النبي ﷺ .
وإذا بصارخ يصرخ يا بني قيلة .
هذا حظكم ( جدكم) الذي تنتظرون قد أقبل. يقول الصحابة فأخذنا سلاحنا نستقبل النبي ﷺ
"يعني من باب الإعتزاز وقوة الترحيب بالنبي ﷺ"
خرج بعض الرجال من الاوس والخزرج لإستقبال الرسول ﷺ .
أخذوا سلاحهم وأخذنا نبصر الطريق وإذا به ﷺ مع صحبه الثلاث يخفيهم السراب مرة ويظهرهم مرة أخرى مبيضين مقبلين .
ما معنى مبيضين المسافر بالعادة لا تكون ثيابه نظيفة إما أن تكون إتسخت بحكم السفر أو عليها غبار على الأقل .
"وإذا بهم مبيضين . أي بثياب بيضاء نقية"
يقول أصحابه من الأنصار رضي الله عنهم أكثرنا لا يعرف النبي ﷺ .
لا يعرفه منا إلا من بايعه في مكة وقد دخلت يثرب كلها بالإسلام ونحن لا نعرف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسبق لنا أن رأيناه ﷺ .
وكان هو وأبو بكر في سن واحدة متقاربة .
"النبي ﷺ يتقدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالعمر سنتين وأربع أشهر"
فلما اقتربوا وقف النبي ﷺ وأراد أن يستقبلهم فجلس تحت ظل شجرة .
يقول أصحابه فأقبلنا فرأينا رجلين مبيضين قريبين بالعمر من بعضهم البعض ومعهم خادم ودليل يدلهم على الطريق .
قالوا فأيقنا أن هذا هو النبي وهذا صاحبه .
ولكن أيهما النبي لا ندري .
فقام إلينا رجل منهم يستقبلنا فظننا أنه رسول الله فأخذنا نحييه وما عرفنا أنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلا عندما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس لا يتكلم ﷺ .
فأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه يظلل النبي صلى الله عليه وسلم بثوبه حتى لا تضربه الشمس .
فعرفنا أنه رسول الله ﷺ .
فسلموا على رسول الله واستقبلوه.
ثم مضى بهم ﷺ ذات اليمين حتى وصلوا إلى بساتين قباء .
لم يدخل المدينة المنورة مباشرة وكانت قباء في ذلك الوقت قرية منفصلة عن المدينة المنورة
تبعد عن المدينة حوالي 5 كم تقريباً.
لماذا لم يدخل المدينة المنورة مباشرة . واتجه نحو قباء .
كأن النبي ﷺ يستأذن أهل المدينة في الدخول على مدينتهم .
خاصة أن أهل المدينة
لم يكن كلهم مسلمون .
بل كان هناك مشركون .
وكان هناك يهود .
ولأن الرسول ﷺ بدخوله المدينة ستكون هناك مرحلة جديدة من تاريخهم وستتغير حياتهم
( كما يقولون 180 درجة)
فكأن الرسول ﷺ يترك لهم فرصة لمراجعة أنفسهم حتى يتأكدوا أنهم قادرون على تحمل تبعات هذه المرحلة الجديدة .
وهي مرحلة في غاية الصعوبة.
لأنهم سيقفون ليس أمام قريش فقط وهي من أقوى القبائل العربية .
بل سيقفون كذلك في مواجهة كل العرب.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثمانون ٨٤
الوصول إلى قباء .
وصل ﷺ إلى بساتين قباء فنزل على بني "عمرو بن عوف" وهم سكان قباء .
وكان شيخهم وزعيمهم " كلثوم بن الهدم " وكان مازال مشرك ولكنه إستقبل النبي ﷺ معهم .
وقيل نزل على " سعد بن خثيمة"
ومكث بها أربعة أيام، أسس أثناءها مسجد قباء و صلى فيه
قال تعالى :
لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ .
وصل ﷺ إلى قباء يوم الإثنين 12 ربيع الأول وهذا التاريخ هو نفسه يوم مولده ﷺ .
وقيل اليوم 8 من شهر ربيع الأول. سنة ( ١٤) من الهجرة
فكان في هذا قد أتم من عمره الكريم 53 سنة .
فأقام في قباء بقيّة يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس .
وفي اليوم الخامس صباح يوم الجمعة خرج ليكمل سفره إلى المدينة المنورة .
قباء عن المسجد النبوي 5 كم تقريباً.
وأرسل إلى أهل المدينة من يخبرهم بقدومه ( أخواله بني النجار)
فخرج إليه في الطريق رجال من بني النجار حاملين سلاحهم .
"أخوال جده عبد المطلب"
فأحاطوا به ﷺ إحاطة السوار بالمعصم.
وقالوا : يا رسول الله نحن أهل العدد والحلقة .
ادخل مدينتك آمناً مطمئناً مطاعاً.
فلما كان بين قباء والمدينة حضر وقت الظهر، أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في بطن الوادي، وهم مائة رجل.
ولم يكن صلى قبل هذه الجمعة صلاة جمعة بأصحابه رضي الله عنهم.
نزل في ذلك المكان ﷺ فقام يخطبهم فأتكأ على رحل ناقته القصواء.
و كانت خطبته قصيرة وفيها بلاغة .
وقف ﷺ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله.
ثم قال :
أما بعد .
أيها الناس قدموا لأنفسكم . تعلمون والله ليصعقن أحدكم "أي يموت" ثم ليدعن غنمة ليس لها راع .
ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه . ألم يأتك رسولي ؟
فبلغك.... وآتيتك مالاً وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك ؟
فلينظرن يميناً وشمالاً فلا يرى شيء .
فلا يرى شيء غير جهنم .
فمن إستطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمره فليفعل .
ومن لم يجد فبكلمة طيبه فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .
هذه كانت خطبته ﷺ أول جمعة يخطبها في أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
ثم توجه ﷺ إلى المدينة وكل أهل المدينة شباب ورجال ونساء وأطفال وشيوخ ينتظرون قدومه وهم بإشيتاق لرؤيته ﷺ .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٦: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والثمانون ٨٥
استقبال أهل المدينة للنبي ﷺ .
عندما وصل النبي ﷺ إلى المدينة ولا أحد يستطيع أن يصف ذلك الإستقبال الكبير والحب الذي لقي به أهل المدينة من الأنصار هذا الضيف الكريم الذي وفد إليهم بأمر الله تعالى.
وأكرمهم الله سبحانه وتعالى به فكانوا أنصار الدعوة ولقبوا بالأنصار .
الكل كان باشتياق كبير لرسول الله ﷺ .
المهاجرين والأنصار يستقبلون رسول الله ﷺ .
عند دخوله المدينة بعد عناء 13 عام في مكة .
كم تحمل ﷺ في مكة والحصار ورحلة الطائف وأذى قريش والإستهزاء والتشويه الإعلامي حتى صار اسمه ساحر مكة .
كم أوذي ﷺ في دعوته إلى الله تعالى.
لم يروا رسول الله من قبل.
كما نحن و من قبلنا إلى التابعين لم نراه ولم نسمع كلامه رجال وشباب ونساء والأولاد ، وفي شوق شديد لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
سمعوا عن طفولته.
عن غار حراء .
عن دار الارقم .
سمعوا عن رحلته بالاسراء والمعراج.
وعرفوا أنه أحب الخلق إلى الله تعالى.
ضجت طرقات المدينة كلها بالناس خرجوا من بيوتهم مشتاقين لرؤية وجهه ﷺ .
ولقد تهيأت المدينة لهذا اللقاء قبل قدومه ﷺ .
لم يبقى بيت من بيوت أهل المدينة رجال ونساء إلا وقد أسلموا ولكنهم لم يروه .
وكان هؤلاء الذين أسلموا ولم يروا النبي ﷺ بأشد الشوق إلى رؤيته .
والذين رأوه وبايعوه كانوا أشد شوقا لرؤيته .
فلما سمعوا أنه خرج من قباء متجه إليهم عاشت المدينة أفراحها العظيمة .
هذا رسول الله ﷺ على أبواب المدينة يوشك أن يدخلها .
وأحاط به أخواله من بني النجار ورجال آخرون من المهاجرين والأنصار بناقته القصواء وبأيديهم سيوفهم تحميه من كل من تسول له نفسه أن يصيبه بأذى .
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه خلفه.
فلما أطل عليهم من بعيد ورأوا النور المحمدي .
صاح الغلمان والأطفال والخدم . صاحوا بأعلى صوتهم .
الله أكبر .. الله أكبر
جاء رسول الله... الله أكبر الله أكبر
هذا محمد رسول الله قد أطل علينا
الله أكبر هذا محمد رسول الله .
وارتجت البيوت و السكك بالتحميد و التقديس.
فلما أقبل ﷺ وأطلّ عليهم .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه عن المدينة :
أضاء منها كل شيء .
يقول البراء رضي الله عنه : ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء كفرحهم برسول الله .
ضجت المدينة كلها
والرسول ﷺ على ناقته بين تلك الحشود والصحابة 500 رجل حوله يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم حاملين سلاحهم تعظيم وإجلال لحبيب الله محمد ﷺ .
والناس من حوله
وقد قدم أهل المدينة صبيانهم وبناتهم ، وجعلوهم في مقدمة المستقبلين
فلفت نظر النبي ﷺ عندما رأى بنات صغيرات فرحات وهن يردّدن هذه الأهازيج فرحات بقدوم النبي ﷺ .
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع.
وبدأ السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم وهو يرى هذه القلوب المؤمنة والوجوه المشرقة المستبشرة تستقبله حتى كأن وجهه القمر .
كان هذا اليوم التاريخي العظيم من أعظم الأيام على الإسلام والمسلمين .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثمانون ٨٦
نزوله ﷺ بالمدينة المنورة .
أخذ النبي ﷺ يمشي بين الجموع وكانت عشائر الأوس والخزرج تقف على أبواب البيوت على جانبي الطريق تنتظر رسول الله ﷺ وتستقبله فرحة مستبشرة .
كان رئيس كل عشيرة ورب كل بيت يطمع أن يقبل ضيافته .
جاء رجال العشائر إليه يأخذون زمام الناقة.... ويقولون : يا رسول الله إنزل فينا نحن أهل الحلقة . نحن أهل العز .
كلهم يريد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ضيفه والرسول ﷺ يقول لهم :
دعوها فإنها مرسلة خلّو سبيلها فإنها مأمورة .
ويرخي زمام الناقة لا يمسكه.
دعوها إنها مأمورة .
"أي أن الله يأمرها أين تبرك ،حيث يريد هو أن يكون منزلي لا أنا الذي أختار "
لماذا ؟؟
لأن النبي ﷺ يعلم الحساسية التى بين الأوس والخزرج .
فمن مكارم أخلاقه ﷺ ومن أجل تأليف قلوبهم
"فلو إختار عائلة أو قبيلة على قبيلة وبينهم حروب ودماء لكانوا قالوا : اختار الرسول هذه القبيلة علينا ويبقى في نفوسهم شيء"
ولكن من يعترض على إختيار الله للناقة.
ترك زمامها ولم يأخذ به أبداً فمازال على ظهرها ﷺ وقد أردف معه على الناقة أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قباء إلى المدينة .
ليعلم الناس كلهم مكانة أبو بكر رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أردفه معه على ناقته القصواء .
وما زال على ظهرها حتى تجاوزت هذه الطريق كلها
فما زالت تمشي حتى أتت إلى موقع مسجده المعروف الآن .
كيف كان موضع الأرض قبل بناء المسجد .
كان مربد للتمر ..... لغلامين يتيمين من بني النجار .
"مربد التمر هي الأرض السهلة عندما يقطف التمر عن الشجر يوضع بهذه الأرض لغرض التجفيف حتى لا يكون التمر مرطب يسمى عند العرب مربد يربد التمر فيه أي يجفف"
مربد للتمر وإلى جانبه أرض فيها مقبرة قديمة....
وحول الأرض قليل من البيوت .
" لأن هذا المكان مربد للتمر وبجانبه مقبرة فليس حوله بيوت كثيرة "
وإذا بالناقة تمشي إلى هذا الموقع . ثم وقفت ونظرت برأسها يمين وشمال .
ثم بركت في موقع منبره الموجود في مسجده الآن .
يقول الصحابة رضي الله عنهم . إتخذ ﷺ منبره على " مبرك الناقة"
بركت في موضع منبره .
وبقي النبي صلى الله عليه وسلم جالس على ظهرها وكأنه أو هيئته كأنه يوحى إليه .
فبقي جالس ينتظر .
ثم قامت الناقة فطافت جولة وهي حدود المسجد الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم
"وكأنها ترسم لهم مخطط المسجد"
ثم رجعت إلى موقعها الأول فبركت فيه .
فلما بركت هذه المرة .
يقول الصحابة رضي الله عنهم : فتحلحلت .
"أي هزت جسدها وتمكنت من الجلسة"
فتحلحلت ثم أرزمت "أي أخرجت صوتها"
ثم مدت عنقها إلى الأرض وأرزمت واستراحت ولم تعد تتحرك .
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن المنزل ها هنا .
فقال ﷺ : ها هنا المنزل إن شاء الله .
"وعجب الصحابة رضي الله عنهم ها هنا المنزل أرض صحراء جانبها مقبرة أين سينزل الرسول صلى الله عليه وسلم "
ثم وقف وقال : أي دور أهلنا أقرب إلى هذا المكان؟
قال : أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه : أنا يا رسول الله فهذا الباب الذي أمامك هو باب داري .
فقال له ﷺ : إحمل متاعنا إليه .
فنزل ﷺ في دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
فقال له بعض الناس : تنزل عندنا يا رسول الله فإن بيوتنا أوسع .
قال لهم ﷺ : المرء مع رحله .
فجاء أسعد بن زرارة أحد النقباء الإثنى عشر وسيد الأنصار في ذلك الوقت .
قال : يا رسول الله فاز بها أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه
فهل تأذن لي أن تكون ناقتك في ضيافتي .
"سبحان الله ما أجمل أخلاقهم ومعرفتهم بقدر رسول الله ﷺ .
أنت ستنزل في دار أبو أيوب أنا أستأذنك أستضيف الناقة عندي أقوم برعايتها وخدمتها"
فتبسم النبي ﷺ وقال له : لك ذلك فأخذ ناقته القصواء وجعلها ضيف في داره يخدمها وإذا احتاج النبي صلى الله عليه وسلم إليها يحضرها له .
"أسعد بن زرارة سيد قومه ويعتبره شرف بين قومه أن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في داره"
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
دار أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه : تتكون من غرفتين عبارة عن طابقين.
والحديث رواه البخاري .
وكانوا يسموه في تلك الأيام "العلّيّة"
فأراد أبو أيوب أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم في الطابق الثاني .
فرفض النبي ﷺ إلا أن ينزل في الطابق الأسفل.
وقال له : لك بيتك .
فهذا أسهل وأرفق علينا وعلى من يأتينا ضيف من الناس .
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في الطابق الأسفل .
وكان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه كل يوم يلح على الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول : يا رسول الله بأبي أنت وأمي .
نخاف من مشينا أن يتساقط عليك شيء من تراب .
أو في الليل أن نتحرك فنزعجك . إصعد للطابق الثاني .
فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : لا لك بيتك يا أبا أيوب .
حتى جاءت ليلة باردة فانكسر الحب من يد زوجته "أي جرة الماء الفخارة"
فأسرع أبو أيوب وزوجته يجففوا الماء في البطانية التي يتغطوا بها.
أخذوا يجففوا الماء بسرعة لأن السقف عبارة عن قصب وعليه طين .
فلو شرب السقف الماء لنزل على الرسول ﷺ .
فجففوا الماء بالغطاء .
وناموا تلك الليلة بلا غطاء يرجفان من البرد .
وسبحان من أخبر نبيه عن حال أبو أيوب تلك الليلة .
فلما كان الصباح .
قال : كيف كانت ليلتكم يا أبا أيوب .
فقال له : وقع من أمرنا كذا وكذا .
فقال له ﷺ : نصعد نحن إلى الأعلى وتنزلوا أنتم إلى الأسفل .
لأنه وجد بها مشقة عليهم وهو ﷺ الذي وصفه الله .
بالمؤمنين رؤوف رحيم .
يقول أبو أيوب رضي الله عنه :كنا نرسل للنبي ﷺ كل ليلة عشاءه فإذا رد علينا القصعة تلمسنا مواضع أصابعه فنأكل من مكانها تبركاً .
قال أبو أيوب رضي الله عنه وفي يوم من الأيام رد علينا القصعة وإذا ليس لأصابعه فيها أثر .
"أي لم يأكل من الصحن ولا لقمة"
يقول أبو أيوب : ففزعت وقلت للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي رددت إلينا قصعتك وليس ليدك أثر .
"فإنا كنا نلتمس أثر أصابعك أنا وزوجتي فنأكل منه تبركاً"
لما لم تأكل عشائك يا رسول الله ؟
فقال له ﷺ أحسب أن فيها من هذه الشجرة .
"كانوا قد وضعوا له الثوم في الطعام"
وأنا رجل أناجي . أما أنتم فكلوا منها .
يقول أبو أيوب : فلم نعد نضع له الثوم في طعامه ﷺ .
كم يوم أمضى النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب .
في حديث البخاري رحمه الله :
سبعة أشهر حتى تم بناء المسجد وحجرات أزواجه ﷺ .
قبل أن نختم كلامنا عن إقامة النبي ﷺ في دار أبي ايوب الانصاري رضي الله عنه .
نقول : هذا الصحابي الجليل كان يحب الجهاد .
وشهد جميع المشاهد مع النبي ﷺ .
ولما حدث القتال بين "علي ومعاوية" رضي الله عنهما
كان أبو ايوب يقف في صف علي رضي الله عنه ضد معاوية رضي الله عنه . ومع ذلك .
بعد مقتل علي رضي الله عنه واستقر الأمر لمعاوية رضي الله عنه كان أبو ايوب في جيش معاوية الذي توجه لفتح القسطنطينية .
وهذا موقف عظيم جدا لأنه يحارب من أجل الله تعالى ولا يحارب من أجل علي أو معاوية رضي الله عنهم.
وكان عمره تجاوز 90 عام رضي الله عنه .
مرض أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وهو في حصار القسطنطينية .
فطلب أن يدفن في أقرب مكان للعدو فمشوا بجنازته حتى دفنوه رضي الله عنه عند أسوار القسطنطينية .
رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والثمانون ٨٧
بناء المسجد النبوي .
ماذا كان العمل في اليوم الأول من وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بعد أن استراح من عناء السفر . فأصبح في اليوم الثاني
الكل ينتظر ما هو عمله ﷺ وقد وصل المدينة .
البعض يتوقع أن يجهز جيش لغزو مكة ؟
والبعض يتوقع أن يخرج ويعلن خطاب العرش ويعلن سياسة الدولة ؟
وقد خرج ﷺ من مكة وقد ترك زوجته سودة وعائشة رضي الله عنهن.
وترك بناته الأربعة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ترك بناته وزوجته في مكة .
فأول عمل قام به ﷺ حل مشاكل المدينة .
وبرغم كل هذه المشاكل المعقدة جدا
فإن الرسول ﷺ استطاع في فترة قياسية أن يجعل المجتمع الإسلامي مجتمع شديد التماسك .
كيف استطاع ﷺ تحقيق هذا وكيف تغلب على كل هذه المشاكل ؟
قام ﷺ بثلاثة أمور :
1- بناء المسجد .
2- تشريع الأخوة بين المهاجرين والأنصار .
3- وضع وثيقة المدينة .
واليوم سنتحدث كيف بني المسجد النبوي .
خرج صلى الله عليه وسلم على الصحابة رضي الله عنهم : وأخذ رمح من يد أحدهم واقترب إلى موقع الناقة ثم غرس الرمح في المكان الذي بركت فيه الناقة
ثم قال :
هنا نبني المسجد إن شاء الله .
أول عمل كان هو بناء المسجد
ثم قال : لمن هذا المكان ؟
قالوا : لغلامين يتيمين هم في كفالة فلان .
فقال : أين الغلامين وأين الكفيل ؟
فلما حضروا وكان الغلامين( الأول عمره 12 والثاني 13 عام)
فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم : للغلامين وللوكيل عليهما أننا نريد أن نبني مسجد في هذا المكان حيث بركت الناقة فكم تريدون ثمن هذه الأرض ؟
فقالوا : الله أكبر هي لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غير ثمن بيت لله ومنزل لك.
قال : لا يكون إلا بالثمن .
لايكون إلا بالثمن ولا يكون الثمن إلا ما تريدون وتطلبون .
فطلبوا الثمن فدفع النبي ﷺ من مال أبي بكر الصديق رضي الله عنه : ثمن تلك الأرض وأذن ببناء المسجد .
كانت الخطوة الأولى هي بناء المسجد .
وببناء المسجد استطاع تذويب الخلافات بين الأوس والخزرج .
واستطاع تذويب الخلافات بين طبقات المجتمع.
قال ﷺ هنا المسجد إن شاء الله .
إليّ يا معشر المهاجرين .
إليّ يا معشر الأنصار حتى اقتربوا كل الصحابة رضي الله عنهم واجتمعوا إليه .
فقال ﷺ : فلتتأخوا في دين الله أخوين أخوين .
سنؤجل الحديث عن المؤاخاة في الجزء القادم. إن شاء الله.
كيف كان بناء المسجد النبوي ؟؟
قام ﷺ ببناء المسجد النبوي بنفسه .
وأخذ المعول وشرع بالعمل .
كان بداية العمل نبش قبور قديمة وإخراج ما بها من عظام ودفنها في مكان آخر .
وقطع أعجاز نخل كانت باقية في الأرض وتسوية الأرض .
ثم بدء بالبناء هو وصحابته رضي الله عنهم بالطوب الترابي المعروف بالبناء قديما .
كان بناء متواضع بسيط إرتفاع المسجد على طول الرجل أو يزيد عنه قليلا .
أعمدته من جذوع النخل وسقفه من ورق النخيل.
لكن هذا المسجد خرج منه رجال صدقوا ما عاهدوا الله تعالى عليه
نشروا الإسلام في شتاء بقاع الأرض. وفتح البلاد ومن أعظمها دولتين في زمانهم "كسرى وقيصر"
لم يكن المسجد للصلاة فقط المسجد تعلم الصحابة رضي الله عنهم دينهم و دنياهم.
فكان أشرف وأرقى جامعة عرفها الإنسان على هذه الأرض .
وفيه تعلم الصحابة رضي الله عنهم الجهاد في سبيل الله.
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وعند بناء المسجد تتجلى النبوءات على نبينا ﷺ ونأخذ منها مثال :
كان عمار بن ياسر الذي كان رقيق في مكة....
وقد مر معنا قصتهم في السيرة أبوه ياسر وأمه سمية وكان عمار تحت التعذيب .
عمار الذي قال عنه النبي ﷺ مُلئَ عمار إيماناً إلى مشاشه .
كان عمار رضي الله عنه يعمل مع الصحابة رضي الله عنهم :
وكان هناك موقف غضب فيه النبي ﷺ لأجل عمار رضي الله عنه.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعامل مع الناس على حسب أموالهم ولا على حسب نسبهم .
ولكن كان يعامل الصحابة رضي الله عنهم على منهج الله عزوجل .
إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير .
كان عمار رضي الله عنه : يعمل معهم ببناء المسجد يحفر ويحمل الطوب ويضرب الأرض بالمعول ويعجن الطين .
وفي هذا العمل كان أخو النبي ﷺ من الرضاعة الصحابي الجليل "عثمان بن مظعون" رضي الله عنه.
من الأوائل الذي أسلموا وكان ترتيبه الثالث عشر ممن أسلموا .
وأول رجل مات في المدينة من المسلمين ودفن .
وعندما مات دخل عليه النبي ﷺ فقبَّله وقال : رحمك الله يا عثمان ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك .
فكان إذا لمس ثوبه التراب أزاحه بيده.
وكان إذا حمل شيء يبعده عن ثوبه كي لا يتسخ .
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال شعر : [[ معناه فيه تشبيه لهذه الصورة وكان علي لا يقصد عثمان بن مظعون رضي الله عنهما ]]
فقال في شعره :
لا يستوي من يعمر المساجدا
يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن التراب حائدا ..
قالها علي رضي الله عنه .. ولم يكن قد لاحظ ما يفعله عثمان بن مظعون فسمع هذه الكلمات عمار بن ياسر رضي الله عنه.
فأعجبته أبيات الشعر وأخذ يردد هذه الأبيات .
وكانوا يرددون الشعر وهم يعملون بالبناء
"يشجعوا بعض على العمل"
فلما قال عمار هذه الأبيات سمعه عثمان بن مظعون وظن أن عمار يقصده .
وكان بيده جريد من نخل
فقال لعمار : سمية وأمه لعمار أفضل نساء العالمين بعد مريم بنت عمران وآسية إمرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد تكون الخامسة سمية أول شهيدة في الإسلام .
فنسبه إلى أمه إحتقاراً لأنها كانت من الرقيق في مكة.
فقال : يا إبن سمية بمن تعرض . والله إن كررتها لأضربن وجهك بهذا الجريد .
وسمع كلام عثمان بن مظعون النبي ﷺ .
يقول الصحابة .:فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً لم نراه غضبه من قبل قط.
ثم قال :
إن عمار جلدة ما بين عيني وأنفي .
وإذا بلغ الرجل منه هذا فقد أبلغ .
يعني :
إذا ضربت وجهه يا عثمان كأنك تضرب ما بين عيني وأنفي .
ثم مضى ﷺ يعمل وهو مغضب .
فجاء عدد من الصحابة رضي الله عنه إلى عمار رضي الله عنه.
وقالوا : يا عمار لقد غضب من أجلك رسول الله ﷺ ونخشى أن ينزل فينا قرآن .
فقال عمار : أنا أسترضيه لكم .
فذهب إلى النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله مالي ولأصحابك "يمازح النبي"
مالي ولأصحابك ؟
فقال له : مالك ولهم ؟
قال : يريدون قتلي .
قال . كيف ؟
فقال عمار : يحمل كل رجل منهم لبنة لبنة وإذا جئت حملوا علي لبنتين .
فضحك النبي ﷺ لأنه علم أن هذا أسلوب ترضيه .
"لأن عمار رضي الله عنه هو الذي كان يحمل لبنتين لا أحد يجبره"
فضحك ﷺ وأخذ ينفض التراب من على شعر عمار وهو يضحك.
ثم أخذ بيده وطاف به بين الذين يعملون في صحن المسجد .
ويقول : إن أصحابي لا يقتلونك يا عمار رضي الله عنه
إنما تقتلك الفئة الباغية . تدعوهم إلى الحق ويدعونك إلى النار
ويسمع الصحابة رضي الله عنهم هذا الكلام من المهاجرين والأنصار الذين يعملون في بناء المسجد .
ويترقبوا يا ترى من الذي سيبتليه الله في قتل عمار .
وأخذوا يترقبوا نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم
بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه باغي
عمار يدعوه إلى الحق .
وهو يدعوئه إلى النار . من هو ؟؟
وتمضي الغزوات والسرايا كلها وعمار لم يقتل .
ويرحل النبي ﷺ عن هذه الدار وعمار لم يقتل .
ويليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه وعمار رضي الله عنه لم يقتل .
حتى جاءت خلافة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووقعت الفتنة والتقى الجيشان في معركة "صفين"
ونظر الناس وإذا عمار في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ عمار رضي الله عنه يناديهم .
يا أصحاب معاوية نحن أصحاب محمد رسول الله قاتلناكم من قبل على تنزيله "أي على القرآن"
واليوم نقاتلكم على تأويله
لقد تأولتم القرآن في غير محله ..
أنا عمار بن ياسر رضي الله عنه.
"وكان عمره 80 عام
يقول أصحابه : كان يقفز من تل إلى تل .
ويقفز من جواد إلى جواد ويضرب بالسيف ويرمي بالنبال ويرمي بالرمح
وهو ينادي بهذا النداء .
فقال معاوية لعمرو بن العاص قائد جيشه ومستشاره
هل عندك دواء لهذه المصيبة ؟؟
عمار يلهب الجيش .
كلما بردت المعركة ألهبها ولكلماته تأثير على نفوس جندنا .
قال عمرو بن العاص : لا عليك فأرسل عمرو رجلين يتسللوا خلال الجند حتى إذا وصلوا إلى عند عمار قتلوه غدراً .
فسقط عمار فلما سقط عمار شهيداً .
إلتفت أصحاب النبي ﷺ وكان عدد كبير منهم في جيش علي رضي الله عنه.
قالوا : هذا عمار قد قتل .
وكان فيهم من شهد بناء المسجد وسمع كلام النبي ﷺ .
إن أصحابي لا يقتلونك يا عمار إنما تقتلك الفئة الباغية .
تدعوهم إلى الحق ويدعونك إلى النار .
فقال الصحابة رضي الله عنهم : الله أكبر الله اكبر الله اكبر . هذه نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
تبين لنا اليوم أننا على الحق وأنهم على الباطل .
فصاح الناس كلهم علي هو على الحق ومعاوية هو الباغي .
فانسحب ثلث جيش معاوية رضي الله عنه .
وإنضم إلى جيش علي رضي الله عنه .
فقال معاوية رضي الله عنه : ويحك يا عمرو كنا بمصيبة وأصبحنا بمصيبتين .
رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والثمانون ٨٨
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار .
عند بناء المسجد قام ﷺ و وضع نظام "المؤاخاة" بين المهاجرين والانصار .
وكانت هذه الأخوة هي اخوة حقيقة واخوة كاملة
بحيث أن الأخوين يرث كل منهما الآخر ليشعروا حقا بجدية هذه الأخوة .
حتى نزلت تشريعات القران الكريم في المدينة المنورة ونسخت هذا الحكم .
بقوله تعالى .
وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ .
ولم يجعل رسول الله ﷺ وزناً للفوارق الطبقية .
"يعني المؤاخاة كانت تجمع بين الغني والفقير"
"الأبيض والأسود" ...
"الحر والعبد"
وقد نجح حبيبنا ﷺ عن طريق المؤاخاة
1- أن يتعلم المسلمين الجدد من الأنصار......الإسلام من المهاجرين
2- حل جميع مشاكل المهاجرين السكنية والاقتصادية .
ولا يعني هذا أن المهاجرين اصبحوا حمل ثقيل على الانصار .
ولكن أن يقف الأنصار إلى جانب المهاجرين لفترة من الوقت .
وهي الفترة الصعبة . فترة بداية حياتهم في المدينة حتى يقف المهاجرين على أقدامهم ويزول عنهم الإحساس بالغربة ويندمجوا في المجتمع .
فقال النبي ﷺ : إليّ يا معشر المهاجرين .
إليّ يا معشر الأنصار حتى اقترب كل الصحابة رضي الله عنهم واجتمعوا إليه .
فقال ﷺ : فلتتأخوا في دين الله أخوين أخوين .
قال لهم رسول الله : فلينزل كل مهاجر في منزل أنصاري أخوين في دين الله يرث أحدهم الآخر
أخوين أخوين في دين الله.
"يعجز كل علماء الأمة عن أن يصور لك حقيقة تلك الأخوة لا يتصورها ولا يتذوقها إلا كل مؤمن أعطاه الله النور في قلبه وأذاقه معنى الأخوة في الله"
آخى بينهم ﷺ .
وجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه مهاجر ودخل المدينة .
بعض الروايات قالت : أن على رضي الله عنه وصل آخر ليلة في قباء ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ..
ولكن هذا الحديث يرد تلك الرواية .
وصل علي رضي الله عنه فوجد الناس قد تآخوا
"يعني وصل في اليوم الثاني من وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة"
فقال على رضي الله عنه : يا رسول الله قد تآخى المهاجرين والأنصار
فمن أخي أنا ؟
فأخذ النبي ﷺ بيده ورفعها
وقال : أنا أخوك يا علي .
فكان علي أخو النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المؤاخاة .
"مع أن رسول الله وعلي مهاجرين ولكن لم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فرداً من المهاجرين بل أصبح سيد المهاجرين والأنصار"
وأثناء بناء المسجد النبوي خرج ﷺ يتفقد المدينة .
وينظر فيها فقد أصبحت مدينته
فوجد أن السوق الرئيسي فيها يملكه يهود .
"واليهود دائماً يضعوا أيديهم على شرايين الإقتصاد"
يملكون السوق متخصصون بصياغة الذهب والمجوهرات وتصنيع السلاح .
فإذا ملكوا النقد وملكوا السلاح ماذا بقي لغيرهم ؟
فلما رأى ذلك ﷺ أدرك أن اليهود تسيطر على إقتصاد المدينة .
فجاء إلى موقع من عند باب السلام مقابل المسجد النبوي وقريب من المسجد وأخذ عود وخط به بالرمال .
نظر أصحابه ماذا يخطط رسول الله ؟ صلى الله عليه وسلم
خطه بالعرض والطول .
ثم قال : يا معشر المؤمنين هذا سوق المسلمين لا يملكه أحد السوق لمن سبق .
ولا يبيع فيه أحد على بيع أخيه .
نقل تجارة المسلمين إلى سوق كان يشرف عليه هو ﷺ يوماً بعد يوم .
حتى إذا جاء السوق مرة وكان الطقس ماطراً . ووجد رجل من المنافقين يبيع البر "أي القمح" نظر إليه ونظر إلى قمحه .
ثم جاء ووضع يده ﷺ في كومة القمح فوجد داخله مبلول .
فقال له : هلا جعلت ما أصابته السماء على وجهه كي يراه الناس من غشنا فليس منا
أصبح للمؤمنين سوق وفيه اقتصادهم ولم يعودوا آلة في يد اليهود يلعبوا بهم كما يشاؤون .
ثم قام ﷺ في وضع "وثيقة المدينة"
والوثيقة ما نسميه اليوم "دستور المدينة" وهو يعتبر أول دستور مدني في التاريخ ومفخرة من مفاخر الحضارة الاسلامية .
وكان يحتوي على 52 بند .
ومن الصعب شرح البنود كاملة سيأخذ ذلك وقت طويل .
ولكن اذكر ملخص هذه البنود .
كان 25 بند خاص لأمور المسلمين .
و 27 بند خاص بالعلاقة بين المسلمين من جهة.
وغير المسلمين من جهة أخرى .
وهم المشركين واليهود .
وقد كفل هذا الدستور لأصحاب الأديان الأخرى من المشركين واليهود جميع الحقوق الانسانية .
كحرية الإعتقاد وحرية إقامة شعائرهم والمساواة والعدل .
كما نصت بنود هذا الدستور على أنه في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو فعليهم أن يتحدوا جميعا لمواجهته .
دولة قائدها سيد الخلق محمد ﷺ .
فاستطاع ﷺ في فترة وجيزة جداً أن يحل جميع المشاكل المعقدة جدا التي واجهت المسلمين عند هجرتهم الى المدينة .
لم يتهرب ﷺ من هذه المشاكل كلها بل واجهها وقام بحلها .
لذلك قال مايكل هارت مؤلف كتاب "الخالدون المائة الأوائل"
بعد دراسته لسيرة النبي ﷺ ليختار 100 شخصية عالمية غيرت العالم .
فوضع شخصية النبي ﷺ الأولى في كل العالم .
"الكتاب عمل ضجة في بلاد الغرب .
كيف تضع أن محمد أعظم شخصية في العالم على الإطلاق
"واجه الكتاب انتقاد كبير لأنه وضعه قبل المسيح عيسى عليه السلام الذي جاء في المرتبة الثالثة"
فقال مايكل هارد يرد على الإنتقاد
إن اختياري لمحمد ليأتي في المرتبة الأولى من قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيراً في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض .
ولكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحاً بارزاً على كل من المستوى الديني والدنيوي .
وإن البقية ولدوا في بلاد حضارات و علم .
بينما محمد ولد في بيئة صحراوية ، جاهلة و فقيرة و بعيدة عن العلم .
محمد تاثيره ذاتي وعظيم ومتجدد إلى يومنا .
لو كان محمدا موجودا وبيننا الآن لحل مشاكل العالم المعقدة كلها و هو يرتشف فنجان الصباح"
بأبي و أمي يا رسول الله ﷺ
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والثمانون ٨٩
حجرات أزواج النبي ﷺ .
المسجد النبوي كان يضم بيت النبي ﷺ لكل زوجة من زوجاته حجرة .
وكانت الحجرات مبنيه مثل المسجد من لبن التراب سقفها ورق النخيل .
على أبوابها المسوح "جلد الأنعام الذي عليه الشعر"
هذا بيت النبي ﷺ ولم يبني حجرة أخرى إلا إذا تزوج من زوجة جديدة .
فكلما جاءت زوجة إتخذ لها حجرة إلى جوار هذه الحجرة حتى اكتملت حجرات أزواج النبي ﷺ إلى تسع حجرات .
وبعد أن ارتحل النبي ﷺ بقيت حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
فكلما توفيت زوجة من أمهات المؤمنين أغلقت حجرتها وبقيت حتى فرغت الحجرات كلها إلى أيام حكم الأمويين .
وكان أمير المدينة " عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه"
فبعث إليه الخليفة الأموي أن يضم حجرات أزواج النبي إلى المسجد من أجل التوسعة .
وكان في ذلك الوقت إمام المسجد النبوي و كبير التابعين "سعيد بن المسيب" رحمه الله.
فلما عزم على ذلك خشي ردة الفعل عند أهل المدينة ..
فلما شاورهم بالأمر قال له إبن المسيب رحمه الله.
" سعيد بن المسيب من كبار التابعين وكذلك سعيد بن الجبير رحمهما الله وهذان لا يقبل الحديث مرسل عن النبي ﷺ إلا من خلالهما .
فإن قالا قال رسول الله أعتبر الحديث صحيحاً ولا يعتبر من المراسيل الضعيفة"
فقال إبن المسيب : لا والله لا نراه فعل حسن ولا يبغى به وجه الله تعالى.
أما أنت يا عمر بن العزيز نحن لا نشك بتقواك .
ولكن الويل لمن أمرك بهذا لأنه أراد أن يضيع معالم منهج السنة حتى لايأخذ عليه ترفه الذي هو فيه .
لماذا اعترض سعيد بن المسيب رحمه الله.
لأن بني أمية في الشام أصبحوا يقلدوا كسرى وقيصر ويبنوا قصور للترف .
والحجرات كما يصفها الحسن البصري .
"الحسن البصري رضيع أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين زوجة النبي ﷺ"
"كانت أمه خادمة عند أم سلمة رضي الله عنه ترسلها أم سلمة تحضر لها حاجاتها "
"وأم سلمة رضي الله عنه إمرأة كبيرة ليس عندها ولد فيبقى الحسن البصري الرضيع عند أم سلمة يبكي فتعطيه ثديها لتسكته فيجري الحليب في ثديها فيرضع الحسن فسمي الحسن البصري رضيع بيت النبوة " رحمه الله.
يقول الحسن البصري :
قبل أن أناهز الحلم وأنا صبي مراهق .
كنت أدخل حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأنال أعلاها بيدي .
"صبي يرفع يده في غرف أزواج النبي تصل يده للسقف .
تخيلوا كيف كان بيته ﷺ"
يقول : وكان بعضها من لبن الطين وبعضها من الحجارة يعني حجر فوق حجر .
من أراد أن ينظر إلى داخلها من الخارج من بين فراغات الحجارة نظر .
ومن أراد أن ينظر من داخلها إلى الخارج نظر .
لم يكن لها أبواب تغلق .
ولم يكن فيها بلاط ولا أساس .
فكان الحجيج أو المعتمرين إذا جاؤوا إلى المدينة.
وقالوا : أين بيوت النبي ﷺ .
قالوا لهم : ها هي
فينظرون إلى الحجرات ، ويندهشوا ويقارنوها في بلادهم .
فيقولون : سبحان الله أفي هذه قضى النبي صلى الله عليه وسلم عمره هو وأزواجه رضي الله عنهن.
فيقول لهم أهل المدينة : نعم .
ﷺ : كان في يده مفاتيح كنوز الأرض ولكنه إختار الدار الآخرة.
فقال إبن المسيب : ليتها تبقى لتكون موعظة لكل المسلمين من بعده
ولكن قرارات السلاطين لا أحد يستطيع معارضتها
وهدمت حجرات أزواج النبي ﷺ وضمت إلى المسجد .
حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم درس للذين لا يقتنعون ولا يرضيهم شيء .
هذا بيت نبيكم ﷺ .
فلو كنت تعيش في بيت إيجار ولا تملك منزل فلا تتحسر لأن الأرزاق بيد الله سبحانه ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
اصبر حتى يفرجها الله لك وعليك
حتى إنه دخل يوما على عائشة رضي الله عنها فوجدها تضع الطين على الشقوق .
"كأي زوجة تهتم في منزلها وتزينه"
قال : ماهذا يا عائشة ؟!!
قالت : اضع الطين بين الشقوق .
قال يا عائشة مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلُ الدُّنيا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها .
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
هذه حقيقة الدنيا ليتنا نفهم
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التسعون ٩٠
هجرة بنات النبي وزوجاته ﷺ.
ومشروعية الآذان .
لقد علمنا أن النبي ﷺ هاجر مفرداً بصحبة أبو بكر رضي الله عنه ولم يصطحب أهله .
"لأنه هاجر من أجل الدين وإبتغاء وجه الله تعالى وكذلك الصديق رضي الله عنه "
فلما استقر بالمدينة إختار ﷺ مولاه "أبو رافع وزيد بن حارثة"
وأرسل معهم الدليل الذي إصطحبه "إبن أريقط" ليأتوا بعائلة بيت النبوة من مكة .
ليأتي بالسيدة "سودة بنت زمعة زوجته في مكة"
ويأتي بإبنتيه "أم كلثوم وفاطمة" فانطلق الدليل مع الصاحبين وأتى بأهل بيت النبي ﷺ وخرج بصحبتهم آل الصديق زوجة أبو بكر يقال لها "أم رومان" والسيدة "أسماء بنت أبي بكر الصديق" وهي زوجة "الزبير بن العوام" وكانت حامل بإبنها "عبدالله بن الزبير" في الشهر التاسع .
فما أن وضعت قدمها في المدينة المنورة : وضعت مولودها فكان أول مولود من المهاجرين في أرض المدينة المنورة .
وكان من ضمن هذه المجموعة السيدة عائشة بنت الصديق زوجة النبي ﷺ التي لم يبني بها بعد .
قدم هذا الركب المبارك من أهل بيت النبوة وآل الصديق ولم يتخذ ﷺ لأهله إلا حجرة واحدة لزوجه سودة وحجرة أخرى تضم بنتيه رضي الله عنهن.
✨✨✨✨✨✨
مشروعية الأذان .
بعد بناء المسجد النبوي وكانت الصلاة تعقد جماعة
ولم يكن هنالك أذان .
فكانوا يحضرون إلى الصلاة عند وقت الصلاة .
فجمعهم النبي ﷺ يوماً
وقال : لنتخذ وسيلة تعلن وقت الصلاة .
فقال رجل منهم : نرفع راية يا رسول الله يحملها رجل على ظهر المسجد .
فإذا حان وقت الصلاة فيراها الناس فيتجمعون .
فقال ﷺ : إنها لا تصلح للنائم في الفجر ولا تنبه الغافل في الأسواق .
فلم يعتمد هذا الرأي .
فقالوا : نشعل ناراً فيراها الناس .
فرفضها النبي ﷺ لأنها شعار المجوس .
قالوا : ننفخ في البوق كما يفعل اليهود .
فقال ﷺ :إنا لا نريد تقليدهم .
فقالوا : نضرب الناقوس كما تصنع النصارى .
قال ﷺ : إنه فعل النصارى .
فقال قائل : نبعث من ينادي في الطرقات "الصلاة جامعة"
فاستحسن النبي ﷺ هذا الرأي وأمر أربعة من الرجال ينادون في وقت الصلاة من جهات المسجد الأربعة "الصلاة جامعة . الصلاة جامعة"
فيجتمع الناس إلى الصلاة .
ومضت هذه الطريقة أيام والنبي ﷺ يفكر في موضوع النداء إلى الصلاة .
لا يعجبه هذا الفعل أن يبقى أربعة ينادون في الطرقات .
"عبد الله بن زيد الأنصاري" كان يتردد إلى النبي ﷺ .
قال : يا رسول الله إني أراك تهتم في أمر الصلاة .
قال النبي ﷺ : أجل لا يعجبني هذا النداء إنما أريد أن يكون لكم شعار مميز .
يقول هذا الصحابي "عبدالله بن زيد الانصاري" رضي الله عنه فذهبت ليلة وأنا مهموم لهمّ رسول الله ﷺ أتدبر كيف يكون أمر يرضيه وننادي به إلى الصلاة .
"أرأيتم حتى نعرف قيمة هذا الأذان الذي نسمعه كل يوم خمس مرات"
وكذلك سائر الصحابة يحملون همّ النبي ﷺ ولم يكن يُشرع من عنده إلا بوحي .
وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
فلما مضى نصف الليل واقبل الفجر .
وإذا بعبد الله بن زيد يطرق باب النبي ﷺ ويستأذن بالدخول على النبي صلى الله عليه وسلم
"لم يطلع الفجر بعد"
فخرج إليه النبي ﷺ وكان يصلي صلاة القيام .
فجلس عبدالله الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وقال : بأبي وأمي يا رسول الله .
لقد رأيت رؤيا أعظمتها فلم أملك نفسي بأن أبقى إلى الفجر .
فأتيتك من الساعة فأعذرني يا رسول الله .
قال ﷺ : هاتِ ما ورائك يا إبن زيد ؟
قال : بينما أنا بين النائم واليقظان أحمل هم النداء إلى الصلاة إذ رأيت كأني في الطريق ورجل عليه ثوبان أخضران وبيده ناقوس "أي جرس"
فقلت : هل تبيعني هذا الناقوس ؟
فقال : وما تريد منه ؟
قلت له ننادي به إلى الصلاة إلى أن نستقر إلى أمر .
فإن رسول الله ﷺ لا يعجبه النداء في الطرقات .
فقال . ألا أدلك على خير من هذا ؟
قلت له : بلى .
قال : إنطلق إلى رسول الله وأبلغه أن ينادي بهذا النداء الذي ستسمعه مني الآن .
فوقف أمامي ونادى .
الله أكبر الله أكبر . الله أكبر الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن محمد رسول الله . أشهد أن محمد رسول الله .
حي على الصلاة . حي على الصلاة .
حي على الفلاح . حي على الفلاح .
الله أكبر الله أكبر . لا إله إلا الله .
ثم استأخر غير بعيد .
ثم قال :تقول إذا أقيمت الصلاة .
الله أكبر الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن محمدا رسول الله .
حي على الصلاة .
حي على الفلاح .
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة .
الله أكبر الله أكبر . لا إله إلا الله .
فقال النبي ﷺ : رؤيا حق يا إبن زيد إنتظر حتى يكون الفجر وتمليها على بلال رضي الله عنه
فإنه أندا منك صوتاً .
وما هي إلا ساعة من وقت حتى أخذ الصحابة رضي الله عنهم يحضرون إلى المسجد لحضور صلاة الفجر .
فلما دخل بلال قام عبد الله الأنصاري .
وعلمه هذه الكلمات .
فوقف بلال ينادي بها
فما أن كبر تكبيرتين حتى جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجر ردائه .
"يعني من العجلة يجر ردائه خلفه على الأرض"
فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وبلال يكبر .
فأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه .
ويقول : والذي بعثك بالحق .
لقد رأيت مثل هذا الليلة وكنت أريد أن أحدثك به بعد الصلاة .
فقال له ﷺ : لقد سبقك بها عبد الله بن زيد رضي الله عنه
ولقد سبقكما بها جبريل : فلقد جاءني ولقنني إياها .
فتم الأذان على هذه الصورة التي تسمعوها ليس فيها الصلاة خير من النوم في الفجر .
حتى كان يوم من الأيام بلال رضي الله عنه يؤذن الفجر
فلما قال : حي على الصلاة وحي على الفلاح .
وهو رافع بها صوته
تذكر أن الناس نيام : وأنهم نائمون في مثل هذا الوقت فإجتهد من عنده وقال .
الصلاة خيرٌ من النوم .
فسمعها النبي ﷺ فقال له بعد أن أتم الأذان .
نِعما ما قلت يا بلال إجعلها في الفجر دائماً .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى......
الغريب
06-27-2022, 11:55 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والتسعون 91
إسلام حبر من أحبار اليهود .
عندما إستقر النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه جاء رجل من أحبار يهود كان يرد إليه علم اليهودية .
والحبر هو رئيس الكهنة أو كبير العلماء وأسمه "عبدالله بن سلام"
فهو حبر من أحبارهم إليه يرجع علم الكتاب ولا يتصرفون إلا برأيه .
يقول عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه لأنه أسلم وأصبح صحابي "كما جاء في البخاري"
قال : جئت لأنظر إليه وأنا أعرف وصفه كما أعرف أبنائي ونحن نعلم أنه بقي بعث نبي تختم به النبوءات ورسالة السماء .
يقول عبد الله جئت إلى رسول الله ووقفت بالباب دون أن أعرّف بنفسي .
نظرت إليه وهو يكلم أصحابه فسمعته يقول :
*أفشوا السلام . وأطعموا الطعام . وصلوا الأرحام . وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام "
فنظرت في وجهه فقلت وربِ موسى وعيسى
ما هذا بوجه رجل كذاب .
إنه هو هو .
وأخذت أتفرسه حسب ما أعرف من نعته وصفاته فأيقنت أنه هو .
فدخلت وسلمت
ثم قلت : يا محمد : أنا عبد الله بن سلام .
وإني لأجد نعتك وصفاتك في كتبنا .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
ولكن يا رسول الله لا تعلن إسلامي على الملأ
وادعوا إليك كبار يهود .
"فإن اليهود أهل بهت وكذب وفجور ."
هو حبرهم وهو أعرف الناس بهم وهذه شهادته بهم"
يقول إن اليهود أهل بهت وكذب وفجور فادعوهم يا رسول الله واسألهم عني واسمع ما يقولون بي .
ثم أعلمهم بإسلامي . ثم إسمع ماذا يقولون ؟
فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته وأمر أبو أيوب أن يدخل عبد الله بن سلام في حجرة داخل البيت .
وأرسل ﷺ يدعوا أحبار يهود أن يحضروا إليه من قريظة وقينقاع والنضير فلما أقبلوا وجلسوا
فقال لهم ﷺ يا معشر يهود .
"لم يخاطبهم يوماً بأل التعريف لأنهم لا يستحقونها فهم نكرة وأنكر خلق الله"
قال : يا معشر يهود تعلمون أنه بقي نبي من أنبياء الله تختم به شرائع الله ؟
وإني رسول الله إلى الناس كافة .
فاتقوا الله وآمنوا ولا تأخذكم العزة بالإثم .
فقالوا : لا لست أنت المنتظر نحن أعرف به منك
فقال لهم : أيكم عبد الله بن سلام ؟
"نظروا إلى الحكمة كأنه لا يعرف عبد الله بن سلام"
أيكم عبد الله بن سلام الذي يرجع إليه القوم ؟
قالوا : ذاك ليس فينا "يعني ليس معنا الآن"
قال : فما هو فيكم ؟؟ "يعني ماهي منزلته عندكم"
قالوا : هو سيدنا وابن سيدنا . وأعلمنا وابن أعلمنا . وأشرفنا وابن أشرفنا . وإليه ترجع علومنا .
قال لهم ﷺ . فإن أسلم عبد الله بن سلام وصدق أنني النبي المبعوث . فماذا تقولون ؟
قالوا :حاشاه الله أن يسلم ويؤمن بك .
إنه ينتظر النبي المبعوث .
قال لهم . فإن أسلم ؟
قالوا . لن يسلم
قال . فإن آمن بي ؟
قالوا . حاشاه الله أن يؤمن بك وأنت لست النبي .
فقال النبي ﷺ بملء فمه .
يااا إبن سلام .
فخرج من الحجرة وقال : لبيك يا رسول الله .
ثم نظر إلى يهود وقال :
يا معشر يهود كنت أحدثكم زمنا عن نبي بقي لم يبعث .
به يختم الله شرائعه وقد عرفتكم وصفه وكلكم يعرفه .
وإني أشهد أنه هو هذا محمد رسول الله .
فقالوا له : أنت أكذبنا وابن أكذبنا .
وأنت أسقطنا وابن أسقطنا .
وأنت لا علم لك ولا شرف ولا نسب فينا .
فلماذا نسمع قولك ؟
فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه للنبي وهو ينظر إليه .
أسمعت يا رسول الله ؟
اسمعت ماذا قالوا لك عني قبل قليل ؟
واسمع ماذا يقولون الآن ؟
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلم يسمعوا كلمة الحق .
وأسلم عبد الله بن سلام وحده في هذا اليوم وكفرت أحبار يهود المغضوب عليهم .
اسلم عبدالله بن سلام واسلم أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين
يقول ﷺ : من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عبد الله بن سلام .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية و التسعون 92
موقف اليهود من النبي ﷺ .
إنتقل ﷺ من العهد المكي إلى بداية العهد المدني .
والسيرة النبوية أصبحت تأخذ طابع جديد.....
فقد أصبح ﷺ صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المدينة المنورة.
هو قائدها الروحي لأنه نبيها .
وهو قائدها السياسي لأنه الآمر الناهي المشرع عن الله فيها .
وإن كان الله قد أراحه من سفهاء مكة وقريش وأصنامها .
فقد وجد في المدينة أبغض خلق الله وأحقرهم وأسفههم .
"اليهود المغضوب عليهم من رب العالمين"
فانتقل من سفاهة قريش إلى سفاهة اليهود .
لأن الله سماهم هكذا لا نشتمهم تعصب ولا مزاجية .
قال تعالى في حقهم :
سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ...
عندما حولت القبلة.
فالله سمى اليهود السفهاء فهم أسفه خلق الله .
ولا أسفه منهم إلا من وثق بهم وتعامل معهم .
السفهاء الذين قالوا لنبيهم المعظم المبجل عندهم موسى عليه السلام الذي لا يؤمنون بغيره سمعنا وعصينا
فإذا كانوا يقولوا هذا لأعظم أنبيائهم سمعنا وعصينا
فماذا تتوقعون منهم ؟
ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ...
وهم لا ينقطعون عن الأذى قط .
وليحقق قوله تعالى
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
واليهود من العالمين فوسعهم ﷺ بحلمه وصبر عليهم وبدأ مشواره معهم في المدينة .
استقر ﷺ بالمدينة وأخذ يوجه الدعوة إلى لليهود .
وأخذ اليهود يتقربون منه يريدون أن يستوثقوا أهو النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينتظرون أم غيره ؟
ولأول مرة وقعت أبصارهم عليه عرفوه .
فساء صباحهم أنه من ولد إسماعيل .
غضبوا لماذا إختاره من العرب .
"كي نعلم أن عداوة اليهود متأصلة منذ أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم من العرب"
كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان بصفاته التي يعرفونها تماماً كانوا يعرفون أوصافه كما يعرفون أبنائهم . بل وأشد معرفة .
كانوا ينتظرون أن يكون من ولد إسحاق ويعقوب من بني إسرائيل .
لذلك اختاروا المدينة دار إقامة وجاؤوا بقبائل ثلاثة "قريظة وقينقاع والنضير" وسكنوا في المدينة .
لماذا ؟
لأنهم أيضاً بما يهمهم من البحث في كتبهم عرفوا موضع ولادته ومهجره .
ولأنهم لم يتمكنوا من السكن في مكة سكنوا في المدينة لأنهم عرفوا أنه سيكون هنا دار هجرته .
ونفر قليل من أكابرهم سكنوا بطحاء مكة وكان أملهم أن يولد منهم .
لكنه ولد من العرب .
ولما سمعوا بمبعثه تيقنوا الخبر .
لقد أتينا على نبذه من هذا في بداية السيرة أن أحبار اليهود إستطاعوا أن يحددوا ليلة المولد النبوي
وعرفوا أنه ولد تلك الليلة .
ولما لم يكن من ولد إسرائيل أيقنوا أنه من العرب.
واستطاعوا أن يحددوا من هو جده .
"عبد المطلب" وبشروا به وأخبروا قومهم أنه طلع نجم أحمد صبح هذه الليلة.
ولما هاجر جاءه أحبارهم ونظروا إليه وكلموه وعلموا أنه هو هو .
وفي سياق الحديث عنهم سأذكر قصة عظيمهم "حيي بن أخطب"
ماذا قال لما هاجر النبي ﷺ للمدينة ؟
دعوني أولاً انتقل بكم بالسيرة لغزوة خيبر قليلا لنربط الحدث مع بعضه البعض .
لما فتح النبي ﷺ "خيبر" وهزم اليهود من بني النضير
وانتهى الأمر : اختار النبي ﷺ "صفية بنت حيي" رضي الله عنها وتزوجها وأسلمت .
ولما دخل الإيمان لقلبها واطمأنت وأصبحت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم هي التي تحدث .
وما أجبرها أحد على الحديث تحدث النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فيقول لها حدثي أصحابي فتحدث صفية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبوها "حيي بن أخطب"
الآن لنسمع نحن القصة من أم المؤمنين "صفية بن حيي" رضي الله عنها تحدثنا عن أبوها وعمها.
تقول صفية بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها زوجة النبي ﷺ .
كان أبوها أشد أعداء رسول الله وأصله يهودي وها نحن نترضى عنها ونقول أم المؤمنين لأن الإسلام يجّب ما قبله .
"نحن لا نعادي الأشخاص لأصلهم ونسبهم إنما نعادي عقيدتهم وسلوكهم"
تقول صفية : يا رسول الله لقد كان أبي حيي بن أخطب سيد بني النضير وإليه مرجعهم .
وكان عمي أبا ياسر حبر من أحبارهم .
فلما سمعا بمبعثك إعتراهم هم كبير .
فما زالوا يترقبوا أخبارك حتى قدمت إلى قباء .
فلما سمعا بقدومك خرجا إليك مغلسين "أي من الصباح"
وكنت أحبّ أبنائهم إليهما
"هي تقول عن نفسها كانوا يحبوني أكثر من كل أولادهم"
إذا خرجا وعادا ولقياني هششت لهما فأخذاني من دون أبنائهما .
"يعني يتركوا كل الأولاد والبنات ويحضنوا صفية فقط من كثر حبهم لها"
قالت : فخرجا يوم قدومك إلى قباء مغلسين أي الصبح فما عادا إلا مع سقوط القرص .
"مع غياب الشمس طول النهار ومن المدينة إلى قباء مسافة"
فعادا مع سقوط القرص فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا .
"يعني مهدود حيلهم مع أنهم لم يحاربوا ولم يقاتلوا.
قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلي واحد منهما .
فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي حيي بن أخطب .
يسأله . أهو هو ؟
قال له حيي : أجل والله هو هو وربِ عيسى وموسى هو الذي كنا ننتظره .
قال : هل عرفته بصفاته ونعته ؟
فقال له : أشد من معرفتي بإبنتي هذه . وأشار إليّ بأصبعه .
فقال عمي أبا ياسر . فماذا في نفسك منه ؟
"يعني ماهو موقفك الآن"
قال : عداوته ما حييت .
قالت صفية : فأمسك عمي أبا ياسر بيدي أبي وقال يا أخي أطعني في هذه واعصيني بما شئت .
لا تناصب الرجل العداء ما دام نبياً ورسولا فيهلكنا الله .
فصاح وقال : لا . لا عداوته ما حييت .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ .
هل رأيتم من يهود ؟؟
قال : عداوته ما حييت .
لأنه بعثه من العرب .
هذا حديث ترويه أم المؤمنين صفية تخبرنا عن موقف أبوها اليهودي من النبي ﷺ .
اليهود يعرفون النبي ﷺ أكثر ما يعرفون أبناءهم .
ولما جائهم ما عرفوا كفروا به .
ومع ذلك كله رغب النبي ﷺ بإسلامهم .
ولكن لم يؤمن إلا آحاد يعدون على الأصابع . وكفروا ولا إكراه في الدين .
لم يلزمهم ويجبرهم على الإسلام ولكن جعل بينه وبينهم معاهدة .
"قوم يجاوروننا في المدينة ويدينون بغير ديننا .
إذا يجب أن يكون بيننا وبينهم عهود ومواثيق"
فكتب ﷺ معاهدة ذات بنود طويلة .
تجمع الأوس والخزرج المؤمنين جانباً ..
واليهود الذين يجاوروهم ثلاث قبائل جانبا آخر ..
عاهد النبي ﷺ اليهود .
ملخص المعاهدة بالمختصر :
لهم الحق أن يعيشوا في المدينة كأهل المدينة .
لا قيود عليهم أبداً يبيعون ويشترون ويعبدوا ما يشاؤون .
لهم حقوق وعليهم واجبات .
حقوقهم أن تعيشوا معنا بأمان وواجبكم إذا هاجمنا عدو أن تدافعوا عن المدينة كما ندافع نحن .
وإذا وقعت بينكم وبين أحد منا دماء الحكم فيها لله تعالى
"قاتل عمد يقتل .
قاتل خطأ دفع دية ونحن كذلك"
ولكن اليهود والعهود ضدان لا يجتمعان أبداً أبداً .
ولن تجد أوفى عهد من رسول الله ولا أحسن خلق من ﷺ .
ولا أوسع صدراً من رسول الله ولا أحلم من رسول الله ﷺ .
وقد إلتزم معهم بالعهود بكل ما يرضي الله تعالى.
ولكن اليهود لم يوفوا له ببند واحد قط .
وسيأتي معنا بالتفصيل كيف عفا عن بني قينقاع
وكيف أجلى بني النضير .
وكيف ختم بالأمر بالقضاء على بني قريظة .
ولا قبيلة منهم أوفت بعهد واحد للنبي ﷺ .
هذا طبعهم وسورة البقرة مدنية نزلت في المدينة وأكثر الآيات فيها تخبر النبي ﷺ عن خبث اليهود ومكرهم .
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم الآن في مرحلة جديدة بعد كفار مكة الآن مع اليهود والمنافقين
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة و التسعون 93
المنافقون في المدينة المنورة .
تكلمنا عن موقف اليهود من النبي ﷺ .
ولنأخذ نظرة أيضاً عن المنافقون فيها .
المدينة أصبحت تحت رعاية النبي ﷺ وفيها المهاجرين والأنصار .
المهاجرون والأنصار من خيرة خلق الله والأمة المحمدية
الرعية هم المهاجرون والأنصار .
رضي الله عنهم
ومع جمال هذه البيئة لم يمنع أن يكون بين صفوفهم منافقين .
ومن هنا نريد أن نشير إلى الذين يعلّقون دائماً فشلهم وسلوكهم وعدم إتباعهم لدين الله تعالى :
على شمّاعة يقال لها "المجتمع"
لا أنكر أن المجتمع قد ينفع ويضر .
ولكنه لا يثني مؤمن عن إيمانه .
لأن المجتمع المكّي بكل غطرسته وفساد من فيه وتسلط الأشرار على الأخيار .
لم يثني آل ياسر ولا بلال رضي الله عنهم ولا الذين عذبوا من المستضعفين عن دينهم .
حتى سمية "أم عمار بن ياسر أول شهيدة في الإسلام" ماتت تحت التعذيب ولا أن ترضي أبا جهل بكلمة واحدة .
المجتمع لم يثنيهم عن دينهم
والمجتمع المدني كما وصفناه بجلالة قدره
من كان إمامه ؟ رسول الله ﷺ .
و جبريل عليه السلام يهبط ويرتفع والقرآن الكريم يتنزل في الليل والنهار .
والرعية مهاجرون وأنصار .
والقرآن الكريم يطبق على أكمل وجه.
لم يمنع إبن سلول أن يكون "رئيس للمنافقين"
فكان يصلي بالصف الأول في مسجد الرسول ﷺ .
فإذا ماجلس ﷺ بين الخطبتين يوم الجمعة :
وقف ابن سلول واستدار إلى المصلين : الأنصار والمهاجرين .
"وبما أنه أنصاري لا يملك أن يخاطب المهاجرين"
كان يخاطب قومه ويقول :
يا معشر الأنصار .
يا معشر من آمن بالله ورسوله إسمعوا وأطيعوا وانصروا وترحموا يرحمكم الله .
أرأيتم النفاق وأهله
يرفع برقية ولاء وتأييد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل جمعة .
وفي نفس الوقت يكيد للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في كل ساعة"
حتى نزل القرآن الكريم يفضحه ويذكر كلماته كلمة كلمة .
قال تعالى :
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ .
سماه الله منافق بالقرآن الكريم .
ومع هذا لأن المنافق لا يستحي ، والنبي ﷺ يقول إن لم تستحي فاصنع ما شئت .
بعد نزول الآية قام أيضاً إبن سلول في الجمعة التي تلي نزول هذه الآية ليكمل نفاقه
وقف.... وقال : يا معشر ...
وقبل أن يتم كلامه كان رجل من الأنصار من قومه أنصاري خزرجي ويعتبر إبن سلول سيده وأميره جذبه من ثوبه حتى أنزل ركبتيه إلى الأرض.
قال له : إجلس قبحك الله ألا تستحي ؟
ماذا تقول بعد أن نزل فيك قرآن يتلى أترى أحد يثق بك أو يصدقك ؟
فغضب إبن سلول ونفذ صبره.
فقام إبن سلول وتخطى الصفوف وهو يشتم ويلعن وخرج من المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر .
خرج هذا المنافق والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر حتى لقيه : رجل من قومه على باب المسجد.
قال له : ويحك أين تخرج ورسول الله يخطب ؟
قال : قمت أؤيده ، وأشد أزره كما أفعل كل جمعة فقام أصحابه .
قال : قام أصحابه يتجاذبوني من ها هنا وها هنا .
فقال له الرجل ويحك إرجع يستغفر لك رسول الله .
قال : لست بحاجة إلى إستغفاره.
وأدار وجهه إلى الجهة الأخرى .
فقال له الرجل الأنصاري : إني لأرجو الله أن ينزل في لوية عنقك هذه قرآن يتلى إلى قيام الساعة .
"انظروا إلى صدق الصحابة رضي الله عنهم وقلوبهم كيف كانت معلقة بالله تعالى "
وما أن إنتهى النبي ﷺ من صلاة الجمعة وإذ بجبريل عليه السلام يهبط عليه بالقرآن الكريم .
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون * سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين .
نزلت هذه الآيات كما طلب الصحابي المؤمن الصادق .
أرجو من الله أن ينزل في لوية عنقك قرآن لووا رءوسهم .
ولكنه لم ينفع إنسان فُطر على النفاق .
هذا هو المجتمع المدني وحال الصحابة رضي الله عنهم وهكذا كان المنافقون بينهم .
ننتقل الآن بإذن الله تعالى إلى باب الغزوات والسرايا
لنتعلم الكثير من الرجال لو أرادوا قلع الجبال لأزلوها .
كل الأجزاء القادمة.إن شاء الله. تمهيد لغزوة بدر أعظم معركة وقعت على الأرض .
ستأخذ معنا أجزاء كثيرة .
يجب متابعة كل الأجزاء لنفهم أكثر عن غزوة بدر .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة و التسعون 94
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا .
لقد ذكرنا كيف تعامل رسول الله ﷺ مع يهود المدينة وعقد معهم معاهدة .
وماهو موقفهم من رسول الله ﷺ .
وذكرنا المنافقون أيضاً في المدينة وأصبح في المدينة فريقان :
1- مسلمون من مهاجرين وأنصار .
2- ويهود أهل الكتاب
وليس في المدينة غير هذين الفريقين .
أما حول المدينة فالناس كثيرة ومِلل متعددة.
منهم من يوالي قريش في باطنه وفي ظاهره لا يعادي المسلمين خوفاً من بأسهم .
ومنهم من يوالي المسلمين في باطنه ولكنه يخشى قريش فلا يظهروا تضامنهم مع المسلمين .
فبعد مرور 7 أشهر بالتمام أذن الله تعالى لهم بالقتال .
وقد وصلتهم أخبار أن قريش وضعت يدها على كل أملاكهم في مكة .
حتى بيت النبي ﷺ استولى عليه عقيل بن أبي طالب "ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم
أخ على رضي الله عنه"
وباعه لغيره حتى لا يكون ملزم في رده في يوم من الأيام .
"لأن الرحم تلعب دورها"
وبلغت الأخبار النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم.
واستأذن رجال من أصحاب النبي ﷺ "كحمزة وعلي وغيرهم" أن يقاتلوا قريش ليأخذوا أموالهم .
وأيضاً كان هناك في مكة بعض المستضعفين الذين حبسوا ومنعوا من الهجرة .
فكان جوابه ﷺ إن الله لم يأذن لي
وإستمر هذا الحال سبعة أشهر .
كان القتال حتى هذه اللحظة منهياً عنه .
والقاعدة التى كان عليها المسلمون في مكة هي قول الله تعالى .
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
إلى أن أنزل الله قوله تعالى .
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ .
ومعنى قوله تعالى بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
يعنى أذن للمسلمين القتال حتى يرفعوا عن أنفسهم الظلم الذي وقع عليهم .
سواء بمصادرة أموالهم وديارهم .
أو حبس المستضعفين من المسلمين بمكة وتعذيبهم وفتنتهم عن دينهم .
أوحى الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في آية صريحة تعبر عن شعور المسلمين وتفتح لهم باب الفرج .
نقرأ الآيات بتدبر وتفكر :
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
فكان هذا إذن من الله عز وجل للنبي ﷺ وصحابته الكرام بأن يتمرنوا على القتال ويدافعوا عن أنفسهم على خلاف العهد المكي.
في مكة كان الله عز وجل يصبر نبيه ﷺ .
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ .
وكان النبي ﷺ يصبر أصحابه رضي الله عنهم :
فكان يقول لهم اصبروا وصابروا والله ليتمنّ الله هذا الأمر .
أول سرية . سيف البحر .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[ى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة و التسعون 95
أول سرية في الإسلام .
سيف البحر .
أنزل الله عز وجل الإذن بالقتال .
فالصحابة رضي الله عنهم لم يقاتلوا بعد .
وقريش لم تخرج لهم بجيش .
فشرع ﷺ ما يعرف بلغة عصرنا اليوم "المناورات"
فأخذ يجهز أصحابه منذ أن نزلت الآية وقبل أن يخوض المعركة الأولى في بضعة أشهر .
فقد نزلت الآيات في "شهر رجب" من السنة الأولى بعد استقرار النبي ﷺ في المدينة المنورة في ستة أشهر في مطلع الشهر السابع .
أرسل ﷺ أول سرية في رمضان ولم يفرض الصيام عليهم بعد .
كان الشهر اسمه رمضان ولكن لا يعرف بشريعة الصيام"
فاختار ﷺ عمه "حمزة بن عبد المطلب" رضي الله عنه وعقد له لواء.
وبعث معه 30 رجل كلهم من المهاجرين .
فأنتم أيها المهاجرين أصحاب الحقوق .
أنتم الذين قُتلتُم .
أنتم الذين أخرجتُم .
أنتم الذين يجب أن تخوضوا المعارك .
عقد لهم لواء وأرسلهم ليعترضوا عير لقريش .
ولكن الله عز وجل قدر غير ذلك:
فجعل هذه السرية "ميدان تدريبي لهم"
وصل حمزة رضي الله عنه إلى منطقة سيف البحر
ليعترض تجارة قريش .
ما هي تجارة قريش
تجارة قريش كما وصفها الله في القرآن الكريم رحلتان .
"رحلة الشتاء ورحلة الصيف"
يعني جهتين ترحل إليهما قريش في تجارتها في الصيف يأتون بلاد الشام .
أما في الشتاء يأتون اليمن .
لأن بلاد الشام في الشتاء تكون صعبة لأنها باردة .
فيأتون اليمن في الشتاء لأنها أقرب إليهم .
طبعا قريش قد أخذت أموال المهاجرين وأملاكهم.
وأموال الصحابة رضي الله عنهم موجودة بهذه التجارة .
كانت تجارة قريش آمنة لا يعترضها أحد من العرب .
ما السبب ؟ لأنهم أهل الحرم
والعرب كلها ستأتي في موسم الحج للحرم فلا بد للعرب جميعآ أن تكون علاقتهم مع قريش طيبة .
فقرر ﷺ أن يقطع عليهم طريق تجارتهم جزاءً بما كسبوا .
أموال المهاجرين أصبحت في أيديهم فأخذ يعد لقطع تجارتهم .
ولا بد بطريق تجارتهم أن يمروا بالمدينة أو أطرافها .
فعقد لواء لعمه حمزة رضي الله عنه و 30 رجل من المهاجرين ليعترضوا تجارة قريش .
لما وصلوا كان على رأس القافلة فرعون هذه الأمة أبو جهل.
كان عدد الصحابة 30 رجل .
وعدد قريش في حماية القافلة 300 رجل.
يعني كل صحابي يجب أن يقابل 10 من قريش .
فلما إصطفّوا للقتال واستعد الفريقان .
خرج رجل "مجدي بن عمرو" وكان قد إلتقى الفريقان في أرضه .
فوقف وحجز بين الفريقان وأقسم عليهم أن لا يتقاتلوا .
وقد شعرت قريش بالخوف ظناً أن هذه السرية مقدمة جيش للمسلمين وأن عددهم أكبر من ورائهم .
فقبلت قريش هذا الرجاء .
وانصرف الفريقان من دون أي قتال.
فكانت السرية الأولى تمرين من الله للمسلمين على القتال .
فلما رجعوا المدينة وذكروا ذلك للنبي ﷺ شكر لمجدي هذا الصنيع .
لقلة عدد الصحابة رضي الله عنهم وكثرة المشركين .
ولبعدهم عن ديار المسلمين فلا يصلهم المدد .
وما أن مضى رجب في أوله حتى عقد ﷺ في آخره لواء أيضاً .
لأقرب الناس إليه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه ابن عم النبي ﷺ .
عقد له لواء آخر في 80 رجل أيضاً كلهم من المهاجرين .
وأرسلهم إلى سيف البحر أيضاً يطاردون تجارة لقريش .
فما أن وصلوا وتراشقوا بالنبل وكان أول سهم رمي في سبيل الله رماه الصحابي الجليل "سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه"
وقد أصابوا من بعضهم وظنت قريش أيضاً أن عدد المسلمين إنما هو طليعة لجيش .
فهربت قريش وكان على رأس هذه التجارة أبو سفيان.
وكان عددهم 200 رجل أمام 80 رجل من المسلمين .
هذه السرية أعطت معنويات للمسلمين .
ومعنويات سلبية في نفوس قريش .
وشاعت هذه الأخبار على لسان الشعراء من العرب .
فأصبح الناس يتحدثون أن محمداً وأصحابه قد قطعوا تجارة قريش وأنهم هزموهم يوماً من الأيام .
وهكذا اعتبره ﷺ مدرسة لإعداد أصحابه رضي الله عنهم مناورات ميدانية .
في عام واحد فقط من "رجب إلى رجب الثاني" يعني سنة وحدة .
عقد ﷺ 6 ألوية .
ما معنى سرية وغزوة ؟
السرية هي :
كل مجموعة لا يتجاوز عددها 200 إلى 300 .
يعقد له النبي ﷺ لواء ويأمر عليها رجل ولا يخرج ﷺ فيها تسمى سرية
الغزوة هي :
إن كان العدد قليل أو كثير وكان على رأسهم النبي ﷺ تسمى غزوة
ففي عام واحد خرج بنفسه ﷺ 3 مرات.
وعقد لأصحابه لواء :
6 مرات .
بعضها وقع فيها التناوش . وبعضها تفلت العير.
وكان هم النبي ﷺ أن يظفر بتجارة قريش .
لا طمعآ في المال فقط .
ولكن لإضعاف قريش ونصرآ لأصحابه رضي الله عنهم وتعويض لهم عما تركوه .
كل هذا حدث عندما نزل قوله تعالى :
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا .
تدريب.
وحثهم على القتال .
وبرمج لهم القتال أن يقاتلوا الذين يقاتلوهم ولا يعتدوا
ثم أطلق لهم القتال.
ثم حثهم عليه وأن يقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونهم كافة .
كل ذلك كان بالتدريج .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[سيرةالمصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة و التسعون 96
مقدمة لغزوة بدر الكبرى / كاملة .
عقد ﷺ سرية وهي آخر السرايا وهي مقدمة لغزوة عظيمة كلنا يعرفها " غزوة بدر الكبرى "
بعد الهجرة بسنة و سبعة أشهر .
استعد ﷺ فيها لمواجهة قريش كلها في غزوة بدر الكبرى .
علم النبي ﷺ أن قريش لا تتأدب وترجع عن ظلمها إلا بالقوة .
وهكذا أمرهم الله وبرمج لهم :
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة .
وكانت سرية "عبدالله بن جحش" رضي الله عنه وهو ابن عمة النبي ﷺ .
ففي رجب قبل "رمضان الثاني" عقد ﷺ لواء : 8 رجال.
وكان أميرهم "عبدالله بن جحش" و ثمانية رجال من المهاجرين فقط .
ولم يضع لهم ﷺ الجهة لأنها بدأت طوالع الجد الآن .
قال ﷺ لعبدالله بن جحش إمضي في هذه السرية وهذا كتابي .
"أمر كاتب أن يكتب له وأغلق الكتاب والصحابة مؤتمنون"
وقال له : تسير من المدينة يومين لا تفتح الكتاب.
حتى إذا قطعت السير يومين عن المدينة إفتح الكتاب وأنظر أمري فيه .
"هل رأيتم كيف يعلمهم السر والكتمان في القتال حتى لا تعلم قريش .
فعدد السرية قليل وقد شاع نفاق المنافقين وأصبح اليهود يتعاطفون مع قريش"
فأخذ ﷺ يعلمهم السياسة .
السيرة النبوية منهاج حياة للمسلم
كيف لا وهي الترجمة العملية لهذا الدين ممثلة بسلوك النبي وأخلاقه ﷺ وأصحابه الكرام رضي الله عنهم.
مضى عبدالله بن جحش مع ثمانية رجال .
حتى إذا خرج من المدينة بإتجاه مكة.
ومضى يومين : فتح كتاب رسول الله ﷺ .
إذا به مكتوب
إذا قرأت كتابي ونظرت ما فيه ..فانزل نخلة وارقب لي قريش .
وأعلم لي أخبارها .
"ونخلة على أطراف مكة يعني قريب يدخل مكة "
"والسبب لأنه كانت قد خرجت تجارة عظيمة لقريش وما من قريشي رجل أو إمرأة يملك درهم وما فوق إلا ساهم في هذه التجارة"
قال : إمضي إلى نخلة ولا ترغم أحد من أصحابك على ذلك .
وخيرهم بالمضي معك أو الرجوع إلى المدينة .
فلما قرأ عبدالله كتاب النبي ﷺ قال : سمعاً وطاعة يا رسول الله.
ثم قرأ الكتاب على أصحابه وقال : رسول الله يخيركم وليس أنا .
فمن شاء فليمضي معي .
ومن شاء فليرجع .
فقالوا جميعهم :نمضي لأمر رسول الله ﷺ .
ومضوا وكانوا في الطريق كل إثنان معهم بعير .
فكان سعد بن أبي وقاص ورجل آخر يركبون بعير واحد .
وفي ذات ليلة أضاعوا البعير .
فلما ذهبا يبحثان عن البعير أضاعوا الركب.
فضاعت البعير وضلوا طريقهم عن عبدالله بن جحش ومن معه .
فمضى عبدالله بن جحش ومن بقي معه خمسة وهو السادس .
مضى عبدالله ينفذ أمر رسول الله ﷺ ونزل نخلة .
فكانت قافلة لقريش قادمة من اليمن وطريقها من نخلة.
فجاءت القافلة فيها الخير الكثير ورجالها قليل
"والسبب لأن اليمن قريبة لا تحتاج لجيش يحرسها "
وكان أمير هذه التجارة رجل من قريش "عمرو بن الحضرمي"
فلما وصلت التجارة نظر الصحابة وتحيروا .
قالوا : هذه تجارة لقريش ورسول الله أمرنا أن نرقب ولم يأمرنا بقتال .
ماذا نفعل ؟
هل نهاجمها ونأخذها فأموالنا فيها .
أم نرقب أخبار قريش فقط ولا نحدث ؟
ثم قالوا : أين نحن من رجب ؟
فكانت الليلة الأخيرة من رجب .
ورجب من الأشهر الحرم . والعرب تخاف القتال في الأشهر الحرم .
فاجتهدوا هل غداً شعبان أم تتمة رجب ؟
راقبوا الهلال فغم عليهم .
"لأن الطقس كان غائماً وماطراً فكان الموسم شتاء"
فغم عليهم من الغيوم فلم يعلموا هل الليلة آخر رجب أم أنه أول شعبان ؟
والعرب لم تكن تضع التقويم بالشهر .
كانوا يراقبون الهلال إما الشهر القمري يكون 29 أو 30 يوم .
فاجتهدوا وقالوا أنه آخر رجب .
قالوا : إذاً لا بأس أن نغزو القافلة
وكان عدد رجال قريش في القافلة 6 رجال فقط .
وعدد الصحابة أيضآ 6 رجال.
وسبحان من أضل عنهم سعد وصاحبه حتى لا يقولوا الكثرة تغلب الشجاعة .
فكانوا 6 مقابل 6 .
فاجتهدوا وأغاروا على القافلة ..
وأسرع رجل من الصحابة وأخذ سهم وزرعه في كبد عمرو الحضرمي فقتله.
وهجموا عليهم فهرب إثنان وأسروا منهم إثنان
وأخذوا القافلة بما فيها .
فكانت أول "غنيمة للمسلمين" من قريش .
واستطلعوا الأخبار .
فعرفوا أن هناك قافلة لقريش ستأتي من الشام وهي في طريقها لمكة .
وقد تصل في رمضان أو نهاية شعبان .
هكذا الناس يتحدثون .
وبما أنها قادمة من الشام لا بد لها أن تمر من أطراف المدينة المنورة .
فرجع الصحابة للمدينة وعددهم 6 رجال .
وقد اعتقدوا أن سعد بن ابي وقاص وصاحبه قد أسرتهم قريش .
رجعوا وأخبروا النبي ﷺ بخبرهم وأحضروا العير معهم التي أخذوها غنيمة.
سألهم النبي ﷺ أقاتلتموهم في رجب أم قاتلتموهم في شعبان ؟
فتبين أن اليوم الذي قاتلوا فيه هو آخر يوم في رجب .
"يعني حصل القتال في يوم رجب من الأشهر الحرم"
فغضب النبي ﷺ وأوقف العير بما فيها لا يأخذ منها درهما واحد .
وأمسك بالأسيرين :
فأرسلت قريش تشيع في العرب أن محمد الذي يدعو إلى التوحيد ومكارم الأخلاق ينتهك الشهر الحرام ويحاربنا في الشهر الحرام .
أرأيتم يا عرب ما فعله محمد ؟
تعتبر عند العرب جريمة .
قتلوا عمرو الحضرمي في الشهر الحرام .
وثقل على النبي ﷺ كلام قريش .
حتى أن اليهود أهل الفتن في المدينة قالوا كيف يقاتل محمد وهو يزعم أنه نبي .
كيف يقاتل في الشهر الحرام .
فأوقف ﷺ العير وأرسلت قريش تطلب فداء الأسيرين .
فقال لهم ﷺ حتى يرجع صاحيبينا سعد بن أبي وقاص وصاحبه .
لا نخلط الأمور قاتلنا في الشهر الحرام إثم نحاسب عليه ..
أما في إثنين منا غايبين ويقال أنهم عندكم .
إذا عادوا الإثنين نرجع لكم أسراكم .
فتبين أن سعد وصاحبه ليس أسيرين وأنهما فقط قد ضلوا في الطريق وأضاعوا البعير .
فرجعا مشيآ على الأقدام إلى المدينة ووصل سعد وصاحبه .
فأرسل النبي ﷺ إلى قريش أننا نقبل فداء الأسيرين .
فما أن تحركوا في فداء الأسيرين لبعد المسافة بين مكة والمدينة .
"لا يتم هذا في يوم واحد"
كان يذهب مرسال إلى مكة . ويأتي مرسال حتى يتفقوا .
فكانت أيام وإذا بالله عز وجل يؤدب أهل الكتاب من اليهود وإخوانهم من كفار مكة .
ويشفع للصحابة الذين قتلوا "عمرو الحضرمي"
فأنزل آيات من سورة البقرة آيتين :
أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
هذه الآية الأولى.
من الذي حرم هذه الأشهر .
فأنزل الله سبحانه :
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .
"هل يجوز القتال فيه"
قل : قتال فيه كبير
"رد عليهم يا رسول الله قل إنتهاك حرمة هذا الشهر حرمة كبيرة"
قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله .
ومنع قريش المسلمين أن ينشروا دين الله.
وكفر به . والمسجد الحرام وإخراج أهله منه .
"لما طردونا من مكة"
أكبر عند الله . والفتنة أكبر من القتل .
عندما فتنونا في ديننا هذا الأمر أكبر عند الله من قتل رجل واحد.
وأنتم أيها اليهود تروجوا للفتنة .
وكذلك أهل الفتنة والمكر والخداع .
أول آية وصف للأحداث.
الآن انظروا في الآية الثانية لحكم الله في المسألة .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
الذين آمنوا والذين هاجروا .
الثمانية الذين بعثهم رسول الله من المهاجرين المؤمنين .
وجاهدوا في سبيل الله .
أولئك يرجون رحمة الله .
خايفين الآن لأنهم غلطوا وقاتلوا في الشهر الحرام .
أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم .
يا محمد أنا الله العلي العظيم خالق الخلق والأشهر
غفرت لهم إنتهاك الشهر الحرام.
أرأيتم الحكم الرباني الحق .
إنه الله تعالى الحكيم.
ففرح المؤمنون بهذا الخطاب الإلهي .
وصل وفد قريش من أجل الأسيرين.
فقالوا : نريد القافلة والأسيرين .
قال لهم النبي ﷺ لقد أنزل الله علينا وأذن لنا أخذ تجارتكم وقتالكم .
فأخذوا الأسيرين ولم يرجعوا لهم تجارتهم .
ومضوا وكان أحد الأسيرين يكتم إيمانه .
وعندما علم أن قريش ستفديه أراد أن يستفيد المسلمين من الفداء .
فلما تم الفداء....
وخرج مع قريش وقف على باب المسجد .
وقال لهم : أين وجهتنا .
قالوا : إلى مكة
فنظر إلى لنبي صلى الله عليه وسلم وقال : أما أنا يا رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله .
ودخل المسجد وأعلن إسلامه .
فساء ذلك قريش ورجعوا بأسير.
رجعت قريش بهذه الخيبة وقسم النبي ﷺ الغنيمة على أصحابه .
فكانت أول غنيمة فرح بها المسلمون .
وأخذ ﷺ يعد نفسه لإستقبال عير قريش القادمة من الشام .
عيرها الكبرى التي عليها بدأت معركة بدر .
ليس الهدف كان مادياً
وسنعلم هذا الشيء في معركة بدر الكبرى.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
[سيرة الحبيبالمصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد والتسعون 97
غزوة بدر الكبرى .
ماذا كان هدف الرسول ﷺ من كل هذه الغزوات والسرايا التي ذكرناها من قبل ؟
هل كانت كل هذه السرايا والغزوات وغزوة بدر التي سنذكرها من أجل أن يسترد ﷺ بعض الأموال ؟؟
بالطبع: لا
الهدف الحقيقي من هذه الغزوات والسرايا ومن غزوة بدر هو أن الرسول ﷺ أراد أن يفرض
ما نسميه اليوم : "حصار اقتصادي على مكة"
وأراد ان يستفز قريش ويحاربها .
كان ﷺ يقصد استفزاز قريش لعدة أسباب :
١- أن قريشا تحتل مكة بلد الله الحرام وتضع الأصنام حول الكعبة وفوقها .
وهناك من يطوف بالبيت عريانا وكل هذه أوضاع غير مقبولة ولا يمكن أن يسمح الرسول ﷺ باستمرارها.
٢- أن الكعبة وبيت الله الحرام ملك للمسلمين ويجب أن تكون تحت حكم المسلمين .
وهذا هو أهم أسباب سعي الرسول ﷺ لحرب قريش .
٣- أن قريشا تمنع المسلمين من زيارة بيت الله الحرام أو العمرة أو الحج .
٤- أن قريشآ لها مكانتها في الجزيرة .
هي تستغل هذه المكانة في الدعاية ضد المسلمين وتشويه صورتهم .
كما تستغلها في تخويف العرب من الإنضمام لمعسكر المسلمين أو الدخول في الاسلام .
ومن ثم أصبحت قريش هي العائق الأول للرسول ﷺ لنشر الرسالة في الجزيرة ثم في العالم بعد ذلك.
لأن رسالته ﷺ للناس كافة .
٥- أن قريشآ قد تفكر في مهاجمة المسلمين في المدينة .
فلذلك من الأفضل أخذ المبادرة عملآ بالقاعدة العسكرية المعروفة :
"الهجوم خير وسيلة للدفاع"
٦- أن قريشا تحبس عدد من المستضعفين من المسلمين في مكة وتعذبهم وتفتنهم عن دينهم .
إلى جانب وجود بعض المستضعفين من المسلمين الذين يكتمون إيمانهم .
فكانت كل هذه الغزوات والسرايا من أجل رفع هيبة المسلمين بين القبائل المحيطة بالمدينة وفي الجزيرة كلها .
كانت هذه السرايا والغزوات أفضل تدريب للمسلمين على الغزو والقتال .
وكانت بمثابة ما يطلق عليه الآن "المناورات
العسكرية" وكذلك تدريب بعض الكوادر على القيادة .
سواء قيادة السرايا .
أو القيادة المدنية في المدينة حين خروج الرسول ﷺ بنفسه للغزو .
قبل ان يخرجوا لبدر .
كانوا في شهر رمضان :
"شهر رمضان كان معروف عند العرب بهذا الإسم ومعركة بدر كانت في 17 من شهر رمضان.
وكان قد فرض الله عليهم صيام رمضان في هذه الأيام.
وشرع الرسول ﷺ لأول مرة هو وأصحابه لصيام شهر رمضان .
فكان الرسول ﷺ والصحابة رضي الله عنهم قبل أن يفرض
صيام شهر رمضان كانوا يصومون بعض الأيام.
لأن الصيام جاء بالتدريج في أول الأمر مثلما جاء كثير من التشريعات بالتدريج .
مثل :الصلاة والجهاد وأحكام الميراث وتحريم الخمر كله كان بالتدريج .
دخل النبي ﷺ للمدينة فوجد اليهود يصوموا يوم عاشوراء .
فقال لهم رسول الله ﷺ :ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟
قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه .
"يوم انشق البحر لسيدنا موسى عليه السلام"
فصامه موسى عليه السلام شكرا لله تعالى ونحن نصومه .
فقال رسول الله ﷺ : فنحن أحق وأولى بموسى منكم .
وصامه ﷺ . وأمر أصحابه بصيامه.
ثم حث الرسول ﷺ بعد ذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
ولفعله صلى الله عليه وسلم.
وأفضلها أيام البيض. ١٣و ١٤و١٥
ثم فرض الله صيام شهر رمضان وكان تخيير أيضآ.
أول ما فرض رمضان كان اختياري .
من شاء صام رمضان . ومن لم يشأ يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا .
وذلك لقوله تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
ثم بالتدريج انتقل صيام شهر رمضان من التخيير إلى الفرض .
فنزل قوله تعالى .
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)
هكذا فرض على المسلمين صيام شهر رمضان
والآن بعد كل هذا التمهيد نتجه معكم إلى غزوة بدر .
وموضوعنا في بدر طويل لأن كل دقيقة فيها وكل خطوة خطاها النبي ﷺ وأصحابه هي درس للأمة .
ونحن الآن في زمن أحوج ما نكون إليه لمعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعلمها وتعليمها.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٩/٤/٢٠٢١ ٤:٢٣ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة و التسعون 98
خروج المسلمين لبدر .
معركة بدر :
تسمى بدر الكبرى .
وتسمى أم المعارك .
وتسمى يوم الفرقان .
كما سماها الله سبحانه في القرآن الكريم .
وبدر هي التي أحقت الحق وأبطلت الباطل .
ويوم انتصرت فيه القلة على الكثرة فقلبت الموازين.
لأن القاعدة الشعبية :
"الكثرة تغلب الشجاعة"
ولكن صدق الإيمان غلب الكثرة وجعلت الكفار يولون الأدبار .
بدر أعظم درس للمسلمين في ظل الظروف التي يعيشونها.
قرر ﷺ أن يترقب قافلة قريش عند عودتها من الشام الى مكة .
لأن المعلومات التي وصلت النبي ﷺ أنها قافلة ضخمة واستيلاء المسلمين عليها تعتبر ضربة اقتصادية قوية جدآ لقريش .
وعلم أن هذه القافلة قوامها "ألف بعير" في طريقها من الشام إلى مكة .
وأن هذه القافلة تحمل تجارة ضخمة جداً وتقدر قيمة هذه التجارة "بخمسين ألف دينار ذهبية"
كما علم أن الحراسة التي على تلك القافلة حراسة ضعيفة لا تتناسب مع ضخامتها وأنها لا تزيد عن سبعين رجل .
وأنها بقيادة سيد قريش "أبو سفيان" ومعه أيضاً "عمرو بن العاص"
كانت القافلة عند عودتها خرجت من الأردن ووصلت بلاد الحجاز .
وقف ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم وقال لهم :
هذه عير قريش فيها أموالهم . فاخرجوا إليها لعل الله أن يغنمكموها .
من كان ظهره حاضرا فليركب معنا .
"ومعنى الظهر في اللغة يعني الدابة أي الناقة أو الحصان .
فمن كانت ناقته أو حصانه جاهزا فليأت معنا"
فجعل بعض الصحابة ، يستأذنون النبي ﷺ في أن ياتوا بدوابهم من خارج المدينة.
فلم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لا إلا من كان ظهره حاضرا .
"لأن النبي ﷺ كان متعجلآ ويخشى أن تفوته هذه القافلة عند رجوعها من الشام .
فعرف الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد قتال لأنها عير لقريش فيها سبعين رجل.
وكان ممن لم يخرج مع النبي ﷺ عثمان بن عفان رضي الله عنه لأن زوجته السيدة "رقية" رضي الله عنها بنت النبي ﷺ كانت مريضة مرضا شديداً.
فظل معها حتى يرعاها في مرضها .
خرج الرسول ﷺ من المدينة يوم السبت 12 من رمضان في السنة الثانية للهجرة .
فخرج معه من المهاجرين والأنصار 313 رجل .
ولم يكن معهم من الخيل إلا إثنان.
أحدهما للزبير بن العوام رضي الله عنه ابن عمة النبي ﷺ .
والثاني للمقداد بن الأسود رضي الله عنه.
ولم يكن معهم إلا 70 جملآ.
فكان كل ثلاثة أو أربعة مشتركين على جمل.
حتى النبي ﷺ كان معه علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي الله عنهما.
يعني : رسول الله ركب ثلث الطريق ومشى ثلثيها .
كان إذا جاء دوره بالمشي
يقول له أصحابه : إركب يا رسول الله ونحن نمشي بدلاً عنك .
فيقول ﷺ : ما أنتما بأقوى مني على المشي وما أنا أغنى منكما عن الأجر .
أركب إذا جاءت نوبتي وأمشي إذا جاءت نوبتي .
فكان ﷺ مثله مثل أصحابه رضي الله عنهم.
وهكذا كان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يشتركان في بعير واحد رضي الله عنهم.
المسافة لبدر تقريبًا(150 كم)
فلما خرج ﷺ والهدف عنده وعند أصحابه رضي الله عنهم عير قريش ليس إلا.
"يعني لم يفكروا بالقتال على الإطلاق"
حتى وصلوا إلى مكان على طرف المدينة اسمه "بيوت السقيا"
وهي آبار عذبة على بعد حوالي "كيلو ونصف من المدينة"
فوقف هناك ﷺ يستعرض أصحابه رضي الله عنهم.
"كم عددهم وينظمهم "
وقف هناك ونظر إلى أصحابه فوجد فيهم غلمان "شباب صغار بالعمر يعني 14 _ 15 سنة"
كعبدالله بن عمر و زيد بن ثابت وغيرهم من أبناء الأنصار والمهاجرين .
فأوقفهم ﷺ وأرجعهم .
وكان بين هؤلاء الشباب الصغار شاب اسمه عمير بن أبي وقاص عمره 16 سنة أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.
يقول سعد عن أخوه : فكان يتوارى يخفي نفسه.
فقلت : مالك يا أخي ؟
فقال إني أخاف أن يراني رسول الله ﷺ ويستصغرني فيردني .
وإني أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة.
"وقد نالها كما تمنى على الله تمامآ استشهد في بدر رضي الله عنه"
يقول سعد : فرأى النبي ﷺ أخي عمير رضي الله عنه.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إرجع يا عمير .
فأخذ يبكي بكاء شديد وارتفع صوته بالبكاء .
فلما رأه النبي ﷺ بهذا الوضع سمح له بالخروج لأنه وجد فيه جدية ورجولة مبكرة .
فأرجع ﷺ الصغار الصبية. واستخلف على المدينة في الصلاة بالناس "عبدالله بن أم مكتوم" رضي الله عنه.
وجعل على المدينة من يدير شؤون أهلها الصحابي الجليل "أبو لبابة رضي الله عنه"
وقف النبي ﷺ يستعرض أصحابه رضي الله عنهم ثم قسمهم فرقتين :
ميمنة وعلى رأسها الزبير بن العوام رضي الله عنه.
وميسرة وجعل على رأسها المقداد بن عمرو رضي الله عنه.
وقد كانا الزبير والمقداد كما قلنا هما فقط معهم الخيل .
ثم جعل لهم لوائين :
واحد للمهاجرين حمله "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه.
والآخر للأنصار حمله "سعد بن معاذ" رضي الله عنه.
وكان لونهما أسود.
ثم قال ﷺ لرجل من أصحابه :
قف واحذر أصحابنا "يعني شوف عددهم" حتى إذا غاب أحدهم تفقدناه .
أو تخلف أحدهم تفقدناه .
فوقف وعدهم فقال يارسول الله عددهم ، ثلاثة عشرة وثلاث مائة رجل .
"العرب زمان كانت تقدم العدد الصغير على الكبير يعني 313 بلغتنا اليوم"
فلما سمع النبي بهذا الرقم وقف ﷺ وكبر.
وقال : الله أكبر عدة أصحاب طالوت لن يهزموا أبداً
فسر بهذا العدد 313 قال ﷺ
من هم أصحاب طالوت ؟
بإختصار أصحاب طالوت ذكر الله قصتهم بالقرآن الكريم وجاء بالحديث :
أنه خرج "طالوت" بسبعين ألف من بني إسرائيل ليقاتلوا عدو الله "جالوت" ومن معه .
أخبرهم طالوت بأن الله مبتليكم بنهر " لا يشرب منه الجيش الذين معك والذي يشرب منه لا
يعتبر من الجيش .
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
غرفة بيده "يعني يبل ريقه شوي هذا أول إمتحان لبني إسرائيل"
فأنظروا ماذا فعل بني اسرائيل .
شربوا منه جميعآ إلا القليل منهم .
فشربوا منه إلا قليلاً
عددهم {{ 70 الف }} كلهم شربوا إلا القليل .
وكم كان عددهم الذين أطاعوا كلام الله تعالى و طالوت 313 فقط من 70 ألف.
هذا الرقم هو الذي ثبت وهو الذي قاتل وهو الذي إنتصر .
نرجع لبدر :
فلما سمع النبي ﷺ هذا العدد
قال : الله أكبر عدة أصحاب طالوت لن يهزموا أبداً
ثم مضى الركب على بركة الله ، ونظر الرسول إلى المدينة وبسط كفيه ودعى لها وفي ذلك الموقف جعلها "حرم"
قال ﷺ .
اللهم إن نبيك إبراهيم قد دعى لمكة وحرم مكة وإني محرم المدينة .
اللهم كما باركت لأهل مكة فبارك لأهل المدينة
ضعفي ما باركت لأهل مكة .
ثم دعى لأصحابه رضي الله عنهم ثم مضى على بركة الله .
ومازال يمشي ويترقب الأخبار حتى وصل إلى الروحاء .
وهو موقع لبئر ماء يبعد عن المدينة المنورة 60 كم .
فلما وصل الروحاء وهو يترقب الأخبار علم أن أبا سفيان قد علم بخروجه وأخذ يستنفر قريش لنجدته.
سؤال؟؟
من أخبر أبو سفيان وهو آت من الشام ؟
مافي غيرهم "المغضوب عليهم ، يهود"
ماذا يفعلون بالمدينة وبمساعدة إبن سلول رأس المنافقين ماذا يفعلون غير المكر والفتنة ؟
لما أراد النبي ﷺ الخروج لإعتراض قافلة أبو سفيان .
أسرع اليهود وارسلوا واحد منهم يخبر أبو سفيان.
مع أنه كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهود .
أرسلوا رجل يخبر أبو سفيان على الفور .
فلما وصل الخبر أبو سفيان أرسل رجل على الفور يستنجد بقريش وإسمه "ضمضم بن عمرو الغفاري"
أرسله إلى مكة ليستنفر قريش للدفاع عن القافلة .
فانطلق ضمضم إلى مكة سريعاً ويخبرهم بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم سيهاجم القافلة.
الآن ننتقل لقريش في مكة ونرى ماذا صنعوا لما سمعوا الخبر.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[٢٠/٤/٢٠٢١ ٨:٣٧ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و التسعون 99
خروج قريش لبدر .
عندما وصل خبر خروج النبي ﷺ لأبي سفيان .
أرسل يستغيث بقريش ويستنفرهم لحماية القافلة .
أرسل رجلاً وكان اسمه ضمضم بن عمرو .
المفروض يذهب مسرعاً لقريش ويدخل مكة ويخبر قريش أن قافلتهم وأموالهم في خطر .
ما أن وصل ضمضم إلى مكة :
شق قميصه وجدع أنف بعيره .
"يعني أمسك سيفه وجرح أنف البعير "
ووقف تحت رأس البعير حتى سالت الدماء على رأسه وملابسه ودخل مكة على هذه الهيئة ثم وقف فوق بعيره ببطن الوادي وهو يصرخ .
يااااا معشر قريش .. اللطيمة اللطيمةَ .
"يعني القافلة ولم يكن أحد في قريش إلا وهو مشارك بماله في هذه القافلة"
اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه .
لا أرى أن تدركوها .. الغوث الغوث .
فلما رأت قريش ذلك اشتعلت وهاجت وماجت وثارت .
وقالوا : أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ؟
كلا : والله ليعلمن غير ذلك .
وبدأ الناس يتجهزون للخروج سريعًا
فتجمع لقريش 1300 مقاتل . فيها 200 فارس
ومعهم عدد كبير من الجمال .
وخرجوا سريعا والمغنيات يضربن الدفوف ويغنين بهجاء المسلمين .
وتردد الكثير من "قريش" في الخروج .
وبرغم أن قريش كانت تعلم بقلة عدد المسلمين .
إلا أن كثير من شرفاء قريش ترددوا في الخروج
ومن هؤلاء "أبو لهب زوج حمالة الحطب عم النبي ﷺ"
خاف من المواجهة لأنه كان متأكداً من صدق ابن أخيه .
وكان يخشى ويعلم أن إبن أخيه محمد ﷺ نبي صادق ولكن الكفر عناد
فاستأجر رجل من قريش بـ 400 درهم على أن يكون مكانه محتجآ بأن صحته لا تعينه على الخروج .
ومن الذين ترددوا للخروج أيضا "أمية بن خلف"
والسبب عندما انطلق "سعد بن معاذ" سيد الأوس بعد الهجرة إلى مكة معتمرآ نزل على "أمية بن خلف" وكان صديقا له .
وكان "أمية" إذا ذهب إلى الشام ومر بالمدينة ينزل على "سعد" والعكس .
فقال له أمية : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت بالبيت .
فلما جاء منتصف النهار وبينما سعد بن معاذ يطوف رآه "أبو جهل" فعرفه .
وقال : من الذي يطوف آمناً ؟
فقال سعد : أنا سعد بن معاذ .
فقال أبو جهل : تطوف بالكعبة آمناً وقد آويتم محمد وأصحابه ؟
فصرخ في وجهه سعد
وقال : والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام .
وكان أمية واقفاً معهما .
فقال أمية لسعد : يا سعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم "اي ابو جهل" فإنه سيد هذا الوادي .
فأمسك أبو جهل بسعد وأمسك سعد بأبي جهل .
فأخذ أمية يبعدهما عن بعضهما ويصرخ في وجه سعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم .
و وقف أمية بجانب أبو جهل كالمدافع عنه .
فغضب سعد لأن أمية لم يقف معه .
وكان يجب أن ينصره وهو ضيف عنده .
فقال لأمية : دعنا عنك.
دعنا عنك فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاتلك.
قال : إياي "انا سيقتلني محمد"
قال . نعم .
فقال أمية : أهو قاتلي في مكة ؟
فقال له سعد . لا أدري . ولكنه قاتلك .
فخاف أمية واصفر وجهه من الخوف.
وقال : والله إن محمدا لا يكذب إذا حدّث .
ورجع أمية إلى بيته يرتجف من الخوف .
فقالت له زوجته : ما الأمر ؟
فقال أمية لها : أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي : "قصده سعد"
قالت : وما قال لك ؟
قال : زعم أنه سمع محمداً يزعم أنه قاتلي .
فقالت زوجته : فو الله إن محمد لا يكذب أبدآ.
فلما جاء النفير إلى بدر تذكر أمية هذا الموقف.
فأراد أن يتخلف أمية بن خلف لأنه يعلم صدق النبي ﷺ .
وأراد أن يرسل مكانه رجل مثلما فعل "أبو لهب" فسمع أبو جهل بذلك .
فجاءه وهو جالس في نادي قومه ومعه "عقبة بن أبي معيط"
فكان واحد منهم يحمل مجمرة. والآخر يحمل مكحلة .
فوضعها بين يدي أمية بن خلف
وقال له أبو جهل : إكتحل يا سيد قومه واستجمر .
"اي تطيب بالبخور كالنساء" فإنما أنت مع النساء .
فغضب أمية ورمى المكحلة والمجمرة برجله .
وقال : قبحكم الله وقبح ما جئتم به لتعلمون أني أول من يقاتل .
واضطر للخروج معهم لبدر .
وقد قتل في بدر كما اخبر نبينا وحبيب قلوبنا ﷺ .
وكان ممن خرج مكرها "العباس" عم النبي ﷺ وصديق طفولته.
وقد كان في مكة ويكتم إسلامه.
خرج ووقع في الأسر .
وسيأتي ذكره بالتفصيل لاحقآ. إن شاء الله تعالى.
وكان ممن خرج مكرها أيضاً "أبو العاص بن الربيع" زوج السيدة زينب بنت النبي ﷺ .
وقد كانت رضي الله عنها لا تزال في مكة مع زوجها قبل أن يفرق الإسلام بين الزوجين المؤمن والكافر .
فكان "أبو العاص بن الربيع " يكره محاربة الرسول ﷺ .
ولكنه خرج مكرها حتى لا يتهم بالجبن أو أن يتهم من قريش بأنه يخاف من زوجته .
خرج ووقع بالأسر أيضاً وسيأتي ذكره بالتفصيل لاحقآ إن شاء الله تعالى.
كان ممن خرج كذلك مكرها بعض المسلمين في مكة الذين لم يستجيبوا لأمر الرسول ﷺ بترك مكة والهجرة إلى المدينة لأنهم خافوا على أموالهم وديارهم واختاروا الدنيا على الآخرة .
وهؤلاء حكم الله تعالى على من قتل منهم في المعركة بأنه مات على الكفر .
قال الله تعالى عنهم :
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)
ومن المواقف التي وقعت في هذه الفترة أن "عاتكة بنت عبد المطلب" عمة النبي ﷺ رأت قبل قدوم "ضمضم" إلى مكة بثلاثة أيام رؤيا عجيبة .
رأت راكبا أقبل على بعير حتى وصل مكة وهو ينادي بأعلى صوته .
ألا تنفروا لمصارعكم يا آل غدر .
فاجتمع الناس حوله ثم دخل المسجد ووقف على ظهر الكعبة وصرخ بمثلها .
ثم صعد جبل "أبي قبيس" وصرخ بمثلها .
ثم أخذ صخرة كبيرة فقذف بها فأقبلت تهوي .
حتى إذا كانت بأسفل الجبل تفتت .
فما بقي بيت من بيوت مكة إلا دخلتها منه فلقة إلا بيوت "بني زهرة"
فزعت "عاتكة" من هذه الرؤيا فأرسلت الى أخيها العباس وقصت عليه الرؤيا .
فقال لها : والله إن هذه لرؤيا فاكتميها ولا تذكريها لأحد .
بالمختصر رؤيا "عاتكة" تخبر أن بيوت مكة كلها سيكون منها قتيل .
إلا بني زهرة أخوال النبي ﷺ
وفعلا بني زهرة لم يخرجوا مع قريش لبدر .
فقال لها : والله إن هذه لرؤيا فاكتميها ولا تذكريها لأحد .
ثم خرج العباس فلقي "الوليد بن عتبة بن ربيعة" وكان صديقا له .
فذكرها له.
وقال له : لا تخبر بها أحد .
فذكرها الوليد إلى أبيه "عتبة بن ربيعة"
فانتشر الحديث في كل مكة .
وبينما رهط من قريش يجلسون عند الكعبة يتحدثون في رؤيا "عاتكة" وفيهم أبو جهل .
إذ أقبل "العباس" يطوف بالبيت.
فقال له أبو جهل : يا عباس أما أرضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم .
"يستهزء ويسخر أي حتى نسائكم صاروا أنبياء "
فقال له العباس : وما ذاك ؟
فقال له : الرؤيا التي رأت عاتكة .
فقال له العباس : ما رأت شيئاً.
فقال أبو جهل : والله ياعباس إن تمض ثلاثآ ولم يكن من ذلك شيئا لنكتب كتاباً .
ولم تمر ثلاثة أيام حتى تحققت رؤيا عاتكة .
وجاء "ضمضم بن عمرو الغفاري" يصيح في مكة كما ذكرنا .
خرجت قريش
"يعني خرجوا جميعا لم يتخلف منهم أحد"
النبي ﷺ معه 313 رجل من الصحابة رضي الله عنهم.
خرجت قريش معها 1300 مقاتل .
خرج مع النبي ﷺ فرسان فقط .
خرج مع قريش 200 فرس .
خرج مع النبي ﷺ 70 بعير .
خرج مع قريش 700 بعير وأخرجوا معهم المغنيات والدفوف عشان يعطوا الحماس للرجال .
وأخرج أبو جهل قاتله الله بعير خاص يحمل إناء الخمر يسقي ويشجعهم على القتال .
خرجت قريش بكبريائها تحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وخرج ﷺ بإيمانه وبخشوعه مع أصحابه رضي الله عنهم يريدون أن ينتصروا للحق ولدين الله عز وجل .
سنرى في هذه المعركة الدروس الكثيرة التي نحتاجها اليوم والتي غفل عنها المسلمون .
وسنعرف تماما معنى قوله تعالى :
إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
َ✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى.....
[اسيرة الحبيب لمصطفى ﷺ .
الحلقة المائة 100
أبو سفيان يهرب بالقافلة عن طريق الساحل .
اختار النبي ﷺ بدر ؟؟
لأن أبو سفيان وقافلة قريش الآتية من بلاد الشام لا بد لها أن تمر الى بدر .
لأن بدر فيها الماء وهي طريق الشراب للعير .
فكانت خطة النبي ﷺ هو أن يعترض العير عند بدر.
وبدر هو وادي يبعد عن المدينة 150 كم تقريباً.
فيه مجموعة من الآبار كانت القوافل التجارية التي تمر بهذا الطريق تتوقف عند بدر .
فتشرب الإبل . ويملؤن أسقيتهم ويرتاحون وترتاح الإبل.
قيل : في البداية كانت البئر لرجل اسمه "بدر" لذلك سميت آبار بدر .
وقبل أن يصل النبي ﷺ إلى بدر أرسل اثنين من الصحابة رضي الله عنهم : إلى بدر ليستطلعا الأمر .
فلما وصلا إلى ماء بدر سمعا جاريتين تتحدثان
أحدهما تطالب الأخرى بدرهم لها عندها .
وترد عليها الأخرى بأنها سترد لها الدرهم عند وصول قافلة قريش غداً أو بعد غد.
فلما سمع الصحابة حديثهن عرفوا أن قافلة قريش تبعد عن بدر مسيرة يوم أو يومين .
ورجعوا واخبروا النبي ﷺ مسيرة يوم .
"هي وسيلة قياس للمسافات استخدمها العرب وهي المسافة التى تقطعها الإبل المحملة بالأثقال عندما تسير سيرا عاديا"
هكذا تأكد للرسول ﷺ أن عير قريش في طريقها بالفعل إلى بدر .
كما استطاع تقدير المسافة التي بين عير قريش وبين بدر.
الآن ننتقل مباشرة إلى أبو سفيان وقافلة قريش .
أبو سفيان عنده خبر بخروج رسول الله ﷺ لبدر .
وقد أرسل "ضمضم" ليستنجد بقريش .
في نفس الوقت كان "أبو سفيان" يتقدم بقافلته تجاه بدر بحذر شديد وقد شك أن يتربص به المسلمون عند بدر .
ولذلك عندما اقترب من بدر أوقف القافلة بعيداً وتقدم إلى بدر بنفسه .
فلما جاء أبو سفيان بدر .
سأل القبائل التي عند بدر .
" القبائل التي تقيم في بدر سكان بدر"
سألهم هل رأيتم جيشاً ؟؟
هل رأيتم محمد ؟؟
هل رأيتم أحد من قريش ؟؟
قالوا له : ما رأينا شيئًا.
إلا إننا قد رأينا راكبين أتيا إلى هذا المكان .
"وأشاروا إلى المكان الذي كان به الصحابيان" فأناخا
به ثم استقيا بأسقيتهما وانصرفا .
فقال أبو سفيان : أين أناخا فرسهما ؟؟
قالوا : هناك .
فجاء أبو سفيان إلى مكان وقوف خيل الفرسان.
فأخذ من روثها وفركه في يده وفتته فوجد فيه نوى التمر .
فقال : هذه علف يثرب .
"أرايتم ذكاء العرب قديما "
فعندما وجد أبو سفيان نوى البلح في مخلفات هذين البعيرين علم أنهما من يثرب .
لأن أهل يثرب يطعمون دوابهم علف فيه نوى .
قال : هذه والله علائف يثرب .
هذه والله عيون محمد وأصحابه ما أرى القوم إلا قريبآ منا .
إذن هذان الفارسان من جيش محمد وهو قريب منا .
رجع أبو سفيان إلى القافلة مسرعاً .
وأوقف بالطبع التقدم ناحية بدر ثم اتجه بالقافلة إلى ساحل البحر الأحمر وسار بمحاذاة الساحل.
وهو طريق لاتسلكه القوافل لأنه طريق غير معبد .
وبذلك استطاع أن ينجو بالقافلة .
ولما اطمئن على نجاة القافلة أرسل إلى جيش مكة أنه قد نجا بالقافلة وطلب منهم الرجوع إلى مكة .
إرجعوا إلى مكة لا حاجة لنا بالقتال بصفته أبو سفيان هو "زعيم قريش" في ذلك الوقت .
وصلت رسالة أبو سفيان لجيش قريش وهو بالجحفة.
وتبعد "الجحفة" عن مكة حوالي 180 كم .
فجاء الخبر إلى قريش أن عيرها قد سلمت .
وأن أبو سفيان يقول :
إرجعوا لا حاجة لنا بالقتال .
إستعد الناس أن يرجعوا وأعجبهم الرأي لأنهم خرجوا يحموا تجارتهم .
فلما هم الجيش بالرجوع قام فرعون هذه الأمة "أبو جهل" وأصر على استكمال السير وقال في كبريائه وغطرسته .
قال : والله لا نرجع حتى نرد بدرآ
فنقيم عليها ثلاثا ننحر الجزور . ونطعم الطعام . ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان .
وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا .
وبعدها فامضوا.
وصار مناقشات بين سادت قريش
فقام حكيم بن حزام : تذكرون هذا الإسم تكون خديجة رضي الله عنها عمته لما اهداها زيد بن حارثة. رضي الله عنهم.
وموقفه يوم نقض الصحيفة.
حكيم كان من عقلاء قريش لم يعجبه كلام أبو جهل .
فذهب إلى عتبة وكان عتبة أكبر رجل في قريش بالعمر وكان سيد في قومه .
وقال له : يا أبا الوليد أنت أسن رجل في قريش وسيدها المطاع .
إعدل بالناس عن الحرب فلا حاجة لنا بمثل هذه الحرب .
قال له عتبة : أجل يا حكيم .
سأفعل ولكن من يضمن لي ابن الحنظلية .
"يعني أبو جهل نسبه لأمه"
قال له حكيم : قم حدث الناس فلن يغلب رجل كثرة .
فقام عتبة وقال : أيها الناس قد سمعتم أن تجارتكم في أمان وأن الذي أرسل يستنصركم "أي أبو سفيان" هو الذي أرسل إليكم عدم الخروج للحرب .
"لأن أبو سفيان هو زعيم قريش في ذلك الوقت"
فإني أرى أن نرجع ولا نرد ماء بدر.
فإنها حرب لا أراها إلا قرون : ينظر الرجل في وجه الرجل يكرهه.
يقول هذا قتل أخي.
وهذا قتل أبي.
وهذا قتل عمي .
فإنما هم أهلكم وأتركوا محمد ومن معه للعرب .
فإن أصابوه فقد كفيتم منه .
وإن ظهر محمد فعزه عزكم .
فقام أبو جهل : وقال كلمات إستفز فيها عتبة فغضب عتبة ونفخ الشيطان في أنفه .
فأقسم عتبة أنه أول من يخوض الحرب .
فحمي وطيس الحرب وأبطلت حكمة عتبة بن ربيعة فمضوا بإتجاه بدر .
وافق أبو جهل غالبية أهل مكة .
بينما لم يوافقه "بنو زهرة" وعادوا إلى مكة ولذلك كانت رؤيا "عاتكة" عمة النبي ﷺ أن الصخرة عندما تفتت دخل في كل بيت من بيوت مكه منها فلقة .
إلا بيوت "بني زهرة"
فكان عدد جيش قريش كما قلنا 1300 مقاتل .
رجع بنو زهرة قل العدد فأصبح 950.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-30-2022, 06:19 AM
[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الواحدة بعد المائة 101
النبي ﷺ يستطلع خبر قريش .
تقدم جيش قريش إلى بدر لمواجهة المسلمين رغم أن قافلة أبا سفيان قد نجت .
فوصلت أخبار للنبي ﷺ بأن أبا سفيان قد هرب بالقافلة من جهة الساحل .
وأنه استنجد بقريش وأن قريش في طريقها إلى بدر .
فلما وصل ﷺ إلى العدوة الدنيا
قال تعالى :
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
سورة الأنفال .
العدوة القصوى يعني الأبعد . والعدوة يعني حافة الوادي ..
بدر منطقة وادي لها حافتين . حافتها القصوى أي البعيد جهة مكة .
فكل من يأتي من جهة مكة ويقترب من بدر يكون عند حافة الوادي القصوى البعيدة .
والعدوة الدنيا تكون أقرب للمدينة التي وصل إليها النبي ﷺ .
وأيضاً وصلت قريش للعدوة القصوى .
لما وصلت قريش أناخوا بها واستراحوا
وكان النبي ﷺ قد وصل إلى العدوة الدنيا .
أي حافة الوادي من الجهة الأخرى .
وكان بينهم تلال لا يرى من خلالها أي فريق الآخر .
فلما وصل النبي ﷺ هناك خرج ﷺ بنفسه واصطحب أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليستطلع الأخبار بنفسه.
فجاء على شيخ من شيوخ العرب كبير يقال له "الضمري"
وسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا عندك من خبر قريش وعيرها ؟
ومحمد و صحبه ؟؟
فقال الشيخ : ممن أنتما.
فقال النبي ﷺ : إن أخبرتنا أخبرناك
فقال الشيخ : هذه بتلك .
قال له النبي ﷺ :نعم .
قال : أما وقد كان "يعني إذا هذا شرطك"
فإني سمعت أن محمد وأصحابه "وهو لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم "
أن محمداً وأصحابه خرجوا بغية عير قريش في يوم كذا وكذا .
فإن كان قد صدق من أخبرني فإن محمد وأصحابه اليوم في مكان كذا وكذا
" بالضبط العدوة الدنيا"
"لأن العرب كانت تعرف المراحل في كذا يوم أين يكونون"
وسمعت أيضآ أن أبا سفيان أرسل يستنصر قريش وخرجت كلها لتحمي عيرها في يوم كذا وكذا .
فإن كان الذي حدثني صدقني فإن قريش اليوم ستكون في مكان كذا وكذا .
"أخبره بالمكان اللي فيه قريش بالتمام العدوة القصوى"
قال وأما أبو سفيان فقد علم الخبر .
فساحل بعيره : هرب و سلك طريق ساحل البحر"
فلا أعرف أين اليوم كان :
"يعني ما بعرف مكانه هرب"
قال : ها أنا قد أخبرتكم . فأخبرني ممن أنتما ؟
فقال له النبي ﷺ : نحن من ماء .. ومضى .
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فنظرت إلى الرجل يقلب كفيه.
ويقول : من ماء ؟ أي ماء ؟
أمن ماء العراق هما ؟
فنظر النبي ﷺ إلى أبا بكر ووجده مستغربا
فضحك النبي ﷺ .
وقال يا أبا بكر قد أجبناه وصدقناه
قال تعالى :
فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
سورة الطارق .
فنحن من ماء .
هذه حكمة نبينا ﷺ .
هكذا علم النبي ﷺ أن قريش تقترب من ماء بدر .
فلما كان المساء أرسل إلى بدر كتيبة استطلاعية :
1- علي بن أبي طالب .
2- والزبير بن العوام .
3- وسعد بن أبي وقاص .
فوجدوا عند ماء بدر غلامين لقريش.
يملئون أسقية قريش فقاموا بأسرهما وذهبا بهما إلى معسكر المسلمين .
وكان ﷺ قائم يصلي فأخذ المسلمون يستجوبوهما
فقالا لهما : بعثتنا قريش نسقيهم من الماء .
وكان المسلمون لا يريدون مواجهة جيش قريش، وإنما يريدون عير قريش .
فأخذوا يضربوهما حتى اضطروا أن يقولا لهما.
نحن لأبي سفيان فتركوهما.
"كذبوا عليهم يعني نحن مع قافلة أبو سفيان"
فلما فرغ ﷺ من صلاته .
قال للصحابة إذا أصدقاكم ضربتموهم .
وإذا كذباكم تركتموهما .
صدقا والله إنهما لقريش ثم قال لهما :
أخبراني عن قريش.
قالا : هم والله وراء هذا الكثيب .
"أي عند العدوة القصوى"
فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم كم القوم .
"اي كم عددهم"
قالا . كثير .
قال : ما عدتهم ؟
قالا : لا ندري .
قال : كم ينحرون كل يوم ؟
قالا : يوما تسعا ويوما عشرا.
فقال النبي ﷺ : القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف.
ثم قال لهما :فمن فيهم من أشراف قريش؟
قالا :
عتبة بن ربيعة .
وشيبة بن ربيعة .
وأبو الحكم بن هشام .
وأمية بن خلف .
وزمعة بن الأسود .
وغيرهم من سادة قريش .
فأقبل النبي ﷺ على الناس .
وقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
هنا تأكد للرسول ﷺ أن العير قد فلتت وأن جيش مكة قد خرج للقتال .
وأن جيش مكة جيشاً كبير وأن قوامه تقريباً "ثلاثة أضعاف" جيش المسلمين.
وأن قريش خرجت بجيش مدجج بالسلاح .
ويعلم الرسول ﷺ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخرجوا للقتال وإنما خرجوا لمهاجمة قافلة تجارية حراستها أربعون رجلاً.
لتعلم الأمة جميعآ أن نصر الله لا يأتي بالعدة والعتاد .
صحيح هي أسباب يجب الأخذ بها.
قال تعالى .
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
سورة الأنفال .
ولكن الحقيقة المطلقة أن النصر من الله سبحانه وتعالى.
جمع الرسول ﷺ الصحابة رضي الله عنهم ليعرف مدى استعدادهم للقتال ولمواجهة جيش مكة جمعهم ليستشيرهم.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية بعد المائة 102
النبي ﷺ يستشير أصحابه رضي الله عنهم
عندما أيقن النبي ﷺ استعداد قريش للقتال .
جمع أصحابه رضي الله عنهم ليستشيرهم في الأمر .
ومن حكمته ﷺ وتشريعه السمح مبدأ الشورى .
قال : أشيروا علي أيها الناس . ما ترون في قتال القوم ؟
فقال بعض الصحابة : لا والله مالنا طاقة بقتال العدو .
ولكن أردنا العير .
وقال البعض : لم نعلم أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم .
فظهرت الكراهة في وجهه ﷺ .
وقال : ما ترون في قتال القوم ؟
أشيروا علي أيها الناس .
فقام أبو بكر رضي الله عنه : فقال خيراً .
فأثنى عليه النبي ﷺ بخير .
ثم قام عمر رضي الله عنه : فقال خيراً .
فأثنى عليه النبي ﷺ بخير .
ثم قال : أشيروا علي أيها الناس .
ثم قام المقداد بن الأسود رضي الله عنه : وهو أيضا من المهاجرين وقال : إمض يارسول الله لما أمرت به فنحن معك .
والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى .
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
فوالذي بعثك بالحق نبياً لنقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك حتى لو وصلت بنا إلى برك الغماد .
"برك الغماد موقع يقال في أقصى اليمن وقيل أنه عند البحرين تضرب العرب في مكة المثل به في البعد "
"أي : نقاتل ونقطع المسافات الطويلة ونحن بين يديك"
فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعى له بخير .
ثم قال ﷺ :
أشيروا علي أيها الناس
لماذا يكررها ﷺ
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعرف رأي الأنصار.
لأن الذين تكلموا هم أبو بكر وعمر والمقداد بن عمرو رضي الله عنهم. من المهاجرين
وهو يريد أن يعرف رأي الأنصار.
في بيعة العقبة الثانية عندما بايع الأنصار النبي ﷺ وبنود المعاهدة والبيعة .
فإن المعاهدة التي كانت بين الأنصار ورسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تحمونني إذا دخلت دياركم وليس فيها أن تقاتلوا معي خارج المدينة "
فأراد ﷺ أن يتأكد لهذا السبب
ولأن الأنصار أكثر عدد فهم فوق 200 رجل والمهاجرين بضع وسبعين .
ولذلك حتى بعد أن سمع الرسول ﷺ قول أبو بكر وعمر والمقداد .
قال : أشيروا علي أيها الناس
ففطن لذلك الصحابي الجليل سيد الأنصار "سعد بن معاذ" رضي الله عنه.
ذلك البطل الذي اهتز له عرش الرحمن.
سعد بن معاذ رضي الله عنه أسلم وعمره 30 سنة ومآت وعمره 36 سنة .
فوثب قائماً : وقال والله لكأنك تريدنا يا رسول الله .
قال ﷺ له : أجل .
فقال سعد بعد أن حمد الله تعالى
قال : يا رسول الله لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق .
وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة .
وإنك خرجت تريد أمراً .
ولعل الله أراد غيره .
امضي يارسول الله لما أراك الله.
فوالله ما نكره بأن تلاقي بنا عدونا غداً .
ولو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك .
ِصل ِحبال َمن شئت واقطع حبال من شئت .
ساِلم َمن شئت . و عاد من شئت . وُخذ ِمن أموالنا ما شئت .
والله إن الذي تأخذه من أموالنا أحب إلينا من الذي تدعهُ لنا .
وإنا لنصبر بالحرب صدق عند اللقاء.
ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك وما تخلف رجل منا عنك قط.
فامض بنا على بركة الله يا رسول الله.
يقول الصحابة رضي الله عنهم فتهلل وجهُ النبي ﷺ وأشرق وسر .
وقال : أبشروا وسددوا وقاربوا .
فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين : والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم .
ومضى الحبيب المصطفى ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم إلى مواجهة قريش .
وهذا الموقف يظهر مدى شجاعة النبي ﷺ .
هو الوحيد الذي فكر في قتال قريش ولم يفكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر .
ويظهر كذلك حنكته السياسية لأسباب عدة :
1- لأن المسلمون في حاجة ماسة في تلك المرحلة إلى تثبيت هيبتهم في الجزيرة.
2- لأنهم دولة ناشئة وكل الأنظار مركزة عليهم.
3- انسحاب المسلمون من المواجهة .
كانت ستستغله قريش في الدعاية لنفسها وضد المسلمين.
4- انسحابهم كان سيضعف جداً من هيبة المسلمين عند العرب وكان سيجريء القبائل على المسلمين .
وسيكون له آثار سلبية كثيرة وخطيرة جداً على المسلمين في المدينة .
5- انسحاب المسلمين إلى المدينة كان ربما يشجع قريش على أن تواصل سيرها وتهاجم المسلمين في عقر دارهم في المدينة.
وصل ﷺ إلى بدر وأمامه الآبار وهو في انتظار جيش قريش للمواجهة.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة بعد المائة 103
المسلمون في بدر .
مضى النبي ﷺ وقد علم أن قريش وراء التل في بدر بالجهة المقابلة.
فأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يأتوا أقرب ماء من بدر ويعسكروا فيه.
موقع بدر وادي فيه مجموعة من الآبار .
فجاء إلى النبي ﷺ شاب من الأنصار كان شجاعاً وجريئا ومتكلما "الحباب بن المنذر بن الجموح" رضي الله عنه .
وهو جندي من الجنود
جاء وقال : يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه ؟
أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟
فقال له ﷺ : بل هو الرأي والحرب والمكيدة.
"النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي سيد خلق الله أجمعين وسيد القوم وحاكمهم لا يخدع رعيته ولا يجد حرج إذا سمع رأي من أي شخص من أصحابه رضي الله عنهم.
فماذا ترى ؟
قال : ما أراه لك منزل يا رسول الله .
أرى أن تمشي بالناس حتى نكون أقرب ماء من الجيش "يعني من جهة قريش"
وإني يا رسول الله أعلم هذه البئر وغزارته .
نبني عليه حياض ثم نغور غيرها من الآبار .
"اي نردم فنشرب ولا يشربون"
قال له ﷺ : لقد أشرت بالرأي فانهضوا على رأي أخيكم .
فقام الجيش كله ونزلوا على رأي الحباب بن المنذر رضي الله عنه.
أرأيتم نبينا وحبيبنا ﷺ طبق ما يريده الله منه قبل أن تنزل عليه الآيات والوحي ..
بدر : أول معركة وأنزل الله بعد معركة أحد هذه الآية
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
شاورهم النبي ﷺ في الأمر . طبق هذه الخصال قبل أن تنزل الآيات عليه.
تقدم النبي ﷺ بجيشه وفعل كما أشار عليه "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه.
فجاء النبي ﷺ إلى أغزر بئر فيه ماء في بدر
وجعل كل الآبار خلف ظهره وردم كل هذه الآبار.
"دفنوها بالتراب والحجارة"
ولم يترك إلا بئرا واحده .
وبنى حوضاً على هذا البئر وملؤوها بالماء حتى يسهل الشرب على المسلمين وعلى دوابهم .
ووضعوا حولها المغارف مثل الكاسات مباشرة يشرب ويرجع يقاتل .
وهكذا تحكم المسلمون في مصدر المياه .
واستخدم النبي ﷺ هذا السلاح الهام جداً وهو سلاح المياه .
وخصوصا في تلك البيئة الصحراوية لتحقيق ميزة نسبية كبيرة للمسلمين في مواجهة جيش مكة .
تقدم جيش قريش حتى نزل في الجهة الأخرى من الوادي .
وقد صور لنا القرآن الكريم جغرافية ميدان المعركة بصورة رائعة :
فقال تعالى :
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ .
ثم يقول تعالى :
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ
أي العير أو الجمال التي تحمل تجارة قريش التي مع أبو سفيان الذي اتجه بها ناحية مكة بمحاذاة ساحل البحر .
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ
يعني ناحية الجنوب وأيضا للتعبير عن ساحل البحر
"لأن ساحل البحر يكون دائما أسفل من أي أرض يابسة .
حتى أنهم اتخذوا سطح البحر الآن مقياسا للإرتفاعات والانخفاضات .
فيقال هذا ارتفاعه كذا متر أعلى سطح البحر .
هكذا رسم لنا القرآن العظيم جغرافية أرض المعركة بدقة شديدة ، وفي كلمات قليلة وبأسلوب معجز رائع .
سبحانك ربي ما أعظمك وما أجملك وما ألطفك.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة بعد المائة 104
بدر قبل بدء المعركة .
أخذ النبي ﷺ برأي "الحباب بن المنذر" وتقدم بجيشه وجعل كل آبار بدر خلف ظهره وردم كل هذه الآبار ولم يترك إلا بئرا واحده
ثم وقف سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه .
قال يارسول الله إني أرى أن نبني لك عريش على هذا التل
فتكون بعيد عن ساحة المعركة مشرفاً عليها وأن نضع عندك الراحلة .
ثم نلقي عدونا فان أظهرنا الله عليهم كان ذلك ما أحببنا .
وإن كانت الأخرى جلست على الراحلة ولحقت بإخواننا بالمدينة .
ما تخلفوا عنك رغبة.
ولو كانوا يعلمون أنك تلقى عدوآ ما تخلف منهم رجل قط .
" يحفظ ود إخوانه من الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة ملم يخرجوا معهم"
إستحسن النبي ﷺ رأي سعد بن معاذ رضي الله عنه ببناء العريش على تل من تلال بدر .
وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش واتخذ صاحبا له في العريش أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه هو الحارس على العريش .
نقف عند هذا الموقف .
هذا يدل على فقه الصحابة رضي الله عنهم وحسن فهمهم لسنن الله تعالى في كونه .
وأن التوكل لا يعني عدم الأخذ بالإسباب .
وانما التوكل هو اعتماد القلب على الله بعد الأخذ بجميع الأسباب .
لماذا قرار الرسول ﷺ عدم الإشتراك بالقتال ؟
١- اشتراك النبي ﷺ بنفسه بالقتال كان سيربك الصحابة رضي الله عنهم ويجعلهم يفقدوا التركيز بسبب قلقهم على النبي ﷺ .
٢- سيجعل جيش قريش يتجمع في نقطة واحدة حول الرسول ﷺ .
فيتجمع المسلمون بدروهم للدفاع عن النبي ﷺ .
ومن ثم يسهل على جيش قريش محاصرة المسلمين في هذه البقعة .
فكان قرار حكيم منه ﷺ .
فبات النبي ﷺ وأصحابه تلك الليلة مشرفين على بدر .
وباتت قريش خلف التلال ليلة خميس على جمعة 17 رمضان .
وكانت الرمال في وادي بدر شديدة النعومة
والمشي عليها مرهق جداً.
وفي تلك الليلة أصاب بعض الصحابة رضي الله عنهم : الحدث "يعني الجنابة" وهبت ريح ودخل الرعب نفوس البعض منهم .
"إننا أصبحنا جنب و أصبحت الريح والعواصف . هذه الريح ستقتلنا بدون قتال"
فأنزل الله عليهم مطر كان في الجهة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه طل .
"يعني ندى" فأصبحت الأرض التي يسير عليها المسلمين متماسكة يسهل عليها المشي بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لدوابهم .
وفي جهة قريش كان المطر غزيرا جداً حتى أوحلت الأرض تحت أقدام قريش وجعلت السير على الأرض أكثر صعوبة .
وضاقت نفوس قريش بهذا الشتاء .
قال تعالى :
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)
أما الرسول ﷺ وصحابته رضي الله عنهم.
فلما أصبح الصحابة أصبحوا في نشاط وقوة ونزل الماء وطهرهم وأذهب رجس الشيطان ولبد الأرض تحت أقدامهم .
ثم نام جميع الجيش وكان في ذلك راحة لأجسامهم.
وكانت هذه آية أخرى من الله تعالى .
لأن الإنسان إذا كان قلقا فإن هذا القلق يمنعه من النوم .
أما نبينا وحبيبنا ﷺ وقف يصلي ويدعو الله تعالى ويقول :
اللهم أنجز لي ما وعدتني .
اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض .
ثم أخذ ﷺ يدعو للصحابة رضي الله عنهم.
يدعو ويدعو ويدعو ويتضرع إلى الله ويبكي في دعائه .
حتى أخذته ﷺ سنة من النوم "أي غفوة" ثم أفاق.
وقال أبشر يا أبا بكر . أتاك نصر الله .هذا جبريل آخذين بعنان فرسه .
"جبريل ذلك الملك الكريم الذي وصفه الله عزوجل شديد القوى يتجهز للحرب مع رسول الله ﷺ .
وطلع فجر يوم 17 من رمضان وكان يوم الجمعة يوم المعركة
فنادى في المسلمين . الصلاة عباد الله .
فجاءه الناس فصلى بهم النبي ﷺ .
"المسلمون الآن في بدر يستعدون لخوض هذه المعركة ."
ننتقل الآن لمعسكر قريش نلقي نظرة سريعة .
أرسلت قريش رجل يستطلع لهم اخبار المسلمون
اسمه "عمير بن وهب الجمحي"
ارسلته قريش ليستطلع قوة جيش المدينة . فدار "عمير" بفرسه حول معسكر المسلمين .
ثم رجع إلى قريش .
وقال : 300 رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون.
ولكن أمهلوني حتى أنظر .
هل هذا العدد صحيح وإلا هذا كمين وخدعة منهم"
فانطلق "عمير" في المنطقة المحيطة ببدر يبحث إذا كان هناك بقية لجيش المسلمين .
فلم ير شيئا فرجع إلى قريش .
وقال : ما وجدت شيئا .
ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا .
صحيح عددهم قليل ولكن من نظر إليهم يشعر أنهم جاءوا بالمصائب والموت .
نواضح يثرب تحمل الموت الناقع.
"أي الدواب التي تحمل المسلمون على ظهرها لا تحمل بشر إنما تحمل الموت الناقع أي الكثير"
قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم .
والله ما أرى أن ُيقتل رجل منهم حتى َيقتل رجلاً منكم.
فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك.
فأنظروا رأيكم :
"المسلمون كما قلنا عددهم 313 فأقل تقدير أن يقتل كل رجل منهم رجلا منكم .
يعني رح ينقتل من قريش 313 رجل . فما خير العيش بعد ذلك فأنظروا رأيكم"
فقام "عتبة بن ربيعة" وقال : يا قوم أطيعوني في هؤلاء القوم .
فإنكم إن فعلتم .
لا يزال ذلك في قلوبكم .
ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه أو قاتل أبيه .
فاجعلوا حقها برأسي وارجعوا .
فصاح فيه فرعون هذه الأمة
"أبو جهل"وقال لعتبة : جبنت والله حين رأيت محمداً وأصحابه.
فقال له عتبة : ستعلم من الجبان المفسد لقومه .
أما والله إني لأرى قوماً كأن رؤوسهم الأفاعي وكأن وجههم السيوف.
قال تعالى :
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
الرعب في قريش .
هكذا دب الله الرعب في قلوبهم ووقع الخلاف بين قريش وتزعزعت صفوفهم الداخلية .
في الجانب الآخر كانت الروح المعنوية للمسلمين عالية جدا .
هذا هو نبينا وحبيبنا ﷺ يخطب فيهم ويشجعهم .
قال لهم : إن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين : العير أو النفير .
يعني إما تجارة قريش أو جيش قريش .
وبما أن العير قد أفلتت . فلابد أن يتحقق وعد الله تعالى بالإنتصار على الجيش .
يبشرهم ﷺ بالنصر ويقول لهم إن عددهم هو نفس عدد جند طالوت عندما هزموا جالوت.
قال تعالى :
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ...
نظر النبي ﷺ من بعيد.
كان عتبة كما قلنا يخطب في قريش أن لا يقاتلوا محمداً واصحابه ويتجادل مع أبو جهل .
فوقف ﷺ ونظر .
فكان أول رجل جسيم يتقدم قريش على جمل أحمر ومن بعد المسافة لا يعرف من هو ؟
فقال ﷺ إن يكن في القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر .
يا علي : قل لحمزة يعلم لنا من صاحب الجمل الأحمر من قريش .
فتقدم حمزة رضي الله عنه وكانت العرب رغم كفرها ذات أخلاق :
"لا قتال إلا بالمبارزة . لا يوجد في غدر "
تقدم حمزة ولم يؤذيه أحد ونظر من قريب على الرجل وإذا هو "عتبة بن ربيعة"
فصاح بعلي رضي الله عنه وقال له : أخبر رسول الله صاحب الجمل الأحمر "عتبة بن ربيعة"
فقال النبي ﷺ : ألم أقل لكم .
فهو أعقل رجل في قريش ؟؟
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة بعد المائة 105
معركة بدر الكبرى . الجزء الأول .
طلع فجر يوم 17 رمضان
صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الفجر في جماعة
وبدأ النبي ﷺ بعد ذلك يرتب الجيش استعدادا للقتال.
وجعل جيش المسلمين يقف على هيئة صف وكان هذا أسلوب جديد تماماً.
لم يكن يستخدم في الحروب .
فقد كان العرب يدخلون المعركة جماعة واحدة ثم بعد ذلك يقاتلون بالكر والفر .
"يعني التقدم والتراجع في ميدان المعركة"
سبب اختيار الرسول ﷺ أن يقف جيش المسلمين على هيئة صف .
هو التفوق العددي الكبير لجيش المشركين "حوالي ثلاثة أضعاف جيش المسلمين"
فأراد النبي ﷺ أن يكون القتال مع المشركين موزعا وليس مركزا في مكان واحد .
وحتى يضيع عليهم فرصة أن يقوموا بالإحاطة بالمسملين أوحصارهم .
أخذ النبي ﷺ يسوي صفوف أصحابه رضي الله عنهم وقد إختلت من الفرحة بالبشرى وهم ينتظرون .
وكان بعضهم ينظر لقريش وينظر للنبي صلى الله عليه وسلم.
كان ﷺ بيده عصا تشبه العود .
يقول للصحابة رضي الله عنهم إستقم ادخل أنت في الصف.
وكان رجل إسمه "سواد" قد برز من الصف ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم معجب مدهوش .
"نبي الله يريد أن يقاتل اليوم .
فقال له ﷺ : إستقم يا سواد وأدخل في الصف .
"ولأنه مشدود إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع ولم ينتبه .
فصاح النبي صلى الله عليه وسلم به مرة أخرى . إستقم يا سواد .
ولم ينتبه سواد .
فاقترب منه النبي ﷺ ووكزه بالعود في بطنه .
وابتسم و قال : إستقم يا سواد .
وكان سواد لا يلبس إلا إزار وعاري الصدر ومستعد للحرب .
قال ﷺ : إستقم ياسواد ووكزه بالعود ليشد إنتباهه .
فاغتنمها سواد فرصة ..
قال سواد رضي الله عنه :يا رسول الله قد أوجعتني بعودك هذا ..
فأقدني من نفسك .
"أقدني يعني آخذ حقي منك وأستد ...
فأعطاه النبي ﷺ العود وهو يعلم أن له شأن .
فأعطاه العود وقال له : إستقد يا سواد.
"إستقد يعني خذ حقك وإستد"
فأخذ سواد العود وقال : يارسول الله لقد وكزتني وأنا عاري الصدر وأنت تلبس الثياب .
فاكشف لي عن بطنك حتى نكون سواء .
تعجب الصحابة رضي الله عنهم أيعقل أنه يريد أن يستد من رسول الله ويوكز النبي بالعود في بطنه ؟
فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه حتى بان بياض بطنه ﷺ .
فرمى سواد العود في الأرض وضم النبي ﷺ وأخذ يقبل بطنه ويبكي ويقول فداك أبي وأمي يارسول الله .
فقال له ﷺ ما حملك على هذا يا سواد ؟
قال : بأبي وأمي يارسول الله .
لقد رأيت ما حضر من قريش . وقد يكون هذا اليوم آخر عهدي بالدينا .
فأحببت أن يكون آخر عهدي بها أن يلقى جلدي جلدك .
"وقد فاز بها سواد وكان من شهداء بدر رضي الله عنه"
هكذا أحب الصحابة رسول الله .
وهكذا أطاعوه وهكذا وقفوا معه.
ثم قام ﷺ بتنظيم صف لرماة الأسهم في مقدمة الجيش .
ثم صف بعده لحملة الرماح .
وكان الهدف هو صد هجوم الفرسان المتوقع في بداية المعركة .
وحتى يقوم بارباك العدو واحداث أكبر قدر من الخسائر في صفوفهم مع بداية المعركة.
هكذا استطاع ﷺ بهذا التنظيم المبتكر أن يقلل من آثار تفوق جيش المشركين على المسلمين .
سواء من ناحية عدد المقاتلين .
أو من ناحية امتلاكهم عدد كبير من الفرسان .
وأطلت قريش وكانت تريد الماء وكانوا على عطش يريدون الماء .
فوجدوا المسلمين قد سبقوهم إلى الماء والتفوا حوله .
وذهلت قريش لما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
ورجع النبي ﷺ إلى عريشه وأخذ يدعو الله ويقول .
اللهم نصرك الذي وعدتني .
اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلها وخيلائها تحادك وتكذب رسولك .
اللهم إن تهلك هذه العصابة "أي أصحابه" لا تعبد في الأرض .
فمازال يدعوا ويدعوا
وقريش قد إقتربت من جهة الماء .
فلما نظرت قريش ورأت أن الماء قد أحاط به أصحاب محمد .
أقسم رجال من قريش ليقتحموا حوض المسلمين ويشربوا من الماء .
فلما إقتربوا من الصحابة رضي الله عنهم : رشقوهم بالنبل فقتلوهم قبل أن يقتربوا منهم .
فخرج ﷺ وقال : لا تحملوا عليهم حتى آذن لكم.
فمازال يدعوا ويلح على ربه تعالى بالدعاء حتى سقط رداءه عن منكبيه وهو لا يشعر به وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول:
يارسول الله إن الله منجز لك ما وعدك.
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فما راعني إلا ورسول الله ﷺ يلتفت إلي وقد أشرق وجهه بالنور
وقال . أبشر أبا بكر .
هذا جبريل قد هبط على رأس كوكبة من الملائكة يقاتل في صفوفكم .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يقولون بعد المعركة أحصينا القتلى فكنا نعرف قتيلنا من قتيل الملائكة .
قاتلت الملائكة في صفوف المسلمين. بأمر الله تعالى.
قال النبي ﷺ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : هذا أخي جبريل عليه السلام على فرسه يقود كوكبة من الملائكة يقاتلون في صفوفكم .
وخرج ﷺ من عريشه مسرعاً يبشر أصحابه رضي الله عنهم بنزول الملائكة .
فلما خرج النبي ﷺ نظر إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه وقد أعتم بعمامة صفراء .
فقال ﷺ : يا زبير هذه الملائكة قد نزلت على سيمتك وأعتموا بعمامتك يقاتلون في صفوفكم .
وأخذ الرسول ﷺ يحرض الجيش على القتال ويثير حماستهم ويعمل على رفع روحهم المعنوية ويعد من يموت شهيدًا بالجنة .
ويقول . والذي نفس محمد بيده .
لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة عرضها السموات والارض .
"عمير بن الحمام" رضي الله عنه
قال للنبي ﷺ وهو متعجب
قال : يارسول الله : جنة عرضها السموات والارض .
فقال له النبي ﷺ . نعم يا عمير .
وكان "عمير" بيده تمرات يأكل منها .
فنظر إلى التمرات بيده . ثم نظر إلى قريش
وقال . بخٍ بخٍ .
ما بيني وما بين دخول الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء .
إنها لحياة طويلة حتى آكل تمرات .
فرماها من يده وألقى بنفسه في داخل صفوف العدو يقاتل بقوة وحمية وشراسة حتى مات شهيداً في سبيل الله في معركة بدر رضي الله عنه وأرضاه.
"عوف بن الحارث" رضي الله عنه
يقول : يارسول الله ما يضحك الرب من عبده :
"يعني ما أكثر شيء يجعل الله سعيد من عبده"
فقال له ﷺ غمسه يده في العدو حاسراً .
"يعني أن يقاتل في سبيل الله ولا يخاف من الموت .
فخلع : "عوف بن الحارث" درعه وألقي خوذته وانطلق في قلب جيش الكفار .
"وهو تصرف يلقي الرعب في قلوب العدو"
وأخذ يقاتل ويقاتل ويقاتل حتى مات شهيدًا في معركة بدر.
رضي الله عنه وأرضاه.
بهذا الإيمان من الصحابة رضي الله عنهم والثقة بالله تعالى نشروا دين الله تعالى حتى كنتم ثمار إيمانهم ووصل الإسلام لنا وأصبحنا بفضل من الله نقول .
لا إله إلا الله محمد رسول الله
رضي الله عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة بعد المائة 106
معركة بدر الكبرى / الجزء الثاني .
قال تعالى :
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
ِ
بدأت المعركة :
وقد بدأ الهجوم من قبل المشركين .
وكان تحكم المسلمين في مصدر الماء يغيظ المشركين جدآ.
فخرج من قريش أحد فرسانهم المشهورين وهو "الأسود بن عبد الأسد"
كان رجلا شرسآ سيء الخلق . وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
"وجاء أنه : أول واحد يوم القيامة يعطى كتابه بشماله هو الأسود بن عبد الاسد"
وأقسم ليشرب من الحوض أو أن يهدمه .
فصرخ وقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه .
فأنطلق إلى اتجاه حوض المسلمين :
فتصدى له "حمزة أسد الله ورسوله " وتبارزا .
فضربهُ حمزة ضربة أطاحت ساقه فطارت ساقه قبل أن يصل للحوض .
فوقع على ظهره وساقه تنزف دماً .
فأخذ "الأسود" يزحف حتى يصل إلى الحوض ويبر بقسمه .
فضربه حمزة ضربة أخرى قضت عليه قبل أن يصل إلى الحوض .
وأقبل نفر من قريش حتى وصلوا للحوض .
فقال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم : دعوهم.
فشربوا منه وكان من بينهم "حكيم بن حزام" رضي الله عنه.
عمته السيدة خديجة رضي الله عنها الذي اهداها زيد بن حارثة .
والذي كان يهرب لهم الطعام في حصار شعب أبو طالب .
كل الذين شربوا من الحوض قتلوا يوم بدر إلا "حكيم بن حزام" فإنه لم يقتل
ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه .
فكان إذا أراد ان يحلف على يمين يقول "لا والذي نجاني يوم بدر"
ما أن سقط "الأسود"
حتى خرج عتبة بن ربيعة .
وأخوه شيبة بن ربيعة .
وابنه الوليد بن عتبة .
وكان الثلاثة من أبطال قريش .
كان عتبة مثلاً من ضخامته ومن ضخامة رأسه لا يجد خوذة يضعها على رأسه .
فكان يقاتل بلا خوذة .
فلما توسطوا بين الجيشين طلبوا "المبارزة"
وكانت هذه هي العادة في الحروب في ذلك الوقت
"أن تبدأ بالمبارزة .
وكانت نتيجة هذه المبارزة لها تأثير كبير في رفع أو خفض معنويات الجيش .
وكانوا يتفائلون أو يتشائمون بنتيجة المبارزة .
ولذلك كان يتصدى لهذه المبارزة دائما الأبطال من كل فريق"
لا قتال من غير مبارزة
فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار وهم .
عوف بن الحارث .
معوذ بن الحارث .
وعبد الله بن رواحة .
ولكن كان عوف ومعوذ وعبد الله بن رواحة من أشد الصحابة حماسة للقتال وحبا للشهادة.
فقالوا لهم : من أنتم .
قالوا : رهط من الأنصار .
فقالوا : كفٌء كرام "أي أنتم قدها وجديرين بالمبارزة"
كفء كرام ولكن ما لنا بكم حاجة .
يا محمد : أخرج لنا أكفاءنا من بني عمنا .
"سبحان الله يريدون سفك دماء أولاد عمهم .
الكفر فيه غلضة لا يعرف حق قرابة ولا رحم .
لذا عاملهم المسلمون بالمثل ..
فقال الرسول ﷺ :
قم ... يا حمزة بن عبد المطلب "عمه"
قم ... يا علي بن ابي طالب "ابن عمه"
قم ... يا عبيدة بن الحارث "ابن عمه"
رضي الله عنهم أجمعين.
فقاموا وتقدموا إليهم واصطف الفريقان :
فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلب
وهذا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
وهذا علي بن ابي طالب بن عبد المطلب
أقرب الناس لرسول الله "كلهم من بني عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم "
فهل نحن أكفائكم ؟؟
قال عتبة : أجل اكفاء كرام
فتقدموا الثلاثة للمبارزة :
بارز حمزة ... شيبة .
وبارز علي ... الوليد .
وبارز عبيدة ... عتبة .
حمزة وعلي لم يمهلا خصميهما طرفة عين.
فما هي إلا رفعة سيف ونزلة حتى أطاح كل واحد بخصمه .
فضجت ساحة المعركة بالتكبير كبر المسلمون.....
أما عبيدة الذي بارز عتبة .
فجرح كل واحد صاحبه فحمل حمزة على خصم عبيدة فأجهز عليه وقتله "ولذلك انتقمت بنته "هند بنت عتبة" من حمزة رضي الله عنه يوم غزوة أحد
لأنها علمت أن الذي قتل أباها في بدر هو حمزة"
نقطة هامة جداً في بداية المعركة :
المبارزة رفعت معنويات المسلمين وأحبطت المشركين .
انتهت المبارزة وأخذ المشركون قتلاهم وحمل حمزة عبيدة جريحاً يسيل مخ ساقه وأتى به إلى معسكر النبي ﷺ
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم افرشه قدمه .
"اي مد قدمه ليضع عبيدة راسه وخده عليها حتى لا توضع على الرمال الحارة"
فنظر عبيدة بن الحارث لوجه النبي ﷺ وذرفت عيناه بالدموع.
و قال : يارسول الله .
ما بكيت جزعاً من الموت .
وإني لأعلم أنها الشهادة ..
ولكن تذكرت أبا طالب وقصيدته يوم الشعب .
اذا يقول
كذبتم وبيت الله نبري محمدا
ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وددت يا رسول الله لو أن أبا طالب حي ليرى أني أحق منه بقوله هذا .
فلا والله لا يصلوا إليك وفينا عين تطرف.
فقال له النبي ﷺ ( أشهد أنك شهيد)
مع أنه لم تفارقه روحه في أرض بدر .
فقد مات وهم راجعين بعد المعركة بالطريق إلى المدينة .
ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم ساجداً باب العريش .
يقول : يا حي يا قيوم ويدعو الله تعالى..... حتى جاء علي رضي الله عنه
وقال : يارسول الله لقد اكتنفنا القوم " هجموا علينا "
فوقف ينظر فإذا بجبريل عليه السلام على رأس الملائكة عليهم السلام.
فقال لأصحابه رضي الله عنهم. قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض .
فوالذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل مقبل غير مدبر محتسباً لله صابراً إلا أدخله الله الجنة .
فأخذ ﷺ حفنة من الحصى من الأرض وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول شاهت الوجوه
ثم صاح في المسلمين : شدوا .....
يعني اهجموا بقوة .
فانطلق المسلمون كالسيل وهم يصيحون بذكر الله تعالى أحد أحد.
وهجمت قريش : وكان فرسان المسلمون في المقدمة .
فلما اقترب جيش المشركين بفرسانهم استقبلهم المسلمون بالسهام كما أمرهم النبي ﷺ بذلك .
ثم استقبلوهم بالحراب
وسبب ذلك ارباكا شديدًا لجيش قريش وكسر حماسهم في بداية المعركة .
صليل السيوف في كل مكان والغبار يغطي أرض المعركة .
ألتحم القتال وتعانقت السيوف .
عندما أخذ ﷺ حفنة من الحصى من الأرض وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول شاهت الوجوه
ما من رجل من قريش إلا قال شعرت الرمال تدخل في عيني قبل المعركة .
وأخذوا يفركون عيونهم .
قال من أسلم منهم بعد ذلك .
انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس .
"كيف لما ترمي حجرة داخل طاسة"
فشعرنا ذلك في أفئدتنا ومن خلفنا "كانوا يشعروا صوت الحصى الذي رماه الرسول صلى الله عليه وسلم يقع في قلوبهم ومن حولهم"
وكان ذلك من أشد الرعب علينا.
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
النبي صلى الله عليه وسلم استغاث بالله فاوحى إليه :
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
وإذ يوحي ربك للملائكة أني معكم
أول : بند معية الله تعالى :
هو معهم بعلمه وإرادته ونصرته وقدرته.
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ .
إنه : الله جل في علاه
لتعلم الأمة كلها أن الذي مع الله لا يهزم أبداً أبداً
الموضوع : عقيدة إيمان وأخلاق محبة و صدق.
وكان النبي ﷺ ليس مشرفا على المعركة فقط.
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فما راعني إلا والنبي صلى الله عليه وسلم يسل سيفه ويثب في درعه "أي ينهض إلى المعركة"
وهو يصيح ويقول :
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
يقول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه والآية نزلت ونحن في مكة.
فوالذي بعثه بالحق ما علمت تؤيلها إلا يوم بدر .
نزلت الآية في مكة وتحققت في بدر .
يجب أن يكون يقيننا بما قال رسول الله صلى الله عليه أعظم من يقيننا أين نقف وأين نجلس .
لماذا نتاول السيرة ؟؟
إن السيرة لنقتدي لا لنقرأ رواية وقصة .
ينبغي أن يعلم المسلمين حقيقية دينهم .
وهي أننا نرتبط بهذا النبي العظيم ﷺ .
وأن نثق بما اخبر به ﷺ عندها تكون لنا المرجعية.
والحمد لله الذي جعل لنا المرجعية في كتابه العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هكذا بدأت معركة بدر بهذا الحماس والإيمان المطلق بالله تعالى والتوكل عليه والأخذ بالأسباب.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد المائة 107
معركة بدر الكبرى / الجزء الثالث .
قاتل الصحابة رضوان الله عليهم في بدر بكل شجاعة وإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعندما كان خضامها مستعر يلتقي "أبو عبيدة بن الجراح" رضي الله عنه.
مع أبيه وجهآ لوجه في المعركة
موقف عصيب جلل
وتحرك الدم في عروق "أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
إنه أبي
فابتعد عنه لأنه لا يريد أن يكون هو قاتل أبيه
فإن قتله غيره لا بأس .
ولكن أنا أقتل أبي لا وإن كان كافراً.
قال تعالى :
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
فأين صحبة المعروف إذا قتله ؟
فابتعد أبو عبيدة رضي الله عنه
عن وجه أبيه ليكن مقتله على يد غيره .
فلما ابتعد أبو عبيده عن والده .
سمع أبو عبيدة أبوه يصرخ في المعركة : أين محمد ؟
دلوني عليه لا نجوت إذا نجا
جعل من نفسه فقط هدف لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
واتجه نحو النبي ﷺ .
فلما رآه أبو عبيدة غضب ورجع مسرعاً إلى والده.
قال لوالده : يا عدو الله تنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد قتله.
فرفع سيفه وأطاح برأسه
وقد نزلت فيه هذه الاية .
قال تعالى :
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
ويقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه :خاله ابن المغيرة.
وهكذا لم تمنع القرابات والأرحام من أن ينتصر الصحابة المؤمنون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
وكان أبو بكر في جوار النبي ﷺ في العريش .
فلما نزل ﷺ لساحة المعركة كان بجانبه ابو بكر الصديق رضي الله عنه.
فسمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابنه ينادي أين محمد .
يريد قتل النبي ﷺ .
إبنه المسمى فيما بعد "عبد الرحمن" وكان اسمه عبد الكعبة .
فلما أسلم غيّر النبي ﷺ اسمه فأصبح عبد الرحمن .
وكان أكبر أولاد أبوبكر الصديق رضي الله عنه.
ولكنه كان في بدر مع المشركين
فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه ابنه عبد الكعبة يصرخ وينادي
أيضآ يريد قتل النبي ﷺ .
فقال أبو بكر رضي الله عنه دعني له يارسول الله صلى الله عليه وسلم.
فامسك النبي ﷺ بأبي بكر رضي الله عنه
وقال : متعنا بنفسك يا أبا بكر رضي الله عنه.
أما تعلم بأنك سمعي وبصري.
أرأيتم قدر أبي بكر رضي الله عنه.
ولحكمة يريدها الله تعالى يؤسر عبد الكعبة ثم يفدى قبل أن يدخل في الإسلام ويصبح من خيار الصحابة رضي الله عنهم.
كان النبي ﷺ قد أوصى أصحابه قبل بدء المعركة .
فقال لهم : إن رجال خرجوا في هذا الجيش مكرهين لا حاجة لهم بقتالنا .
فمن لقي منكم العباس بن عبد المطلب فلا يقتله بل يأسره.
من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله كان لايؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وهو الذي ضرب أبو جهل يوماً على رأسه وشجه.
وعندما كان أبوجهل يمنع حكيم من إدخال الطعام للشعب.
قال له :ما رأيت في العرب لئيم مثلك .
وقام بنقض الصحيفة .
لم ينساها له النبي ﷺ .
ولكنه قتل في بدر .
قتله صحابي اسمه "المجذر" رضي الله عنه أراد أن يأسره .
ولكن أبا البختري رفض فجاء المجذر للنبي ﷺ.
وقال .. والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأثر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني : فقاتلته فقتلته .
فسمع أبو حذيفة بن عتبة رضي الله تعالى عنه : قول النبي ﷺ .
من لقي العباس لا يقتله .
من لقي أبو البختري لا يقتله .
وكان قد قتل اباه وعمه وأخاه في المبارزة .
لما سمع هذه التوجيهات .
المؤمن يخطيء كل بن ادم خطاء .
قال ابو حذيفة : أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ولا يقتل العباس بن عبد المطلب ؟
والله لأن لقيت العباس لألجمنه السيف إلجاماً.
غلبته نفسه ففاضت منه كلمة .
سمع النبي ﷺ مقالته .
فنظر ﷺ في وجه عمر بن الخطاب وقال لعمر : يا أبا حفص .
أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟
يقول عمر رضي الله عنه : والله إنه لأول مرة يكنيني النبي بأبي حفص.
فقال عمر : يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق .
فقال له النبي ﷺ .
لا لا يا عمر إنه لم ينافق ولكنها زلة لسان .
و لم يكن النبي ﷺ يحاسب على الخطأ .
قتل ابوه في المبارزة ، ولما أرادوا حمله إلى قليب بدر مع القتلى .
نظر النبي ﷺ لأبوحذيفة رضي الله عنه وإذا هو قد تغير .
فقال له : يا أبا حذيفة أدخلك شي من قتل أبيك.
قال : لا والذي بعثك بالحق . ولكن كنت أعلم من أبي رأي وحلم .
فاحببت أن يكون في الإسلام فكرهت ما مات عليه .
فدعا النبي ﷺ لأبي حذيفة بخير رضي الله عنه.
ومع ذلك يقول أبو حذيفة رضي الله عنه : مازلت اتخوف تلك الزلة وأقول لا يكفرها إلا شهادة في سبيل الله تعالى.
فما كانت معركة إلا يكون أول الصفوف .
حتى مات في معركة الردة يوم اليمامة رضي الله عنه وأرضاه.
رضي الله عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة بعد المائة 108
معركة بدر الكبرى / الجزء الرابع والأخير .
في خضم تلك المعركة يأتي رجل صحابي "قتادة" رضي الله عنه
إلى النبي ﷺ وقد نزل نبل في عينه فسالت حدقته على خده.
وهم الصحابة رضي الله عنهم أن يقطعوها حتى لا تعيقه .
ثم صاح بهم رجل اذكروها لرسول الله "أي خذوا رأي النبي صلى الله عليه وسلم فيها"
فجيء بقتادة يقوده اثنان من الرجال وعينه مدلاة على خده
قالوا : يارسول الله سالت حدقة "قتادة" من سهم أصابها . أنقطعها ؟؟
قال : لا . لا تقطعوها .
ادنوه مني .
فقربوه إليه : فوضع كفه اليمنى على عينه فردها إلى مكانها ثم تفل فيها .
يقول قتادة : والله لا أدري أي عيني التي اصيبت ؟
وفي خضم هذه المعركة يأتي عكاشة بن محصن رضي الله عنه وبيده سيف مكسور .
قال : يارسول الله انقطع سيفي.
جاء رضي الله عنه وبيده سيف مكسور بقي مقبضه وشبر من قامته
قال : انقطع سيفي يا رسول الله .
وهو يرجو أن يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً
وبيد النبي ﷺ عود الذي وكز به بطن سواد بن غزية رضي الله عنه
يقال له : العرجون . عود من نخل راحت أوراقه .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : خذ هذا وقاتل به
اقاتل بعود خشب مقابل سيوف.
فأخد عكاشة رضي الله عنه العرجون من يدي النبي ﷺ .
وهو على يقين أن هذا العرجون سيبلي بالمعركة أكثر من السيوف.
ولم يكن يتوقع أن العرجون سينقلب إلى سيف.
أخذه وهو يريد أن يقابل السيوف بعود خشب.
من كان يحلم أن بلال بن رباح رضي الله عنه الضعيف المعذب على رمضاء مكة الذي كان يردد ويقول .... أحدٌ أحد.
هو الذي سيقتل أمية بن خلف الذي أذاقه أشد العذاب .
يراه بلال الحبشي رضي الله عنه
فيقول بلال رضي الله عنه :رأس الكفر أمية بن خلف.
لا نجوت إن نجا ويوقعه على الأرض.
يقول بلال رضي الله عنه : عندما وقع على الأرض أمية صاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط ،
ثم غرس بلال رضي الله عنه سيفه فيه .
من كان يظن أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صاحب الساق الدقيقة.
عندما ضحك الصحابة رضي الله عنهم على دقة ساقيه وهو يصعد النخلة .
من كان يحلم أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه هذا يحز بسيفه رأس أبوجهل أكبر رأس في قريش .
اخبرتكم قصة عبدالله بن مسعود من قبل "ارويها باختصار تذكير "
هذه نقلة من أرض بدر إلى مكة عندما كان كفار قريش يعذبون المسلمين .
ذهب ابن مسعود يقرأ على قريش سورة الرحمن .
فلما سمعه أبوجهل قام إليه وكان أقواهم على الشر وأحبهم إليه :
فمشى حتى إقترب منه ..
لما رأى عبدالله بن مسعود أبو جهل يتقدم نحوه تراجع وصعد على درج الكعبة ليكمل القراءة ولم يتوقف .
فصعد أبو جهل ووقف أمامه ونظر إليه .
فأمسك بأذنه ثم رفعه من على الأرض يحمله من أذنه .
وكان أبو جهل ضخم الجثة ، رفعه من أذنه
وقال : يا إبن أم عبد يا رويعي الغنم .
لم نسمع هذا من محمد بن عبدالمطلب حتى نسمعه منك أنت ؟؟
ثم إنتشله فخرجت أذن عبدالله بن مسعود بيد أبو جهل وسقط جسده على الأرض "يعني قطع ذانه" ثم ألقى إليه أذنه.
وقال : خذ هذه لعل محمد ينفعك
فحمل أذنه المقطوعة بيده رضي الله عنه وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم والدماء تسيل على خده .
ودخل ونظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم محزون ماذا يصنع .
وإذا بالنبي ﷺ يستقبله ضاحكاً
وقال : هات يا إبن مسعود .
فأعطاه إياها والحزن على وجهه فنظر ﷺ إليه وهو يبتسم
وقال له : ألا يرضيك الأذن بالأذن والرأس زيادة ؟
قال : بلى يا رسول الله رضيت "وهو لا يدري ما معنى ما يقول الرسول له"
قال . رضيت يا رسول الله .
ورأى بعدها ابن مسعود في منامه أنه يضع قدمه على عنق أبو جهل
وقد تعرض له أبوجهل يوم في الطريق .
قال : ها يا رويعي الغنم اتعاود إلى ما كنت عليه ؟
"يعني رح ترجع تقرأ قرآن مرة ثانية علينا"
هذه المرة إن فعلتها ... أقتلك
ِفقال له ابن مسعود : بل أوريت يا أبا جهل اضع ساقي هذه على رقبتك .
فإن صدقت رؤياي لأكون أنا الذي يحز رأسك.
وها نحن الآن في معركة بدر . وهذا هو أبوجهل على بعيره .
يقول الصحابة كأنه في حرجة .
"يعني متسلح ومتدرع لا بين منه إلا عيونه"
يصول ويجول ويحمس على القتال .
فجاء إليه غلامان يقال لهما أبناء العفراء
"من أهل المدينة كان يسمعوا مثل ما نحن الآن نسمع عن أبو جهل كيف كان يؤذي النبي ﷺ في مكة وكيف قتل المسلمين الضعفاء"
( معاذ ومعوذ ) يسألوا رجل من المهاجرين وهو "عبد الرحمن بن عوف"
قالوا له يا عم يا عم أين أبو جهل ؟؟
فيتعجب من السؤال وقال وما شأنكما بأبي جهل ؟
قالوا بلغنا أنه كان أشد قريش إيذاء لرسول الله . فنريد قتله .
وإذا أبو جهل يصيح بالناس .
فقال لهما : اترون هذا الذي يصيح . هذا أبو جهل .
فتقدما إليه ولم يأخذوه غدراً .
قالا : يا أبا جهل . انتبه إننا نريد قتلك .
فضحك وقال : لم يبقى عند محمد إلا هذه الصبية .
قالا له : لا تسخر إننا قاتلوك .
فجاء واحد من جنبه وضربه بالسيف فلم يأثرا فيه شيء
كله محصن بدروع حديد .
وجاءه الآخر من هنا وضربه بالسيف فلم يأثر به
إلا أنه قد سقط عن بعيره فلما سقط عن بعيره
والمعركة محتدمة وتأثر بهذه الجراح .
حتى يأتي ابن مسعود يلاقيه.
وقد أشرفت المعركة على الإنتهاء.
قال ﷺ .( إلتمسوا فرعون هذه الأمة في القتلى فإنه مقتول لا محالة )
فأخذوا يبحثون عنه وكان الخبيث لعنه الله يدس وجهه بالرمال حتى لا يعرفه أحد وينتظر من ينقذه من قريش .
فجاء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
"سبحانك يا من لا تخلف وعدك . يسوق ابن مسعود من دون كل الصحابة رضي الله عنهم إلى موقع أبي جهل .
فينظر إليه عبدالله بن مسعود فيعرفه وهو يواري وجهه بين القتلى سيفه على جانبه .
قال عبد الله بن مسعود : فعرفته فقلت أي عدو الله . أخزاك الله .
قال أبو جهل . وما أخزاني لا . هل أنا ما ماعدا رجل قتلتموه .
"يعني شي عادي انا رجل واحد"
ولكن اخبرني لمن الدائرة ."بده يعرف نتيجة المعركة"
قال له : الدائرة لله ولرسوله وعلى رؤسكم يا أعداء الله .
يقول ابن مسعود : فخشيت أن يكون به قوة فيعاجلني .
فإن سيفي ضعيف لا يغني مع سيفه شيء . فطفت حوله
وجئت من قفاه
فأخذت أخذه بالسيف كي يموت .
قال : فلما رأيت لا حراك به رفعت الخوذة عن عنقه ونقرته فيها .
فقال : يا رويعي الغنم لا تعذبني بسيفك.
لا تعذبني بسيفك هذا . دونك خنجري على جانبي خذه فاقطع به عنقي "طلبها بلسانه"
قال . فاخذت خنجره عن جنبه ثم وكزته برجلي في صدره حتى استلقى إلى قفاه ثم وضعت رجلي على صدره .
ثم قلت له : تذكر يا أبا جهل ما اخبرتك به في مكة.
ها أنا رجلي على عنقك واحز رأسك بيدي ألم أقل لك إني سأذبحك .
قال له أبو جهل : لقد رقيت مرقاً صعبًا يا رويعي الغنم .
فحز رأسه وأراد أن يحمله ليطمئن النبي صلى الله عليه وسلم
فالناس يبحثون عن أبي جهل
قال : فعجزت عن حمله ما قدر يحمله "رأسه مثل الثور"
قال : فخرمت إذنه بالخنجر ثم ربطته بحبل وجررته على الرمال جرآ حتى جئت به النبي ﷺ .
وقلت : يارسول الله أبشر هذا رأس الكفر هذا رأس أبو جهل .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم آالله حقا ما تقول "
فلما نظر النبي ﷺ إلى رأسه.
خر ﷺ ساجداً لله تعالى
ونظر لإبن مسعود رضي الله عنه وابتسم.
وقال : يا ابن مسعود أرضيت الأذن بالأذن والرأس زيادة.
ثم نادى أين عمار . أين عمار ؟
فأقبل عمار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أبشر يا عمار فلقد قتل الله من قتل أمك.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة بعد المائة 109
بعد المعركة .
انتهت معركة "بدر الكبرى" بانتصار المسلمين على المشركين نصراً ساحقاً .
فقتل من المشركين 70 مشرك .
وأسر 70 آخرين .
جلهم من سادة قريش .
لقد قتل سادة القوم الذين كانوا ألد أعداء النبي ﷺ وهؤلاء الذين قتلوا من المشركين هم عمالقة الكفر وقادة الضلال وأئمة الفساد في الأرض.
فمنهم فرعون هذه الأمة
1- أبو جهل .
2- الوليد بن المغيرة
3- عتبة بن ربيعة
4- شيبة بن ربيعة
5- النضر بن الحارث
6- عقبة بن أبي ُمعيط
7- وأمية بن خلف
وغيرهم من صناديد ووجهاء قريش.
واستشهد من المسلمين 14 رجل .
6 من المهاجرين و 8 من الأنصار .
رضي الله عنهم جميعاً
إنهزم المشركون وأخذت جموع المشركين في الفرار وتمت عليهم الهزيمة.
القتال بدأ في الصباح واستمر حتى الظهر
أي استمر عدة ساعات فقط وهو وقت قليل جداً بالنسبة لهزيمة جيش في ذلك الوقت .
أخذ المسلمون يطاردون المشركين ويأسرونهم .
ويمر "مصعب بن عمير" بأخيه "أبي عزيز بن عمير" وكان يقاتل مع المشركين أسيرآ في يد أحد من الأنصار وهو يقيد يديه .
فقال مصعب للأنصاري شد يديه، فان أمه ذات متاع وسترسل في فدائه مال كثير .
"يعني أمه ذات مال وثراء" وهي أم مصعب نفسه .
فقال له أخيه : يا مصعب أهذه وصاتك به ؟
قال مصعب رضي الله عنه : إنه أخي دونك "يعني هذا الانصاري اخي أكثر منك"( حتى تسلم ) فتكون القرابة وإخوة الدين.
وقام المسلمون بدفن قتلاهم .
ثم أمر النبي ﷺ بقتلى المشركين فسحبوا جثثهم وألقوها في أحد الآبار .
يقول الصحابة رضي الله عنهم :
فلما أمر النبي ﷺ بجمعهم "أي القتلى" وألقاهم في القليب .
"لان من سنته دفن جثة كل آدمي مسلم كان أو غير مسلم حفاظاً على البيئة"
قالوا : عندما أردنا أن نجمعهم نظرنا.
فوالذي بعثه بالحق ما من رجل ممن ذكره قبل المعركة تعدى موقع إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصرعه.
"قبل المعركة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يشير لأصحابه رضي الله عنهم :
هذا مصرع فلان بن فلان
وهذا مصرع فلان بن فلان يقولون : فما تعتدى موقع إشارة النبي ﷺ"
عندما هربت قريش وكان الشجاع فيهم من سلم بنفسه .
وقف النبي ﷺ وكان الطقس صيفاً و حاراً فوجد أن الجثث بدأت تتغير وتنتفخ .
فأمر أن تجمع جثث القتلى من المشركين والمسلمين فتتوارى في التراب.
شهداء المسلمين في مكان .
وأما قتلى قريش في قليب بدر "أي بئر ثم تردم عليهم"
فلما أرادوا حمل أمية بن خلف وكان بديناً ويلبس درع قد انتفخ وملئ درعه فتفتت في أرضه
فأمر النبي ﷺ ان يُحفر في الأرض بجانبه ثم يلقى ويهال الرمل عليه ولا تترك جثة بالعراء .
"معلم الانسانية ﷺ .
ثم وقف ﷺ عند القليب بعد دفن الجثث.
دنى من القليب وأخذ يناديهم بأسماءهم .
يا عتبة ببن ربيعة .
يا أمية بن خلف .
يا عمرو بن هشام أبو جهل .
يا فلان بن فلان بأسماءهم .
بئس العشير كنتم .
كذبتموني وصدقني الناس . وأخرجتموني وآواني الناس . وقاتلتموني ونصرني الناس .
لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً سيهزم الجمع ويولون الدبر .
فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا .
فقال بعض الصحابة : يا رسول الله أتنادي ناسا أمواتا ؟
ماذا تخاطب من أقوام جيفوا يا رسول الله ؟
[[ اي جثث لا ارواح فيها ]]
قال ﷺ : ما أنتم بأسمع منهم ما أقول لكنهم لا يملكون الإجابة .
وأقام ﷺ والمسلمون في بدر ثلاثة أيام وكانت هذه هي عادة العرب في حروبهم .
أن المنتصر يظل في مكان المعركة ثلاثة أيام
ويعتبرون أن هذا هو دليل انتصاره .
بدليل أنه ظل في مكان المعركة بينما انسحب الطرف الآخر .
ثم أرسل ﷺ عبدالله بن رواحة من الأنصار وزيد بن حارثة من المهاجرين إلى المدينة ليبشر المؤمنين بالنصر
وكان المغضوب عليهم "اليهود" والمنافقين في المدينة
قد اشاعوا أن المسلمين قد هزموا وأن الرسول ﷺ قد قتل في بدر .
فلما وصلت البشرى بانتصار المسلمين إلى المدينة ارتجت المدينة بالتهليل والتكبير .
بينما وصلت أنباء الهزيمة لقريش ونزلت عليهم كالصاعقة وعلت أصوات النياح في مكة على قتلاهم .
ثم منعوا النواح بعد ذلك حتى لا يشمت فيهم المسلمون.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر الكفر و أهله في كل مكان يارب العالمين.
اللهم لطفك بالمسلمين المستضعفين في كل مكان يارب العالمين نعم المولى ونعم النصير.
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١/٥/٢٠٢١ ٩:٣٢ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة بعد المائة 110
أسرى بدر ووفاة رقية بنت النبي ﷺ .
انتهت المعركة ودفنت أجساد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
ودفنت جثث المشركين .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم بجمع الغنائم وساقوا الأسرى بين أيديهم مكبلين بالحبال .
فنظر النبي ﷺ إلى الأسرى وكانوا 70 أسير
فوجد الصحابة رضي الله عنهم قد ربطوهم بالحبال
فقال ﷺ فكوا وثاقهم وأحسنوا صحبتهم وقاسموهم زادكم
فقال قائل : يا رسول الله لو كنا أسرى بين أيديهم لفعلوا بنا أكثر من ذلك .
فقال له النبي صلﷺ لسنا كمثلهم
فكان الصحابة رضي الله عنهم يعطون للأسرى أطيب طعامهم
ويأكلون هم الطعام الرديء.
وكانوا يجعلونهم يركبون وهم يمشون إلى جوارهم
وذلك لوصية رسول الله ﷺ بهم .
هكذا يعامل نبينا ﷺ الأسرى .
إنها الرحمة صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد الأسرى وقد أسلم فيما بعد وهو "سهيل بن عمرو" رضي الله عنه
يقول : كنت في الأسرى فلما سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصيته بالأسرى كانوا يؤثرونني بطعامهم .
فإذا ما وقعت في يد أحدهم كسرة من خبز إلا نفحني إياها "أي أعطاني إياها " ويأكل هو التمر.
أمر ﷺ أن يفك وثاق الأسرى وأن يعاملوا أحسن معاملة وأن يقاسموهم الأرزاق
هؤلاء أصحاب النبي ﷺ الذين قبل ساعات ضربوا أعناق الآباء والأبناء والأهل والعشيرة
لانهم كفار أعداء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
والآن بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم : يؤثرونهم على أنفسهم باللقمة وهم كفار أيضاً
إنه دين الله عز وجل.
*دين الحق والعدل والرحمة
فلكل مقام مقال*
هؤلاء الذين عرفوا الله تعالى وعرفوا طاعته وعرفوا رسول الله وعرفوا كيف يتبعوه
المسألة عندهم دين وليست أمور شخصية. رضي الله عنهم أجمعين.
عاد ﷺ إلى المدينة .
وفي الطريق نزلت عليه سورة الأنفال والتي تناولت الكثير من أحداث غزوة بدر كما تناولت كيفية توزيع الغنائم على المسلمين .
رجع المسلمون إلى المدينة وسط أجواء من الفرحة والبهجة عمت المدينة كلها .
فرح المسلمون فرحآ شديدآ حتى فرحهم غطى عليهم حزنهم بوفاة رقية بنت النبي ﷺ زوجة عثمان بن عفان .
خلفهُ النبي صلى الله عليه وسلم عليها لأنها مريضة وهذا الذي منع عثمان بن عفان رضي الله عنه حضور بدر .
ولما دخل البشيرآن :
عبدالله بن رواحة وزيد بن حارثة وجدوا أهل المدينة يحملون نعش بنت الرسول يسيرون به للبقيع.
فمن فرحة النصر غاب الناس عن حزن الفقيدة مع أنها بنت نبيهم قبل دخوله ﷺ للمدينة بعد رجوعه من بدر .
ماتت السيدة "رقية" رضي الله عنها
بنت النبي ﷺ وهي البنت الثانية للنبي ﷺ بعد السيدة زينب رضي الله عنها.
وزوجة "عثمان بن عفان" رضي الله عنهما.
وقد ماتت وعمرها 22 عام .
وتركت ابن لها وهو "عبد الله بن عثمان بن عفان" وكان عمره أربعة أعوام فقط فهي "أم عبدالله " بنت رسول الله .
بنته قطعه منه ، عمرها 22 عام في عمر الشباب ، توفت وعندها ولد صغير عمره 4 سنين فقد أمه .
هذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا أمر الله تعالى لنعلم جميعاً أن هذه الدنيا فانية .
ولأنه قدوة ﷺ كانت رسالة لنا جميعاً
"أنه ليست هناك سعادة كاملة في الدنيا أبداً "
ففي نفس الوقت وقت أعظم انتصار في التاريخ الإسلامي كله وهو اليوم الذي قال عنه تعالى "يوم الفرقان"
في هذا الوقت الذي كان فيه كل المسلمون سعداء.
والرسول ﷺ في قمة سعادته
يصاب ﷺ بأعظم مصيبة يمكن أن تصيب إنسان وهي مصيبة فقدان الإبن .
درس لنا جميعاً يا من يقولون "يافرحة ما كملت . حظي كذا"
يا مسكين يا ابن آدم ليس السبب حظك.
هذه هي الدنيا على حقيقتها تمامآ .
ليست هناك سعادة كاملة في الدنيا .
ورسالة لنا ألا نركن للدنيا .
ولذلك أي نعمة في الدنيا مهما كانت عظيمة ينغصها أمران :
1- خوفك أن تفارقك هذه النعمة.
2- وخوفك أن تفارق أنت هذه النعمة بالموت.
فالدنيا لم نخلق فيها لنخلد فيها .
هي عبارة عن مرحلة قصيرة نمر بها ثم نتركها ونرحل بعدما نقدم فيها أعمالنا.
نسأل الله تعالى التوفيق للعمل الصالح وحسن الخاتمة.
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
يقول الإنسان يا ليتني قدمت لحياتي... قال "لحياتي"
ولم يقل "في حياتي" ....
فحياتنا لم تبدأ بعد.
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون
أي الحياة الحقيقية لبقائها.
فاليوم تزرعون وغداً تحصدون.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية عشر بعد المائة 111
استشارة أصحابه ﷺ في أسرى بدر .
سيق الأسرى
ووصل رسول الله ﷺ للمدينة المنورة.
فلما جمعوا الأسرى بساحة المسجد النبوي.
ولم تكن آيات الحجاب قد فرضت بعد
خرج الرجال والنساء من المهاجرين من قريش يشهدون من يوجد بالاسرى.
فكانت سودة بنت زمعة
"زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين رضي الله عنها
صاحبة الهجرتين ، الهجرة الأولى إلى الحبشة وقد ترملت.
والهجرة الثانية للمدينة.
تزوجها النبي ﷺ بعد موت السيدة خديجة" رضي الله عنها
أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها :
ذات قدم راسخة في الإسلام ولكن "لكل جواد كبوة"
ومن شرف العبد الخطأ .
اللهم إلا أن يصر عليه.
خرجت أم المؤمنين سودة رضي الله عنها ونظرت في الأسرى فوقع بصرها على "سهيل بن عمرو"
وما سهيل من سودة ؟؟
إنه أخو زوجها السابق .
وأخو الزوج يسمى عند العرب الحمو.
وعندما سأل الصحابة رضي الله عنهم : النبي ﷺ : عن الحمو يأتي بيت أخيه في غيابه.
قال ﷺ : الحمو . الموت "
فلما رأت سودة رضي الله عنها سهيل بن عمرو حنت إليه لأنه أخو زوجها .
فقالت : أسهيل ؟
يعني أنت سهيل بن عمرو .
أسهيل : هل لا متم كراماً و خيرآ من أن تعطوا أيدكم للأسر .
"يعني لماذا تقع بالأسر ليش ما قاتلت وتموت أشرف لكم"
أرادت أن تواسيه بجملة.
والنساء عندما تتحكم بهم العواطف يرون الأمور كما هي.
هكذا ظنت نفسها تواسي سهيل وأن هذا لا يضر بالدين شيء رضي الله عنها .
تقول سودة رضي الله عنها : فما راعني إلا ورسول الله ﷺ يقول بملء فمه رافعاً صوته :
يااا سودة : أعلى الله ورسوله تحرضين ؟
وكعادة النساء تقول : فصكت وجهها.
"يعني لطمت ضربت أيديها على خدها"
رضي الله عنها ما أطيب قلبها
وقالت : معذرة يا رسول الله .
والله ما أدري ما قلت حين رأيت سهيل بينهم استغفرلي يارسول الله .
فقال لها : يغفر الله لك.
جلس المسلمون حول النبي ﷺ فاستشارهم في موضوع الأسرى
بين أيدينا سبعين من صناديد قريش.
ولم يكن هناك تشريع يوضح كيفية التعامل مع أسرى الحرب .
فجمع الرسول ﷺ بعض صحابته رضي الله عنهم وتشاور معهم في هذا الأمر .
نظر في أصحابه رضي الله عنهم.
وقال : ماذا تقولون في هؤلاء الأسرى ؟
فقال : أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله :
هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان .
وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية
لعل الله أن يهديهم بك .
فان منّنت فهو ُخلقك .
وإن قبِلت الفداء استغنى به الفقراء .
لأن كل أسير أسره واحد.
فمن أسر أسيراً فله فداءه .
فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار .
وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا.
كان رأي أبو بكر الصديق فيه جانب الرحمة فهو يرى أنهم بنو العم والعشيرة والدولة في حاجة إلى ما سيؤخذ من أموالهم.
وربما يؤمنون بعد ذلك وهذا خير من أن يموتوا على الكفر
وقد كانت اختياراته قريبة من اختيارات رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظرا لتقارب طبيعتي الرسول وأبي بكر الصديق رضي الله عنه
فكان يغِلّب جانب الرحمة على جانب القوة كما كان رسول الله ﷺ يصف الصديق .
ويقول ْأرحم أمتي بأمتي . أبو بكر . رضي الله عنه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله ما أرى ما رأى أبو بكر :يا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هؤلاء أئمة الكفر وصناديد قريش كذبوك وآذوك وأخرجوك وقاتلوك .
فإني أرى أن تشرد بهم من ورآئهم .
"يعني الفعلة التي تفعلها فيهم تلقي الرعب في قلوب من ورائهم"
قال : دعني اضرب عنق ابن عمي فلان .
ثم قل لعمك "حمزة" فليضرب عنق أخيه العباس .
ثم قل لإبن أخيك "علي" أن يضرب عنق أخيه عقيل.
ولا تبالي بما فعلته بهم بعد ذلك.
حتى يعلم الله تعالى أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين .
كان رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الحسم
ففي رأيه أن يقتل السبعون .
وعلى أن يقتل كل قريب قريبه حتى يُظِهر كل مسلم ُحبه لله تعالى.
وأنه ليس في قلبه ولاء لأي مشرك مهما كان حتى وإن كان أقرب الناس إليه.
فهذان رأيان وكلاهما مبني على الحب الكامل لله تعالى ولأمر الدعوة والدولة الإسلامية.
لكن كلا منهما له طريقته. وكلاهما مختلف تمام الإختلاف عن الآخر.
أحدهما يقول : نأخذ الفدية .
والآخر يقول : نقتل الأسرى .
نزل القرآن الكريم بعد ذلك يؤيد رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأيد عمر جماعة رضي الله عنهم
وأيد أبو بكر جماعة رضي الله عنهم
فتركهم النبي ﷺ ودخل إلى بيته فغاب عنهم ساعة ثم خرج.
فقال : إنما مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام .
قال تعالى :
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)
وإنما مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام :
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
وشبه النبي ﷺ الرجلين بأنبياء من أولي العزم عليهم الصلاة والسلام.
ثم قال : إنكم عيلا "أي فقراء" وأرى أن تقبلوا فيهم الفداء تستعينون به ويكن لكم يد في قريش .
وشاع الخبر لقريش في قبول الفداء .
فكان قبول الفداء بنسبة غنى الرجل وفقره .
"يعني الأسير الغني غير الأسير الفقير"
لم يجعلهم النبي ﷺ في رتبة واحدة .
فكان أعلى فداء 4000 درهم من الفضة .
و أدناها كانت 1000 درهم .
ثم قال النبي ﷺ لمن لا يملك
لا هذه ولا تلك.
قال : ومن لا يجد فداء ويعلم القراءة والكتابة :
فليُعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة .
ومن كان لا يعرف فهو طليق.
فكان أول من شرع محو الأمية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية عشر بعد المائة 112
فداء العباس عم النبي ﷺ وابني اخيه .
العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ كان من أسرى بدر .
وكان قد خرج مكرهاً وقاتل مع المشركين وكان رجلاً غنياً جدا
والآن يجب أن يدفع الفدية
وانظروا إلى هذا الحوار الذي دار بينه وبين رسول الله ﷺ :
قال العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله :
"ولا يقول رسول الله إلا مؤمن"
ُقال يا رسول الله : لقد أخذ مني بالمعركة 40 وقية ما بين ذهب وفضة ألا تكون فداء لي ؟
فقال له النبي ﷺ لا يا عباس ذلك شيء انفلنا أياه الله تعالى
"يعني أعطانا إياه نفلة غنيمة"
فعليك فداء نفسك وفداء ابني أخيك
1- نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
2- وعقيل بن أبي طالب .
أخ علي رضي الله عنه .
وكان فداء كل رجل 4 الاف درهم .
قال إذن جعلتني أفقر قريش ما حييت...
"يعني : تأخد مني هذا الرقم 12 ألف درهم سأصبح فقير.
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : لا يا أبا الفضل .
وأين المال الذي وضعته تحت عتبة الدار ليلة خروجك ؟؟ وأوصيت أم الفضل أن لا تخبر به أحد .
وقلت لها : إن أنا قُتلت فهذا يغنيك ما حييتي أنت وأبنائك .
وإن أنا رجعت فاترك كل شيء في مكانه
فقال العباس : أشهد أنك رسول الله.
والذي بعثك بالحق ما علم بحديثنا غيرنا إلا الله وحده
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال العباس لزوجته كلمة كلمة .
ُثم قال العباس : يارسول الله أنت تعلم بأني مؤمن أكتم إيماني وما أخرجت إلا كرهاً .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ولكن يا أبا الفضل كان سيفك بالظاهر علينا وقد أسرك أصحابنا رضي الله عنهم.
أرايتم العدل
أنت أسير تدفع الفداء مثلك مثلهم .
وفدا العباس نفسه وابني أخيه 12 ألف.
وأنزل الله تعالى به قرآن كريم يتلى لأنه وجد العباس في نفسه شيء من المال الذي دفعه.
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70)
فبشر النبي صلى الله عليه وسلم بها العباس رضي الله عنه
فكان العباس رضي الله عنه يحدث : ويقول : والذي بعثه بالحق لقد صدقني الله وعده وصدقني الرسول وعده .
لقد أورثني الله بكل فداء عشرة آلاف أضعفه.
فهاهي "أي المماليك والثروة" الغلمان بين يدي اتجر بها حتى أصبحت أثرى قريش .
أرأيتم كيف كان رسول الله ﷺ يطبق القانون على الجميع ؟؟
حتى على عمه العباس بن عبد المطلب .
وكان الصحابة أنفسهم يتعجبون لهذا الأمر وقد كان في قلوب الأنصار رقة عجيبة.
فلما رأوا هذا الأمر أشفقوا على رسول الله من أن يأخذ الفداء من عمه.
وعمه الذي يحبه الصحابة رضي الله عنهم من الأنصار يذكرون العباس رضي الله عنه.
"في بيعة العقبة الثانية كان العباس واقفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى ذلك أنه كان قريباً جداً من قلب النبي ﷺ .
فجاء الأنصار يتوسطوا إلى الرسول ﷺ في عمه .
حاولوا أن يسامحوا العباس من الفدية لكن بطريقة في غاية اللطف والأدب .
فقد كانوا قمة في الأخلاق وفي الإيمان .
فقالوا له : يا رسول الله
ائذن لنا فلنترك لإبن أختنا العباس فداءه : إبن أختنا .
نعم العباس أبوه عبد المطلب "شيبة الحمد" تذكرون ذلك .
أمه من يثرب من بني النجار مر معنا بداية السيرة"
ولكن رسول الله رفض ذلك تماماً واصر على أخذ الفداء ، وأعلى قيمة فداء 4000 درهم .
العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .
هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه . عم رسول الله ﷺ
ولد قبل رسول الله ﷺ بسنتين و قد أسلم وكتم إسلامه .
فكان عيناً على المشركين يبعث بأخبارهم للنبي ﷺ .
هاجر قبل الفتح بقليل وشهد فتح مكة مع المسلمين .
شهد معركة حنين وكان ممن ثبت ساعة انهزام المسلمين أول المعركة .
وكان لصوته الجهوري فضل كبير عندما حض المنهزمين على الثبات .
كان النبي ﷺ يقول عنه .
من آذى العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه .
كان العباس طويلاً جميلاً
أما عقيل بن أبي طالب الذي فداه العباس "اخو علي رضي الله عنهما" ابن عم النبي ﷺ .
تأخر إسلامه إلى عام الفتح و شهد معركة حنين وكان ممن ثبت فيها .
وشهد معركة مؤتة.
كان من أعلم الناس بأنساب قريش .
وكان شديد الذكاء مشهورا بالجواب المسكت .
نوفل بن الحارث بن عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف "ابن عم رسول الله ﷺ .
دفع عنه الفدية عمه العباس فأطلق سراحه من الأسر كان يتاجر في الرماح و أسلم .
مات نوفل رضي الله عنه في خلافة عمر بن الخطاب ومشى عمر رضي الله عنه في جنازته .
ومن الأسرى أيضاً "السائب بن عبيد" من أبناء عمومة النبي ﷺ .
يكون جد "الإمام الشافعي رحمه الله"
كان في بدر يحمل راية المشركين وكان من الذين وقعوا في الأسر .
فدى نفسه ثم أسلم وحسن إسلامه.
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المائة 113
صهر النبي ﷺ من أسرى بدر .
أبو العاص بن الربيع .
نموذج آخر من فداء الأسرى وهو "أبو العاص ابن الربيع"
صهر النبي ﷺ زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم أكبر بناته رضي الله عنهن.
خالته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها .
كان أبو العاص رجلا شهماً مشهور بالأمانة وكان يعرف في قريش بأنه رجل أمين .
وكان أول صهر للنبي ﷺ و قد تزوج من زينب قبل البعثة .
كان أبو العاص يحب زينب حباً كبيراً .
وكذلك زينب بنت النبي ﷺ كانت تحبه.
وفي هذا الجزء سأبين لكم هذه المحبة وكيف فدته زينب من الأسر .
فأعذروني على الإطالة :
لما جاء الوحي وبعث النبي ﷺ
سعت قريش في عداوتها للنبي ﷺ وقالوا ردوا عليه بناته .
كانت " رقية وأم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وسلم : زوجتان لأولاد عمه أبو لهب .
فأمرته زوجته "حمالة الحطب " بأن يطلق البنتين فقاما بتطليقهما فورا.
وكان زوج إبنته الكبيرة زينب "ابو العاص" في تجارته للشام .
رجع من سفره فذهبت قريش كلها إلى "أبي العاص" لكي يقنعوه أن يطلق زينب .
"من باب التضييق على النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربته"
فقال أبو العاص : لا ورب هذه البنية "أي الكعبة" لا افارق صاحبتي .
فليس بيني وبينها ما يدعو ذلك . ولم أرى من محمد إلا خيراً .
أنا لست على دينه ولكني لا افارق ابنته.
فقالوا له : فارقها ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت.
قال : لا والله .
وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش .
"عندي زينب بنساء قريش كلها"
ورجع لبيته فوجد في استقباله زوجته وحبيبته "زينب وأولاده علي وبنته أمامة "
فحمل أولاده واقترب من زينب وابتسم وقال لها : لاعليك لن ينال مما بيننا يا زينب أن تكوني على دينك وأثبت أنا على ديني .
تمسك بزينب من شدة حبه لها .
فلما هاجر النبي ﷺ وهي مؤمنة تتبع دين أبيها أمسكها ومنعها من الهجرة "محبة بها"
ولما هاجرت بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل البيت امتنع أبو العاص أن يأذن لزينب رضي الله عنها بالهجرة فبقيت في مكة.
ولما كانت بدر خرج مع قومه مكرهاً فوقع بالأسر.
فرآه النبي ﷺ بين الأسرى وهو يعرف حسن مصاهرته.
"ولكن سيف الميزان والعدل قائم"
"مرحباً بصهرنا .ولكن كان قد سل سيفه علينا"
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يفدي نفسه .
فأرسل إلى قريش يطلب فداء نفسه.
وصل الخبر إلى زينب رضي الله عنها.
دخلت عليها عمتها عاتكة تخبرها بانتصار أبيها في بدر فسجدت شكراً لله تعالى.
ثم سألت عمتها وماذا فعل زوجي ؟
فقالت لها لم يقتل زوجك ولكنه أسير ويطلب الفداء .
فقامت زينب رضي الله عنها على الفور وجمعت ما معها من مال فلم يكفي للفداء
فنزعت قلادتها من عنقها و وضعتها على المال .
"وهذه القلادة لها تاريخ وقصة"
زينب كانت أول بنت لرسول الله تتزوج قبل نزول الوحي .
أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها صاحبة التجارة التي اتجر لها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها وسيدة قريش .
فلما تزوجت بنتها "اعتبرتها مناسبة جميلة وجليلة"
فلما أرادت أن تزف العروس لزوجها "مثل أي أم بنتها الكبيرة و أول فرحة ستتزوج بنتها" لم تجد أكرم من أن تنزع قلادتها من عنقها وتلبسها لبنتها العروس.
والنبي ﷺ يعرف قلادة خديجة رضي الله عنها.
وخديجة أحب الزوجات إلى قلبه ﷺ .
فلما جاء المرسال ليفدي أبا العاص وضع المال بين يدي النبي ﷺ فداء لأبي العاص بن ربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
نظر النبي صلى الله عليه وسلم في المال فوقع نظره على قلادة خديجة رضي الله عنها
فخفق قلبه ﷺ .
أي أب سيعرف هذه المشاعر وجد صورة إبنته وزوجته بهذه القلادة"
تذكر محبته وشوقه لخديجة رضي الله عنها .
تذكر خديجة رضي الله عنها كيف كانت مسرورة بزواج بنتها عندما أعطتها القلادة.
فلم يملك نفسه ﷺ فبكى وذرفت عينه الدموع شوقاً لخديجة أولاً
وتذكر بنته زينب وكيف معزة الزوجة للزوج لم ترسل رسالة لأبيها تستشفع لأبي العاص .
"يجري عليها ما يجري على الجميع"
فلما ذرفت عين النبي صلى الله عليه وسلم سأله أصحابه رضي الله عنهم : ما يبكيك يا رسول الله ؟
فكفكف دمعه بكم قميصه
وقال : لقد تذكرت هذه القلادة لأمكم الأولى خديجة رضي الله عنها ألبستها لزينب ليلة زفافها.
فقالوا : ماذا ترى يا رسول الله ؟؟
قال : إن شئتم فاقبلوا الفداء .
وإن شئتم اطلقوا زوجها وردوا عليها قلادتها.
"يعني خذوا باقي المال وخلوا القلادة إذا أردتم "
فقال الصحابة رضي الله عنهم نفعل يا رسول الله.
فأطلقوه وحملوه القلادة هدية لزينب رضي الله عنها.
وقبل أن ينطلق استوقفه النبي ﷺ .
وقال له :يا أبا العاص
لقد فرق الله بين المؤمنين والكافرين
فزينب لا تحل لك زوجة بعد اليوم فإذا بلغت مكة فأرسلها إلينا فقال له : نعم
ثم استدار عائدآ إلى مكة وهو لا يدري كيف يرجع زينب وهو لا يستطيع أن يفارقها .
خرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة.
فلما رآها قال لها بألم : يا زينب عودي إلى أبيك .
ثم جهز لها زادها وراحلتها
وأخبرها بأن رسل أبيها ينتظرونها غير بعيد عن مكة.
فلقد أرسل رسول الله ﷺ زيد بن حارثة ورجل من الأنصار ليصطحبوها للمدينة .
ومن شدة حبه لها لم يتمالك نفسه بأن يوصلها إلى أطراف البادية ويودعها .
فطلب من أخوه عمرو أن يرافقها ويسلمها في أطراف البادية لزيد بن حارثة .
وقال لأخيه :يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحب أن لي امرأه من قريش غيرها .
وإنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها .
فاصحبها عني إلى طرف البادية حيث ينتظر رسولا محمد صلى الله عليه وسلم.
وارفق بها في السفر وارعها رعاية الحرمات.
وإياك أن يقترب منها أحد.
تنكب أخوه عمرو قوسه وحمل كنانته وجعل زينب في هودجها .
وخرج بها من مكة جهارآ نهاراً على مرأى من قريش .
فهاج القوم وماجوا ولحقوا بهما حتى أدركوهما غير بعيد .
خافت زينب رضي الله عنها وفزعت من قريش .
فوقف عمرو وأخذ سهمه وقوسه.
وقال : والله لا يدنو رجل منها إلا وضعت سهماً في نحره .
"وكان راميا لا يخطئ له سهم"
فأقبل عليه أبو سفيان بن حرب سيد قريش
وقال له : يا بن أخي .
كف عنا نبلك حتى نكلمك
"يعني نزل سلاحك حتى نعرف نتكلم معك"
فكف عنهم :
فقال له أبو سفيان : إنك لم تصب فيما صنعت
فلقد خرجت بزينب علانية على رؤوس الناس وعيوننا ترى .
وقد عرفت العرب جميعها أمر نكبتنا في بدر وما أصابنا على يدي أبيها. صلى الله عليه وسلم.
"يعني الناس في مكة تبكي وتنوح على قتلى بدر وأنت خرجت أمامهم بزينب بنت محمد عدوهم راعي مشاعرهم يا أخي.
فإذا خرجت بإبنته علانية كما فعلت رمتنا القبائل بالجبن ووصفتنا بالهوان والذل.
فأرجع بها واستبقها في بيت زوجها أياما حتى إذا تحدث الناس بأننا رددناها فسلها من بين أظهرنا سراً يعني أخرجها بالسر"
وألحقها بأبيها فما لنا بحبسها عنه حاجة بعد أيام معدودات.
فرضي عمرو بذلك وأعاد زينب إلى مكة.
ثم ما لبث أن أخرجها منها ليلاً وأسلمها إلى رسل أبيها يدآ بيد كما أوصاه أخوه .
ظلت زينب ترفض الخطاب لمدة ست سنوات على أمل أن يعود إليها زوجها وأبو ولديها مسلما.
وكان أبو العاص يوما في تجارة لقريش للشام.
وعند عودته التقته سرية من المسلمين فأصابوا كل ما معهم .
وهرب هو منهم وتسلل حتى وصل إلى المدينة لبيت زينب
فلما رأته ظنت أنه قد أسلم
سألته بلهفة أجئت مسلما ؟؟
قال لها : لا بل جئت هارباً مستجيراً .
فقالت له : لا تخف مرحبًا بابن الخالة .
مرحبا بأبي علي وأمامة .
لما خرج الرسول ﷺ لصلاة الفجر .
"لم يكن يعلم أن أب العاص استجار بزينب "
فلما استوى قائما في المحراب وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره .
صرخت زينب من صفة النساء وقالت :
أيها الناس "أنا زينب بنت محمد وقد أجرت أبا العاص فأجيروه "
فلما سلم النبي ﷺ وانتهى من الصلاة.
التفت إلى الناس وقال : هل سمعتم ما سمعت ؟
قالوا : نعم يا رسول الله .
فقال ﷺ :أما والذى نفس محمد بيده .
ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم .
وصمت ﷺ فجاءت إليه زينب بنته رضي الله عنها
وقالت : يا رسول الله إن أبا العاص إن بعُد فابن الخالة .
وإن قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممته صهرا
وإن هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي .
فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده فهذا أحب إلي.
وإن أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه .
فقال الناس : بل نعطه ماله يا رسول الله
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا زينب .
ثم ذهب إليها عند بيتها
وقال لها : يا زينب أكرمي مثواه فإنه ابن خالتك وإنه أبو العيال .
ولكن لا يقربنك فإنه لا يحل لك .
فقالت : نعم يا رسول الله .
فلما ذهب لمكة وقف أمام الكعبة .
وقف أبو العاص يوزع أموال التجارة الرابحة على أصحابها .
وبعد أن فرغ
قال : يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟
فقالوا : لا .. جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما .
فنظر إليهم ورفع صوته قائلاً
إذآ فأنا : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثم رجع دخل المدينة فجراً وتوجه إلى النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
ثم قال : يا رسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب ؟ فأخذه النبي ﷺ
وقال : تعال معي .
ووقف على بيت زينب وطرق الباب .
وقال يا زينب إن ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين ؟
فأحمّر وجهها وابتسمت رضي الله عنهما .
عاش أبو العاص مع زينب عامًا بعد أن زوجه النبي صلى الله عليه وسلم إياها من جديد .
وكما قلنا كان لهما من الأولاد علي بن أبي العاص وقد توفي وهو صغير .
أما أمامة رضي الله عنها عاشت إلى خلافة معاوية رضي الله عنه .
أمامة هي التي كان النبي ﷺ يحملها أثناء الصلاة وهي طفلة صغيرة .
فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها .
كان ﷺ يحبها جداً ويعطف عليها .
وفي يوم أهدي لرسول الله ﷺ قلادة من خرز ملمعة بالذهب
ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن وأمامة بنت أبي العاص جارية صغيرة تلعب في جانب البيت بالتراب والرسول الله ﷺ ينظر إليها بحب وحنان .
ابتسم ﷺ وقال :كيف ترين هذه .
فنظرن إليها فقلن :يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب .
فقال : أرددنها إلي "احضروها لي"
فلما وضعها في ِحجره قال والله لأضعن هذه القلادة في رقبة أحب أهل البيت إلي .
تقول عائشة رضي الله عنها فأظلمت علّي الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن.
"من شدة غيرة عائشة رضي الله عنها اسودت الدنيا بعيونها خافت يحطها برقبة وحدة من زوجاته"
ولا أراهن إلا قد أصابهن مثل الذي أصابني فوجمنا جميعاً
"يعني : حتى كل زوجاته شعروا بنفس شعوري
وجمنا يعني : تجمدنا بأرضنا ننتظر النتيجة"
ثم قام بوضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص.
ُسرِي عنّا "لما وضعها برقبة أمامة ارتاحنا "
ماتت زينب رضي الله عنها وأرضاه بنت النبي ﷺ فبكاها زوجها أبو العاص بكاء شديداً .
ورغم حزن النبي ﷺ على فراق بنته أخذ يهون على أبو العاص حزنه لأنه فجع بزينب لشدة محبته لها .
وأخذ ﷺ يهون عليه ويمسح بيده الشريفة عليه
وأبو العاص يبكي ويقول
"والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب"
فمات بعد سنه من موت زينب لم يتحمل فراقها.
رضي الله عن الجميع.
وجمعنا بهم في جنات النعيم يارب يارب يارب.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة عشر بعد المائة 114
فداء الأسرى / سهيل بن عمرو .
مازلنا في حديثنا عن فداء الأسرى
وكان من بين الأسرى "سهيل بن عمرو " وكان خطيب مكة وأشدهم عدواة على الإسلام .
فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا رسول الله دعني انتزع ثنيتيه " أسنانه " حتى لا يقوم عليك خطيباً بعد اليوم .
فقال له النبي ﷺ : لا يا عمر لا أمثل بأحد فيمثل الله بي ولو كنت نبياً .
وما يدريك لعل سهيل يقف في يوم من الأيام موقفاً تشكره عليه .
وتمضي الأيام ويفتح النبي ﷺ مكة ويقول النبي ﷺ لأصحابه من لقي منكم سهيل بن عمرو في الطريق فلا يحدّ النظر إليه فإنه رجل حيي
"يعني رجل يستحي"
هذه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم في معدنه الحقيقي لا في تصرفاته الخارجية.
وتبلغ الكلمة أُذن سهيل أن الرسول ﷺ يقول لأصحابه رضي الله عنهم أن لا يحدوا النظر إليه ويصفه أنه رجل حيي.
ويخرج الناس إلى حنين بعد فتح مكة وسهيل على كفره
وعمر رضي الله عنه يقول متى أرى له موقفاً ؟
فأسلم سهيل بعد حنين وحسن إسلامه.
وجاء النبي ﷺ حاجاً حجة الوداع فكان سهيل هو الذي يقرب للنبي صلى الله عليه وسلم البدن "أي النحر"
فقرب له 63 بدنا والنبي ﷺ ينحرها بيده حتى إذا أتم 63 .
قال : قم يا علي وأتمم المئة .
حتى الآن موقف لا يشكر عليه نريد منه خطاباً كما أخبر النبي ﷺ .
ويجلس سهيل بين يدي النبي ﷺ في حجة الوداع
والحلاق يحلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم
والنبي صلى الله عليه وسلم يعطي شعره "لأبي طلحة الأنصاري " رضي الله عنه.
ويقول له : قسمه بين أصحابنا
فكان نصيب الصحابة من أخذ شعرتين وثلاث.
أما سهيل فكلما وقعت شعرة من النبي ﷺ على الأرض أخذها عن الأرض ثم قبّلها ووضعها على عينيه ثم أعطاها لأبي طلحة.
وتمضي الأيام وينتقل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى ويستخلف الصديق رضي الله عنه
وطار الخبر إلى مكة فوقف أبو سفيان الذي أعلن إسلامه قبل سهيل يحمل الناس على الردة .
فقام له " سهيل بن عمرو" متوشحاً سيفه وخطب بالناس وهو أفصح قريش .
حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ﷺ .
ثم قال :
"أما والله إني لأعلم بأن دين الله سيبلغ مشرقه ومغربه وأن الله متم نوره وأن هذا الأعور "يقصد أبو سفيان" فقعت عينه يوم حنين.
أن هذا الأعوار يعلم كما أعلم
لكن طُبع على صدره حقدهُ وكراهيته لبني هاشم .
ولقد جمع الله أمركم على خيركم ألا وهو الصديق رضي الله عنه الذي أثبت الله صحبته لنبينا بنص قرآني :
ألم تقرؤا قول الله تعالى .
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
ففاز بمعية الله ورسوله من دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فامضوا على ما أنتم عليه "أي على دين الإسلام "
فوالله الذي لا إله إلا هو ومن بعث محمداً نبياً
ما أرتد رجل في مكة إلا ضربت عنقه وسل سيفه : فأجمعت مكة كلها على الإسلام .
فالذي منع مكة من الردة سهيل بن عمرو رضي الله عنه.
وجاء الخبر للمدينة للصديق أن مكة كادت أن ترتد بإمامة أبو سفيان فحملها على الثبات "سهيل" وقام فيهم خطيباً وقال كذا وكذا وسل سيفه مهدداً بضرب عنق كل من ارتد عن الإسلام .
فنظر الصديق الى عمر
وقال : ها يا عمر ؟؟
هل جاءك خبر النبي ﷺ ؟؟
فبكى عمر رضي الله عنه وقال : أشهد أنه رسول الله حياً وميتاً
لا يا عمر لا أمثل بأحد فيمثل الله بي ولو كنت نبياً .
وما يدريك لعل سهيل يقف في يوم من الأيام موقفاً تشكره عليه .
فلو كان عمر رضي الله عنه خلع ثنيتي سهيل رضي الله عنه
فكيف سيوضح الكلام الذي جعل الناس ترتعد في مكة ؟
وكان في الأسرى "أبو عزة الشاعر"
رجل من شعراء قريش كان يؤذي المسلمين كثيراً... وقع بالأسر يوم بدر ولكنه فقير .
فنظر للنبي ﷺ وقال : يا محمد تعلم عيلتي وكثرة عيالي .
من للصبية يا محمد ؟؟
فامنن جُزيت خيراً .
فقال له النبي ﷺ : نمُن عليك شريطة ألا تحرك علينا بشعرك أبداً .
ولا تسل سفيك في وجهنا بعد اليوم أبداً .
قال : لك ذلك يا محمد .
وأقسم على ألا يستعمل لسانه ولا سيفه ضد المسلمين وذهب إلى أهله آمنا سالماً .
وذكرها يد بيضاء للنبي ﷺ وأخذ يتحدث بها في مكة.
فما أن أتم الحول حتى خرجت قريش لأخذ ثأرها يوم غزوة أحد
فكان أبو "عزة الشاعر" أول من حرك الناس بشعره ضد المسلمين وخرج إلى المعركة .
وبعد أن أختلت المعركة وليس حديثنا عن أحد الآن ولكن نتناول موطن الشاهد فقط :
في أُحد بعد أن أختل ميزان المعركة وهرب الأسرى من يد المسلمين وألقوا ما بأيديهم من غنائم وذلك لأن الرماة خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم
انقلب ميزان المعركة ولم يقع في أيدي المسلمين أي أسير .
في اليوم الثاني وما زال الصحابة يضمدون جراحهم أمر بلال أن ينادي بباب المسجد .
من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليخرج في إثر قريش .
ولا يخرج معنا إلا من كان معنا بالأمس.
فخرج الصحابة ودمائهم تنزف وبعضهم يزحف سنأتي على ذلك بالتفصيل ...
حتى سمعت بخروجه قريش فهربت سريعاً فادرك فلولهم في حمراء الأسد لأمر يريده الله
فامسك بعض أصحابه "بأبي عزة الشاعر" وهو يقضي حاجة بطرف العسكر .فأتوا به الى النبي ﷺ .
قالوا : هذا أبو عزة يا رسول الله .
فنظر النبي ﷺ إليه قال : أين عهدك يا أبا عزة ؟
ألم نمنن عليك لقاء عهداً بأن لا تحاربنا ولا تحرض علينا .
قال : معذرةً وعفواً يا محمد . أمنُن ولن أعود إليها أبداً .
قال له النبي ﷺ . لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعة محمداً مرتين .
لا يُلْدَغُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ مَرّتَين .
اضرب عنقه يا علي فضرب عنقه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر بعد المائة 115
محاولة قتل النبي ﷺ أثناء فداء الأسرى .
من الأحداث التي وقعت بعد معركة بدر أيضاً .
أثناء فداء الأسرى ونختم بها حديثنا عن بدر.....
هي محاولة قتل النبي ﷺ .
عمير بن وهب .
من أشد قريش عداوة للإسلام وكان من أشدهم إيذاءاً للمسلمين وللرسول ﷺ قبل الهجرة .
وقد اشترك "عمير بن وهب" في بدر واشترك كذلك ابنه "وهب بن عمير بن بن وهب"
وكانت هزيمة لقريش وهرب "عمير بن وهب" عائدا إلى مكة .
بينما وقع إبنه "وهب بن عمير" في الأسر .
"عمير بن وهب" يعرف في قريش بلقب "شيطان قريش"
"يعني ماعجزت عنه قريش كلها يمكن أن يدبره "عمير بن وهب"
وهو الذي جال بفرسه يوم بدر فحزر عدد المسلمين فقال 300 ينقصون قليلاً أو يزيدون قليلاً فكانوا 313.
"عمير بن وهب" في مكة حزين مهموم بعد بدر .
ذهب للكعبة فوجد صديقه يجلس في حجر الكعبة
اسمه "صفوان بن أمية"
"صفوان بن أمية" أبوه قتيل في بدر "أمية بن خلف"
وهو الذي انتفخ سريعاً وتفسخ بالدرع فلم يستطيعوا أن يحملوه .
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بردمه في مكانه فردموه بالحجارة والتراب.
إبنه صفوان كان من الفارين الناجين يوم بدر وقد رأى مصرع أبيه.
جلس "عمير بن وهب" مع صديقه "صفوان بن أمية" في حجر الكعبة يتحدثون عن مصابهم في بدر .
وكان أبوصفوان وأخوه قد قتلا في بدر .
فقال صفوان بن أمية والله ما في العيش بعدهم خير .
فقال عمير : صدقت والله .
أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضَّيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله .
فإن لي عنده أسير اتحجج به وأقتل محمد غيلة بين أصحابه.
فأنتهزها صفوان قال : أي عمير .
دينك على وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم فانفذ ما تقول.
قال : إذن اكتم علي !!
فقال : قد فعلت!!
فتعاهدا عند الكعبة على ألا يعلم بحديثهم ثالث أبداً.
فانصرف "صفوان" وقام "عمير بن وهب" فوراً إلى داره فأتى غرفة واختلى بها "معزولة"
جهز "عمير بن وهب" سيفه وشحذه وسمَّه .
اي جهز سيفه وسقاه السم حتى إذ لم يكن قاتل وجرح النبي ﷺ سرى السم في النبي صلى الله عليه وسلم فمات بعد أيام.
وتوشح سيفه وركب دابته ثم انطلق حتى قدم المدينة وأناخ راحلته على باب المسجد وهو متقلد سيفه .
فرآه "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه.
عمر رضي الله عنه صاحب الفراسة الكاملة .
النبي ﷺ يقول اتقوا فراسة المؤمن . فإنه ينظر بنور الله .
فكيف بفراسة عمر رضي الله عنه
نظر عمر رضي الله عنه في عمير فقال لمن حوله : هذا شيطان قريش .
والله ما جاء إلا لشر .
قالوا : يا عمر إن له أسيرا !!
قال : والله ما لهذا قدم !!
فدخل عمر رضي الله عنه على النبي ﷺ وقال له : يا رسول الله هذا "عمير بن وهب" شيطان قريش ينيخ بباب المسجد .
قال : ادخله علي يا عمر .
فجاء عمر رضي الله عنه إلى عمير وقال : ما الذي جاء بك ؟؟
قال : جئت في هذا الأسير الذي عندكم لعلكم تحسنون فيه .
فأمسك به عمر رضي الله عنه وأخذ منه سيفه وعلقه في عنقه
وجذبه عمر جذبة شديدة ودخل به إلى المسجد.....
وأدخله على رسول الله ﷺ بهذه الهيئة فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم متمكن منه
قال : أرسله يا عمر ادنو يا عمير
فلما اقترب عمير قال : أنعم صباحا .
"وكانت هذه تحية أهل الجاهلية"
فقال له النبي ﷺ قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة .
ثم قال له النبي ﷺ ما جاء بك يا عمير ؟
قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه .
قال ﷺ بل اصدقني يا عمير لماذا جئت ؟
قال : ما جئت لغير هذا .
قال ﷺ فما بال السيف الذي في عنقك ؟
قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا بالأمس شيئاً "أي ببدر" إنه سلاح المسافر .
فنهض النبي ﷺ على ركبتيه وجذبه من ثيابه
ورضه على الأرض على ركبتيه .
وصاح به وقال . اجلس امامي واصدقني لما جئت ؟
قال : ما جئت يا محمد إلا لهذا .
قال : بل أنا اخبرك بما جئت .
بل قعدت أنت و "صفوان بن أمية" في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش .
ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا .
فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك.
"أعاد عليه ﷺ الكلام و كأنه كان جالساً معهم"
فقال عمير : أشهد أنك رسول الله لقد كنا نكذبك يا رسول الله
بالخبر يأتي من السماء لاننا لا نعرفه .
أما هذا فوالله الذي لا إله غيره ، ما اطلع عليه ثالث.
ما كنت غير أنا وصفوان فمن أنبأك به إلا الله فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدره
وقال : فقهوا أخاكم في دينه واطلقوا له أسيره .
ذهب "عمير بن وهب" مع الصحابة رضي الله عنهم وعلموه الصلاة والقرآن .
ثم ذهب "عمير بن وهب" إلى النبي ﷺ وقال : يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله .
فأذن لي يا رسول الله أن أقدم مكة وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم .
وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم .
فاذن له النبي ﷺ فانطلق إلى مكة .
وهكذا أصبح "عمير بن وهب" هو الحالة الوحيدة والمسلم الوحيد الذي أذن له ﷺ أن يظل في مكة بعد الهجرة.
وفي مكة كان "صفوان بن أمية" الذي اتفق مع "عمير بن وهب" على قتل رسول الله يقول لأهل مكة أبشروا بوقعة تأتيكم في أيام تنسيكم وقعة بدر.
وكان "صفوان" يسأل الركبان عن "عمير بن وهب" حتى قدم راكب
وأخبره عن إسلام "عمير بن وهب" فأنصعق صفوان .
ووصل "عمير بن وهب" إلى مكة وأخذ يدعو إلى الإسلام
كان رجل قوي شجاع وقبيلته قوية لذلك لا أحد يقربه .
وأسلم على يده الكثير من قريش، وظل كذلك حتى فتح مكة فأسلم على يده بعد فتح مكة صديقه القديم "صفوان بن أمية" رضي الله عنهم أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
.[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة عشر بعد المائة 116
غزوة بني قينقاع / كاملة .
انتهينا بفضل الله تعالى من الحديث عن غزوة بدر .
بدر التي سماها الله تعالى في القرآن العظيم يوم الفرقان لأن الله تعالى فرق بها بين الحق والباطل...
ولأنها فرقت بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية
1- مرحلة الدعوة الإسلامية قبل بدر .
2- مرحلة الدعوة الإسلامية بعد بدر .
وهناك فرق كبير بين حال المسلمين في المرحلة ما قبل بدر وبعدها وكان من نتائج بدر أن أصبح للدولة الإسلامية هيبة كبيرة في قلوب العرب .
لأن قريش التي هزمها المسلمون هي واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية .
كما أنها رفعت جداً من الروح المعنوية للمسلمين سواء الذين شاركوا في المعركة أم لم يشاركوا .
وامتدت آثار "معركة بدر" للمدينة إن آثار هذا النصر في بدر الذي فرح به المسلمون انعكس على غيرهم ألماً وغمة وقهر.
أنسيتم أن من يجاوره في المدينة "المغضوب عليهم يهود" .
وهكذا شغلوا المدينة بكفرهم وغطرستهم ونقضّهم للعهود .
لم ننسى أن النبي ﷺ عندما هاجر ورآهم يسكنون المدينة ثلاثة قبائل .
بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة جعل بينه ﷺ وبينهم عهد .
فبيّن لهم حقوقهم وأعلّمهم بواجباتهم ولكن :
عهود ويهود ضدان لا يجتمعان أبداً أبداً منذ أن خلقهم الله إلى أن تقوم الساعة .
كتب النبي ﷺ بينه وبينهم عهداً
وماهي إلا أول فرصة لم يستطيعوا كتمها أبداً هو نصر المؤمنين في بدر وهزيمة المشركين وكأن شيئآ أصابهم في سويدة قلوبهم .
لا يحبون محمداً إطلاقاً .
قد قال أحبارهم منذ الساعة الأولى أول دخوله للمدينة أنهم لن يؤمنوا به أبداً .
وهم يعلمون أنه هو عندما قال "حيي بن أخطب" لأخيه ياسر :
عندما سأله اخوه .. أهو ؟؟؟
قال : أجل هو ، هو وربِ موسى إنه هو وإني أعرفه أكثر من ابنتي هذه .
قال ياسر : ما موقفك منه ؟؟
قال حيي بن أخطب : عداوته ما حييت قال ياسر : لماذا ؟؟
قال حيي : لما يبعثه من العرب .
ولكن بمعاهدة ألزموا أنفسهم على مضض .
فما أن جاءت أول مناسبة يعلو بها كعب المسلمين ويذل بها قريش والمشركين كشفوا النقاب عن حقيقتهم بأنهم يكرهون هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
يكرهون لا يحبونه ولن يسالموه أبداً
فأخذوا ينالون من المسلمين في الأسواق بألسنتهم ويلمزون ذماً بالنبي ﷺ على أسماعهم ويتألمون على قتلى قريش ويضيقون سبل المعيشة على المسلمين فكانوا مثلاً : لايؤدون للمسلمين الأموال التي لهم و الدخول في مصادمات لا تنتهي مع المسلمين وإثارة الشائعات المغرضة المدمرة .
ومحاولة الوقيعة بين المسلمين .
شيخ يهودي اسمه "شاس بن قيس" مر بنفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه .
فغاظه جداً ما وجده من ألفتهم وجماعتهم
"وقد ذكرت من قبل لكم كيف كان اليهود قبل الإسلام يشعلون الفتنة بين أولاد العم كل فترة
فهم جنود إبليس في الأرض منذ أن خلقهم الله أهل فتنة وخبث .
لم يعجبه هذا الإجتماع فجلس إليهم "شاس بن قيس" وأخذ يذكرهم بيوم "بعاث"
سأذكر قصة يوم بعاث في الحلقة القادمة .. إن شاء الله تعالى
"وهي آخر حرب وقعت بين الأوس والخزرج وكانت أشهر وأدمى حروبهم وقد وقعت قبل الهجرة بخمس سنوات فقط "
أخذ الصحابة يذكرون تلك الحرب وذكروا بعض الشعر عن ذلك اليوم فاشتد النقاش وأخذتهم الحمية فغضب الفريقين الأوس والخزرج وقالوا الحرب بيننا :
وانصرف كل فريق ليستعد للحرب
فلما وقفوا مستعدين للقتال وقد بلغ النبي ﷺ ذلك فقام مسرعاً إليهم مغضباً ووقف بين الفريقين ورفع يديه باعد بينهما .
وقال يا معشر المسلمين ، الله الله . أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟
بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم .
ثم تركهم ومشى ﷺ مغضباً
فلما رأوا رسول الله ﷺ وسمعوا كلامه بكى الصحابة رضي الله عنهم من الأوس والخزرج ندماً .
وارتفع صوتهم بالبكاء وقاموا وتعانقوا.
فعلم النبي ﷺ من فعل يهود أنهم يريدون غدراً واحتار في أمرهم لأن بينه وبينهم عهود .
وهو خير من وفىَّ بعهد وأصدق من نطق بكلمة صلى الله عليه وسلم... فبينه وبينهم عهود
فماذا يقول لهم والمدينة المنورة الآن في أمس الحاجة للإستقرار الداخلي
صحيح بعد معركة بدر رفعت هيبة المسلمين في الجزيرة
ولكن في نفس الوقت لفتت أنظار القبائل العربية كلها بأن قوة صاعدة بدأت تظهر .
وهذا يخيف القبائل العربية ويجعلهم يتربصون بالمدينة والمسلمون ويكيدون لهم
فلذلك المدينة المنورة في هذه الفترة بحاجة للأستقرار داخلي أكثر من أي وقت .
فالأوضاع التي كانت في المدينة وحولها لا تحتمل ما يفعله اليهود من خبث وفتنة .
والنبي ﷺ "قائد" .
وهو يعلم أن القائد لا يتجاهل مشاكل بلده بل من واجبه حل جميع المشاكل.....
لأن تجاهل المشكلة لايحلها وإنما يجعلها تكبر وتتفاقم .
فأخذ ﷺ يفكر بحل هذه المشكلة معهم واحتار في أمرهم
فأنزل الله عز وجل :
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ .
"متخوف من غدرهم يا رسول الله وخيانتهم اجمعهم وانبذ إليهم عهدهم علناً أمام الجميع بعد أن تحاججهم .
فأرسل ﷺ إلى سادتهم أن اجتمعوا في سوقكم المعروف في بني قينقاع وكانت بني قينقاع بالذات تسكن وسط المدينة
اما بني النضير وبني قريظة ففي أطرافها.
وكانت قينقاع أكثر القبائل جهراً لعداوة المسلمين وكانوا يملكون أسواقها
وهم أشجع يهود "يعني رجال حرب " وأكثرهم عدد وعدة وأكثرهم ملكاً للمال .
وكانوا يملكون سوق الذهب في المدينة المنورة.
فأرسل إليهم النبي ﷺ أن اجمعوا لي ساداتكم ووجهاءكم في سوقكم.
فأجتمعوا فقدم إليهم النبي ﷺ
ملخص الحوار : حياهم بأدب واحترام وتقدير...
وذكر لهم الإساءة من بعضهم بأنه قد بلغني أن بعضكم يلمزونا ويستفز المؤمنين ويتأسف على قتلى قريش في بدر .
وهذا ليس عهدنا بيننا وبينكم
إنما عهدنا أن تكونوا معنا لا علينا فمدينتنا واحدة .
فما راعه ﷺ إلا تجهمت وجهوهم وقالوا له بلسان فظ غليظ وسوء أدب
قالوا : يا محمد أرأيتنا مثل قومك ؟
"يعني وهل نحن مثل قريش"
لا يغرنك أنك لقيت قوم لا علم لهم بالحرب.
والله لإن حاربناك لتعلمن أنا نحن أهل الحلقة :
يعني أهل السلاح والعدد والعدة.
فأنزل الله تعالى :
قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ♡ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ .
تلى عليهم الآيات
وقال يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريش ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم .
فقاموا من مجلسه وتركوه يتكلم
هل رأيتم أخلاق المغضوب عليهم
قاموا وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم : يتكلم بمعنى أننا لا نسمع لك والعداء قائم بيننا وبينك.
فحذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون منهم وأمرهم أن يأخذوا حذرهم من بني قينقاع .
وإذا أراد الله جل في علاه أمر فلا مرد له وهيئ له الأسباب
"إنه الله العلي الكبير المتعال ، جل في علاه.
في اليوم الثاني مباشرة :
تأتي إمراة مسلمة إلى سوقهم "سوق الصاغة" تريد أن تبيع أو تشتري .
فجلست عند دكان صائغ فأخذوا يهزؤون بها و بلباسها
"لأن لباسها محتشم"
وأخذوا يراودونها عن نفسها
وقام الصائغ بغفلة منها وهي جالسة فشكل ثوبها بشوكة إلى بين كتفيها .
[[لأن لباس المراة العربية قديما له أطراف وثنيات كثيرة شكل ثوبها من الذيل بين كتفيها .
حتى إذا رأت منه سوء قامت مغضبة فلما قامت واقفة انكشفت عورتها فضحكوا منها بصوت مسموع .
فانتبهت لنفسها وسدلت ثوبها ثم صاحت بأعلى صوتها وااا ذُلاه
فسمعها رجل مسلم من الأنصار فأنقض بسيفه على الصائغ فقسمه نصفين.
فتجمع اليهود وتكاثروا على المسلم "لأنه سوقهم فقتلوه"
كان اليهود يريدون بذلك إهانة المسلمين في شخص هذه المرأة المسلمة.
كانت جريمة كشف عورة المرأة المسلمة واهانتها ثم قتل المسلم هي القشة التي قسمت ظهر البعير.
وصل الخبر إلى النبي ﷺ فأخذ قراراً سريعاً وحاسماً وهو ضرورة قتال يهود بني قينُقاع .
مباشرة من غير أن يستنكر أو يدين .
صدر الأمر منه ﷺ فنادى في المسلمين لحصار اليهود فتحصنوا في حصونهم وهذا وصفهم ولا يزال :
لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ .
ما أن سمعوا أن محمداً جمع رجاله أغلقوا أبوابهم ودخلوا حصونهم .
مع أن عدد المقاتلين من بني قينقاع 700 مقاتل .
فأمر النبي ﷺ بمحاصرتهم أن لا يصل لهم ماء ولا طعام ولا يخرج رجل منهم إلا قتل .
واستمر هذا الحصار اسبوعين .
وقذف الله تعالى في قلوب اليهود الرعب فاستسلموا
وكانت شروط الإستسلام هي أن ينزلوا على حكم الرسول ﷺ
في لغتنا اليوم : استسلام بلا قيد ولا شرط
هكذا استسلم يهود "بني قينقاع" فأمر النبي ﷺ بتكتيفهم .
وكان قرار النبي ﷺ هو قتل جميع الرجال المحاربين .
ليس عقاباً لهم على هتك عرض المرأة المسلمة واهانتها .
ولا لقتل هذا الرجل المسلم فقط
لا : فلو كان الأمر كذلك لكان القصاص رجل أمام رجل .
ولكن لأنهم
أولاً : نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين الرسول ﷺ .
ولأن كراهيتهم وعدواتهم وحربهم للمسلمين لن تتوقف والرسول ﷺ يريد أن يحقق الإستقرار للدولة الاسلامية .
وكان حلفائهم رجلان من الأنصار
واحد مسلم والاخر منافق خسيس.
أما الصحابي الجليل "عبادة بن الصامت" رضي الله عنه.
قال : يارسول الله إنهم حلفائي قبل الإسلام .
وإني أبرأ إلى الله ورسوله منهم ومن حلفهم فاصنع بهم ما شئت و لا عهد بيني وبينهم .
اما المنافق "عبدالله بن أبي سلول" هذا المنافق والذي كان قد تظاهر بدخول الإسلام قبل هذا الموقف بأيام قليلة .
جاء وتحدث إلى النبي ﷺ بفظاظة وقال له : يا محمد
"لم يقل له يارسول الله ."
"ساعة الغضب كما يقال تكشف الحقائق ."
"لم يملك نفسه أن يقول يارسول الله ، قال يا محمد
وراع المسلمين ذلك ."
فأعرض عنه النبي ﷺ
يا محمد : أحسن في موالي .
فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية
وتركه النبي صلى الله يتكلم ومشى
فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمسك به من جيب درعه يجذبه إليه....
فغضب النبي ﷺ حتى أحمر وجهه
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرسلني "أتركني"
قال . لا ... لا أرسلك .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم ويحك أرسلني .
قال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي .
"أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في ساعة واحدة"
لا والله لا أرسلك حتى تعطيني عهداً لا تقتل منهم رجلاً واحدا.
فنفض الرسول ﷺ يده من نفسه .
وقال له : هم لك ..ولكن لا يجاوروني في مدينتي أبداً.
وأرسل إليهم عبادة بن الصامت أن انزلوا على حكم رسول الله خير لكم :
تخرجوامن المدينة فقط بأنفسكم وأهليكم لا مال ولاسلاح .
فتركوا ديارهم وخرجوا إلى إذرع في جنوب سوريا.
"تسمى الآن حوران"
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
.*
الغريب
06-30-2022, 06:23 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة عشر بعد المائة 117
بعاث أو يوم بعاث .
هي آخر معركة من معارك الأوس والخزرج بيثرب قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
وبُعاث "بضم الباء" وقعت قبل الهجرة بخمس سنوات وتُعد أشهر وأدمى معركة بين اليثربيين وآخرها .
وقد أخذت بهم الأحقاد والضغون إلى أن أخذوا يستعدون لها ويعدون قبل شهرين وقيل 40 يوماً من وقعتها.
حالف الخزرج أشجع و جهينة
وحالف الأوس مزينة وقبائل اليهود بني قريظة وبنو النضير وغيرهم .
وسميت المعركة ببعاث نسبةً للمنطقة التي تصادم بها الحشدان وقامت عليها الحرب .
سبب المعركة .
كانت يثرب تموج بحروب لا بداية لها ولانهاية بين الأوس والخزرج .
فكان في نفوسهم الشيء الكثير من الثارات والاحتقانات .
وكان يوم بُعاث خاتمة لهذه الحروب الأهلية التي أنهكتهم لسنين مديدة .
كانت بدايات واقعة بُعاث أن علمت الخزرج أن بني قريظة و بني النضير يعاونون الأوس في معاركهم .
فبعثوا لهم رسالة يعمها التهديد والتخويف وتأليب من هم أقوى منهم عليهم من العرب وطلبوا منهم أن يعتزلوا ويخلوا بينهم وبين الأوس فلا يشركون أنفسهم في ما ليس لهم .
فلما بلغ اليهود ذلك ردوا على الخزرج أن الأوس فعلاً قد طلبوا نُصرتهم لكنهم لن يفعلوا .
فطلب الخزرج حينها من اليهود "النضير وبني قريظة" رهائن تكون معهم ليأمنوا حربهم .
فأرسل لهم اليهود أربعين غلاماً من غلمانهم إلى الخزرج .
في أحد الأيام قام عمرو بن النعمان البياضي إلى قومه الخزرج وأطمعهم في أراضي النضير وبني قريظة وما تحويه من ماء ونخيل وما عليه أرضهم من سبخة لا تُسكن ولا تُطاق .
ثم كتب إلى قريظة والنضير يطالبهم بأن يخلوا بينهم وبين ديارهم أو قتل الرهائن .
فعزم بنو قريظة والنضير على الجلاء والخروج .
إلا أن كعب بن أسد القرضي قال "يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الرهن والله ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتى يولد له غلام مثل أحد الرهن"
فما كان من القوم إلا أن وافقهوه رأيه وراسلوا عمرو بأنهم رفضوا تسليم منازلهم .
فقام عمرو وبعض مُطيعيه من الخزرج فقتلوا الرهن !
لم يرضى هذه الفعلة عبد الله بن أبي بن سلول .
فقال "هذا عقوق ومأثم وبغي فلست معينا عليه ولا أحد من قومي أطاعني"
وبعد هذه الحادثة وبنفس اليوم تقاتل الأوس مع الخزرج قتالاً يسيراً .
ثم أرسل بني النضير وبني قريظة إلى الأوس بالقتال معهم ونصرتهم على الخزرج كما حالفتهم بنو ثعلبة وبنو زعوراء .
وأجمعوا أمرهم على القتال .
الإستعداد للقتال .
بعد وقعة قتل غلمان اليهود "الرهائن" من قِبل عمرو بن النعمان وبعض مطاوعيه من الخزرجيين .
لم يتوانى بنو النضير وبنو قريظة عن إعلان مُحاربة الخزرج يداً بيد مع الأوس .
واشتغل الأوس لفترة طويلة تجاوزت الأربعين يوماً بتجميع الحلفاء .
فانضمت لهم قبائل من بنو ثعلبة " من غسان "
وبني زعوراء " من غسان "
وجدوا في عزمهم على قتال الخزرج وتسلحوا وتجهزوا وأعدوا للقتال عُدته .
بلغ هذا الخبر الفظيع الخزرج
فقام عمرو بن النعمان
و عمرو بن الجموح السلمي إلى عبد الله بن أبي بن سلول وكلموه بالقتال .
لكن "عبد الله بن أبي" خالفهم ووبخهم لأفعالهم وبغيهم .
فرد عليه عمرو بن النعمان "انتفخ والله سحرك يا أبا الحارث حين بلغك حلف الأوس قريظة والنضير"
فقال عبد الله بن أبي بن سلول "والله لا حضرتكم أبداً ولا أحد أطاعني أبداً ولكأني أنظر إليك قتيلا تحملك أربعة في عباءة "
وتخلف عبد الله بن أُبي عن القتال هو ورجال من الخزرج على رأسهم عمرو بن الجموح . فما كان من الخزرج إلا تولية عمرو بن النعمان البياضي قائداً لهم بهذه الحرب وبدأوا بتجميع الحُلفاء ومراسلتهم . فراسلوا جهينة و أشجع فجاوبوه
وهكذا بدأ الفريقان يحشدان الجموع ويؤلبان الأنصار لليوم المزمع الموعود .
يوم بُعاث .
بعد الإستعداد الطويل لهذا اليوم المُرتقب و تجلي الخوف السائد للطرفين وازدياد الإحتقان المُتصاعد .
احتشد الطرفان في بُعاث وهي منطقة لبني قريظة وما لبثا حتى التقيا .
ودارت رحى المعركة فانكسر الأوس عندما اشتد وطيس المعركة ولم يقاوموا فانهزموا هزيمة واضحة ولاذوا بالفرار .
إلا أن قائدهم حضير الكتائب قام بطعن قدمه بالرمح وصاح بأعلى صوته :
"واعقراه كعقر الجمل .
والله لا أعود حتى أقتل .
فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا "
وعندما سمعوا صوته عطفوا عليه عطفة رجل واحد واستعرت الحرب واشتد سعيرها فقلب الأوس الحال رأساً على عقب .
وقُتل عمرو بن النعمان "رئيس الخزرج" بسهم لا يُعرف له رامٍ .
وحُمل ملفوفاً بعباءة يحمله أربعة وعبد الله بن أبي بن سلول ينظر فيه من بعيد ويقول :
"ذق وبال البغي"
فكان كُل ما قاله ابن أبي قبل المعركة قد وقع .
وها هو الآن يرى عَمْراً محمولاً على الأكتاف كما أخبره من قبل .
وليس إلا وقت قليل وينهزم الخزرج هزيمة نكراء والأوس من خلفهم بالسلاح لا تأخذهم بهم رحمة .
فصاح أحد الأوس :
يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب
ومع هذا الصوت توقفوا عن قتلهم وسلبهم.
ومات "حضير" قائد الأوس فيما كان قومه يحملونه .
بعد بعاث .
كانت هذه الحروب الأهلية قد أنهكت اليثربيين أوسهم وخزرجهم .
وبعد يوم بعاث قرر عقلاء الطرفين وضع حد لهذه الحال فاتفقوا على تنصيب رجل واحد منهم يقبله الطرفان .
فوقع الاختيار على "عبد الله بن أبي بن سلول "
وفيما كانا يُجهزان له ملكه حدثت بيعة العقبةالأولى والثانية
ودخل الإسلام يثرب ثم هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم
فزال مُلك "عبد الله بن أبي بن سلول" قبل أن يهنأ به ولو ليوم واحد . فعاش عبد الله بن أبي بن سلول تحت سيادة النبي صلى الله عليه وسلم كأكبر منافق ومعادٍ للنبي صلى الله عليه وسلم عرفه التاريخ الإسلامي .
والسبب في هذا واضحٌ
فهو كان يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد انتزعه ملكه الذي كان يُجهز له .
وكان يوم بعاث نهاية لحروب يثرب بين الأوس والخزرج .
حيث أنهم اصطلحوا على ايقاف الحرب ثم دخلوا في الإسلام جميعاً وأصبحت سيوفهم تُسل على عدو واحد دفاعاً عن عقيدتهم ودينهم.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة عشر بعد المائة 118
زواج علي من فاطمة بنت رسول الله ﷺ .
الجزء الأول .
فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ﷺ .
ولدت كما جاء معنا أثناء تجديد بناء الكعبة .
ولدت قبل البعثة بخمس سنين فكان عمر النبي ﷺ 35 عام .
ونحن الآن في بداية السنة الثانية من الهجرة .
عمرها تقريباً 19 عام رضي الله عنها .
السيدة فاطمة رضي الله عنها هي أصغر بنات الرسول ﷺ .
كانت مثل أبيها تماماً ﷺ معروفة بالصدق الشديد .
تقول عنها السيدة عائشة رضي الله عنهما :
{ ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها }
كانت رضي الله عنها شديدة الحياء لدرجة أنها كانت تخشى أن يصفها الكفن بعد الموت .
فطلبت أن يوضع جثمانها بعد موتها في نعش .
فكانت أول من استعمل النعش من المسلمين .
وهي رضي الله عنها من خير نساء العالمين لقوله ﷺ :
خير نساء العالمين أربع .
مريم بنت عمران . وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون .
وخديجة بنت خويلد . وفاطمة بنت محمد .
وفي الحديث عندالبخاري ومسلم رحمهما الله :
أنها سيدة نساء هذه الأمة .
وكان يقول عنها ﷺ : فاطمة أم أبيها .
لأنها كانت شديدة الرعاية للرسول ﷺ والسهر لخدمته وكأنها أمه.
كانت تشبه رسول الله ﷺ كثيرا حتى في مشيتها.
كانت أشبه الناس خلقاً وخُلقاً بأبيها ﷺ .
تقول عائشة رضي الله عنها :
كانت إذا أقبلت على رسول الله تمشي مشيته دون تكلف كأنما الذي يمشي أمامنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن نظر لوجهها فكأنما ينظر في وجه رسول الله ﷺ .
حتى بعد وفاة النبي ﷺ بأيام وقد خفت موجة الحزن شيئاً ما عن الصحابة رضي الله عنهم إلا عند فاطمة رضي الله عنها
تقول عائشة : فأردنا أن نسليها عن هذا الحزن فقلنا لها : يا أم الحسن لقد اشتهينا مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نراه إلا فيك.
فقامت فاطمة رضي الله عنها ومشتها وهي تشهق وتبكي .
فلما رأيناها وكأنها رسول الله ﷺ يمشي أمامهم بكين جميعاً .
لم تجف لها دمعة بعد موت أبيها على فراقه صلى الله عليه وسلم حتى لحقت به بعد أشهر يسيره قيل أربعة أشهر رضي الله عنها وأرضاه .
الأحداث التي أحاطت بالنبي ﷺ وصحابته رضي الله عنهم لم تكن تسمح " لخطبة أو زواج "
لاسيما ورحيل أمها خديجة رضي الله عنها لم يترك مجال لها .
فكانت "السيدة فاطمة" تعتني بخدمة أبيها
فكان يلقبها النبي ﷺ كما قلنا أم أبيها لأنها تشرف على خدمته .
أما الآن وقد أعز الله تعالى دينه واطمأنت قلوب المؤمنين بعد بدر يتقدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه : انظروا إلى فارق السن عمر أبو بكر رضي الله عنه 52 سنة يتقدم لخطبة بنت النبي ﷺ وهي عمرها 19 سنة
كان شيء معتاد عندهم .
يتقدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لخطبة فاطمة رضي الله عنها فيسكت النبي ﷺ ولا يرد على أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا بإيجاب ولا برفض .
وخير من يفهم على النبي ﷺ هم صحبه وبالأخص أبو بكر رضي الله عنه.
فاستأذن أبو بكر وخرج ولم يكلم النبي صلى الله عليه وسلم باعادة القول أبداً .
فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال : خطبت إلى رسول الله ابنته فاطمة ولم يرد علي بشي .
فقام عمر وتوجه إلى النبي ﷺ وخطب إليه ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها
ففعل النبي صلى الله عليه وسلم معه كما فعل مع الصديق ولم يرد عليه بشي .
فكانت خير رسالة وصلت للصديق والفاروق رضي الله عنهما.
فذهبا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقالا له: لقد خطبنا فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علينا بشيء فأنت أقرب الناس إليه رحماً وأنت أولى بها .
فقال علي رضي الله عنه إذا كان ردكما وأنتما شيوخ الصحابة
فماذا عسى أن يقول لي ؟
قالا له أنت غيرنا أنت منه بمكان فانطلق إليه واذكرها
قال : وماذا عندي أقدم لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يظن أن مهرها سيعدل مهر بنات المهاجرين والأنصار كلهم
هكذا كان يظن رضي الله عنه وقد كان فقيرا "
قالوا له : اذكرها ولا عليك .
فانطلق علي رضي الله عنه وهو يبلغ من العمر 21 سنة .
فسلم وجلس إلى النبي ﷺ على استحياء ولم يتكلم .
فنظر إليه النبي ﷺ وابتسم وقال له : ما حاجة ابن أبي طالب : قال : يا رسول الله ذكرت فاطمة . وأنا ابن عمها .
فقال له النبي ﷺ . اهلاً ومرحباً
فسكت على رضي الله عنه
ولم يزد النبي ﷺ على هاتين الكلمتين اهلاً ومرحباً
فجلس على رضي الله عنه قليلاً ثم استأذن وخرج متلعثمًا لا يعرف كيف يرجع إلى الصديق والفاروق رضي الله عنهما
قالا له : ما بك ياعلي ؟
قال : ذكرتها عليه فقال اهلاً ومرحباً .
فقالا : واحدة منهما تكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد رحب بك صهراً يقول لك : اهلاً ومرحباً .
فعاد في اليوم الثاني وأخذ يتكلم علي مع سعد بن معاذ على مقربة من النبي ﷺ حتى يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم
قال يا سعد ذكرت فاطمة لرسول الله بالأمس فلم يزد على أن قال لي اهلاً ومرحباً .
فابتسم سعد وقال له : إحداهما تكفيك . لقد ارتضاك صهراً .
يقول علي رضي الله عنه فما راعني إلا ورسول الله يرفع رأسه
ويقول يا علي وماذا عندك لتقدمه لفاطمة رضي الله عنها
قلت : بأبي وأمي يارسول الله والله لا أملك شيء .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أين الدرع التي أعطيك يوم بدر . قال : هي عندي .
قال : أمهرها لفاطمة رضي الله عنها
قال . هي مهرها .
فقال عثمان رضي الله عنه : وأنا اشتريتها يارسول الله ب 480 درهم أو 500 درهم ..
وأتى عثمان بالمال و وضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الدرع.
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم شي من هذا المال بأصابعه وقال : خذ يا بلال فأشتري به طيبً للعروس .
ثم أخذ مثلها وقال لأنس بن مالك : أعطيهم لأم سلمة وقل لها تهيئ جهاز للعروس .
فماذا كان جهاز فاطمة رضي الله عنها : كان جلد كبش فراش لهما أي لفاطمة وعلي رضي الله عنهما
وقطيفة ذات خمل "يعني قماش مخمل له أهداب غطاء لهما نسميه لحاف.
ووسادة من جلد محشوة بالليف.
وحجر رحى "لتطحن القمح وتخبز "
وجرة ماء.
هذا كل جهاز فاطمة بنت محمد رسول الله ﷺ .
بهذه البساطة تم تجهيز العروس
يزوجها النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه وفاطمة هي أحب بناته إليه
هذا الزواج كان بمنتهى البساطة .
كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وهو على المنبر :
يا عباد الله لا تغالوا بالمهور .
فلو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله عزوجل لكان أولى الناس بها رسول الله .
فما أصدق امراة من نسائه أكثر من اثنى عشر اوقية ونشا 500 درهم .
اللهم إلا رملة بنت أبي سفيان "أم حبيب" لأنها ترملت بالحبشة .
فأرسل النبي إلى النجاشي لأنها تعيش في كنفه فأعتبره وليّها أن يزوجه إبنة أبي سفيان.
فقدم النجاشي المهر منه هدية فكان 4 الاف دينار و تلك مسألة استثنائية.
السيرة للتأسي لا للتسلي
يقول ﷺ أكثركنّ بركة أقلكنّ مهراً .
ويقول النبي ﷺ
إن من يُمن المرأة سهولة نكاحها وخفة مهرها .
درس من السيرة في مناسبة زواج خير نساء العالمين سيدة نساء أهل الجنة .
يتم زواجها بهذه البساطة
هل تريدون التقليد
قلدوا من هو خير منكم.
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
[١٠/٥/٢٠٢١ ٨:٢٩ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة عشر بعد المائة 119
زواج علي من فاطمة بنت رسول الله ﷺ .
الجزء الثاني .
تم تجهيز العروس بكل هذه البساطة وهي السيدة فاطمة بنت محمد رسول الله ﷺ سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها وأرضاه.
ثم يرفع النبي ﷺ رأسه ويقول مخاطباً أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما
قائلاً لهما : لقد ذكرتما فاطمة رضي الله عنها ولكن جبريل عليه السلام قد أتاني وقال لا تنكح فاطمة إلا لعلي رضي الله عنه.
فجاء علي رضي الله عنه والصحابة رضي الله عنهم حول النبي ﷺ ينتظرون كلام النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج .
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إني قد زوجت علي بن أبي طالب من فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قدم لهم وعاء فيه تمر
"ضيافة للصحابة رضي الله عنهم
هذا هو العقد الشرعي :
1- الإيجاب والقبول .
2- دفع المهر ( الصداق)
أما ما يتبعه من التوثيق والأوراق الرسمية ضرورة عصرية لا بد منها في أيامنا هذه"
تم العقد :
فهمس علي رضي الله عنه على سمع النبي ﷺ للصحابة رضي الله عنهم حوله .
قال علي : ترى متى يكون البناء! " يعني متى الزواج متى الدخلة ، مثل أي شاب اليوم يسأل متى العرس ؟
فقال النبي ﷺ غداً بعد العشاء إن شاء الله .
فلما كان الغد قبل المغرب :
قال النبي ﷺ *لأزواجه اصّحبنا فاطمة إلى منزل علي * رضي الله عنهما.
ثم قال لعلي رضي الله عنه تصلي العشاء معنا وتنطلق لبيتك
ولا تحدث شيئاً حتى أتيكما
فصلى النبي ﷺ العشاء
وبعد العشاء تقدمه علي وانتظر
وإذا به ﷺ يقبل إلى بيت الزوجية فكانت فاطمة تجلس في جانب على استحياء وعلي في جانب..... فيقول النبي ﷺ يا علي إلي بقدح ماء .
فيأتيه بوعاء فيه ماء فيقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم شيءٌ من القرآن الكريم.
ثم قال : اشربا منه وتوضئا بفضلته .
فشربا وتوضئا فأخذ النبي ﷺ من وضوئهما بيده ونثر عليهما
وقال . اللهم بارك لهما . وبارك عليهما . وبارك في نسلهما . وارزقهم الكثير الطيب .
ثم ودعهما وخرج !!
بهذا البساطة التي سمعتم تم زواج بنت رسول الله ﷺ وعلم علي أنه فاز بخير الدنيا والاخرة
وكانت حجرة فاطمة وعلي رضي الله عنهما ملاصقة لحجرات ازواج النبي ﷺ
فكان إذا خرج من حجراته يريد الصلاة لا سيما صلاة الفجر
وقف بباب علي رضي الله عنه وأخذ بعضدي الباب
وقال السلام عليكم أهل البيت ، الصلاة ، الصلاة .
ولكي تبقى فاطمة تحت ناظريه .
مضى زواج علي من فاطمة رضي الله عنهما....
وهنا لا بد أن يكون بين الزوجين أي زوجين في الدنيا شيء من الخلاف .
"دائماً في بداية أي زواج يحصل خلاف بين الزوجين شيء عادي جداً حتى يعرفوا بعض وأطباع بعض .
فإن الناس خلقهم الله بطباع وأمزجة وعقول تتفق أحياناً وتختلف أحياناً "
وإن كانت العروس "فاطمة بنت محمد ﷺ " رضي الله عنها
وإن كان الزوج "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه.
وقع بينهما ما يقع بين الزوجين أكثر من مرة
يقول الصحابة رضي الله عنهم فقام من الصلاة يوماً ومر من أمامنا ويُرى في وجهه الغضب
ثم دخل حجرة علي رضي الله عنه فجلس فيها ما شاء الله له أن يجلس ثم خرج و وجهه متهلل مشرق يضيء كأنه القمر
فقلنا : يارسول الله فداك أنفسنا
لقد قمت إلى بيت علي رضي الله عنه ويُرى في وجهك عدم الرضا ثم خرجت متهللاً فهل من شيء ؟
قال كيف لا أسُر وقد أصلحت إلى أحب اثنين إلى قلبي .
"اشتكت فاطمة معاملة علي فأثر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فسعى لإصلاح ذات بينهما"
زار النبي ﷺ ابنته فاطمة رضي الله عنها في بيتها يوماً .
فلما رأى فاطمة علم أن هناك خلاف بينها وبين علي رضي الله عنهما
فقال : لفاطمة أين ابن عمك ؟
فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقِل عندي
فخرج ﷺ مسرعاً وقال لأحد أصحابه انظر أين هو علي ؟
فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد .
فجاء إليه رسول الله ﷺ وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقِّه "جانبه" فأصابه التراب .
" لأن أرضية المسجد النبوي من تراب "
فجلس النبي ﷺ بجانبه وأخذ يمسح التراب عنه وهو يقول لعلي قم أبا التراب قم أبا التراب
نظر علي رضي الله عنه فإذا بالنبي ﷺ فوق رأسه يبتسم في وجهه ثم تركه ومضى
فهم علي الرسالة وانطلق ودخل إلى بيته واصطلح مع فاطمة
ما أجملها من رسالة!!
قم يا أبا تراب يمازحه ﷺ ارجع لبيتك"
ماذا نفهم من هذا ؟؟
1- من الحكمة إذا وقع خلاف بين الزوجين ، أن لا يسأل الأب بنته عن سبب الخلاف.
كما فعل النبي ﷺ في عدم سؤاله لفاطمة رضي الله عنها عما بينها وبين وزوجها حتى لا تتسع دائرة الخلاف بينهما .
2- من الحكمة أن الأب يتعامل مع زوج ابنته بلطف وإحسان ويجعله يشعر أنه بزواجك من بنتي قد أصبحت إبناً من أبنائي ومن أفراد أسرتي.
فمن كرم أخلاقه ﷺ توجه إلى علي رضي الله عنه ليترضاه ومسح عنه التراب ممازحا له.
وداعبه بالكنية كناه أبا تراب ولم يعاتبه لأنه زعل إبنته رغم منزلة فاطمة رضي الله عنها في قلب النبي ﷺ .
فيؤخذ منه استحباب الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم
مما يجعل زوج البنت يخجل من عمه لأنه يحبه ويحترمه ويشعر أنه بمقام والده .
هكذا كانت علاقة النبي ﷺ ببناته وأزواجهن .
علاقة قائمة على الحب والحنان والإهتمام والمودة .
وكان من هديه ﷺ مع بناته بعد زواجهن زيارتهن والسؤال عنهن والتدخل للإصلاح بينهن وبين أزواجهن إن وجدت مشكلة وعلم بها بشكل يضمن إعادة الود والصفاء إلى جو الأسرة .
إن رأى وكانت المصلحة في التدخل بينهما .
3- يجوز دخول الأب لبيت بنته من غير إذن زوجها .
4- يجوز النوم في المسجد .
5- يجوز ممازحة الإنسان الغاضب بالتكنية إذا كان ذلك لا يغضبه ويخفف من غضبه .
6- يجوز للزوج إذا غضب وخاف أن تكبر المشكلة أن يترك البيت حتى يذهب عنه الغضب .
ثم يرجع يرضي زوجته أو ترضيه .
لأن بزول الغضب يعرف الإنسان نفسه هل أنا على صواب أم لا.
7- الزوجة العاقلة لا تذكر ما حدث بينها وبين زوجها .
وهذا ما فعلته فاطمة رضي الله عنها في عدم إفشائها أسرار بيتها ولو لأبيها النبي ﷺ.
فاطمة رضي الله عنها :قد طحنت حتى مجلت يداي... وطلبت خادمة من السبي..... علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأتاهما وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما؛ وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما.... فثارا... فقال " مكانكما " ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟) قالا : بلى فقال : ( إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعآ وثلاثين)
وهكذا كان الهدي النبوي في تربية أهل بيته وأقربائه.
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العشرون بعدالمائة 120
أبناء علي وفاطمة آل البيت
رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين
كان هذا الزواج مبني على المودة والرحمة والحب
يدخل علي رضي الله عنه يوماً على فاطمة فيرى المسواك في فمها... فيقول لها :
حظيت يا عود الأراكِ بثغرها أما خفت يا عود الأراك أراكَ
لو كنت من أهـل القتال قتلتك
ما فـاز منـي يا سِواكُ سِواكَ
مضت السنوات وكانت مشيئة الله تعالى أن يكون نسل رسول الله ﷺ وآل بيته الكرام من هذا الزواج المبارك
وأن تكون أمهم "السيدة فاطمة" رضي الله عنها.
وأبوهم "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه .
فقد رزقا من الذرية :
1- الحسن رضي الله عنه
2- الحسين رضي الله عنه
3- ومحسن رضي الله عنه.
وقد أهملت كتب السيرة المحسن لأنه مات بسن الرضاعة صغيرا
4- زينب رضي الله عنها.
5- أم كلثوم رضي الله عنها.
وكانت السيدة فاطمة رضي الله عنها إذا زارت أبيها ﷺ قام إليها وقبّلها وأمسك بيدها وأجلسها في مجلسه .
وكان إذا زارها ﷺ قامت إليه وأخذت يده وقبّلته وأجلسته في مجلسها
السيرة للتأسي لا للتسلي .
جاءت السيدة فاطمة رضي الله عنها يوماً إلى بيت أبيها "ببرمة فيها حريرة"
البرمة "هي وعاء من فخار يعدل ما يسمى اليوم بالقدر.
فيها حريرة ماهي الحريرة ؟؟
طعام يحاس على النار
مكوناته :
الدقيق و السمن و الحليب . تسمى "حريرة"
إما تكون سائلة مثل الشوربة..... وإما أن تكون جامدة وتعتبر من الحلوى فتؤكل باليد .
وكان النبي ﷺ يحبها
ويوصي بصنعها للمفؤد .
"المفؤد : الذي تصدع فؤاده بمصيبة كأن يكون مات له عزيز أو وقع في مصيبة "
فيأمر بصنعها له فإنها تشد الفؤاد .
فقدمت له برمة فيها حريرة
وكانت تتقنها كما يحبها أبوها ﷺ .كانت ماهرة بهذه الأكلة والرسول ﷺ يحب يأكلها من أيدها.
ووضعتها بين يدي النبي ﷺ
وقالت : هذه حريرة يا رسول الله قال ﷺ : أين زوجك علي ؟
قالت : هو في البيت .
"وبيت علي رضي الله عنه ملاصق لحجرات النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منها أن يأتي
فلما دخل علي رضي الله عنه أجلسه النبي ﷺ على يمينه وأجلس فاطمة على شماله
ثم وضع الحسن والحسين في حجره..... وكانت هذه الحادثة في حجرة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها
فرفع رأسه لأم سلمة وقال يا أم سلمة أين بردي اليماني :
"البرد قطعة قماش طويلة توضع على الكتفين يلتحف الإنسان فيها تسمى بردا"
قالت : هو ذا يا رسول الله .
فقال : أعطنيه
فأعطته البرد "مقلم بخطوط سوداء وخطوط بنية اهدي له من اليمن"
فوضع ﷺ هذا البرد على رأسه ثم جمع طرفيه بيديه الشمال
ثم أخرج يده اليمنى من تحته وقد ستر به علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين
رضي الله عنهم.
وأخذ يدعو ويقول :
اللهم إن هؤلاء هم أهل بيتي وحامتي .
اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
وكان هذا أثر نزول قوله تعالى
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا .
إتباع سنة محمد رسول الله ﷺ شرطآ في آل البيت.
الدين هو الذي يجمعنا وهو الذي يفرقنا .
فلو كانت بالنسبة الدموية فقط ما نزل قول الله سبحانه :
تبت يدا أبي لهب وتب .... وهو عم النبي ﷺ .
التبعية بالدم أصل ولكن شرطها التبعية بالدين والسير على نهج النبوة.
لذلك قال ﷺ لفاطمة رضي الله عنها : يوم حجة الوداع
المخاطب فاطمة والمراد هذه الأمة إلى قيام الساعة
يقف ﷺ في حجة الوداع عند باب الكعبة ويمسك بعضدي الباب من هنا ومن هنا.
ثم ينادي ﷺ بعد حديث طويل
يا فاطمة بنت محمد . "وفاطمة كانت قريبة منه"
قالت : لبيك يا أبتي....
ثم ينادي بصوت مرتفع مرة أخرى....
يا فاطمة بنت محمد .
فقالت : لبيك يا أبتي
فنادى بصوت مرتفع مرة ثالثة
يا فاطمة بنت محمد .
فأدركت أنه لا يريد أن يناديها فقط بل يريد أن يشد انتباه الناس جميعاً :
حديث يخصص لفاطمة ولكن المراد به الأمة :
وكما يقال العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب :
فنظر المسلمون للنبي ﷺ ماذا سيقول لفاطمة رضي الله عنها
هو سيخاطب فاطمة والمراد الأمة يقول ﷺ :
يا فاطمة لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم .
فإني والله لا أغني عنك من الله شيئاً .
ابنته المباشرة "جدة آل البيت كلهم " لا يغني عنها رسول الله وخير خلق الله من الله شيئاً"
"فلذلك لا يركن شريف ولا سيد إن صح نسبه على أنه من آل البيت فقط "
"ثم يولي ظهره لهذا الدين زاعماً أنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
لا تعتمد على النسب وتترك العمل .( النسبة بالإتباع )
يقول ﷺ سلمان منا أهل البيت .
فسلمان رضي الله عنه من أهل البيت
وتبت يدا أبي لهب وتب فما لا يدركه عملك لا يسبقه نسبك .
فإذا كنت فعلآ من آل البيت
فحاول أن تلقى رسول الله ﷺ بعملك ولا تركن على نسبك يوم العرض العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون حيث لا أنساب بينهم يومئذٍ ..
رضي الله عن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أجمعين ورزقنا ربنا حبهم وجمعنا بهم في جنات الخلد.
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-30-2022, 06:30 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية والعشرون بعد المائة 121
غزوة السويق . وغزوة غطفان . وإسلام دعثور .
كانت قريش بعد "بدر" تعيش في صدمة كأنها غير مصدقة ما حدث فكان من ردود فعل "قريش" الإنفعالية بعد بدر أن سيد قريش وزعيمها "أبو سفيان بن حرب" أقسم أن لا يمس امرأة إلا بعد أن يغزو المدينة .
فجمع 200 مقاتل من قريش وانطلق بهم الى المدينة ليبر يمينه .
فلما وصل الى أطراف المدينة حرق بعض النخيل وقتل اثنين من الصحابة رضي الله عنهم
فوصل الخبر إلى الرسول ﷺ فخرج في طلبهم في 200 من الصحابة رضي الله عنهم
لكن لم يتمكن من إدراكهم لأنهم جدوا في الهرب وفي الطريق أمر أبو سفيان جيشه أن يلقوا الطعام الذي يحملونه حتى يتخففوا من أحمالهم ويستطيعوا الهرب سريعاً .
جمع المسلمون هذا الطعام وأخذوه كغذاء في المدينة المنورة لذلك كان اسم هذه الغزوة "غزوة السويق"
السويق هو أن تحمص الحنطة والشعير ثم يطحن باللبن و العسل و السمن
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن غاب خمسة أيام دون أن يلقى حربا.
وسألوا الصحابة رضي الله عنهم رسول الله ﷺ.... يا رسول الله أنطمع أن تكون هذه لنا غزوة
"يعني هل تعتبر هذه غزوة"
قال صلى الله عليه وسلم أجل .
كانت غزوة السويق دليلاً على حالة التخبط والهزيمة النفسية التي كانت عليها قريش بعد بدر
فقد تسللوا إلى أطراف المدينة في الظلام وحرقوا بعض النخيل وقتلوا اثنين..... ثم فروا من أمام المسلمين مع أن أعدادهم كانت 200 رجل وقد خرج إليهم ﷺ في 200 رجل أيضاً .
ومع ذلك فروا بهذه الطريقة المهينة... كان أبو سفيان يفكر برفع معنويات قريش بهذا التصرف وأن يرجع هيبة قريش المفقودة في الجزيرة العربية .
لكن عندما هربوا بهذه الطريقة كانت النتيجة عكسية وظهر فيها خوف وجبن قريش من مواجهة المسلمين .
وفي بداية السنة الثالثة من الهجرة أخذت قريش تكيد للمسلمين
لم تنسى بدر وقد علمت قريش أن تجارتها للشام أصبحت في خطر فقامت قريش بعمل "تحالف" مع بعض القبائل العربية حول المدينة المنورة من أجل أن تحمي هذه القبائل تجارتها من المسلمين .
لأن قريش الآن العدو الأول للمسلمين فهي التي أخرجت المسلمين من ديارهم .
وهي التي أخذت أموالهم .
وهي التي صدتهم عن البيت الحرام .
النبي ﷺ هو "رسول الله" وهو أيضاً "القائد" فهل يترك القائد بلاده لأي مؤامرة ويترك القبائل من حول المدينة تتحالف مع قريش على بلده ولا يحرك ساكناً ؟؟
هل يتركهم يتحالفوا عليه ويجتمعوا ثم يضربون المدينة ضربة رجل واحد وتكون ضربة قاسمة ؟
لا..... إنه رسول الله القائد ﷺ .
كما قال علي رضي الله عنه ما غزي قومٌ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا .
فما أن سمع ﷺ عن هذا التحالف لبعض القبائل حول المدينة
قام إلى أكبر قبيلة منهم واسمها "غطفان" قائدها اسمه "دعثور بن الحارث " وكان سيدآ مطاعآ
خرج ﷺ على رأس 200 مقاتل من أصحابه رضي الله عنهم وتوجه إلى القبيلة التي حالفتها قريش "غطفان" وباغتها في عقر دارها .
ولكن تسربت الأخبار لهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم قد توجهوا إليكم فلم يجد رجالاً
فذهب "دعثور" زعيمهم إلى القبائل المجاورة وجمعهم لغزو المدينة .
فسمع الرسول ﷺ بحملته فخرج إليه مرة أخرى
فخرج الرسول ﷺ إليه وعلى رأس عدد من أصحابه رضي الله عنهم 400 وقيل 450 لأنه حالف قبائل .
فلما سمعت القبائل بقدوم جيش محمد صلى الله عليه وسلم تزلزلت قلوبهم من الخوف والفزع وتفرقت القبائل عنه
فهرب "دعثور ومن معه" للجبال .
وترك أهله وغنمه فلم يجد النبي ﷺ حرباً .
فعسكر النبي ﷺ عند بئر يطلق عليه "ذو أمر" ويقال " ذي أمر" ولذلك يطلق على هذه الغزوة "غزوة غطفان أو غزوة ذي أمر"
وبينما المسلمون هناك نزل عليهم مطر كثير فابتلت ثياب الصحابة رضي الله عنهم وابتلت ثياب النبي ﷺ
فأخذ النبي ﷺ طريقه إلى شجرة متنحية يعصر ثيابه حتى تجف .
فجلس إلى تلك الشجرة وابتعد عنه أصحابه رضي الله عنهم أدباً
فنزع ثوبه ﷺ وعصره وعلقه على الشجرة ليجففها
"فاذا كان قد نزع الثوب فمن باب أولى أنه قد وضع السلاح فليس هناك سيف"
ونام تحت هذه الشجرة ليستريح بينما تفرق المسلمون لشؤونهم
كان المشركون يراقبون المسلمين من رؤوس الجبال
فلما أبصروا النبي ﷺ تحت الشجرة لوحده وليس حوله احد .
قال "دعثور" وهو قائدهم وأشجعهم و هو الذي جمعهم
قال : قتلني الله إن لم أقتل محمداً
واستطاع أن ينفرد برسول الله بسيفه فقال : يا محمد أنا دعثور . قل لي من يمنعك الآن مني يا محمد ؟؟
فنظر النبي ﷺ وقال الله .
ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوق السيف من يده
فأخذ النبي ﷺ السيف ورفعه في وجهه
وقال ﷺ من يمنعك الآن مني ؟
قال : لا أحد ..... "لأنه لا يؤمن بالله"
فأنزل النبي السيف من يده وعكسه وأعطى قائمه لدعثور .
وقال له ﷺ قد انتصرت عليك وعفوت عنك . خذ سيفك وانطلق .
نظر دعثور للنبي ﷺ مندهش مذهول
وقال : من أنت يا محمد ؟
قال ﷺ أنا محمد رسول الله .
فقال دعثور . وانا أشهد أنك رسول الله
فقال له النبي ﷺ فأشهد يا دعثور أن لا اله إلا الله .
قال : واشهد ان لا اله الا الله .
لو كان هناك آلهة غيره لحمتني ونفعتني الآن
اسلم دعثور وقال . ائذن لي يا رسول الله أن ادعو قومي لهذا الدين الإسلام
قال ﷺ انطلق فأدعهم .
فانطلق فدعى قومه فقدموا وبايعوا النبي ﷺ على الإسلام
جاء يريد قتل النبي ﷺ فاصبح داعياً إلى الله وذلك لمكارم أخلاق رسول الله ﷺ .
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية و العشرون بعد المائة 122
زواج النبي ﷺ من حفصة .
زواج عثمان من أم كلثوم بنت النبي ﷺ .
زواج النبي ﷺ من زينب بنت خزيمة .
هنالك أحداث كانت بين تلك الغزوات من الجميل أن لا نتجاوز سنة هجرية حتى نأتي على شيء من أحداثها
وليست السيرة "غزوات ، وجهاد ، وحرب فقط"
بل كل شيء في حياة النبي ﷺ فهو سيرة...
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
فمن الدروس التي كانت من السنة الثالثة للهجرة قبل "معركة أُحد" كان هناك أحداث إجتماعية منه وله ﷺ
من أبرز هذه الأحداث وفيها الدروس للمسلمين اليوم
كما نعلم أن النبي ﷺ قد صاهر قبل الهجرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
فخطب إليه ابنته "عائشة الصديقة" رضي الله عنها وبنى بها بعد الهجرة .
وبعد بدر توفي زوج "حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما"
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد زوج بنته "حفصة" لرجل صحابي اسمه خنيس بن حذافة السهمي .
وقد شهد بدراً وأصيب بجراحه ولكنه لم يكن شهيداً
فبعد أشهر من بدر وافاه الأجل فأصبحت حفصة بنت عمر أرملة ولم تتجاوز 18 عام من عمرها .
ولم تنجب من خنيس .
فأنتظر عمر حتى أنقضت عدتها وأراد أن يبحث عن زوج صالح لأبنته حفصة التي ما زالت في سن الشباب
هذا ما يستعصي على عقول الكثيرين في زماننا أن الرجل يبحث عن زوجة صالحة لأبنه ولكن لإبنته قليل
وفي الإسلام البحث للبنت عن زوج صالح أوجب....
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يبحث عن زوج صالح لإبنته الأرملة حفصة التي ما زالت شابة لم تتجاوز 18 عام من عمرها وقد ترملت .
فجاء إلى "عثمان بن عفان رضي الله عنه" وكانت المناسبة تحث على ذلك
لأن عثمان توفت زوجته رقية بنت رسول الله ﷺ عند رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من بدر فأصبح عثمان رضي الله عنه من غير زوجة .
فسعى عمر بن الخطاب إلى صاحبه وأخيه بالإسلام .
فجلس إلى عثمان رضي الله عنه وتحدث معه ثم صرح له بهدف هذه الزيارة .
قال : يا ابن عفان أنا أوقن بأنه لن تجد زوجة تخلف إبنة رسول الله في بيتك
فإنها رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هل ستبقى أعزباً ؟؟
هل ستبقى بلا زوجة ؟؟
فلا بد لك من زوجة وأنا أعرض عليك بنتي حفصة فإنها قد ترملت.
فمازالت شابة وليس لديها بنين
فإن كانت زوجة لك أنت وجدت من يخلف زوجتك في بيتك وإن لم تكن مثلها .
في حين أكون أنا قد وجدت من يخلف "خنيس" على ابنتي .
فنكون قد اخلفناه خيراً في أهله.
"محادثة لطيفة في عرض البنت للزواج ولم يرى عمر رضي الله عنه هناك ضير ولا انتقاص لا في شخصه ولا في كرامة بنته بأن يعرض ابنته على صحابي جليل ليس عنده زوجة"
فما كان من عثمان رضي الله عنه إلا أن استمع إلى عمر رضي الله عنه حتى أتم كلامه .
ثم أطرق صامتاً و لم يرد بشيء
ما قال نعم ... ولا قال لا ... ولا حتى الإعتذار بشيء .
وانتظر عمر رضي الله عنه وطال انتظاره ينتظر رد عثمان رضي الله عنه فلما لم يجبه بشيء قام من مجلسه مغضباً .
فذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه وجلس إليه وحدثه بما كان بينه وبين عثمان رضي الله عنهم
قال عمر : يا أبا بكر والذي أغاظني منه أنه لم يرد علي بشيء. إلا أني أعراضها عليك أيها الصديق رضي الله عنه.
فهل لك في حفصة بنت عمر أن تكون زوجة ؟
"يعني زوجة ثانية "
فما كان من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلا أن قلد عثمان بالصمت التام..... فلم يرد على عمر رضي الله عنه بشيء.
فكاد عمر رضي الله عنه أن يفقد صوابه وطال إنتظاره وأبو بكر رضي الله عنه صامت مطرق رأسه يتصبب عرقاً
فقام عمر رضي الله عنه وقد زاد الغضب والحدة وزادت الحيرة برد فعلهما .
فذهب إلى النبي ﷺ وهو في شدة الغضب فجلس إلى النبي ﷺ . فقال له : ما بك يا عمر ؟؟
قال : يارسول الله جئت اشكو إليك صاحبيك "الصديق وابن عفان" رضي الله عنهم
فقال له : بما تشكوهما ؟؟
"فقص عليه ما حصل"
فضحك النبي ﷺ في وجه عمر رضي الله عنه وربد على كتفه.....
وقال له : يا عمر لعل الله أن يزوج إبنتك حفص من هو خير من عثمان وأبي بكر .
ولعل الله أن يزوج عثمان من هي خير من حفص .
وعمر يعيّ ويفّهم .
عمر رضي الله عنه يستطيع أن يستوعب هذه الرسالة اللطيفة النبوية فمن هو الذي خير من أبي بكر وعثمان غير الرسول صلى الله عليه وسلم.
لكن لم يصرح بفهمه .
وقال : رضيت يارسول الله...
فقام من عند النبي ﷺ ورجع إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يريد أن يلطف الموجة وحدّة الغضب التي قام بها من دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
فقال : يا أبا بكر.....
"وتظاهر أنه لم يستوعب كلام النبي صلى الله عليه وسلم "
قال : يا أبا بكر ذهبت اشكوكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.... فذكرت ما كان بيني وبينكما
فهش لي ﷺ وقال لي : يا عمر لعل الله أن يزوج إبنتك حفص من هو خير من عثمان وأبي بكر
فرفع رأسه أبو بكر مشرقاً متهللاً مبتسماً في وجه عمر....
وقال : وقد قال لك رسول الله ذلك ؟
قال . أجل .
قال أبو بكر هنيئاً لك يا عمر ومبارك عليك مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن ترى يا عمر خير من أبي بكر وعثمان غير رسول الله .
قال عمر رضي الله عنه فهمت هذا ولكني لم أطمئن حتى آتي إليك!!
فقال أبو بكر رضي الله عنه والآن أقول لك لِما لم أرد عليك بشيء
فإني كنت عند رسول الله يوماً فسمعته يذكر حفصة وهي مازالت في عدتها .
لأنه لا يجوز خطبة المرأة المتوفى زوجها حتى تنتهي عدتها .
فعلمت أنه يريدها ويريد أن يكرمك يا عمر بمصاهرته كما أكرمني من قبل .
فعندما جئتني لم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أستطعت أن أرد عليك بشيء .
قال عمر : وعثمان ؟
قال أبو بكر ولعل عثمان سمع ما سمعت فما أحب أن يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فندم عمر على غضبه وقام إلى بيت عثمان رضي الله عنهم
فرجع إلى عثمان رضي الله عنهم
وعثمان لا يعلم أن عمر ذهب إلى الصديق وأنه قد اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وضاق عثمان بعمر مرة أخرى .
فجلس عمر ولكنه بغير الوجه الذي ذهب به
لم يعد مغضباً الآن
قال عمر : يا عثمان لم ترد علي بشيء حينما ذكرت لك حفصة .
قال له عثمان : وأين ذهبت ؟؟
قال عمر ذهبت وشكوتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : فماذا قال لك رسول الله ؟
قال عمر : قال لعل الله أن يزوج عثمان من هي خير من حفصة .
ويزوج حفصة من هو خير من عثمان
فوثب عثمان رضي الله عنه قائماً فرحاً مسروراً وصاح من الفرح
وقال : لهذا خير يومٍ مر علي منذ أن أعتنقت الإسلام .
وما فرحت بشيء بعد فرحي بالإسلام كفرحي بهذا اليوم
أقلها رسول الله يا عمر ؟
قال : نعم
قال . يا عمر ما كنت لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إني سمعته يوماً يذكر حفصة ولكنه لم يعلن.
فعندما كلمتني ما كنت لافشي سر رسول الله ولكنك زدتني واحدة .
أقال رسول الله يزوج عثمان من هي خير من حفص ؟
قال . نعم
فقال عثمان : وهذه بشرى أخرى فإن رسول الله مصاهري مرة أخرى.
يقول عثمان رضي الله عنه فما راعنا إلا ورسول الله يطرق باب عثمان
فجاء النبي ﷺ وجلس ووجد عمر عند عثمان رضي الله عنهم
فذكر له عمر ما كان بينه وبين عثمان مرة أخرى وأنه قد نقل الحديث لابي بكر ونقله لعثمان
وأنهما قالا سمعت رسول الله يذكر حفص فما كنت لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له النبي ﷺ :
يا عمر أتزوج محمد رسول الله من إبنتك حفصة ؟؟
"فلم تسع الدار عمر من الفرحة"
فقال عمر : يارسول الله لقد أكرمتني إكراماً ما كنت لأحلم به قط
فحفص لرسول الله
فأمهرها النبي مهر كسائر أزواجه 400 درهم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عمر أمهرتها 400 درهم كعائشة وكسودة من قبل رضي الله عنهن.
ثم التفت النبي ﷺ إلى عثمان وقال : إلى متى تبقى بلا زوجة يا عثمان ؟
قال يارسول الله من يزوج عثمان ؟
قال له النبي ﷺ محمد رسول الله
والذي نفسي بيده لو أن لي عشر بناتٍ لزوجت عثمان واحدة تلو الأخرى حتى تنفذ العشر .
يا عثمان أزوجك أم كلثوم على مثل صداق اختها .
"أي اختها رقية زوجة عثمان التي توفت"
وهكذا تزوج "عثمان بن عفان" من السيدة "أم كلثوم"
ولذلك يطلق على "عثمان بن عفان ذو النورين"
والنورين هما الشمس والقمر .
ويكون الوحيد عثمان في التاريخ كله "من آدم لقيام الساعة" الوحيد من البشر جميعاً الذي يتزوج من ابنتي نبي
وكان هذا الزواج تم بعد 6 شهور من وفاة أختها رقية .
وكان عمر "أم كلثوم" عندما تزوجها عثمان 22 عام ولم تكن قد تزوجت من قبل .
حيث كانت قد خطبت فقط لعتيبة بن أبي لهب .
ثم فسخت الخطبة بعد بعثة النبي ﷺ .
وكان عثمان له ولد من رقية اسمه "عبدالله بن عثمان" حفيد النبي ﷺ من بنته رقية .
فكانت "أم كلثوم" هي التي تتولى تربية ابن اختها ورعايته .
ولم تنجب "أم كلثوم" فكانت قد ركزت كل عواطف الأمومة بداخلها على ابن اختها اليتيم
ولكن "عبد الله بن عثمان بن عفان" وعمره ستة أعوام نقره ديك في وجهه قرب عينه وتلوث الجرح ومات بسبب ذلك .
حزن النبي ﷺ عليه....
وتكون حلقة في سلسلة الإبتلاءات التى تعرض لها النبي ﷺ .
وحزن "عثمان بن عفان" لوفاة ابنه الأول والوحيد في ذلك الوقت .
وحزنت "أم كلثوم" لوفاة ابن اختها والذي كان بمثابة الإبن لها .
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة .
وتزوج عثمان من أم كلثوم .
أصبحت حفصة أم للمؤمنين الثالثة في بيت النبوة .
كانت عائشة المدللة لأنها بنت الصديق ولصغر سنها .
الغيرة طبيعة بشرية
هكذا خلق الله عز وجل الإناث وفطرهنّ على ذلك .
فأخذت حفصة تقلد عائشة بدلالها على النبي ﷺ .
وكانت عائشة تراجع النبي ﷺ القول :
حفصة عملت حفصة قالت .
وكانت حفصة تراجع النبي ﷺ القول أيضاً :
عائشة قالت عائشة عملت .
وكان بعض الأحيان يغضب النبي ﷺ ويبقى سائر اليوم مغضباً .
ولكنه يغفر لهما لصغر سنهما .
فلما جاءت حفص وأخذت تقلد الدور .
تسرب هذا الخبر وهذه المعلومة إلى أذن عمر بن الخطاب بأن حفصة تقلد عائشة وتحاول أن تراجع النبي ﷺ وترد القول عليه .
وقد غضب منها مرة أو مرتين .
فحمل عمر العصاة بيده وجاء إلى بيت حفص وهو يعلم أن اليوم ليس دورها
"أي النبي صلى الله عليه وسلم ليس عندها .
فقرع حجرة حفص ودخل وعلاها بالعصاة وقال : لولا أنك تحملين اسم "أم المؤمنين" وأنك زوج لرسول الله لشججت رأسك شجة منكرة يا حفص .
أنسيتي من هو رسول الله ؟
مالك ولتقليد عائشة ؟
إن عائشة حديثة سن وإن مكانتها عند رسول الله من مكانة أبيها ..... فأين أنتِ وأين أبيك ؟
إني أحذرك غضب الله ورسوله
فلئن غضب رسول الله ليغضّبن الله لغضبه ووالله لولا خُلق رسول الله لطلقكِ .
فأين يكون أبوكِ إذا طُلقت أبنتهُ من رسول الله ؟
"فكان درس لحفص ولكنها لم تتعظ"
ومضت الأيام حتى إذا ثقل ذلك على النبي ﷺ من حفص طلقها يوماً .
"لم نقف على رواية صحيحة لسبب الطلاق"
طلقها النبي صلى الله عليه وسلم
"والمطلقة طلقة أو طلقتين"
إذا طلقت المرأة تبقى في بيت الزوجية إلى انتهاء العدة لا تخرج ولا يحق للزوج أن يخرجها أيضاً.
ولماذا جعلت العدة ؟
لعله أن يتم الصلح مرة أخرى فيراجعها....
فبقيت حفصة رضي الله عنها في بيت النبي ﷺ .
ووصل الخبر إلى عمر رضي الله عنه بأن النبي ﷺ قد طلق حفص وأمامها العدة ثلاثة أشهر.
فمضى عمر تلك الليلة وهو يحثوا الرمل على رأسه
ويقول ..ما يعبأ رب عمر بعمر بعد اليوم وقد طلق النبي إبنته.
حتى إذا كان منتصف الليل هبط جبريل عليه السلام إلى النبي ﷺ وقال له : يا رسول الله إن الله يأمرك أن تراجع حفصة الليلة...
فإنها قوامة صوامة وهي زوجتك في الجنة .
كانت معروفة حفصة بكثرة عبادتها وصيامها رضي الله عنها .
فأرجعها النبي ﷺ وأعلم عمر رضي الله عنه في صلاة الفجر أن حفصة زوجة لرسول الله لن يطلقها بعد اليوم أبداً فهي زوجه في الدنيا وزوجه في الآخرة .
وتبعث يوم القيامة أم للمؤمنين رضي الله عنها وأرضاه
بعد الزواج من "السيدة حفصة" بشهر واحد وفي رمضان من السنة الثالثة من الهجرة تزوج النبي ﷺ من السيدة "زينب بنت خزيمة"
وكانت قد تزوجت مرتين .
تزوجت أول مرة في الجاهلية ومات زوجها .
ثم تزوجت عبيدة بن الحارث ومات أثناء المبارزة في بدر .
لم تكن رضي الله عنها ذات جمال ولكنها كانت طيبة القلب شديدة العطف على الفقراء والمساكين حتى أطلق عليها أم المساكين
ولذلك كان زواجه ﷺ من "زينب بنت خزيمة" جبراً لخاطرها ومواساة لها كما كان زواج النبي ﷺ من السيدة "سودة بنت زمعة" رضي الله عنهن.
وهكذا كان النبي ﷺ يضرب مثلاً لكل الصحابة رضي الله عنهم
أن يكون لهم دور اجتماعي في الزواج من الأرامل اللاتي يفقدن أزواجهن
وقد يكون معهن أبناء ولا مهنة لهن ولا معيل خصوصاً أن النبي ﷺ يعلم بحسه السياسي أن الدولة الإسلامية مقبلة على عدد كبير من المواجهات والحروب .
سواء مع قريش أو غيرها من القبائل في الجزيرة .
وهذه المواجهات لابد أن تخلف وراءها شهداء ومن ثم أرامل وأيتام.
وإذا لم يقم الصحابة رضي الله عنهم بالزواج من هؤلاء الأرامل دون النظر لاعتبارات الجمال والمال والنسب فستنشأ في المدينة مشكلة اجتماعية خطيرة
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[١٤/٥/٢٠٢١ ١٢:٥٩ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة و العشرون بعد المائة 123
مقدمة غزوة أُحد .
سرية زيد بن حارثة واستعداد قريش .
"السنة الثالثة للهجرة"
لم تكن مشكلة بدر بالنسبة لقريش هو فقط هذه الهزيمة المدوية التي هزت هيبتها في كل الجزيرة العربية .
ولكن المشكلة الأكبر هي أن المسلمين قد نجحوا نهائيا في قطع طريق تجارة قريش إلى الشام .
وقريش تعيش على التجارة لأنها بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ .
فإذا لم يكن لديها تجارة فقد قُتلت وخُنقت اقتصادياً .
ولقريش رحلتين كل عام . وهم طريقين رئيسيين للتجارة :
1- تجارة إلى الشام .
2- وتجارة إلى اليمن .
وعندما تتأثر تجارة قريش إلى الشام فإن تجارتها إلى اليمن تتأثر أيضاً .
لأن التجارة التي تأتيها من "اليمن والهند والصين" تقوم هي بحملها إلى الشام والعكس .
ولذلك كان انتصار المسلمين في بدر ومن ثم نجاحهم في قطع طرق تجارة قريش .
كارثة اقتصادية على قريش .
وفكرت قريش كيف يمكن مواجهة هذه المشكلة
فقررت أن تبحث عن طريق آخر للتجارة .
ليس هو الطريق المعبد العادي الذي تمر به على المدينة .
ولا حتى الطريق الغير معبد بمحاذاة البحر الأحمر
وكان اسمه في ذلك الوقت "بحر القلزم"
ولكن قررت أن تسلك طريقاً جديداً تماما
وهي أن تتجه إلى منطقة "نجد" شرقاً .
ثم إلى العراق شمالا .
ثم بعد ذلك تتجه إلى الشام غرباً .
يعني يأتون الشام من مكة عن طريق العراق .
وكان هذا الطريق طريق طويل جداً
ربما ضعف مسافة الطريق القديم .
وهو طريق لا تعرفه قريش ومخاطره كبيرة وتكلفته كبيرة .
وهذا يعني أن تقل أرباح قريش من تجارتها .
ومع ذلك لم تجد قريش حلاً غير هذا لإستمرار تجارتها .
وبالفعل انطلقت تجارة ضخمة لقريش فيها كثير من الفضة بقيادة "أبو سفيان بن حرب" وسلكت هذا الطريق
في هذا الوقت كان النبي ﷺ يبعث العيون ترقب قريش في حركاتها وتجارتها.....
فبلغه خروج "أبو سفيان وصفوان ابن أمية"
فلم يخرج بنفسه هذه المرة بل عقد لواء لمولاه "زيد بن حارثة" وأرسل مع زيد عدد من الصحابة عددهم 100 مقاتل .
أميرهم زيد بن حارثة .
عقد له لواء وقال له ارقب تجارة قريش ثم أغنمها .
خرج زيد بن حارثة رضي الله عنه فلما وصل وراقب الطريق حتى إذا دنت القافلة أحاطوا بهم .
ففر "أبو سفيان وصفوان" ومن معهم .
ومن عجز عن الفرار كان من ضمن الغنيمة في التجارة .
فغنموها وعادوا الى المدينة .
كانت تلك التجارة أعظم تجارة لقريش بعد بدر .
ولأول مرة يغنم المسلمون غنيمة ذات قيمة
فلما خمسها النبي ﷺ كان خمسها 25 ألف دينار ذهبية .
لعدم وجود لقريش بضاعة .
فذهبوا يتاجروا من الشام .
هكذا قطع الرسول ﷺ على قريش كل طرق التجارة وأمسك بعصب قريش الإقتصادي .
ولذلك فإن هذه السرية كانت سبباً مباشراً لوقوع "غزوة أحد"
لأنه بعد هذه السرية فكرت قريش جدياً في السير إلى المدينة لحرب المسلمين .
ليس فقط للإنتقام لقتلاهم في بدر . وإنما لإستعادة هيبتها في الجزيرة كما كانت .
ولكن الهدف الأساسي كان هو قتل النبي ﷺ لإسقاط الدولة الإسلامية بالكامل .
ولإنقاذ تجارتها ومصدر أموالها الوحيد .
فأخذت قريش قرارها بعد بدر هو أن يجعلوا أرباح القافلة التجارية الضخمة التي قامت بسببها معركة بدر عندما هرب بها أبو سفيان عن طريق الساحل قبل غزوة بدر
قالت قريش هذه القافلة كانت سبب في غزوة بدر
سنخصص أرباح هذه القافلة لتجهيز جيش ضخم لحرب المسلمين والثأر لهزيمتهم المُرة في بدر .
وكانت قيمة البضاعة التي في القافلة تقدر 50 ألف دينار ذهبية .
وكان ربحها 50 ألف دينار ذهبية .
فسلموا لأصحاب المال رؤوس أموالهم وأخرجوا الأرباح لتجهيز الجيش .
ونزل في ذلك قول الله تعالى
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة و العشرون بعد المائة 124
تجهيز قريش لمعركة أحد .
قريش بدأت منذ معركة بدر في السنة الثانية للهجرة تجهز لغزو المدينة والآن نحن في السنة الثالثة للهجرة .
معركة بدر كانت في رمضان والآن نحن في أواخر رمضان
عام كامل
إلى أن حصلت سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه فقررت قريش غزو المدينة المنورة
طبعاً كانت طوال هذا العام تشن حرب إعلامية مكثفة في كل أنحاء الجزيرة .
تشجع القبائل على القتال والإنتقام من المسلمين والثأر لقتلاهم.
وكان على رأس المحفزين على القتال شاعر اسمه "أبو عزة الجمحي"
إنه الذي كان قد أسر في بدر ولم يكن عنده مال ليفدي نفسه وكان كثير العيال .
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم من للصبية يا محمد ؟
فمنّ عليه النبي ﷺ واطلقه من غير فداء شرط أن لا يهجو المسلمين ولا يرفع سيفه عليهم.
كان أول المحفزين في شعره على المسلمين في أحد
وكان للشعر تأثير .
بدأت قريش بعد ذلك في حشد قواتها من داخل مكة وأيضاً من القبائل المتحالفة معها وهي قبائل :
كنانة و ثقيف و الأحابيش
الأحابيش هم مجموعة من القبائل المتحالفة مع بعضهم البعض.
وقد أطلق عليهم الأحابيش لتحبشهم أي تجمعهم وقائدهم اسمه "الحليس"
هكذا استطاعت قريش أن تحشد 3 آلاف مقاتل .
من قريش 1000 مقاتل .
من خارج قريش 2000 مقاتل .
وكان في الجيش 3 آلاف بعير
وكان معهم 200 فارس .
وكان معهم 700 دارع .
والدارع هو الذي يلبس لباس الحرب كامل.
خرج جيش قريش بالفعل في أواخر شهر رمضان من السنة الثالثة من الهجرة .
بعد بدر بعام كامل .
كانت القيادة العامة للجيش لسيد قريش "أبو سفيان بن حرب" الذي نظم جيشه تنظيماً جيداً فوضع .
"خالد بن الوليد" على ميمنة الفرسان.
"عكرمة بن أبي جهل" على ميسرة الفرسان.
"صفوان بن أمية" على المشاة.
"عبد الله بن ربيعة" على رماة السهام.
وأعطي اللواء لبني عبدالدار وقد كانوا هم الذين يحملون اللواء لقريش .
وخرج مع الجيش 15 امرأة من زوجات أشراف مكة.
على رأسهن سيدة مكة الأولى في ذلك الوقت "هند بن عتبة" زوجة "أبو سفيان"
و التي فقدت أباها وعمها و ولدها يوم بدر.
وأخذت على عاتقها أن تلهب مشاعر قريش للثأثر بهذا اليوم .
وذلك لتحميس وتحفيز الجيش .
خرجنّ ومعهن الدفوف يضربن بها .
وكان من ضمن الجيش عبد حبشي اسمه "وحشي بن حرب"
ووحشي هذا كان ممن يتقنون الرمي بالحراب .
كان رامياً ماهراً قل ما يخطيء
وكان عبدًا لرجل من قريش اسمه "جبير بن مطعم بن عدي"
والده "المطعم بن عدي" تذكرون هذا الإسم الذي دخل النبي ﷺ في جواره يوم رجوعه من الطائف.
جبير هذا إبنه وقد قُتل عمه في بدر .
أما والده "المطعم" مات قبل بدر .
فقال جبير لوحشي "وكان وحشي يكنى أبا دسمة"
قال : يا أبا دسمة .
إن أنت أصبت حمزة بن عبدالمطلب عم محمد بعمي طعيمة فأنت حر.
والأحباش كانوا معروفون بالمهارة الشديدة والدقة في رمي الحراب .
وكانت لهم حتى ألعاب ورقصات بالحراب.
وكان "وحشي" هذا كما قلنا من أمهر الأحباش في رمي الحراب .
وقريش تعلم أنه لن يستطيع أن يقتل أحد حمزة في مبارزة .
وأنه لا يمكن أن يقتل حمزة إلا أن يرميه أحدهم بحربة من مسافة بعيدة .
خرج وحشي لمهمة واحدة فقط
وهي قتل أقوى فارس في صفوف المسلمين وهو حمزة بن عبد المطلب أسد الله ورسوله رضي الله عنه وأرضاه.
وكانت هناك في قريش مراسيم تعدها قريش ليالي يضربون فيها على الدفوف ويرقصون فيها رقص الحرب لتحميس الجيش وينتظرون "خالد بن الوليد" لإنه كان خارج مكة وهو لم يشهد بدر .
وأثناء الإعداد و التجهيزات أخذ الأحبيش يرمون بالحراب .
فلما رأت "هند" وحشي ومهارته وقفت تزيده حماس على حماسه
وتقول له: ويّهن أبا دسمة ، أشّفي وأسّتشفي.
فإن كان جبير قد وعدك بالعتق فأنا "هند بنت عتبة" أعدك بوزنك ذهباً وفضة إن أنت مكنتني من كبد حمزة رضي الله عنه.
وانطلق جيش قريش فلما وصلوا إلى الأبواء "عند قبر أم النبي ﷺ آمنة بنت وهب"
قالت هند للجيش : لو بحثتم قبر أم محمد "أنبشوا قبرها"
فإن أسر منكم محمداً أحداً فديتم كل أسير بجزء من أجزائها .
فرفض أبو سفيان رأيها وكذلك سادة قريش.....
وقالوا : لا يفتح هذا الباب وإلا نبشوا موتانا عند مجيئهم.
بهذه المعنويات بالأخذ بالثأر خرجت قريش وهي تعتقد أنها ستباغت المسلمين في المدينة.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[😕
أو يرزقنا الشهادة
وقال أحدهم : نحن نرجو أن نذبح ويذبح فينا فنصير إلى الجنة ويصيرون إلى النار .
وقال احد الشباب : يا رسول الله لم تحرمنا الجنة ؟
وقال حمزة رضي الله عنه : والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي هذا خارج المدينة .
فكان رأي من يريدون الخروج وملاقاة قريش الأغلبية
والشورى هو الأخذ برأي الأغلبية .
وقد كان مخالف لرأي النبي ﷺ .
لكن النبي ﷺ نزل على رأي الأغلبية .
هذه هي "الشورى" وهو الخروج لملاقاة قريش خارج المدينة
فلما كان وقت صلاة الجمعة نفس اليوم .
خطب بهم ولأول مرة تكون خطبته طويلة وأطال فيها
وحثهم وحضهم في خطبته على الجهاد والصبر عند لقاء العدو .
ثم أمرهم بالتهيؤ لعدوهم .
ففرح الناس وانصرفوا بعد الصلاة يستعدون للقتال
وتجمع الناس بملابس الحرب
ثم دخل ﷺ إلى بيته ليرتدي ملابس الحرب .
فأخذ بعض الصحابة رضي الله عنهم يلومون الشباب المتحمسين...
وقالوا لهم : لقد استكرهتم رسول الله على الخروج .
ويقولون : بينكم رسول الله يوحى إليه فردوا الأمر إليه.
فشعر الشباب بالندم
فخرج ﷺ بملابس الحرب وقد لبس الخوذة ولبس درعين وتقلد سيفه .
وجعل الترس خلف ظهره وأمسك القوس وركب فرسه .
قال الشباب وهم نادمين : يا رسول الله .
نرى إننا استكرهناك على الخروج ولا ينبغي لنا ذلك .
فأصنع ما شئت
إن شئت أن نمكث وإننا نرد الأمر إليك
فقال لهم ﷺ : دعوتكم إلى ذلك فأبيتم .
وما ينبغي لنبي إذا لبس لآمته "أي ملابس الحرب" أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه .
"أي أن من خصائص الأنبياء أن النبي إذا استعد للحرب ألا يتراجع عن قراره، لأنه لا يجوز التردد في هذه المواقف الحاسمة"
خرج جيش المسلمين من المدينة بعد صلاة الجمعة .
وصلى بهم النبي ﷺ العصر في الطريق .
كانوا بقيادة النبي ﷺ راكباً فرسه ولم يكن معهم إلا فرس واحد يركبه النبي ﷺ .
وكان سعد بن معاذ "سيد الأوس" وسعد بن عبادة "سيد الخزرج" يعدوان أمامه.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-30-2022, 06:33 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة و العشرون بعد المائة 125
خروج المسلمون إلى أحد .
كان النبي ﷺ في المدينة يتابع أخبار قريش منذ بدر وأخبار استعداهم للقتال .
حتى وصل إليه أخيراً خبر خروج جيش مكة .
كيف وصل إليه من عمه العباس الذي كان يكتم إيمانه في مكة
أرسل له كتاب مع رجل من "غفار" و أواصاه أن يصل للمدينة خلال ثلاثة أيام وختم الكتاب.
وأوصاه أن لا يسلم الكتاب إلا ليد النبي ﷺ .
فلما وصل هذا الرجل أعطى النبي ﷺ الكتاب باليد .
استلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب ودفعه إلى أبي بن كعب ليقرأه عليه....
فلما قرأ عليه الكتاب وأن هناك جيش ضخم وأنه مسلح تسليحا جيداً قادم من قريش وهو في طريقه إليكم .
فظهرت على وجهه ﷺ ملامح "الهم والغم" لأن المسألة جاءت مباغتة....
"فالكتاب يقول أن قريش قد خرجت والأمر يحتاج لأستعداد
وهذا العدد الذي خرجت فيه قريش كبير .
يوم بدر كانوا 1000 أما اليوم 3000
وصله الكتاب ليلة الخميس على جمعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في قباء .
انطلق النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة واستكتم أبي بن كعب على الخبر بأن لا يخبر الناس .
ثم جمع أصحابه من مهاجرين وانصار في المسجد
وعرض عليهم المشورة .
ثم أعلم ﷺ المسلمين بذلك .
فأصبحت المدينة في حالة طواريء واستنفار عام
فحمل الرجال السلاح حتى وهم في الصلاة....
وتم حراسة مداخل المدينة
وكانت هناك فرقة لحراسة النبي ﷺ كما انطلقت دوريات تتجول حول المدينة .
اجتمع النبي ﷺ بالصحابة رضي الله عنهم ليستشيرهم كما فعل في بدر .
وكان ذلك في صباح يوم الجمعة بعد صلاة الفجر..
وأخبرهم ﷺ برؤيا رآها .
ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى .
يقول النبي ﷺ لأصحابه رَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ . وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلَمًا . وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدَيَّ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ .
قالوا : فما أولتها يا رسول الله .
قال ﷺ فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون .
وأما الثلم الذي رأيت في سيفي .فهو رجل من أهل بيتي يقتل .
واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم وكان السؤال :
هل يخرج المسلمون لملاقاة جيش مكة خارج المدينة ؟
أم يتحصنون داخل المدينة ؟
وذلك في ضوء التفوق الكبير لجيش قريش على جيش المسلمين .
سواء من ناحية العدد أوالعدة .
الرأي الأول :
وكان رأي "عبد الله بن أبي سلول" سيد الخزرج ورأس النفاق
قال : يا رسول نتحصن في المدينة ولا نخرج لملاقاة جيش مكة خارج المدينة .
يارسول الله كنا نقاتل في الجاهلية فيها .
ونجعل النساء والصبيان في الصياصي "أي على اسطح المنازل"
ونجعل معهم الحجارة فنقاتل بأسيافنا في السكك "أي مداخل وحارات المدينة"
وترمي المرأة والصبي من فوق الصياصي الحجارة...
يا رسول الله إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط
"اي مغلقة ما قاتلنا فيها يوما وفتحت لنا باب الهزيمة"
وما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب منا .
"كل ما نخرج نقاتل عدو خارجها نهزم"
وما دخل علينا قط إلا أصبناه .
"وإذا دخل عدو علينا لداخلها نهزمه"
فدعهم يا رسول الله
"أي دع قريش تدخل لداخل المدينة"
فإنهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس...
"أي سيتوقفوا ولن يستطيعوا دخولها"
وإن رجعوا رجعوا خائبين مغلوبين لم ينالوا خيرا..
يا رسول الله أطعني في هذا الأمر واعلم أني ورثت هذا الرأي من أكابر قومي .
رأي "عبد الله بن أبي بن سلول" هو عدم الخروج لملاقاة قريش والتحصن في المدينة خصوصاً أن المدينة بطبيعتها الجغرافية محصنة .
فاذا أقامت قريش في مكانها فهي المتضررة .
وإذا رجعت بلا قتال فقد رجعت خائبة لم تصنع شيئاً .
واذا دخلت المدينة تفرقت في شوارعها وقاتلها المسلمون حرب شوارع .
والتاريخ يشهد أن الهزيمة هي نصيب كل من يتجرأ ويدخل المدينة .
وافق النبي ﷺ على رأي عبدالله بن سلول ووافقه عدد من كبار الصحابة أصحاب الخبرة العسكرية
لأنه هو الإختيار الأفضل .
الرأي الثاني : هم الشباب من الصحابة رضي الله عنهم.
اعترضوا على الرأي الأول وأرادوا الخروج لملاقاة قريش خارج المدينة
على رأسهم "حمزة بن عبد المطلب" وشباب الأنصار المتحمس للقتال .
وكذلك الذين فاتهم القتال في بدر
قالوا : يا رسول الله إنا نخشى أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج جبناً عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا .
وقد كنت يوم بدر في 300 رجل فنصرك الله عليهم .
ونحن اليوم بشر كثير وقد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله به .
فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا.
وقال أحد الشباب : إني يا رسول الله لا أحب أن ترجع قريش فيقولون حاصرنا محمداً في صياصي يثرب فيكون هذا جرأة لقريش .
وقال آخر من الشباب : يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا أتانا في دارنا .
فكيف وأنت فينا...
وقال آخر : يا رسول الله نحن والله بين إحدى الحسنيين :
إما أن يظفرنا بهم
أو يرزقنا الشهادة
وقال أحدهم : نحن نرجو أن نذبح ويذبح فينا فنصير إلى الجنة ويصيرون إلى النار .
وقال احد الشباب : يا رسول الله لم تحرمنا الجنة ؟
وقال حمزة رضي الله عنه : والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي هذا خارج المدينة .
فكان رأي من يريدون الخروج وملاقاة قريش الأغلبية
والشورى هو الأخذ برأي الأغلبية .
وقد كان مخالف لرأي النبي ﷺ .
لكن النبي ﷺ نزل على رأي الأغلبية .
هذه هي "الشورى" وهو الخروج لملاقاة قريش خارج المدينة
فلما كان وقت صلاة الجمعة نفس اليوم .
خطب بهم ولأول مرة تكون خطبته طويلة وأطال فيها
وحثهم وحضهم في خطبته على الجهاد والصبر عند لقاء العدو .
ثم أمرهم بالتهيؤ لعدوهم .
ففرح الناس وانصرفوا بعد الصلاة يستعدون للقتال
وتجمع الناس بملابس الحرب
ثم دخل ﷺ إلى بيته ليرتدي ملابس الحرب .
فأخذ بعض الصحابة رضي الله عنهم يلومون الشباب المتحمسين...
وقالوا لهم : لقد استكرهتم رسول الله على الخروج .
ويقولون : بينكم رسول الله يوحى إليه فردوا الأمر إليه.
فشعر الشباب بالندم
فخرج ﷺ بملابس الحرب وقد لبس الخوذة ولبس درعين وتقلد سيفه .
وجعل الترس خلف ظهره وأمسك القوس وركب فرسه .
قال الشباب وهم نادمين : يا رسول الله .
نرى إننا استكرهناك على الخروج ولا ينبغي لنا ذلك .
فأصنع ما شئت
إن شئت أن نمكث وإننا نرد الأمر إليك
فقال لهم ﷺ : دعوتكم إلى ذلك فأبيتم .
وما ينبغي لنبي إذا لبس لآمته "أي ملابس الحرب" أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه .
"أي أن من خصائص الأنبياء أن النبي إذا استعد للحرب ألا يتراجع عن قراره، لأنه لا يجوز التردد في هذه المواقف الحاسمة"
خرج جيش المسلمين من المدينة بعد صلاة الجمعة .
وصلى بهم النبي ﷺ العصر في الطريق .
كانوا بقيادة النبي ﷺ راكباً فرسه ولم يكن معهم إلا فرس واحد يركبه النبي ﷺ .
وكان سعد بن معاذ "سيد الأوس" وسعد بن عبادة "سيد الخزرج" يعدوان أمامه.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
06-30-2022, 07:29 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة و العشرون بعد المائة 126
غزوة أحد وانسحاب ثلث الجيش .
وخطة النبي ﷺ للمعركة .
خرج جيش المسلمين لغزوة أحد لملاقاة جيش قريش بقيادة النبي ﷺ بعد صلاة الجمعة .
وكان عددهم 1000 مقاتل
فلما سار الجيش قليلاً وجد النبي ﷺ بين صفوف المسلمين كتيبة خشنة : "أي كثيرة السلاح"
عددهم حوالي 100 مقاتل .
فسأل النبي ﷺ من هؤلاء . فإنهم ليسوا من أصحابنا .
فقال الصحابة رضي الله عنهم إنهم حلفاء من اليهود لإبن سلول
فقال النبي ﷺ هل أسلموا ؟
قالوا : لا
فقال ﷺ إنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك .
"استخدم الرسول ﷺ في وصف اليهود كلمة كفر"
وردهم ورفض الإستعانة بهم
فغضب لرجعتهم ابن سلول وقال كلمته القبيحة قال : عصاني وأطاع الولدان.
"يقصد الشباب من الصحابة المتحمسين للقتال"
وما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا ارجعوا أيها الناس.
أعلن "عبد الله بن أبي بن سلول" أنه سيعود إلى المدينة بل ودعا الجيش كله إلى الإنسحاب والعودة للمدينة
واستجاب له 300 من جيش المسلمين من المنافقين .
هل رأيتم عدد المنافقين بالمدينة من 1000 مسلم فقط خرج 300 منافق
فقام لهم الصحابي الجليل "عبدالله بن عمرو ابن حرام" رضي الله عنه : وكان من الخزرج وله مكانة كبيرة بينهم .
وابن سلول من الخزرج أيضاً.
فقال عبدالله بن حرام رضي الله عنه : يا قوم أذكركم الله أن تخذُلوا قومكم ونبيكم صلى الله عليه وسلم.
فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكن لا نرى أنه يكون قتالا : أي لن يكون هناك قتال لو في قتال نبقى معكم "
واصروا على الإنسحاب فلما يئس منهم .
قال لهم : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله تعالى عنكم نبيه صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الله تعالى فيهم قرآن يتلى إلى يوم القيامة :
قال تعالى :
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ .
و لم يقتصر الأمر على المنافقين فقط :
بل كاد أن يتأثر بانسحاب هذا العدد الكبير من الجيش عدد آخر من المؤمنين .
ولكن الله تعالى أنزل السكينة في قلوبهم وتولى أمرهم وثبتهم .
يقول تعالى :
إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .
أصبح عدد جيش المسلمين 700
وعدد جيش قريش 3000 .
يعني ثلاث أضعاف وقليل جيش قريش والمجهز بالعدة والعتاد والفرسان والدروع.
والمسلمون خرجوا مشي على الأقدام ليس معهم إلا فرس واحد يركبه النبي ﷺ .
ولذلك سنرى كيف وضع النبي ﷺ خطة يستطيع من خلالها التقليل من آثار تفوق قريش الكبير جداً على المسلمين سواء من ناحية عدد المقاتلين أو عدد الفرسان.....
في الطريق وقف الرسول ﷺ يستعرض الجيش :
فوجد بين الصفوف صغار بالعمر أعمارهم بين 13 و 14 عام
فردهم النبي ﷺ ولم يسمح لهم بالمشاركة
فكان ممن ردهم "عبدالله بن عمر و أسامة بن زيد" رضي الله عنهم
وكان هناك غلامين :
"سمرة" والآخر "رافع" رضي الله عنهم.... فلما ردهما
قيل : للنبي ﷺ يا رسول الله إن رافع رامياً جيداً قل أن يخطيء
فلا بأس يا رسول الله لو أنك أجزته .
"فبشهادة الصحابة علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه رامي جيد ، والحرب بحاجة لرامي يقف في مكانه فيرمي بالنبل فسمح له"
فبكى سمرة وكان يتيماً
فقال له عمه ما يبكيك يا سمرة
فقال أجاز النبي صلى الله عليه وسلم رافع و ردني وأنا أصرعه إذا تصارعنا
فسمع ﷺ هذه فسُر لها وابتسم
قال له ﷺ أأنت تصرعه ؟
فككف دموعه وقال : نعم يارسول الله .
قال له النبي : تصارعا أمامي
فتصارعا فصرع سمرة رافع فأجازه النبي ﷺ .
فرغ النبي ﷺ من استعراض الجيش وقد غابت الشمس .
فأذن بلال رضي الله عنه لصلاة المغرب
فصلى بأصحابه ﷺ ثم أذن بالعشاء فصلى بهم وبات الجيش في هذا المكان
واختار النبي ﷺ 50 رجلاً ليحرسوا المعسكر يتجولون حوله.... وكان هناك حراسة خاصة للنبي ﷺ .
سار ﷺ بجيشه في اتجاه جبل أحد وهو يبعد عن المدينة حوالي 5 كم تقريباً.
وكان مسار الجيش من بين المزارع والبساتين في الليل قبل طلوع الفجر .
وصل النبي ﷺ إلى جبل أحد وتمركز بجيشه .
بحيث أصبحت المدينة في وجه الجيش.
وجبل أحد في ظهر الجيش وعلى يمينه.
وجزء من الجبل على يسار الجيش .
وهو الجزء من الجبل الذي سيقف عليه الرماة وجيش قريش أصبح فاصلآ بين المسلمين والمدينة .
لما نظر النبي ﷺ ورأى جيش قريش أمامهم تفحص ساحة المعركة "ببصيرته"
١ / جعل جبل أحد خلف المسلمين وعن شمالهم .
"حتى لا يستطيع جيش قريش تطويق المسلمين"
نظر النبي ﷺ فرأى أن في جيش قريش 200 فارس يقودهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل تنحوا عن الجيش .
أي ليست مهمتهم القتال وقفوا على جانب .
فعلم النبي ﷺ أن هؤلاء الفرسان بقيادة خالد بن الوليد مهمتهم فقط تطويق المسلمين والإلتفاف حولهم .
٢/ جعل عدد من الرماة على الجبل على يسار المسلمين يقومون برمي السهام في إتجاه خيل المشركين .
وبذلك يقلل من آثار إمتلاك قريش لعدد كبير من الفرسان لأن الخيل تخاف وتتراجع أمام النبل .
٣/ أن يقف المسلمون صفآ واحداً في أضيق مسافة بين جبل الرماة وجبل أحد وهي مسافة حوالى 650 متر تقريباً.
وبذلك تحارب قريش المسلمون بنفس عددهم تقريبا .
ويستطيع النبي ﷺ التقليل من آثار التفوق العددي لجيش قريش .
٤/ أن يكون هناك مكان آمن في الجبل يمكن أن ينسحب إليه المسلمون إذا وقعت الهزيمة بالمسلمين ولا يلجؤوا إلى الفرار من أمام العدو فيتعرضوا للقتل أو إلى الأسر.
هكذا تمركز الرسول ﷺ في أفضل مكان في أرض المعركة .
مع أن النبي ﷺ وصل لساحة أحد وقد وصلت قريش قبله
ومع أن قريش يوجد فيها خبراء عسكريين وفيها الداهية أبو سفيان.... وفيها العبقرية العسكرية الفذة "خالد بن الوليد"
عندما كون النبي ﷺ كتيبة الرماة الذين سيقفون على الجبل
وكان عددهم 50 رجل من الصحابة رضي الله عنهم أعطى قيادتها إلى "عبد الله بن جبير" رضي الله عنه.
يكون والد جابر بن عبدالله راوي الحديث .
وكان عبدالله بن جبير معلم بثياب بيضاء
إختار ﷺ 50 رجل من خيرة رماة المسلمين .
ثم أوصاهم
اسمعوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة :
فالسيرة للتأسي لا للتسلي :
قال للرماة . قفوا على هذا التل ولا تشاركونا في القتال وعليكم "مهمتكم" أن تنضحوا الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا .
فإن الخيل لا تقدّم على النبل .
إنا لن نزال غالبين ما مكثتم مكانكم .
فإن رأيتمونا نظهر عليهم وندخل معسكرهم ونغنم غنائهم فلا تبرحوا مكانكم حتى أكون أنا الذي أرسل إليكم .
وإن رأيتموهم يظهروا علينا وتخطفنا سيوفهم خطفاً فلا تدافعوا عنا .
لا تبرحوا مكانكم ولا تشاركونا القتال .
بل إلزموا مكانكم حتى أكون أنا الذي أرسل إليكم .
ثم قال : اللهم إني أشهدك عليهم .
ثم يختمها صلى الله عليه وسلم بقوله :
لا نؤتين اليوم من قبلكم .
✨✨✨✨✨✨
وكذا أنتم أيها المصلحون والدعاة والآباء و الأمهات والمربين لا تبرحوا أماكنكم...... العمل العمل فالكل على ثغر من ثغور هذا الدين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
06-30-2022, 07:33 AM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة و العشرون بعد المائة 127
معركة أحد .
في صباح يوم السبت 7 شوال من السنة الثالثة من الهجرة .
أصبح الجيشان يرى بعضهم البعض .
ثم أذن بلال للصلاة وصلى النبي ﷺ الصبح بالمسلمين .
ثم خطب فيهم ﷺ وحثهم على الجهاد والصبر في القتال وأخذ ﷺ يبث في الصحابة رضي الله عنهم روح الحماسة والبسالة .
ننتقل لجيش قريش على الجانب الآخر كان أبو سفيان يحاول تعبئة جيش قريش وقال لحملة اللواء من بني "عبد الدار" :
قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم .
وإنما يؤتى الناس من قبل رآياتهم.
أي الراية إذا سقطت يعني الهزيمة ويوم بدر كنتم يا بني عبد الدار تحملونها وقد سقطت منكم وهزمنا .
فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه.
ونجح أبو سفيان في استفزاز بني عبد الدار .
فغضبوا عندما قال لهم ذلك أشد الغضب.... وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ؟
ستعلم إذا التقينا كيف نصنع !
وأخذوا يقسمون أن لا يسقط اللواء من يدهم ولن يفروا لأنه بثبات اللواء يثبت الجيش وبسقوطه يعني سقوطهم وهزيمتهم .
ورغم عدد قريش الكبير حاول أبو سفيان أن يعمل فتنة في صفوف المسلمين .
فاقترب من جيش المسلمين ونادى يا معشر الأوس والخزرج .
خلوا بيننا وبين بني عمنا وننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم .
فقام الصحابة رضي الله عنهم من الأنصار و شتموه ولعنوه
وقامت نساء قريش تقودهن "هند بنت عتبة" بدورهن في تحريض قريش .
فأخذن يتجولن بين الصفوف وهن يضربن الدفوف وينشدن الشعر .
وتقول هند :
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
مشي القطا النوازق
والمسك في المفار
والدر في المخانق
إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
فسمعها النبي ﷺ :
فقال . اللهم أنت حسبي بك أصول وبك أحول .
أصبحت المعركة على الأبواب
فكان أول وقود للمعركة حين خرج رجل من قريش اسمه "طلحة بن أبي طلحة" يدعو إلى المبارزة وهو راكب على جمل .
وكان من أقوى فرسان قريش وحامل لوائهم .
كان جبار عنيد من أهل قريش
وقال : من يبارز ؟
فلم يخرج إليه أحد وساد صمت شديد .
فوثب إليه "الزبير بن العوام" رضي الله عنه وأرضاه وكان شجاعا طويلا .
"ذكرنا أن المسلمون خرجوا مشي على أقدامهم ليس معهم إلا فرس واحد كان يركبه النبي ﷺ .
فخرج الزبير على قدميه والرجل على بعيره .
فوثب الزبير من الأرض وثبة واحدة فجلس معه على بعيره .
ثم أخذ سكينه عن جانبه وأمسك برأسه ونحره بها .
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مافعله الزبير .
قال . الله اكبر الله اكبر .
فقال الصحابة رضي الله عنهم من خلفه الله أكبر .
فقال النبي ﷺ إن لكل نبي حواري وإن حواري الزبير بن عوام .
"الحواري هو الشخص المقرب أي من خاصتي"
والذي نفسي بيده لو لم يبرز له الزبير لبرزت له أنا .
وكبر المسلمون .
وبسقوط "طلحة بن أبي طلحة" قتيلًا وتكبير المسلمين بدأ القتال بين الفريقين واشتعلت نيران المعركة في كل نقطة من ميدان القتال .
وانطلق المسلمون خلال جنود المشركين كالسيل
وهم يصيحون "أَمِت أَمِت" وكان هذا هو شعارهم يوم أحد .
"هو دعاء لله تعالى بانزال الموت في صفوف الكفار"
بينما كان شعار المشركين وصياحهم "يا للعزى يا لهبل"
وقاتل المسلمون بقوة وضراوة وشراسة .
وكان ثقل المعركة في أولها يدور حول لواء المشركين والذي كان يحمله "بنو عبد الدار"
فبعد سقوط قائدهم "طلحة بن أبي طلحة" في المبارزة سقط اللواء .
فحمله أخوه "عثمان بن أبي طلحة"
فجاء إليه "حمزة بن عبد المطلب" وضربه ضربة بترت يده مع كتفه حتى وصلت إلى سرته .
فرجع حمزة رضي الله عنه وهو يقول : أنا ابن ساقي الحجيج .
"ابوه عبد المطلب جد النبي ﷺ كان يسقي الحجيج"
ثم رفع لواء قريش "أبو سعد بن أبي طلحة"
فأخذ "سعد بن أبي وقاص" قوسه ورماه بسهم
فوقع السهم في حنجرته فمات من فوره .
ثم رفع اللواء "مُسافع بن طلحة بن أبي طلحة"
فرماه "عاصم بن ثابت" بسهم فقتله .
ثم رفع اللواء "كِلاب بن طلحة بن أبي طلحة"
فانقض عليه "الزبير بن العوام" وقاتله حتى قتله .
هكذا حتى قتل من بني عبد الدار 10 ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء .
فتقدم غلام لهم حبشي اسمه "صواب" فقاتل عن اللواء حتى قتل .
هكذا سقط لواء المشركين على الأرض من بداية المعركة ولم يبق أحد يحمله فبقي ساقطاً .
واستبشر النبي ﷺ واستبشر الصحابة رضي الله عنهم.
بينما انهارت معنويات جيش قريش وتفرقوا في كتائب متباعدة .
كان من أبرز المقاتلين في ذلك اليوم الفارس القوي "أبو دجانة"
قبل بدء المعركة أمسك النبي ﷺ بسيف .
وقال من يأخذ هذا السيف بحقه ؟
فقام إليه علي بن أبي طالب
قال : أنا يا رسول الله "فلم يعطه النبي السيف"
ثم قال ﷺ من يأخذ هذا السيف بحقه ؟
فقام الزبير بن العوام
قال : أنا يا رسول الله "فلم يعطه"
وقام عمر بن الخطاب أيضا فلم يعطهم النبي ﷺ السيف .
حتى قام إليه "أبو دجانة" وقال : وما حقه يا رسول الله ؟؟
قال ﷺ أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني .
قال : أنا آخذه بحقه يا رسول الله .
فأعطاه إياه فلما بدأت المعركة .
يقول الزبير بن العوام : وجدت في نفسي حين سألت رسول الله ﷺ السيف فمنعنيه
وأعطاه أبا دجانة
وقلت في نفسي : أنا ابن صفية عمته ومن قريش .
وقد طلبته قبله فآتاه إياه وتركني .
والله لأنظرن ما يصنع ؟
"يريد أن يراقب ويرى ماذا سيفعل ابو دجانة بالسيف"
يقول الزبير : فاتبعته .
فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه
فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت .
"اهل المدينة يعرفون أبو دجانة إذا أراد أن يبلي بلاء حسن بالحرب وكانت لهم حروب من قبل الإسلام .
كان يعصب رأسه عصابة حمراء"
عصب أبو دجانة العصابة على رأسه وأخذ يمشي على رؤوس أصابع قدميه وهو يتبختر بين الصفوف ويهز سيف النبي صلى الله عليه وسلم في يده .
فقال له النبي ﷺ إنها لمشيةٌ يبغضها الله ورسوله لو لم تكن في هذا الموطن .
الزبير يراقب ابو دجانة ماذا سيفعل ؟؟
يقول الزبير : كنت لا أبرحه . أكون بجانبه أقاتل ولكن لا أبتعد عنه حتى أرى صنيعه .
فأبلى بلاءً حسناً فكان يهد الناس في سيفه هداً كأن السيف في يده منجل يحصد به قريش حصداً .
يقول الزبير : فغفلت عنه فألتفت إليه فلم أجده .
أبو دجانة لم يغب ولكن عصابته الحمراء قد سقطت فظن أنه غاب .
ففي المعركة لا ترى الوجوه فالغبار في كل مكان والرجال مدججون بالسلاح ولم يرى الزبير العصابة الحمراء .
فظن أن أبو دجانة ليس في الساحة .
قال الزبير : ظفأ قبل رجل من قريش ذا هيبة ضخم الجثة وهو ينادي .
ويقول أين محمد دلوني عليه . لا نجوت إذا نجا .
فقلت في نفسي أين أبو دجانة ليرى هذا ؟؟
قال : فلما دنى تلقاه رجل من المسلمين فعلاه بالسيف على عاتقه حتى قصه بين فخذيه .
يعني قصه بالسيف من رقبته إلى بين الفخذين .
يقول الزبير : فقلت من هذا ؟؟
ليتني أعرفه وليت أبو دجانة يراه .
"حديث نفس حتى لو تكلم به مع قعقعة السيوف هل يسمع أحد أحد "
قال : فما راعني إلا والرجل يلتفت إلي ويكشف اللثام عن وجهه .
ويقول : أنا أبو دجانة يا زبير .
إنها القلوب يا عباد الله .
لم يتكلم الزبير إنها القلوب المبصرةالمؤمنة .
هؤلاء هم رجال الله الذي قال عنهم الله :
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا .
كشف اللثام عن وجهه
وقال انا ابو دجانة : يا زبير هل وفيت السيف حقه؟؟
قال الزبير : اللهم نعم .
فلما بدأ القتال جعل لا يلقى أحد إلا قتله وكان إذا كل السيف حده بالحجارة .
فلم يزل يضرب به العدو حتى انحنى كأنه منجل .
ثم أمعن في الصفوف حتى خلص إلى نسوة قريش
وفيهم "هند بن عتبة" تحمس الجيش وتحاول أن تجهز على الجريح من المسلمين وهو لا يدري بها فلما حمل عليها بالسيف وأصبح عند مفرق رأسها
قالت هند : يا ويلاه وصرخت .
فانصرف عنها "أبو دجانة" .
فقال الزبير لأبي دجانة .
لقد أعجبني أمرك كله إلا أنك لم تقتل المرأة .
قال أبو دجانة : يا زبير عندما علوتها بالسيف : صرخت وقالت . وااااا آل صخر
وإذا هي هند بنت عتبة زوجة أبو سفيان .
وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب .
صرخت وقالت : وااا آل صخر
فلم يجبها أحد فكرهت أن أقتل بسيف رسول الله امرأة لا ناصر لها .
هل سمع ذلك دعاة حقوق الإنسان ومكارم الاخلاق نحن أصحاب مكارم الأخلاق وحقوق الإنسان منذ بزغ فينا نور الإسلام والحمد لله
وكان من أبطال هذا اليوم أيضا "علي بن أبي طالب" وقتل كثير من المشركين .
وبعد المعركة أعطى سيفه لزوجته السيدة فاطمة بنت النبي ﷺ .
قال لها اغسليه من الدماء فقد صدقني اليوم .
وكان أبرز أبطال هذا اليوم أيضاً
أسد الله وأسد رسوله "حمزة بن عبد المطلب" والذي اندفع في قلب جيش المشركين كالأسد الهائج
يقاتل بسيفين ودخل في قلب جيش العدو مغامرة منقطعة النظير
وكان "حمزة" يعلم نفسه بريشة نعامة يضعها على صدره وكان يدعو أبطال قريش لقتاله فيفرون منه .
وكان هناك عبد حبشي خرج فقط ليقتل حمزة وقد وعده سيده جبير بن مطعم أن يعتقه إن نجح في قتل حمزة رضي الله عنه
وقلنا أنه قد اختار وحشي لأن عنده مهارة خاصة جداً في رمي الحراب .
ولأنه يعلم أنه لايستطيع أحد أن يقتل حمزة في مبارزة .
ولا يمكن أن يقتل إلا إذا رمي بحربة من مكان بعيد .
يقول : وحشي وقد أسلم فيما بعد رضي الله عنه
جاء الجبير وقال لي : أترى ذلك الرجل على صدره ريشة نعام .
إنه حمزة رضي الله عنه.
يقول وحشي فنظرت إليه فكأنه جمل أورق .
"يعني ضخم بين الناس كأنه جمل"
"وأروق يعني الجمل الرمادي اللون"
"والمقصود بذلك كثرة ما حول حمزة من غبار"
يقول وحشي فأخذت أراقب حمزة رضي الله عنه
فتقدم رجل من قريش يريد أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم
يصرخ ويقول أين محمد دلوني عليه ؟
فتلقاه حمزة ثم أشاح إليه بسيفه فظننت أنه قد أخطأه .
ثم مضى حمزة رضي الله عنه
يعني رفع حمزة السيف ونزله فأعتقد وحشي أن حمزة ما ضربه بالسيف وضل ماشي حمزة"
يقول وحشي فماهي إلا لحظة وأنا انظر للرجل واقف .
"ثم سقط رأسه وسقط جسده . وإذا بحمزة كان قد قص رأسه"
"من قوة الضربة وسرعتها مضى السيف ما بين الرأس والجسد وبقي الجسد ثابت مكانه"
"فسقط الرأس في جهة والجسد في جهة ولم يتوقف حمزة"
يقول وحشي : فهبته "خفت منه" كان يهد الناس بسيفه هداً .
ما يقوم له أحد إلا قسمه بالسيف .
وسمعت حمزة يقول لأحدهم هلم إِلي يا ابن مُقطعة البُظور
"كان رجل من قريش أمه معروفة تختتن النساء في مكة"
فتقدم إليه حمزة فقتله
فأخذت أهرب منه حتى اختبأت خلف شجرة وكانت معي حربتي
حتى إذا أستمكنت منه هززت حربتي حتى رضيت عنها .
أرسلتها فوقعت في بطنه وخرجت من ظهره .
وقام متجه نحوي فلم يستطع
يقول وحشي فلما مات أتيته وأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه .
ولم يكن لي بغيره حاجة وإنما قتلته لأعتق .
فلما قدمت مكة أعتقت .
وظل "وحشي" بعد ذلك نادماً طوال حياته على قتل "حمزة"
فلما كانت حروب الردة اشترك فيها وقتل "مسيلمة الكذاب"
وقال قتلت خير الناس وشر الناس
رضي الله عن الصحابة أجمعين وجزاهم ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة و العشرون بعد المائة 128
غزوة أحد ومخالفة الرماة لأمر النبي ﷺ .
استشهد "حمزة" رضي الله عنه أسد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن المسلمين كانوا مسيطرين على المعركة
ومتفوقين على جيش قريش
وقد قامت الكتيبة التي عينها الرسول ﷺ على "جبل الرماة " بدورها المطلوب منها في صد هجوم الفرسان .
حيث حاولت كتيبة فرسان قريش بقيادة "خالد بن الوليد" و "عكرمة بن أبي جهل" أن تتسلل إلى ظهر المسلمين بثلاثة هجمات ولكن في كل مرة كان فريق الرماة يرمونهم بالسهام حتى فشلت هجماتهم الثلاث .
وظلت كتيبة الفرسان من قريش بقيادة "خالد و عكرمة" بلا أي دور تقريباً طوال المعركة .
أصبحت المعركة واضحة
فإن سيناريو "بدر" يتكرر والمسلمون مقبلون على نصر ساحق آخر على قريش لا يقل روعة عن نصر بدر .
وأخذت صفوف قريش تتقلص وبدأت تتراجع وتنسحب وولت أدبارها وسقط لواؤهم
يقول الزبير بن عوام رضي الله عنه : وإني لأنظر إلى هند بنت عتبة ونساء سادة قريش يجرين مشمرات...
"اي ترفع ثوبها لتستطيع الركض"
وأنظر إلى خدمها
"والخدم هو الخلخال الذي يوضع في أسفل الساق يسمى عند العرب الخدم"
انظر إلى خدمها ما بين مسكهنّ قليل ولا كثير...
"أي لأمسك بهن و يأخذوهم أسرى سبايا"
وبدأ المسلمون يتتبعون المشركين يقتلونهم ويجمعون الغنائم .
وهنا وقع الرماة في غلطة فظيعة قلبت الوضع تماماً .
إن الرسول ﷺ قد أصدر أوامر مشددة وكرر الأمر أكثر من مرة للرماة بعدم ترك أماكنهم تحت أي ظرف
سواء تحقق النصر للمسلمين أو الهزيمة .
وقال لهم إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم .
وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم .
فلما تحقق النصر للمسلمين...
هذا النصر جعل الرماة يطيشون فرحاً وقالوا نشارك إخواننا في جمع الغنائم .
فقالوا . الغنيمة .. الغنيمة ..ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟
ولكن قائدهم "عبد الله بن جبير" ذكرهم بأوامر النبي ﷺ بعدم ترك أماكنهم .
صاح بهم وقال : اتقوا الله واتقوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم....
ألم يخبركم أن لا تبرحوا مكانكم حتى يكون هو من يرسل إلينا فهل أرسل ؟؟
قالوا : لا ولكن ما أراد رسول الله هذا أن نبقى على الجبل وقد انتهت المعركة .
ولكن لم يستجب لعبد الله بن جبير إلا 6 فقط كان هو سابعهم .
بينما ترك 43 الآخرون مواقعهم من الجبل ونزلوا إلى أرض المعركة ليشاركوا بقية الجيش في جمع الغنائم .
"وقلنا من أول المعركة أن النبي ﷺ ما وضع الرماة على التل إلا بعد أن فحص أرض المعركة ببصيرته .
فوجد خالد بن الوليد على رأس 200 من الفرسان واقفين لايشاركون قريش بالقتال .
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم هدفهم فجعل الرماة مضاد لهم وهكذا كان .
فلما نزل الرماة ولم يبقى منهم إلا سبعة نظر "خالد بن الوليد" وقد مر به أبو سفيان منهزماً
يقول لخالد قد خسرنا المعركة يا خالد .
قال خالد : لا ليس بعد .
قال له أبو سفيان هؤلاء قومك يولون الأدبار
قال : ليس بعد وعينه إلى جبل الرماة
وكان "خالد بن الوليد" لا يزال على فرسه في أرض المعركة .
فلما شاهد الرماة الذين ردوا هجوم فرسانه ثلاثة مرات قد تركوا أماكنهم انتهز الفرصة وأخذ قراره السريع فهاجم بكتيبته من بقي من الرماة فقتلهم جميعآ مع أميرهم "عبدالله بن جبير" ودار بفرسانه خلف جبل الرماة
وأحاط بالمسلمين وانقض عليهم من خلفهم .
ثم أخذ فرسان المشركين ينادون بقية الجيش بشعارهم
يا للعزى يا لهبل
وشعر المشركون المنهزمون بالتطور الجديد فقاموا بهجوم مضاد ضد المسملين
وهكذا أحيط بالمسلمين
"من الأمام والخلف" ووقعوا بين شقي رحى وجاءت امرأة من المشركين فرفعت لواء قريش من التراب مرة أخرى .
فتجمع جيش قريش مرة أخرى حول لوائهم .
وكان المسلمون في هذه اللحظات يجمعون الغنائم ويجرون خلف قريش .
فجاءهم خالد من الوراء و وضع السيف فيهم فذهلوا لأن الذي يجمع الغنائم ويمسك الأسرى ويوثقهم بالحبال يكون قد أغمد سيفه
فألقوا ما بأيديهم من غنائم وشرعوا بالسيوف مرة أخرى
ولكن هيهات هيهات تفرقت الصفوف.....
هنا أصبح القتال في ساحة المعركة في مكانين
المكان الأول .
جيش المسلمين المحاصرين أمام جبل أحد من الأمام ومن الخلف .
هنا ذهل المسلمون وأخذ المسلمون يضربون بعضهم بعضا بلا وعي يظنونهم من قريش .
وقد سادت الفوضى والإرتباك والإضطراب في الجيش حتى تاهوا وسط المشركين.
في وسط هذا الأرتباك حصل هذا الموقف .
كان هناك صحابي اسمه "اليمان"
أبو الصحابي الجليل "حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم
وصحابي آخر اسمه "ثابت بن وقس رضي الله عنه
لما خرج النبي ﷺ كانوا في المدينة .
والسبب لم يخرجا مع النبي ﷺ ؟؟
لأنهما كانا شيخين كبيرين...
فكانا جالسين فقالا ماذا ننتظر .
أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل الله يرزقنا الشهادة...
فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في المعركة من جهة المشركين .
فقتل المشركون "ثابت"
وأحاط المسلمون باليمان يقاتلونه وهم يعتقدون أنه من المشركين فصاح حذيفة وقال : أي عباد الله أبي أبي . إنه أبي
ولكنهم لم يسمعوه وقتلوه
فلما علم المسلمون أن الذي قتلوه والد "حذيفة بن اليمان" حزنوا حزن كبير....
فقال لهم حذيفة رضي الله عنه : يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .
ثم انطلق بسيفه واستكمل القتال .
وهمّ النبي ﷺ بعد المعركة أن يدفع له الدية فأبى أخذها حذيفة رضي الله عنه
وجعلها صدقة على من قتله من المسلمين .
لذا كان حذيفة من خيار الصحابة وصاحب سِر رسول الله ﷺ إلى أن لقي ربه .
ذُهل المسلمون وطاشت عقولهم
منهم من فر من ساحة المعركة حتى وصل لبساتين المدينة .
فأستقبله النساء وهن يقلن خذ المغزلة وهاتِ سيفك .
كيف ترجعون ورسول الله في ساحة المعركة ؟
فاستحوا ورجعوا .
المكان الثاني ..
المكان الثاني الذي تركز فيه القتال كان حول رسول الله وكان ﷺ قد بلغ من العمر 57 عام .
كان مكانه في مؤخرة الجيش وحوله مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم لحراسته عددهم تسعة .
ووجدت قريش أن هذه هي فرصتهم لتحقيق حلمهم .
والهدف من غزوتهم هو قتل النبي ﷺ .
ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين..
لله الأمر من قبل و من بعد
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٢٠/٥/٢٠٢١ ١٢:٠٨ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والعشرون بعد المائة 129
استبسال الصحابة رضي الله عنهم بالدفاع عن النبي ﷺ .
الجزءالأول .
اختل ميزان المعركة وتفرق الناس وكان هنالك 9 من الصحابة رضي الله عنهم حول النبي يقاتلون ويدافعون عنه ﷺ حتى استشهدوا جميعاً وهم يدافعون عنه ﷺ .
إلا "طلحة بن عبيدالله و سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم جميعآ.
كانت من أحرج اللحظات في حياة النبي ﷺ
فلما رأت ذلك "نسيبة" أم عمارة رضي الله عنها
وقد تفرق الناس من حوله ﷺ أخذت تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدافع عن نفسه ﷺ .
وقد هجمت قريش كلها عليه
فهدفهم جميعاً كان هو قتل محمد ﷺ .
وكانت قد خرجت لتسقي الجيش وتساعد الجرحى .
فلما اختل ميزان المعركة حملت السيف وأخذت تقاتل حتى أصابها 12 جرح .
يقول ﷺ ما التفت يميناً ولا شمالاً يوم أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني ثم أقبل رجل من قريش اسمه "ابن قمئة" كان مصراً على قتل النبي ﷺ .
وهو يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا
فوقفت في وجهه أم عمارة بسيفها وضربته بسيفها عدة ضربات .
ولكن كان يرتدي درعان فنجى من ضرباتها ثم ضربها هو ضربة أصابت كتفها فأزال كتفها عن موضعه وأصبح مكانه تجويف وما زال يرى حتى ماتت .
لم تمت في أحد عاشت رضي الله عنها وشهدت حروب الردة وكانت ممن أسهم في قتل مسليمة الكذاب .
وفي أثناء القتال تعثر الرسول ﷺ في إحدى الحفر في أرض المعركة وأصيبت ركبته ﷺ .
ثم اشتد عليه الهجوم وأخذ المشركون يلقون عليه الحجارة فكسرت رباعيته .
"والرباعية هي السن بجوار الناب"
اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل .
فكسرت رباعية الرسول ﷺ اليمنى السفلى كسرها "عتبة بن أبي وقاص"
أخو "سعد بن أبي وقاص" كما أصيبت شفته السفلى وسالت منها الدماء .
وأصيب الرسول ﷺ في جبهته وسالت الدماء على وجهه .
وجاءه فارس عنيد اسمه "عبد الله بن قمئة" فضربه على عاتقه ضربة قوية ظل النبي ﷺ يشتكي منها شهرا كاملاً أو أكثر .
ثم ضربه ضربة أخرى على وجنته ﷺ حتى دخلت حلقتان من المغفر في وجنته وسالت منها الدماء وكانت قريش كلها تنهال عليه يقول الصحابة رضي الله عنهم لقد عدنا إليه يوم أحد وإن سهام قريش لتأتي عن يمينه وشماله وبين يديه ومن فوقه وتسقط بجانبه والله يمنعه من كل ذلك .
فأقبل أبو دجانة يبحث عن النبي ﷺ فلما اقترب و رآه وكانت نسيبة "أم عمارة" هي من تدافع عنه والنبي صلى الله عليه وسلم يدافع عن نفسه جاء أبو دجانة وكان قد سقط ترسه بالمعركة وليس معه إلا السيف الذي أخذه قد انحنى .
فقال بأبي وأمي يارسول الله هذا هو السيف هل قد وفيته حقه
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : نعم .
فألقى السيف من يده
وقال : هل يوجد ترس نترس به عن رسول الله
فقال له النبي ﷺ لا ترس .
فماذا صنع ابو دجانة .
احتضن النبي ﷺ وأعطى ظهره لقريش وأحاط بالنبي صلى الله عليه وسلم
ونظر في عيني النبي ﷺ .
وقال ظهري اليوم لك ترس يا رسول الله .
بأبي أنت وأمي يارسول الله لا أراك تنزف وفيي عين تطرف .
احتضن "أبو دجانة" النبي ﷺ حتى يقيه من السهام .
وأخذت السهام تسقط في ظهر أبو دجانة و أبو دجانة منحن وواقف مكانه لا يتحرك .
فكان كلما نزل في ظهره سهم تألم.
ينظر في عيني النبي ﷺ .
ويقول . آه ما أطيبها فيك يارسول الله ...
والنبي ﷺ يقول له ارفق بنفسك أبو دجانة .
وهو يقول : لا والذي بعثك بالحق لا أراك تنزف وعيني تطرف .
يقول راوي الحديث حتى أصبح ظهر "أبو دجانة" مثل القنفذ من كثرة السهام .
أخذت السهام تسقط في ظهر أبو دجانة وهو لا يتحرك حتى فقد وعيه و وقع في حجر النبي ﷺ .
"ولكنه عاش رضي الله عنه وشارك في حروب الردة"
وأقبل "سعد بن أبي وقاص" رضي الله عنه وارضاه
وكان من أمهر العرب في رمي السهام .
وتكرر المشهد هل من ترس ؟؟
لايوجد ترس .
فقال : يا رسول الله هل من قوس أرمي به ؟
"وكان قوس سعد أيضاً قد ضاعت بالمعركة"
فقال له النبي ﷺ هذه قوسي ولكن قد تقطع وترها فأشددها .
أخذ سعد من النبي صلى الله عليه وسلم القوس .
قال سعد بأبي وأمي يارسول الله إنها تقصر إنها لا تطول .
"لأن الوتر مقطوع من النص إنها لا تطول اي الوتر لا يطول عشان اربطه من الطرف الثاني"
قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا سعد مدها بسم الله .
قال سعد بسم الله
يقول سعد والذي بعثه بالحق نبياً
لقد طالت وطويت منها طويتن على القوس .
وأخذ يرمي سعد حتى نفذت سهامه .
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من كنانته بعض السهام .
ثم وقف النبي ﷺ وجعل ذقنه على كتف سعد بن أبي وقاص .
ويقول له : إرمِ سعد فداك أبي وأمي .
فجاء بعض الصحابة رضي الله عنهم فوضعوا السهام أمام سعد وهو يرمي رضي الله عنه حتى رمى "سعد" في هذا اليوم ألف سهم بين يديه ﷺ حتى يصد قريش عنه .
فلما انتهت السهام أعطاه النبي ﷺ سهماً .
يقول سعد مكسور طرفه وله ريش .
فرميت به وانا اعلم انه آخر سهم .
وإذا بالنبي ﷺ يناولني ويقول لي إرمِ سعد .
فنظرت الى السهم فإذا هو السهم الذي رميت به الآن .
فرميت .
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم خذ يا سعد فإرمي .
فإذا هو السهم نفسه .
يقول سعد : فوالذي بعثه بالحق لقد رميت بذلك السهم إما ثماني أو تسع مرات .
والنبي صلى الله عليه وسلم يرده علي .
فقلت . بأبي وأمي يارسول الله . والله إنه السهم الذي ارمي به لا أنكره .
فقال له النبي ﷺ غفر الله لك يا سعد لو انك سكتت لناولتك اياه سائر اليوم .
وأقبل طلحة يقاتل عن النبي ﷺ وكان عمر طلحة 28 عام وهو رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة .
وأخذ يدافع عن النبي حتى جرح 39 جرحا .
وكاد أن يصيب أحد السهام الرسول ﷺ فأخذ يصده بيده .
فلم تصب النبي ﷺ وشلت يد طلحة وظل هكذا يقاتل حتى سقط مغشياً عليه .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال : ذلك اليوم كله لطلحة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثلاثون بعد المائة 130
استبسال الصحابة رضي الله عنهم بالدفاع عن النبي ﷺ .
الجزء الثاني .
دافع الصحابة رضي الله عنهم عن النبي ﷺ
واصيب علي بن أبي طالب عشرات الإصابات حتى ظن رسول الله ﷺ أن على رضي الله عنه قد استشهد.
وجاء "عبد الرحمن بن عوف" وقاتل حتى أصيب بعشرين جرحاً وكانت أحد هذه الإصابات في فمه حتى تكسرت أسنانه .
وكان بعضها في رجله فكان يعرج بعد أحد... رضي الله عنه.
وحاول "سعد بن أبو وقاص" أن يقتل أخوه "عتبة بن أبي وقاص" ولكنه لم يظفر به.
فتبعه الصحابي "حاطب بن أبي بلتعة" حتى ضربه بالسيف ضربة أطاحت رأسه ثم أخذ فرسه وسيفه .
وجاء "مالك بن سنان" فأخذ يمص الدم من جروح النبي ﷺ حتى ينقيها .
فقال له الرسول ﷺ مُجَّه "أي ابصقه لا تبلعه "
فقال مالك رضي الله عنه والله لا أمجه ثم ذهب يقاتل حتى مات شهيدا.
وقاتل "مصعب بن عمير رضي الله عنه قتال شديدا وكان اللواء بيده... فضربوه على يده اليمنى حتى قطعت .
فأخذ اللواء بيده اليسرى حتى قطعوا يده اليسرى ثم قتلوه .
وكان الذي قتله هو "ابن قمئة" وكان "مصعب بن عمير" يشبه الرسول ﷺ .
فاعتقد "ابن قمئة" أنه قتل الرسول ﷺ فانصرف ابن قمئة إلى المشركين وهو يصيح ويصرخ إن محمداً قد قتل...
ولم تمر دقائق حتى شاع خبر مقتل النبي ﷺ في المشركين والمسلمين .
وكان المسلمون لا يزالون محاصرون .
فلما وصل إليهم خبر مقتل النبي ﷺ انهارت روحهم المعنوية .
فأصابتهم المصيبة العظمى "قُتل النبي صلى الله عليه وسلم
وبدأ البعض في الفرار
ففرت مجموعة منهم إلى المدينة وصعد بعضهم إلى الجبل .
بينما توقف البعض عن القتال
فقال لهم "أنس بن النضر"
ما تنتظرون
فقالوا : قتل رسول الله .
قال : فإن كان قد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله لم يقتل .
قال : ما تصنعون بالحياة بعده
قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ إني لأجد ريح الجنة دون أحد .
ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل
فلم يعرف بعد نهاية المعركة من كثرة الإصابات في وجهه وجسده حتى عرفته أخته بأصابعه رضي الله عنه... وعدوا جروحه فإذا هي بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم رضي الله عنه.
ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار وهو مصاب إصابات بالغة وتسيل منه الدماء .
فقال له : يا فلان هل قتل رسول الله ؟؟؟
فقال الأنصاري إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ .
فقاتلوا عن دينكم .
ونادى "ثابت بن الدَحْدَاح" قومه
فقال : يا معشر الأنصار .
إن كان محمداً قد قتل فإن الله حي لا يموت .
قاتلوا على دينكم فإن الله مظفركم وناصركم فنهض إليه نفر من الأنصار وقاموا يقاتلون .
هكذا عادت الروح إلى جيش المسلمين .
ثم بلغهم أن خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح فزادهم ذلك قوة على قوتهم .
ونجحوا في الإفلات من التطويق وبدؤوا يتجمعون حول الرسول ﷺ .
بدأ الرسول ﷺ بعد ذلك بالإنسحاب المنظم إلى أحد شعاب جبل أحد .
وقد قلنا أن الشعب هو الطريق بين الجبلين .
وكان من أسباب اختيار الرسول ﷺ لهذا الموضع في أحد هو أن يكون هناك مكان آمن في الجبل يمكن أن ينسحب إليه المسلمون إذا وقعت الهزيمة .
ولا يلجئوا إلى الفرار من أمام العدو فيتعرضوا للقتل أو إلى الأسر .
أخذ الرسول ﷺ والمسلمون يشقون طريقهم بين المشركين المهاجمين .
وحاول المشركون عرقلة هذا الإنسحاب واشتد هجومهم إلا أنهم فشلوا أمام بسالة الصحابة رضي الله عنهم.
كان من قريش رجال مصرون على قتل النبي ﷺ .
فجاء شقي منهم "عثمان بن عبد الله" أحد فرسان قريش إلى الرسول ﷺ .
وهو يقول : لا نجوت إن نجا .
فعثرت به فرسه فسقط فقاتله الصحابي "الحارث بن الصمة" وقتله .
ثم جاء شقي آخر من قريش فانقض عليه أبو دجانة "البطل المغامر ذو العصابة الحمراء" وضربه بالسيف ضربة أطارت رأسه .
انسحب النبي ﷺ والصحابة إلى الشعب لسفح الجبل....
حتى جاء اشقى هذه الأمة "أبي بن خلف"
"شقيق "امية بن خلف" الذي هلك في "بدر"
كان من كبار المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة .
فكان كلما مر بجانب النبي ﷺ في مكة يقول له : يا محمد أنا أقتلك متى شئت!!!
من باب الإستهزاء والإستخفاف
فكان ﷺ يقول له : بل أنا أقتلك إن شاء الله...
فلحق بالنبي ﷺ إلى سفح الجبل وهو يقول : أين محمد ؟
أين أنت يا محمد ؟
تفر وأنت تزعم أنك نبي ؟
لا نجوت إن نجا .
"وهو عازم ومصر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم دمائهم تنزف وسلاحهم قد تكسر ومنهم من ضاع سلاحه وسقط"
فأحاط الصحابة رضي الله عنهم بالنبي ﷺ خشية أن يصل إليه بسوء .
فاستأذن الصحابة رضي الله عنهم النبي ﷺ أن يتصدوا له
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكل هدوء وهو واثق بالله مطمئن .
قال : *خلوا بيني وبين عدو الله *
فابتعد الصحابة رضي الله عنهم عن النبي ﷺ وانتظره حتى اقترب .
فالتفت إلى أصحابه وقال هل من حربة .
فأعطاه أحد الصحابة حربة مكسورة .
قالوا :ليس إلا هذه يارسول الله
فأخذ الحربة وكان بجانبه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
راوي الحديث أبو بكر الصديق رضي الله عنه...
فأخذ ﷺ الحربة وانتفض بها انتفاضة تطايرنا من حوله تطاير الشعّراء عن ظهر البعير .
"الشعراء الذباب الصغير عندما يقف على ظهر البعير يؤذيه باللدغ فإذا تضايق البعير انتفض انتفاضة شديدة فتطاير الذباب من على ظهره بالهواء من ها هنا وها هنا"
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ثم رفعها ﷺ وهزها حتى إذا دنى منه "أبي بن خلف"
قال ﷺ خذها وأنا محمد رسول الله .
فطارت في الهواء و أصابت عنقه فجرحته .
فألقاه عن فرسه فتدحرج على الأرض وهو يصيح يا ويلاه .
فقال له أبو سفيان متعجب علام تولول وتصيح ؟
إن هو إلا خدش لو أصاب عيني لم يؤذيها
فقال هذا الشقي أبي بن خلف . واللات لو بصق علي محمداً بصقة لقتلني؟؟
إنكم لم ترون ما رأيت
قال : ويلك مالذي رأيت ؟
فقال هذا الشقي عندما انتفض محمداً بحربته ورماها تحركت معه جبال أحد كلها .
ثم قال هذا الشقي إني ميت فهو قاتلي لا محال .
فحملوه على راحلة ولكنه مات بالفعل .
قال النبي ﷺ في ما يرويه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحهما كلً في سنده .
قال النبي ﷺ بعدما قتل هذا الشقي
اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله في سبيل الله .
للعلم لم يقتل النبي ﷺ بيده في حياته .
إلا هذا الشقي "أبي بن خلف"
فهو أشقى من هامان وفرعون .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٢٢/٥/٢٠٢١ ٨:٥٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الوحدة و الثلاثون بعد المائة 131
إنسحاب المسلمون إلى شعب الجبل والتمثيل بالشهداء .
بعد استبسال الصحابة رضوان الله عليهم بالدفاع عن النبي ﷺ
وكانت قريش كلها تنهال عليه
استطاع جيش المسلمين أن يشق طريقه إلى شعب الجبل وهزمت عبقرية خالد أمام نبوءة رسول الله ﷺ
واعتقدت قريش بعد هذا الهجوم أنها قتلت رسول الله ﷺ .
كان انسحاب المسلمون انسحاب منظم نحو أحد شعاب الجبل
وفي أثناء انسحاب الرسول ﷺ إلى الجبل عرضت له صخرة
فلم يستطع أن يصعد عليها من كثرة جراحه فقد أصيبت ركبته
فجلس تحته "طلحة بن عبيد الله" رغم جراحه رضي الله عنه وأرضاه
وقال : اصعد على ظهري يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصعد ﷺ على الصخرة ثم رفع يديه للسماء
وقال: اللهم إني أشهدك أن طلحة قد أوجب .
"اي وجب له رضا الله ورسوله"
استقر الرسول ﷺ والمسملون في الشعب وقامت قريش بآخر هجوم بقيادة "أبو سفيان وخالد بن الوليد"
إذ حاولوا أن يصعدوا الجبل ويكونوا فوق المسلمين .
فقال الرسول ﷺ اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا فأخذ سعد يرميهم بالسهام .
وانطلق إليهم عمر بن الخطاب ومعه مجموعة من المسلمين حتى أهبطوهم من الجبل
وكان هذا آخر هجوم قام به المشركون ضد المسلمين
وكانت قريش شبه متأكدة أنها قد نجحت في قتل الرسول ﷺ
فرجعوا إلى معسكرهم لاعتقادهم أنهم قد حققوا هدفهم وبدأوا يستعدون للعودة إلى مكة
واشتغل بعضهم كما اشتغلت نساؤهم بالتمثيل بقتلى المسلمين
في هذه الأثناء ألقى الله النعاس على الصحابة رحمة بهم
١- حتى لا يعيشوا لحظة فقدان النصر.
٢- حتى لا يروا ما تصنعه قريش بتشويه أجساد الشهداء فتأخذهم الحمية فيجددوا المعركة من جديد.
فقد فعلت قريش في معركة أحد عجباً شيئاً لم تعرفه العرب من قبل .
أخذوا يتفقدوا قتلى المسلمين "أي الشهداء" فرفعوا قتلاهم كي يدفنوهم .
وما وقفوا على جثة شهيد من المسلمين إلا ومثلوا بها "أي تشويه الجثث"
فجاءت "هند بنت عتبة" إلى جثة حمزة عم النبي ﷺ الذي قتله وحشي بحربته .....
فدلها وحشي على مكانه ورفع الحربة من بطنه....
وقال لها : هذا هو حمزة رضي الله عنه...
"فقد وعدته هند أن تعطيه وزنه ذهب وفضة"
فقالت له : مزقه "شق بطنه لتشفي غليلها و حقدها "
وأخرجت كبده وحاولت أن تمضغها وتبتلعها فلم تستطع
فلم يكفها ذلك فقطعت أذنه وأنفه وأنوف وآذان عدد من كبار الشهداء رضي الله عنهم.
كمصعب وعبدالله بن جحش وغيرهم رضي الله عنهم...
وجعلت منها قلادة في عنقها لتدخل بها مكة لتتفاخر .
وتقول : هذه أنوف وآذان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم....
[[ هذه المثلة لو رأها المسلمون من سفح الجبل لن يسكتوا عليها فألقى الله عليهم النعاس أمنةً منه لأنهم لو رأوا ما فعلته قريش بالشهداء لن يسكتوا وسينزلون لقتالهم وجراحهم لا تساعد على القتال....
فأخذت قريش يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويشقون البطون
ولم يكن أبو سفيان أحسن حال من زوجته هند
فقد أخذ حربته وعكسها فجعل كعبها في الأرض "يسمى زج الرحم"
وأخذ يدق فك حمزة السفلي من عند العنق للفك يدق بها ....
ويقول : ذق عقك "يعني ذق طعم العذاب و عقوقك قومك"
فمر به سيد الأحابيش سمه "حليس"
فقال : ما هذا أبو سفيان ؟
قال ابو سفيان : ويحك اكتمها فقد كانت زلة.
"أي لا تخبر أحد بما رأيت لأن فعله كان معيب"
فصرخ به الحليس وقال: ما رأيت اليوم من عجباً .
سيد بني كنانة و سيد قريش يفعل هذا بابن عمه لحماً ؟
"لحما أي جسد قد مات لا يستطيع أن يدافع عن نفسه...
فقال : ويحك لا ترفع صوتك اكتمها عني فقد كانت زلة
وهكذا فعل الكثيرون منهم والصحابة رضي الله عنهم نيام مع النبي ﷺ ليصرف الله عنهم ألم النظر لما تفعله قريش .
استقر المسلمون في الشعب وجلسوا يلتقطون أنفاسهم ويداوون جراحهم
وجاء نساء المسلمين وفيهم "فاطمة" بنت النبي ﷺ فاحتضنت الرسول ﷺ
وأخذ "أبو عبيدة بن الجراح" يخرج حلقتي المغفر من وجه الرسول ﷺ بأسنانه حتى سقطت سنتين من أسنان أبو عبيدة رضي الله عنه
واندفعت الدماء من وجه النبي ﷺ عندما اخرج حلقتي المغفر
فجاء علي بن أبي طالب بالماء يغسل به وجه الرسول ﷺ ولكن لم تتوقف الدماء....
فجاءت فاطمة رضي الله عنها وأخذت قطعة من حصير وحرقتها ثم ألصقتها بمكان الجرح فاستمسك الدم...
فقال ﷺ وهو يمسح الدماء عن وجهه :
كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدماء .
فأنزل الله عليه :
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ .
الله عز وجل يقول للنبي ﷺ ليس لك من الأمر شيء
الله سبحانه يربي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام :
ألم يقل النبي ﷺ أدبني ربي فأحسن تأديبي
خالد بن الوليد الذي كان السبب في كل هذا أصبح فيما بعد سيف الله المسلول رضي الله عنه وأرضاه.
وغيره ممن أسلم من قريش بعد ذلك ...
جلس المسلمون يلتقطون أنفاسهم في الشعب
وتهيأ المشركون للإنصراف
وكان المشركون يعتقدون كما ذكرنا أن الرسول ﷺ قد قتل..
ولكن "أبو سفيان" أراد أن يستوثق من الأمر فأقترب من الجبل ومعه مجموعة من المشركين..
ونادى : أفيكم محمد
فلم يجبه أحد..
فنادى: أفيكم ابن أبي قحافة "أي أبو بكر" فلم يجبه أحد..
فنادى :أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجبه أحد ....
فأعتقد "أبو سفيان" أنهم قد قتلوا فصاح في سعادة وفرح لقد انتصرنا .
أما هؤلاء فقد كفيتموهم
"يعني لقد انتهينا من هؤلاء الثلاثة لأنه بنهايتهم انتهى هذا الدين"
فصاح أبو سفيان في سعادة لقد انتصرنا .
أما هؤلاء فقد كفيتموهم .
فصاح عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا عدو الله .
إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله ما يسوءك .
ثم قال أبو سفيان : قد كان فيكم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني .
ثم قال : أعل هُبَل .
فقال النبي ﷺ ألا تجيبونه .
فقالوا : فما نقول ؟
قال قولوا الله أعلى وأجل .
ثم قال : لنا العُزَّى ولا عزى لكم .
فقال ﷺ ألا تجيبونه ؟
قالوا :ما نقول ؟
قال ﷺ قولوا الله مولانا ، ولا مولى لكم .
ثم قال أبو سفيان . يوم بيوم بدر والحرب سجَال .
فأجابه عمر وقال : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .
ثم قال أبو سفيان هلم إلي يا عمر رضي الله عنه
فقال ﷺ ائته فانظر ما شأنه ؟
فذهب إليه عمر رضي الله عنه
فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمداً ؟
قال عمر رضي الله عنه : اللهم لا وإنه ليستمع كلامك الآن .
فقال أبو سفيان أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر .
"لأن ابن قمئة الذي أشاع قتل رسول الله ﷺ .
وقبل أن ينصرف أبو سفيان ومن معه نادى : إن موعدكم بدر العام القابل .
طلب أبو سفيان مواجهة ثانية ليحقق النصر الذي لم يحققه في أحد... وهو قتل النبي صلى الله عليه وسلم....
فقال رسول الله لرجل من أصحابه : قل نعم هو بيننا وبينك موعد .
فلما ولت قريش ورجعت أدبارها بعث رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وقال له : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ؟
وما يريدون ؟
فإن كانوا قد جنبُوا الخيل وامتطُوا الإبل فإنهم يريدون مكة .
قال علي رضي الله عنه : فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون :
فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة .
ثم قام الرسول ﷺ بعد ذلك يتفقد القتلى والجرحى
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى....
[٢٣/٥/٢٠٢١ ١٠:٠٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والثلاثون بعد المائة 132
تفقد شهداء أحد ..
الجزء الأول .
انصرفت قريش بعد المعركة راجعة إلى مكة بعد أن قامت كما ذكرنا بعمل لم تعهده العرب من قبل وهو التميثل بجثث الشهداء
رضي الله عنهم أجمعين.
و قام ﷺ يتفقد أصحابه رضي الله عنهم فالتفت يميناً وشمالاً
فقال: أين عمي أين أسد الله حمزة ؟ أين حمزة ما كان ليفر !
"يعني معاذ الله أن يهرب من أرض المعركة ويدخل المدينة"
أين حمزة أين اسد الله ؟
فسكت الصحابة رضي الله عنهم
مع أن عدد منهم يعلم أن حمزة قد استشهد وقد رأوه وهو يسقط .
ولكن بماذا يجيبونه وهو يسأل عن عمه أقرب الناس إليه وأخوه من الرضاعة وصديق الطفولة
ماذا يجيبونه ؟
فكررها . مالكم لا تجيبون ؟
أين أسد الله؟؟؟
ثم نزل لسفح الجبل فأراد أحد الصحابة رضي الله عنهم أن يكسر قوة الصدمة للنبي ﷺ
وقال : يا رسول الله سمعت قائلاً يقول أنه عند الصخرة تلك قد أصيب حمزة رضي الله عنه
فلا ندري أجريح هو أو غير ذلك .
فهرول النبي ﷺ إلى الصخرة فسبقه رجال إليها ....
وهم يعلمون أن حمزة قد أصيب
فلما رأوا المثلة
"أي تشويه جسده وما فعلته قريش بحمزة رضي الله عنه
ذهلوا و قالوا : لا حول ولا قوة إلا بالله .
كيف يراه النبي صلى الله عليه وسلم الآن ؟
فأستقبلوا النبي ﷺ قبل أن يرى حمزة رضي الله عنه
وقالوا : يا رسول الله احتسب عمك عند الله تعالى
قال : ابتعدوا أرونيه ......
فزاح له الصحابة رضي الله عنهم فوقف ﷺ عند جثته .
وكانت صدمة ما بعدها صدمة له ﷺ .
نظر إليه وسكت طويلاً ....
وبكى بكاء شديداً.....
يقول الصحابة رضي الله عنهم
ما رأيناه باكياً قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.. ثم قال وهو يبكي : ما أصبت بمثلك أبداً وما وقفت موقفاً أغيظ علي من هذا .
والذي أرسلني بالحق لأن أظهرني الله على قومك يوماً لأمثلنا بسبعين من رجالهم .
"غضباً وحزناً توعد وأقسم أن يثأر لعمه لأن العرب لم تعرف المثلة .
فما هذا الخلق الشنيع الذي فعلته قريش اليوم ؟
شق البطون وجذع الأنف وقطع الآذان .
فلما قال النبي ﷺ ذلك تعاطف معه أصحابه رضي الله عنهم وأخذوا يقسمون بالله لأن أظهرهم الله على قريش ليمثلون بهم مثلةً يتحدث عنها التاريخ .
انظروا إلى جلال هذا الدين وعظمته
لم يمهل النبي ﷺ حتى يرجع للمدينة وينهي تقبل العزاء .
كلنا نعلم أن الرجل عندما يكون مصاب يغفرون له مواقفه ويمهلونه حتى تبرد الصدمة .
فإن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة تبدأ عظيمة كبيرة ثم تصغر .
لو كانت كل يوم تكبر و تزداد تقتل أصحابها .
أول سماعك بموت أحدهم تكون مصيبة كبيرة
ولكن في اليوم الثاني والثالث تبدأ تهدأ .
في اليوم الرابع أخف بكثير .
لذا استحسن العلماء الجلوس للتعزية "ثلاثة أيام " مع أنها لم تكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم و لا أصحابه رضي الله عنهم
ولكن استحسنوها في ما بعد من باب أن يمتصوا هذه الصدمة ويواسوا أهل المصاب حتى تخف صدمة ذلك المصاب .
فلما قال النبي ﷺ مقسماً أنه سيمثل بسبعين ونادى أصحابه من حوله أنهم سيمثلوا بأعداد منهم :
هبط جبريل عليه السلام فوراً والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على جثة حمزة رضي الله عنه...
هبط جبريل ، فأخذته ﷺ الغشية فعلموا أنه يوحى إليه ...
وإذا بالله جل في علاه يقول له
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ♡ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ♡ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ♡
عاقبوهم بالقتال فقط...
أما تشويه الجثث كما فعلت قريش فهذا لا يرضي الله عز وجل ...
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ...
واصبر يا محمد صلى الله عليه وسلم... لأنك قدوة للناس
وانظروا إلى عظمة هذا النبي ﷺ .
الذي هو بشر كما قال عنه القرآن الكريم
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ...
فعندما يسمو هذا البشر فوق كل مقاييس البشرية .
أليست هذه العظمة ؟
في نفس الموقف قبل قليل يقسم أنه سيمثل بسبعين .
فلما جاءه ﷺ الأمر الإلهي ...
لم يكن يعلم القرآن قبل أن يوحى إليه ولم يكن يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه...
نزل الوحي فإذا بالنبي ﷺ يغير الموقف في نفس اللحظة .
ماقال مهلآ ليبرد غضبنا ليبرد حزننا....
قال سمعاً وطاعة يارب .
ثم تلا الآيات على أصحابه رضي الله عنهم :
وقال نصفح ونصبر وإن أظهركم الله يوماً على قريش فلا تمثلوا بهم .
ثم يبشرهم لن تنال قريش منكم حتى تستلموا الحجر .
"أي الحجر الأسود عند الكعبة"
يواسيهم ويرفع معنوياتهم ليس مجاملة ولكن بيقين الوحي أي سنفتح مكة .
جراحهم تنزف وهو يبشرهم بفتح مكة...
وكان دائما يوصي أصحابه أياكم والمثلة....
ثم نظر بمقربة من حمزة رضي الله عنه
"وليس حمزة شهيد فقط بل عدد من أصحابه رضي الله عنهم فتذكر الرؤيا حين استشارهم"
رَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ .
وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلَمًا .
وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدَيَّ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ .
قالوا : فما أولتها يا رسول الله .
قال ﷺ فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون .
وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل .
وهذا حمزة عمه قد قتل وها هم أصحابه قد قتلوا رضي الله عنهم أجمعين...
فنظر بمقربة من حمزة رضي الله عنه فإذا هو "مصعب بن عمير" رضي الله عنه
وإذا هو قد مثل به أيضاً
فجاء و وقف على جثته ثم بكى حتى ابتلت لحيته وسُمع صوته بالبكاء .....
لم يكن من عادته ﷺ إذا ضحك أو بكى أن يرفع الصوت إلا نادراً .
إذا ضحك تبسم وإذا بكى دمعت عيناه وسالت الدموع على لحيته صلى الله عليه وسلم من غير أن يرفع الصوت .
ولكنه في هذا الموقف قالوا سمعنا صوت بكائه ﷺ حين وقف أمام مصعب رضي الله عنه
وأخذ يخاطب جثة مصعب
وهو يقول له: لقد رأيتك يوماً في مكة وأنت أنعم فتى في مكة .
لقد رأيتك يوماً في مكة ، وأنت أنعم فتى وأجملهم حلة "أي أغلاهم ثياب"وأطيبهم ريحاً
"لأن الدنيا كانت بين يديه ، والذي تنفق عليه أمه"
فلما أسلم حرمته أمه من المال حتى يرتد عن هذا الدين .
فقال لا حاجة لي للمال فترك كل هذا لله حتى أصبح أفقر شاب يلبس الخشن .... فكان يلبس كيس خيش في مكة .
وهو أول سفير في الإسلام أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد ذكرنا ذلك عندما أسلم على يديه "سعد بن معاذ"
ثم يقول له النبي ﷺ .
واليوم أراك أشعث أغبر ، بثوب إن أردنا أن نستر رأسك به كشفنا عن قدميك .
وإن أردنا أن نستر قدميك كشفنا عن رأسك .
فلمح النبي ﷺ وهو واقف امرأة تأتي من بعيد تشق صفوف القتلى تبحث ...
فلما تبّصرها علم أنها عمته "صفية بنت عبد المطلب" أخت حمزة رضي الله عنهم
فنادى النبي صلى الله عليه وسلم على الزبير ولدها دونك المرأة..
"أي رد أمك كي لاترى ما فعل بأخيها"..... فأسرع الزبير رضي الله عنه... وقال : يا أماه إن رسول الله يأمرك أن ترجعي
فضربت بيدها صدره
وصرخت.... يا لكع لقد بلغني ما وقع من أخي من مثلة
وإني أحتسبه عند الله .
الحمد لله أن رسول الله سالماً .
فجاء الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم ...
فقال : دعها . فلما اقتربت نظرت إلى أخيها وبكت واحتسبت عند الله تعالى...
وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا وقد سلمك الله لنا فلا نبالي بمن عطب....
"بمن قتل واستشهد"
هذان ثوبان..... وقد بلغني ما فعل بحمزة رضي الله عنه فجئت بثوبين تجمع اشلائه بهما....
"لأن الشهيد لا يكفن يدفن بثيابه فالثوبين حتى يردوا أعضائه لبعضها فقد بقر بطنه"
فنظر النبي ﷺ بالثوبين وبكى..
وقال ﷺ : ما كان لمحمد رسول الله أن يكفن عمه بثوبين ويترك مصعب لا ثوب له .
أعطوا ثوب لحمزة وثوب لمصعب .
فلفوا حمزة بثوب ولفوا مصعب بثوب وكان الثوب لا يكفي مصعب .
فقالوا : يا رسول الله إن الثوب قصير ....
إن سترنا رأسه كشفت ساقيه .
وإن سترنا ساقيه كشف رأسه
فقال ﷺ: اجعلوا الثوب لرأسه وادفنوه مع حمزة في قبر واحد .
رضي الله عن الصحابة أجمعين وجزاهم ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين.... وجمعنا بهم في جنات النعيم ورزقنا الإستقامة على هديهم وسبيلهم.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى....
جنة المنتدى
06-30-2022, 07:32 PM
🌺 اللهم صلِّ على سيدنا محمد
وعلى آل سيدنا محمد
كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم
و بارك على سيدنا محمد
وعلى آل سيدنا محمد
كما باركت على سيدنا إبراهيم
وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد
٠٠
ماشاء الله
مجهود طيب وإختيار رائع
جعله الله في ميزان حسناتك يارب
يستحق النقل للقسم المميز
للإستفاده جزاك الله كل الخير
رزقك الله مرافقة الرسول
يارب العالمين
كل التقدير
٠٠
الغريب
07-01-2022, 01:26 AM
🌺 اللهم صلِّ على سيدنا محمد
وعلى آل سيدنا محمد
كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم
و بارك على سيدنا محمد
وعلى آل سيدنا محمد
كما باركت على سيدنا إبراهيم
وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد
٠٠
ماشاء الله
مجهود طيب وإختيار رائع
جعله الله في ميزان حسناتك يارب
يستحق النقل للقسم المميز
للإستفاده جزاك الله كل الخير
رزقك الله مرافقة الرسول
يارب العالمين
كل التقدير
٠٠
اهلا بك أختاه
جنة المنتدى بارك الله بك
وحفظك من كل شر
الغريب
07-01-2022, 01:54 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة 133
تفقد شهداء أحد / الجزء الثاني .
وقف ﷺ على جثة حمزة ومصعب رضي الله عنهما كما ذكرنا وبكى ....
وأخذ يقف على جثة كل شهيد
فلما رأى في القتلى رجلان من الأنصار "كان معروف عنهما أنهما كانا صديقين والجميع يعرف صداقتهما"
وكان واحد منهما إسمه
"عبدالله بن حِرام" بكسر الحاء تجنب للفظ كلمة حَرام .
والخطأ الذي يقع فيه الكثيرون يذكرون اسمه "عبدالله بن حرام" من غير تشكيل....
هذا الصحابي يكون "والد جابر بن عبدالله" الذي له روايات بالحديث عندما تسمعوا حديث نبوي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهم.
والآخر اسمه "عمرو بن الجموح"
ذكرت لكم قصته وإسلامه سابقآ .
كان له صنم مصنوع من الخشب وقد سماه "مناف" يتقرب إليه ويسجد بين يديه .
هذا الصنم مناف كان يلجأ إليه عند المصائب أو إذا أراد حاجة سجد له وطلب حاجته
كان يحبه أكثر من أهله وماله .
وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وتطييبه وتلبيسه .
حتى أسلم رضي الله عنه وأرضاه
كان طاعن في السن وكان في إحدى ساقيه عرج .
عبدالله بن حِرام و عمرو بن الجموح كانا صديقان حميمان
فلما استعد النبي ﷺ وأصحابه للخروج لمعركة أحد
جاء ليخرج مع الجيش "عمرو بن الجموح" وكان له من الأبناء خمسة شباب كلهم خرجوا مع الجيش ... قالوا له : يا أبانا كلنا أعددنا أنفسنا للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما أنت فقد عفاك الله فلا حرج عليك .
فدخل "عمرو" للمسجد ودموعه تسيل على خديه وهو رافع صوته .
يقول : يارسول الله انظر لبني هؤلاء يقفون بيني وبين الخروج في سبيل الله تعالى...
فماذا عليهم إذا وطأت بعرجتي هذه أرض الجنة ؟
فنظر النبي ﷺ إليه وإلى بنيه
فقال له : أما أنت فقد عفاك الله من كبر سنك وبلائك "أي عرجتك"
وأما أنتم فما عليكم أن تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة .
فخرج عمرو بن الجموح مع الجيش ، ورفع يديه للسماء
وقال : اللهم لا تردني إلى أهلي خائباً أبداً .
وإني يارب أحب أن أطأ بعرجتي هذه أرض الجنة .
وخرج مع صديقه الحميم "عبدالله بن حِرام" وأستشهدا في معركة أحد....
فلما نظر النبي ﷺ وهو بين جثث الشهداء .. وقد مثلت بهما قريش ... تذكر الرسول ﷺ ما قاله قبل خروجه وكان أبنائه يقفون حول النبي صلى الله عليه وسلم أمام جثة أبيهم
فبكى ﷺ وقال: والذي نفسي بيده لقد رأيته يطأ بعرجته أرض الجنة .
فقال أبنائه يارسول الله كان قد تواعد مع صديقه "عبدالله بن حِرام" الذي كان لا يفارقه ....
كانا يتواعدن أن يلتقيا في الجنة إذا فرقهم الموت ...
فقد قالا قبل الخروج إن تفرقنا فموعدنا في الجنة .
فقال لهم النبي ﷺ اجعلوهما في لحد واحد ولفوهما في ثوب واحد ولا تفرقوا بينهما .
فهما من تلك الساعة في ثوب واحد وفي لحد واحد إلى أن تقوم الساعة .
وقف النبي ﷺ على جثة "حنظلة بن عامر" رضي الله عنه
أما حنظلة هذا ، الملقب فيما بعد "بغسيل الملائكة"
والده كان مشرك مع قريش .
وحنظلة شاب مؤمن صادق الإيمان من المهاجرين .
أراد النبي ﷺ أن يزوجه من المدينة من الأنصار .
والنفاق يلعب دور في كل زمان
وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجه ويبحث له عن زوجة فكان النبي صلى الله عليه وسلم كولي أمره .
فجاء رئيس المنافقين يبيض وجه "ابن سلول"
فقال إن بنتي زوجة لمن يخطب له النبي صلى الله عليه وسلم
طبعاً نفاقاً لا إيماناً .....
فهكذا المنافقون في كل زمان ...
وتمت الخطبة ... وقبل الدخول عليها والبناء جاء أمر الخروج لمعركة أحد...
فاستأذن حنظلة النبي ﷺ أن يبني بعروسه هذه قبل خروجه مساء ليلة الجمعة "أي ليلة المعركة" ثم يلحق بالجيش .
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ... فبقي هذا الشاب .
وخرج النبي ﷺ لأحد بعد صلاة الجمعة قريب من العصر .
وبقي حنظلة وبنى بعروسه ليلة السبت .
"ولا يخفى علينا عريس مع عروسه للفجر وهو لايدري بعد هل سيكون هنالك معركة أم لا ؟"
فلما كان الفجر وقبل أن يغتسل ويصلي ...
سمع نداء الناس أن الحرب مع قريش ستبدأ .
فتعجل وأخذ سلاحه وأسرع بالخروج .... فلحقته زوجته للباب .... وقالت له : إنك لم تغتسل
قال لها : الجنابة لن تحول بيني وبين الجهاد في سبيل الله .
فإني أخشى إن بقيت حتى أغتسل أن يفوتني موقفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرج والمسلمون لا يعلمون بأمره وأنه بنى بزوجته ....
ولكن زوجته عندما خرج أرسلت تستدعي أربعة من رجال قومها
فلما حضروا أخذت تشهدهم أن حنظلة قد بنى بها قبل أن يخرج للجهاد في سبيل الله تعالى
فقالوا لها : أنتِ عروس فلماذا تشهدينا ؟؟؟
قالت : لإني أعتقد أنه لن يرجع ، ولعلي قد علقت بحمل منه فإني أريد أن أغلق باب الغيبة والريبة .
عملت بهذه القاعدة "رحم الله من جب الغيبة عن نفسه"
كيف استشهد حنظلة في معركة أحد .
رأى أبو سفيان عندما ولى هارباً..
فلحقه حنظلة وهو يقول : يا رأس الكفر .
فضرب حنظلة بسيفه ساق فرسه فسقط أبو سفيان من على الفرس ....
فرفع حنظلة عليه السيف
فصرخ أبو سفيان... يا بني غالب
فإذا رجل من قوم أبو سفيان خلف حنظلة فرفع رمحه وطعن به حنظلة فوقع شهيداً رضي الله عنه....
فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم على جثته أشار بأصبعه إليه ...
وقال لأصحابه رضي الله عنهم : هذا صاحبكم رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بأطباق من الفضة ...
فقال : نسأل صاحبته "أي زوجته"
فلما رجعوا سألوها فأخبرتهم ...
فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك كان ....
أي غسلته الملائكة عندما استشهد لأنه كان على جنابة .
فسمي حنظلة .. بغسيل الملائكة..
رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[ سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة 134
دفن شهداء معركة أحد ...
تفقد النبي ﷺ القتلى والجرحى
فقال لأصحابه رضي الله عنهم : من يأتيني بخبر سعد بن الربيع
سعد بن الربيع رضي الله عنه كان ممن بايع النبي ﷺ بيعة العقبة الثانية ....
وكان أحد نقباء الأنصار
ولما هاجر النبي ﷺ، آخى بينه وبين عبد الرحمن بن عوف .
افتقده النبي ﷺ
فذهب "زيد بن ثابت" ليبحث عن "سعد بن الربيع" فوجده وقد طعن اثنى عشر طعنة وهو في آخر رمق ....
فقال له زيد : يا سعد إن رسول الله أمرني أن أنظر أنت في الأحياء أم في الأموات .
قال سعد : فإني في الأموات
فأبلغ رسول الله ﷺ السلام
وقل له : إن سعدا يقول جزاك الله عني خير ما جزى نبياً عن أمته ... وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وقد أنفذت مقاتلي ...
وأبلغ قومك مني السلام...
وقل لهم : إن سعدآ يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف .
ثم فاضت روحه رضي الله عنه .
فرجع زيد إلى النبي ﷺ فأخبره
فقال ﷺ رحمه الله نصح لله ولرسوله حياً وميتاً .
ووجدوا في الجرحى "الأُصيرم عمرو بن ثابت" وكانوا من قبل يعرضون عليه الإسلام وهو يرفضه .
فسألوه : ما الذي جاء بك . مناصرة لقومك أم رغبة في الإسلام ؟
فقال : بل رغبة في الإسلام . فأنا آمنت بالله ورسوله ثم قاتلت مع رسول الله ﷺ حتى أصابني ما ترون ثم فاضت روحه .
فذكروه لرسول الله ﷺ فقال: هو من أهل الجنة .
يقول أبو هريرة رضي الله عنه ولم يُصلِ لله صلاة قط
وكان في القتلى رجل من اليهود اسمه "مُخَيرِيق"
كان حبراً عالماً من أحبار يهود
كان رجلا غنيا كثير الأموال .
كان يعرف رسول الله بصفته وما يجد في علمه ولكنه لم يسلم .
فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد أسلم
وكما قلنا معركة أُحد كانت يوم السبت .
فوقف وقال : يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق .
قالوا : إن اليوم يوم السبت .
قال : لا سبت لكم... ثم أخذ سيفه وعدته .
وقال : إن أصُبت فأموالي كلها لمحمد يصنع فيها ما شاء ثم قاتل حتى قتل .
وأخذ النبي ﷺ أمواله وجعلها صدقة على الفقراء .
وقال ﷺ مُخيرِيق خير يهود .
ثم بعد أن تفقد الجرحى أمر ﷺ بدفن أصحابه رضي الله عنهم
بعد أن صلى الظهر بهم جلوساً وصلوا خلفه جلوساً .
"لأنهم جرحى متعبين"
ثم أمرهم أن يدفنوا الشهداء جماعات حتى تحتوي الحفرة الواحدة "الشهيدين والثلاث"
حتى لا يشق عليهم
"لأن حفر قبر لكل شهيد وهم جرحى يصعب عليهم ذلك"
فقد بلغ عدد الشهداء 70 شهيداً رضي الله عنهم أجمعين
من قبيلة الخزرج 41
من قبيلة الأوس 24
من المهاجرين 4
من اليهود 1
ولم يعرف بالتحديد كم كان عدد قتلى المشركين ؟؟
البعض قال 37 والبعض قال أكثر...
ولكن كان العدد فوق المئة وذلك بدليل قوله تعالى :
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا .
شهداء المسلمين 70 .
أنتم أصبتم بسبعين وأصبتوهم بمثليها أي العدد مضاعف يكون 140 .
وبعض كتب السيرة يرفعه لأعلى من هذا العدد.. والله أعلم...
أمرهم النبي ﷺ أن يدفنوا الشهداء جماعات حتى تحتوي الحفرة الواحدة "الشهيدين والثلاث" حتى لا يشق عليهم
ودفنوا جثث المشركين أيضاً
بعض كتب السيرة تقول "أن قريش منهم من حمل قتيلهم .
ومنهم واراه الرمال قبل أن يرحلوا .
وكم الفارق بين هدي هذا الدين وأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم.
وبين الكفر وأهله .
تذكرون يوم بدر عندما هربت قريش ، وتركت خلفها قتلاهم ومتاعهم ورجالهم ....
عندما قتل منهم سبعين ووقع بالأسر سبعين ...
فلم يفارق ﷺ أرض بدر حتى دفن جثث المشركين جميعاً .
"لم يُمثل بجثثهم ولم يتركها للطير والسباع .
بخلاف قريش في معركة أحد تُمثل بجثث المسلمين ولا تتركهم بحالهم .
لأن الله تعالى قال وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ...
دفن الصحابة رضي الله عنهم إخوانهم من الشهداء ...
فقال ﷺ ادفنوا الشهداء في مضاجعهم .
"في مواضع مقتلهم"
ادفنوا الشهداء في مضاجعهم . إنَّا نحب أحد ، وأحد يحبنا .
إن أحد جبل على باب الجنة .
"الجنة ليس فيها جبال .
ولكن سترون جبل أحد يا من زرتم المدينة في حج أو عمرة ورأيتم جبل أحد .
سترون جبل أحد أيضاً عندما تدخلون الجنة إن شاء الله تعالى على باب الجنة تماماً تدخلون من باب الجنة وأنتم تنظرون إليه .
تكريماً لدماء النبي صلى الله عليه وسلم التي سآلت عليه ودماء الشهداء رضي الله عنهم...
فكان النبي ﷺ بعدها كلما خرج من المدينة وعاد إليها ....
يقف وينظر إلى جبل أحد ويشير لأصحابه رضي الله عنهم :
ويقول هذا جبل يحبنا ونحبه ، وهو جبل على باب الجنة .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة 135
الرجوع للمدينة بعد غزوة أحد . والشوق لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم
دفن الشهداء ورجع النبي ﷺ وركب فرسه ولم يكن معه من الخيل غيرها....
والجميع رجعوا مشياً على الأقدام كما خرجوا لم يكن معهم إلا فرس واحد .
رجع النبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم من حوله...
وكانت قد وصلت الأخبار للمدينة بأن النبي ﷺ قد قتل
فهاجت المدينة وارتفع صوت البكاء بها وخرجت النساء حتى العجّز كلهن خرجن يستطلعن الخبر .....
فما أن دخل الموكب للمدينة فأخذت تتلقاهم طلائع النساء .
فكان أول من تلقاه من النساء "حمنة بنت جحش"
"بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخت عبدالله بن جحش رضي الله عنه وقد استشهد في المعركة وخالها حمزة رضي الله عنه.
فلقيتهم وهي تسأل وتقول : أرسول الله بخير ؟؟
فلقيها النبي ﷺ فقال لها يا حمنة أحتسبي .
قالت : من يارسول الله ؟
قال خالك حمزة أسد الله ورسوله قالها وهو يبكي...
فأحتسبت وقالت إنا لله و إنا إليه راجعون .
قال يا حمنة احتسبي أيضاً .
قالت : من يارسول الله ؟
قال أخوكِ عبدالله بن جحش .
فاحتسبت وقالت إنا لله و إنا إليه راجعون .
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم احتسبي يا حمنة أيضاً .
قالت : من يارسول الله ؟
قال زوجك مصعب .
فناحت وولولت ....
فقال ﷺ سبحان الله إن الرجل من زوجته لبمكان .
"لقد نعي إليها خالها وأخوها ولم تولول ونعي لها زوجها فصاحت وبكت .....
قال لها النبي ﷺ يا حمنة لما فعلت هذا ؟
قالت : يا رسول الله ذكرت قوله تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم
وإن له أيتام
قال ﷺ اللهم اخلفها في أيتامه خيراً .
أكبر مصيبة تصيب المرأة هو فقد زوجها بشرط إذا رزقهم الله بالسكينة والمودة والرحمة
وللأسف الكثير من بيوت المسلمين اليوم تفتقد هذا الرزق بين الأزواج...
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين
مضى النبي ﷺ وإذا بامرأة تشتد بين المسلمين وتقول بفزع : ماذا فعل رسول الله ؟
فتلقاها الناس وقالوا يا أمةَ الله احتسبي واصبري .
قالت : من ؟؟
قالوا . قد قتل أبوكِ ؟؟
قالت : إنا لله وإنا إليه راجعون . ما عن هذا سألتكم .
ماذا فعل رسول الله ؟؟
قالوا : يا أمةَ الله احتسبي .
قالت : من ؟؟
قالوا : قد قتل أخوكِ .
قالت . ما عن هذا سألتكم .
يتخذ الله من عباده شهداء....
ماذا فعل رسول الله ؟
قالوا : يا أمةَ الله احتسبي .
قالت من ؟
قالوا : قتل ولديكي "اولادها الإثنين والولد فلذة الكبد"
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون .
ما عن هذا سألتكم : أقول ماذا فعل رسول الله ؟؟؟
"يخبروها بقتل أبيها وأخيها وابنيها وهي تقول إنا لله وإنا إليه راجعون.... ماذا فعل رسول الله"
قالوا : يا امةَ الله احتسبي واصبري .
قالت . من ؟
قالوا : زوجكِ .
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون .
ما عن هذا سألتكم ماذا فعل رسول الله ؟
قالوا لها وهم مدهوشين من ردة فعلها .
قالوا : رسول الله بخير كما تحبين وتشتهين .
قالت : أرونيه أنظر إليه .
وكان النبي ﷺ يسير خلف الجيش يُقدم أصحابه أمامه ...
ويقول لهم خلوا ظهري للملائكة فإن الملائكة تسير من ورائي .
فلما دنى النبي ﷺ وهي واقفة مع من نعوا لها من قتل من أهلها
فلما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم :
قالوا لها : هذا هو رسول الله
فقالت : دعوني اسلم عليه
فشقوا لها الطريق ...
وقالوا : يارسول الله نعينا لها الأب والأخ والأبناء والزوج ....
فاحتسبت وهي تقول ماذا فعل رسول الله ؟؟
فلما دنت ورأت رسول الله
قالت : أما وقد سلمت لنا يارسول الله فلا نبالي بمن عقب بعدك ....
إنها العقيدة لأنهم يعلمون أن قوام هذا الدين العظيم بوجود هذا النبي ﷺ...
ومضى ﷺ وإذا بامرأة مسنة كبيرة بالعمر تكون والدة "سعد بن معاذ" رضي الله عنه
وهي تسأل الجموع أين رسول الله ؟؟
لقد بلغنا أنه قتل ....
قالوا لها هو بخير
قالت : لا والله لا أنصرف حتى أراه وأكلمه ....
فلما دنى النبي ﷺ وإذا بسعد ولدها هو الذي يقود فرس النبي ﷺ .
قال سعد رضي الله عنه يا رسول الله هذه أمي .
قال ﷺ أهلاً بها ومرحباً . ادنوها يا سعد فدنت .
فقال ﷺ يا أم سعد احتسبي
قالت : من يارسول الله ؟
قال ﷺ ولدك عمرو بن معاذ .
أخو سعد وقد أستهشد
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون .
مادمت عدت لنا سالماً يارسول الله فكل مصاب بعدك جلل .
واقتربت من ابنها سعد وقبّلته وشمّته "إنه قلب الأم "
ثم قالت وهي تكفكف دموعها الحمد لله الذي ردك سالماً إلينا يارسول الله ...
فقال لها النبي ﷺ أبشري يا أم سعد وبشري من وراءكِ .
"أي نساء الأنصار والمهاجرين وجميع نساء المؤمنين إلى أن تقوم الساعة أمهات الشهداء وزوجاتهم وأولادهم وأهلهم.
خذوا بشارة نبيكم ﷺ .
اسمعوا يا أمهات الشهداء رسالة نبيكم من ربه ...
أخبريهم يا أم سعد .
أن الله عز وجل قد كلم الشهداء وأسكنهم الفردوس الأعلى .
وجعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش .
وحين سألهم ماذا تريدون ؟
قالوا : أن تردنا إلى الدنيا . فنقتل فيك ... مرة .
ثم نرد إلى الدنيا فنقتل فيك ... مرة .
ثم نرد إلى الدنيا ونقتل فيك .
فقال الله تعالى للشهداء : أما وقد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون .
قالوا : يارب فمن يخبر أهلنا من خلفنا بما وجدنا .
"أي بأن الله قد كلمنا وأكرمنا"
ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة .
قال لهم الله : أنا أبلغهم عنكم .
وهبط جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ :
بقوله تعالى :
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثلاثون بعد المائة 136
حكم البكاء على الميت
ثم مضى ﷺ إلى بيته .
ومر ﷺ ببعض بيوت الأنصار فسمع بكاء نساء الأنصار على قتلاهم ويذكرون مآثرهم...
فهز رأسه ﷺ و بكى وقال ولكن حمزة لا بواكي له .
"يعني لا يبكي على حمزة أحد لأن أكثر قرابة حمزة كانوا في مكة" رضي الله عنه.
لم يمنع النبي ﷺ البكاء على الشهداء .
فسمعها سعد فما أن وصل النبي ﷺ على باب مسجده
فلم يستطع أن ينزل من على فرسه فأنزلاه" :
سعد بن معاذ" سيد الأوس
و "سعد بن عبادة" سيد الخزرج ثم اتكأ عليهما حتى دخل بيته
ثم أمر الصحابة رضي الله عنهم جميعاً أن ينطلقوا إلى بيوتهم ويداوون جراحهم .
فانطلق "سعد بن معاذ" رضي الله عنه وجمع نساء الأنصار من بني "عبد الأشهل" لأن سعد هو سيد بني عبد الأشهل
قال : والله لا تبكي امرأة منكم قتيلً لها حتى تأتوا باب المسجد وتبكوا عم رسول الله ﷺ..
فذهبت نساء الأنصار إلى باب المسجد عند بيت النبي ﷺ وجلسنّ يبكين حمزة عند بيت الرسول ﷺ .
فسمع النبي الصوت ....
فقال ما هذا ؟
فقيل له : إنهن نساء بني عبد الأشهل يارسول الله يبكين حمزة بن عبد المطلب ويذكرنّ مأثره .
فخرج واستمع إليهن وقال
رحم الله الأنصار . رحم الله ابنائكم وخفف عليكن مصابكم وأخلف الله عليكن فيها خيراً .
ارجعن إلى بيوتكن مأجورات ثم دخل .
ولكن بقيت النساء يبكين حمزة رضي الله عنه..
وأمر النبي ﷺ أن يؤخروا صلاة المغرب إلى العشاء "جمع تأخير" حتى يداوون جراحهم لأن وقت المغرب ضيق .
قال ﷺ نصليه مع العشاء إن شاء الله .
ودخل وغلبته عيناه فنام .
كان متعب ﷺ ....
فما استيقظ ﷺ إلا وقد مضى من العشاء وقت طويل .
فلما استيقظ سمع صوت بكاء على باب المسجد .
قال ﷺ ماهذا ؟
سمع صوت بكاء على باب المسجد
قال ماهذا ؟
قالوا له : هذه نساء الأنصار يبكين حمزة بن عبد المطلب .
قال مستغرباً منذ الليل ؟
"أي من قبل المغرب إلى الآن"
منذ الليل ....
وكلنا نعرف كم يتعب البكاء الإنسان فخرج مسرعاً إليهن
وقال كفى .. كفى .. يا نساء بني عبد الأشهل . لقد أوجبتنّ ولقد واسيتنّ .
ألا إني أعزم عليكن وأنا محمد رسول الله ، أن لا تنوحنّ على ميت بعد اليوم .
"يعني بعد اليوم لا نواح في الإسلام"
ومن ذلك اليوم لم تبكي مؤمنة على ميت بندب ونواح ....
ولنا وقفة هنا لنربط الكلام ببعضه :
عندما مات ابن النبي ﷺ ابراهيم عليه السلام... ابن مارية القطبية
ولم ينجب من أزواجه غير خديجة رضي الله عنهن
وكان يشبه رسول الله ﷺ كأنه هو... فرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً لأن بعد هذا العمر رزقه الله ولد يحمل اسمه
ولكنه مات وعمره 17 شهر .
فحزن عليه كثيراً صلى ﷺ
وهنا حكمة الله تعالى
لم يكن ﷺ له ولد ذكر ....
الجميع يسأل ما الحكمة ؟؟
إرادة الله وحكمته فوق الجميع
ولحكمة من الله أن النبي ﷺ لم يعش له ولد
ليكون محمد ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين .
فلو بقي له ولد ذكر وكبر وأصبح شاباً لكان نبياً .
و الرسول ﷺ هو خاتم الأنبياء ولا ينبغي أن يكون نبي بعده...
ولو أنه لم يصبح نبي
لكان ذلك انتقاصاً لمقام النبي ﷺ عند ربه تعالى
فبرسول الله ﷺ ختمت النبوة .
فلما مات ابنه ابراهيم وكان يحمله النبي ﷺ بين يديه عندما فاضت روحه ...
أجهش النبي ﷺ بالبكاء فسُمع صوته ﷺ خارج البيت ...
فقيل : يارسول الله ألم تنهنا عن ذلك منذ يوم أحد ؟
قال ﷺ ما عن هذا نهيتكم .
إن العين لتدمع . وإن القلب ليحزن وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزنون ، وإنا لا نقول إلا مايرضي الرب . إنا لله وإنا إليه راجعون
إنما نهيتكم أن يضرب الرجل وجهه أو يشق جيبه أو يقول في ذلك ما لا يرضي الله .
فالبكاء على الميت "مشروع"
هذا أمر من فطرة البشر .
والرسول ﷺ يقول البكاء من الرحمة ومن لا يَرحم لا يُرحم .
فالبكاء مشروع ....
والمنهي عنه : ضرب الوجه وشق الثياب ونطق كلمات لا ترضي الله تعالى...
يقول ﷺ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب .
ولكن يعذب بهذا أو يرحم . وأشار إلى لسانه ﷺ .
وقد بكى أيضاً ﷺ على ابن بنته عندما توفى .
فقال له سعد بن عبادة رضي الله عنه ما هذا يا رسول الله ؟
قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .
و يجوز للمرأة ان تودع زوجها ولا حرج حتى بعد الغسل .
لا مانع شرعاً من أن تودع الزوجة زوجها الميت بتقبيله بعد غسله وتكفينه ....
وكذلك يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة...
تقول عائشة رضي الله عنها : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي ﷺ غير نسائه
وقبل وفاته ﷺ .
تقول عائشة رضي الله عنها : رجع إلي رسول الله ﷺ من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي ... وأقول : وارأساه..
فقال : بل أنا وارأساه . ما ضرك لو متِّ قبلي وكفنتك ثم صليتُ عليكِ ودفنتكِ .
"الرسول ﷺ يخبر عائشة رضي الله عنها إذا أنتِ متي قبلي كفنتك ودفنتك"
وقد قام علي رضي الله عنه بغسل فاطمة بنت رسول الله ﷺ ....
كل هذه أحاديث صحيحة صريحة تدل على جواز تغسيل الرجل زوجته الميتة .
وكذلك تغسيل المرأة لزوجها الميت .
فإذا جاز للرجل أن يغسل زوجته المتوفاة .
وللزوجة أن تغسل زوجها المتوفى .
أليس من باب أولى توديع كل من الزوجين الآخر بعد وفاته .
خلاصة الكلام
بعض الناس إذا أصابتهم مصيبة يظل طوال حياته محصورا في تلك الدائرة لا يخرج منها .
ولا يريد أن يخرج منها
والرسول ﷺ يعلمنا أننا نحزن مثل كل البشر .
ولكن نحزن ليوم أو يومان أو أسبوع أو حتى شهر .
ولكن لا نظل في هذه الدائرة طوال حياتنا .
لابد أن نقلب الصفحة وننظر أمامنا ولا ننظر تحت أقدامنا .
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ...
نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
ثم صلى النبي ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء جمع تأخير .
لم يكن انتصار لقريش على المسلمين في غزوة أحد...
وذلك لأنهم :
١- لم تحقق قريش الهدف الأول من غزوة أحد وهو قتل النبي ﷺ .
٢- لم تقم قريش بأسر أي أحد من المسلمين .
٣- قام المسلمون بدفن شهدائهم في أحد بأنفسهم بينما لم تتمكن قريش من ذلك في "بدر"
٤- انسحبت قريش فوراً بعد انتهاء المعركة .
ولم تقم في أرض المعركة ثلاثة أيام كما هي عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت .
٥- تواعدت قريش بالرجوع لبدر . لأنها فشلت بتحقق أهدافها .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائة 137
غزوة حمراء الأسد .
الجزء الأول .
مازلنا في أعقاب غزوة أحد ....
ومن آثار غزوة أحد في المدينة وبعد المصاب الذي أصيب به المسلمون .
انتشرت إشاعات في المدينة "اليهود" والمنافقين ....
أخذ اليهود يشككون في الدين ويقولون بأنه لو كان محمداً نبياً لما أصيب .
هذه شائعة المغضوب عليهم "اليهود"
وأخذوا يقولون لأهل المدينة من الأنصار : ألم نقل لكم ليس هذا النبي المنتظر ؟؟
لو كان هو : نحن نعرف وصفه في كتبنا وكنا آمنا به قبلكم ؟
لو كان نبي من عند الله لما هُزم
النبي يؤيده الله وماكان نصره في معركة بدر إلا حظ .
أما الرسل لا تهزم أبداً....
نحن أهل الكتاب نعرف عن الأنبياء أكثر منكم ....
طبعاً ضعاف النفوس تأثروا بهذا الكلام ....
وأخذ اليهود يشككون الناس من ضعاف النفوس في دينهم .....
ألم يقولوا عن الله عز وجل : "يد الله مغلولة" غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ...
أيسلم من ألسنتهم النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أيسلم من السنتهم المسلمون ؟
أيسلم من ألسنتهم المجاهدون؟
يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون .
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ...
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ...
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ..
فلما سمع النبي ﷺ شائعاتهم وقد وصلته عن طريق الصحابة رضي الله عنهم كان وقت الفجر ....
"غزوة أحد " كانت يوم السبت .
ورجع النبي ﷺ وصلى بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء جمع تأخير .
وفي صلاة الفجر يوم الأحد اليوم التالي عزم النبي ﷺ للخروج ومطاردة قريش .
لأكثر من سبب :
وكان هذا القرار الصعب جدآ وهو خروج جيش المسلمين لمطاردة المشركين .
ولكن كان له أكثر من فائدة وله أكثر من الهدف .
١ - ليرد على كيد هؤلاء اليهود والمنافقين .
٢- ليرد اعتبار المؤمنين ويرفع معنوياتهم .
فلا شك أن خروجهم لقتال قريش بعدما أصيبوا في أحد سيرفع من روحهم المعنوية ويعيد لهم ثقتهم بأنفسهم .
٣- ليُشعر قريش بعدم الهزيمة وأن في المسلمين قوة خشية عودة قريش لغزو المدينة .
وقد وصله خبر أن قريش عند عودتها لمكة كانت تقول لقد أصبتم شوكتهم وقتلتم بعضهم .
ولكن بقي فيهم رؤوس يدبرون لكم ....
فلو ملتم على مدينتهم فاستأصلتموهم لكان خير لكم .
فكان "أبو سفيان" يريد أن يرجع للمدينة ...
وكان "صفوان بن أمية " ينهى عن ذلك ...
فقال ﷺ عندما سمع ذلك
قال: لقد أرشدهم صفوان وما كان برشيد .
"يعني هو ليس برشيد وعاقل ولكن أرشدهم بهذه المسألة"
لقد أرشدهم صفوان ، وماكان برشيد ، والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة كأمس الذاهب .
"سومت لهم أي في السماء حجارة سجين التي أهلك الله بها جيش الفيل كانت مسومة"
أي كتب على كل حجر إسم الشخص الذي ستصيبه .
ولو رجعوا للمدينة لكان كأمس الذاهب أي لكانوا عبرة مثل أصحاب الفيل"
٤- هو إذا لم تكن قريش تريد مهاجمة المدينة فإن مجرد خروج المسلمين لمطاردة قريش سيعيد للمسلمين بعض الهيبة التي يعلم النبي ﷺ أن المسلمون سيعانون من فقدها بعد غزوة "أحد" وخصوصاً أن الدولة الإسلامية الوليدة في الجزيرة العربية محاطة بعشرات القبائل التي تضمر الكراهية والعداوة للمسلمين ....
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-01-2022, 06:48 AM
حزاااكم الله خير
على المرور
الغريب
07-01-2022, 01:00 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المائة 138
غزوة حمراء الأسد .
الجزء الثاني .
عزم النبي ﷺ على لحاق جيش قريش وفي نفس الوقت كان ﷺ يعلم أن الصحابة رضي الله عنهم غير مستعدون للقتال .
لأن أغلب الصحابة رضي الله عنهم فيهم الجرحى وفيهم إصابات بليغة .
والروح المعنوية للجيش في أدنى حالاتها...
وفي فجر يوم الأحد اليوم التالي لمعركة أحد خرج الرسول ﷺ لصلاة الفجر ...
فلما انتهى ﷺ من صلاة الفجر .
أمر بلال رضي الله عنه أن ينادي :
إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس .
فكان قرار النبي ﷺ ألا يخرج معه لمطاردة قريش إلا من شهد "أحد" فقط؟؟
أما هؤلاء ال 300 الذين انسحبوا من منتصف الطريق إلى "أحد" فلا يخرجون معهم
لأنه بعد "أحد" أصبح الصحابة رضي الله عنهم في المدينة يفرقون بين جماعة المؤمنين وبين المنافقين.....
وكان هذا من مكاسب "أحد"
لأنه بعد "بدر" ظهرت بقوة هذه الطائفة المدمرة للمجتمع وهي طائفة المنافقين وكانوا مختلطين بالمؤمنين .
فجاءت "أحد" وانسحب هؤلاء المنافقون .
فأصبح الصحابة رضي الله عنهم يفرقون بين المؤمن والمنافق
والرسول ﷺ لا يريد أن يكون معه غير المؤمنين .
لأن هؤلاء المنافقون يخذلون الجيش وتكون أضرارهم أكثر من منافعهم ....
وجاء رأس المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول"
وقال : أنا خارج معك يارسول الله .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا والله : لن يخرج معنا إلا من خرج معنا بالأمس .
أستجاب جميع الصحابة رضي الله عنهم لأمر الرسول ﷺ و لم يتخلف منهم أحد .
مع أنهم جميعاً تقريباً يعانون من الجروح والأصابات البليغة لم يأت صحابي واحد يعتذر للرسول في عدم الخروج رضي الله عنهم جميعا"
خرج "أسيد بن حضير" مثلاً :
وبه سبع جراحات ....رضي الله عنه.
ومن الصحابة رضي الله عنهم من خرج و به جراح أكثر...
وكان هناك أخوين : "عبد الله بن سهل، ورافع بن سهل" رضي الله عنهما
وكانت بهما جراح كثيرة وبليغة ولم يجدان خيل ولا بعير يركبانه .
فقالا : والله إن تركنا غزوة مع رسول الله لغبن: "أي خسارة كبيرة"
والله لا نستطيع الركوب ولا المشي ...
وقال رافع : لا والله ما بي مشي "أي لا أستطيع المشي؟؟ لكثرة الجراح"
فقال عبد الله : انطلق بنا نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم
نمشي فإذا عجزنا تحملني نوبة واحملك نوبة ....
فإذا عجزنا زحفنا ولا نتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرجا يمشيان بثقل ثم ضعف رافع ولم يستطع المشي
فحمله أخوه عبدالله : فضعف عبدالله فأخذا يزحفان .
فبقيا هكذا يمشيان فإذا تعبوا حمل كل واحد الآخر فإذا تعبوا كانا يزحفان .
فأمتدح الله تعالى هذا الموقف العظيم من الصحابة رضي الله عنهم.. فنزل قوله تعالى :
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ..
خرج الرسول ﷺ من بيته بملابس الحرب وهو مجروح في وجنته من أثر الحلقتين .
ومجروح أيضاً في جبهته وباطن شفته السفلى ومجروح في ركبتيه ومتألم من عاتقه الأيمن من أثر ضربة "ابن قمئة"
ثم دخل المسجد وصلى ركعتين وقد اجتمع الناس في المسجد
ثم دعا بفرسه فركبه وكان طلحة واقفا ينظر؟؟
فلما رآه النبي ﷺ قال له:
يا طلحة أين سلاحك ؟
قال : قريب يارسول الله .
ولكن انظر إليك كيف تركب الفرس وأنت بهذه الجراح .
قال : لا عليك .
يقول طلحة رضي الله عنه : ولا أنا أهم بجراح رسول الله مني بجراحي ...
"يعني أنا مهموم بجراح رسول الله أكثر من جراحي ورسول الله مازال خده ينزف من آثار الحلق التي دخلت في وجهه بالأمس"
فأنطلق طلحة ولبس سلاحه وكان طلحة قد جرح 39 جرح وشلت يده واغشي عليه في أحد "
ثم رجع طلحة رضي الله عنه
فقال له النبي ﷺ يا طلحة أين ترى قريش ؟
وكان طلحة خبير بالطرق؟؟
أين تتوقع وصلوا اي منطقة"
قال : هم بالسيالة يارسول الله . والله أعلم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أظن . "أي هكذا توقعت"
خرج الرسول ﷺ وسار بجيشه حتى وصل إلى منطقة يطلق عليها "حمراء الأسد" على بعد حوالي 20 كم جنوب المدينة وعسكر بجيشه هناك
عندما وصلوا أمر النبي ﷺ أن يجمعوا الحطب بالنهار
ولما جاء الليل أمرهم أن يوقدوا النار بالليل ...
حتى إذا نظر أحد إلى معسكر المسلمين من مكان بعيد يعتقد أن عددهم كبير .
"وبالفعل انتشر ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم وعددهم الكبير في كل مكان في الجزيرة"
عندما جاء الليل وصل إلى معسكر المسلمين في "حمراء الأسد" عبدالله ورافع .
تأخرا كثيراً لأنهما كانا لايستطيعان المشي ...
وكانا يزحفان عندما يتعبان .
فلما رآهما النبي ﷺ قال لهما آلآن جئتما ؟
قالا : نعم .
قال ما حبسكما عني ؟
فأخبراه بعلتهما وأن الطريق طويل وكيف كانا يزحفان حتى وصلوا ....
ولم يكن عندهم خيل يركباه؟؟؟
فدعا لهما الرسول ﷺ بخير
ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنهم ممن كان حوله
وقال : إن طالت بكم مدة "أي إن طالت بكم الأيام "
إن طالت بكم مدة كان لكم مراكب من خيل و بغال وابل وغير ذلك وليس بذلك بخير لكم .
ينبيء الصحابة رضي الله عنهم أن ليس ملك الدنيا والتطور خير لكم .
إن طالت بكم مدة كان لكم مراكب من خيل و بغال وابل وغير ذلك .
ماذا غير ذلك ؟؟
ﷺ لو قال لهم "سيارات ودراجات وقطارات وطيارات
ماذا سيستوعب الصحابة رضي الله عنهم من ذلك
قال تعالى :
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ...
فقال قائل : يا رسول الله مثل ماذا ؟؟
فقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله لكم ما لا تعلمون .
فماذا أقول لكم ؟؟
فانبأهم النبي ﷺ بمراكب عصرنا وكأنه ينظر إلينا...
أي من يخرج من المدينة ويركب سيارته يمشي مسافة 20 كيلو متر .
كم سيأخذ معه وقت ؟؟ دقائق معدودة .
قال سيكون لكم مراكب وما ذلك بخير لكم .
وها نحن نشهده صلى الله عليه وسلم :
سيارات وطيارات ودراجات وما هو بخير لنا...
لأن الايمان قد خلا من قلوبنا وشغلتنا الدنيا عن الآخرة لدرجة أننا على استعداد أن نغوص في وحل الربا من أجل أن نأخذ قرض ربوي لنشتري سيارة نركبها ...
أليس هذا الواقع ؟؟ وليس بذلك بخير لكم..
فمن هنا ليس بخير لنا...
فكم من متاع الدنيا أبعد الخلق عن الخالق...
نسأل الله تعالى أن نوفق إلى إغتنام الحياة الدنيا بكل عمل صالح يقربنا إلى الله تعالى
وأن نسخر ما رزقنا فيها من النعم
في طاعته ومحبته...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المائة 139
غزوة حمراء الأسد .
الجزء الثالث والأخير .
عسكر النبي ﷺ وصحابته رضي الله عنهم وأرسل العيون تستطلع أخبار جيش "أبو سفيان"
فمر بهم رجل اسمه "معبد بن أبي معبد الخزاعي"
" أمه أم معبد" التي ذكرنا حديثها يوم الهجرة ومر بها النبي ﷺ وسألها الزاد صاحبة الخيمة
إبنها معبد هذا لم يسلم بعد ولكنه علم أن هذا صاحب قريش النبي المرسل ... فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه وقال : يا محمد!!
لم يقل له يارسول الله لأنه لم يسلم بعد .
لم تكن العرب تعرف الكذب والنفاق إلا من مخالطة...
كان لا يُخلف موعده حتى لو ضربت عنقه لا يرضى الكذب مهما كان الثمن .
قال : يامحمد لأنه لم يسلم ولكن قلبه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يجامله ويقول يارسول الله وهو لم يسلم ....
قال : يا محمد لقد عز علينا والله ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله أعلى كعبك وأن المصيبة كانت بغيرك .
فوالله لا أدري ما أقول فهل من خدمة نؤديها لك ؟
فقال له رسول الله ﷺ إن رأيت قريش في طريقك فأخبرهم .
"يعني أخبرهم بخروجنا"
وبالفعل مضى "معبد" حتى وصل إلى جيش المشركين وكانوا في منطقة اسمها الروحاء ....
كانوا يبعدون عن النبي ﷺ 47 كم تقريباً..
لما وصل معبد كان أبوسفيان يقرر العودة لمهاجمة المدينة بالفعل ....
وكان صفوان يعارض رأيهم بالرجوع وكان صفوان أيضاً من زعماء قريش ...
ولكن كانت الأغلبية الساحقة ترى العودة لمهاجمة المدينة وبالفعل استعد الجيش للعودة .
ولكن قبل أن يتحرك الجيش وصل إليهم "معبد بن أبي معبد" وتعمد أن يخاطب أبو سفيان .
فأستقبله أبو سفيان ...
هكذا كانت العرب تتلقط الأخبار من الركبان لأنه مافي هو الإعلام
أراد أبو سفيان أن يعلم أخبار المدينة و ماهو موقف أهل المدينة .
"لأن أكثر الشهداء في أحد كانوا من الأنصار كما ذكرنا"
فقال أبو سفيان هذا معبد وعنده الخبر .
ما وراءك يا معبد ؟
قال : ورائي ما يسوؤك؟؟
قال : ويحك ماذا تعني ؟!!
"ولم يكن يعلم أبو سفيان أن معبد قلبه وروحه مع رسول الله"
فقال معبد : تركت محمداً وأصحابه قد خرجوا لطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا...
قد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج وتعاهدوا على أن لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم غضباً شديداً .
وندموا على ما فعلوا فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط .
"الحنق الغيظ الشديد يعني مخنوقين من الغيظ مستلحمين عليكم"
طبعاً معبد هنا "هول وكبر له الموضوع"
قال أبو سفيان : ويلك ما تقول ؟
والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم...
قال معبد : لا تفعل أبا سفيان فإني ناصح .
ومما خلع قلبي عندما رأيتهم نظمت لهم شعراً .
"من المنظر الذي رأيت نظمت بهم شعراً أصف الحال التي هم بها"
قال ابو سفيان : أسمعني ماذا قلت ؟
"والعرب كان لسانهم ينطق الشعر فوراً ، ولا يحتاجوا لدراسة الشعر ونرجع لمعاني الكلمات...
فأنظروا إلى شعره :
فقال "معبد" ولقد أسلم فيما بعد نقول رضي الله عنه .
قال :
كادت تهد من الأصوات راحلتي
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسد كرام لا تنابلة
عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظُلت عدواً أظن الأرض مائلةً
لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل إبن حربٍ من لقائكمُ
إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إني نذير لأهل البسل ضاحية
لكل ذي إربة منهم ومعقولِ
من جيش أحمد لا وخش تنابلة
وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
ففزع أبو سفيان وارتجف قلبه
وقال : ويلك أين هم الآن ؟؟
قال : والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي خيلهم قد أقبلت اهربوا بسرعة .
كان الشعر هو الوسيلة الإعلامية القوية بين العرب في ذلك الوقت.....
وبالفعل خارت عزائم قريش وقرروا العودة سريعًا إلى مكة
هربت قريش .....
وفي الطريق أراد أبو سفيان أن يخوف المسلمين كي لا يلحقوا بهم .
فمر به ركب من قبيلة "عبد القيس" يريد المدينة....
فقال أبو سفيان : هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبا إذا أتيتم إلى مكة ؟
قالوا : نعم
قال : فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه رضي الله عنهم
فلما مر ركب "عبد القيس" بالنبي ﷺ أخبروه برسالة أبو سفيان أن جيش قريش في الطريق إليهم ليستأصلهم .
لكن هذا لم يؤثر في المسلمين بل زادهم إيماناً وثباتا وتوكلًا على الله تعالى...
فقال النبي ﷺ لما سمع ما قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .
فقال الصحابة رضي الله عنهم من خلفه حسبنا الله ونعم الوكيل
امتدح الله تعالى هذا الموقف الرائع الفريد من المسلمين .
حيث قال تعالى :
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
انصرف أبو سفيان ومن معه خائفين .....
وظفر النبي ﷺ منهم برجل اسمه "عزة الشاعر"
اتذكرونه ؟
ذكرنا قصته لما وقع أسير في بدر وكان فقير .
قال : يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهداً أن لا أعود لمثل ما فعلت .
وأخذ عليه النبي ﷺ عهداً أن لا يقاتله ولا يكثر عليه جمعآ ولا يظاهر عليه أحدا .
فنقض العهد وخرج مع قريش في غزوة أحد وصار يستنفر الناس ويحرضهم على قتاله بأشعاره ....
هرب أبو سفيان مع قريش وتركوه نائم تحت شجرة
فأمسك به الصحابة رضي الله عنهم.... فلما جيء به للنبي ﷺ
قال : يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهداً أن لا أعود لمثل ما فعلت .
فقال ﷺ لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمداً مرتين .
لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين .
فأمر النبي ﷺ بضرب عنقه..
بقي المسلمون في "حمراء الأسد" ثلاثة أيام
ثم عادوا إلى المدينة .
وقد حققت هذه الغزوة أهدافها التي أرادها النبي ﷺ :
١- تخويف قريش وتراجعها عن مهاجمة المدينة
٢- إعادة بعض الهيبة للدولة الإسلامية بعد أحد.
٣- رفع الروح المعنوية لجيش المسلمين بعد أحد
هذا هو رسول الله ﷺ النبي القائد وهؤلاء هم أصحابه رضي الله عنهم...
خرجوا في اليوم التالي مباشرة لمعركة أحد وهم مثخنين بالجراح ....
لنعرف كيف كانت تلك الشخصيات المؤمنة الصلبة
الذي تم تربيتها على يد النبي ﷺ في زمن قياسي .
تلك الشخصيات التي استطاع النبي ﷺ أن يغير بها وجه التاريخ ....
فكنا نحن وأنتم ثمرة هذه الشخصيات .
أوصلوا لنا مفتاح الجنة ومفتاح الفوز والنجاة فنطقنا :
لا إله إلا الله .. محمد رسول الله .
هذه هي السيرة التي غفلت عنها الأمة...
فمن عرف السيرة النبوية استقام قلبه وسمت روحه
فكانت عبادته لله على : بصيرة وفهم عن الله وعن رسوله ﷺ .
وكان أقرب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الأربعون بعد المائة 140
تحريم الخمر .
بعد غزوة أحد وفي السنة الثالثة للهجرة نزل تحريم الخمر ....
لم يأتي تحريم الخمر فجأة بل كان بالتدريج ......
وكثير من التشريعات جاءت بالتدريج مثل الصلاة والصيام والزكاة والجهاد وأحكام الميراث وعقوبة الزنا وغير ذلك ....
فالتدرج في التشريع من أسس وركائز التشريع الإسلامي .
لأنه ليس من الممكن أن ينقلب المجتمع الجاهلي الفاسد إلى مجتمع صالح بين عشية وضحاها ....
وهكذا جاء تحريم الخمر متدرجاً في أربعة آيات من كتاب الله تعالى..
المرحلة الأولى :
أول ما نزل من الخمر هو قول الله تعالى في سورة النحل .
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .
يعني ثمرات النخيل "أي البلح" والأعناب "العنب"
تتخذون منه سكراً :
تخرجوه عن طبيعته فيصبح خمرا .
ورزقاً حسنا "لما تأكلوا مثل ما هو من غير أي تدخل هو رزق حسن .
وإذا تدخلت وغيرت طبيعته وجعلته مسكرآ فهو ليس رزقاً حسنا .
قال رِزْقاً وصفه بأنه حَسَناً فكان يجب أن نتنبه إلى أن الله تعالى يمهد لموقف الإسلام من الخمر ...
فهو لم يصف السكر" بأي وصف ، وجعل للرزق وصفا هو الحسن
وانتهت الآية بقوله تعالى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُون
يعنى لو عقلتم هذه الآية فقط لعلمتم أن الخمر أمر قبيح .
ولعلمتم أنه أمر لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه لكم .
المرحلة الثانية . :
نزل بعد ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة .
يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا .
الخمر معناه الستر "أي توارى واختفى..
وقوله تعالى وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا .
فلذلك لما نزلت هذه الآية ترك بعض الصحابة رضي الله عنهم شرب الخمر .
وقالوا لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير .
المرحلة الثالثة . :
جاء أحد المسلمين وقد شرب الخمر قبل أن تحرم نهائيا وجاء ليصلي :
فقال "قُلْ ياأيها الكافرون * أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ : بدل لا أعبد
فنزل قوله تعالى تأديباً في سورة النساء :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ .
فقام بلال رضي الله عنه بعد نزول هذه الآية ينادي وقت الصلاة : ألا لا يقربن الصلاة سكران ....
وهكذا تضاءل جداً الوقت الذي يمكن أن تشرب فيه الخمر لأن الصلاة تستغرق أوقات اليوم كله .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يقول بعد هذه الآية .
اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً .
المرحلة الرابعة : تحريم الخمر .
بعد غزوة أحد
نزل قوله تعالى في سورة المائدة .:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
فلما نزلت هذه الآية قال الصحابة رضي الله عنهم انتهينا انتهينا
وعندما نزلت هذه الآية كان البعض يشرب الخمر .....
فتوقف فورًا وكسر الآنية التي يشرب منها....
وألقى الصحابة رضي الله عنهم الخمور التي في منازلهم في الطرقات حتى أصبحت المدينة موحلة كأن مطرآ قد نزل عليها
هكذا كان نزول تحريم الخمر متدرجآ لأنهم كانوا واقعين بكثرة في شرب الخمر .
الرد على من يجادل في تحريم الخمر . :
البعض يجادل أنه لم ينزل تحريم الخمر في القرآن صراحة...
قال الله اجتنبوه لم يحرمها ؟
فقد قال تعالى .
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله .
هنا في هذه الاية واضح تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله
لقوله تعالى حرمت
لكن لما ذكر الله الخمر لم يذكر كلمة حرمت عليكم الخمر
قال تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
أين التحريم : قال اجتنبوه .
الإجتناب أشد من التحريم
مثلاً : لو أن الله تعالى قال لنا أن الأكل من الشجرة الفلانية حرام .
فيحرم عليك الأكل من ثمر هذه الشجرة .....
ولكن لو جلست تحتها تستظل بظلها من غير أن تأكل منها لا أحد يستطيع أن يتهمك أنك قمت بشيء محرم فأنت لم تأكل منها .
ولو أن الله عز وجل قال "اجتنبوا هذه الشجرة"
"أي لا يمكن لنا أن نستظل بظلها ولا نأكل منها ولا نقربها أبداً "
لذلك وضح لنا النبي ﷺ معنى الإجتناب في هذا الحديث الصحيح :
لعن الله الخمر وشاربها . وساقيها . وبائعها . ومبتاعها . وعاصرها . ومعتصرها . وحاملها والمحمولة إليه .
يعني إياكم أن تقتربوا منها
وفي رواية وآكل ثمنها .
ويقول ﷺ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر"
ويقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما "لاتسلِّموا على شربةِ الخمر"
الرد على من يقول أن المخدرات ليست حراما .
البعض يقول أن الحشيش والمخدرات ليست حراماً لأنه لم يأت فيها نص ؟
قلنا الخمر معناه الستر "أي اختفى وتوارى"
وهؤلاء الذين قال عنهم النبي ﷺ لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها .
ولكي يغلق عليهم النبي ﷺ باب الجدال وأن لا حجة لكم عند الله بعد ذلك ...
قام بتعريف الخمر تعريفاً جامعاً يحرم جميع أنواع المسكرات طبيعية كانت أو صناعية قليلة كانت أم كثيرة :
فقال ﷺ كلٌّ مسكر خمرٌ . وكل مسكرِ حرامٌ .
وقال: مَا أَسْكَرَ كثيرهُ فقليله حرامٌ .
ولذلك أجمع العلماء على تحريم كل أنواع المخدرات...
بل قال البعض أنها أشد تحريمآ من الخمر .
حاولت الدول الغربية تجربة تحريم الخمر في مجتمعاتها ..
وقد قامت بجهود جبارة للحد من شرب الخمر ولكنها باءت جميعها بالفشل ...
غرامات وإعدام ودعايات ولكن كلها باءت بالفشل ....
الوازع الديني . : هو أكثر عامل يساعد على العلاج من الإدمان..
لقد خصصنا هذا الجزء عن نزول تحريم شرب الخمر بعد غزو أحد حتى نقارن بين :
١- تجربة الصحابة رضي الله عنهم الناجحة في الإقلاع عن شرب الخمر .
٢- وتجربة كل دول العالم الفاشلة في الحد من شرب الخمر .
وقد نجح الصحابة رضي الله عنهم بسبب الوازع الديني
ولذلك أقول أن الوازع الديني هو أكثر عامل يساعد على العلاج من الإدمان سواء إدمان خمر أو مخدرات ....
تعظيم الأمر و النهي يكون في الإمتثال
أعظم التعظيم الوقوف عند
أوامر الله تعالى ونواهيه
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[١: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والأربعون بعد المائة 141
سرية أبو سلمة .
وصعوبة موقف المسلمين بعد أحد .
من آثار اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد
وصل إلى النبي ﷺ بعد أحد بثلاثة أشهر فقط...
أخبار أن بعض العرب من قبيلة "بني أسدِ" تستعد للإغارة على المدينة .
فقد تركت أحُد آثار في نفوس العرب هزت صورة المسلمين العسكرية ....
فظنوا أن كل من يريد أن يغزو المدينة يمكن له أن ينال منهم .
فلما بلغ النبي ﷺ ذلك لم يمهلهم وإنما أرسل إليهم سرية قوامها 150 من الصحابة رضي الله عنهم
وجعل عليهم أميرا "أبو سلمة"
رضي الله عنه : ابن عمة رسول الله ، أمه "برة بنت عبد المطلب" و أخو النبي في الرضاعة .
فقد أرضعته وأرضعت النبي ﷺ ثويبة مولاة أبي لهب ولقد اعتقها أبو لهب حين بشرته بمولد النبي ﷺ .
فعقد له لواء وقال له النبي ﷺ
اغدو على بركة الله وأنزل خيلك قوم "أسدِ" فإنهما يجمعون للإغارة على المدينة .
وأخذ معه دليل يجنبه طريق القوافل كي يأخذ القوم على غرة...
فإن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الحرب وغيرها "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"
وأوصلها النبي صلى الله عليه وسلم آخذاً بالأسباب
قال له : سر ليلاً وأكمن نهاراً تعم عنك الأخبار .
فسار على بركة الله حتى فاجأ القوم وهم مجتمعين عند ماء لهم .
ففروا منه فأخذ جميع ما يملكون من إبل وشاة وغنائم ورجع خلال سبع أيام للمدينة المنورة
عادوا إلى المدينة وسميت هذه السرية "سرية أبو سلمة"
رضي الله عنه.
من آثار اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد أيضاً
أن فارس مغامر اسمه "خالد بن سفيان الهذلي"
أراد أن يستغل اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد وأن يستغل حالة الكراهية الموجودة في الجزيرة العربية ضد المسلمين
وبدأ يدعو لغزو المدينة واتخذ لنفسه مقر في "وادي عرنة" وهو مكان قريب من مكة يبعد عن الحرم حوالي 20 كم تقريباً
وبدأ بالفعل يتجمع عنده المقاتلين من المرتزقة الذين طمعوا في نهب خيرات المدينة
وصلت هذه الأخبار إلى النبي ﷺ فقرر ألا يمهل هذا الرجل حتى يكثر جمعه وأن يرسل له من يقتله وكان ذلك أيضا في "محرم من السنة الثالثة"
واختار النبي ﷺ لهذه المهمة الصعبة شاب عمره 28 عام "عبد الله بن أنيس الجهني"
اختاره النبي ﷺ لهذه المهمة فكان النبي يختار أصحابه رضي الله عنهم لكل مهمة من يناسبها
فيختار للقيادة من يتمتع بسداد الرأي وحسن التصرف
ويختار للدعوة والتعليم من يتمتع بغزارة العلم والمهارة في اجتذاب الناس .
ويختار للوفادة على الملوك والأمراء من يتمتع بحسن المظهر وفصاحة اللسان .
وفي الأعمال الفدائية يختار من يجمع بين الشجاعة وقوة القلب والقدرة على التحكم في المشاعر .
ولذلك اختار ﷺ "عبد الله بن أنيس الجهني" رضي الله عنه للقيام بهذه المهمة الصعبة والخطيرة جداً "وهي مهمة قتل خالد بن سفيان الهذلي"
وهي أشبه بالعمليات الفدائية التي تقوم بها الآن قوات الصاعقة
لأن "خالد بن سفيان الهذلي" كان من أشد وأقوى وأشرس المقاتلين العرب ....
أرسل إليه النبي ﷺ فلما حضر "عبدالله" قال له النبي ﷺ بلغني أن "خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي : يجمع لي الناس ليغزو المدينة .
فائته فأقتله ...
فقال عبد الله بن أنيس رضي الله عنه
لبيك يا رسول الله ولكن انعته لي حتى أعرفه .
"أي أوصفه لي؟؟؟
فقال له النبي ﷺ إذا رأيته وجدت له قشعريرة!!!
"يعني يقشعر جسمك من شكله"
فانطلق "عبدالله بن أنيس" حتى وصل إلى "عرنة" فلما رآه وجد ما وصف له رسول الله صلى الله عليه وسلم...
فلما وصل "عبدالله بن أنيس" رضي الله عنه إلى خالد بن سفيان ... قال خالد من الرجل ؟
فقال له : رجل سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك في ذلك .
سمعت أنك تجمع الناس لقتال محمد وغزو مدينته فكنت مشاركآ معكم"
فقال له : أجل أنا في ذلك "
فمشى عبد الله معه قليلًا وهو يحدثه ثم رفع سيفه وقتله .
فلم يراه أحد وانطلق راجعآ إلى المدينة ....
وقيل تسلل ليلاً إلى خيمته وقتله
فلما دخل على النبي ﷺ استقبله النبي متهلل الوجه مشرقاً فرحاً
وقال ﷺ له أفلح الوجه يا عبدالله .
فقال عبدالله : أجل قتلته يارسول الله .
فقام النبي ﷺ ودخل حجرته واحضر عصا وأعطاه أياها ؟
وقال له أمسك هذه عندك يا عبدالله .
"لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه العصا أخذها وخرج"
فخرج ومعه العصا !!
قال له الصحابة رضي الله عنهم يا عبد الله ما هذه العصا ؟؟
قال : أعطانيها رسول الله وأمرني أن احتفظ بها
قالوا : أولا ترجع للنبي ﷺ وتسأله عنها .
فرجع إلى النبي ﷺ
قال : يا رسول الله لمَِ أعطيتني هذه العصا ؟
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا عبدالله إنها آية بيني وبينك يوم القيامة .
"الناس يوم القيامة قد ماجوا وهاجوا وفزعوا وفر الإبن من أمه وأبيه وزوجته وأولاده وإخوته .
ترفع هذه العصا وأنا سأعرفك من هذه العصا و أتولى أمرك "
وبقيت هذه العصا مع عبدالله بن أنيس رضي الله عنه حتى ضمت معه في كفنه ودفنت معه .
وسيبعث من قبره وهو يحملها رضي الله عنه وأرضاه .
سرية أبو سلمة ومهمة عبدالله رضي الله عنهم بعد معركة أحد .
تدل على مدى يقظة النبي ﷺ في المدينة وأصحابه رضي الله عنهم
وتدل على حزم وحسم الرسول ﷺ في التعامل مع الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها المدينة .
ولذلك ربما من يقرأ السيرة تكون هذه هي أول مرة يسمع عن سرية "أبو سلمة" أو حادثة قتل خالد بن سفيان"
لأن النبي ﷺ تعامل مع المشكلة في بدايتها وأنهاها .
ولو كان ﷺ قد انتظر في المدينة حتى يحدث هجوم عليها لكانت مشكلة كبيرة .
و انظروا إلى تربية النبي ﷺ لصحابته الكرام رضي الله عنهم
أن يكون ثوابهم يوم القيامة
لا أن تكون لهم جوائز دنيوية زائلة فحسب بل كان صلى الله عليه وسلم يعلق قلوبهم و أرواحهم بالآخرة والعمل لها.
والأخرة خير وأبقى
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية و الأربعون بعد المائة 142
حادثة شهداء الرَّجيع ...
قد علمت العرب أن محمد ﷺ كلما اجتمعوا لمحاربته باغتهم في أرضهم ودفن تلك الفكرة في أرضها لإنه يحكم المدينة تحت شعار :
ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذَلّوا .
وهو لا يقبل الذل ﷺ فكلما سمع بتحركهم باغتهم وقاتلهم في ديارهم قبل أن يقدموا للمدينة .
فلجأوا إلى سياسة أخرى وهي الخدعة !!
أن يتظاهروا أنهم مسلمون فيطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم رجال يعلموهم القرآن الكريم والإسلام .
و سعى نفر من مكة إلى رجال من قبيلتي "عضل والقارة"
هم بالأصل من قبيلة واحدة "هذيل"
قالوا لهم : نعطيكم مبلغ من المال في مقابل أن تذهبوا لمحمد في يثرب وتتظاهروا أنكم مسلمون وتطلبون أن يرسل معكم من يفقهكم في الدين .
ثم تحضروا هؤلاء الرجال من أصحاب محمد وتسلموهم لنا .
لماذا اختارت قريش قبيلتي "عضل والقارة" لهذه المهمة ؟
لأنهما من القبائل المتحالفة مع المسلمين وبذلك لن يشك النبي ﷺ في أنهما يضمران له الغدر .
اتفقوا مع قريش !!!
وانطلق رجال من قبيلتي "عضل والقارة" إلى المدينة المنورة
فلما وصلوا دخلوا على رسول ﷺ وتظاهروا أنهم مسلمون .
قالوا : يا رسول الله .
إن فينا إسلاماً "أي انتشر الإسلام في قومنا"
فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن الكريم .... ويعلمونا شرائع الإسلام .
"النبي ﷺ لا يعلم الغيب المطلق .
فإذا أطلعه الله تعالى على شيء من أمور الغيب .
أصبح بالنسبة له علم وبالنسبة للآخرين غيب .
فعلم الغيب المطلق "لله عزوجل وحده"
وإذا لم يُطلع الله نبيه على شيء ، فهو بشر لا يعلم الغيب"
ولقد علمنا النبي ﷺ أن نأخذ الأمور بالظواهر ونترك سرائر الناس لله عزوجل .
فقبل منهم ظاهر قولهم "أي بأنهم مسلمون" ولم يُطلعه الله تعالى على خديعتهم .
فأستجاب لهم النبي ﷺ وأرسل معهم عشرة من أصحابه رضي الله عنهم
"بعض كتب السيرة تقول كان عددهم سبعة "
وجعل عليهم أميرا "عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنهم.
في الطريق وعندما أصبحوا قريباً من بئر يقال له
"الرجيع" قريب من قريتهم "هذيل" خرج إليهم قريب من 200 مقاتل من هذيل
وكان منهم 100 رامي .
لأنهم علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الواحد منهم يقتل أكثر من عشرة .
هكذا وصفهم الله تعالى :
إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ...
علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تغلبهم الكثرة .
فلذلك كثروا الكثرة أكثر 200 مقابل 10 فقط .
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم سيوفهم وأخذوا يقاتلوهم حتى أحاطوا بهم في تل مرتفع .
وعلم القوم إن هم قاتلوهم سيقتلون منهم مئة قبل أن يُقتلوا فهم لا يهابون الموت ابداً .
حاولوا أن يغروهم بالإستسلام ووعدوهم بعدم قتلهم .
قالوا لهم : نحن نعطيكم عهداً وذمة لا نقتلكم ولا نكسب بقتلكم شيء وإنما نريد أن نبيعكم لقريش عبيداً ونكسب المال والثمن .
ولكن قائد السرية "عاصم بن ثابت" رفض أن ينزل في ذمة كافر...
وقال : إني نذرت ألا أقبل جوار مشركٍ أبداً .
لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
وأخذ هو وأصحابه يرمونهم بالسهام .
وأخذ المعتدين من "هذيل" يرمونهم بالسهام ويرمونهم بالحجارة .
و بدأ يسقط من المسلمين قتلى وسقط بعض القتلى أيضآ من الجانب الآخر .
فنيت سهام المسلمين فأخذوا يقاتلونهم برماحهم وسيوفهم حتى تكسرت رماح المسلمين .
هنا كسر "عاصم بن ثابت" غمد سيفه "أي كناية على أنه سيقاتل حتى الموت"
"عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنه هذا الصحابي شهد معركة "بدر و أحد"
يوم أحد كان همه أن يصيب حملة اللواء في قريش وكانوا من "آل أبي طلحة"
فقد تعاقب على اللواء أخوين أمهم اسمها "سلافة"
وكانت سلافة هذه مع نساء قريش يوم معركة أحد جالسة قريبة من حملة اللواء .
وكانت تنظر إلى أبناءها الذين يحملون اللواء .
فلما حمل اللواء ابنها و اسمه : "مسافع" ضربه "عاصم بن ثابت" بسهم وقال له خذها وأنا ابن أبي الأقلح .
فكان السهم الذي أصابه ليس قاتلاً فوراً ولكنها كانت إصابة بليغة .
فأعطى اللواء لأخيه وذهب يجري لأمه و وضع رأسه في حِجرها .
قال لها : السهم يا أماه .
فأنتزعت السهم وهي تقول من أصابك يا ولدي ؟
قال : سمعت الرامي يقول "خذها وأنا أبن أبي الأقلح"
فما أن رفعت السهم خرجت روح ابنها .
حتى جاءها ابنها الثاني و قد أصابه سهماً يقول كما قال أخوه
قالت : من أصابك ؟
قال : ابن أبي الأقلح .
فقتل لها ولدين .
فلما رجعت من معركة أحد نذرت وعممت خبرها .
"من يمكّني من رأس عاصم لأشربن به القحف ولأعطينَّ حامله مئة من الأبل .
نذرت 100 ناقة مكافأة لمن يأتيها برأس عاصم وأنها إن قدرت على رأسه لتجعلنه وعاء لشرب الخمر .
الصحابي عاصم رضي الله عنه من خيار الصحابة رضي الله عنهم
عندما أسلم و وضع يده بيد النبي ﷺ .
قال : أعاهد الله وأعاهدك يا رسول الله بعد أن مسّت يدي يدك بالبيعة .
لن تمس يدي يدا مشركٍ أبداً ولا أسمح لمشركٍ أن يمسني أبداً .
و وفى بهذا العهد فهو الآن أمير هذا الركب .
فقال عاصم أميرهم : لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
فما زال يقاتلهم حتى رأى أنهم قاتلوه .
فرفع طرفه للسماء وقال :
اللهم أبلغ نبيك عنا السلام .
وأبلغه ما نزل بنا من الذين غدروا .
اللهم إني قد وفيت لك بعهدي ما دمت حياً .
اللهم وفّي لي بعهدي معك بعد موتي .
اللهم إني حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره .
"لكي لا يمس جسده أحد لأنه يعلم بالنذر وقد شاعة الأخبار بأن سلافة تريد أن تشرب الخمر في قحف رأسه.
وقد خصصت مكافأة لذلك.
وأخذ يقاتل حتى قتل وقتل معه الصحابة رضي الله عنهم ولم يبق إلا ثلاثة فقط :
خبيب بن الدثنة . زيد بن الدثنة . عبدالله بن طارق .
رضي الله عنهم أجمعين .
فأخذوا يتفاوضوا مع هؤلاء الثلاثة على الإستسلام
ووعدوهم بعدم قتلهم .
فوافقوا على ذلك .
ولكنهم بمجرد أن استسلموا إليهم ربطوهم بأوتار قسيهم .
"يعني فكوا حبال الأقواس وربطوهم بها"
فقال عبد الله بن طارق :
هذا أول الغدر . مادام اتفقنا وسلمنا انفسنا ليش تربطونا .
ورفض أن يسير معهم وأخذ يقاومهم وهم يجرجروه .
فلما أجهدهم قتلوه .
ولم يبقى إلا اثنين "خبيب ، وزيد"
وقبل أن ننتقل من هذه المعركة المصغرة بحجمها والعظيمة في معانيها ....
انظروا ماذا جرى فيها .
القوم قتلوا "عاصم" ويريدون أن يرجعوا لقريش وكان همهم أن يأخذوا رأس "عاصم" فإن فيه 100 ناقة نظراً لنذر سلافة .
فحاولوا أن يقطعوا رأس "عاصم بن ثابت"
وعاصم بن ثابت قد طلب من الله أني قد وفيت فوفي لي يارب كما وفيت .
والنبي ﷺ يقول إن تصدق الله يصدقك .
فانظروا إلى عظمة الله جل في علاه .
فأنزل الله من جنوده :
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
فأنزل الله مظلة من "الدبر" على عاصم رضي الله عنه .
"والدبر هي ذكور النحل وتسمى الزنابير بلغتنااليوم الدبور"
فأخذت تحوم على جثته فما دنى أحد منه إلا لدغته لدغة مؤلمة .
فقالوا : دعوه إلى الليل .
فاذا جاء الليل ذهب عنه الدبر .
لأن الدبابير تبيت إذا أقبل الليل.
فلما جاء الليل بعث الله تعالى غمامة حلقت فوقهم بالمنطقة وصبت ماءً غزيراً منهمراً حتى سالت سيلًا كبيرا فحمل جسده فلم يتمكنوا من الرأس ولا الجثة .
"رجل صدق مع الله : فقلب الموسم شتاء"
"إن تصدق الله يصدقك"
لم يكن في السماء سحابة واحدة ولم يعرف قبره رضي الله عنه حتى الآن .
هذا ما يقال عنه "
كرامات الله لعباده الصالحين
بقي معهم أسيرين فقط
1- خبيب رضي الله عنه .
2- زيد رضي الله عنه .
ومضوا بالأسيرين وانطلقوا بهما إلى قريش وباعوا "خبيب" إلى بنو الحارث بن عامر .
لأن خبيب هو الذي قتل أبوهم الحارث بن عامر في بدر .
وباعوا "زيد بن الدثنة" إلى صفوان بن أمية ليقتله انتقاما لمقتل أبيه "أمية بن خلف" في بدر كذلك..
وقصتنا الآن مع "خبيب رضي الله عنه
أخذ بنو الحارث "خبيب" وحبسوه عندهم حتى تنقضي الأشهر الحرم .
قالوا : إذا انقضت الأشهر الحرام أخرجناه خارج الحرم إلى التنعيم وقتلناه هناك خارج الحرم .
فأخذوا ينتظرون انتهاء الشهر الحرام ليقتلوهما بطريقة تتفنن بها قريش لتشفي غليلها من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
جلس "خبيب بالأسر" و وضعوا بيده القيد واغلقوا عليه باباً .
وكان في البيت بنات الحارث يعيشون فيه ومتزوجات .
فأمروا بنات الحارث أن يرقبنه ويطعمنه ويسقينه حتى يبقى على قيد الحياة .
راوي الحديث عن هذه الوصلة من حياته .
بنت الحارث واسمها "زينب" عندها جارية اسمها "ماوية"
كانت ماوية تحضر الطعام لخبيب وتراقبه وتنظف حجرته حتى ينتهي الشهر الحرام .
وزينب بنت الحارث هي "السيدة المسؤولة" عن حماية خبيب .
جاءت ماوية : يوماً وقبل أن تدخل خوفاً أن يكون فك القيد فنظرت من شق الباب فوجدت "خبيب" وفي يديه الحديد يحمل قطف عنب كأنه رأس رجل .
تقول : لقد رأيته يأكل من قطف عنب كأنه رأس رجل وما بمكة يومئذ ثمرة .
وإنه لموثق في الحديد .
ففتحت الباب لتنظر هل خانها بصرها ؟
قالت متعجبة : ما هذا يا خبيب ؟
قال : عنب كما ترين دونكِ فأكلِ "تفضلي كلي منه"
فأخذته وتذوقته: فإذا هو عنب .
فرجعت تجري إلى مولاتها "أي سيدتها زينب بنت الحارث"
قالت : يا سيدتي ماهذا الأسير الذي عندنا ؟ قالت ماذا ؟
قالت : أتعلمين في أرض الله عنباً في هذا اليوم "يعني في هذا الموسم في عنب"
قالت : لا .
قالت : تعالي معي فأنظري إن هذا الأسير يأكل عنباً من أشهى ما يُأكل .
فهرعت إليه "زينب" لترى .
فرآته يأكل العنب وبين يديه قطف كبير من العنب .
قالت : ما هذا يا خبيب ، من أتاك به ؟
قال : تسألين من أتاني به ؟
وهل في أرض الله عنب في هذه الأيام ؟
قالت : لا
قال : إذن هو من عند الله .
أما علمتِ يا زينب بقصة أم عيسى عليه السلام السيدة مريم بنت عمران .
أما سمعتِ خبرها إذ كفلها زكريا .
وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ...
أنَّى لك هذا ؟ سؤال تعجب .
قال خبيب رضي الله عنه :
لزينب "قصة مريم" عليها السلام
قالت له : لم أعلم بذلك
قال خبيب رضي الله عنه ولكن الله أعلمنا..
قالت : أتطعمني من هذا العنب .
قال : دونكِ فأكلِ "ظنته سحر خدعة بصرية"
فأكلت منه حتى رضيت
فقالت : يا خبيب أنت رجل مبارك .
ولكنكَ أسيرُنا فلا أستطيع أن أفك قيدك .
وأنا امرأة فهل من خدمة نسديها لك في أي وقت ؟
قال : نعم إذا انتهى الشهر الحرام وعلمتِ أنهم قاتلي غداً أريد حديدةً أستعد بها للقاء ربي .
قالت : كيف ؟؟
قال : اريد حديدةً موس أزيل بها شعر ابطي وشعر وسطي
"يعني ما نعرفه اليوم شفرة أي ليحلق شعر العانة والإبط لكي يلقى الله وهو نظيف"
قال : وأريد ماء اغتسل به .
قالت : لك هذا !!
انظر كيف يعظم الصحابة سنة الرسول ﷺ .
خبيب رضي الله عنه يعلم أنه سيقتل وهو حريص على سنة الإستحداد.
مضت الأيام وانصرم شهر محرم
فعلمت زينب أنهم قاتلوه غداً وسيخرجوه للتنعيم .
فوفت بوعدها فأحضرت الموس والماء وأرسلت بالموس مع طفل لها صغير .
وقالت : أعطه للأسير وقل له أن أمي ستأتيك بالماء .
"لأن الصغير لا يستطيع أن يحمل الماء ولكي تتركه على راحته يستحد ويحلق الشعر .
فلما أرسلت الصبي بالموسي
تقول : فطنت .
فقلت : ويلاه ماذا صنعت ؟
أرسلت الصبي بالموس ليقتلنه الآن ويأخذ بثأره فوراً .
ففزعت وأخذت تجري إليه مسرعة حتى تُرجع الصبي .
ولكن الصبي جرى وكان قد سبقها ... فوصلت فنظر إليها "خبيب" رضي الله عنه
فوجدها مرتاعةً .
تقول : فنظرت إليه فوجدته قد أجلس الصبي على فخذه يطعمه بيده ما بقي عنده من عنب .
فلما رآها خبيب فزعة قال لها : يا زينت أتخوفتي على الصبي أن أقتله ؟
قالت : أجل .
قال : ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى أبداً..
فإن ديني قد هذب خُلقي .
فلا يجوز قتل الصبي بغير ذنب فهو لم يقاتلني يوماً .
ولقد طلبت منك الموس فلا يجوز لي أن اغدر .
فلا أستعمل الموس إلا لإزالة الشعر .
فذهلت منه وتعجبت من فعله أكثر وأكثر .
ودخل الإيمان لقلبها ....
وقالت : أهكذا هو دينكم يا خبيب ؟
قال : أجل .
وإلا ما الفرق بيني وبين أي رجل من قريش فإني عربي قرشي كما تعلمين .
فلماذا لا أقتل ولا آخذ بالثأر هكذا علمنا ديننا يا زينب .
فأخذت الصبي وتركته يستحد ويستحم .
واستأذنت من أهلها أن تكون ممن يشهد مصرعه ومصرع "زيد بن دثنة"
فخرجت مع نسوة وساروا خلف الرجال إلى التنعيم
قالت : وقد سبقنا قبل يوم إلى ذلك الموقع بعض الرجال والعبيد .
وقد أمرهم أبو سفيان أن يجعلوا له خشبة .
"حفروا في الأرض ووضعوا خشبة ليصلبوه عليها ويتفننوا في قتله"
فلما اجتمعوا و أوثقوه بالخشبة اقترب منه أبو سفيان
وقال : أنشدك الله يا خبيب أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال له خبيب : لا والذي بعثه بالحق ما أحب ولا أرضى .
ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالساً في أهلي سالماً معافا .
فقال خبيب رضي الله عنه : لأبي سفيان
قال : دعوني أصلي ركعتين .
فظنوا أنه جزع من الموت يريد أن يؤخر عمره قليلاً .
ثم صلى بكل خشوع .
وعندما انتهى التفت إليهم من صلاته... وقال لهم : والله لولا أن تظنوا بي جزع من الموت لطولت في الصلاة أكثر ولكن هيَّ .
فكان أول من سن صلاة ركعتين عند القتل خبيب رضي الله عنه.
ثم أوثقوه ورفعوه على خشبة
واقترب منه أبو سفيان
وقال له : يا خبيب ارجع عن الإسلام وأنا أطلق سراحك
قال : لا والله لو كانت لي مئة نفس وأزهقتموها نفساً نفساً ما رجعت عن ديني أبداً .
فأحضروا 40 غلام من غلمان قريش في سن التمييز .
"يعني أعمارهم 7 و 8 سنين وأعطوا كل واحد منهم رمحاً صغيراً
ويقولوا لكل غلام من الأربعين هذا "خبيب" قتل أبوك يوم بدر يا غلام هذا قاتل أبوك فأقتله
حتى يتفننوا في قتله وأطلقوا الصبية عليه يطعنونه بهذه الرماح الصغيرة .
فلما رأى خبيب أنه الموت لا محالة بهذه الطريقة وأرادوا أن يقهرونه في دينه فلم يجعلوا وجهه للكعبة و ووجهوه إلى المدينة أي عكس الكعبة للشمال .
فرفع خبيب رضي الله عنه طرف عينه للسماء .
وقال : اللهم إني لا أرى إلا وجه مشرك وعدو
اللهم أقرء نبيك عني السلام وأعلمه ما تصنع بنا قريش اليوم .
ثم قال : اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحدا .
راوي هذا الحديث هو الذي أصبح أمير للمؤمنين بعد ذلك "معاوية بن أبي سفيان" وكان عمره 22 عام .
هو الذي يروي لنا مقتل خبيب رضي الله عنه
وزينب أسلمت وماوية أسلمت أيضاً.
يقول معاوية : كنت واقفاً مع والدي أبا سفيان فلما دعا "خبيب" رضي الله عنه هذا الدعاء ألقاني أبو سفيان على الأرض واضطجع .
"جلس واجلس إبنه على الأرض بسرعة"
"لأن العرب كانت تعتقد أن الرجل اذا دُعي عليه في وجهه واضطجع لجنبه لم تصبه هذه الدعوة"
قلت : لماذا يا أبي فعلت هذا ؟
قال : كي لا تصيبنا دعوة خبيب .
يقسم معاوية رضي الله عنه ويقول لقد رأيت من رأى مصرعه إلا من أسلم منهم .
فوالله قتلوا جميعاً بددا يعني متفرقين أي ليس عند أهلهم ولا في معركة قتلوا متفرقين جميعا"
لنترك خبيب رضي الله عنه الآن مع الخشبة والصبية والرماح ، وننتقل مباشرة في نفس هذه اللحظة إلى المدينة المنورة إلى مسجد الحبيب المصطفى ﷺ .
يقول الصحابة رضي الله عنهم في هذه اللحظة كان يحدثنا النبي ﷺ بما فعلت قريش بأصحابه رضي الله عنهم ويقول قد لقوا أصحابكم ما لقوا من قريش .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فسكت ﷺ
وأغفى اغفاءة كالتي تأتيه عند نزول الوحي .
ثم سمعناه يقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا "خبيب"
قال الصحابة رضي الله عنهم فدهشنا
ففتح عينيه ونظر إلينا
وقال : إن أخاكم خبيب تقتله قريش الآن .
وقد طلب من الله تعالى أن يقرأني عنه السلام .
فهذا جبريل يقرئني سلام خبيب رضي الله عنه.
ثم قام النبي ﷺ وقد دمعت عيناه ودخل لحجرته والدموع على خده .
نرجع لقريش فلقد نفذت خطتها بأن جعلت الصبية يتمرنون على طعنه .
يقول من أسلم فيما بعد و شهد مصرعه منهم ...
تقول زينب و ماوية : فلا ندري إذ انفتلت خشبته حين همت روحه أن تصعد فأستدار وجهه إلى البيت الحرام .
"خشبة مزروعة في الأرض ما الذي يفتلها ؟؟
فسمعنه يقول : الحمد لله الذي وجهني إلى قبلة يرضاها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
وكان ممن حضر "سعيد بن عامر" وقد أسلم بعد ذلك واستعمله "عمر بن الخطاب" على الشام .
فكان يغشى عليه أحيانا وهو جالس بين الناس "يغمى عليه فجأة"
فشكاه الناس ذلك لعمر !!
قالوا له : يا أمير المؤمنين : إن الرجل مصاب .
فلما قدم على "عمر" قال له : يا سعيد ما هذا الذي يصيبك ؟
فقال سعيد بن عامر والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس .
ولكني كنت فيمن حضر "خبيب بن عدي" حين قتل وسمعت دعوته .
فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي على.
رضي الله عنه
وأما "زيد بن الدثنة" رضي الله عنه قتل أيضآ
وقبل مقتله سأله أبو سفيان كذلك قبل موته .
أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال زيد كما قال أخيه ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي .
فقال أبو سفيان وهو يضرب كفًا بكف
"ما رأيت ولا علمت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا"
فلما فرغ النبي ﷺ من الخبر كفكف دموعه ورجع إلى أصحابه رضي الله عنهم.
وقال ﷺ إن القوم عزموا على ترك صاحبكم خبيب على خشبته تضربه الرياح والرمال والشمس .
انطلق يا زبير أنت والمقداد .
فتسللا حتى تدخلا التنعيم ليلاً وأنزلا صاحبكما من خشبته .
"حتى ينطلق الرجل من المدينة لمكة تحتاح خمسة أيام تقريباً
فبقي خبيب على خشبته أيام تضربه الشمس والرياح والرمال وعنده رجال يحرسونه .
تأتي قريش نهاراً تتمتع وتستلذ بالنظر إليه .
ثم يتركونه ليلاً مع عشرة من رجالهم يحرسونه .
راوي الحديث الزبير رضي الله عنه :
يقول : فوصلت أنا والمقداد فوجدناه يحرسه عشرة من الرجال .
فغافلناهم حتى دنوت من الخشبة ففككت وثاقه ولم أستطع أن أحمله .
فإنه كان غضاً طرياً طيب الريح كأنه حي على خشبته .
الزبير رضي الله عنه يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رجع
قال : فأنفلت من يدي فوقع على الأرض فكانت له هدة "أي صوت"
فانتبه القوم فأستترت خشية أن يعلموا بنا ، ولكي أعود وآخذه .
فلما انتبه القوم وأحاطوا بالمكان أخذت أنظر فلم أرى جثة خبيب يا رسول الله .
وأخذوا يبحثون يقولون سقط عن الخشبة فأين ذهب ؟
فأبتلعت الأرض خبيب رضي الله عنه.
فقال النبي ﷺ للزبير .
صدقت فلقد أخبرني بذلك جبريل فقد ابتلعته الأرض .
فسمي خبيب .. بليع الأرض .
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
هكذا فليكن الإيمان في قلوب الرجال....
لنا بهم أسوة حسنة بعد رسول الله ﷺ .
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
07-01-2022, 01:08 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة 153
غزوة الأحزاب..... المقدمة .
"غزوة الأحزاب "و تسمى "غزوة الخندق"
فيها الكثير من العبر والدروس....
ذكرنا من قبل أن الرسول ﷺ قام بطرد اليهود "بني النضير" من المدينة بعد محاولتهم قتل النبي ﷺ بعد أن أشار إليهم كبيرهم "حيي بن أخطب" أن يلقوا عليه صخرة كبيرة من على سطح دارهم ....
اتجه اليهود "بني النضير" بعد طردهم إلى الشام...
وذهب البعض الآخر ورؤسائهم مثل "حيي بن أخطب" وغيره إلى "خيبر"
تبعد عن المدينة 180 كم تقريباً
وأصبحت "خيبر" بعد انتقال "بني النضير" إليهم هي أكبر تجمع لليهود في الجزيرة ......
ظل اليهود في "خيبر" يراقبون الصراع بين المسلمين في المدينة من جهة وقريش وغيرهم من المشركين من جهة أخرى ...
وكانت قلوبهم تمتلئ غيظاً وحقداً على النبي ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم وهم يتمنون أن ينتهي الصراع لصالح الكفار ....
وأن يتم القضاء على الإسلام وعلى النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم...
ولكن اليهود وجدوا أن المسلمون بعد معركة "أحد" وتوابعها
وهو "الرجيع و بئر معونة" أصبحوا يحققون انتصارآ كل يوم ... ويكتسبون أرضاً جديدة وتزداد أعدادهم خاصة بعد دخول "بني المصطلق" جميعاً في الإسلام .
وفشل قريش في "بدر الآخرة" وانسحابها وخوفها من مواجهة المسلمون مرة أخرى .
فقالوا : أي اليهود الى متى نقف مكتوفي الأيدي ؟؟
يجب أن نتحرك ...
فقرروا بخبثهم المعروفين به أن يجمعوا كل القبائل العربية في جيش ضخم يتوجه إلى المدينة ويوجه ضربة للمسلمين تكون ضربة قاضية وقاتلة لا حياة بعدها ....
فخرجوا من خيبر وكان عددهم 21 رجلاً من سادات اليهود "خيبر"
وسادات "بني النضير" إلى قريش وعلى رأسهم "حيي بن أخطب" أشد الناس عداوة لرسول الله ﷺ .
استغل هذه الفرصة وهو إسلام "بني المصطلق" وغيظ قريش من ذلك....
وصلوا مكة وجلسوا مع "سادة قريش" وأخذوا يحرضونهم على غزو المدينة ووعدوهم بأن يكون معهم كل العرب ....
وأخذوا يذكرون قريش في قتلى بدر وأنهم لم يحققوا نصراً في معركة "أحد "
ويقولون لهم : ليتكم قتلتم محمداً وأصحابه يوم أحد .
وأخذ "حيي بن أخطب" ينفث فيهم سمومه للثأر من جديد
وذكر لهم "بني المصطلق"
دخلوا في دينه جميعاً وها أنتم ترون
إما يغزو فينتصر ... وإما الناس تدخل في دينه لحسن معاملته فيصبحون من أصحابه ...
ماذا تنظرون ؟؟
يجيش جيشاً فيأخذ مكة منكم
قالوا : له ماذا ترى يا حيي ؟
قال : أرى أن نكون نحن وأنتم يداً واحدة عليه فنحزب الأحزاب ونباغته في مدينته ....
فقال له أبو سفيان : يا حيي أنتم أهل الكتاب الأول.... وأنتم على دين سماوي كما يزعم محمد
قال : نعم
قال : اناشدك الله الذي تعبد والكتاب المقدس الذي تقرأ .
أديننا خيرٌ أم دينُ محمد ؟؟
أبو سفيان يريد أن يستوثق....
فأقسم حيي بالله و بالكتاب المقدس أن دينكم خير من الدين الذي جاء به محمد ....
يقسم لقريش أن دين الأوثان وعبادة الأصنام خير من دين محمد ...
ففضحه الله في القرآن الكريم
فأنزل فيه آيات تتلى إلى قيام الساعة...
قال تعالى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ♡ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ♡
فشجع قريش كلام حيي بن أخطب واطمأنت قلوبهم أن دينهم خير من دين محمد .
شجعهم كلامه فأطمأنت قلوبهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم...
فأجابتهم قريش أننا معكم
قريش وجدت في ذلك :
١- انقاذ لسمعتها وهيبتها بعد أن فقدتها قريش في غزوة "بدر الآخرة"
٢- إنقاذ تجارتها بعد أن نجح المسلمين في قطع طريق تجارة قريش إلى الشام نهائيا .
ثم توجه وفد "خيبر" بعد ذلك إلى قبائل "غطفان" وهي من أكبر القبائل العربية .....
ودعوهم إلى حرب النبي ﷺ مقابل أن يعطوهم نصف ثمار خيبر لمدة عامين....
فاستجابت لهم عدد كبير من بطون غطفان وكان قائدهم "عيينة بن حصن الفزاري" وهذا الذي قام بعمل صلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما رجع النبي ﷺ من "بني المصطلق" منتصراً ظن "عيينة" أنه سيلحقه هو وقومه الأذى من المسلمون يوم ما .
فخاف و فكر بالأمر ....
فذهب إلى النبي ﷺ دون أن يدخل في الإسلام
قال : أنا أصالحك يا محمد وأنا معك وإن كنت على غير دينك .
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أرضاً يرعى بها حول المدينة ...
"عيينة بن حصن الفزاري" سيد غطفان ....
فلما نظر الصحابة رضي الله عنهم وتسألوا لماذا سايره النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ؟؟
فقال : لهم النبي ﷺ إن هذا الرجل الأحمق المطاع .
"مامعنى الأحمق المطاع هو الحاكم الأحمق بالأوامر يطيعه الناس ولكنه أحمق لا يعرف مصلحة رعيته ولا عشيرته"
قال : هذا الأحمق المطاع ، إذا غضب غضب لغضبه ألف سيف دون أن يعرفوا سبب غضبه .
"يعني الإنقياد الأعمى "
يعني : هذا أحمق مطاع إذن نسترضيه ونعطيه قطعة أرض يرعى فيها أحسن ما يجي للمدينة ألف مقاتل أحمق مثله
ثم قال ﷺ : إن شر الناس من ودعه الناس اتقاء شره .
هذا الأحمق المطاع انضم معهم مع أنه كان مع صلح مع النبي ﷺ .
وأخذ هذا الوفد من اليهود وعلى رأسهم حيي بن أخطب يطوف على كل قبائل العرب الكبيرة
فاستجاب لهم البعض ولم يستجب البعض الآخر .
واتفقوا على موعد لقاء كل هذه الجيوش للتوجه لغزو المدينة .
هكذا قام اليهود "خيبر" بمهمة تحريض وتجميع والتنسيق بين القبائل ....
خرجت قريش وحلفائها بقيادة "أبو سفيان بن حرب"
في 4000 مقاتل منهم 300 فارس
وخرجت "غطفان" في 3000 مقاتل
وخرجت باقي القبائل العربية .
حتى وصل مجموع الأحزاب كلهم 10000 مقاتل .
عدد ضخم جداً...
وكان هذا الجيش هو أكبر جيش شهدته الجزيرة منذ جيش أبرهة في عام الفيل ....
وكانت القبائل إذا وصل عدد مقاتليها إلى 1000 يفتخرون بذلك وتعتبر من القبائل القوية .
ولم يكن الهدف من هذا الجيش هو مجرد الإنتصار على المسلمين في معركة عابرة...
ولكن الهدف هو
١ - غزو المدينة .
٢- قتل النبي ﷺ وقتل الصحابة رضي الله عنهم.
٣- القضاء على الإسلام نهائياً فلا تقوم له قائمة بعد ذلك .
10000 مقاتل .. وعدد أهل المدينة كلهم 3000 .... مؤمنين و غيرهم...
والذي ثبت وصح أن الذين ثبتوا مع النبي ﷺ 1300 مقاتل فقط يوم الخندق .
تحركت جيوش العرب لغزو المدينة .....
في مسجد الحبيب المصطفى ﷺ في المدينة المنورة
وصل الخبرهم للنبي ﷺ
فقد كان في مكة "العباس بن عبد المطلب" عم النبي المؤمن سراً ويكتم إيمانه
كان مقيم في "مكة" وكان عين للنبي ﷺ .
فأرسل بالخبر للنبي ﷺ مبكراً
وساعده أيضاً في إيصال الخبر "بني المصطلق" لأنهم كما قلنا على طريق القوافل
ووصلت هذه الأخبار المرعبة الى المدينة....
وعلم النبي ﷺ أن جيوش الأحزاب أمامها حوالي أقل من شهر لتصل إلى المدينة .
فجمع أصحابه رضي الله عنهم وأطلعهم على الأمر
فقال : أشيروا علي ؟
ولكن الصحابة رضي الله عنهم مازالوا يحسون بألم المخالفة في معركة أحد .
إذ أشار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالتحصن .
فأبى الشباب إلا ان يخرجوا لمواجهة قريش وقال للرماة لا تبرحوا مكانكم وخالف الرماة أمره...
فأخذوا درساً وهذ صفة المؤمن
لا يلدغ من جحر واحد مرتين .
اتعظ الصحابة رضي الله عنهم في أحد فردوا اليوم الأمر للنبي ﷺ....
فقالوا : الأمر اليوم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ماذا ترى يارسول الله ؟؟
قال : أرى أن نتحصن في المدينة .
فأمتثل الصحابة لأمر النبي ﷺ
لماذا كان التحصن في المدينة ؟
بسبب طبيعتها الجغرافية لأنها تقع بين "حرتان"
ما معنى الحرة ؟
المدينة المنورة كان قديماً فيها بركان لما قذف حممه البركانية .
وهي صخور تخرج من باطن الأرض وعندما ترتطم بالأرض تبرد وتصبح على شكل صخور سوداء ملساء حادة
تسمى هذه الصخور "الحرة"
هذه الصخور البركانية مستحيل أن يمشي عليها أي انسان أو دابة أو حتى دبابة أو مدرعة .
وهي موجودة حتى الآن
وإن كان العمران قد وصل إلى بعض أطرافها....
فالمدينة تقع بين "حرتان" في شرقها وغربها
"مثل الحاجز حماية للمدينة من الشرق والغرب وجزء من الجنوب"
الآن أصبح للمدينة مدخلين فقط
من الجنوب مساكن يهود من "بني قريظة"
ويوجد فيها جزء من الحرة الغربية أيضآ
فمن الصعب جداً أن يدخل جيش "الأحزاب" من الجنوب ....
وبالتالي فلا يمكن لجيش أن يدخل من هذه الجهة أيضًا
بقي لهم مدخل واحد وهو من "الشمال"
فالمدينة محصنة بطبيعتها الجغرافية سواء من الشرق أو الغرب أوالجنوب .
والجهة الوحيدة التي يمكن أن ينفذ منها جيش إلى المدينة هي جهة "الشمال"
أجمع الصحابة رضي الله عنهم على رأي النبي ﷺ في عدم الخروج لقتال المشركين .
وإنما التحصن في "المدينة"
ولكن كان التفكير هو كيف يمكن حماية شمال المدينة ؟
وما هي خطة الدفاع عن شمال المدينة ؟
وهنا تحدث "سلمان الفارسي" رضي الله عنه وأرضاه
سلمان من فارس ما يسمى اليوم "إيران " تقع في وسطها تسمى الأهواز .
وله قصة طويلة في البحث عن الإسلام حتى انتهى إلى المدينة قبل الهجرة ....
ثم أسلم بعد الهجرة مباشرة ولكنه كان عبدآ عند رجل من اليهود ولم يعتق إلا قبل غزوة الأحزاب بقليل .
وكان معروفا بالحكمة حتى أن علي بن ابي طالب كان يطلق عليه لقمان الحكيم .
قال سلمان رضي الله عنه :
يا رسول الله :
إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا .
أي : من مكايد الفرس في الحرب إذا خافوا عدو حفرنا خندق .
فكان اقتراح "سلمان الفارسي"
رضي الله عنه هو حفر خندق من جهة شمال المدينة ....
يبدأ هذا الخندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية وهي مسافة تبلغ 6 كم تقريباً
سُر النبي ﷺ بالفكرة واستحسنها هو والصحابة رضي الله عنهم وقرروا تنفيذ هذه الفكرة على الفور.....
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والخمسون بعد المائة 154
حفر الخندق غزوة الأحزاب .
أخذ النبي ﷺ برأي "سلمان الفارسي" رضي الله عنه
ثم قام النبي ﷺ يتفحص أرض المدينة ....
"أي يرى أين يجب أن يحفر هذا الخندق"
فانتقل إلى شمال المدينة كما قلنا مدخل المدينة الوحيد .
وتم اختيار مكان الخندق
وكان في أضيق مكان بين الحرة الشرقية والحرة الغربية .
وخط ﷺ مكان الخندق بين الحرتين وأمر بالبدء في حفر الخندق فوراً...
وحدد النبي ﷺ مواصفات الخندق كالآتي
١- الطول من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية والمسافة تبلغ بينهما 6 كم تقريباً..
٢- عرض الخندق 8 متر .
بحيث لا تستطيع فرسان العدو عبوره بالقفز .
٣ _ العمق يكون ٤ متر
بحيث إذا سقط فيه أحد لايستطيع أن يخرج منه.
و وزع النبي ﷺ العمل على أصحابه رضي الله عنهم.
فجعل من الصحابة رضي الله عنهم مجموعات كل مجموعة عددها 10 رجال ..
وأعطى كل مجموعة مسافة 20 متر لحفرها...
ووضع خط لكل مجموعة في الجزء المسؤولين عن حفره
وبدء المسلمون العمل فوراً
وكان العمل صعباً جداً وشاقاً لأسباب عديدة ...
١- أن المشروع ضخم جداً ووقت اتمام المشروع ضيق ...
فكان الصحابة رضي الله عنهم يعملون في النهار لمدة 16 ساعة في اليوم تقريباً..
2- أن أرض المدينة أرض صخرية يصعب جداً الحفر فيها .
٣- أن أدوات الحفر لم تكن تكفي كل هذا العدد ...
فكانوا يستخدمون أحيانا أدوات يصعب الحفر بها
وكان العمل باليد والمعول الفأس
والمكتل أي ما نعرفه اليوم الكريك يحمل فيها العامل التراب .
والمسحاة يعني المجرفة لأنها تمسح الأرض وتزيل التراب .
٤ - أن الموسم كان شتاء والبرد كان قارصاً والسنة كانت مجدبة .
والمدينة تعاني من نقص شديد في المواد الغذائية .
فكانت تمر الأيام والصحابة رضي الله عنهم يعملون ولا يجدون ما يأكلونه فالوقت شتاء ولا يوجد تمر على الشجر وأهل المدينة يعملون بالزراعة والكل مشغول بحفر الخندق ....
وبدأ الصحابة رضي الله عنهم يعملون والحبيب المصطفى ﷺ معهم يعمل يحفر كأي واحد منهم وكلما قال له الصحابة رضي الله عنهم : عنك يا رسول الله .. فيقول لهم إنما انا رجل منكم .
فكان يضرب بالمعول ويحمل بالمكتل ويملئ التراب بالمسحاة .
حتى إن التراب ليستر جسده عنهم ﷺ .
وهكذا كان الحفر فأتموا هذه المهمة في 6 أيام ولياليها فقط .
حفروا مدخل المدينة من الشمال كامل من الحرة إلى الحرة
بالعرض الذي ذكرناه والعمق...
بعض من الأحداث حصلت أثناء حفر الخندق .
عندما وزع النبي ﷺ المجموعات للحفر كل 10 من الصحابة رضي الله عنهم جزء
قال "سلمان الفرسي رضي الله عنه": للرسول ﷺ "هل تأذن لي يارسول الله أن أخذ حصة عشرة ....
فإنه طبيعة عملي وأعرفه فلقد حفرنا كثيراً في مدائن فارس"
فأختار أن يأخذ حصة عشرة .
فلما نظر الصحابة رضي الله عنهم أن سلمان رضي الله عنه أخذ حصة عشرة رجال في حفر مسافة 20 متر في عمق 4 متر لوحده...
"قال : الصحابة هذا عمل مُشَّرف
و الناس تتنافس في الرجل صاحب الخير .
فقال الأنصار : سلمان منا "لأنه من سكان المدينة ما جاء من مكة مهاجرا"
فقال المهاجرون : لا سلمان منا معشر المهاجرين .
"لأنه ليس من أهل المدينة لأنه جاء من خارجها"
نحن جئنا من مكة وهو جاء من فارس...
وهكذا ارتفعت أصوات المنافسة بين مهاجرين وأنصار
الأنصار يقولون سلمان منا .
المهاجرون يقولون سلمان منا .
فوقف النبي ﷺ بينهم ورفع كلتا يديه بينهم وهو يقول :
لا عليكم ، لا عليكم "يعني لا تتنافسوا"
"سلمان منا أهل البيت .
تبت يدآ أبي لهب وتب "
مع أنه عم النبي صلى الله عليه وسلم
ما الذي أسقط هذا .. ورفع ذاك
إنها التقوى ودين الإسلام....
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة 155
أحداث وقعت عند حفر الخندق
*الجزء الأول *:
عند حفر الخندق عُرضت لسلمان الفارسي رضي الله عنه صخرة في حصته في الحفر فكسرت حديدهُ...
"يعني الفأس والمجرفة"
وأعيت قواه "أي اتعبته"
فأسنتصر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال : يا عمر أعني على هذه الصخرة ....
فنزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصخرة فكسرت حديده وأعيت قواه ....
فقال عمر رضي الله عنه لا بد لنا أن نخبر رسول الله ﷺ عنها .
فجاء عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل ﷺ في جهة أخرى في الخندق
قال : يا رسول الله عُرضت لسلمان رضي الله عنه صخرة كسرت حديدنا وأعيت قِوانا
فقال له النبي ﷺ أنا نازل لها إن شاء الله .
فجاء ﷺ وعندما همَّ أن ينزل بالخندق فرفع إزاره وإذا به قد ربط على بطنه حجر من شدة الجوع صلى الله عليه وسلم
فكان ﷺ يشد على بطنه الحجر ليسند ظهره ليقوى على العمل .
فرآه الصحابة رضي الله عنهم ﷺ بهذا المنظر يربط حجر على بطنه .....
وهنا درساً الصبر على الجوع..
مع أنه سنرى معجزاته ﷺ في الخندق بعد قليل وكيف يطعم الجيش كله من حفنة طعام...
ثم قفز ﷺ في الخندق وقال : إليَّ بالمعول فأخذ الفأس .
وكان الوقت قبل الغروب بقليل والفصل شتاء
فأخذ الفأس وقال *بسم الله ، الله أكبر *
وضرب ضربة
يقول الصحابة رضي الله عنهم فأبرقت برقةً أضأت ما بين الحرتين والله ولكأنه بيت مظلم أُشعل فيه مصباح .
فكبر النبي ﷺ وكبر الصحابة رضي الله عنهم خلفه .
ثم ضرب ضربة أخرى فأبرقت مثلها .
فكبر وكبر أصحابه خلفه .
"من غير أن يسألوه لماذا التكبير"
ثم ضرب ضربة ثالثة فأبرقت فكبر وكبروا .
فأنهالت الصخرة كالكثيب "يعني كأنها تل من الرمل"
فقال لهم : دونكم وصخرتكم .
فأخذوا يجرفونها بالمسحاة
قالوا : يا رسول الله أبرقت ثلاثاً .
فكبرت فما سر ذلك ؟؟
قال عندما برقت لي المرة الأولى أضيئت لي القصور الحمر من أرض الروم .
وأخبرني جبريل عليه السلام أنكم ظاهرون عليها وتنفق كنوزها في سبيل الله .
وعندما أبرقت المرة الثانية أضيئت لي قصور كسرى
وإني رأيت قصوره كأنها أنياب الفيلة .
ثم التفت إلى سلمان رضي الله عنه قال : يا سلمان أليس فيها كذا وكذا وكذا ؟"لأنها بلدته "
يقول سلمان رضي الله عنه والذي بعثه بالحق أخذ يصف لي قصور كسرى وكأنه يعيش فيها .
وكلما قال وصف أقول :أشهد أنك رسول الله ..
قال والذي نفسي بيده يا سلمان ، لتفتحن قصور كسرى وقصور قيصر .
فلا قيصر بعده ولا كسرى . ولتنفق كنوزهما كلها في سبيل الله
ولكن هذا يكون بعدي يا سلمان
"يعني بعد موتي"
يقول سلمان وهو راوي الحديث .
والذي بعثه بالحق لقد رأيت هذا كله ....
وكان سلمان هو أمير المدائن في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم...
قال وفي الثالثة عندما أبرقت
أضأت لي أرض عدن "اي اليمن" والله إني لأنظر أبواب صنعاء من مكاني هذا ....
وكان ﷺ يقوم الليل كله يصلي ويدعو الله ...صلاة وتهجد
١- صلاة ٢- وتضرع لله ودعاء
٣- وقائد وإمام ..... في آن واحد ﷺ
عندما رأى الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع...
كان هناك من الصحابة "جابر بن عبدالله" رضي الله عنه
"أبوه عبدالله بن جبير تذكرون هذا الإسم أمير الرماة يوم أحد الذي لم يتحرك من مكانه وقتل رضي الله عنه . هذا إبنه جابر"
رأى "جابر بن عبد الله" رضي الله عنه
النبي ﷺ وقد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع .
فلم يحتمل أن يرى النبي ﷺ وهو يعاني ذلك الجوع ....
فاستأذن النبي ﷺ أن يذهب إلى بيته رضي الله عنه
قال : يارسول الله ائذن لي إلى البيت ....
فأذن له النبي ﷺ :
فذهب "جابر" الى زوجته رضي الله عنهم وقال لها يا أم عبد الله
رأيت بالنبي ﷺ شيئاً لا أصبر عليه ....
رأيته يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ....
كيف يجوع رسول الله بيننا فهل عندك طعام الليلة ؟
قالت : حفنة من شعير وشويهة
"الشويهة انثى الماعز صغيرة بالعمر ما يكون فيها لحم كثير"
قال : و كم عندنا من شعير ؟؟
قالت : حفنة "يعني قليل
فقاما فذبحا الشاة وطحنا الشعير ....
ووضعوا اللحم في البرمة "
فانتظروا حتى قرب أن ينضج
فقام جابر رضي الله عنه ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت زوجته : يا جابر لا تفضحنا مع الناس فليس عندنا ما نطعم أحد...
إلا رسول الله وإن كان معه نفر من أصحابه رضي الله عنهم
قال : لا عليك اصنعي ما قلت
وذهب "جابر" رضي الله عنه إلى الرسول ﷺ
يقول جابر رضي الله عنه فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلوت به ....
وقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي رأيت الجوع في وجهك
وإن عندنا طُعيم نريد أن نقدمه لك ....
طعيم تصغير لكلمة طعام يعني
نريد أن تحضر عندنا يا رسول الله أنت و رجلان معك أو ثلاثة
فقال له النبي ﷺ : وكم هو طعامك يا جابر ؟
فقلت : شويهة وحفنة شعير...
فقال ﷺ: ما شاء الله ، كثيرٌ طيب .
ثم نادى النبي ﷺ بأعلى صوته
وقال : يا بلال اصرخ في أهل الخندق ، أن حيهلا .
"اي تعالوا مسرعين هلموا أهلاً وسهلاً
اصرخ في أهل الخندق أن حيهلا فقد صنع لكم جابر "سؤرا"
"والصحابة لا يعرفون معنى سؤرا"
فضحك سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال : فداك أبي وأمي يارسول الله من أعلمك بكلمة "سؤر" ؟
قال له النبي ﷺ : أليست هي لغتكم في فارس ، إذا كان عندكم وليمة عظيمة قلتم عنها "سؤرا" .
قال : أجل والذي بعثك بالحق
فقال له النبي ﷺ وإن الخندق خندق سلمان .
يعني أنت صاحب الخندق يا سلمان واليوم نتكلم بلغتك .
فقام الجيش كله : وارتبك "جابر"
قال جابر رضي الله عنه فدارت بي الأرض حيرةً وخجلاً ....
فلا أستطيع أن أرد قول الرسول ولا أدري ما أقول للناس ؟
قال جابر رضي الله عنه وتقدم النبي ﷺ إلي وشبك يده بيدي
وهو يقول : كم طعامكم يا جابر ؟
وأقول له شويهة وحفنة شعير...
فيقول : كثير طيب ، كثير طيب .
ومشى النبي ﷺ ومشى معه كل أهل الخندق ....
حتى إذا دنى من المدينة ....
قال : انطلق يا جابر فأخبر زوجتك لا تخبز عجينها ولا تنزل برمتها عن لنار حتى أحضر .
ذهب إلى زوجته مسرعاً ، فلما دخل ...
قالت له : هل حضر رسول الله ولبى دعوتك ؟؟
فقال لها وقد تغير لونه
قال : نعم ، نعم ومعه أهل الخندق جميعاً
فصاحت في جابر رضي الله عنهما وقالت : ويحك بك وبك
ماذا سنطعم الناس الليلة ؟؟
هل أنت دعوتهم أم رسول الله ؟؟
قال : والله ما دعوتهم إنما رسول الله دعاهم وجاء بأهل الخندق جميعآ مهاجرين وأنصار .
قالت له : هل سألك وأعلمته أن الطعام لا يكفي الا رجل أو رجلين ؟
فقال جابر رضي الله عنه :نعم !
فقالت: الله ورسوله أعلم ، لا عليك إن لرسول الله شأن الليلة
قال جابر رضي الله عنه فلما قالت ذلك كشفت عني غماً شديداً.....
هكذا فلتكن النساء
اطمأنت وطمأنت زوجها
يسأل التابعون جابر رضي الله عنه : كم عددكم تلك الليلة يا جابر ؟؟
قال : ثلاثة عشرة مئة .يعني 1300 رجل
فلما وصلوا جلسوا بين النخيل "ما في بيت يوسعهم"
ثم دخل ﷺ على جابر رضي الله عنه... قال : أين طعامكم ؟؟
قالوا : هذا هو يا رسول الله .
فوضع العجين وقال بيديه هكذا وهكذا "أي أخذ يجور العجين"
ثم دعاء بالبركة.. ثم نفث فيه ...
لا كما تقول بعض كتب السيرة بصق فيه لا
مع أنه بصقته تاج رؤوسنا ﷺ وإن بصاقه أطهر من كل طاهر .
إلا أن "مكارم أخلاقه ﷺ تأبى عليه أن يبصق
معنى نفث أي نفخ فيه نفخة خفيفة
وقيل : قرأ من القرآن ما شاء له الله أن يقرأ ... ثم نفث فيه
ثم رد العجين على بعضه وستره
قال : أين برمتكم ؟
قالوا : ها هي على النار فكشفها وصنع فيها ما صنع للعجين ثم سترها ....
ثم أخذ يقطع العجين
ويقول :يا أم عبد الله اخبزي واستري ما تخبزي "يعني الخبز إذا طلع غطيه"
فمازال يقطع ويرمي لها ، وهي تخبز ..... ويقطع ويرمي
يقول جابر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق نبياً حتى أصبحت دارنا تل من الخبز .
ثم قال : إلينا بالأدوات واستعيروا من جيرانكم "يعني صحون"
ثم قام وقال لأصحابه رضي الله عنهم . لا تطاغطوا عشرة فعشرة .
"لا تتزاحموا الأكل كثير ، كل عشرة يقعدوا على صحن"
فجاؤوا له بالأدوات
فوضعها ﷺ وأخذ يكسر من الخبز ويضع عليه المرق ثم يأخذ اللحم ويفته ويدفعه إلى أصحابه رضي الله عنهم
ويقول لهم : كلوا واشبعوا لا عليكم كثير طيب ، كثيرٌ طيب .
يعني لا تجاملوا تقولوا نخلي لبعضنا شوي ، لا الطعام كثير طيب ....
قال جابر رضي الله عنه وهذا الحديث في "البخاري ومسلم رحمهما الله أخرجه الشيخان"
قال : والذي بعثه بالحق لقد مضى أصحابنا يأكلون سائر الليل حتى شبعوا وانصرفوا منتصف الليل ....
ورسول الله يقطع من العجين ويسكب من المرق ويفت من اللحم .....
حتى قال : هل بقي من احد ؟
قلت : لا يارسول الله انصرفوا جميعاً .
فجلس ﷺ وأكل هو آخرهم
ثم التفت لزوجة جابر رضي الله عنهما
وقال لها: كُلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة .
يقول جابر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق نبياً فإذا عجيننا كما هو وبرمتنا كما هي .
هذا الذي يطعم الجيش ولا يرضى أن يأكل وغيره جائع...
هذا هو القائد الذي يقول لأصحابه رضي الله عنهم : إنما أنا رجل مثلكم .
ويربط على بطنه الحجر من شدة الجوع صلى الله عليه وسلم...
هذا إذا وقف يوم القيامة والنار قد علا صوتها وفزع الخلائق جميعاً منها عند رؤيتها والملائكة ممسكة بها بسبعون ألف زمام وعلى كل زمام سبعون ألف من الملائكة يمسكون بها ولو تركوها لأتت على الخلائق جميعاً ما أبقت منهم أحد .
تكاد تميز من الغيظ .....
وجثى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام على ركبهم وجبريل عليه السلام لاذ بساق العرش الكل يقول : نفسي نفسي
وقد غضب الله غضباً لم يغضب مثله من قبل...
فيقف ﷺ ويقول أمام جميع الخلق :
أنا لها وإن ثقلت.....
فإذا قام ﷺ يخر ساجداً تحت العرش يدعو ربه يارب يارب ....
وقد علا صوت جهنم بالضجيج
يصرخ مالك خازن النار بجهنم . أصمتِ فإن محمداً يناجي ربه .
فتصمت أدبآ وتوقيرآ صلى الله عليه وسلم كي لا يعلو صوتها على صوته ....
هذا نبي الله وخير خلق الله ﷺ
امتي..... امتي في ذلك اليوم العظيم...
صلى الله عليه وسلم....
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والخمسون بعد المائة 156
أحداث وقعت عند حفر الخندق .
الجزء الثاني .
كان أثناء حفر الخندق .....
زيد بن ثابت رضي الله عنه شاب صغير بالعمر وكان ينقل التراب .
فنظر إليه النبي ﷺ : وابتسم وقال في حقه أما إنه نِعمَّ الغلام .
ومن شدة التعب نام "زيد"
فجاء "عمارة بن حزم" وأخذ سلاحه يريد أن يمازحه"
فلما قام فزع على سلاحه وأخذ يبحث عنه...
فقال له رسول الله ﷺ يا بار قد نمت حتى ذهب سلاحك .
ثم التفت النبي ﷺ إلى أصحابه رضي الله عنهم وقال :
من له علم بسلاح هذا الغلام ؟
فقال عمارة رضي الله عنه : أنا يا رسول الله وهو عندي...
فقال : رده عليه .
ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعباً .
إستند العلماء في تحريم أخذ متاع الغير مع عدم علمه بذلك .
ومازال نبينا ﷺ يحث أصحابه رضي الله عنهم : على العمل في الخندق وكلما وجد بأصحابه رضي الله عنهم الجوع والتعب نشَّطهم وشجعهم بأبيات شعر لأبن رواحة رضي الله عنه .
للتنبيه :
نبينا ﷺ لم ينشد الشعر على الإطلاق .
ولكنه ردده سمعه من ابن رواحة وردده ....
وما سأذكره الآن متفق عليه عند الشيخان "البخاري ومسلم"
ولكن اسردها بطريقة مفهومة .
عن البراء بن عازب رضي الله عنه :
قال : إني لأنظر لرسول الله ﷺ يعمل معنا فإذا لم يكن بين يديه مكتل ...
"يعني نأخذها من جنبه حتى لا يشتغل ﷺ يحمل التراب في ثوبه ....
فإنه ليرفع ثوبه ويحمل به التراب حتى وآرى التراب بياض بطنه ﷺ .
وهو يرتجز شعراً ويقول :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره *فارحم الأنصار والمهاجره
ينشطهم ويشجعهم على العمل ﷺ
فيجيبه أصحابه مهاجرين وأنصار :
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا
فينشط الناس في العمل
وكانوا إذا بردت همتهم
أخذ يتمثل بالشعر تمثلآ :
بقول ابن رواحة رضي الله عنه وهو ينقل التراب وقد وآرى الغبار جلد بطنه الشريف
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينة علينا
وثبت الأقدام إذ لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
فإذا قال .... أبينا
كررها ثلاثاً ويمد بها بصوت عال مكررا لها :
أبينا .... أبينا ... أبينا
فيجيبه أصحابه رضي الله عنهم
أبينا ... أبينا ... أبينا
بهذا التحفيز والتنشيط أنُجز الخندق في ستة أيام ولياليها .
ولكن ليس كل الناس سواء
إذا كان الأنبياء عليهم السلام قد رفع الله بعضهم فوق بعض درجات ....
وكذلك الصحابة رضي الله عنهم والمؤمنون ليس كلهم في مستوى واحد .....
فهناك ضعاف نفوس وكان بين صفوفهم "منافقون"
فكيف كانت صورتهم في العمل بالخندق ؟؟
المؤمنون كانوا يعملون بجد ولا يفترون عن النبي ﷺ ساعة واحدة ...
وإذا اضطر أحدهم للذهاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وقضى حاجته بأسرع ما يكون ورجع إلى مكان عمله...
فإن وجد أحداً من الصحابة رضي الله عنهم قد أخذ مكانه أخذ مكان عمل آخر .
والنبي ﷺ إمامهم و يعمل معهم .
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : كان يعمل معنا ويضرب بمعوله ويأخذ بالمسحاة ويحمل بالمكتل .....
فإن لم يجد شيء يحمل التراب به حثا التراب بيديه في ثوبه وحمله .
فأعياه التعب ﷺ فاتكأ إلى صخرة فأغفا من شدة التعب .
يقول أبو بكر رضي الله عنه
فقلت : يا عمر رضي الله عنه دونك نقف عند رأس رسول الله نصد الناس عنه لعله يأخذ قسطاً من الراحة .
فقمت أنا وعمر : عند رأسه نُنحي الناس عن طريقه .
فلما أفاق : قال ما هذا ؟؟
فقال ابو بكر رضي الله عنه أغفيت يارسول الله قليلاً .
قال هلاَّ أفزعتموني "يعني هلا صحيتوني" إنما أنا واحد منكم .
درس لكل قائد هكذا يمكن أن يملك قلوب رعيته إذا كان واحداً منهم .
فأما المنافقون الذين كانوا في قلوبهم مرض كانوا يتسللون هرباً من العمل ويعتذرون بالأعذار الكاذبة والنبي ﷺ أشد الناس حياءً .
فنزل قوله تعالى :
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ .
عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ "أي حفر الخندق"
فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ .
هنا الصلاحية للنبي صلى الله عليه وسلم يأذن أو لا يأذن ..
فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
لماذا يستغفر لهم الله ؟؟
مادام مؤمن وأخذ الأذن من رسول الله لماذا يستغفرله النبي صلى الله عليه وسلم :
ماهو الذنب الذي ارتكبه هذا الصحابي ؟
لان هذا الإستئذان والذهاب لشأن شخصي ينقص أجره في عمل الخندق .....
حتى لو استأذن؟ نعم حتى لو استأذن :
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
استغفر لهم مقابل ذلك النقص حتى لا يفوته أجره يريد الله أن يعوضه .
لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا .
يعني لا تنادوا يا محمد .
الله جل في علاه لم يناديه في القرآن الكريم ولا في آية واحدة "يا محمد"
وارجعوا إلى القرآن وابحثوا على لفظ "يا محمد" لن تجدها .
ولكن ستجد .. يا ابراهيم .. يا موسى .. يا نوح .. يا عيسى .
كل الأنبياء عليهم السلام من أولي العزم ناداهم الله بأسمائهم
إلا نبينا ﷺ لم يناده الله باسمه قط :
بل ناداه يا أيها النبي أو يا أيها الرسول .
ونهانا أن نناديه باسمه تكريماً له ﷺ
وما جاء اسمه في القرآن الكريم إلا في مجال التعريف لا النداء في أربع آيات :
وَمَا مُحَمَّد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ .
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ .
وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ .
قال تعالى :
لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا .
لواذاً يتسلل و يهرب بحجج واهية عندي شغلة..... بطني يوجعني..... راسي يؤلمني لِواذاً .
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وعندما انتهوا من حفر الخندق قال النبي ﷺ
لأصحابه رضي الله عنهم : هل بقي من شيء ؟
قالوا : ثلمة من هناك "أي مضيق فيها صخرات"
قال: ارفعوا الحجارة عندها واجعلوه ترساً واحرصوا على تلك الثغرة .
"اي انتبهوا وشددوا الحراسة"
فإني أرى عدوكم الليلة "
وقام ﷺ تلك الليلة يصلي في خيمته وكلما أحس بخطر يخرج من خيمته ....
ويقول بصوت عالي من هناك ؟
فيقول سعد: خادمك سعد بن أبي وقاص
يقول له من معك ؟
يقول : الزبير .
يقول لهم دونكم تلك الثلمة . فلا أرى إلا قريش تطوف بها .
قال : فانطلقنا فإذا قريش قد وصلت إليها ....
وصلت قريش فلما رأوا الخندق ذهلوا .....
قالوا : ماهذه المكيدة لم تكن العرب تعرفها .
فقال اليهودي الذي جمعهم "حيي بن أخطب " قيل لي أن في أصحابه رجل فارسي .
فهذا من مكيدته لعله هو الذي أشار عليهم .
فطافوا بالخندق .. لا يمكن اقتحامه ؟
وأخذوا يفكرون ويتشاورون .
ولا يمكن لهم الدخول من الحرتين كما وصفنا
والجهة الجنوبية فيها "بنو قريظة" وحصونهم مشبكة بالأشجار....
✨✨✨✨✨✨
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقه السابعة والخمسون بعد المائة 157
محاولة اختراق الخندق .
وصل جيش الأحزاب للمدينة وذهلوا عندما رأوا الخندق .
فكان طول الخندق منهم من قال حوالي فوق 3 كم 5000 ذراع أي 3000 متر تقريباً...
وعرضه 8 متر
وعمقه 4 متر .
فلا يستطيع أحد إذا سقط فيه أن يخرج منه :
وجعل المسلمون مخلفات الحفر ناحية المدينة فشكلت ساترآ يمكن للمسلمين الإختباء خلفه ورمي جنود العدو بالسهام إذا حاولوا العبور أو حتى الإقتراب من الخندق .....
وتوزع المسلمون أمام الخندق ليمنعوا المشركين من أي محاولة للتخطي وعبور الخندق
أو أي محاولة لردم جزء من الخندق ومن ثم العبور عليه والوصول إلى المدينة .
وصلت الأحزاب إلى المدينة ففوجئت بالخندق وكان كما ذكرنا أمر لم تعرفه العرب من قبل
ووقف "أبو سفيان بن حرب" سيد قريش ...
وقال : هذه حيلة لم تعرفها العرب .
فقال له حيي بن أخطب سيد يهود ....
قال : سمعت أن بين أصحاب محمد رجل فارسي وهذه مكيدته ....
وأظن هو الذي أشار عليهم بحفر الخندق .
وشاهد المسلمون هذا الجيش الضخم .....
وهو عدد لم تشهده الجزيرة العربية من قبل 10 آلاف مقاتل .
ولكن عندما شاهد الصحابة رضي الله عنهم هذا العدد الكبير الضخم
قالوا :
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله .
فأنزل الله قوله تعالى :
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا .
وتمركز المسلمون خلف الخندق وكان مقر قيادة النبي ﷺ عند جبل "سلع"
وأمر النبي ﷺ أن تكون النساء والأطفال داخل الحصون بحيث إذا حدث اقتحام للخندق ، ووقعت "حرب " تكون النساء والأطفال داخل الحصون .
أخذ فرسان المشركين يدورون حول الخندق غضباً يحاولون أن يجدوا نقطة ضعف ينفذون منها إلى المدينة .
وأخذ المسلمون يرمونهم بالسهام حتى لا يقتربوا من الخندق أو أن يحاولوا أن يردموا جزء من الخندق فيبنوا طريقاً يعبروا عليه ....
وبدأت مناوشات بين الطرفين .
كان المشركون فيها مصرون على اقتحام الخندق واستبسل المسلمون في المقابل في منع المشركين من ذلك .
عز على قريش أن تقف خيالتها وفرسانها وقادتها مكتوفي الأيدي أمام الخندق
فأخذوا يستفزون بعضهم بعضاً .
ما بين :
خالد بن الوليد
وعكرمة بن ابي جهل
وصفوان بن امية
وعمرو بن ود
واستطاع رجال من فرسان المشركين اقتحام الخندق في أحد الأماكن الضيقة
فجالوا بخيلهم "يعني من باب التنشيط"
اقبالاً وادباراً إقبالاً وإدباراً حتى حمسوها وجاؤوا إلى أضيق مكان في الخندق .
واقتحموا الخندق ...
فأقتحمت الخيل الخندق بثلاثة رجال منهم :
عكرمة بن أبي جهل
ورجل من ربيعة وعلى رأسهم "عمرو بن ود"
من هو "عمرو بن ود"
رجل كبير في العمر قارب على 90 عام .
ولكنه مضرب الأمثال في الشجاعة والبطولة في قريش .
كان أقوى فارس في الجزيرة العربية ويطلق عليه "فارس العرب"
وأطلق عليه "بطل العرب" وأطلق عليه أيضاً "فارس ياليل"
وقصة هذا اللقب أنه كان يسير في إحدى الليالي بفرسه مع عدد من أصحابه ...
فهجم عليه 10 فرسان من قطاع الطرق في وادِ .
فهرب كل أصحابه وأخذ هو يصارعهم وحده حتى قتلهم جميعاً...
فعرف من ذلك اليوم "بفارس ياليل"
هذا الرجل شهد بدراً وقاتل قتال الأبطال وأصابته الجراح ولكنه لم يمت ....
وعندما فر قومه فر معهم ولم يشهد "أحُد" لأن جراحه في بدر ما زالت تؤثر به .
فجاء اليوم مع الاحزاب وكان قد حرم على نفسه منذ يوم بدر الدهن .
"يعني لن يمس رأسه الدهن . الزيت" حتى يأخذ بثأره من المسلمين .
عجز عن القدوم في "أحد" وها هو اليوم جاء ليأخذ الثأر .
"يعني ٣ سنوات لم يمس رأسه الدهن".....
يقول الصحابة رضي الله عنهم عندما رأوه عندما حضر للخندق كان ثائر الرأس
"شعره منفوش منكوش"
وكان معلماً بعلامة "يعني وضع علامة تميزه عن غيره"
وكان قد أقسم قبل أن يخرج من مكة لن يرجع إلا منتصراً أو محمولاً .
وكما قلنا أشرف عمره على 90 عام ....
الذي اقتحم الخندق وكان أول من يصل إلى أرض المدينة من بين 10 آلاف مقاتل لا يوصف بهذا الوصف .
اقتحموا الخندق فأصبح موضعهم داخل أرض المدينة بين الخندق وجبل سلع .
وجبل سلع كما قلنا قد جعله النبي ﷺ ظهراً له .
ونادى عمرو بن ود من للمبارزة يا أصحاب محمد ؟؟
أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها ؟
هل فيكم من أرسله إلى الجنة أو يدفعني إلى النار ؟
فوثب له على الفور "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه وكان عمره 23 عام .
واستأذن النبي ﷺ وقال :
أنا له يا رسول الله
فأذن له النبي ﷺ
لم يمسك به النبي صلى الله عليه وسلم خليك يا ابن عمي خلي غيرك هذا عمرو : لا لا .
وخاف الصحابة فلم يقم له إلا علي رضي الله عنه
كل هذه الروايات مكذوبة وللأسف مذكورة في الكثير من كتب السيرة
وللأسف أيدي التدنيس واضحة لتلميع علي رضي الله عنه والإنتقاص من شأن الصحابة رضي الله عنهم
نهض علي بن ابي طالب رضي الله عنه
وقال : أنا له يا رسول الله
وقال له النبي ﷺ : نعم وعلى بركة الله .... أخذ النبي ﷺ سيفه عن جنبه وأعطاه لعلي رضي الله عنه
وقال له : هذا سيف محمد رسول الله .
ثم أخذ قطعة قماش وجدلها على رأس علي
وقال له : قم على بركة الله .
اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته .
ثم قال له النبي ﷺ: تقدم يا علي .
فانطلق إليه "علي بن أبي طالب" وهو يقول شعراً :
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز
لما سمع النبي ﷺ شعر علي رضي الله عنه
قال : قام الإيمان كله ، إلى الكفر كله .
يعني : انظروا الآن الجولة بين الإيمان والكفر .
ومشى إليه "علي رضي الله عنه" على قدميه لم يركب فرس .
و "عمرو بن ود" على فرسه يجول ويصول .....
ثمّ خاطب ابن عبد ودٍ .
قال : يا عمرو ، إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى اثنتين : إلا اخترت خيرهما .
وإني مخيرك بين ثلاث .
قال عمرو : أجل .
فقال علي رضي الله عنه :
إني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتسلم لرب العالمين .
فقال عمرو : يا ابن أخي أخر عني هذه .
ابن اخي كلمة تودد عند العرب وهذا الطلب مرفوض هات غيرها ....
فقال له علي رضي الله عنه أما أنها خير لك لو أخذتها .
أما الثانية :
ترجع إلى بلادك وتحمل قومك على العودة .
وتدع محمداً فإنه رجل منكم و عزه عزكم وشأنه شأنكم .
فإن يك محمداً صادقا كنت أسعد الناس به .
وإن يك غير ذلك كان الذي تريد .
فقال : هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبداً .
ثم قال علي فالثالثة ، أدعوك إلى البراز .
فقال عمرو : فمن أنت يا ابن أخي ؟
قال : أنا "علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب ابن عم رسول الله ﷺ .
قال عمرو : يا فتى إن أباك كان وداً لي .
"أي صديقي المقرب "
وإني أكره أن اهرق دمك "
وإن من أعمامك من هو أسنّ منك فأرجع من حيث أتيت وليبرز لي غيرك .
و إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك وقد كان أبوك لي نديماً .
فردَّ علي رضي الله عنه عليه
وقال : أما أنا فإني أبغض الكفر فيك ....
وإن أحب شيء إلى قلبي اليوم أن أهرق دمك .
فأستفزه وثار وغضب غضباً شديداً .
فجال بالفرس جولتين ثم أسرع وسل سيفه كأنه شعلة نار .
وأقبل عمرو مهاجماً علي رضي الله عنه : ورفع السيف فوق علي يريد أن يضربه ...
فتلقاها علي بالترس فعلق سيف عمرو في ترس علي رضي الله عنه... فضربه علي ضربةً واحدة . فإذا هو قتيل ....
ضربة واحدة كما دعا الله وكان يرجو ....
مِنْ ضَرْبَة نَجلاء يَبقى ذكرُها عِندَ الهَزاهِزْ
كبر النبي ﷺ وكبر الصحابة رضي الله عنهم وعلا صوتهم بالتكبير .....
عندما رأى الذين اقتحموا الخندق من المشركين مع "عمرو بن ود" مقتله بهذا الشكل على يد "علي رضي الله عنه" أسرعوا بالفرار...
فأما : "عكرمة بن أبي جهل"
ألقى السيف والرمح من يده لكي لا يعيقه الهرب من الخندق .
هرب بشكل جنوني .
ولما هرب رجل من المشركين أيضاً
لحقه "الزبير بن العوام رضي الله عنه" أدركه عند حافة الخندق وعلاه بالسيف .
فضربه بالسيف من على عاتقه فقسمه نصفين حتى وصل السيف إلى ظهر الفرس فأتمها .
فكان قد قسمه والفرس الذي يركبه إلى نصفين .
فقال الصحابة رضي الله عنهم للزبير : ياله من سيف .
قال لهم : بل قولوا يالها من ساعد .
والله ماكان السيف إنما هو ساعد استعان بالله عليه .
وحينما قتل "علي رضي الله عنه : عمرو بن ود" أقبل نحو رسول الله ﷺ ووجهه يتهلل
فقال له الصحابة رضي الله عنهم هلاّ سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها ؟
فالتفت علي رضي الله عنه إلى الجهة التي فيها النبي ﷺ بأدب وأطرق رأسه .
وقال : عندما ضربته يا رسول الله وسقط على الأرض استقبلني بسوءته .
"يعني عورته : فأستحييت أن انظر إليه .
فلما هرب "عكرمة بن أبي جهل" بهذا الشكل المخزي
قام "حسان بن ثابت رضي الله عنه" يهجو عكرمة
والشعر : كان له تأثير عليهم أكثر من السيف .
فقال :
فَرَّ وَأَلقى لَنا رُمحَهُ
لَعَلَّكَ عِكرِمَ لَم تَفعَلِ
وَوَلَّيتَ تَعدو كَعَدوِ الظَليمِ
يركض كيف يكون شكله استهزاء ما إِن تَجورُ عَنِ المَعدِلِ
وَلَم تُلقِ ظَهرَكَ مُستَأنِساً
فتأثر عكرمة واشتعل غضباً من هذا الشعر ....
ولما رجع عكرمة لأبي سفيان من غير سيف ولا رمح.... وقتل عمرو بن ود .
قال أبو سفيان : هذا يوم ليس لنا به نصيب
امطروهم نبالكم .
فأخذوا يتراشقون النبال .. والصحابة رضي الله عنهم : يردوا عليهم بالنبل.....
حتى شغلوهم عن صلاة الظهر والعصر والمغرب .
غابت الشمس ولم يصلوا وهم ثابتين مكانهم .....
"لم تكن صلاة الخوف قد شرعت بعد"
حتى كادت أن يسقط قرص الشمس
قاموا للصلاة فأمر النبي ﷺ بلال ان يؤذن .....
ثم أقام : فصلى بهم ﷺ الظهر ركعتين .
ثم أقام : فصلى بهم ﷺ العصر ركعتين ...
ثم أقام فصلى بهم ﷺ المغرب .
وكان قد دخل العشاء فقام وصلى ﷺ بهم العشاء ....
أربع أوقات في وقت واحد .
ثم قال ﷺ : لقد شغلونا عن صلاة الوسطى ملأ الله قبورهم ناراً .
لماذا قبورهم ؟؟
لأنه من مات وقد ختم عليه بالكفر استحق له أن يمتلء قبره ناراً .
بعض الروايات من المؤسف في السيرة
يقولون : ملأ الله بيوتهم و قلوبهم وهذه الروايات ضعيفة
ثانياً : كيف يملأ الله قلوبهم ناراً ؟؟
لعله يتوب لعله يسلم وبعد ذلك سنرى أن الكثير منهم أسلموا وانضموا للصحابة رضي الله عنهم...
ملأ الله قبورهم وليس قلوبهم .
لأنه إنما الأعمال بالخواتيم .
ورسالة لمن ينكرون عذاب القبر فهذا الدعاء من النبي ﷺ أن يملأ الله قبورهم ناراً...
✨✨✨✨✨
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة 158
بني قريظة ينقضون العهد .
لم يستطع جيش الأحزاب اقتحام الخندق وقد كان الحاصر
منهم من قال :
اسبوعين ومنهم من قال ثلاثة أسابيع .
ولكن أرجح الروايات أنهم حاصروا المدينة 18 يوم .
وهذه المدة من الوقت كانت صعبة على المشركين جداً .
لأنهم جاؤا إلى المدينة وهم غير مستعدون لفرض الحصار لمدة طويلة .....
وبالتالي فليس لديهم مؤن تكفي هذا الجيش كل تلك المدة .
ولكن استمرت المناوشات والطقس كان بارداً جداً ولا يوجد ربيع ترعاه الإبل والخيل ....
لم تحمل قريش معها مؤونة زائدة فقد ظنت أنها جولة يوم أو يومين وينتهي الأمر .
وكانت قريش تعتقد إذا وصلت المدينة أن ترعى إبلها وخيلها في مزارع المدينة .
فلما رأت قريش الخندق خاب ظنها وأقامت في شر مقام واحتاروا في أمرهم .
فلا مجال لإقتحام الخندق .
وكان مع جيوش الأحزاب "حيي بن أخطب" سيد يهود "بني النضير" والذين أجلاهم النبي ﷺ عن المدينة .
"حيي بن أخطب" الذي كان له الدور الأكبر في تجميع هذه الأحزاب....
فكما قلنا كان للمدينة مدخلين
من الشمال وقد حفر مكانه "الخندق"
ومن الجنوب الذي فيه يهود "بني قريظة" الذين كان معهم عهد مع النبي ﷺ ....
وكان العهد ينص في بنوده
"إن داهم عدو المدينة يدفعوا عنها لإنهم من أهلها"
فلما رأى "حيي بن اخطب" أن لا فرصة ولا مجال لتحقيق هذه الحملة من الأحزاب إلا إخوانه من يهود بني قريظة....
اجتمع مع زعماء الأحزاب وطمأنهم أنه سيحل مشكلة الخندق .....
وأن يجعل الخندق مقبرة للمسلمين بدلاً أن كان حصناً لهم .
قالوا : يا حيي كيف ذلك ؟؟
قال : إخواننا من بني قريظة
قالوا : كيف ؟؟
قال : يفتحوا لنا أبواب حصونهم وأنا سأقنعهم بذلك .
لأن بني قريظة كما ذكرنا في الجنوب للمدينة .
ولو فتحوا الأبواب للمشركين لاجتاحوا المدينة فما بالك لو حاربوا مع المشركين ....
فاعجب جيش المشركين بفكرة هذا اليهودي الخبيث ....
فاستأذنهم وانطلق لبني قريظة من جنوب المدينة ...
وكان سيد بني قريظة "كعب بن أسد القرظي" هو صاحب عقدهم وعهدهم ....
واليهود كما أخبرنا الله عز وجل وعلمنا أنهم جميعاً لهم نفس الصفة لا تتغير ولا تتبدل .
ولكن في هذا الوقت كان "كعب سيد بني قريظة" قد تعلم درساً قاسياً لما حصل لإخوانه من "يهود بني قينقاع وبني النضير"
فأخذ عهداً على نفسه أن يلتزم بعهده مع النبي ﷺ ....
وكان قد وفى بعهده مع النبي ﷺ ولم يرى من النبي صلى الله عليه وسلم إلا صدقاً ووفاءً .
فلما جاءت الأحزاب أغلق أبواب الحصون والتزم بالمعاهدة .
فلما سمع "كعب" بقدوم حيي رفض أن يفتح له باب الحصن ورفض استقباله .
فناداه "حيي" من وراء الحصن .
قال : ويحك يا كعب افتح لي .
فقالوا له : كعب لا يريد أن يرى أحداً .
فأخذ يناديه من وراء الحصن .
يا كعب افتح لي باب الحصن اكلمك...
فأطل عليه كعب من نافذة الحصن...
وقال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم "منحوس"
ماذا تريد ؟؟
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
"قومه بني النضير" عندما أشار عليهم أن يلقوا صخرة من سطح الدار على رسول الله ﷺ وهو ضيف عندهم .
فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بمكرهم ونقضهم العهد .
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أرى منه إلا وفاءً وصدقآ
قال : دعني أدخل وأكلمك .
قال كعب : لا تكلمني ولا أكلمك وأغلق بابه مرة أخرى في وجهه .
فصاح حيي : ويحك افتح لي أكلمك .
قال : ما أنا بفاعل .
انظروا ماذا قال له وانظروا إلى مكر يهود أخبث خلق الله على الإطلاق .
قال : والله إنك يا كعب ما أغلقت بابك دوني إلا خوفاً على جشيشتك أن آكل معك منها .
"الجشيشية ما نسميه بالعامية "جريشة القمح إذا طحن طحناً قليلاً ، حتى لا يصبح طحين ، يطبخ حتى ينضج ثم يضع عليه اللحم صار : جريشة"
فغضب كعب "لأنه وصفه بالبخل"
فقال كعب : ويحك أنا أخاف على جشيشتي ؟
افتحوا له باب الحصن : ففتح له باب الحصن فدخل .
ففتح له فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام .
"يعني بحر هائج من الجيوش"
قال : وما ذاك؟
قال : جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال .
أي مدخل المدينة وراء الخندق .
وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى "إلى جانب أحد"
وهذا غير الأحابيش والأعراب مجموعهم 10 آلاف .
وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه ....
ثم أنت تغلق الأبواب في وجهي ؟
فقال كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هرق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ....
"جهام قد هرق ماؤه" هو السحاب والغيوم على المنطقة .
ولاماء فيه يرعد ويبرق في مكان آخر....
ويحك يا حيي دعني وما أنا عليه ....
إني على عهدٍ مع الرجل "أي رسول الله" و لم أرى من محمداً إلا وفاءً وصدقآ..
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له .
"الذروة والغارب : هو مثل عند العرب إذا تنح الخيل أو الجمل ووقف لا يريد المشي .
فيأتي صاحبه ويضع يده على عنقه من الخلف ويمسح شعره إلى سنامه بلطف....
يعني ما زال حيي يتكلم مع كعب ويضحك عليه بالكلام المعسول حتى أطاعه كعب .
فوافقه على نقض عهده مع رسول الله ﷺ لكي يستأصلوا محمداً وصحبه رضي الله عنهم
وينتهوا منه ومن دينه إلى الأبد
قال كعب : ولكن إن انهزمت الأحزاب يا حيي ؟؟
ماذا سيكون مصيرنا ؟؟؟
قال له حيي : أعاهدك يا كعب لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .
فوقف حبرهم "ابن سعدى" يعظهم ويذكرهم ....
ويقول لهم : اقسم بربِ موسى وعيسى إنكم لتعلمون أنه النبي المنتظر .
ومن يحارب نبي الله يخذل
إن لم تنصروا فدعوه...
ولا تنقضوا عهدكم معه .
وأخذ يحذرهم عواقب الغدر ولكنهم لم يسمعوا له ..
فنقض "كعب بن أسد" العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله ﷺ .
وأعطى كعب لحيي كلمة عهد أن اجمع قومك يا حيي وحددوا يوماً لكي افتح لكم أبواب الحصن ...
فإذا فتحوا أبواب الحصن أين يذهب المسلمون ؟؟
الخندق في الجهة الشمالية
والحرتين من الغرب والشرق
"لا تستطيع الخيل أن تمشي فيها أبدا "
والمكان الوحيد للنجاة أصبح عند بنو قريظة ....
ومن هناك سيدخل العدو ....
فماذا سيكون مصير المسلمين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
سيناا
07-01-2022, 06:05 PM
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد
ربي يجعل هذا الطرح في ميزان حسناتك🌹
الغريب
07-01-2022, 06:38 PM
هلا بالغلا كلله
سيناا
انرت يالذووق
الغريب
07-02-2022, 01:53 AM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة 158
بني قريظة ينقضون العهد .
لم يستطع جيش الأحزاب اقتحام الخندق وقد كان الحاصر
منهم من قال :
اسبوعين ومنهم من قال ثلاثة أسابيع .
ولكن أرجح الروايات أنهم حاصروا المدينة 18 يوم .
وهذه المدة من الوقت كانت صعبة على المشركين جداً .
لأنهم جاؤا إلى المدينة وهم غير مستعدون لفرض الحصار لمدة طويلة .....
وبالتالي فليس لديهم مؤن تكفي هذا الجيش كل تلك المدة .
ولكن استمرت المناوشات والطقس كان بارداً جداً ولا يوجد ربيع ترعاه الإبل والخيل ....
لم تحمل قريش معها مؤونة زائدة فقد ظنت أنها جولة يوم أو يومين وينتهي الأمر .
وكانت قريش تعتقد إذا وصلت المدينة أن ترعى إبلها وخيلها في مزارع المدينة .
فلما رأت قريش الخندق خاب ظنها وأقامت في شر مقام واحتاروا في أمرهم .
فلا مجال لإقتحام الخندق .
وكان مع جيوش الأحزاب "حيي بن أخطب" سيد يهود "بني النضير" والذين أجلاهم النبي ﷺ عن المدينة .
"حيي بن أخطب" الذي كان له الدور الأكبر في تجميع هذه الأحزاب....
فكما قلنا كان للمدينة مدخلين
من الشمال وقد حفر مكانه "الخندق"
ومن الجنوب الذي فيه يهود "بني قريظة" الذين كان معهم عهد مع النبي ﷺ ....
وكان العهد ينص في بنوده
"إن داهم عدو المدينة يدفعوا عنها لإنهم من أهلها"
فلما رأى "حيي بن اخطب" أن لا فرصة ولا مجال لتحقيق هذه الحملة من الأحزاب إلا إخوانه من يهود بني قريظة....
اجتمع مع زعماء الأحزاب وطمأنهم أنه سيحل مشكلة الخندق .....
وأن يجعل الخندق مقبرة للمسلمين بدلاً أن كان حصناً لهم .
قالوا : يا حيي كيف ذلك ؟؟
قال : إخواننا من بني قريظة
قالوا : كيف ؟؟
قال : يفتحوا لنا أبواب حصونهم وأنا سأقنعهم بذلك .
لأن بني قريظة كما ذكرنا في الجنوب للمدينة .
ولو فتحوا الأبواب للمشركين لاجتاحوا المدينة فما بالك لو حاربوا مع المشركين ....
فاعجب جيش المشركين بفكرة هذا اليهودي الخبيث ....
فاستأذنهم وانطلق لبني قريظة من جنوب المدينة ...
وكان سيد بني قريظة "كعب بن أسد القرظي" هو صاحب عقدهم وعهدهم ....
واليهود كما أخبرنا الله عز وجل وعلمنا أنهم جميعاً لهم نفس الصفة لا تتغير ولا تتبدل .
ولكن في هذا الوقت كان "كعب سيد بني قريظة" قد تعلم درساً قاسياً لما حصل لإخوانه من "يهود بني قينقاع وبني النضير"
فأخذ عهداً على نفسه أن يلتزم بعهده مع النبي ﷺ ....
وكان قد وفى بعهده مع النبي ﷺ ولم يرى من النبي صلى الله عليه وسلم إلا صدقاً ووفاءً .
فلما جاءت الأحزاب أغلق أبواب الحصون والتزم بالمعاهدة .
فلما سمع "كعب" بقدوم حيي رفض أن يفتح له باب الحصن ورفض استقباله .
فناداه "حيي" من وراء الحصن .
قال : ويحك يا كعب افتح لي .
فقالوا له : كعب لا يريد أن يرى أحداً .
فأخذ يناديه من وراء الحصن .
يا كعب افتح لي باب الحصن اكلمك...
فأطل عليه كعب من نافذة الحصن...
وقال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم "منحوس"
ماذا تريد ؟؟
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
"قومه بني النضير" عندما أشار عليهم أن يلقوا صخرة من سطح الدار على رسول الله ﷺ وهو ضيف عندهم .
فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بمكرهم ونقضهم العهد .
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أرى منه إلا وفاءً وصدقآ
قال : دعني أدخل وأكلمك .
قال كعب : لا تكلمني ولا أكلمك وأغلق بابه مرة أخرى في وجهه .
فصاح حيي : ويحك افتح لي أكلمك .
قال : ما أنا بفاعل .
انظروا ماذا قال له وانظروا إلى مكر يهود أخبث خلق الله على الإطلاق .
قال : والله إنك يا كعب ما أغلقت بابك دوني إلا خوفاً على جشيشتك أن آكل معك منها .
"الجشيشية ما نسميه بالعامية "جريشة القمح إذا طحن طحناً قليلاً ، حتى لا يصبح طحين ، يطبخ حتى ينضج ثم يضع عليه اللحم صار : جريشة"
فغضب كعب "لأنه وصفه بالبخل"
فقال كعب : ويحك أنا أخاف على جشيشتي ؟
افتحوا له باب الحصن : ففتح له باب الحصن فدخل .
ففتح له فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام .
"يعني بحر هائج من الجيوش"
قال : وما ذاك؟
قال : جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال .
أي مدخل المدينة وراء الخندق .
وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى "إلى جانب أحد"
وهذا غير الأحابيش والأعراب مجموعهم 10 آلاف .
وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه ....
ثم أنت تغلق الأبواب في وجهي ؟
فقال كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هرق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ....
"جهام قد هرق ماؤه" هو السحاب والغيوم على المنطقة .
ولاماء فيه يرعد ويبرق في مكان آخر....
ويحك يا حيي دعني وما أنا عليه ....
إني على عهدٍ مع الرجل "أي رسول الله" و لم أرى من محمداً إلا وفاءً وصدقآ..
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له .
"الذروة والغارب : هو مثل عند العرب إذا تنح الخيل أو الجمل ووقف لا يريد المشي .
فيأتي صاحبه ويضع يده على عنقه من الخلف ويمسح شعره إلى سنامه بلطف....
يعني ما زال حيي يتكلم مع كعب ويضحك عليه بالكلام المعسول حتى أطاعه كعب .
فوافقه على نقض عهده مع رسول الله ﷺ لكي يستأصلوا محمداً وصحبه رضي الله عنهم
وينتهوا منه ومن دينه إلى الأبد
قال كعب : ولكن إن انهزمت الأحزاب يا حيي ؟؟
ماذا سيكون مصيرنا ؟؟؟
قال له حيي : أعاهدك يا كعب لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .
فوقف حبرهم "ابن سعدى" يعظهم ويذكرهم ....
ويقول لهم : اقسم بربِ موسى وعيسى إنكم لتعلمون أنه النبي المنتظر .
ومن يحارب نبي الله يخذل
إن لم تنصروا فدعوه...
ولا تنقضوا عهدكم معه .
وأخذ يحذرهم عواقب الغدر ولكنهم لم يسمعوا له ..
فنقض "كعب بن أسد" العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله ﷺ .
وأعطى كعب لحيي كلمة عهد أن اجمع قومك يا حيي وحددوا يوماً لكي افتح لكم أبواب الحصن ...
فإذا فتحوا أبواب الحصن أين يذهب المسلمون ؟؟
الخندق في الجهة الشمالية
والحرتين من الغرب والشرق
"لا تستطيع الخيل أن تمشي فيها أبدا "
والمكان الوحيد للنجاة أصبح عند بنو قريظة ....
ومن هناك سيدخل العدو ....
فماذا سيكون مصير المسلمين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة 159
زلزلة المؤمنون ..
نقضت بني قريظة عهدها مع النبي ﷺ وقررت الإنضمام لجيش الأحزاب ضد المسلمون
فوصل الخبر للنبي ﷺ بغدر "بني قريظة"
وكان هذا الخبر تحول خطير جداً في المعركة لصالح الأحزاب
لأنه المدخل الوحيد لدخول المدينة من الجنوب والذي كان تحت سيطرة "بني قريظة"
عندما وصل الخبر إلى النبي ﷺ بغدر "بني قريظة"
بعث إليهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ليستطلع له الخبر .
فلما وصل إلى حصونهم وجدهم يرممون حصونهم استعداداً للحرب فعاد مسرعاً إلى النبي ﷺ وأخبره بذلك .
فأراد النبي ﷺ أن يتأكد من ذلك فأرسل :
إليهم "سعد بن معاذ" رضي الله عنه سيد الأوس .
وكان "سعد بن معاذ" من قبل حليف "بني قريظة" قبل الإسلام
وأرسل معه "سعد بن عبادة" رضي الله عنه سيد الخزرج .
ومعهما "عبدالله بن رواحة"
وقال لهم النبي ﷺ : انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحقاً ما بلغنا عنهم أم أنها شائعة .
إن كانت شائعة فاجهروا بها على الناس حتى يطمئنوا .
وإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس .
انطلقوا حتى أتوهم فلما رأوهم "يهود بني قريظة" أغلقوا في وجههم أبواب حصونهم .
فنادهم "سعد بن معاذ" من وراء الحصون :يا كعب ... فأطل كعب
قال له سعد : ألا تفتح لنا ؟؟
قال : ماذا تريدون نحن في حرب
قال سعد : بلغنا عنكم امراً . فجئنا إليكم نستوثق
قال : وما بلغكم عنا ؟؟
قال : بلغنا أنكم نقضتم عهدكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا : من رسول الله هذا ؟؟
قال : ويحك محمد رسول الله .
قال : ومن قال لك أن محمداً رسول الله ؟
وكان "سعد بن معاذ" رضي الله عنه ذو حدة "يغضب وينفعل بسرعة"
فغضب سعد وثار
فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه
"أرأيتم هؤلاء الذين كان بينهم وبين سعد عهد قبل الإسلام "
فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم الذي بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ....
"يعني اللي بينا وبينهم الآن شأن مهم أرقى وأعلى من المشاتمة"
قال سعد وهو مغضب : لا والله لا أنصرف عنهم حتى اسمعهم ما يرضي الله ورسوله
سعد هذا رضي الله عنه "الخندق" كلها لسعد بن معاذ وسترون ذلك .
ما قال كلمة يوم "الخندق" إلا نزل القرآن الكريم بعدها بنفس النص الذي نطق به سعد رضي الله عنه...
وما دعى دعوة يومها إلا استجيب له كما أراد رضي الله عنه
"سعد بن معاذ" عجزت النساء أن يلدنَّ مثل سعد .
"لمن يتسألون ماذا فعل سعد رضي الله عنه : أسلم وعمره 30 واستشهد وعمره 36 فماذا فعلت يا سعد في 6 سنوات حتى اهتز لموتك عرش الرحمن"
ستعلمون من هو سعد رضي الله عنه
فماذا قال سعد رضي الله عنه
قال سعد : يا إخوة القردة والخنازير
"فكانت أول مرة تُسمع هذه الكلمة بين العرب تُطلق على اليهود نطق بها سعد رضي الله عنه
قال : يا اخوة القردة والخنازير .
إني لأرجو الله أن يهزم الأحزاب وحده فينقلبوا بغيظهم فلا ينالوا خيرا .
ونزل القرآن الكريم يقول كما نطق سعد رضي الله عنه :
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ .....
ثم قال : ثم نأتيكم ونحاصركم في جحوركم هذه فتنزلوا على حكمنا ....
سنرى في الأجزاء القادمة عندما حاصرهم النبي ﷺ وقال لهم انزلوا على حكم الله ورسوله قالوا لا إنما ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه
فرجع الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله ﷺ
وقالوا له : عضل والقارة .
"يعني غدر كغدر عضل والقارة .
وهي القبائل التى غدرت بالمسلمين عند بئر "الرجيع"
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه الغدر .
فاغتم ﷺ لهذا الخبر حتى أنه غطى رأسه بالثوب ولم يكلم أحداً حين جاءه الخبر عن بني قريظة.....
فاضطجع ومكث طويلاً فلم يكلم أحداً.... فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه اضطجع وعرفوا أنه لم يأته عن بني قريظة خير .
ثم إنه رفع رأسه وقال : أبشروا بفتح الله ونصره .
هنا لنا وقفة .
لماذا قال لهم ﷺ أبشروا بفتح الله ونصره .
لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قد اعتمدوا أن جهة الجنوب فيها بنو قريظة يحمون ظهرنا ....
أما الآن فقد نقضت عهدها "بنو قريظة" وأصبحوا عدواً بدل أن يكونوا مدافعين ...
إذن قال النبي صلى الله عليه وسلم "حقيقة....
أبشروا بفتح الله ونصره .
أين موضع هذه الكلمة : مع ما دهانا من الأمور وقد نقضت قريظة عهدها واتفقت علينا مع الأحزاب وسيدخلون علينا من كل باب ؟
فما معنى أبشروا بفتح الله ونصره .
لأننا كبشر كنا معتمدين على حماية ظهرنا من قبل يهود...
أما الآن فقد قطعنا الأمل من كل شيء وأحيط بالصحابة رضي الله عنهم من كل جانب .
إذن إلى أي جهة سيتوجهون بقلوبهم بصدق ليس إلا لله تعالى
وهو الذي يقول جل في علاه
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ .
مادام الآن انقطعت جميع الأسباب إذآ ستتوجهون إلى الله حقيقةً لجوء المضطر .
فأبشروا بفتح الله ونصره .
وهذه سنة الله في خلقه
قال تعالى واصفاً الرسل :
حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا .
ولكن وبرغم هذه المحاولات من الرسول ﷺ لعدم انتشار هذا الخبر بين المسلمين ....
ولكن انتشر هذا الخبر الخطير جدآ بين المسلمين ...
وكان هذا الموقف من أكثر المواقف حرجا في تاريخ الدعوة الإسلامية......
ومن أشد الإبتلاءات التي مر بها المسلمون .
خبر ليس بالسهل على الإطلاق .
خبر جعل الصحابة رضي الله عنهم في موقف لا أحد يتصوره .
ونسمع وصف حالهم في ذلك الموقف من الله عز وجل .
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ .
"من فوقكم أي من جهة بن قريظة لأنها مرتفعة ولأنها جهة القبلة جعلها الله من فوق"
"وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ أي الأحزاب المرابطة جهة الخندق"
ثم يصف الله تعالى حال المسلمين عند سماعهم الخبر .
وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً .
أرأيتم وصف الله تعالى لأصحاب النبي ﷺ يقول عندما سمعتم هذا الخبر .
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا .
هنالك اي عند ذلك الوصف الذي ذكرناه ابتُلي المؤمنون .
اعتبره بلاء... وأي بلاء أعظم من هذا ؟؟
ونرجع إلى سياق الآيات
يصف الله تعالى حال المنافقين في المدينة في ذلك الوقت ...
قال تعالى
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا .
كان المنافقون يقولون : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر .
وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط .
ساعتها فُتح المجال للمنافقون ومن شدة خوفهم لم يستطيعوا أن يتصنعوا الإيمان ويكتموا نفاقهم .
مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا .
وبدأ المنافقون في التسرب من الصف والهرب .
وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .
قالت طائفة منهم "المنافقين" يا أهل يثرب من شدة الخوف ولأنهم مرضى قلوب نسيوا يقولوا : المدينة وبرز طبعهم الأصلي "النفاق" ونطقوا بالتسمية الجاهلية للمدينة قالوا "أهل يثرب" لا مقام لكم فأرجعوا .
يعني لماذا قاعدين تحرسوا الخندق على الفاضي ارجعوا لبيوتكم عشان ما تبينوا أنكم محاربين .
اتركوا محمد ومن معه عند الخندق .....
وطائفة منهم يستأذنوا النبي يقولون بيوتنا عورة
يعني : يقولوا للنبي "قريظة" نقضت عهدها نحن بيوتنا عورة يعني مكشوفة بوجه العدو خلينا نروح نحمي أولادنا ونسائنا .
وهكذا بدأت تنقية صفوف المسلمين من شوائب المنافقين .
وكانت هذه ودائما كما ذكرنا هي حكمة الله تعالى في الإبتلاء آت والفتن....
والله عزوجل يكذبهم "كذابين" ويقول :
وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .
وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا .
ورضي الله عن "سعد بن معاذ" وقد نزلت الآيات بعد انتهاء غزوة الخندق ....
عندما جاءت هذه الطائفة من المنافقون يستأذنون رسول الله ويقولون بيوتنا عورة وقريبة من "قريظة"
ونخشى على النساء والذرية فهل تأذن لنا نحمي بيوتنا ونصد عنكم ما استطعنا من "بني قريظة"
والنبي ﷺ صدقهم وكاد أن يأذن لهم بالذهاب ....
فدخل "سعد بن معاذ" رضي الله عنه : على غير موعد فوجدهم يستأذنون والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يأذن لهم...
قال : ما شأنهم يا رسول الله .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : يريدون أن يستأذنون فإن بيوتهم عورة ليحموا النساء والذرية ....
فقال سعد : لا والذي بعثك بالحق ماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا .
فنزل القرآن الكريم كما نطق سعد :
يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .
قال سعد : هذه عادتهم معنا دائماً يا رسول الله .
ما دهمنا أمر إلا خذلونا و استأذنوا ....
فلا تأذن لهم يا رسول الله
فلم يأذن النبي ﷺ لهم ونزل القرآن الكريم يفضحهم كما نطق سعد بن معاذ رضي الله عنه
ما قال "سعد بن معاذ رضي الله عنه" كلمة يوم الخندق إلا نزل القرآن الكريم بعدها بنفس النص الذي نطق به سعد .
وما دعى دعوة يومها إلا استجيب له كما أراد .
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
النبي ﷺ كان قد أمر قبل الخندق كما قلنا أن تجلس النساء والأطفال فوق الحصون .
اما الآن وقد نقضت عهدها اليهود لم يعد هنالك أمان .
فممكن اليهود أن يدخلوا ويقتلوا النساء والذرية وينهبوا البيوت .
فاضطرب الصحابة رضي الله عنهم وأصبحت قلوبهم ليست معهم قلوبهم عند أولادهم ونسائهم ....
وصدق الله فقد زلزل المؤمنون .
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً .
هذه الزلزلة جعلت الصحابة رضي الله عنهم يفاوضون النبي ﷺ .
يقولون : يارسول الله ألا نرسل منا من يحفظ النساء والذرية ؟
قال : أجل نرسل كل ليلة طائفة "يعني رجال" يظهرون التكبير ويطوفون ببيوتنا .....
فتسمع بهم يهود "أي قريظة" فيعلمون أننا لم نترك نساءنا من غير رجال وحرس ويعودون إلينا بالنهار "لأن بالنهار لا خوف . الخوف في الليل"
وتوجه النبي ﷺ إلى ربه في كشف هذه الغمة .
حال الصحابة رضي الله عنهم الآن لايعرفون في أي يوم اتفقت يهود بني قريضة مع الأحزاب على نقطة الصفر ليفتحوا لهم أبواب حصونهم ؟
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الستون بعد المائة 160
الحرب خدعة .
اهتز المسلمون وزلزلوا زلزالاً شديداً وبلغت القلوب الحناجر
وأرسل النبي ﷺ مجموعات من الصحابة رضي الله عنهم يطوفون حول بيوت المدينة ليلاً يجهرون بالتكبير لتعلم يهود "بنو قريظة" أن هناك حرس على البيوت ورجال ....
وأرسل اليهود عيونهم إلى داخل المدينة، وأخذوا يطوفون بالحصون التي بها النساء والأطفال والشيوخ ، ليختبروا إمكانية مهاجمة هذه الحصون..
مما وقع حقيقة في ذلك الوقت "في معركة الخندق" عندما بلغت القلوب الحناجر وينفع المسلمين اليوم :
عندما قام النبي ﷺ بإرسال الناس أفواجاً ومجموعات بين بيوت المسلمين يكبرون في الليل ويحمون بيوت المسلمون في المدينة .
جاء إلى النبي ﷺ شاب من الأنصار واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال : هل تأذن لي يا رسول الله أن أذهب مع من يطفون ويكبرون "وكان في نفسه حاجة"
فأذن له النبي فلما قام هذا الشاب ...
قال له النبي ﷺ خذ سلاحك .
"قام من غير السلاح إذن ليس ذاهباً للحراسة في نفسه حاجة"
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : خذ سلاحك .
فأخذ رمحه وسيفه
فلما كان في وسط المدينة قال: لأمير المجموعة
"زيد بن حارثة" رضي الله عنه
قال : هل تأذن لي أن آتي بيتي فأنا حديث عهد بعرس .
"
قال له زيد رضي الله عنه : نأذن لك ولكن لا تُطّل .
فلما دخل لداره
وجد زوجته العروس قائمة بين البابين ....
باب الحوش الخارجي وباب الدار الداخلي ، بالوسط
فظن فيها السوء فوراً رفع هذا الشاب الرمح يريد أن يضربها
فقالت : لا تعجل ادخل وانظر ماذا يوجد في دارك ؟
فإذا هي حية كبيرة ملتفة جالسة على فراشه ....
فلما رأى الحية على فراشه
غرز الرمح في رأس الحية وأخرجها إلى الحوش ووضع الرمح الذي فيه الحية على جدار الدار فأضطربت الحية في رأس الرمح "يعني تهتز تخرج روحها"
تقول زوجته : وسقط الشاب إلى الأرض ميتا فوراً
تقول : فوالله ما أدري أيهما أسرع موتاً هو أم الحية ؟؟
فصاحت....
فسمع زيد رضي الله عنه الصوت فرجع مسرعاً مع رجاله
قال : ما الأمر ؟
فقصت عليهم ما حدث
فقالوا : لا حول ولا قوة إلا بالله
فأخذوا يقلبوه ، فوجدوه ميت ولم يجدوا به أثر لدغة وليس به شيء ...
فوضعوه على فراشه وتركوا رجل يحرس باب الدار .
ثم رجعوا وأخبروا النبي ﷺ بما حدث
فقال ﷺ : إن في المدينة جن أسلموا .
فإذا بدأ لأحدكم شيئاً من ذلك فليأذنه ثلاث .
"أي أن يقسم عليه بالله ثلاثا أن يخرج من بيته ، أي إنسان وجد أفعى أو عقرب ونحوه في بيته قبل أن يقتلها يقف من بعيد ويقول لها اقسم عليك بالله أن تخرجي من بيتي يقولها ثلاث"
فإن لم يمضي "أي يخرج" فأعلموا أنه شيطان فاقتله .
ولكن كان هذا الشاب قد قتل جني مسلم فأخذ أهله بثأره فوراً فقتلوا الشاب .....
"وانظروا مشيئة الله تعالى إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه"
ثم أرسل النبي ﷺ 20 رجل من أصحابه ومنهم رجال من ذوي المتوفى ليدفنوه ....
فحملوه فسلكوا به من الوادي العقيق ...
فكان في ذلك الوقت "أبو سفيان" قد اشتكى لحيي بن أخطب .
أنه قد نقصت المؤنة من جيش قريش ....
فقال : يا حيي نفذت علائفنا ونقصت مؤونتنا وهلكت الخف والكراع ....
"يعني الإبل والخيل هلكت لا يوجد شيء يأكلهوه "
فهل لدى "بني قريظة" من علف و قوت .
قال له : نعم .
ثم ذهب وكلم له "كعب" سيد بني قريظة .
فقال له كعب : المال مالك .
فأرسل أبو سفيان عشرين ناقة لتحمل لهم الطعام والعلف من بني قريظة ....
فلما حُمَّلت تماماً وانطلقوا وتوجهوا يريدون الخندق من الخارج كان لا بد لهم أن يمروا من وادي العقيق .
فكان العشرون من الصحابة رضي الله عنهم يحملون جثة هذا الشاب الذي مات وكان الوقت نهار ....
فألتقوا بقافلة المشركين .
فأقتتل المسلمون معهم فهزمهم المسلمون وأخذوا القافلة بكل ما فيها ....
وكان أهل المدينة في جوع وعسر شديد ....
سبحانك ربي ما أعظمك وما أجملك : أراد أن يطعمهم
ثم رجعوا بعد أن دفنوا هذا الشاب إلى النبي ﷺ
واذا معهم عشرون جمل محمل .
قال لهم النبي ﷺ: ماهذه .
قالوا : غنمناها من رجال قريش أرسلت بها قريظة إلى قريش .
فكان موت الشاب سبب في غنيمة تفرج كرب الخندق .
ولما وصل الخبر لأبي سفيان
قال : إن حيي لرجل مشؤوم .
سروا بهذه الغنيمة وفرَّجت عنهم بعض الكرب ...
ولكن ما زال الصحابة رضي الله عنهم مكتئبون لأنهم على أعصابهم لا يعلمون متى ستفتح قريظة للأحزاب أبواب الحصون .
في صباح الاربعاء كان النبي ﷺ
يفكر فيما يمكن أن يفعله لمواجهة هذا الموقف الصعب
وأراد الرسول ﷺ أن يفكك هذا التحالف ففكر الرسول ﷺ أن يعرض بعض المال على قبائل "غطفان" في سبيل أن تنسحب غطفان وتترك حصار المدينة
وكان هذا المال الذي فكر الرسول ﷺ أن يعرضه على "غطفان" هو "ثلث ثمار المدينة"
وكان الرسول النبي ﷺ واثقا أنه إذا عرض على "غطفان" هذا العرض فإنها ستوافق
لأن "غطفان" لم يكن بينها وبين المسلمين عداءاً شديد .
والنبي ﷺ كان على عهد معهم ولكنهم نقضوا العهد تذكرون سيدهم "عيينة" ذكرناه من قبل الذي قال عنه النبي ﷺ: الأحمق المطاع .
والذي شجعها على الخروج لغزو المسلمين هو أن يهود "خيبر" اتفقوا معهم على أن يعطوهم نصف ثمار خيبر لمدة عامين .
فإذا عرض الرسول ﷺ أن يعطيهم من ثمار المدينة
دون قتال فلابد أنهم سيوافقوا وينسحبوا ....
فإذا انسحبوا سيصبح جيش الأحزاب 4000 بالإضافة إلى يهود "بني قريظة" وهؤلاء يمكن للمسلمين الإنتصار عليهم .
كما حدث في بدر وكما حدث في الجزء الأول من معركة أحد .
أرسل النبي ﷺ إلى "عيينة بن حصن" سيد غطفان
فجاء ومعه بعض الرجال
فأدخله النبي ﷺ خيمته وعرض عليه الأمر ....فوافق عيينة
فقال له النبي ﷺ اجلس على ما أنت عليه حتى نستأذن السعدين .
لأن تمر المدينة للأنصار وسادة الأنصار السعدين .
١- سعد بن معاذ سيد الأوس .
٢- سعد بن عبادة سيد الخزرج .
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فلما حضروا
وكان عيينة جالساً وفي ظنه أنه انتصر وقد حاز على ثلث تمر المدينة وها هو محمد يطلب مني الصلح ....
وكان جالساً وقد مد رجليه
فدخل سعد بن معاذ متوشحاً سيفه فلما رأى "عيينة" سيد غطفان يمد رجليه في حضرة النبي ﷺ ....
وقبل أن يعلم ما الخبر نظر إليه وصرخ به ....
قال : يا عين الهجرس .
"الهجرس يعني الثعلب أي يا عين الثعلب"
يا عين الهجرس أتمد رجليك في حضرة النبي ﷺ ؟
والله لولا أنك في مجلسه وفي خيمته لأنفذت خصيتيك بهذا الرمح ....
وصرخ سعد في وجهه أقبض رجليك ....
فقبض عيينة رجليه .
ثم اخفض رأسه "سعد بن معاذ" وألتفت إلى رسول الله ﷺ بكل أدب وهدوء
وقال : سمعاً وطاعةً يارسول الله : أرسلت في طلبنا .
فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالذي تفاوض به مع عيينة .
وقال : مارأيكما ؟
فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه بكل أدب يا رسول الله .
إذا كان هذا أمر من السماء قد أمرك الله به فليس لنا من الأمر شيئاً امضي على بركة الله .
وإن كان هذا الأمر تحبه وترضى فيه وترى فيه خيرا فنحن طوع أمرك .
أم إن كان شيء تصنعه لنا ؟ فلنا فيه رأي ....
"يعني : تخفف عنا المصيبة لأن العرب ماحاربتنا إلا لوجودك بالمدينة إذا خفت علينا
لنا فيه رأي"
فقال النبي ﷺ : بل شيء أصنعه لكم .
والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة.
وكالبوكم من كل جانب.
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم .
فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله .
قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه .
وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرىً أو بيعاً .
أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا به وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ؟؟
أنعطيهم الدنية في ديننا ؟؟
لا والذي بعثك بالحق لا نعطيهم إلا حد السيف فليجهدوا علينا ما استطاعوا .
"يعني دعهم يحزبوا كل الناس ، لا تحمل همنا يا رسول الله .
ما لنا بهذا من حاجة .....
فتهلل وجه النبي ﷺ كأنه القمر وسُر بكلام سعد وأقره .
وعلم أن الأنصار هم الأنصار لم تهزهم هذا الأحداث كلها
ثم انصرف عيينة خائباً لم ينل خيراً ....
ومرة ثانية ينزل النبي ﷺ على رأي يخالف رأيه .
وهذه هي مكانة "الشورى" في الإسلام .
ولم يكن هذا الرأي رايا عنتريا غير مدروس ...
ولكن كان نظرة "استراتيجية" صائبة تماما....
لأن الإتفاق مع "غطفان" كان سيحل المشكلة لاشك فتنسحب غطفان ويتفكك التحالف وتنهزم قريش واليهود ....
ولكن في نفس الوقت كان سيكون له تداعيات سلبية وخطيرة جداً في المستقبل
لأن ذلك كان سيكون معناه :
أن غطفان قد حققت انتصارا على المسلمين .
وبذلك تهتز صورة المسلمين أمام الجزيرة كلها .
وسيفتح باب الإبتزاز المستمر للمدينة .
فكلما أرادوا مال جاءوا وحاصروا المدينة ....
خاصة أن قبائل غطفان من "المرتزقة" الذين يعيشون على قطع الطرق ومهاجمة القبائل .
وقت الظهر قام النبي ﷺ بالصحابة رضي الله عنهم يوم الأربعاء لصلاة الظهر فجمعهم للصلاة ....
فصلى بهم وطمأنهم وقال لهم ﷺ
يا أيها الناس .
لا تتمنوا لقاء العدو .
واسألوا الله العافية .
فإن لقيتم العدو فأصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف .
يحثهم على الجهاد في سبيل الله
ثم بسط كفيه للسماء .
يدعو الله تعالى :
اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب .
اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم .
فقال له بعض أصحابه رضي الله عنهم : يا رسول الله قد بلغت منا القلوب الحناجر ....
فهل من شيء نقوله حتى تطمئن القلوب ؟
قال النبي ﷺ نعم .
قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا .
الحديث رواه البخاري
وفي مغرب هذا اليوم في ذلك الموقف العصيب جداً والذي يعتبر من أحرج لحظات الدولة الإسلامية ....
حدث أمر غير متوقع على الإطلاق وهو إسلام رجل اسمه "نعيم بن مسعود"
هو أمر غير متوقع في ذلك الوقت بالتحديد...
لأن "نعيم بن مسعود" من قبيلة "غطفان" وهي كما نعلم أحد القبائل المحاصرة للمدينة...
فكيف يمكن لرجل من الجيش "المُحَاصِر" القوي أن يترك هذا الجيش القوي وينضم إلى الجيش الأضعف "المُحَاصَر" المهدد بالفناء في أي لحظة .
أسلم "نعيم بن مسعود" جاء قبل الغروب وهو من قبيلة "عيينة" من غطفان الذي خرج مطروداً من سعد بن معاذ وهو في خيمة النبي ﷺ في الصباح
ليكون له دور كبير جداً في رفع الحصار عن المسلمين...
"ولو كان قد أسلم قبل ذلك لما كان له هذا الدور المحوري والهام جداً في غزوة الأحزاب"
جاء نعيم بن مسعود إلى الرسول ﷺ فأستأذن بالدخول
"ظنوه رسولاً جاء من طرف عيينة والرسل معروفة عند العرب لا تقتل"
فلما دخل اجلسه النبي ﷺ في خيمته وقال له ماذا وراءك يا نعيم .
قال له نعيم : يا رسول الله .
يا رسول الله كلمة لا يقولها إلا مؤمن .
الكافر يقول يا محمد يا أبا القاسم....
قال : يا رسول الله إني رجل قد أسلمت .
وإن قومي غطفان لم يعلموا بإسلامي .
فمرني بما شئت
من الذي ألقى الإيمان في قلبه ذلك اليوم ؟
إنه "الله" جل جلاله...
فقال له : النبي صلى الله عليه وسلم : إنما أنت رجل واحد
يعني أن انضمامك إلى الجيش لن يكون فيه فارق كبير لأنك شخص واحد
ولكن خذّل عنا ما استطعت
فإن الحرب خدعة
قال نعيم رضي الله عنه : يارسول الله ، إني أحتاج أن أقول الكذب؟
فهل تأذن لي ؟
قال له النبي صلى الله عليه وسلم :قل ما شئت ، فإن الحرب خدعة
أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم {{ لنعيم بن مسعود }} أول الخيط : وفتح له الباب إلى الإبداع...
و الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن {{نعيم بن مسعود}} عنده هذه القدرة الخاصة
وقد حاول {{ أبو سفيان بن حرب }} أن يستخدم :
{{نعيم بن مسعود}} في تخويف المسلمين في غزوة بدر الآخرة، وفشل {{ نعيم }} في تخويف المسلمين...
وبالفعل قام {{ نعيم بن مسعود }} رضي الله عنه وأرضاه
بخدعة عجيبة لم تخطر على بال أحد من الصحابة رضي الله عنهم
خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم
ويمم وجهه نحو يهود {{ بني قريظة }}
وكان قبل ذلك الوقت معروفا لديهم وكثير التردد عليهم
وهو صديق حميم لسيد بني قريظة {{ كعب }} وصديق أيضا لحيي بن اخطب
فدخل عليهما فرحبا به
فقال لهما : يا كعب ويا حيي
قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم....
قالا له : أجل ، صدقت أنت رجل غير متهم عندنا
فقال نعيم :إني ناصحاً لكم
فإن قريشاً قد ملت المقام [[ يعني لهم ١٥ يوم ملوا وزهقوا لا يريدون الحرب ]]
وقد تشائم أبو سفيان من استيلاء أصحاب محمد على القافلة ، وأن هذا الرجل [[ قصده النبي ]] لا يؤمن جانبه
هل نسيتم ما صنع بإخوانكم من بني {{ النضير وقينقاع }}
وقريش ليسوا مثلكم
البلد بلدكم فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره...
وإن قريشاً قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره
يعني بيوتهم ونسائهم في مكة
فإن أصابوا فرصة انتهزوها
وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم...
قالوا :والله قد فتحت أذهاننا ، وما العمل يا نعيم ؟! !!
قال :لا تقاتلوا معهم حتى يُعطوكم رهائن
قالوا : كيف ؟
قال :خذوا من سادة قريش وغطفان {{كذا رجل }}
قيل عشرة وقيل أكثر
من أشرافهم يدخلوا معكم في الحصن ، فلا يستطيع القوم أن يرجعوا بلادهم ، وسادتهم وأشرافهم ، في حصنكم فاياكم أن تقاتلوا محمد ، إلا وأشراف قريش عندكم في الحصن
قالوا : لقد أشرت بالرأي
قال : ولكن اكتموا عني
قالوا : نفعل ..
ثم ذهب نعيم إلى جيش الأحزاب في نفس الليلة ...
واجتمع مع سادة قريش
وقال :يا أبا سفيان تعلمون ودي لكم ونُصحي لكم
أحدثكم حديثا وتكتموا عني
قالوا : نعم افعل ، ما أنت عندنا بمتهم ...
ماذا عندك يا نعيم ؟ !!!
قال :كنت عند {{بني قريظة }}
[[ طبعاً هم يعلمون أن نعيم صديق لهم ]]
قال : وسمعت منهم حديث ما سرني ، فما أحببت أن أبيته ليلة ، حتى يكون بين يديك وأنت سيد القوم يا أبا سفيان
قال ابو سفيان : ما وراءك يا نعيم تكلم
قال :إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه...
وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم...
فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم
قالوا : أجل قد أشرت بالرأي
ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم ما قاله لقريش...
وهكذا شعرت قريش بالقلق
وكذلك غطفان
فأرسلوا رسالةً إلى اليهود وقالوا : إنا لسنا بأرض مقام ، وقد هلك الكراع والخف [[ الإبل والخيل التي معهم هلكوا من الجوع
فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً
يعني افتحوا لنا الحصون ندخل على محمداً وأصحابه ]]
فأرسل بنو قريظة رد لهم :
{{ إنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن }}
فقالت قريش وغطفان : صدقكم والله نعيم...
فبعثوا إلى اليهود وقالوا :
{{ إنا لا نُرسل إليكم أحداً فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدًا }}
فقال اليهود: صدقكم والله نعيم
فدبت الفرقة بين الفريقين، وهكذا استطاع
{{نعيم بن مسعود}} رضي الله عنه وأرضاه
بحيلته أن يقضي على هذا التحالف الخطير الذي كان بين {{ الأحزاب وبين يهود بني قريظة }}
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الواحدة والستون بعد المائة 161
إنسحاب الأحزاب وتحقق النصر
نحن الآن في آخر أيام الخندق ، وقد دام حصار المسلمون
على أرجح الروايات {{ ١٨ }} يوم
بعد أن وقع الخلاف بين{{ الأحزاب ، وبني قريظة }} على يد {{ نعيم بن مسعود}} رضي الله عنه
بالرغم من أن الكفار جائوا للحرب دون اتفاق مع {{بني قريظة }}
ولكن أن يحقق الجيش ميزة ثم يفقدها ، فهذا يحبطه حتى ولو لم تكن معه هذه الميزة من أول الأمر....
وقبل إنسحاب الأحزاب بيوم
اشتدت قريش على خيمة النبي صلى الله عليه وسلم بنبالها
تحاول بكل ما استطاعت ، أن تحقق هدفها وهو قتل النبي صلى الله عليه وسلم
فكان هدفهم جميعاً ، خيمة النبي صلى الله عليه وسلم يرمونها بالنبال فأحاط الصحابة رضي الله عنهم بخيمته صلى الله عليه وسلم ، إحاطة السوار بالمعصم ، يصدون السهام والنبال عن خيمته فأقبل {{ سعد بن معاذ رضي الله عنه }}
وعليه درع مقلصة [[ أي صغيرة عليه لم تستر يديه ]]
ومر مسرعاً من أمام مكان مرتفع قد تجمع فيه النساء
وكانت أمه [[ أي أم سعد ]] والسيدة عائشة من ضمن هذه النساء رضي الله عنهم
ينظرون إلى ماذا يجري حول خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي يد {{ سعد }} رمح ويجري مسرعاً لخيمة النبي صلى الله عليه وسلم
وقد شاعت الأخبار أن الأحزاب صبوا كل غضبهم ، على خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت له أمه :أي بني تعجل فلقد تأخرت عن رسول الله [[ يعني تأخرت المفروض تكون أول المدافعين عن خيمة النبي صلى الله عليه وسلم ]]
تقول السيدة عائشة : فما سرني درعه التي يلبس ، فإنها غير سابغة [[ أي ساترة ]] قد بانت منها ذراعيه.....
فقلت : يا أم سعد ، وددت لو أن درع سعد أسبغ فإني أخشى عليه
فقالت أمه :ليقضي الله ماهو قاضٍ [[ تسلم الأمر لله تعالى ]]
فأقبل{{ سعد }} ووقف بباب خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
يصد السهام عن خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
فجاء سهم وصاحبها ينادي خذها وأنا {{ ابن القمئة }} فنزل السهم في أكحل سعد الأيسر
[[ أي الشريان الرئيسي في يده]] فنفر الدم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم ، بإصابة سعد رضي الله عنه... قال النبي صلى الله عليه وسلم : ابن قمئة ؟؟
قالوا :أجل يا رسول الله
قال : أقمه الله في نار جهنم
فوضع سعد يده اليمنى على مكان الجرح ، والدم ينزف بشدة
ثم رفع طرفه للسماء ....
انظروا إلى هؤلاء الرجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
رجال صدق
{{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }}
رفع طرفه للسماء يناجي ربه
وقال :
اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً ، فأبقني لها ما بقيت ، فإنه لا شيء أحب إلي من أن اجالد قوماً [[ أي اقاتل ]] كذبوا نبيك وأخرجوه
وإن كان قد وضعت الحرب بيننا وبينهم [[ يعني لا معركة أخرى معهم ]]
فاجعله طريقي إلى الجنة [[ ارزقني الشهادة ]]
ولا تخرج نفسي حتى تقر عيني من {{ بني قريظة }}
سبحان الله ما أعظم إيمانك يا {{ سعد رضي الله عنك وارضاك }}
١_ يريد أن يعلم هل الحرب مستمرة أم انتهت ؟
٢_ثم يريد الشهادة من هذه الإصابة.
٣_ثم لا يريد الموت قبل أن تقر عينه من {{ بني قريظة }}
فما أن انتهى {{ سعد بن معاذ رضي الله عنه }} من دعائه إلا وقد انقطع الدم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يمرض في خيمة قريبة من مسجده
مضى النهار وانصرف المشركون عن خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل {{ أبو سفيان }} رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم
يقول فيها :
كنت قد خرجت إليك بعشرة آلاف ، وأنا أعزم على أن لا أرجع لمكة ، حتى استأصلك وصحبك ودينك ، ولكنك احتميت وراء خندق وكان من أمرك ما كان والأيام بيننا سجال ....
فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً
أما بعد :
فإنَّ ما عزمت عليه ، يحول الله بينك وبينه وسيأتي عليك يوم
أكسر فيه {{ الآت والعزى }} على مرأى منك ، وبيدي مفاتيح الكعبة وسأذكرك بذلك يا {{ سفيه بني غالب }}
قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة ، وكانت ليلة شديدة البرد مظلمة في آخر الشهر ... وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يرسل أحد الصحابة رضي الله عنهم ويدخل إلى داخل جيش الأحزاب
يستطلع لهم خبر القوم
وجاءت {{ القدرة الإلهية }} في تلك الليلة :
أرسل الله تعالى على معسكر الكفار ريحا شديدة باردة قاسية البرودة....
فقلبت قدورهم ، وأطفئت نيرانهم ، واقتلعت خيامهم ، بينما كانت هذه الرياح هينة عند معسكر المسلمين ولم يكن بينهما إلا عرض الخندق....
فماذا حدث في تلك الليلة
سيحدثنا عن تلك الليلة الصحابي الجليل :
{{ حذيفة بن اليمان }} رضي الله عنه والحديث في البخاري ومسلم رحمها الله
جلس {{ حذيفة }} يحدث التابعين [[ الشباب الذين جاؤوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم
جلس يحدثهم ، عن غزوة الخندق ، فلما انتهى
قال قائل لأبي حذيفة : وشهدتم هذا كله مع رسول الله ؟ !!
[[ متعجب لأن أحداث كثيرة حصلت في الخندق ]]
قال : أجل
فقال قائل منهم : ليتني كنت معكم ، فوالله ما أدع رسول الله صلى عليه وسلم يمشي على الأرض خطوة ، لأحملنه على ظهري ....
وقال الآخر : ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً....
فقال حذيفة رضي الله عنه :لا تتمنوا ذلك يا إخوة الإسلام
لقد رأيتُني ليلة ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة الخندق :
[[ويعني ليلة الخندق أي الليلة الآخيرة ]]
ونحن ثلاث مئة أو قريب من ذلك :
يقول : قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الليلة
ثم استقبلنا ينظر فينا واحداً واحد...
ثم قال : إنه كائن حدث في القوم هذه الليلة :
يبشر أصحابه رضي الله عنهم
إنه كائن حدث في القوم هذه الليلة ....
ألا رجل يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟
يقول حذيفة رضي الله عنه : فو الله الذي بعثه بالحق ، لم يقم منا رجل واحد
[[ برد شديد ، وظلمة و خوف ، وقريش قد استشرت واستأسدت ]]
قال فأعادها : ألا رجل يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟؟
قال : فوالله ما قام منا رجل واحد ....
[[ طبعا الذين حول الرسول ال ٣٠٠ من كبار الصحابة رضي الله عنهم أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وأبو دجانة وحذيفة وغيرهم من خيرة الصحابة ، ولكن الموقف ليس بالسهل أبداً ]]
يقول حذيفة : ما قام منا رجل واحد
ثم نظر إلي .. وقال : أحذيفة ؟؟
قال: وأنا أجلس على ركبتي فتقاصرت إلى الأرض....
قلت : لبيك يا رسول الله
قال : تسمع صوتي منذ الليلة ولا تجيب ؟!! قم
قال حذيفة : فقمت واقفاً بين يديه ....
وقلت : والذي بعثك بالحق ما قمت إلا حياءً منك
فقال لي : اذهب فأتني بخبر القوم ....
قلت : والذي بعثك بالحق لا أخشى الموت ، ولكن أخشى أن يأسروني في هذه الليلة الباردة ، فيفتني القوم عن ديني...
فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تؤسر
قلت : يا رسول الله ، وليس على إلامرط لزوجتي لا يستر جميع بدني [[ أي ثوب من صوف ]]
[[ أي أرجف من البرد ]]
قال : لا عليك برد حتى ترجع إلي [[ يعني : لن تشعر بالبرد حتى ترجع ]]
ثم بسط النبي صلى الله عليه وسلم يديه
وقال : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ، ومن تحته ...
يقول حذيفة رضي الله عنه :فلما انطلقت ...
قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :
ااتيني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ....
[[ أي لا تقتل أحد منهم ، لا تعمل أي حركة ، أنت رسول استطلاع فقط ، لا تقوم بأي عمل قتالي ضدهم ، فقط تأتي بأخبارهم ]]
فقلت : سمعاً وطاعة يا رسول الله
يقول حذيفة رضي الله عنه : فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ....
[[ يعني ذهب البرد الذي كان يشعر به، وشعر بالدفء كأنه في حمام ]]
فلما دخل حذيفة رضي الله عنه في الجيش في الجهة المقابلة للخندق ، فإذا بالريح شديدة ، لا تدع خيمة إلا قلعتها ، كانت ريحآ شديدة باردة قاسية البرودة ، تقلب قدورهم ، وأطفئت نيرانهم ، واقتلعت خيامهم
تعسف الرمال في وجههم ، وليس بيننا وبينهم إلا عرض الخندق
الله اكبر الله اكبر
فلا يوجد عند المسلمين ريح ،
إنها إرادة الله تعالى
يقول حذيفة رضي الله عنه : فأخذت اتسلل حتى جئت قوماً بينهم نار
[[ هو لا يعرف من هم القوم ، لأنهم أعداد كثيرة وكل مجموعة معكسرة بجهة ]]
قال : حتى جئت قوماً بينهم نار
وعلى ضوء النار رأيت رجلاً جسيماً ، يضع كفيه فوق النار ويمسح بها خاصرته
وأنا لا أعرف {{ أبا سفيان }} آنذاك .... فلما دنوت منهم علمت أنه {{ أبا سفيان }} من كلامه مع القوم .. ووالله لقد أخذت سهمي ووضعته في قوسي و لوشئت لغرزته في كبده تماماً
فإذا بصوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ....
{{{ آآتيني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ }}.... فلم أفعل ...
ثم جلس {{ حذيفة }} بين القوم
فسمع {{ أبو سفيان }} يقول وكأنه أحس أنه دخل فيهم من ليس منهم ....
فقال :يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟
[[ أي يتعرف كل واحد على من بجانبه ]]
يقول حذيفة رضي الله عنه : فبادرت وضربت بيدي على فخذ الذي على يميني
وقلت له : من أنت ؟
قال : معاوية بن أبي سفيان
ثم ضربت بيدي على فخذ الذي على شمالي وقلت له :من أنت ؟؟
قال: عمرو بن العاص
وغفل القوم عنه....
قال : فلم يفطنوا لي ولم يسألني أحد من أنا...
ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام [[ أي هذا المكان لا يصلح أن تقيموا فيه ]]
لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، وأخشى أن تتفق قريظة ومحمدآ الليلة عليكم
فارتحلوا فإني مرتحل !!!
قال : فقام وجلس على بعيره دون أن يحل عقاله....
[[ من كثر ماهو مستعجل ، البعير مربوطه أيده ]]
فوقف بعيره على ثلاثة أرجل ، وقفز به البعير قفزتين ..
فضحك عليه صفوان بن أمية بملء فمه ...
وقال : يا سيد قومه حُل بعيرك أولاً...
فقام ابنه معاوية وحل له عقال البعير ....
ثم التفت أبو سفيان إلى القوم
وقال : يا خالد بن الوليد ، تدبر أمر الساقه [[ يعني مؤخرة الجيش ]] وإني متقدمكم إلى مكة ...
قال : فانطلق وترك قومه قبل أن يرحلوا ....
قال حذيفة رضي الله عنه : فمكثت واختبأت
وأخذ القوم يستعدون للرحيل
ثم عدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في الطريق
استقبلني رجلان عليهما ثياب بيض ، وعمائم ، يركبون الخيل
فقال لي أحدهما : اخبر صاحبك [[ أي النبي صلى الله عليه وسلم ]]
أن قريش : {{ لن تغزوه بعد اليوم أبداً ، وأنه هو الذي يغزوها }}
فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يقول حذيفة رضي الله عنه : فوالذي بعثه بالحق ، تركته يصلي ورجعت إليه وهو قائم يصلي
وعليه برد يماني فلما دخلت خيمته ، عدت اقرقف كما كنت من قبل [[ رجع إليه البرد ]]
فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من صلاته أخبره حذيفة رضي الله عنه بخبر القوم ....
وأخبره عن الرجلين :
يقول حذيفة رضي الله عنه
فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أعلمت من كان يكلمك؟
قلت : الله ورسوله أعلم
قال لي : هذا أخي جبريل عليه السلام...
ثم غطاني بالعباءة التي كان يصلي فيها....
يقول : فنمت حتى الفجر ، فما ايقذني إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم ، قُم يا نومان ، لقد طلع الفجر [[ أي يا كثير النوم ]]
يقول فصلينا الفجر ، ثم وقف النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أصحابه رضي الله عنهم
أن الله قد هزم الأحزاب وحده
وأرسل عليهم جند من جنوده وهي الريح
وأرسل الملائكة عليهم السلام [[ لا تقاتلهم لأنه لا معركة ]]
ولكن الملائكة عليهم السلام كانت تتبع أدبار الخيل تضربها فتسرع ، حتى قطعوا في يوم واحد مسافة ثلاثة أيام ، من شدة الخوف ....
انسحبت {{ قريش }} :
ثم انسحبت {{ غطفان }}
وشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم : الأحزاب وهم ينسحبون واستمر إنسحابهم من الفجر إلى قريب الظهر .....
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم
الآن نغزوهم ولايغزونا
[[ وقد تحقق ذلك بالفعل، فقد كانت هذه هي آخر محاولة للعرب لغزو المدينة ، لأن كل العرب قد اجتمعوا لحرب المسلمين وفشلوا فشلاً ذريعآ ، ولذلك فلابد أنهم لن يكرروا هذه المحاولة الفاشلة مرة أخرى على الإطلاق ]]
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
قولوا الله اكبر لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده
فلا شيء بعده فأخذوا يرددونها وانطلقوا إلى منازلهم .....
حققت {{ غزوة الأحزاب }}
فوائد عظيمة منها :
١_كشفت الغزوة مرة أخرى وميزت بين المؤمنين الصادقين، وبين المنافقين....
٢_ كشفت حقيقة وحقد {{ بني قريظة }}
٣_ رفعت جداً من هيبة المسلمين وجعلت الوضع الإقليمي الجديد
[[ وهو أن المسلمين أصبحوا هم القوة الأولى في الجزيرة، لدرجة أن كل العرب قد تجمعوا عليهم ولم ينجحوا ]]
٤_ تأكد أمام المسلمين وأمام قريش وكل العرب أن قريش هي الطرف الأضعف في مقابلة المسلمين ، لدرجة أنها استعانت بكل حلفائها وبكل العرب ولم تنجح في هزيمة المسلمين
وذلك فضل الله تعالى
انسحبت الأحزاب كما طلب {{ سعد بن معاذ رضي الله عنه }}
ألم يقل لبني قريظة عندما شاتموه وأغضبوه ،ونالوا من النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: سعد بن معاذ رضي الله عنه : إني لأرجو الله أن يرد الأحزاب بغيظهم لا ينالون خيرا ، ويغني الله نبيه عنكم
ثم نأتيكم إلى جحوركم يا {{إخوة القردة والخنازير }} ونحاصركم وتنزلوا على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فأنزل الله تعالى كما نطق سعد رضي الله عنه :
{{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا }}
رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره....
ونزلت النساء والصغار والشيوخ من الحصون ....
فما أن كان الظهر حتى كان الجميع في منازلهم
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم في حجرتها
فإذا منادي ينادي من خلف الحجرة....
يا رسول الله !!!
قالت :فقام النبي صلى الله عليه وسلم وخرج فخشيت أن يكون خبراً ، أن قريش قد رجعوا
فخرجت ألتمس الخبر فوقفت عند الباب ....
فإذا برجل على {{ بغلة شهباء }} يلبس عمامة حمراء
قالت : فنظرت إليه فإذا به يقول للنبي صلى الله عليه وسلم
: أوضعت السلاح ؟؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم
[[وقد وضع المسلمون السلاح أيضآ ]]
قال له :ولكن الملائكة لم تضع السلاح بعد ...
فأتبعني إلى {{ بني قريظة }} فإني متقدمك إليهم ومزلزل بهم حصونهم ...
فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم قلت له : بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، من الذي كان يكلمك ؟؟
قال: أرأيته يا عائشة وسمعتي ما قال ؟؟
قلت : نعم
قال : هذا أخي جبريل عليه السلام .... ثم لبس صلى الله عليه وسلم لباس الحرب ، وأمر بلال رضي الله عنه أن يؤذن للحرب فاجتمع الصحابة رضي الله عنهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
بأن يتوجهوا فوراً لحرب يهود {{ بني قريظة }}
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والستون بعد المائة 162
غزوة بني قريظة .
لبس النبي ﷺ ملابس الحرب مرة أخرى وأمر بلال بن رباح رضي الله عنه أن ينادي المسلمين .
لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة .
وهكذا خرج الرسول ﷺ وخرج المسلمون واستعمل على المدينة "عبد الله بن أم مكتوم" رضي الله عنه...
فلقد استعمله النبي ﷺ على المدينة 14 مرة .
يصلي بالناس ويرعى شؤون المدينة ....
وأعطى النبي ﷺ الراية "لعلي بن ابي طالب" رضي الله عنه وأرضاه
فسبق الجيش إلى "بني قريظة" وغرس الراية في أصل الحصن
فأخذ بني قريظة ينالون من النبي ﷺ على مسمع "علي" رضي الله عنه فلم يرد عليهم
وإنما قال : السيف بيننا وبينكم
و اتجه المسلمون إلى "بني قريظة"
وكانت المسافة من المسجد النبوي إلى "بني قريظة" حوالي 10 كم تقريباً
وأدرك البعض صلاة العصر في الطريق .
ولكنهم لم يصلوا العصر لأن النبي ﷺ قال :
لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة .
فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في الأمر هل يصلون العصر قبل أن يخرج وقتها ؟
أم يأخرونها عن وقتها حتى يصلون إلى "بني قريظة"
فصلى البعض.... وأخر البعض
وقالوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يكن يقصد النهي عن صلاة العصر إلا في "بني قريظة"
وإنما كان يقصد أن يسرع الصحابة بالخروج إلى "بني قريظة"
بينما لم يصلي البعض الآخر العصر وتمسك بأوامر الرسول ﷺ تمسكاً حرفياً حتى فاتته صلاة العصر في وقتها .
فلما أخبروا النبي ﷺ
أقر الفريق الأول على صلاته العصر في وقتها .
وأقر الفريق الآخر الذي فاتته صلاة العصر .
فكان قد فتح باب الاجتهاد لأصحابه رضي الله عنهم بين يديه وهو على قيد الحياة .
فلما اقترب النبي ﷺ من حصون "بني قريظة"
نادى عليهم من وراء الحصن يا كعب يا حيي .
فلما برزوا له..... قال :
انزلوا إلي يا "إخوة القردة والخنازير" كما قال لهم سعد بن معاذ تماماً .
فقال له حيي : يا أبا القاسم :
ما عهدناك صخاباً ولا فحاشاً .
فما زاد النبي ﷺ على أن كررها
انزلوا إلي يا إخوة القردة والخنازير .
ثم ضرب عليهم الحصار ....
اجتمع المسلمون عند "بني قريظة" وفرضوا عليهم الحصار ، وأخذوا يرمونهم بالسهام
فلما رأى ذلك "كعب بن أسد" سيد قريظة وقف في قومه ودعاهم الدخول بالإسلام وقال لهم :
لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم .
وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني إسرائيل .
فادخلوا في الإسلام تأمنون على دمائكم وأموالكم ونسائكم وأبنائكم .
ولكن رفض كل يهود "بني قريظة" الدخول في الإسلام .
وقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره .
وطلب "بني قريظة" من الرسول ﷺ أن يرسل إليهم أحد الصحابة وهو "أبو لبابة" رضي الله عنه
حتى يستشيروه .
"لأنه كان أقرب الصحابة إليهم لأنه كانت له معهم صلات نسب وعلاقات تجارية"
فوافق الرسول ﷺ
قال : يا أبا لبابة... إذهب إلى حلفائك فإنهم أرسلوا إليك من بين الأوس .
فلما دخل عليهم ابو لبابة
أول ما رأوه قام إليه الرجال
وبكى النساء والصبيان في وجهه "بسبب الحصار وما نزل بهم"
فرق لهم "أبو لبابة"
ثم أرادوا أن يستشيروه
قالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟
فقال لهم : نعم .
وأشار لهم بيده إلى حلقه ....
بهذه الإشارة من أبو لبابة كأنه يقول لهم إياكم أن تنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت هذه الإشارة من "أبي لبابة" سقطة كبيرة وخطأ عظيم منه .... رضي الله عنه...
يقول أبو لبابة رضي الله عنه : فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله .
فانتبه على نفسه ..
فنزل من عند "بني قريظة" مسرعاً وهو يبكي ولم يرجع إلى النبي ﷺ .
بل ذهب إلى المسجد النبوي وربط نفسه في أحد أعمدة المسجد بسلسلة ثقيلة....
وقال : والله لا أحُلُّ نفسي منها حتى يحلني رسول الله بيديه .
ولا أذوق طعاماً ولاشراباً حتى يتوب الله على أو أموت .
فلما بلغ رسول الله ﷺ خبره وكان استبطأه .
قال : أما لو جاءني لا ستغفرت له .
وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه .
فأنزل الله تعالى : قوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
وكان النبي ﷺ كلما مر من جانبه لا ينظر إليه ولا يكلمه وبقي أيام على هذه الحال تحت الشمس الحارقة .
وكانت زوجته أو بنته تحُله إذا أراد الصلاة أو قضاء الحاجة .
فإذا فرغ أعادته إلى الرباط .
ثم نزلت توبته في القرآن العظيم في سورة التوبة بقوله تعالى .
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
فلما نزلت الآية أسرع الصحابة رضي الله عنهم ليخبروه بالبشرى .
فقال أبو لبابة رضي الله عنه
والله لاأَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يحُلُّني .
فجاءه رسول الله ﷺ فحله بيده .
شدد الحصار عليهم...
وألقى الله الرعب في قلوبهم .
فقالوا : ننزل على حكم "سعد بن معاذ" رضي الله عنه
ألم يرجو الله سعد رضي الله عنه :
إني لأرجو الله أن يهزم الأحزاب وحده فينقلبوا بغيظهم فلا ينالوا خيرا .
ويغني الله نبيه عنكم ثم نأتيكم ونحاصركم في جحوركم هذه فتنزلوا على حكمنا ....
وها هم يريدون أن ينزلوا على حكم سعد رضي الله عنه
فأرسل الرسول ﷺ في طلب "سعد بن معاذ" رضي الله عنه
وكان سعد لا يزال في المدينة لأنه كان قد أصيب في الأحزاب في وريده ....
قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تؤذوه أحملوه على دابة صغيرة .
فحملوه على حمار صغير و وضعوا تحته وسادة
وأحاط به رجال قومه
وكانت قدماه تخطان على الأرض "لأنه على دابة صغيرة حتى لا يؤذوا جرحه"
ورجال من قومه من الأوس يقولون له : يا سعد أحسن في مواليك فإن رسول الله قد حكمك فيهم لتحسن فيهم .
يا سعد أحسن إليهم
وسعد لا يرد عليهم....
فلما أكثروا عليه الطلب
قال : "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم"
ولما انتهى سعد رضي الله عنه إلى النبي ﷺ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه "مهاجرين وانصار"
فلما أطل سعد رضي الله عنه التفت النبي ﷺ إلى الانصار .
وقال : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه .
"أي قوموا احترام لقدوم سيدكم حتى ينزل ويأخذ مكانه ."
فقام الأنصار رضي الله عنهم
النبي ﷺ أمر الأنصار لأن سعد من سادة الأنصار ولم يأمر المهاجرين .
يا معشر الأنصار قوموا إلى سيدكم
فقام الأوس والخزرج ....
وقام معهم النبي ﷺ .
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم قام المهاجرون أيضاً احتراماً لقيام النبي ﷺ .
إذن ماذا حدث ؟؟
فلما أنزلوه جلس سعد إلى الرسول ﷺ .
ثم قال له النبي ﷺ يا سعد إن هؤلاء نزلوا على حُكمِك فاحكم فيهم .
فقام سعد رضي الله عنه وهو يتكيء على رجلين
فوقف سعد فحمد الله وأثنى عليه .... ثم التفت إلى الجهة التي فيها وجوه اليهود وقومه من الأنصار... وقال : وعليكم عهد الله وذمته أن حكمي نافذ فيكم لايرد ؟
قالوا : نعم .
ثم نظر إلى المسلمين .
قال : وعلى المسلمين ؟
فقال له الصحابة : نعم .
ثم التفت إلى الجهة التي فيها رسول الله ﷺ وأطرق رأسه أدباً وإجلالاً وتعظيماً ....
وقال : وعلى من ها هنا ؟
فقال له النبي ﷺ : نعم وعليَّ
فقال سعد رضي الله عنه :
إنِّي أحكُمُ فيهم أنْ تُقتَلَ رجالهم وتُسبَى ذراريُّهم وتُقسَمَ أموالُهم .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما رآعنا الا و النبي ﷺ وقد وثب قائماً :
وهو يقول : والذي نفسي بيده
لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبع سموات .
وعلى الفور بدأ المسلمون بتنفيذ حكم سعد رضي الله عنه
وهو قتل الرجال المقاتلين وسبي النساء والأبناء ومصادرة الأموال ....
وقتل "حيي بن أخطب" الذي كان له الدور الأبرز في تجميع القبائل ....
وهو والد أم المؤمنين "صفية" رضي الله عنها التي تزوجها النبي ﷺ بعد ذلك بعامين .
وعندما قدموا "حيي" لتضرب عنقه ....
التفت إلى النبي ﷺ وقال : والله ما لمت نفسي في عدواتك يوماً ولكن من يَخذل الله يُخذل
ورغم مرارة ما ذاقه النبي ﷺ منهم لم يزل صاحب الخلق العظيم ﷺ .
فلما قسمت النساء من السبايا
قال لأصحابه رضي الله عنهم : لاتفرقوا بين الأم و وأولادها .
ولم يقتل النبي ﷺ إلا المقاتلين فقط
وهنالك من أسلم منهم لم يقتل
ولم يقتل الذين لم يشتركوا في القتال .
وتعامل بالرحمة مع السبايا فلم يبعد طفل أو طفلة عن أمه .
وموضوع قتل هذا العدد من بني قريظة" هام جداً لأنه من أكثر الشبهات التي يستخدمها أعداء الإسلام في الطعن على الإسلام
ويتهمون فيها الإسلام ويتهمون النبي ﷺ بالوحشية .
سبحان الله
لو كانت الأحزاب انتصرت بمعاونة "بني قريظة" ماذا كان حصل للمسلمين ؟
لكان المسلمون قد تعرضوا لنفس هذه العقوبة وأشد .
وهي قتل رجالهم وسبي نسائهم وأبنائهم وتفريق أموالهم...
"سعد بن معاذ" رضي الله عنه
فقد أمر النبي ﷺ أن يضرب له خيمة في المسجد النبوي
وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم و المسلمون إلى بيوتهم واستراح سعد تلك الليلة .
ورفع طرفه الى السماء يناجي ربه :
اللهم إني سألتك ثلاثاً فأعطيتني اثنتين وبقي لي عندك واحدة .
اللهم أفجرها وأجعلها طريقي للجنة . أي الجرح .
فأنفجرت جرحه "كما دعا الله تماماً" وسالت منه الدماء حتى خرجت خارج الخيمة .
واقترب الأجل
يقول الصحابة . فما راعنا وإلا والنبي ﷺ يخرج من إحدى حجراته مسرعاً يجر ردائه خلفه وهو
يقول لأصحابه رضي الله عنهم قوموا ، قوموا فأشهدوا موت رجل يهتز له عرش الرحمن .
قوموا فقد سبقتكم الملائكة إليه .
قال : فدخل على خيمة سعد
فقال : لسعد من كان معه في الخيمة ها هو رسول الله قد حضر يا سعد .
ففتح عينيه سعد ونظر للنبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله لقد سألت الله الآن أن لا يقبض روحي حتى يكون آخر ما يقع عليه بصري من هذه الدنيا هو وجهك يارسول الله .
فإني أشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله .
وفاضت روحه رضي الله عنه وأرضاه....
وأمر النبي ﷺ أن يحمل إلى البقيع ويدفن فيها بجانب المسجد النبوي .
وعندما حملوا جنازته كانت خفيفة .
فتعجبوا لذلك "لأنه كان طويلا جسيما"
قالوا : يا رسول الله والله ما رأينا جنازة خفيفة كجنازة سعد .
فقال لهم النبي ﷺ وهل تركت لكم الملائكة ما تحملونه من النعش .
هذا هو سعد رضي الله عنه الذي اهتز عرش الرحمن فرحاً بقدومه
مات "سعد بن معاذ" شاباً عمره 36 عاما .
ولم يتجاوز عمره في الإسلام 6 سنوات .
إلا أن إنجازاته في الإسلام يعجز أن يفعلها الكثيرون في أعمار طويلة .... رضي الله عنه.
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 12:12 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثالثة والستون بعد المائة 163
سرية محمد بن مسلمة .
و سرية زيد بن حارثة .
رضي الله عنهم
نحن الآن في العام السادس من الهجرة ... ويسمى هذا العام 《عام السرايا》
أرسل فيه النبي ﷺ في 11 شهر فقط 16 سرية .....
وخرج بنفسه ﷺ ثلاث مرات
وهو أكبر عدد من السرايا في سنة واحدة ......
وفي بعض هذه السرايا وقعت بعض المصادمات وبعض القتلى والجرحى ....
بينما لم يقع في بعضها أي مصادمات.....
وكان الهدف من هذه السرايا هو إخافة الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد ولم يتأدبوا لشرعه ﷺ ..... بتأديب بعض القبائل العربية حول المدينة الذين شاركوا جيش الأحزاب في غزو المدينة ..... حتى لا يفكروا مرة ثانية بالإقتراب من المدينة .
نذكر بعضها فقط للإستفادة من الدروس والعبر .....
سرية {{محمد بن مسلمة}} إلى "بني القرطاء"
أرسل النبي ﷺ {{محمد بن مسلمة}} في 30 راكباً إلى بني القرطاء .
فلما أغاروا عليهم هربوا فأخذوا إبلهم و مواشيهم
وعف {{محمد بن مسلمة}} رضي الله عنه عن نسائهم فلم يأخذ النساء والذرية سبايا .....
وكانت من أكبر الغنائم التي غنمها المسلمون ثم رجعوا إلى المدينة
في طريق العودة رأى {{ محمد بن مسلمة }}
راكبآ يعدو في الطريق فظن أنه من الرجال الذين فروا من القوم
فانطلق المسلمون نحوه وأخذوه أسيراً والصحابة رضي الله عنهم لا يعرفونه ....
وهذا الرجل لم يعرفهم عن نفسه ولم يكلمهم .....
والسبب :
لأنه كان عند العرب عزة نفس لا يقبلون الذل أبداً .
فلم يُعرَّف القوم عن نفسه
وهذا الرجل اسمه {{ثمامة بن أثال}} سيد بني حنيفة من أهل "اليمامة" الذي من قومه خرج "مسيلمة الكذاب"
أسروه والصحابة لايعرفونه .
فلما قدموا به المدينة ليس معهم أسرى غيره ....
فعندما رآه النبي ﷺ عرفه فقال لأصحابه رضي الله عنهم أتدرون من الرجل ؟
قالوا : لا يا رسول الله
فقال لهم : هذا {{ثمامة بن أثال}} سيد بني حنيفة فأحسنوا إليه .
فربط الصحابة رضي الله عنهم {{ثمامة}} في أحد سواري المسجد....
ودخل الرسول ﷺ إلى أحد بيوته....
وقال لأهله : *إجمعوا ما كان عندكم من طعام فأبعثوا به إليه *
وأحسن إليه النبي ﷺ
ثم مر به ﷺ وقال له : ماذا عندك يا ثمامة ؟
فقال ثمامة عندي خيراً يا محمد .
إن تقتلني تقتل ذا دمٍ "يعني إن قتلتني أنا سيد القوم سيأتي قومي لأخذ الثأر"
وإن تُنعم تُنعم على شاكر "يعني إن تنعمت علي وتركتني ستجدني شاكراً لمعروفك"
وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت "لأنه سيد قومه ومعه من المال الكثير....
فتركه النبي ﷺ ومضى ولم يكلمه...
في اليوم الثاني مر من عنده وقال له : ماذا عندك يا ثمامة ؟
فقال ثمامة عندي خيراً يا محمد .
إن تقتلني تقتل ذا دمٍ .
وإن تُنعم تُنعم على شاكر .
وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت .
فتركه النبي ﷺ ومضى ولم يكلمه....
في اليوم الثالث مر من عنده
وقال له : ماذا عندك يا ثمامة؟
فقال ثمامة : لك عندي ما قلته لك بالأمس .
تركه هكذا عن قصد في المسجد ثلاثة أيام حتى يسمع بلال رضي الله عنه وهو يؤذن الله أكبر الله أكبر ....
ويرى المسلمون كيف يحضرون للصلاة عند الفجر ويسمع القرآن الكريم من النبي ﷺ وهو يصلي بهم ....
وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض بالحب والود والرحمة
وحتى يسمع حديث وكلام النبي ﷺ عن الله عزوجل وجماله وعظمته ورحمته وعن حقيقة هذه الدنيا .....
قال : لك عندي ما قلته لك بالأمس .
فقال لأصحابه رضي الله عنهم أطلقوا ثمامة .....
هكذا دون أن يطلب منه فداء مع أن ثمامة كان قد عرض أن يدفع فداء كبيراً عن نفسه .
كل ذلك كان طمعاً في إسلام ثمامة .....
فلما أطلقوا {{ ثمامة }} ذهب قريباً من المسجد ودخل بين النخيل والأشجار واغتسل .
ثم دخل إلى المسجد ووقف في وسط المسجد ....
والنبي ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم...
وقال : يا محمد .. يامحمد :
والله ما كان على الأرض كلها وجهٌ أبغضَ إليَّ من وجهك
فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي...
يا محمد :
والله ما كان على الأرض كلها دين أبغض إليَّ من دينك .
فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ .
يا محمد :
والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك .
فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ .
وإني يا محمد أعلن أمام الجميع غير مكره ولا حانث....
أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله .
ففرح النبي ﷺ بإسلامه "لأنه سيد قومه والناس تتبع أسيادهم"
وأمر النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم أن يقرؤوه القرآن ويفقهوه في الدين .
فلما قضى أياماً قال للنبي ﷺ
قال : يا رسول الله إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة .
يعني عندما أسرني أصحابك كنت ذاهباً للعمرة .
فماذا ترى ؟
اتأذن لي الآن في العمرة ؟
فأذن له الرسول ﷺ ودعا له بخير ....
فانطلق {{ ثمامة }} رضي الله عنه سيد بني حنيفة لأداء العمرة ....
فدخل مكة ورفع صوته بالتلبية
ولم يفعلها أحد من المسلمين قبله فكان أول من اعتمر ورفع صوته بالتلبية جهراً :
ثمامة رضي الله عنه
رفع صوته على مسمع قريش
فتركوه حتى إنتهى من عمرته طاف وسعى فأخذوه
وقالت له قريش : يا ثمامة صبوت ؟؟
قال : لا ، بل أسلمت مع محمد رسول الله ﷺ .
قالوا : وجئت تغيظنا بتلبية محمد ....
قدموه لتضرب عنقه
فقام رجل من قريش
وقال : ويحكم أنسيتم أنه سيد {{ بني حنيفة }} ؟؟
ومن أين تأتيكم الحبوب وأعلاف ماشيتكم ؟؟
ومن أين تأتيكم كذا وكذا ؟؟
أخذ يعد لهم خيرات اليمامة التي كانت تأتيهم في رحلة الشتاء و الصيف ....
فتوقفوا عن عقوبته
ولكنه وقف {{ ثمامة }} رضي الله عنه في صحن الكعبة معلناً وهو يقسم بالله....
فقال : والله وأقسم برب هذا البيت لا يأتيكم حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ﷺ .
وخرج من عندهم .....
وبر في قسمه ومنع قومه من اليمامة أن يرسلوا لقريش شيء
ولايأذنوا لتاجرٍ في مكة أن يدخل اليمامة على الإطلاق
وكانت اليمامة ريف مكة
منع قومه وأمرهم بمقاطعة قريش ....
فكان أول من قام "بالمقاطعة الإقتصادية" في الإسلام
حتى جهدت قريش وضاقت أحوال مكة بهذه المقاطعة ...
ثم كتبت قريش إلى النبي ﷺ يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى {{ ثمامة رضي الله عنه أن يسمح بإرسال المواد الغذائية إلى مكة .
فأرسل أبو سفيان رسالة إلى النبي ﷺ يقول فيها ...
يا محمد :
تزعم أن الله أرسلك رحمة للعالمين وأنك تأمر بصلة الرحم .
فما رأينا من رحمتك إلا السيف وها أنت تقطع أرحامك في مكة
فإن رجل من أصحابك قد منعهم قوتهم فجاع العيال وهلك الكبار .
ومن كرم أخلاقه ﷺ أرسل إلى {{ ثمامة رضي الله عنه أن لا يمنع من خيرات اليمامة عن مكة شيء ....
وأن تبقى الأمور على ما كانت عليه قبل إسلامه
هذا بالرغم من أن قريش كانت قد حاصرت المسلمين في شعب أبي طالب ثلاثة سنوات كاملة حتى كان المسلمون يأكلون أوراق الشجر
وحتى قال أحد الصحابة رضي الله عنهم كنا نبعر كما يبعر البعير
ولكن لم يرضى النبي ﷺ أن تجوع قريش وأن يجوع الشيوخ والنساء والأطفال
صلى الله عليه وسلم
كانت هناك حربا اقتصادية يشنها النبي صلى الله عليه وسلم على قريش صحيح ....
ولكن عن طريق التعرض لعير قريش ....
ولكن هذه الحرب الإقتصادية كانت تصيب قريش في أموالها ولا تصيبها في طعامها
فلما رأى ثمامة رضي الله عنه خُلق النبي ﷺ مع قريش
الذين جمعوا له "الأحزب" بالأمس القريب وكيف يعاملهم النبي ﷺ
قام {{ ثمامة رضي الله عنه ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا .
وكما قال الشافعي رحمه الله :
أحسن إلى الأحرار تملك رقابهم
فخير تجارات الكرام إكتسابها
ولا تمشين في منكب الأرض فاخراً
فعما قليل يحتويك ترابها
فلما أسلم قوم ثمامة رضي الله عنه
قام شاعر "بني حنيفة" معتزآ بإسلام سيده {{ ثمامة رضي الله عنه الذي كان أول من رفع صوته بالتلبية في مكة .
وقال :
ومنا الذي لبى بمكة معلناً برغم
أبي سفيان في الأشهر الحرمِ
هذا كله من خلق النبي ﷺ
قال تعالى .
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ .
وحتى لا يظن البعض أن ما قام به النبي ﷺ يدل على ضعف المسلمين ....
فبعد أشهر من إسلام {{ ثمامة رضي الله عنه شاع الخبر بين العرب كيف أحسن النبي صلى الله عليه وسلم إليه وظنوا أنهم في ضعف.... يعفو ويصفحوا
فجاء رجال من "عُكَل وعُرَينة"
جاء رجال من هذه القبيلتين وأعلنوا إسلامهم في مسجد النبي ﷺ وبايعوه على السمع والطاعة ....
فلما نظر فيهم النبي ﷺ وجدهم مصفرة وجوههم ضعاف نحال لا يناسبهم جو المدينة ....
فأمر أن يلحقوا بإبل الصدقة
"وإبل الصدقة ترعى خارج المدينة في الهواء الطلق"
وأمرهم أن يشربوا من ألبان وأبوال تلك الإبل ....
"وكان بها شفاء" بفراسة النبي ﷺ عرف أن الداء الذي فيهم لا يطرده إلا بول الإبل وحليبها
حتى إذا عافاهم الله وقويت أجسادهم "وكان عددهم بضعة عشر".... فلما تعافوا وقويت أجسادهم إعتدوا على راعي الإبل "وهو من المسلمين من المدينة"
وليتهم قتلوه فقط بل مثلوا به
فسملوا عينيه بشوك طويل "يعني خلعوا عيونه ومثلوا به مثلة قبيحة....
قطعوا يده ورجله وقلعوا عينيه وغرزوا الشوك في لسانه
ثم ألقوه في الحرة ....
المدينة يحيط بها حرتين وهي صخور بركانية سوداء ليس فيها شجر....
ألقوه في الحرة وهو مثقل بالجراح حتى مات رضي الله عنه
وأخذوا {{ إبل الصدقة }} كلها وارتدوا عن الإسلام وهربوا
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ...
أرسل خلفهم رجل من الصحابة
عداء لا يُسبق ورامياً لا يُخطيء "كرز بن جابر الفهري" رضي الله عنه وأرسل معه 20 من الصحابة رضي الله عنهم...
وأمره النبي ﷺ أن يلحق بهم وأن يردهم إلى المدينة أحياء ولا يقتلهم .....
فأدركوهم في الطريق وأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة ....
وانظروا ماذا فعل النبي ﷺ وهو المشرع لنا عن ربه تعالى ليعلمنا
أين تكون الرحمة ومحاسن الأخلاق ؟
وأين تكون الشدة والبطش ؟
حتى نتعلم كيف نعامل المفسدين في الأرض.....
كما قال الشاعر
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فأمر ﷺ أن تسمل أعينهم كما سملوا عين الراعي .
[[ فحميت المسامير على النار وقلعت أعينهم ]]
ثم أمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ....
[[ تقطع اليد اليمنى والقدم اليسرى ]]
ثم أمر أن يلقوا في الحرة ....
وأخذوا يطلبون الماء من شدة العطش فأمر النبي ﷺ أن لا يسقوا حتى يموتوا .
فماتوا عطاشا......
فأنزل الله على نبيه مؤيداً لفعله
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
فلم يسمل النبي ﷺ بعد ذلك عينا ....
إما قتل أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض
كل مفسد حسب جرمه ....
فعلم العرب حول المدينة أن عند محمد رسول الله :
١- الكرم والرحمة في موضعه .
٢- والشدة والبطش في موضعه .
وأن محمد ﷺ لا يعامل الناس كلهم بمعاملة واحدة فكل إنسان يعامل حسب فعله.
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
سرية زيد بن حارثة .
رضي الله عنه
في {{ جمادى الأول }} من السنة السادسة من الهجرة
أرسل الرسول ﷺ {{ زيد بن حارثة }} رضي الله عنه
ومعه 170 راكبا إلى العيص لإعتراض عير لقريش .
العيص هو مكان يبعد عن المدينة 220 كم تقريباً وهو في طريق تجارة قريش إلى الشام .
وهذه هي ثاني مرة يرسل فيها الرسول ﷺ سرية إلى هذا المكان لإعتراض عير لقريش .
كانت المرة الأولى هي أول سرية يرسلها الرسول ﷺ عندما أرسل عمه {{حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه رضي الله عنه في الشهر السابع من الهجرة لإعتراض عير قريش .
وكانت أول سرية في الاسلام .
خرجت سرية "زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى "العيص"
لاعتراض عير لقريش في إطار "الحصار الإقتصادي" والحرب الإقتصادية التي يشنها الرسول ﷺ على قريش .....
واستطاعت سرية {{ زيد بن حارثة رضي الله عنه أن تستولي على القافلة بالكامل وأسروا بعض رجالها
بينما أفلت قائد العير وهو {{ أبو العاص بن الربيع }}
أتذكرون هذا الأسم ؟؟
أبو العاص بن الربيع ، هو الذي كان متزوجا من السيدة "زينب" رضي الله عنها بنت الرسول ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والستون بعد المائة 164
الخروج إلى الحديبية... البداية
بعد غزوة الأحزاب ، قلنا أن النبي ﷺ أرسل عدد كبير من السرايا في السنة السادسة من الهجرة
فكانت ثمرة هذه السرايا
{{ أن المسلمين هم القوة الإقليمية الأولى في الجزيرة }}
واتجه ميزان القوى بوضوح لصالح المسلمين على حساب قريش .....
في ذلك الوقت وفي شهر شوال من السنة السادسة من الهجرة رأى النبي ﷺ {{ رؤيا في منامه }}
أنه ﷺ وصحابته رضي الله عنهم يدخلون المسجد الحرام وقد حلقوا شعورهم
[[ أي أنهم يدخلون مكة معتمرين ]]
ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى ....
على الفور أعلن ﷺ أنه سيخرج لأداء {{ العمرة }} ودعا كل المسلمين في المدينة للخروج معه ....
وكذلك الأعراب حول المدينة
كانت الفكرة مفاجأة للجميع فالحرب بين المسلمين وقريش قائمة ....
ولم تكن قد مرت على غزوة {{ الأحزاب }} ومحاولة قريش غزو المدينة سوى عام واحد
ومجرد الإقتراب من مكة فيه خطورة شديدة.....
ومع ذلك كانت قوانين الجزيرة العربية وأعراف قريش نفسها تقضي بأنها لا تتعرض قريش لمن يدخل {{ مكة المكرمة }}
مهما كانت بينه وبين قريش من خلافات :
بل على العكس عليها أن تقوم
١- بحمايته
٢- اطعامه وسقايته
٣- خدمته
وقد كان معروفا أن الرجل الذي يرى قاتل أبيه في مكة
فلا يستطيع أن يتعرض له حتى يخرج من الحرم .
فمكة كانت لكل العرب في الجاهلية ... ففيها {{ بيت الله }}
حتى في "الإسلام"
لا يحق منع أي مسلم من دخول مكة المكرمة ....
فهي حق لكل المسلمين ....
وقد توعد الله بالعذاب الأليم والخزي لمن يمنع مسلم واحد من دخول الحرم مهما كنت معه على خلاف ....
قال تعالى .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم .
ومع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة على الصحابة رضي الله عنهم... لأنه ليس هناك ما يضمن أن قريش ستحترم هذه الأعراف ....
وقد انتهكت قريش أعرافها قبل ذلك كثيرا ....
ولو كان الأمر هكذا سهلاً لذهب بعض المسلمين لأداء العمرة بصورة فردية ولكن هذا لم يحدث ....
ولو حدث لأسرته قريش...
لم تحدث سوى حالتين عمرة فقط منذ هجرة النبي ﷺ
الأولى : بعد الهجرة مباشرة وقد قام بها {{ سعد بن معاذ }} رضي الله عنه وأرضاه .
وعندما عرفه {{ أبو جهل }} تصدى له ومنعه من إستكمال طوافه بالكعبة .
والمرة الثانية بعد الهجرة بثلاثة سنوات قام بها {{ثمامة بن اثال}} سيد بني حنيفة .
وقد رفع صوته وجهر بالتكبير .
وقد تعرضت له قريش كذلك ولكنها لم تستطع منعه لمكانته .
إذآ الأمر ليس سهلا ....
وليس هناك ما يضمن أن قريش لن تتعرض للمسلمين .
بل على العكس تاريخ قريش مع المسلمين يقول : "أن خروج المسلمين لأداء العمرة فيه خطورة شديدة جداً "
ولذلك لم يستجب للنبي ﷺ سوى المؤمنين فقط ....
بينما رفض المنافقون الخروج إلى هذه الرحلة المهلكة من وجهة نظرهم ....
وكذلك لم يخرج الأعراب الذين حول المدينة .
فكان عدد الذين خرجوا مع النبي ﷺ 1400 من الصحابة رضي الله عنهم..
لكنه كان صف نقي خالص ليس فيه منافقون وليس فيه أناس إيمانهم ضعيف .
وإذا كان الصف نقي طاهر فلابد أن النصر قريب .
كما كان في بدر وكما في قصة طالوت ....
وغير ذلك من المشاهد .
خرج ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في {{ ذي القعدة }} في نهاية السنة السادسة من الهجرة
وكان مع المسلمين عدد كبير من الإبل لذبحها في مكة .
وهو ما يسمى {{ الهدي }}
والهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقرباً إلى الله تعالى وأفضله هو {{ الإبل }}
وكانت تعليمات النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم هو الخروج بسلاح المسافر فقط .
لأنه خرج لأداء العمرة ولم يخرج للحرب ....
ولم يحملوا معهم ملابس الحرب حتى ولو على سبيل الإحتياط..
"وسلاح المسافر هو السلاح الذي يحمله من يريد السفر ولا يزيد عن سيف أو خنجر .
أما المحارب فإنه يرتدي الدرع ويحمل الترس ويتقلد السيف ويحمل قوسه وسهامه وحربته
وكان الخروج بسلاح المسافر فقط حتى يؤكد النبي ﷺ أنه لم يخرج لحرب وإنما خرج لأداء العمرة .
وكان فيه دليل على شجاعة المسلمين وثقتهم بأنفسهم .
وصل ﷺ والمسلمون إلى {{ ذي الحليفة }} وهي التي نطلق عليها الأن "آبيار علي"
وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة
وأحرم المسلمون من هذا المكان وبدؤوا بالتلبية :
{{ لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك }}
وصلت الأخبار إلى قريش بخروج النبي ﷺ والمسلمون لأداء العمرة ....
وأجمعت قريش رأيها على منعهم دخول مكة والتصدي لهم ...
وكان النبي ﷺ في طريقه يسير على بركة الله تعالى..
فعندما وصل المسلمون إلى منطقة {{ كراع الغميم }}
"منطقة تبعد عن مكة 63 كم تقريباً...
وجدوا أن قريش قد جمعت جيشاً لصد المسلمين عن التقدم في اتجاه مكة ...
وكان هذا الجيش مكون من قريش نفسها ومن الأحابيش .
وكان هذا أول مظهر من مظاهر نية قريش منع المسلمين من أداء العمرة ....
وعدم إحترامها للأعراف التي تقضي بعدم التعرض لمن يأتي إلى مكة معتمرآ...
استشار النبي ﷺ صحابته رضي الله عنهم لأن الأمر خطير .
كان رأي البعض هو قتال هؤلاء الأحباش...
وكان ممن تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
فقال : يا رسول الله :
الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد .
ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه...
"أي أننا لا نبدأ أحداً بقتال لأننا خرجنا معتمرين ... ولكننا مع ذلك نكمل طريقنا إلى مكة فإذا إعترض هذا الجيش طريقنا قاتلناه ....
وإذا لم يعترض طريقنا وكان لمجرد التخويف أكملنا طريقنا إلى مكة"
فقبل النبي ﷺ و الصحابة رضي الله عنهم هذا الرأي واستحسنوه ....
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم :
هل من رجل يأخذ بنا عن غير طريقهم فندخل مكة من غير الطريق المألوف ؟
لأن الطريق من المدينة إلى مكة معروف طريق أهل الشام .
فأراد أن يخالف تجمعهم وينحرف عن الطريق المعروف فيباغتهم ويدخل مكة لأنه إذا وصل و دخل مكة فلا قتال بالحرم ....
فقال رجل له خبرة بالطرقات
قال : أنا يا رسول الله
فسلك بهم عقبة وثنية...
"أي طريق وعر ومنحني لا يتسع هذا الطريق إلا لرجلين وثلاثة وهكذا ساروا طوال الليل"
فسار النبي ﷺ بالمسلمين في طريق منحرف متجنبا جيش مكة ....
وأكمل المسلمون طريقهم ولم يعترض جيش قريش والأحباش المسلمون .
فلما وصل النبي ﷺم إلى منطقة تسمى "عسفان" تبعد عن مكة حوالي 40 كم تقريباً علمت قريش بذلك
فأرسلت قريش لهم فرقة قوية من الفرسان :
عددها 200 فارس .
وكان على رأسهم "خالد بن الوليد" ووقف ورآءهم جيش مكة من قريش والأحابيش .
في ذلك الوقت جاء موعد "صلاة الظهر" ووقف المسلمون يصلون الظهر ...
والمسلمون لم يأخروا الصلاة عن وقتها إلا في "غزوة الأحزاب" فقط... وقف ﷺ مطمئنا لصلاة الظهر ووقف خلفه المسلمون
كان "خالد بن الوليد" قائد فرسان المشركين يراقبهم من بعيد
وشاهد المسلمون وهم يركعون ويسجدون والأمر يتكرر منهم
ووجد أن هناك فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم...
فسأل من حوله هل سيصلي المسلمون مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال لهم بعضهم : نعم إن لهم صلاةً بعد هذه "أي العصر" هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
فتجهز "خالد بن الوليد" وجهز كتيبته للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر ...
واستعد جيش مكة لذلك الغدر من المسلمين .
"وهذا يدل على خوف جيش مكة الشديد من المسلمين حتى وهم بسلاح المسافر ...
وقريش بكامل عتادها وحتى وهم يملكون 200 فارس .
ولم يكن مع المسلمين فارس واحد .
فنزل جبريل على النبي ﷺ بتشريع "صلاة الخوف"
فلما حضرت صلاة العصر
ووقف ﷺ يصلي بالمسلمين "صلاة الخوف" لأول مرة...
فصلى وصلى خلفه نصف الصحابة رضي الله عنهم
والنصف الثاني من الصحابة وقف خلف المسلمون لحراستهم وأتم ﷺ صلاة ركعتين .
ثم وهو في التشهد سلم الصحابة "أي انهوا الصلاة...
وبقي النبي ﷺ ولم يسلم وانصرف الصحابة رضي الله عنهم ووقفوا للحراسة .
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع النبي ﷺ ....
فلما رأى "خالد بن الوليد" ذلك وهو يراقبهم من بعيد ذهل
وقال متعجباً : إن القوم ممنوعون !!!
كان هذا الموقف له أثر كبير في إسلام "خالد بن الوليد" سيف الله المسلول رضي الله عنه
لأنه أسلم بعد صلح الحديبية بشهور قليلة...
بعد أن صلى المسلمون العصر
عاد "خالد بن الوليد" بكتيبته إلى مكة ليخبر قريش أن محمدًا ومن معه لم يأتوا لقتال ....
وقد ساقوا الهدي وأشعروها وقلدوها محرمين معتمرين .
وكانت مكة في قمة ارتباكها وغير قادرة على اتخاذ أي قرار
ثم إنحرف الرسول ﷺ بالمسلمين مرة أخرى متجنباً جيش مكة .
وأكمل المسلمون طريقهم حتى اقتربوا جداً من مكة ووصلوا إلى وادي "الحديبيبة" أرضه منبسطه ....
سبب تسميته "الحديبية"
لأن فيه {{ بئر }} ماءه قليل يبض الماء بضاً
يجلس الذي يريد أن يشرب منه ساعة حتى يملئ قربته وهو يحني ظهره "فيحدب" ظهر الرجل ...
ومن هذا البئر أخذ المكان إسمه.
وأصبح الموقف شديد الحرج ففي أي لحظة يمكن أن يقع القتال....
في ذلك المكان "الحديبية" أراد النبي ﷺ أن يكمل طريقه ويدخل مكة ....
بركت ناقته "القصواء" ورفضت أن تتحرك ... فزجرها النبي ﷺ فلم تقم وحاول الصحابة رضي الله عنهم أن يدفعونها وأخذوا يقولون لها : حل حل
"حل كلمة عند العرب يزجرون بها الإبل إذا احرنت عن المسير"
ولكنها رفضت التحرك
فقال الصحابة رضي الله عنهم خلأت القصواء .
"يعني أحرنت ورفضت المسير"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يرفع صوته في وجوهنا :
ويقول ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل .
والذي نفسي بيده لا يسألوني "أي قريش" خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .
القصواء تسير بأمر الله تقودها الملائكة .
فلما رفضت التحرك علم النبي ﷺ أنها مأمورة .
وحبسها الله ومنعها دخول مكة كما منع فيل أبراهة ...
فهم النبي ﷺ عن ربه مشيئة الله لعدم دخوله مكة ليحفظ الله نبيه وأصحابه رضي الله عنهم من غدر قريش .
لذلك هو ﷺ مستعد لقبول حلول أخرى غير أن يدخل المسلمون مكة ويؤدون عمرتهم .
لأن عدم تحرك الناقة وهو أمر ليس من طبيعتها فيه إشارة من الله تعالى إلى عدم الدخول في قتال مع أهل مكة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان لحكمة عند الله تعالى ....
فعسكر النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في ذلك الوادي "الحديبية"
فقال الناس : يارسول الله نزلت بنا على غير ماء وإن بئر "الحديبية" لا يستقي منها الراكب أو الراكبان ونحن كثير
فقال لهم النبي ﷺ : انظروا هل بها من ماء ؟
فجاؤا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ليس فيها إلا الدلوين او الثلاث ؟
فأخذ ﷺ سهماً من كنانته وأعطاه لأحد أصحابه رضي الله عنهم .. فقال إنزل فيها "أي البئر" وأغرسه فيها باسم الله .
فنزل الرجل وقال بسم الله وغرس السهم في وسط البئر
يقول الصحابه رضي الله عنهم
قالوا : والذي بعثه بالحق لقد أخذ الماء يفور وله هدير كأنه الماء يغلي بالقدور ....
فما أن أسرعنا حتى أخرجنا صاحبنا وإلا كان قد غرق ...
ففار الماء وفاض حتى ملأ البئر .
وكانت فتحة البئر كبيرة يجلس الناس حوله ....
فجلس أصحاب النبي ﷺ حول البئر يغترفون الماء لايحتاجون لحبل أو دلو ينتشلون الماء
✨✨✨✨
اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والستون بعد المائة 165
مفاوضات الحديبية .
بركت القصواء ناقة النبي ﷺ
وفي ذلك الوقت كانت قريش في قمة ارتباكها لا تعرف ما الذي تصنعه ؟
لا هي قادرة على قتال المسلمين .
ولا هي قابلة دخول المسلمين إلى مكة .
قال لهم خالد بن الوليد لقد جاؤوا معتمرين محرمين
قالوا وإن جاء معتمراً محرماً
لا يدخلها علينا عنوة "يعني رغم عنا"
فماذا فعلت قريش ؟
أرسلت إلى زعماء القبائل المحيطة بمكة ليحضروا ويشهدوا معهم أن محمداً ﷺ جاء معتدياً إلى مكة .
فحضر إليهم سريعاً :
١- بديل بن ورقاء "سيد خزاعة"
٢- حليس بن علقمة "سيد الأحابيش"
٣- عروة بن مسعود الثقفي "سيد الطائف"
أرسل النبي ﷺ أحد الصحابة رضي الله عنهم وهو {{ خِراش بن أمية }} رضي الله عنه إلى قريش ليخبرهم أنه جاء معتمراً وأنه لم يأتِ للحرب .
وما إن دخل مكة حتى اعترضته قريش وعقروا الناقة التي كان يركبها ....
وكادوا يفتكون به لولا أن منعهم سيد الأحابيش ....
فرجع إلى النبي ﷺ وأخبره بما حدث ....
فقالت قريش : قم يا "بديل بن ورقاء" فانظر لنا أمر محمد .
و "بديل بن ورقاء" هو سيد {{ خزاعة }} وخزاعة كان فيها المسلم والكافر .
ولكن خزاعة كانت قلوبهم تميل مع النبي ﷺ مسلمهم وكافرهم .
أي كانت متعاطفة مع رسول الله ﷺ في مواقفها .
لماذا لم ترسل قريش أحد من سادتها ؟؟
حتى لا تظهر بمظهر الساعي إلى الصلح الخائف من المواجهة فاختارت سيد خزاعة .
فقام {{ بديل }} ومعه نفر من رجال قومه حتى جاء النبي ﷺ وسلم عليه
ثم جلس إلى النبي ﷺ .
فقال بديل : ما أقدمك إلى مكة يا محمد ؟؟
قال له النبي ﷺ : كما ترى نحن محرمون قد قدمنا الهدي . وقلدناه واشعرناه .
نريد أن نعظم هذا البيت ونتطوف به كسائر العرب .
ورأى {{ بديل }} صدق النبي ﷺ وأن أصحابه رضي الله عنهم شعثاً غبراً محرمين وليسوا معتدين .
قد رفعوا أصواتهم بالتلبية
فأراد {{ بديل }} أن يحل هذه الأمر من أجل أن لا يقع بين المسلمين وقريش قتال .
فأخذ يحاول إخافة النبي ﷺ .
فقال : يا محمد أنا أصدقك ولكن قومك قد أجمعوا أن لا تدخلها عليهم عنوة .
وإني تركت "كعب ابن لؤي . وعامر بن لؤي" قد نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العُوذ المطَافِيل .
كعب وعامر بن لؤي يقصد قبيلة {{ كنانة }}
جاؤوا معهم العوذ والمطافيل هو وصف للأبل التي تحلب والتي لا تحلب .
اي أنهم مستعدون حتى لو أقاموا سنة لن يسمحوا لك أن تدخل .
يعني مستعدين يضيعوا موسم الحج وسنة كاملة وهم يحاربوك ولن يسمحوا لك بالدخول .
وهم مقاتلوك وصادَوك عن البيت .....
فماذا رد عليه الحبيب المصطفى ﷺ ؟؟
قال له ﷺ : إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين .
وإن قريشاً قد أنهكتهم الحرب وأضرت بهم .
فإن شاءوا ماددتهم ، ويخلوا بيني وبين الناس .
وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا .
وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي "أي تقطع رقبتي" أو لينفذن الله أمره .
فإن شاءوا ماددتهم ، ويخلوا بيني وبين الناس . :
أي تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش مدة من الزمن لا يمنعون فيها أحد أو يرهبونه أو يضغطون عليه في عدم دخوله الإسلام .
وكان هذا هو الذي يسعى اليه ﷺ .
وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا .
النبي ﷺ يعرض عليهم الإسلام حتى يذكرهم أنه نبي مرسل من عند الله تعالى.
وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي "أي تقطع رقبتي" أو لينفذن الله أمره .
فلم يعرف {{ بديل }} ما يرد به على النبي ﷺ ولكنه أفحم وسكت ....
فقال : يامحمد سأبلغهم ما تقول :فإنما أنا رسول بينك وبينهم .
ثم رجع {{ بديل بن ورقاء }} إلى قريش وحدثهم بما قال النبي ﷺ.... ونصحهم ألا يصدونه عن البيت فإن من حق كل العرب حج هذا البيت وهو جاء محرماً معتمراً لا مقاتلاً ومعتدياً كما تزعمون ....
ولكن قريش اتهمت {{ بديل}} أن له ميل للنبي ﷺ وقالت له : اجلس لم تكفنا شيئاً .
واختارت قريش أن ترسل رجل آخر لا يكون ميله للنبي ﷺ
فأختارت {{ الحليس بن علقمة }} وهو سيد الأحابيش .
الأحابيش:هم الأعراب المحيطون بمكة والمدينة ليسوا من قريش ولا قبائل معروفة .
فهم خليط من الأعراب المحيطين تحبشوا مع بعضهم أي تجمعوا فاطلق عليهم اسم {{ الأحابيش }}
وكانوا قد عاهدوا قريش أن يعينوها في موسم الحج حتى يؤدي الناس حجهم بلا اعتداء
وكان سيد الأحابيش المطاع أمره فيهم {{ الحليس بن علقمة }}
أرسلت قريش {{ الحليس بن علقم }} سيد الأحابيش مع عدد من أصحابه
وكان النبي ﷺ جالساً يرقب من سترسل قريش ؟
فلما رآه النبي ﷺ مقبلًا من بعيد
قال لأصحابه : لقد أرسلوا إليكم ، قوم يعظمون البدن وهذا {{ الحليس }} سيد الأحابيش وهو رجل يتأله .
أي يتعبد ويعظم شعائر الله وقومه متدينون يحترمون من جاء لأداء العمرة .
إنه رجل يتأله فقدموا الهدي في وجهه ليراه .
فلما اقترب أرسلوا الإبل المجهزة للهدي في وجهه....
واستقبله الصحابة رضي الله عنهم وهم يلبون
فلما رأى {{ الحليس}} هذا
قال ؟ سبحان الله ! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت .
وعاد {{ الحليس }} إلى قريش حتى أنه لم يكلم النبي ﷺ .
بل رجع مسرعاً لأنه يعظم شعائر الله تعالى...
وقال لهم : ويحكم يا قريش تصدون عن البيت من يعظم شعائر الله ؟
إني رأيت ما لا يحل منعه وما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ....
وأخذ يعنفهم ويقول : إنكم تعنفون على محمد وتسيؤون به الظنون .
ما جاء معتدياً كما تزعمون بل جاء معتمرا...
فلما أثقل عليهم بالكلام
قالوا له اجلس يا حليس فإنما أنت أعرابي ولا علم لك...
فغضب الحليس .
وقال : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم .
يُصدّ عن بيت الله الحرام من جاءه معظِّماً .
والذي نفس {{ الحليس }} بيده ، ورب هذا البيت لتخلّون بين محمداً وما جاء به أو لأنفرن بالأحابيش "أي آخذ قومي وأرحل نفرة رجل واحد حتى أكون مع محمد عليكم .
"لايعني أنه سيدخل الإسلام.. قصده : يقف وينصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يدخل مكة ويعتمر"
فلما رأت قريش ذلك استرضوه وأجلسوه
وقالوا : لا عليك يا حليس ، سنأخذ منه ونعطي "يعني ستكون بيننا وبينه مفاوضة"
فجلس {{ الحليس }} على حذر وهو يريد أن يقف في وجه قريش إن صدت رسول الله عن أداء العمرة .
ثم اختارت قريش بعد ذلك {{ عروة بن مسعود الثقفي }} وهو سيد الطائف .
هو الذي نزل فيه قول الله تعالى :
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم .
عندما قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمداً حقا
لكان نزول هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أي مكة و الطائف .
إما نزل على : أنا الوليد بن المغيرة أو سيد الطائف
{{عروة بن مسعود }}
وقد أسلم {{ عروة بن مسعود }} وله قصة استشهاد رائعة بعد حصار الطائف وكان الرسول ﷺ يقول عنه أنه يشبه المسيح عيسى عليه السلام .
قالت قريش تذهب إليه يا عروة ؟
قال لهم لقد رأيت وسمعت ما كان بينكم وبين من أرسلتم قبلي ....
وأنا رجل لا أرضى الإتهام ....
"يعني أنكم لا تحسنوا الظن بأحد ....
فأنا لا أرضى الإتهام وأنتم تعلمون يا سادة قريش
أنكم الوالد وانا الولد .
"لأن أمه من قريش يعني انتوا اخوالي : يعني لن أقف مع محمد ضد أخوالي"
وتعلمون أني جئت بقومي حتى أكون معكم .
قالوا : أنت لست متهم
قال : فإن أتيته وقلت رأيي فيه ، فأنا لا أرضى أن تخالفوني الرأي
فأقنعوه بالذهاب .
أرسلت قريش {{ عروة بن مسعود }} ولم ترسل أحد من سادة قريش حتى لا تظهر بمظهر الساعي إلى الصلح الخائف من المواجهة....
واختارت {{ عروة }} لأنه شخصية معروفة وله مكانته الكبيرة في الجزيرة كلها .
أقبل {{ عروة بن مسعود }} ومعه رجال من قومه حتى أناخ راحلته عند رسول الله ﷺ ثم أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم
فلما اقترب عروة سيد {{ ثقيف }} والصحابه تعرف أنه يميل مع قريش .
خاف الصحابة رضي الله عنهم على النبي ﷺ الغيلة "أي الغدر" .
فقام رجل من أصحاب النبي ﷺ "المغيرة ابن شعبة الثقفي"
"يكون "عروة" عمه أخ أبيه
أي أن الذي سيفاوض النبي ﷺ هو عم هذا الصحابي الجليل .
فلبس {{ المغيرة }} المغفر وتقلد سيفه ووقف على رأس النبي ﷺ يحرسه خوف من أن يغدر به القوم ....
فجلس {{ عروة }} إلى النبي ﷺ وتربع له النبي صلى الله عليه وسلم وجلس عروة على ركبتيه
فقال عروة لماذا قدمت يا محمد ؟؟
قال : ألا ترى يا عروة نحن محرمون ومقلدون الهدي ومشعرون ....
رافعين الصوت بالتلبية شعثاً غبراً نريد أن نتطوف بهذا البيت كسائر العرب ....
قال : يا محمد لقد تركت قريش وقد جمعوا لك وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت .
وإنك لا تدخلها عنوة "أي رغم عنهم" وهم لا يرضون أن تدخلها هذا العام .
فإذا أبيت قاتلوك وقد لبسوا لك جلود النمور "تعبيراً عن القوة"
وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين :
أن تجتاح قومك ولم نسمع برجلٍ اجتاح أصله قبلك .
(( يعني تقاتل أهلك في بلدك وهذا الشيء منكر فهي بلدك .
وما سمعنا رجل جاء برجال غرباء من خارج بلده ليقتل أهله .
أو بين أن يخذلك من نرى معك
فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم .
"يعني هؤلاء اللي محتمي فيهم إذا قاتلتك قريش سيهربون ويتركوك لأنهم عبارة عن عصابة اوباش قطاع طرق حتى أنا لا أعرفهم ولا أعرف أنساب لهم
فغضب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لهذه المقالة
نحن أوباش الناس لا أنساب لنا
فهم من صميم قريش وخيارها
فقام أبو بكر ورد عليه....
قام أبو بكر مغضباً وقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ "
وهذه الجملة جاءت في حديث رواه البخاري رحمه الله : عن عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في الحديبية للنبي ﷺ فقال : " فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا وَإِنِّى لأَرَى أَوْبًاشَا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ ))
عجب الصحابة رضي الله عنهم
أبو بكر المعروف بالحلم والهدوء والسكينة .
ولم ينكر النبي ﷺ على {{ أبي بكر }} ما قاله ...
صدم {{ عروة }} من رد {{ أبي بكر }}
ووصلت له الرسالة وآضحة تماماً أن الصحابة رضي الله عنهم مستعدون بالتضحية بحياتهم في سبيل الرسول ﷺ .
قال عروة وهو مصدوم ومغضب من هذا يا محمد ؟
فبتسم النبي ﷺ وقال له : ألا تعرف ابن أبي قحافة يا عروة إنه أبا بكر .
قال عروة أبا بكر ؟
قال نعم يا عروة .
قال عروة : أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك !
كان {{ عروة بن مسعود }} قد استعان في حمل دية يعني عليه دم في الجاهلية أي قبل الإسلام
فكان يطلب عروة من الناس أن يعينوه في دفع الدية .
فأعانه أبو بكر بنصف الدية...
فكانت هذه يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند عروة بن مسعود .
فكان لأبي بكر فضيلة على عروة....
فقال : أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك .
اي معروفك السابق يمحو شتمك لي اليوم .
ثم رجع {{ عروة }} يكلم النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم لا يرد عليه ...
فأخذ يلاطف الحبيب المصطفى ﷺ يمس لحية النبي ﷺ برؤوس أصابعه
ليست هذه الحركة احتقاراً
بل هي عادة عند العرب بالتودد والتلطف .
ولكن لا تكون هذه الحركة إلا من سيد إلى سيد ومن كبير إلى كبير
مد يده إلى لحية النبي ﷺ يلاطفه كعادة العرب حتى يقبل رأيه ....
المغيرة ابن أخيه واقف على رأس النبي ﷺ يحرسه خوفاً من الغدر وكان يلبس المغفر يعني وجهه لا يبين لا يعرفه عمه عروة ....
فكان كلما مد {{ عروة }} يده ليمس لحية النبي ﷺ ويلاطفه
يقرع {{المغيرة بن شعبة }} يقرع بذيل السيف على يده
ويقول له بشدة : اكفف يدك عن مس لحية رسول الله قبل ألا تصل إليك !
فلما أكثر {{المغيرة }} من ضربه ليد {{عروة }}
اشتعل غضباً عروة
وقال : ليت شعري من أنت ؟؟
يا محمد من هذا ؟؟
والله ما رأيت من بين العرب أفض وأغلظ منه من هذا الرجل يا محمد ؟
فابتسم النبي ﷺ وقال له هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة يا عروة .
قال : المغيرة ؟
قال نعم هذا المغيرة بن شعبة يا عروة .
فنظر إلى ابن أخيه
وقال : يا غدر ما غسلت ديتك إلا بالأمس القريب ....
[[ كان الدم الذي تحمله عروة و أعانه عليه أبو بكر كان عن ابن أخيه المغيرة الذي حمل دما قبل إسلامه....
وجعل {{ عروة }} يراقب الصحابة رضي الله عنهم
فلقد كان يظنهم : أوباش من الناس عصابات في أي لحظة يخذلون رسول الله
فلما حضرت الصلاة وأحضروا له الماء ليتوضأ أخذ الصحابة يقتتلون على وضوئه
وعاد {{ عروة }} إلى المشركين مرعوب وقد تغيرت مفاهيمه .
كما قلنا كان يظن أن مع النبي صلى الله عليه وسلم أوباش من الناس وعصابة ....
فاسمعوا ماذا قال لقريش الآن .
قال لهم . أي قوم !
والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي .
والله ما رأيت ملكاً من الملوك قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً .
والله ما أمر أمراً إلا ابتدروا إلى أمره .
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده .
ولا يحدون البصر في وجهه تعظيماً له .
وإذا نظر إلى مكان التفتوا جميعاً نظروا إلى ما ينظر إليه ...
وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه ....
ولا يبصق بصقة إلا وقعت في كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده ....
وإني ناصح لكم .
فوالله إنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم .
فوالله لقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً وفيهم عين تطرف .
وإني نصحت لكم
فخذوا رأيكم واتركوا محمداً وشأنه ....
فإن أصابته العرب فذلك ما ترجون وإلا فعزه عزكم .
قالوا : اجلس يا عروة .
قال : ما أنا بجالس !!!
لقد أخذت عليكم عهداً أن لا تتهمونني .
قالوا : ما أنت بمتهم .
ولكن اجلس دعنا نأخذ ونعطي
قال : كم تأخذون وتعطون ؟؟
لا والله لا أشهد لكم مهزلة ولا عيبة ....
"يعني مفاوضتكم مع محمد وكل الذين ذهبوا وأرسلتموهم إليه وكلامهم عنه .
يقولون لكم دعوه يعتمر .
لماذا ترسلون الرسل إذن ؟؟
إذا لم يقنعكم هذا كله فهذا يعتبر مهزلة وعيب عليكم .
فنهض من قومه من أهل ثقيف واتجه للطائف .
فضعفت شوكة قريش
قالوا : أردنا امراً فقلبه محمد علينا رأساً على عقب .
أرادوا بذلك ان يشهدوا العرب على أن محمد يتعدى عليهم في الأشهر الحرم .
فشهدت عشائر العرب كلها بسادتها بأنه جاء معظماً لبيت الله واصلاً للرحم لا يريد حرباً
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والستون بعد المائة 166
بيعة الرضوان .
بعد أن كسُرت شوكة قريش في المفاوضات وأصبحوا أمام العرب في موقف {{ المتهم }}
أخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين ....
ولكن كانت هناك معارضة من شباب قريش المتحمس أو المتهور ...
لأن هؤلاء الشباب نشأوا على كراهية الإسلام وكراهية النبي ﷺ .... لأنه عندما جاء الإسلام كانت أعمارهم مابين 6 إلى 9 سنين .
أي رضعوا كراهية الإسلام ...
و غير ذلك مات الكثير من آبائهم وأقاربهم في مواجهات مع المسلمين ....
مثل عكرمة بن أبي جهل الذي قتل أبوه في بدر وغيره الكثير
ولذلك فهم لا يتصورون عقد صلح مع المسلمين ....
حاولوا هؤلاء الشباب منع أي طريق للصلح ....
فقامت مجموعة منهم وعددهم 50 شاب من قريش
في التسلل إلى معكسر المسلمين ليقتلوا بعض أصحاب رسول الله ﷺ بغرض أن يوقعوا الفتنة بين الفريقين ....
وتكون شرارة الحرب بين رسول الله ﷺ وقريش .
وكان النبي ﷺ قد وضع حراسة قوية حول معسكر المسلمين على مدار الساعة .
وجعل قيادة هذا الحرس لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه .
فلما اقترب هؤلاء الشباب من قريش من معسكر المسلمين .
أحاط بهم الصحابة رضي الله عنهم وتم القبض عليهم وقيدوهم وجاؤوا بهم إلى النبي ﷺ وهم مقيدون ....
كانت عملية القبض على هؤلاء الشباب صعبة جداً لأن عددهم كبير وهم مسلحون .
ولأن القبض عليهم تم دون إراقة دماء من كلا الجانبين .
فلما رءاهم النبي ﷺ وأخبره الصحابة رضي الله عنهم بخبرهم ... قال ﷺ : اطلقوا سراحهم .
50 شاب من قريش يطلق سراحهم دون حتى أن يطلب فيهم فداء ...
حتى يفسد عليهم مخططهم في إفساد جهود المصالحة .
وبذلك جعل ﷺ هذه الحادثة أمر في صالحه .
أكد به أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال ....
وأن طلبه للهدنة جاء من مركز القوي وليس الضعيف .
وقد ذكر تعالى هذا الموقف في سورة الفتح :
فقال تعالى .
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا .
واستمر وجود المسلمون في {{ الحديبية }} أكثر من ثلاثة أسابيع .
ففكر النبي ﷺ أن يرسل أحد الصحابة رضي الله عنهم للكلام مع قريش مباشرة بالرغم من أن قريش أرسلت إليه رجال من سادات العرب ...
وقد نقل لهم النبي ﷺ ما يريد
ولكن رسول الله ﷺ أراد أن يكون الكلام موجهاً مباشرة من المسلمين إلى قريش .
لأن الوسيط قد لا ينقل الصورة كما هي ، أو كما يريد النبي صلى الله عليه وسلم...
فاختار النبي ﷺ أن يرسل إليهم "عثمان بن عفان" رضي الله عنه .
لماذا اختار النبي ﷺ "عثمان رضي الله عنه لهذه المهمة ؟؟
لأن عثمان من {{ بني أمية }} وهي من البطون القوية .
فكان في قريش أقوى بطنين
١- بني هاشم . التي منها النبي ﷺ
٢- بني أمية . التي منها عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وكان التنافس بين البطنين على الزعامة قديم جداً وله جذور بعيدة ....
في هذا الوقت كانت الزعامة في مكة "لبني أمية" وكان سيد مكة "أبو سفيان" وهو من بني أمية
بعد أن كانت لعم النبي ﷺ أبو طالب من بني هاشم .
واستمر هذا التنافس حتى بعد استقرار الإسلام وكانت الحرب والفتنة الكبرى بين "على بن أبي طالب" من بني هاشم و "معاوية بن أبي سفيان" من بني أمية .
إذآ عثمان بن عفان رضي الله عنه من بني أمية ولن يجرؤ أحد من إيذاء عثمان رضي الله عنه في مكة .
وكان "عثمان" معروف بالحلم والحكمة .
فله قدرة على التفاوض و "عثمان" شخصية محبوبة جداً في مكة قبل إسلامه وحتى بعد إسلامه لأنه كان من طبعه الكرم .
ودائما الإنسان الكريم يكون محبوباً
لكل هذه الأسباب :
اختار النبي ﷺ عثمان رضي الله عنه .... أرسل النبي ﷺ "عثمان" لقريش .
وكانت مهمته أن ينقل رسالة النبي ﷺ أن المسلمين قد جاءوا لأداء العمرة ولم يأتوا لقتال أحد
وأن النبي ﷺ يعرض عليكم ثلاثة أمور .
١- أن يدخلوا في الإسلام .
٢- أن تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش لا يكون فيها قتال .
ولكن الشرط الأساسي في هذه الهدنة أن يخلو بينه وبين الناس ....
يعني قريش لا تمنع أحد في الجزيرة من دخول الإسلام .
٣- وإذا رفضوا هذين الشرطين فيكون القتال .
وكان في مكة مسلمون مستضعفين يكتمون إسلامهم خوفًا من بطش قريش .
فلما سمعوا ... بقدوم الحبيب المصطفى ﷺ هاجت قلوبهم بالشوق لرؤية رسول الله ﷺ
متشوقين لرؤيته وهو يطوف بالكعبة .
فقال النبي ﷺ لعثمان : إذا وصلت مكة فبشر هؤلاء المستضعفين من المسلمين أن النبي ﷺ يبلغكم السلام .
ويبشركم أن الله تعالى سيعز الإسلام والمسلمين ويوصيكم بالصبر .
توجه "عثمان بن عفان رضي الله عنه... فلما انطلق عثمان قال الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ لقد فاز بها عثمان فالآن يطوف بالبيت
فقال لهم النبي ﷺ : ما ظننته يطوف بالبيت ونحن محاصرون .
فقالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه ؟
انظروا ماذا قال لهم النبي ﷺ
قال : ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف
وصل عثمان رضي الله عنه ودخل مكة .
وانطلق إلى رجل من قريش من "بني أمية "
"أبان بن سعيد بن العاص الأموي" وطلب منه عثمان رضي الله عنه أن ينزل في جواره .
مع أن العرف هو عدم قتل الرسل ....
ولكن هذا يدل على شدة العداوة التي كانت بين قريش والمسلمين .
وكان "أبان بن سعيد" صديق حميم في الجاهلية لعثمان .
فأدخله في جواره .
استقبلته قريش ورحبت به
"كما قلنا عثمان كان محبوباً في قريش .
بل وعرضوا عليه أن يطوف بالبيت عندما وجدوه ينظر إلى الكعبة .
وقالوا له يا عثمان إن شئت فطف بالبيت
فقال عثمان ؟
هو لم يكن موجود عندما قال ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم
ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف .
والله لا أطوف حتى يطوف رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم ولو مكثت بها سنة .
وظل "عثمان" في مكة ثلاثة أيام كاملة...
فعثمان لم يكن متعجلآ بالخروج
١- لأنه كان يريد أن يأخذ ردا من قريش على رسالة النبي ﷺ .
٢- لأن الرسالة التي يريد أن ينقلها من النبي ﷺ إلى المستضعفين سراً تتطلب وقتا كبيراً .
هنا قامت قريش بنشر إشاعة في معسكر المسلمون
وهي "إشاعة مقتل عثمان"
لماذا ؟؟
ليختبروا ردة فعل النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم بهذه الإشاعة .
وبالفعل وصلت تلك الإشاعة للنبي ﷺ بمقتل عثمان رضي الله عنه في مكة .
النبي ﷺ عرف بفراسته أنها إشاعة .
كيف لا وهو الذي يقول اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله .
إذاً المؤمن ينظر بنور الله تعالى
فكيف النبي ﷺ .
فقام ﷺ في أصحابه وقد شاع الخبر في صفوفهم
وطلب منهم مبايعته على القتال وعدم الفرار بيعة الموت
كأن النبي ﷺ يقول لقريش تريدون أن تعرفوا ردة فعلنا
هذه هي مبايعة على الموت وهم يعرفون من هم المسلمون في الحروب .... فأجتمعوا عند شجرة في أرض الحديبية .
وقد عرفت هذه البيعة : ببيعة الشجرة .
لأنها تمت تحت شجرة في الحديبيبة
واسم الشجرة "شجرة السمُرة" وهي شجرة كبيرة وضخمة
عرفت ببيعة "الرضوان" لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم أنه قد "رضي الله" عن أصحاب هذه البيعة :
فقال تعالى .
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .
وعرفت أيضا {{ ببيعة الموت }}
فبسط النبي ﷺ يده .
فأقبل الصحابة رضي الله عنهم لمبايعته حتى ركبوا على ظهور بعضهم البعض .
بايع الصحابة رضي الله عنهم النبي ﷺ .
فلما انتهوا وضع النبي ﷺ يده فوق الأخرى .
وقال هذه يد عثمان .
وهذا دليل أن النبي ﷺ كان يعلم أنها اشاعة .
فكيف يبايع عثمان على الموت و هو مقتول ....
ولكن النبي ﷺ كان يريد أن يعلم قريش ردة فعله ألستم تريدون معرفة ردة فعلنا ؟؟
هذه هي ردة فعلنا مبايعة على الموت ....
ووصلت أخبار هذه البيعة إلى قريش فأصابها الخوف والهلع
ولذلك بعد هذه البيعة مباشرة وافقت قريش على "الصلح"
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[٢٨/٦/٢٠٢١ ٧:٥٩ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والستون بعد المائة 167
بنود صلح الحديبية .
بايع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم النبي ﷺ تحت الشجرة بيعة الرضوان .
وصل الخبر إلى قريش أن الصحاب رضي الله عنهم قد بايعوا النبي ﷺ على الموت .
فأصاب قريش الرعب والخوف والهلع من هذه البيعة .
فقالوا لعثمان رضي الله عنه . انطلق وقل لمحمد أن قريش وافقت على الصلح .
وأرسلت قريش "سهيل بن عمرو" وهو شخصية هادئة طيبة
فلما قدم "سهيل" ومعه رجال من قريش ورآه النبي ﷺ من بعيد
قال لأصحابه رضي الله عنهم قد سهل لكم أمركم ما أرسلت قريش هذا إلا لأنهم يريدون الصلح .
والسؤال هو ...
لماذا اختارت {{ قريش }} هذه الشخصية الهادئة الطيبة السهلة ليتفاوض مع النبي ﷺ .
أليس من الطبيعي أن ترسل شخصية صعبة يتفاوض مع النبي ﷺ حتى يحصل على أكبر قدر من المكاسب ؟
لماذا لم ترسل للمفاوضة أحد من الصقور مثل :
"عمرو بن العاص"
أو "خالد بن الوليد"
أو "عكرمة بن أبي جهل"
أو "صفوان بن أمية"
أو "أبو سفيان بن حرب"
السبب هو أن قريش
١- كانت تريد الصلح
٢- خائفة من الحرب
٣- خائفة من البيعة
التي أخذها النبي ﷺ من المسلمين بيعة الموت .
فكانت قريش لا تريد أن ترسل أحد يمكن أن يصل بالأمور الى طريق مسدود ومن ثم الى الحرب والقتال .
لذلك قال النبي ﷺ عندما رأى سهيل
قال قد سهل لكم أمركم ، ما أرسلت قريش هذا إلا لأنهم يريدون الصلح .
فقدم سهيل مع رجال من قريش
فسلم وجلس إلى النبي ﷺ
فقال : يا محمد إن قريش قد أرسلتني إليك أمثلهم فأعطيك وأخذ منك .
البند الأول .
١- أما الأولى يا محمد هي :
أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام ولا تدخل عليهم عنوة أبداً ترجع إلى بلدك . أي المدينة .
فصاح أصحاب النبي ﷺ
وقالوا : بلدنا وبلد رسول الله هي مكة .
فأشار إليهم النبي ﷺ أن اسكتوا .... فسكتوا .
فأكمل سهيل :
ترجع إلى بلدك هذا العام لا تدخلها ، على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة .
فيدخلون مكة بسيوفهم فقط . والسيوف في القرب أي في أغمادها .
ويظلون في مكة ثلاثة أيام فقط .
ثم يخرجوا منها بعد ذلك وتترك قريش لهم مكة هذه الأيام الثلاثة .
لا يشارككم بها أحد من قريش .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم رضينا .
البند الثاني .
وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين .
فقال النبي ﷺ رضينا .
البند الثالث .
للعرب الخيار من أحب أن يدخل في عقد محمد "أي دينك" وعهده دخل فيه .
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
فقال النبي ﷺ رضينا .
البند الرابع .
من جاءك من قريش مسلماً بدون إذن وليه ترده إلينا .
ومن جاءنا من أصحابك مرتداً بإذن وبغير إذن لا نرده إليك .
(( أي أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
ولا تعيد قريش من إرتد من المسلمين إلى المدينة ))
فصاح أصحاب النبي ﷺ ....
لا نعطي الدنية في ديننا والله ونحن على الحق وأنتم على الباطل .
فأشار النبي ﷺ إليهم بيده ان اسكتوا.... فسكتوا
فقال النبي ﷺ رضينا .
لنقف مع هذه البنود نعلق عليها باختصار ....
البند الأول .
وكان هذا هو أهم بند عند قريش أن لا يدخل المسلمون لأداء العمرة .
لماذا ؟
لأن دخول المسلمين لأداء العمرة "من وجهة نظرهم" سيهز هيبتهم ويحط كبريائهم في الجزيرة العربية ....
البند الثاني .
وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين .
وهذا البند في صالح المسلمين .
لماذا ؟
لأنه سيتيح للمسلمين التفرغ لبناء دولتهم .
والتفرغ للدعوة لأن الدعوة في حالة الأمان أفضل من الدعوة في حال الحرب .
وأيضاً لإعطاء فرصة للمسملين لمحاربة عدوهم الثاني في الجزيرة العربية بعد قريش وهم اليهود ....
وهذا ما حدث بالفعل بعد الحديبية أن توجه المسلمون لحرب اليهود في "خيبر"
ولم يكن هذا البند في صالح قريش إلا في جانب واحد فقط وهو فك الحصار الإقتصادي الذي كان يفرضه النبي ﷺ على قريش ....
وهو جانب مادي بحت لن يفيد قريش كثيراً في صراعها مع المسملين .
البند الثالث .
من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
وهذا البند في صالح المسلمين لماذا ؟؟
لأن قريش كما قلنا لكم من قبل كانت من أقوى قبائل الجزيرة
وجميع القبائل في الجزيرة لها مصالح اقتصادية وغير اقتصادية مع قريش .
فكانت قريش تمنع القبائل من الدخول في حلف مع النبي ﷺ
ولذلك بعد هذه المعاهدة دخلت الكثير من القبائل في حلف مع النبي ﷺ .
أولهم كانت قبيلة "خزاعة" كانت من القبائل الكبيرة في الجزيرة
فبعد هذه المعاهدة قامت خزاعة ودخلت في الإسلام.
البند الرابع ..
١- أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
٢- ولا تعيد قريش من إرتد من المسلمين إلى المدينة .
الجزء الثاني : من هذا البند
لا يضر المسلمين في شيء بل على العكس هو في صالح الدولة الإسلامية .
لأن المسلمين لا يريدون في الصف الإسلامي إلا المؤمنين فقط .
ووجود غير المؤمنين في المدينة يضعف المسلمين ويمكن أن يكون عيناً لقريش .
أما الجزء الأول : من البند وهو أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
فقد أثار ذلك إعتراض كل الصحابة رضي الله عنهم تقريباً ووجدوا فيه ظلما للمسلمين
وتحدث "عمر بن الخطاب" إلى النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله لم نعطِ الدنية في ديننا ؟
لأن الطبيعي أن تكون المعاملة بالمثل فلا يعيد المسلمون كذلك من أسلم من أهل مكة إلى قريش .
ولكن النبي ﷺ أراد أن يعطي قريش في هذه المعاهدة شيئاً مقابل أشياء كثيرة أخذها منهم
وطالما هناك تفاوض ومعاهدة فلابد أن تأخذ شيئا وتعطي شيئًا .
والا فما معنى التفاوض ...
وحقيقةً قريش لم تستفد من هذا البند شيئا لأنه بعد الصلح ومع أول حالة ....
كان هناك "إمرأة " أسلمت وتركت مكة وهاجرت إلى المدينة .
فنزلت آية ألغت هذا البند بالنسبة للنساء .....
قال تعالى في سورة الممتحنة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
ثم يقول تعالى .
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ .
هذا البند كان بالنسبة للرجال ولم تستفيد منه قريش ....
وسنرى كيف بعد فترة انقلب هذا البند ضد قريش و كان وبالاً عليها .
إذآ كانت المعاهدة في "صالح المسلمين
والله يعلم وأنتم لا تعلمون
ولم يصل المسلمون إلى ذلك إلا بعد 6 سنوات كاملة هي عمر الدولة الإسلامية قدم فيها الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم كثير من التضحيات والدماء والشهداء ....
بعد أن تم الإتفاق بين الطرفين كانت الكتابة للبنود في صحيفة يوقع عليها الطرفان ....
فقال سهيل : اكتب هذا يا محمد وليشهد عليه رجال من صحبك ورجال من صحبنا .
النبي ﷺ أمي لا يعرف القراءة والكتابة كما كان أغلب العرب
وهذا لتمام معجزة القرآن العظيم .
فقال النبي ﷺ ادنو يا علي واكتب .
فكان الذي يكتب المعاهدة هو "علي بن أبي طالب"
رضي الله عنه والرسول ﷺ هو الذي يملي عليه الكلمات .
وهذه إشارة قوية إلى أن اليد العليا في المعاهدة كانت للمسلمين لأنهم هم الذين يملون المعاهدة ويكتبوها ....
فقال النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه : قال اكتب يا علي بسم الله الرحمن الرحيم .
فنهض سهيل و وقف
وقال :ومن الرحمن الرحيم هذا ؟؟
فوالله ما ندري ما هو : اكتب ما نعرفه نحن "باسمك اللهم"
فقال الرسول ﷺ نعم .
وقال لعلي امُحها يا علي واكتب باسمك اللهم .
فكتب علي باسمك اللهم
ثم قال النبي ﷺ اكتب يا علي هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله .
فاستوقفه "سهيل" مرة أخرى وقال : يا محمد لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك...
ولكن اكتب هذا ما تصالح عليه "محمد بن عبد الله" مع "سهيل بن عمرو"
يعني كيف نكتب في صحيفة أنك رسول الله ونوقع عليها ونحن لا نعترف بنبوتك ونقاتلك ونصدك عن البيت .
فقال النبي ﷺ إني رسول الله وإن كذبتموني .
امُحها يا علي واكتب هذا ما تصالح عليه "محمد بن عبد الله" مع "سهيل بن عمرو" .
وكان علي قد أتم كتابة محمد رسول الله .
فقال علي : لا والله لا امحوها
فقال النبي امحها يا علي واكتب كما قال سهيل .
فقال علي رضي الله عنه : والذي بعثك بالحق لا امحها واضطرب الصحابة من حولهم .
فأخذ النبي ﷺ الممحاة
وقال : يا علي أين هذه الكلمة . أرني مكانها ؟
فأشار له "علي رضي الله عنه مكان الكلمة فمحاها النبي ﷺ بنفسه .
هذا الموقف يدل على مرونة الحبيب المصطفى ﷺ لأن الأمور التي إعترض عليها "سهيل بن عمرو" أمور شكلية .
ليس هناك مخالفة شرعية في عبارة "باسمك اللهم"
ولا هناك مخالفة في كلمة "محمد بن عبد الله"
والنبي ﷺ يريد أن يمرر المعاهدة لأنها في صالح المسلمين ....
وهي نصر وفتح للمسلمين .
ولو توقف أمام هذه الأمور الشكلية تحت أي دعوى مثل المحافظة على كرامة المسلمين أو غير ذلك .
فلن يكون هناك معاهدة ولسارت الأحداث في اتجاهات أخرى غير التي خطط لها النبي ﷺ .
فمحاها النبي بنفسه .
وقال اكتب يا علي هذا ما تصالح عليه "محمد بن عبد الله" مع "سهيل بن عمرو" .
ثم نظر النبي ﷺ إلى علي وقال :
يا علي والذي نفسي بيده لتعطينا من نفسك مثلها يوماً وأنت على الحق .
أي سيكون لك يا علي نفس هذا الموقف وأنت على الحق .
ومضت الأيام وانتقل الحبيب المصطفى ﷺ إلى الرفيق الأعلى
ومضت خلافة أبو بكر الصديق و الفاروق وذو النورين رضي الله عنهم..... حتى جاءت خلافة "علي" رضي الله عنه و وقع الخلاف مع معاوية رضي الله عنه.... واشتد القتال حتى وصلوا لطاولة "التفاوض" فجاء إلى علي رضي الله عنه "عمرو بن العاص" للمفاوضة يمثل "معاوية بن أبي سفيان"
فعندما أرادوا أن يكتبوا الكتاب
قال علي للكاتب : اكتب هذا ما تصالح عليه "أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" مع "معاوية بن أبي سفيان"
فقال عمرو بن العاص : لا والله لو كنا نعلم أنك أميراً للمؤمنين ما قاتلناك ....
بل اكتب هذا ماتصالح عليه "علي بن أبي طالب" مع "معاوية بني أبي سفيان"
فبكى علي رضي الله عنه وجهش بالبكاء وهو يقول :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
وقال علي للكاتب : اكتب كما يريد .
والله لقد قالها لي النبي ﷺ ونحن في "الحديبية"
بعد كتابة المعاهدة كان هناك
ردود فعل من الصحابة رضي الله عنهم لم تحدث من قبل .....
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والستون بعد المائة 168
ردود فعل الصحابة رضوان الله عليهم على صلح الحديبية
كانت البنود كما قلنا لم ترضي أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ولم تكن بوحي من الله تعالى
فسورة الفتح نزلت فيما بعد
ولكن النبي ﷺ قبلها
كانت بنود صلح الحديبية أربعة وهي
البند الأول .
أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام ، على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة،
هنا صاح الصحابة رضي الله عنهم نرجع إلى مكة هذا العام ونحن محرمون وهدينا مقلد ومشعر لا ندخل ولا ننحر ؟؟
فقال النبي ﷺ يا سهيل وما عليكم لو خليتم بيننا و بين البيت ساعة من نهار . فنطوف بالبيت وننحر هدينا ؟
قال : سهيل لا تتحدث العرب أخذنا ضغطَّة "يعني انضغطنا غصب من عنا"
ترجع هذا العام بلا عمرة وترجع في العام القادم .....
فقال النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه : اكتب ....
هذا الذي افقد الصحابة صوابهم
كيف نرجع والنبي صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه أننا ندخل البيت آمنين ومحلقين ومقصرين .
والآن يوقع على بند على أن لا ندخل ؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يشير لهم بيده أن اصمتوا
فقام عمر رضي الله عنه وارتفع صوته بين يدي النبي ﷺ كيف نرجع محرمين ؟
فقام له ابو عبيدة بن الجراح
قال : يا عمر أيرضى رسول الله وتأبى ؟
فجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكن على غير رضا .
البند الثاني .
وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين
البند الثالث .
من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه .....
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
البند الرابع .
أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
ولا تعيد قريش من إرتد من المسلمين إلى المدينة .
أثار البند الأخير استياء وغضب ومعارضة جميع الصحابة رضي الله عنهم تقريباً
والسبب : أن النبي ﷺ لم يتمسك بأن تكون المعاملة بالمثل ....
فتقوم قريش برد من إرتد من المسلمين إلى المدينة .
ولكن النبي ﷺ كان لا يريد في الصف الإسلامي إلا المؤمنين فقط .
ووجود غير المؤمنين في المدينة يضعف المسلمين ويمكن أن يكون عينا لقريش .
وقد أوضح ﷺ وجهة نظره تلك للصحابة رضي الله عنهم
فقال لهم :
إن من ذهب منا إليهم "أي إرتد عن الإسلام ورجع" فأبعده الله
ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً .
"يعني الذي يترك الإسلام ويرتد ويعود إلى المشركين أبعده الله
ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً .
يعني سيكون هناك حل قريب لمشكلة هؤلاء نتيجة بنود صلح الحديبية .....
وهذا ما حدث بالفعل حيث تم فتح مكة بعد ذلك بعامين فقط
وبعد أن تم الإتفاق على بنود الصلح ....
وقبل أن يتم توقيع المعاهدة بين النبي ﷺ و "سهيل بن عمرو"
حدث أمر لم يكن متوقعاً زاد من هم الصحابة رضي الله عنهم وكربهم ....
"يعني بلغتنا زاد الطينة بلة"
عندما أرادوا التوقيع سمعوا ضجة في صفوف الناس فقام الرجال ينظرون ....
فقال النبي ﷺ لمن حوله ما الأمر ؟؟
وإذا هو رجل من قريش مقبل عليهم مسلماً وكان مستضعفاً في مكة حبسته قريش .
"أبو جندل" رضي الله عنه
من هو "ابو جندل" هذا ؟؟
هو ابن "سهيل بن عمرو"
"نعم هو ابن "سهيل" الذي يكتب المعاهدة الآن مع النبي ﷺ .
كان "أبو جندل" قد أسلم و أبوه "سهيل بن عمرو" قد قيده وحبسه في بيته حتى لا يهاجر إلى المسلمين في المدينة....
وكان أبوه "سهيل" يشرف عليه كل يوم حتى لا يتضامن ويتعاطف عليه أحد من الناس
وبخروج أبوه "سهيل" من مكة للمفاوضة كانت له فرصة واستطاع "أبو جندل" أن يهرب من بيت أبيه
ووصل لمعسكر المسلمين بالحديبية وهو مقيد بالأغلال
لأن مفتاح القيد كان مع أبوه "سهيل بن عمرو" الذي جالس يتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم..... وكان أبو جندل يسير ويرسف في أغلاله "يجر جنازير القيد" يرسف في أغلاله
فجاء به الصحابة رضي الله عنهم لمجلس النبي ﷺ
وعندما رآه أبوه "سهيل بن عمرو" وثب قائماً
قال يا محمد : هذا أول ما أقاضيك عليه "أبو جندل" على أن ترده الساعة معي .
والصحابة رضي الله عنه ينظرون ومضطربه قلوبهم من هذه المعاهدة ....
فأراد الحبيب المصطفى ﷺ أن يتدارك هذا الموقف .....
حاول ﷺ أن يجد مخرجا لهذا الموقف الحرج
فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا سهيل إننا لم نوقع الكتاب بعد فأعتبره سابقاً لها .
قال : لا والله يا محمد لا أقاضيك على شيء أبداً ....
[[ يعني أنا إذا ما أخذت معي "أبو جندل" ورجعته لمكة لن يكون هناك صلح .....
فقال له النبي ﷺ : إذآ فأجزه لي.
[[ يعني أعطه لي كرماً منك ]]
قال سهيل : ما أنا بمجيزه لك
فقال ﷺ : بلى تفعل يا سهيل .
قال سهيل : ما أنا بفاعل .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : بلى تفعل .
لأن النبي ﷺ يعرف معدن الرجال ويعلم أن سهيل رغم كفره رجل حيي .....
وعند فتح مكة قال لأصحابه إذا رأيتم سهيل بن عمرو لا تحدوا النظر في وجهه لأنه رجل حيي
وقد أسلم بعد فتح مكة رضي الله عنه واصبح من صفوف الصحابة رضي الله عنهم.
ولكن في هذا الموقف لم يقبل سهيل لأن القضية تتعلق بإبنه
ولم يكتف "سهيل بن عمرو" بذلك بل قام يضرب إبنه ضرباً شديداً
والمسلمون يشاهدون كل ذلك ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئا "لأبو جندل" .
ومما زاد من ألم المسلمين أكثر وأكثر أن "أبو جندل" أخذ يستغيث بالمسلمين وأخذ يصيح بأعلى صوته.....
"يا معشر المسلمين .
يا رسول الله : أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟
فقال له النبي ﷺ إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهداً ، وإنا لا نغدر بهم .
يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً .
كان هذا الموقف شديد الصعوبة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الصحابة رضي الله عنهم....
ولكن لم يكن أمام الرسول ﷺ إلا أن يتصرف هكذا .
لأن هناك معاهدة والمسلمون لا ينقضون عهودهم أبداً.
ومن شدة تأثر المسلمين بهذا الموقف ومن شدة اعتراضهم وعدم موافقتهم على هذا البند من الصلح قام "عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يتحمل هذا الموقف حين رأى "أبو جندل" يضربه أبوه....
والنبي ﷺ يرفض أن يأخذ "أبو جندل" في صفوف المسلمين عملآ ببنود المعاهدة .
فقام "عمر بن الخطاب" واقترب من "أبي جندل" وأخذ يقرب منه مقبض السيف حتى يأخذ السيف "أبو جندل" منه ويقتل أبوه
اقترب منه وخاطبه
وقال له : اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب ....
"يتكلم معه عمر رضي الله عنه ويقرب له مقبض السيف يعني خذه اقطع رقبته"
يقول عمر رضي الله عنه : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه .
وتم توقيع الصلح وأخذ سهيل إبنه "أبو جندل" ونسخة من كتاب الصلح ومع النبي ﷺ نسخة ....
انصرف "سهيل بن عمر" بإبنه المسلم "أبو جندل" وساد الحزن والكآبة على وجوه الصحابة رضي الله عنهم
ورأى النبي ﷺ ما على وجه أصحابه رضي الله عنهم من كدر وقهر وكآبة وثقل هذه المعاهدة على نفوسهم .
فقال : قوموا إلى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم يرحمكم الله .
كما جاء عند البخاري رحمه الله
فوالله ما قام رجل واحد إلى هديه ونحر ....
فنظر النبي ﷺ إلى وجههم
وقال : قوموا الى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم يرحمكم الله .
للمرة الثانية ....
فوالله ما قام رجل واحد "وذلك من ثقل الموقف"
فقال للمرة الثالثة
ألا تسمعون ؟ قوموا إلى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فوالله ما قام رجل واحد
وكأنهم لم يسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم من ثقل تلك المعاهدة .
فتركهم النبي ﷺ خشية أن يبقى مخالفة فينزل غضب الله عليهم
ملاحظة ...
الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يستجيبوا للنبي ﷺ .
ليس عصيان رضي الله عنهم
حال الصحابة بعد توقيع هذا الصلح كانوا مذهولين
يعني إنسان صابه الحزن والكآبة ....
مثل المضروب على رأسه...
كانوا يحلمون بالطواف حول الكعبة والعمرة .
وحادثة أبو جندل وكيف ضربه أبوه وأرجعه لمكة وبنود الإتفاق
جعل من الصحابة رضي الله عنهم مذهولين لا يسمعون .
أمر الرسول ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بالنحر فما قام منهم أحد ....
فتركهم ودخل خيمة أم المؤمنين "أم سلمة رضي الله عنها" وكانت تصحبه في هذه الرحلة .
فلما دخل كان مغضباً ....
وكان إذا غضب عرف ذلك الغضب في وجهه ﷺ ....
تحمر عيناه ويسطع وجهه نوراً وتحمر وجنتيه كأنه فقيء في وجهه حب الرمان .
أي نور وجهه مع بياضه منقط باللون الاحمر ﷺ .
دخل خيمته ﷺ وهو يقول :
إنا لله وإنا إليه راجعون لا حول ولا قوة إلا بالله .
فقالت أم سلمة بأبي وأمي أنت ما الأمر ؟
قال هلك المسلمون .
قالت : وما أهلكهم ؟
قال أمرتهم فلم يأتمروا .
أخاطبهم وهم ينظرون إلى وجهي ويسمعون كلامي فلا يقوم منهم أحد .
فقالت أم سلمة رضي الله عنها
بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
إنك تعلم كم حمَّلت أصحابك في هذا الصلح فوق ما يطيقون أو كانوا يريدون .
فكأنما أصابهم "الذهول" فلم يسمعوا قولك .
قالت : إن شئت أن لا يتأخر عنك أحد ولا يخالفك .
فأخرج انت بأبي وأمي فانحر هديك وأحلق رأسك دون أن تكلمهم .
فوالذي بعثك بالحق لن يتخلف عنك واحد .
فجلس النبي ﷺ حتى زالت معالم الغضب من وجهه
ثم اضطبع برداءه .....
"والإضطباع يعرفه الحاج والمعتمر أن يكشف كتفه الأيمن فيجمع طرفي ردائه على كتفه الشمال"
فاضطبع بردائه ثم خرج .
ثم جاء إلى حربة مركوزة أمام خيمته فأخذها وتوجه صامتاً لم يكلم أحداً إلى هديه لينحر ...
ثم قال بأعلى صوته والصحابة يسمعون
بسم الله ، الله اكبر .
فلما رأوه الصحابة وثبوا من مكانهم مسرعين حتى ركب بعضهم فوق بعض ...
وهم يقولون : الله اكبر . رسول الله ينحر ونحن جلوس ؟
ودعا حالقه فحلق له وحلق الصحابة رضي الله عنهم
يقول راوي الحديث : حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ....
"يعني كان كل واحد من الصحابة يحلق للآخر و نفوسهم مضطربة وهم في غم وغضب ....
لدرجة أنهم كادوا يصيبون بعضهم بعضاً وهم يحلقون .
انتهت هذه الأزمة الكبيرة والمؤقتة بفضل الله عز وجل
ثم حكمة أمنا "أم سلمة" رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ .
ومن هنا جاء "حكم المحصر"
فكما قلنا أن المسلمين قد أحرموا من "ذي الحليفة" وساقوا معهم عدد كبير من الهدي .
و الهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقرباً إلى الله تعالى.
وهو مستحب....
والذي يذهب لأداء العمرة ثم لا يستطيع أن يدخل مكة
لأي سبب يقال عنه أنه "محصر" وينبغي عليه في تلك الحالة أن ينحر الهدي ويتحلل من إحرامه في المكان الذي احصر فيه وقد وقع أجره على الله.....
تعتبر له عمرة وإذا كان حاجاً يعتبر له قد حج .
تم الصلح ونحر الهدي وتحللوا
ولكن نفوس الصحابة رضي الله عنهم لم تطب بعد وعلى رأسهم "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه .
وكلنا نعرف من عمر والنبي ﷺ يثني على عمر ويقول إن الشيطان ليهابك يا عمر . وسماه المحدث الملهم .
قال لقد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون "أي ملهمون من قبل الله" إن يكن في أمتي فعمر .
عمر رضي الله عنه لم يعجبه هذا الصلح فإلى من يفشي سره وعدم رضاه ؟؟
لم يثق إلا بأبي بكر الصديق
فدخل على أبي بكر في خيمته
قال : يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟
قال . بلى .
قال . أليس نبينا نبياً حقاً ؟
قال . بلى .
قال . أليس ما ينطق عن الهوى ؟؟
قال . بلى
قال . ألم يخبرنا في المدينة أننا ندخل البيت مطمئنين محلقين ومقصرين .
قال . بلى
قال . فلم لم يتم ذلك ؟؟
فقال أبو بكر يا عمر إنه رسول الله حقاً .
فالزم غرزه حتى تموت "أي موضع قدمه" واتهم نفسك ورأيك ....
ثم لا والله لا أدعك ياعمر حتى تقوم معي الآن .
"وأخذ بمجامع ثوبه" حتى تقوم معي الآن وأجلسك بين يدي رسول الله وتسمعه ما أسمعتني
فأخذه بمجامع ثوبه ودخل به على خيمة النبي ﷺ
وقال : يارسول الله بأبي أنت وأمي اسمع ما يقول عمر ؟
وسكت أبو بكر .
فأعاد عمر رضي الله عنه العبارات نفسها .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : والله إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، لقد اخبرتك أن ندخل البيت محلقين ومقصرين ....
ثم أخذ النبي ﷺ بمجامع ثياب عمر وجذبه إليه...
وقال أقلت لك أنك تأتيه هذا العام ؟
قال . لا
فقال له النبي فإنك آتيه ومتطوف به إن شاء الله .
ولم تكن سورة الفتح قد نزلت بعد حتى يتلو عليهم النبي صلى الله عليه وسلم منها آية .
فسكت عمر رضي الله عنه واتهم نفسه ورأيه ورضي برأي النبي ﷺ .
وفي الطريق إلى المدينة نزلت على النبي ﷺ "سورة الفتح .
فإذا بالصحابة رضي الله عنهم بالطريق يصيحون يوحى إلى النبي ، يوحى إلى النبي .
صلى الله عليه وسلم
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه في تلك اللحظة .
قال : فأحسست أن قلبي يخرج من حلقي وقلت "ويل أمك يا عمر" لقد أنزل الله بك قرآن يتلى إلى قيام الساعة .....
من أنت ياعمر حتى تخالف رأي النبي ﷺ ؟؟
وقلت : فتح لي باب من النفاق
فمازال الناس ينادون يوحى لرسول الله يوحى لرسول الله حتى سمعت صوتاً ينادي .
أين عمر ؟؟ أين عمر ؟؟
أجب رسول الله يا عمر وقد توقف الناس ونزلوا عن رواحلهم ....
فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يقول عمر رضي الله عنه فوالله ما حملتني رجلاي .
وقلت "ليت أمك لم تلدك يا عمر ، ليت أمك لم تلدك يا عمر"
فمشيت الهوينة حتى أتيت النبي ﷺ فرأيت وجهه مشرقاً ليس به علامات الغضب .
فنظر إلي وابتسم وقال لي أقبل يا عمر .
قال : فأقبلت
فقال لي لقد أنزل الله علي سورة هذه الساعة أحب إلي من الدنيا وما فيها وأحب الي مما طلعت عليه الشمس .
وعندما تلاها علي جبريل قال لي هنيئاً لك يا محمد .
فقلت له : هنيئاً لك يا رسول الله .
فقرأ عليهم النبي ﷺ سورة الفتح .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)
فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
بشر الله نبيه والمؤمنين بفتحين وليس فتح واحد .
لأنهم لو دخلوا الآن هل يكونون آمنين على أنفسهم ؟
قد يكونون بالطواف فتغدر بهم قريش ويحيطون بهم ويقتلونهم .
اذآ لن يكونوا آمنين والله يريد أن يكونوا آمنين
لَا تَخَافُونَ .
الصحابة خايفين في غيابهم من غزو "يهود خيبر" على المدينة .
فأكثر المقاتلين الآن مع رسول الله .
فكانوا في طريقهم للعمرة وقلوبهم على أهلهم في المدينة .
فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا .
أي كانت يهود خيبر تريد غزو المدينة
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
حتى ما تضيعوا وقتكم وترجعوا فوراً للمدينة لتقضوا على يهود خيبر الذين كانوا يكيدون للمسلمين وغزو المدينة .
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
أي سترجعون للمدينة الآن وتفتحون خيبر فكان هذا الفتح القريب ....
بشرهم الله بفتح خيبر
ويأتي بعده الفتح الثاني وهو فتح مكة .
قرأ النبي الآيات وسمعها عمر رضي الله عنه وحمد الله أن ليس فيها أدنى إشارة لموقفه .
وليس فيها طعن ولا لمز له .
ومع ذلك كله مازال عمر يخاف ذلك اليوم الذي علا فيه صوته بين يدي النبي ﷺ .
حتى وهو على فراش الموت يسأل حذيفة بن اليمان "حافظ سر النبي الذي أخبره النبي ﷺ عن أسماء المنافقين"
يبكي عمر رضي الله عنه قبل موته .... ويقول لحذيفة أنشدك الله يا حذيفة هل ذكر رسول الله اسمي في المنافقين .
ويضع خده على التراب وهو في النزع ويمرغ خده بالتراب
وهو يقول . ويلٌ لعمر إن لم يغفر له رب عمر .
رضي الله عنه وأرضاه
كيف كان هذا الصلح وبالاً على قريش وماذا حدث بعدها .
هذا ما سنعرفه بالأجزاء القادمة
بمشيئة الله تعالى...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٣٠/٦/٢٠٢١ ١١:١٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والستون بعد المائة 169
قصة الصحابيين أبو بَصير و أبو جَندل رضي الله عنهما .
وهجرتهما إلى المدينة المنورة .
رجع الحبيب المصطفى ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم إلى المدينة المنورة بعد صلح "الحديبية"
وكان ختامها نزول سورة "الفتح" فجلت الغمة عن ما بقي في نفوس الصحابة رضي الله عنهم
وعلموا بنص قرآني صريح أن صلح الحديبية هو فتح .
مضى ﷺ تاركاً تلك الشجرة التي تمت البيعة تحتها .
ماذا حدث لتلك الشجرة ؟؟
في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بلغه أن الحاج والمعتمر يعرجون على "الحديبية" فيجلسون تحت تلك الشجرة فيتبركون بها .
فقال عمر رضي الله عنه: الله ، الله .
أخشى أن تعبد بعدي من دون الله .
"شجرة تمت البيعة تحتها وانتهى الأمر" فأمر أن تقطع وذهب إليها بنفسه وقطعها .
يقول "سعيد بن المسيب" رحمه الله من كبار التابعين .
قال : حدثني أصحاب النبي ﷺ .
قالوا بعد أن قطعها عمر رضي الله عنه نُسينا طريقها .
فوالله ماعاد رجل فينا يعرف أين مكانها ؟
"حتى لا تكون فتنة على المسلمين"
وسميت شجرة "الرضوان" ومنذ عهد عمر إلى يومنا هذا لا أحد يعرف :
هل كانت هنا ام هنا ام هناك ؟
أما نتائج هذه المصالحة .
فكان من بنودها أن يردوا من جاء من قريش مسلماً .
ولم تمضي إلا بضع أيام "أقل من اسبوعين "
جاء رجل من مكة إلى المدينة "أبو بصير"
"أبو بصير" كان من ثقيف ولكنه كان يعيش في مكة .
"يعني ليس من صميم قريش من ثقيف الطائف ولكن يقيم في مكة"
وقد أسلم "أبو بصير" وتعرض للتعذيب الشديد من أهل مكة .
ثم استطاع الهرب منهم واتجه إلى "المدينة" مشياً على الأقدام .
فلما وصل للمدينة المنورة ودخل المسجد والنبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم من حوله .
فسلم وردوا عليه السلام ورحب به النبي ﷺ .
ثم قال ما أقدمك يا أبا بصير ؟
قال حب الله ورسوله .
يعلم "أبو بصير" أنه الآن واقع بين أمرين أحلاهما مر .
١- إما أن لا يقبله النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له ارجع من حيث أتيت .
٢- أو ينتظر رسل قريش فيسلمه إليهم وفاء منه بالمعاهدة .
ومع ذلك يخرج هارباً من سجنه وقاطعاً مسافة 470 كم مشياً على قدميه وليس معه غير حفنة من تمر .
وإذا وجد ماء في الطريق شرب .
فدخل هزيلاً مغبراً متعباً من السفر .
ومن مكارم أخلاق النبي ﷺ لا يقول له ارجع من حيث أتيت .
قال ﷺ : ما أقدمك يا ابا بصير ؟؟
قال : حب الله ورسوله
قال له النبي ﷺ ثبَّتَ الله محبة الله ورسوله في قلبك اجلس يا أبا بصير .
فما هو إلا يومين وإذا برسل قريش تأتي ....
أرسلت اثنين من الرجال لإحضار "أبا بصير"
رجل اسمه "خنيس بن جابر العامري" من بني عامر .
كان لا يعرف الطريق إلى المدينة فأرسلت معه قريش رجل يدله على الطريق اسمه "كوثر" وكان دليل معه يعرف الطريق .
ومعهما كتاب من "ابو سفيان" و "سهيل بن عمرو" يطلبان فيه من النبي ﷺ رد "أبا بصير" إلى قومه .
وكان النبي ﷺ بالمسجد ومعه "أبو بصير"
فأعطوا النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب فدفعه إلى رجل من الصحابة ليقرؤه و "ابو بصير" يسمع نص الكتاب .
أما بعد : إلى محمد بن عبد الله .
قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أصحابنا .
فابعث إلينا بصاحبنا .
فالتفت النبي ﷺ إلى "ابا بصير" وتعلوه إشراقة ونور وابتسامة ليس عابساً ولا غاضب .
فقال أبو بصير فوراً يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني عن ديني ؟
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ يا "ابا بصير" إنا قد أعطينا القوم واعطونا .
واشهدنا بيننا وبينهم ، وإن ديننا لا يأذن لنا بالغدر فلا بد أن نوفي بعهدنا .
فأرجع مع صاحبيك الى قومك . وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً .
قم يا "ابا بصير" فأرجع مع القوم .
فقام أبو بصير ولكنه على مضض وعلى كره بعد أن تشرف بالمدينة المنورة .
ومجلسه مع الصحابة والنبي ﷺ .
أيرجع الآن إلى بلاء قريش وتعذيبهم ؟؟
خرج ولكن الإيمان يضطرب بين جنبيه .
ودع النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم وانطلق معهم في أول النهار .
اضطر النبي ﷺ إلى تسليم "أبو بصير" إلى هذين الرجلين من قريش كما فعل مع "أبو جندل"
ومرة أخرى كان هذا الموقف الصعب جدا على النبي ﷺ وعلى صحابته الكرام رضوان الله عليهم جميعاً .
في طريق العودة وما أن وصلوا عند "ذي الحليفة" ميقات أهل المدينة .
كان قد دخل وقت الظهر ....
فاستاذنهم "ابو بصير" أن يصلي فقد حان وقت الظهر .
قالوا . أجل وهو وقت راحتنا أيضاً .
طبعاً في هذه الأيام قضى أيامه يحفظ فيها من القرآن ما حفظ .
وتعلم من الفقه ما تعلم .
فكانت أحكام كثيرة قد شرعت خلال 6 سنوات في المدينة لم يعلم بها أهل مكة .
فتعلم صلاة قصر المسافر وهو مسافر فقام وصلى ركعتين .
ثم أخرج جراب فيه تمر ودعاهم للطعام .
فأخرجوا سفرتهم واشتركوا معه في طعامهم وجلسوا يأكلون ثلاثتهم .
وبعد أن فرغوا من الطعام قام "كوثر" الدليل ليقضي حاجته وابتعد .
وبقي خنيس وأبو بصير فأخذ خنيس يحدث أبا بصير
وسبحان الله "كل إناء بالذي فيه ينضح"
شعر بنفسه أنه قام بعمل كبير وهو الآن لم يصل لقريش و سيدخل مكة مفتخراً .
و كيف استطاع أن يرد فاراً .
هكذا نفوس الناس فلم يصبر حتى يصل لمكة .
فأراد أن يغيظ ابا بصير ...
وفي أول الطريق أخرج "خنيس" سيفه ثم أخذ يُقلبه ثم رفعه وأخذ يهزه في وجه "أبو بصير"
ويقول له مفتخراً . اي ابا بصير .
لأضربن بسيفي هذا يوماً الأوس والخزرج "أي أصحاب محمد" حتى يدخل الليل [[ يعني طول النهار ، وكلامه كان استفزاز ]]
فقال له أبو بصير : وهل سيفك هذا صارماً الى هذا الحد ؟
وهل يثبت قائمهُ في يدك طوال نهار حتى يدخل الليل ؟؟
فقال . أجل والله إنه لجيد لقد فعلت به كذا وقتلت به كذا انت لا تعرفه .
فقال أبو بصير . أتأذن لي أن أنظر إليه ؟
قال : أجل خذه فأنظر .
"وهكذا إذا أراد الله أمراً هيأ له الأسباب"
فمن غرور ذلك الفاسق ناوله السيف .
فأخذ "أبو بصير" السيف وأخذ يقلبه بين يديه ينظر إليه .
ثم مكَّن يده من قبضته ثم أطاح به حتى أبرده .
أي قتل خنيس العامري حتى أبرده .
وعاد الرجل الآخر "كوثر" الدليل فوجد صاحبه مقتولا .
فأصابه الذعر "وكاد يفقد عقله"
فجعل طرف ثوبه بين أسنانه وأخذ يجري ...
فنظر إليه أبو بصير رضي الله عنه وأخذ يضحك فهو لا يريد قتلهما يريد الفكاك فقط .
وبكل هدوء أتم "أبا بصير" جمع متاعه وأخذ راحلة المقتول وركبها وتوجه للمدينة بكل هدوء .
أما "كوثر"
مازال يجري من ذي الحليفة حتى وصل المسجد النبوي يعني حوالي 13 كم تقريباً
وكان النبي ﷺ قد فرغ من صلاة العصر وجلس يحدث أصحابه رضي الله عنهم
"ولم يكن للمسجد باب يغلق .
رأوه من بعيد مقبل ولم يعرفوا من هذا الرجل ....
فقال لهم النبي ﷺ إن هذا الرجل قد رأى ذعراً .
لماذا اتجه للمدينة وهو مرعوب هذا الرعب كله ؟؟ لأنه علم أنه لن يجد رحمة مثل التي عند الحبيب المصطفى ﷺ .
قال ﷺ إن هذا الرجل رأى ذعراً .
فلما دخل عليهم عرفوه ....
فانطلق مزعوراً مرعوباً حتى جلس خلف كتفي النبي ﷺ وهو يصيح ويقول مستجيرٌ بك يا محمد .
قال له النبي ويلك ما الأمر ؟
قال : واللات قد قتل صاحبكم صاحبي .
وهو قاتلي وأنا مستجيرٌ بك يا محمد .
فأمنه النبي ﷺ وأجلسه واسقاه الماء حتى زال عنه الرعب .
جاء "أبو بصير" رضي الله عنه وأرضاه بكل هدوء يركب بعير الرجل المقتول "خنيس"
فأناخ البعير بباب المسجد ودخل وسلم والنور يشرق من وجهه .
وقال . السلام على رسول الله .
قال ﷺ وعليك السلام .
قال . يا نبي الله !
أما أنت قد أوفى الله ذمتك و قد رددتني إليهم .
ثم أنجاني الله منهم واعتصمت بديني ورجولتي ولا حرج عليك .
وهذا سلب المقتول "وضع سيف المقتول والترس والمتاع والناقة"
هذا سلب المقتول أضعه بين يديك .
فقال النبي ﷺ يا ابابصير إني إذا خمسته "أي اعتبرته غنيمة" رأوني قريش لم أوفى لهم بالذي عاهدتهم عليه .
ولكن شأنك بسلب صاحبك اذهب حيث شئت ولا تقم في المدينة .
اذهب واختر أي مكان اهرب فيه أنت حر ولا تقيم في المدينة .
فقال أبو بصير رضي الله عنه يا رسول الله أعطني رجالاً أفتح لك مكة .
فالتفت النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم
وقال : ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال .
ويل أمه كلمة مدح عند العرب
يعني ويل أمه على هل الخلفة مخلفه رجل بكل بمعنى الكلمة
مسعر حرب : يقدر يشعل حرب ويوقع فيهم الرعب .
بس لو كان مع رجال حوله
سمع "أبو بصير" العبارة : وهو صاحب بصيرة رضي الله عنه .
ففهم هذه العبارة وعاهد نفسه أن يكون كذلك .
فاستأذن "أبو بصير" وودع النبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم وخرج لا أحد يدري أين توجه ؟؟
أما الدليل "كوثر" فأمنه النبي ﷺ مع رجلين من أصحابه حتى لا يعتدى عليه في الطريق حتى أوصلوه إلى أطراف مكة .
ودخل وأخبر قريش بالذي حدث .
فقام "سهيل بن عمرو" .
قال ماهذا الذي عاهدنا محمد عليه . لقد نقض محمداً عهده .
فقام له أبو سفيان ولأول مرة من بداية السيرة يقول أبو سفيان حقاً وصدقاً ويلهم رشداً .
فقال أبو سفيان وما على محمد ؟
"ما علاقة محمد".اذ دفع صاحبكم إلى رسلنا .
ولكن الرجل قد قتل صاحبكم ولم يكن بإذن محمد .
وهذا هو "كوثر" يقول لكم لم يقبله في مدينته بل أخرجه منها .
فماذا تريدون من محمداً أكثر من هذا ؟؟
فأسند "سهيل بن عمرو" ظهره لباب الكعبة .
وقال ورب هذا البيت لا أرفع ظهري عن بابها حتى تدفع دية صاحبي .
فقال له ابو سفيان ومن يؤدي ديته لك ؟
قال . أنتم .
قال : نحن لم نأمر بقتله ولم نختره رسولاً .
أنت الذي إخترته .
قال . إذن يؤديها محمد .
قال أبو سفيان . إنه للسفه . وما على محمد من ديته ؟
وقد قتله رجل منا كان طريداً لم يقبله محمداً في صحبه .
ثم أخذ بمجامع ثياب "سهيل" وانتزعه عن الكعبة وأبعد ظهره عن بابها .
وصرخ به و قال : اصرف عنا هذا البلاء .
فلم تدفع دية القتيل لا من قريش ولا من النبي ﷺ .
وارتضت قريش بما جرى .
ويكفيهم أن محمد ﷺ قد سلمه ولم يقبله بين أصحابه رضي الله عنهم في المدينة وففى بعهده .
وكان "أبو بصير" قد إتجه واختار موقعا حساساً
"حتى يعمل فيه بنبوءة النبي ﷺ مسعر حرب لو كان معه رجال"
إتجه إلى منطقة "العيص" على بعد 220 كم تقريباً من المدينة .
وهي في طريق تجارة قريش إلى الشام .
وظل "أبو بصير" رضي الله عنه في هذا المكان وكلما مرت به قافلة من "قريش" إعترضها وقتل منها ....
وأخذ من غنائمها ما استطاع
وسمع به المسلمون المستضعفون في "مكة" وعرفوا مكانه .
فأخذوا يهربون واحدا وراء الأخر ويتوجهون إليه
وكان ممن لحق به "أبو جندل" حتى تجمع مع "أبي بصير"
وكانت مجموعة قوامها 70 رجلاً
ولما حضر "أبو جندل" .
قال له : "أبو بصير" يا أبا جندل أنت أميرنا وإمامنا ، نصلي وراءك ونقتدي بأمرك .
وأخذوا يهاجمون قوافل "قريش" التي تمر بهذه المنطقة وهي طريق تجارة قريش الرئيسي إلى الشام .
ما تحركت لقريش تجارة إلا نهبوها .
ولا مر فيهم راكب إلا قتلوه .
سمع العرب بذلك ...
فخرج أيضاً إليهم مستضعفين من المسلمين من قبائل العرب من حولهم حتى بلغ عددهم عدة أهل بدر 313 أميرهم أبو جندل ابن "سهيل بن عمرو"
جن جنون قريش ماذا نفعل ليس لهم حل .
قوم بين الجبال والساحل وليس لهم مقر .
ماذا نفعل لهم وقد تمكنوا من قطع تجارة قريش فأرهقوها .
هذا كله قبل أن يمضي عام على الصلح ..... شهران فقط .
ألم يقل لهم الصادق الأمين ﷺ إن الله سيجعل لكم فرجاً ومخرجاً .
اجتمعت قريش و اختارت "أبا سفيان" ومعه رهط من قومه وفداً إلى رسول الله ﷺ إلى المدينة .
ومعهم كتاب موقع من "سهيل بن عمرو" والشهود الذين كانوا معه في يوم صلح الحديبية .
جاء أبو سفيان يرجو النبي ﷺ ويناشده الله والرحم .
يقول له : انشدك ربك والرحم الذين بيننا إلا قبلت رجاءنا يا محمد .
قال : وماهو طلبكم ؟
قال : أن تأوي إلى جماعتك "ابو بصير" و "ابو جندل" وكل من أراد أن يهاجر .
وامسح هذا البند من الصلح بيننا ....
فنظر النبي ﷺ في وجه أصحابه رضي الله عنهم وقال لهم على سمع أبو سفيان .
قال: أرأيتم حين رضيت وأبيتم ؟
فقبل النبي ﷺ : وكان هذا من صالح المسلمين .
ثم أمر أحد أصحابه أن يكتب كتاباً وبحضور "أبو سفيان"
أمر أن يكتب إلى "أبي بصير" و "أبو جندل" أن يقدما إلى المدينة ومن معهم من المستضعفين .
ورجع أبو سفيان إلى مكة .
وانطلق الرسول بكتاب النبي ﷺ إلى "أبي بصير" و "أبي جندل" بالساحل .
فما أن وصل حامل الرسالة وإذا "أبا بصير" قد حضره الموت رضي الله عنه وأرضاه
فقيل له يا أبا "بصير" هذا كتاب رسول الله .
فأخذ الكتاب وقبله و وضعه على عينيه ثم قرأ الكتاب وهو يجود بنفسه .
وهو يقرأ الرسالة ويردد "الصلاة والسلام على رسول الله"
وفاضت روحه رضي الله عنه وهو يقرأ ....
وقع الكتاب على صدره ....
فأمر أبو جندل أن يجهز "أبو بصير" فجهزوه و صلوا عليه ودفنوه في موقعه .
وانطلق أبو جندل و من معه إلى مدينة الحبيب المصطفى ﷺ
هذه نبوءة النبي ﷺ حين قال لأبي جندل .
يا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجا .
يتبع إن شاء الله "غزوة خيبر"
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[١/٧/٢٠٢١ ٧:١٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السبعون بعد المائة 170
غزوة خيبر أسبابها .
تحدثنا عن صلح الحديبية الذي كان في شهر "ذي الحجة" من السنة السادسة من الهجرة .
وبعد 20 يوماً فقط من صلح الحديبية وفي شهر "محرم" من السنة السابعة من الهجرة قام ﷺ بغزو اليهود في "خيبر"
ما هي خيبر
شمال شرق المدينةالمنورة وتبعد عنها مسافة 165 كم تقريباً
و "خيبر" كلمة من لغة اليهود معناها "الحصن" لأن فيها حصون ....
هي عبارة عن مجموعة حصون واليهود يعيشون داخل هذه الحصون ولذلك كان يسميها البعض "خيابر" صيغة الجمع
فيها 10 آلاف مقاتل وكانت أكبر مكان يتجمع فيه اليهود....
في المدينة كان من اليهود ثلاث قبائل فقط ورد ذكرها لكم بالتفصيل :
١- بني قينقاع ... وقد نقضوا العهد .
وقد أجلاهم النبي ﷺ بعد قيامهم بالإعتداء والتحرش بعرض إمرأة مسلمة .
و قتل رجل مسلم قام بالدفاع عنها .
٢- بني النضير .... نقضوا العهد .
وقد أجلاهم أيضاً النبي ﷺ بعد نقضهم العهد و محاولتهم قتل النبي ﷺ...
٣- بني قريظة .... نقضوا العهد .
بعد خيانتهم ونقضهم العهد وانضمامهم للأحزاب في حربهم ضد المسلمين .
وطلبوا أن يحكم عليهم سعد بن معاذ رضي الله عنه
وكان حكم "سعد بن معاذ رضي الله عنه" عليهم
بقتل رجالهم وسبي نسائهم وأموالهم.
وحكم عليهم "سعد" بحكم الله تعالى من فوق سبع سماوات
فكان الجزاء من جنس العمل .
اليهود الذين أجلاهم النبي ﷺ الكثير منهم إتجه نحو خيبر .
فأصبحت "خيبر" وكر للدسائس
فاليهود الآن مركزهم الثقلي في "خيبر" ويمتدون لتيماء وتبوك .
أما بالنسبة لليهود سكان "خيبر" فلم يظهروا العداء للمسلمين .
حتى نزل فيهم كبار اليهود الذين أجلاهم النبي ﷺ عن المدينة .
كانوا كلهم حقد وكراهية للإسلام وللمسلمين وللنبي ﷺ .
وكانوا يرغبون بالعودة إلى الديار في المدينة المنورة التي أجلاهم عنها النبي ﷺ .
فمنذ أن نزلوا في "خيبر" أصبحت هي وكر الدسائس والمؤامرات وإثارة الحروب ضد المسلمين ....
من خيبر خرج وفد اليهود لحشد قريش والأحزاب لغزو المدينة "وقد ذكرناها"
فكانوا هم من يكيدون للنبي ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم
وقد ذكرنا لكم كيف أن النبي ﷺ بعد غزوة الأحزاب أرسل السرايا لتأديب القبائل العربية حول المدينة الذين شاركوا الأحزاب في غزوهم المدينة .
والنبي ﷺ كما تعلمنا من السيرة هو "النبي القائد" صلى الله عليه وسلم...
لم ينسى ما فعلوه أهل "خيبر" بحشدهم الأحزاب ومؤامرتهم لغزو المدينة .
لماذا بعد غزوة الأحزاب لم يجيش النبي صلى الله عليه وسلم جيش لغزو خيبر على الفور وهي التي كانت رأس الأفعى ؟؟
لأنه في ذلك الوقت لم يكن ممكناً غزو "خيبر"
و لأن النبي ﷺ كان مشغولاً بحربه مع قريش ولم يكن يريد أن يفتح جبهتين للمواجهة في نفس الوقت ...
فكان ﷺ يخشى أن تباغت قريش المدينة إذا خرج لحرب "خيبر" وخصوصاً أنه معروف أن خيبر مدينة حصينة جداً وأعداد اليهود بها كبيرة .
"يعني محاربة خيبر ، وفتحها ستأخذ وقت طويل"
فأجل حرب ملف "خيبر" حتى تأتي الفرصة المناسبة .
بلغه ﷺ بعد صلح الحديبية أن اليهود لم يرق لهم هذا الصلح الذي أبرم بين النبي ﷺ وبين قريش .
فقد كانت اليهود تعتمد على قريش في معاداة النبي ﷺ وحربه ...
وسعت اليهود لتحريض قريش على نقض الصلح .
بلغ النبي ﷺ ذلك ولكن قريش رفضت نقض الصلح .
إذآ إذا فشلت يهود بإقناع قريش اليوم ستنجح غداً
ولعل اليهود إذا فشلت مع قريش في إقناعها نقض عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم فربما تسعى لغيرها من القبائل للتحريض على الرسول ﷺ ولغزو مدينته .
فهل ينتظر نبينا ﷺ يهود "خيبر" أن يجيشوا له الأحزاب مرة أخرى ثم يأتون إلى المدينة لغزوها .
وهو الذي يقول ﷺ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .
فبعد 20 يوماً من صلح الحديبية وعلى الفور كان قرار النبي ﷺ التوجه لخيبر .
لماذا بعد صلح الحديبية وبهذه السرعة ؟
١- أمن النبي ﷺ جانب "قريش"
ألم نذكر أن بنود الصلح 4 منها هدنة لمدة 10 سنوات بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش من غير حروب.
٢- مواجهة خيبر لا بد منها على الفور ليحصل استقرار الدولة الإسلامية .
٣- خبر صلح الحديبية لم يعجب اليهود .
وبلغه ﷺ أنهم يفكرون بغزو المدينة عند ذهابهم للعمرة( عمرة القضاء )
"ألم يكن في البند أن يرجع المسلمين هذا العام ولا يطوفون بالبيت ويأتون في العام القادم .
وتترك لهم قريش الكعبة .
فأخذ يهود خيبر يخططون لغزو المدينة عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للعمرة في العام القادم .
٤- نبينا ﷺ كان لا يأمن أن تنقض قريش بنود صلح الحديبية .
فأراد أن يكسب هذه الهدنة في التخلص من اليهود .
وعندما أراد ﷺ الخروج لخيبر كره خروج المنافقون معه إلى حربها .
السبب
لأن وجود المنافقون في الجيش يضعف الصف الإسلامي .
ولأن هناك علاقة حميمية بين "المنافقون وبين اليهود" منذ كان اليهود موجودون في المدينة .
ولذلك فلا يأمن أن يكون وجود المنافقون في الجيش عيونا لليهود داخل الجيش المسلم ؟
والنبي ﷺ يعرف المنافقين
بدليل أنه ﷺ أعطى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه "أسمائهم " وقال له لا تخبر أحداً.
و وصاه إذا رأيت من يستخلفني من بعدي "أي الخلفاء الراشدين" أراد أن يستخدم رجل منهم فأنصحه ....
"فنحن لنا الظاهر . والله يعلم السرائر .
لعل هذا المنافق يوما ما يتوب . فالهداية من الله سبحانه وتعالى
فلم يفضح النبي ﷺ المنافقون في حياته....
لذلك أعلن النبي ﷺ ألا يخرج معه في الجيش إلا من شهد "الحديبية فقط"
وبذلك ضمن ﷺ ألا يخرج في الجيش إلا المؤمنون فقط .
لأن الله تعالى شهد لمن بايع بيعة "الرضوان" بالإيمان
قال تعالى
لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
وخرج ﷺ بجيش قوامه 1400 رجل من الصحابة رضي الله عنهم من أصحاب الإيمان الخالص لله تعالى..
وعندما خرج النبي ﷺ من المدينة متوجهاً لخيبر جاء وفد إلى المدينة من أهل اليمن كانوا قد أسلموا ....
وكان معهم شاب نحيل لم يتجاوز 30 عام "عبد الرحمن بن صخر " رضي الله عنه...
وكانت تبدو عليه ملامح الفقر والبؤس الشديد .
وكانت له هرة صغيرة يحملها على كتفيه يطعمها ويعطف عليها
هل عرفتم من هذا الشاب ؟؟
إنه "أبو هريرة" رضي الله عنه وأرضاه .
هذا "أبو هريرة" الذي جاء مسلماً
كان أكثر صحابي نقل حديث النبي ﷺ على وجه البرية .
والذي لا يخلو كتاب يتحدث عن الإسلام من ذكر كنيته الشهيرة "أبي هريرة"
لم يصحب الرسول لأكثر من 4 سنوات فقط .
من أصل 23 سنة من عمر الدعوة الإسلامية
حفظ عن النبي ﷺ في هذه الفترة كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم....
وكان من أهل الصفة .
"أهل الصفة من فقراء المدينة كانوا يجلسون عند الصفة .
وكان النبي ﷺ يعطف عليهم كثيراً ودائماً ينفق عليهم مما أفاء الله عليه .
لذلك لزم النبي ﷺ وحفظ من الأحاديث الكثير ...
كان لطيفاً جداً وخلوق ومرح صاحب دعابة ....
وكان النبي ﷺ يحبه ويناديه "أبا هر"
ظل ملازما للنبي ﷺ لا يفارقه أبداً وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة 47 عام
رضي الله عنه وأرضاه
جاء "أبو هريرة" إلى المدينة مؤمناً مهاجراً وكان المسلمون قد خرجوا إلى "خيبر"
فصلى الصبح في المدينة ثم لحق بالمسلمين في "خيبر "
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 05:13 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة 171
الخروج إلى خيبر .
خرج ﷺ إلى "خيبر"
وكان معه 1400 مقاتل من المسلمين الذين بايعوا النبي ﷺ في صلح الحديبية .
وخيبر كما قلنا فيها 10 آلاف مقاتل ....
وكان أهل "خيبر" يرسلون مع المسافرين ركاب الطرق رسائل للمدينة .
"من باب التخويف من باب الإعلام المزيف كما يفعلون اليوم .... من باب الإشاعة .
فاليهود على مر العصور شغلهم الشاغل أمرين أن يمسكوا بعصب إقتصاد العالم والإعلام المزيف .
فكانوا يرسلون مع المسافرين ركاب الطرق رسائل للمدينة .
يقولون لعل أبا القاسم ....
أي النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لا ينادونه بإسمه محمد إلا ما ندر لكي لا يثبتوا عليه صفة الحمد ﷺ ....
لعل أبا القاسم ، يفكر يوماً في غزو خيبر ، هيهات هيهات .
خيبر فيها 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح ....
وكم عدد أهل المدينة من أصحابه رضي الله عنهم
هذه هي الرسائل التي كانت تصل للنبي ﷺ ....
والنبي ﷺ يعلم عدتهم ولكنه يعلم كيفية أصحابه رضي الله عنهم لا كمهم ولا يلتفت لعددهم
قول تعالى :
كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ .
في يوم بدر
كان عدد الصحابة 313
قريش كانت 950
والآن يخرج 1400 من الصحابة رضي الله عنهم ليلقى 10 آلاف .
هنا تحرك المنافقون في المدينة على الفور ....
فأرسلوا إلى يهود خيبر يخبرونهم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيبر .
أرسل رأس المنافقين "عبدالله بن أبي ابن سلول"
إليهم يخبرهم بأن محمداً سائر إليكم ، فخذوا حذركم وأدخلوا أموالكم حصونكم واخرجوا إلى قتاله ولا تخافوا منه .
إن عددكم كثير وقوم محمد شرذمة قليلون وهم عزل لا سلاح معهم إلا قليل .
يشجعهم على قتال النبي ﷺ
يخبرهم أن أعداد المسلمون قليلة وليس معهم سلاح إلا القليل لا تخافوا .
فلما وصل الخبر لليهود ...
قالوا بستهزاء : محمد يغزونا ؟
هيهات هيهات "
ولكنهم أخذوا يستعدون ويأخذون احتياطهم
وأرسلوا إلى سيد غطفان "عيينة بن حصن"
تذكرون هذا الاسم الذي سماه النبي ﷺ "الأحمق المطاع"
أرسلوا له : يا عيينة نعطيك نصف ثمار خيبر في سبيل أن تقف معنا من أهل "غطفان" في قتال المسلمين ...
هل تعلمون كم كان عدد ثمارهم في خيبر ....
لقد كانوا يجنون كل عام من نخيلهم 40 ألف من ثمارها
فكانت خيبر ومازالت تمد المدينة ومكة في موسم الحج بالتمر ...
فخيبر من أعظم بقعة في الأرض من حيث ثمار التمر ....
وافق "الأحمق المطاع" على الفور وبدأت تستعد لقتال المسلمين ...
أعدت جيشا ضخما لذلك قوامه 4 آلاف مقاتل
بقيادة "الأحمق المطاع عيينة بن حصن"
علم النبي ﷺ بخبرهم
وكان له ﷺ عيونا من أصحابه رضي الله عنهم حول المدينة يمدونه بالأخبار .
فقرر ﷺ أن يرسل على الفور سرية إلى غطفان حتى يظنوا أن النبي ﷺ سيغزو ديارهم وليس خيبر .
وأمر هذه السرية أن تظهر أمرها ولا تتخفى بل وتحدث صوتا عالياً حتى تلفت إليها الأنظار
وبذلك تخاف "غطفان" على نفسها وتظل في ديارها ولا تخرج لحرب المسلمين في خيبر .
وبالفعل عندما سمع جيش "غطفان" الصوت ...
أنزل الله الرعب في قلوبهم وعادوا مسرعين إلى ديارهم وتركوا يهود خيبر في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم منفردين ..
وقرر النبي ﷺ أن ينزل بجيش المسلمين في شمال خيبر .
خيبر موقعها "الشمال الشرقي" للمدينة المنورة
فمن يأتي من المدينة المنورة إلى خيبر سيدخلها من الجنوب .
فلماذا اختار حبيبنا ﷺ أن يدخل خيبر من "الشمال" وليس من الجنوب ؟؟؟
لأن "غطفان" تقع أيضاً " في الشمال الغربي" للمدينة .
فنزل بجيش المسلمين من الشمال حتى يحول بين خيبر وبين غطفان إن فكرت غطفان العودة لحرب المسلمين .
وسار ﷺ لخيبر على بركة الله
وكان معه رجل من أصحابه حسن الصوت يجيد في ارتجاز الشعر "عامر بن الاكوع" رضي الله عنه :
فقال له النبي ﷺ يا ابن الاكوع اسمعنا من هيناتك "أي أنشد لنا من أشعارك بصوتك الجميل" وحرك بنا الركب .
فسار "عامر بن الأكوع" أمام الركب كي ينشط الرواحل
وهو يردد بصوته الجميل ويرتجز الشعر :
اللهم لولا الله انت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا .
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا .
إنَّ الأُلَى قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وإنْ أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا .
ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بآخِرِهَا ....
الراوي : البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه .
فقال له ﷺ عند سماع صوته الجميل يرحمك الله .
وكان حسن الصوت بالحداء إذا حدا أعنقت الإبل أي أسرعت..
فقطعوا الطريق الذي يحتاج 5 ليالي في 3 ليالي ...
وهكذا سار الجيش بروح إيمانية عالية جداً بالرغم من علمهم بالصعوبة الشديدة للمعركة
وبحصون خيبر وكثرة رجالها وكثرة عتادها الحربي .
حتى أنهم كانوا يكبرون ويهللون ويدعون الله تعالى بأصوات مرتفعة
"الله أكبر .. لا إله إلا الله .*
فقال لهم النبي ﷺ : أربعوا على أنفسكم .
أي أرفقوا بأنفسكم ، لا تبالغوا في رفع أصواتكم"
فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعآ قريباً وهو معكم .
نهاهم ﷺ عن رفع أصواتهم
والمقصود الرفع الخارج عن العادة الذي يؤذي الآخرين .
لأنه أمر أصحابه رضي الله عنهم ان يرفعوا أصواتهم بالتلبية
ولكن لا نرفع الأصوات بالتلبية بشكل يؤذي الآخرين .
وكان "عبدالله بن قيس" رضي الله عنه يسير خلف دابة النبي ﷺ وهو يردد .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فقال له النبي يا عبدالله بن قيس .
قال : لبيك يا رسول الله
قال ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة ؟
فقال بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي .
قال لا حول ولا قوة إلا بالله .
فلما أشرف على خيبر
قام وصلى النبي ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء "جمع تقديم"
بعيداً عن حصونهم حتى لايروه
لأن الدنيا مازالت مضيئة و سقوط قرص الشمس عند المغرب لا يعني العتمة خاصة في المناطق الصحراوية .
حتى إذا دخلت العتمة تقدم بجيشه بهدوء إلى حصونهم .
وأمر المسلمون أن يصلوا الفجر مغلسين
"يصلوا الفجر فوراً عند دخول وقته قبل أن يسفر النهار كي لاتراهم يهود فيباغتهم بغتة"
وكان اليهود إذا أقبل الليل دخلوا حصونهم وأغلقوا أبوابهم .
وفي الصباح يفتحون أبواب حصونهم ويخرجون للعمل
صلى بهم الفجر ...
وبدأ خروج اليهود من الحصن إلى مزارعهم وهم يحملون أدوات الزراعة وهم لا يدرون بالمسلمين
فلما رائهم النبي ﷺ
قال لأصحابه رضي الله عنهم *قفوا *
ثم قال :
اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين .
نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها .
ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .
اقدموا بسم الله فتقدموا .
فلما رأوا اليهود الجيش صاحوا في فزع :
محمد والخميس
الخميس معناه الجيش ....
وقد كان العرب يطلقون على الجيش الخميس لأنه خمسة أقسام ....
مقدمة ، ومؤخرة . وميمينة ، وميسرة ، وقلب .
محمد والخميس !!!!!
وأخذوا يهربون مسرعين إلى حصونهم وصاح بهم النبي ﷺ صيحة سمعها الجيش كله ، وسمعها اليهود
الله أكبر _ الله أكبر ...
خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المُنذرين .
لم يتوقعوا قدوم النبي ﷺ لغزوهم ....
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[٣/٧/٢٠٢١ ١٠:١٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والسبعون بعد المائة 172
علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
يفتح الله عليه حصن خيبر .
هرب اليهود ودخلوا في حصونهم عندما رأوا النبي ﷺ والمسلمون
خيبر مقسمة إلى ثلاثة مناطق :
١- منطقة النَّطاة هذه المنطقة فيها ثلاث حصون :
حصن ناعم .... حصن الصعب .... حصن القلعة.
٢- منطقة الشَّق هذه المنطقة فيها حصنين فقط
حصن أبي ..... حصن النِّزار .
٣- منطقة الكتيبة هذه المنطقة في ثلاثة حصون .
حصن القموص ... الوطيح ... السلالم .
هذه الحصون مصممة بحيث إذا حدث إقتحام لحصن منها
فإنهم يستطيعون الإنسحاب بسهولة إلى الحصن الذي يليه
وفي خيبر حصون وقلاع أخرى
لكنها كانت صغيرة وسقطت بعد ذلك بلا قتال ...
ولذلك كانت "مشكلة خيبر" ليس فقط تفوق اليهود في العدد والعدة ...
لأن اليهود عددهم 10 آلاف مقاتل مقابل 1400 من المسلمين فقط .
ولكن المشكلة الرئيسية هي هذه الحصون لسببين :
السبب الأول :
أن العرب لم تكن تعرف كيف تتعامل في الحرب مع الحصون
وكانت كل حروبهم تعتمد على المواجهة وعلى الكر والفر .
"السبب الثاني "":
أن المسلمين لم يكونوا في مواجهة حصن واحد
ولكن مجموعة كبيرة من الحصون كما ذكرنا وهي 8 حصون ومصممة بحيث إذا حدث إقتحام لحصن ، فإنهم يستطيعون الإنسحاب بسهولة إلى الحصن الذي يليه
ومعنى هذا أن المسلمين إذا نجحوا في إقتحام حصن
فسيلجأ من في هذا الحصن إلى حصن آخر وهكذا فكأنهم يدخلون في عدة حروب وليست حرباً واحدة .
وبدأ بمهاجمة حصن "ناعم" وكان يعتبر خط الدفاع الأول لمكانته الإستراتيجية ....
وكان من أقوى الحصون
وتحصن اليهود داخل الحصن وأخذوا في رمي المسلمين بالسهام وبالحجارة من فوق الحصن .
وكان النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم قد وقفوا في منطقة : "المنزلة"
سبب تسميها المنزلة لأنها منخفضة قليلًا عن الأرض
فكان اليهود إذا ألقوا الحجارة الضخمة من داخل الحصن تتدحرج حتى تصل إلى جيش المسلمين وتصيبهم ...
فجاء إلى النبي ﷺ "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه
وقال : يا رسول الله !!
إن هذا المنزل قريب من حصونهم وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم .
لأن اليهود يرون المسلمين من فوق الحصن ويراقبون تحرك الجيش ومكشوفون لهم
إن هذا المنزل قريب من حصونهم وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم .
وسهامهم تصل إلينا وسهامنا لا تصل إليهم .
وهو مكان غائر وأرض وخيمة بين النخلات وقد يتسلل اليهود من بين النخلات .
ولو أمرت بمكان خالٍ عن هذه المفاسد نتخذه معسكرا..
فأعجب النبي ﷺ برأي "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه وقال له شرت بالرأي .
اتذكرون هذا الصحابي الجليل ؟
هو نفس الموقف الذي قام به "الحباب بن المنذر" في غزوة بدر عندما أشار على النبي ﷺ بتغيير مكان معسكر المسلمين وكان ذلك من أسباب الإنتصار في بدر
وسبحان الله الذي جعل لكل إنسان موهبة .
"الحباب بن المنذر" كان يتمتع بهذه الموهبة وهي النظرة الإستراتيجية لجغرافية أرض المعركة .
ولكن ﷺ قال : إذا أمسينا تحولنا .
لماذا ؟؟؟
لأن النبي ﷺ لا يريد أن يغير من مكانه أمام اليهود حتى لا يعتبر اليهود ذلك إنتصارآ على المسلمين فترتفع معنوياتهم .
فلما جاء الليل غير ﷺ مكان معسكر المسلمين
من "المنزلة إلى مكان : "وادي الرجيع"
وجاء راعي حبشي أسود كان أجيرآ عند يهودي من أسياد خيبر يرعى غنمه
فجاء إلى النبي ﷺ وقال : يا رسول الله أعرض عليّ الإسلام .
"حدثني عن الإسلام "
وكان النبي ﷺ لا يحقر أي إنسان بأن يدعوه لدين الله عزوجل .
فعرضه عليه ...
فدخل الايمان لقلب هذا الرجل
فقال : إن أنا أسلمت فماذا لي ؟
قال . الجنة .
فأسلم !
فلما أسلم قال : يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم . فكيف أصنع بها ؟
فقال له : اضرب في وجهها فإنها سترجع إلى صاحبها
فقام فأخذ حفنة من حصباء فرمى بها في وجهها وقال ارجعي إلى صاحبك فوالله لا أصحبك
يقول الصحابة : فخرجت مجتمعة كأن سائقآ يسوقها حتى دخلت الحصن .
ثم تقدم رضي الله عنه إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله .
"ولم يسجد لله سجدة واحدة"
فأتي به إلى رسول الله ﷺ محمولأ
فلما نظر إليه النبي ﷺ أعرض عنه "أي التفت فلم ينظر إليه"
فاستغرب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : يا رسول الله لم أعرضت عنه ؟
فقال لهم النبي ﷺ لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الإسلام من نفسه حقا
وإن الشهيد إذا أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين .
وإن معه الآن زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه .
وتقولان له : ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك .
لذلك أعرض عنه النبي ﷺ حياءً لكي لا ينظر لزوجتيه ...
وعندما أطلعه الله على الجنة وجلس يحدث أصحابه رضي الله عنهم :
قال ورأيت زوجة من الحور العين في الجنة فقلت زوجة من هذه ؟
فقيل لي زوجة عمر بن الخطاب فأعرضت وجهي عنها لما أعلمه من غيرة عمر .
فبكى عمر وجهش بالبكاء وقال أومنك أغار يا رسول الله ؟
كانت حصون خيبرة محصنة جداً
واستمرت محاولات المسلمين لفتح الحصن وواجه المسلمون مقاومة شديدة
واستشهد أثناء المواجهات "محمود بن مسلمة الأنصاري"
وكان قد حارب حتى أعياه الحرب "تعب" وثقل السلاح "لم يستطع حمل السلاح" وكان الحر شديداً
فألقى عليه اليهود حجر من فوق الحصن فسقط عليه .
فكسرت الخوذة التي يلبسها على رأسه وتهشمت ودخل الحديد في جلد رأسه .
ونزلت جلدة جبينه على وجهه وخرجت عينه من مكانها .
فأدركه المسلمون فأتوا به النبي ﷺ فأرجع الجلدة إلى مكانها وعصبه بخرقة .
فمات رضي الله عنه من شدة الجراحة بعد ثلاثة أيام
وجرح خمسين من الصحابة رضي الله عنهم بسبب رمي السهام والحجارة من الحصن .
أثناء الحصار خرج من الحصن قائد اليهود "مَرحَب" يطلب المبارزة ...
وكان "مَرحَب" عملاقا ضخم الجثة وكان من أشد الفرسان .
وكانوا يقولون أنه يغلب 1000 مقاتل وحده .
فخرج له "عامر بن الأكوع" رضي الله عنه .
هذا الصحابي الذي ارتجز الشعر في الطريق لخيبر وكان صوته جميل وقال له النبي ﷺ يرحمك الله .
كان "عامر بن الأكوع" رضي الله عنه فارسآ قوياً و معروفاً وكان ضخم الجثة .
دار بينهما قتال شرس ....
وأثناء القتال كان "عامر بن الأكوع" يقاتل بحماسة . فضرب اليهودي ضربة قوية لكن "مَرحَب" ابتعد
فطاشت ضربة "عامر" لم تصب "مَرحَب" وأكملت طريقها فأصابت "عامر" بركبته .
وقتل نفسه بسيفه .
فقال البعض قتل نفسه ...
فقال النبي ﷺ إنه شهيد وإن له لأجرين .
أصيب بالمسلمون بجوع شديد ولم يكن معهم من الطعام إلا السويق .
السويق هو ذرة يوضع عليها بعض الشيء من الحلو .
ويشربون الماء خلفها...
لذلك سمي هذا الطعام السويق لأنه ينساق بالحلق إنسياقا
اشتكوا للنبي ﷺ الجوع ...
وقبل أن تغيب الشمس رأى النبي ﷺ غنم حول الحصن ترعى
قال ما خرجت هذه الغنم ترعى من غير راعي ، ولعل لها مداخل ومخارج للحصن .
ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنهم وقال : من رجل منكم يطعمنا منها ويرى لنا الطريق ؟
فقام رجل من أصحابه من الأنصار "أبو يسر بن عمر" رضي الله عنه
قال : أنا يارسول الله
يقول أبو يسر : فانطلقت كالظليل .
"كالغزال الذي يكون أول عمره يسمى الظليل"
وأخذت الغنم تدخل في مساربها "لها طرق تحت سور الحصن"
فأدركت آخرها
فحملت شاتين تحت إبطي ورجعت وكأني لا أحمل شيئاً "أي رجعت بسرعة"
وكان النبي ﷺ قد دعا له فقال اللهم متعنا به ونضَّر وجهه .
وانظروا لدعوة النبي ﷺ عاش أبو يسر 112 سنة .
فكان آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم في المدينة
يقول للتابعين : لقد أصابتني دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم
لقد متعني الله ومتع الصحابة ومتعكم أنتم بعمري .
فها أنا أعيش بينكم ولا تجدون صحابي غيري ....
وانظروا إلى "وجهي" وقد جاوزت المئة عام .
وها أنا كأني ابن السابعة عشرة من عمري من دعوة نبينا ﷺ نضَّر الله وجهك .
يقول : فأتيت للنبي صلى الله عليه وسلم بالشاتين ، فنظر النبي ﷺ إلي
وقال لي نضَّر الله وجهك .
ثم أمر أن تذبح الشاتين وأن تقطع وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالشواء .
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم يشون ويضعون الشواء في وعاء .
وجلس النبي ﷺ عند الوعاء يضع يده في الوعاء ويمسك اللحم .
ويقول للصحابة رضي الله عنهم خذوا وأطعموا أصحابنا ، خذوا وأطعموا أصحابنا .
يقول أبو يسر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق .
لقد أطعم الجيش كله وما يزال بين يديه لحم مشواه .
قال له التابعين متعجبين كم كنتم ؟
قال : أربعة عشرة مئة 1400 .
قالوا : وهل أكلتم جميعاً ؟
قال : والله قد شبعنا ... وفضل عن زادنا إلى الغد .
من شاتين فقط أطعم الجيش كله ﷺ ....
واستمر القتال 12 يوم ولم يحقق المسلمون أي شيء .
وأصيب النبي ﷺ في ذلك اليوم بالشقيقة وهو ما نسميه الصداع النصفي ....
وكان ذلك يعاوده منذ أن ضُرِبَ على رأسه الشريفة في أحد
صلى الله عليه وسلم..
وكان إذا جاءه ألم الرأس لا يستطيع أن يقوم من مكانه
ولم يستطع الرسول ﷺ أن يخرج للقتال في اليوم التالي وهو اليوم 13 من حصار حصن "ناعم"
فأعطى النبي ﷺ الراية "أي رآيته لعدد من أصحابه رضي الله عنهم يغدون ويعودون ولا يحدثون شيئا ...
وأحبط المسلمون نتيجة كل ذلك فالحصار استمر فترة طويلة ولم يحققوا أي شيء .
بل على العكس استشهد 3 من المسلمون .... وجرح 50 من الصحابة رضي الله عنهم
حتى المبارزة الفردية انهزموا فيها ...
وهذا هو الحصن الأول : ولازالت أمامهم حصون كثيرة .
وشعر النبي ﷺ بالأزمة النفسية التي فيها المسلمون فأراد ﷺ أن يعيد للمسلمين روحهم المعنوية المرتفعة التي كانوا عليها وهم في طريقهم إلى خيبر .
فقال ﷺ ذات ليلة : لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله .
ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما تمنيت الإمارة يوماً إلا ليلتها لشهادة رسول الله أن من سيعطى الرآية يحبه الله ورسوله .
وبات الناس ليلتهم و كلهم يرجون أن يحملوا الراية .
في اليوم التالي عند صلاة الفجر ....
وقف المسلمون يصلون الفجر خلف النبي ﷺ .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فكنا نتقاتل على الصف الأول
لأن الكل كان يتمنى هذه الشهادة من رسول الله ﷺ .
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
فلما انتهت الصلاة التفت ﷺ إلى أصحابه رضي الله عنهم ووقف متكأ على سيفه وأخذ يستعرضنا .
واستعد الجيش والعيون والآذان والقلوب معلقة تنتظر من الذي سيعطيه ؟
يقول عمر رضي الله عنه : فأخذت اتطاول "يجلس على ركبته ويرفع حاله عشان يشوفه رسول الله وكان عمر رجل طويل .
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان إذا مشى بين الراكبين كان رأسه يُرى من بينهم ، أي أطول منهم . ومع ذلك يقول أخذت أتطاول لعله يبحث عني .
يقول عمر رضي الله عنه فلما وقع نظر النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثم جاز
قلت : ثكلتك أمك يا عمر لست أنت .
رضي الله عنك يا عمر .
فلما استعرضنا جميعاً قال ﷺ أين علي ؟
فقالوا : يا رسول الله يشتكي عينيه .
كان علي رضي الله عنه قد أصيب بالرمد في عينيه .
يقول عمر رضي الله عنه ففرحت عسى أن أكون أنا مكانه .
وإذا بالنبي ﷺ يقول ادعوه لي .
فجيء بعلي رضي الله عنه لا يرى أمامه يقوده رجلين .
فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله إني أرمد كما ترى ، لا أبصر موضع قدمي .
فأجلسه النبي ﷺ ثم وضع رأس علي في حجره ونفث في كفه الشريفة وفتح له عينيه فدلكهما
فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع
يقول علي رضي الله عنه وهو يروي الحديث
قال : فو الذي بعثه بالحق فما رمدت ولا صدعت و ما اشتكيتهما أبداً....
وكان بين يدي النبي ﷺ خرقة سوداء فجدلها النبي صلى الله عليه وسلم على رأس علي رضي الله عنه ثم دفع الراية إلى علي رضي الله عنه
وقال له : يا علي امضي على بركة الله يفتح الله عليك إن شاء الله .
امضي ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك .
كان عمره رضي الله عنه 26 عام .
فركب علي الفرس وسار ...
فأراد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم على شيء وتذكر أن النبي ﷺ أمره أن لا يلتفت .
فعاد بفرسه إلى الخلف وصاح .... .يا رسول الله اقاتلهم حتى لا أبقي منهم أحدا..
على ماذا اقاتلهم ؟
فضحك النبي ﷺ وقال :
قاتلهم على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى .
"أي حساب بواطنهم وسرائرهم على الله لأنه وحده المطلع على ما فيها من إيمان خالص أو نفاق وكفر .
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله .
فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم .
حمل "علي بن أبي طالب" الراية وانطلق كالسهم والمسلمون خلفه .
فكان أول من وصل من إلى الحصن وغرس الراية في أصل الحصن .
واطلع يهودي من أعلى الحصن
وقال : من أنت ؟
فقال : أنا على بن أبي طالب .
فقال اليهودي : غلبتم و علوتم وحق ما أنزل على موسى .
لماذا قال وحق ما أنزل على موسى .
لأن اليهود كانوا يعلمون أن من يفتح هذا الحصن كما يخبرهم أحبارهم بأنه رجل فيه صفة "العلو"
كلمة قريبة من معنى اسم "علي"
فلا نبالغ ونقول يصرحون أن اسمه "علي"
وخرج إليه بطلهم اليهودي "مَرحَب"
الذي قتل "عامر بن الأكوع" ودعا علي رضي الله عنه للمبارزة
كان مرحب رجل طويل وكان مميز بخيبر ولقبه بطل خيبر ويلبس خوذة من الرخام مثل البيضة "مجورها" ويضعها على رأسه .
وكان يهود تظن أن هذا الرجل لا يقتل .
وكان قد لبس درعين وتقلد بسيفين ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان .
وهو يرتجز ويقول أبيات من الشعر ليضعف عزيمة علي رضي الله عنه .
يقول مرحب .
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
فأجابه علي رضي الله عنه
أنا الذي سمتني أمي حيدره ضرغام آجام وليث قسوره
ثم التقيا فأختلفا بضربيتين "أي بالسيف"
فأراد "مرحب" أن يضرب علي رضي الله عنه بالسيف على رأسه .
فتلقى "علي" ضربته بالترس .
فثبت سيف مرحب بالترس حتى قسمه نصفين فأصبح "علي" بلا ترس .
فأنفتل مرحب كعادة الفرسان عندما يشعر بنفسه أنه انتصر .
وانفتل ثم رجع يريد أن يضرب علي رضي الله عنه مرة أخرى ليقضي عليه .
فنظر علي رضي الله عنه فلم يجد حوله ترس .
فوجد درفة باب الحصن الذي فتح .
فأخذه بيده الشمال واقتلع باب الحصن وجعله ترس بيده يتلقى ضربات "مرحب"
ثم ضربه علي بالسيف ضربة قوية
فشق بسيفه تلك الخوزة الرخامية على رأس مرحب وشق رأسه نصفين .
حتى وصل سيف "علي" من قوة الضربة إلى رئة مرحب فاستقر بها ....
فوقع مرحب على الأرض
يقول الصحابة رضي الله عنهم عندما سقط على الأرض و كأنه جدار إنهار من ضخامته .
يقول "أبو رافع" مولى رسول الله ﷺ كما أخرجه البخاري رحمه الله.. يقول : والذي لا إله إلا هو
لقد اجتمعنا سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معهم نزحزح ذلك الباب كي نميطه عن الطريق ما استطعنا .
رضي الله عن علي وعن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٤/٧/٢٠٢١ ١١:٢٦ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائة 173
فتح جميع حصون خيبر .
ذكرنا أن "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه قتل بطل اليهود "مَرحب"
هنا أصيب اليهود بالرعب والفزع الشديد لأن بطلهم "مَرحب" كان من أشد الفرسان في تاريخ العرب عامة ....
ولم يكن اليهود يتخيلون أبداً أن يقتله أحد من المسلمين .
فلما قتل "مرحب" خرج أخوه "ياسر" يريد الثأر لأخيه
كان فارسآ عملاقاً ضخم الجثة مثل أخيه... وكان أيضاً من أبطال اليهود مثل أخيه الذي قتل .
فكانوا أربعة إخوة معروفون بالقوة وهم :
مرحب
ياسر
عامر
الحارث
فلما خرج "ياسر" برز له له "الزبير بن العوام" رضي الله عنه وكان عمره 35 عام .
وكان نحيفاً وطويل القامة .
وبدأ قتال شرس بين بطل اليهود "ياسر" وبين "الزبير بن العوام" رضي الله عنه .
حتى قتل الزبير ، ياسر فأصيب اليهود "بالرعب"
واستطاع المسلمون أن يخلعوا باب الحصن ...
ودار قتال مرير حول الحصن وسقط بعض أشراف اليهود وأبطالهم في القتال حتى إنهارت مقاومة اليهود وأخذوا يتسللون من الحصن هرباً إلى الحصن الذي يليه وهو حصن "الصعب"
كانت الحصون مبنية بطريقة أن يؤدي كل منها إلى الآخر .
ففتح أول الحصون حصن "ناعم" وانتقل اليهود إلى الحصن الذي يليه .
وهو حصن "الصعب"
وبدأ الحصار والهجوم على الحصن..... وكان حصن "الصعب" لا يقل صعوبة عن حصن "ناعم"
وأراد الله تعالى أن يبتلي المؤمنين ويختبرهم اختبارا آخر صعباً إلى جانب صعوبة الحرب وهو "الجوع"
إذ دخل المسلمون في جوع شديد جداً
يقول أحد الصحابة : لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء .
وكان هنالك ثلاثين حمارا خرجت من بعض الحصون
فأخذها رهط من المسلمين وذبحوها ليأكلوها...
"كانت العرب تأكل الحمير عند الضرورة ولم يكن قد نزل تحريم أكل الحمير"
فلما رأى النبي ﷺ النار مشتعلة وشم رائحة اللحم .
قال على أي شيء توقدون ؟
لأن النبي ﷺ يعلم أن الجيش ليس معه لحم يطبخ .
فقالوا : لحوم الحُمُر الأهلية .
في هذه اللحظة الحرجة ينهى النبي ﷺ عن أكل لحوم الحمير وهم في جوع شديد .
فقال : لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً وأهرقوها .
كان هذا اختبارا صعباً فوق صعوبة المعركة .
لأن الصحابة رضي الله عنهم في جوع شديد وهناك مجهود كبير يبذل في القتال .
واللحوم قد نضجت ورائحة الشواء ارتفعت .
وبفضل من الله تعالى نجح جميع الجيش في الإختبار ولم يأكل أحد من هذه اللحوم .
وكان ذلك من تربية النبي ﷺ التربية الإيمانية للصحابة رضي الله عنهم...
وبعد هذا الموقف الصعب ، وبعد استجابة جميع الصحابة رضي الله عنهم لأمر النبي ﷺ .
وقف ﷺ يدعو الله تعالى ووقف المسلمون يؤمنون خلفه....
في اليوم التالي
وبعد ثلاثة أيام من الحصار ومحاولة فتح الحصن
خرج أحد مقاتلي اليهود "يوشع"
وطلب المبارزة فخرح إليه "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه فقتله ....
ثم خرج من اليهود أحد فرسانهم "الديان"..... يطلب المبارزة
فخرج إليه "عمارة بن عقبة" رضي الله عنه فقتله .
وشد المسلمون هجومهم على الحصن حتى نجحوا بفضل الله تعالى في فتح الحصن .
وتسلل اليهود هرباً إلى الحصن الثالث في منطقة "النطاة" وهو حصن "القلعة"
وكان حصن "الصعب" الذي فتح بعد دعاء النبي ﷺ أغنى حصون خيبر بالطعام .
فوجدوا في ذلك الحصن من الشعير والتمر والسمن والعسل والسكر والزيت والودك شيئا كثيرا....
ونادى منادي رسول الله ﷺ وقال لهم : كلوا واعلفوا دوابكم ولا تحملوا منه شيئاً ....
فأكل المسلمون حتى شبعوا
وكان من ضمن الطعام الذي وجدوه "البصل والثوم" فأكلوا منه وهم جياع
وكان قد بنى النبي ﷺ للمعسكر مسجداً للصلاة يصلون فيه
فلما كان وقت الصلاة وذهب الناس إلى المسجد و إذا بريح البصل والثوم .
فقال ﷺ : من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربنَّ مسجدنا .
ليس في ذلك نهي عن أكل الثوم والبصل مطلقا .
إنما النهي عن إتيان المسجد لمن أكلهما .
ووجد المسلمين في ذلك الحصن أيضاً "منجنيق" والمنجنيق هو آلة كانت تستخدم في رمي الحجارة الثقيلة على الأسوار فتهدمها .
ولم يكن العرب يعرفون "المنجنيق" .
لأن "المنجنيق" آلة من آلات الحصار وهدم الأسوار .
والعرب لم تكن تعرف في حروبها الحصون والأسوار .
انتقل اليهود إلى الحصن الثالث في منطقة "النطاة" وهو حصن "القلعة"
وكان هو أمنع حصون خيبر لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب جداً الوصول إليه .
فضلاً عن مهاجمته وكما يقول الرواة "لا تقدر عليه الخيل والرجال"
وفرض النبي ﷺ الحصار على حصن "القلعة"
واستمر الحصار ثلاثة أيام
و يأتي توفيق الله تعالى ونصره
فألقى الله تعالى الرعب في قلب رجل من اليهود
اسمه "عزول" خاف إن انتصر النبي ﷺ أن يقتل وتؤخذ زوجته وأولاده في السبي وتؤخذ أمواله
فأراد أن يفعل شيء يحفظ به نفسه وأولاده وزوجته وماله
فأتى وتسلل من الحصن وطلب مقابلة النبي ﷺ
ثم قال له : يا أبا القاسم ، إنك لو أقمت السنين تحاصرهم ما بالوا بك .
يعني مهما حاصرتهم لن يهتموا لحصارك .
ولكن هناك طريقة واحدة لفتح الحصن
قال له النبي ﷺ ما هي ؟
قال أمني "أعطيني الأمان"
قال له النبي أمنتك .
قال وزوجتي وأبنائي .
قال نعم
قال . وأموالي .
قال نعم
قال إن لهم جداول يخرجون بالليل يشربون منها ثم يعودون إلى قلعتهم .
فلو قطعت عليهم الطريق خرجوا لقتالك
فأمر النبي ﷺ أن يقطع عنهم جداول الماء .
فاضطر اليهود إلى الخروج وقتال المسلمين .
ودار قتال في منتهى الضراوة حتى انتصر المسلمون وافتتحوا حصن "القلعة" بعد ثلاثة أيام
وهكذا سقطت الحصون الثلاثة الأولى في منطقة "النطاة" وكان في هذه الحصون أشد اليهود
بعد أن انتهى المسلمون من فتح الحصون الثلاثة في منطقة "النطاة"
انتقلوا إلى المنطقة المجاورة لها وهي منطقة "الشق" وقد قلنا أن بها حصنين :
حصن "أبي" وحصن "النزار"
وبدأ النبي ﷺ بحصن "أبي" .
وتم حصار الحصن .
وخرج أحد اليهود يطلب المبارزة .
فخرج إليه "أبو دجانة" رضي الله عنه فقتله .
ثم دار قتال عنيف وانتصر المسلمون، واقتحم المسلمون حصن "أُبي"
ثم هرب اليهود إلى داخل الحصن الذي يليه وهو حصن "النزار" وهو الحصن الخامس .
وكان هذا الحصن هو أمنع الحصون لأنه كان على جبل مرتفع حتى أن اليهود وضعوا في هذا الحصن نساءهم وأطفالهم وأموالهم .
فكان فيه 2000 من نساء اليهود .
وظن اليهود أنه من المستحيل أن يفتح هذا الحصن
ولذلك تحصنوا داخل الحصن .
ولم يخرج أحد منهم لقتال المسلمين وإنما قاموا برشق المسلمين من فوق الحصن بالنبل والحجارة
وبالفعل استمر الحصار فترة طويلة ولم يستطع المسلمون فتح الحصن .
وكان المسلمون كما قلنا قد وجدوا داخل حصن "الصعب" "المنجنيق .
وأمر النبي ﷺ بنصب المنجنيق
وبدأ يضرب أسوار الحصن حتى تهدم جزء من السور .
فتسلل المسلمون إلى داخل الحصن ودار قتال من أعنف أنواع القتال داخل الحصن .
وتم النصر للمسلمين وفتح المسلمون حصن "النزار"
وأخذت جميع ما فيه من النساء سبايا....
وكان منهن "صفية بن حيي بن أخطب"
والتي أعتقها النبي ﷺ بعد ذلك وتزوجها رضي الله عنها
وكانت هناك حصون صغيرة أخرى .
إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون وهربوا إلى المنطقة الثالثة من خيبر وهي منطقة "الكتيبة"
كما أخبرتكم سابقآ منطقة الكتيبة فيها ثلاثة حصون .
حصن "القموص "
حصن "الوطيح "
حصن "السُلالم "
هربوا وتحصن اليهود مرة أخرى في هذه الحصون
وكانت معنويات اليهود "قد إنهارت تماماً"
وبدأ المسلمون في حصار أول هذه الحصون وهو حصن "القموص" .
استمر الحصار أربعة عشر يوماً ودار قتال مرير حول الحصن .
وفي النهاية عندما شعروا بالموت كما قال كما عنهم الله تعالى :
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ...
عندما شعروا بالنهاية وأن جيش محمد ﷺ لايهزم لجأوا كعادتهم في كل زمان ومكان عندما يشعرون بالقهر والجبن والإنكسار على الفور يهرعون إلى "المفاوضات"
طلب اليهود أن "يتفاوضوا" مع رسول الله ﷺ .
وافق ﷺ على مفاوضتهم على شروط الإستسلام ولم يفاوضهم "على الصلح"
ما الذي تم الإتفاق عليه ؟؟
وما الذي حدث بعد ذلك ؟؟
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائة 174
إستسلام اليهود .
وقدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة لخيبر .
ورملة بنت أبي سفيان أم للمؤمنين رضي الله عنها.
طلب اليهود أن يتفاوضوا مع النبي ﷺ.... و أرسل زعيمهم "كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق"
وكان من نسل هارون أخ نبي الله "موسى عليه السلام" لذلك كان عندهم معظماً ...
ومن قبله إبن عمه "حيي بن أخطب" كان من نسل هارون أيضاً...
وكنانة له زوجة اسمها "صفية بنت حيي بن الأخطب"
التي ستصبح فيما بعد أم للمؤمنين رضي الله عنها
لما علم كنانة أن النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم لن يهزموا ولن ينصرفوا قبل أن ينتصروا ....
أرسل "كنانة بن الربيع" زعيم خيبر إلى النبي ﷺ من طرفه رجل يهودي ....
يقول له : أعطني الآمان أكلمك
فأعطاه النبي ﷺ الأمان
فنزل كنانة وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدر ...
فنزل كنانة ومعه رهط من اليهود وعرض الصلح ...
فقال النبي ﷺ كنت قد عرضت هذا عليكم من قبل ودعوتكم إلى {{ لا إله إلا الله }} فأبيتم
فأما الصلح الآن فعلى شروطي نحن لا على شروطكم أنتم
تم الإتفاق على شروط "الإستسلام" وليس شروط "الصلح" كما يقول البعض
وكان الاتفاق هو :
١- حقن دماء اليهود
٢- وعلى أن يخرجوا من خيبر بنسائهم وأبنائهم فقط بملابسهم فقط .
٣- أن يتركوا ورائهم كل أموالهم وسلاحهم وديارهم...
٤- وأن يركبوا دواب دون الخيل تحملهم إلى خارج خيبر .
ثم قال له النبي ﷺ بعد ذلك : على أن لا تخفوا شيئاً من من أموالكم...
فإذا كتمت منه شيئاً "أي إذا أخفيت شيئاً من المال"
أستبيح بها دمك وبرأت منكم ذمة الله و ذمة رسوله
ورضي "كنانة" زعيم خيبر بهذه الشروط ....
وشهد رجال من قومه ...
ورجال من أصحاب النبي ﷺ على هذا الإستسلام
وفتح كنانة أبواب الحصون .
وطلب منه النبي ﷺ أن يسلم له
١- الصفراء "كل شيء اسمه ذهب"
٢- والبيضاء "كل شيء اسمه فضة ، لأن الأموال لم تكن أوراق كما نعرفها اليوم ، أموالهم كانت الذهب والفضة"
٣- والخف والكراع "الخيل والإبل وما يتبعها من الأنعام "
٤- والحلقة "السلاح"
وأخذ كنانة يقدم للنبي ﷺ ما بأيدهم من ذهب وفضة وسلاح
فلما انتهى قال له النبي ﷺ لم يبقى عندك شيء يا كنانة ؟
قال : لا .
قال فإن أخفيتني شيء لا تنسى برأت منك ذمة الله و ذمة رسوله وكنت مباح الدم .
قال نعم
فضحك النبي ﷺ وقال يا ابن الربيع هنالك اشياء كثيرة تخفيها .
وما أزال على قولي وصلحي لا تبقي شيئاً وأبرء ذمتك .
فإن لم تصدقني هدرت دمك .
قال : نعم .
فنظر النبي ﷺ فيه وقال أتممت ولم يبقى عندك شيء ؟
قال: نعم
فصاح النبي ﷺ به صيحة "أرعدت فرائصه"
صاح به يا ابن الربيع ! إنك لمستخفٌ بأمر السماء
إن أطلعني الله على شيء أخفيته أهدرت دمك .
قال : نعم
{{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }}
"وفي كلمة العالمين يدخل اليهود المغضوب عليهم .
فلهم نصيب من رحمة النبي ﷺ هو لا يريد أن يسفك دمه .
قال له مرة أخرى : يا ابن الربيع إن اطلعني الله الآن على شيء كتمته وأخفيته استبحت به دمك .
قال له : نعم .
قال إني ممهلك ومذكرك وسائلك أين "مسك" حيي بن أخطب ؟
فكان "حيي بن أخطب" سيد بني "النضير" يجمع هذه المجوهرات والقطع الثمينة لايضعها في صندوق بل يضعها في مسك شاة .
وهو بلغتنا جلد الخروف بعد أن ينظف يخاط ويجعل مخزن للمال ....
ولنتخيل جلد الخروف إذا مليء من هذه المجوهرات كم يكون ثمنه ؟
ثم صغر مسك الشاة وماعاد يتسع للمجوهرات
فصنع حيي له "مسك من ثور"
فأصبح جلد الثور كله وعاء يضع فيه المجوهرات .
ثم صغر مسك الثور ولم يعد يتسع لهذه المجوهرات
فصنع له "مسك الجمل" من جلده
وعندما أجلاهم النبي ﷺ "لبني النضير" عن المدينة المنورة سمح لهم ﷺ أن يحملوا أموالهم ومجوهراتهم معهم .
ومنعهم من حمل السلاح .
وكان هذا "المسك" الذي جمعه اليهود الذي فيه مجوهراتهم الثمينة والنادرة عند "حيي" لأنه كان زعيمهم .
وسمح النبي ﷺ لحييء عندما أجلاهم ان يأخذ مسكه معه
وذهب حيي لخيبر وأقام هناك وجاء مع الأحزاب وقتل مع من قتلوا بني قريظة .
والنبي ﷺ يعلم أن هذا "المسك" الذي مع حيي مملوء بالمجوهرات والذهب والفضة والأحجار الكريمة ...
ولكن سمح له النبي ﷺ بحمله معه إلى خيبر .
لذلك سأل النبي ﷺ "كنانة" زعيم خيبر ...
فقال له أين مسك حيي بن أخطب ؟
فضحك وقال : تعلم يا أبا القاسم ما حل بنا من ترحال ونزول وهجرة .
و لقد أنُفق ذلك كله ....
فقال له النبي يا كنانة !! الوقت قريب .
"يعني قبل سنتين تم الإجلاء من المدينة"
الوقت قريب !! ولا يمكن أن ينفق هذا المال في هذه المدة .
فإن اطلعني الله عن مكانه واستخرجته أنا استبيح به دمك ؟؟
قال: نعم
فغضب النبي ﷺ وقال قُم يا علي ، قُم يا ابن العوام . إنطلقا إلى دار كنانة .
فإذا دخلت باب بستانه فعد أربع نخلات عن يمينك ثم احفر تحت الخامسة فأتياني بالمسك .
فقاما وانطلقا إلى دار كنانة فعد علي والزبير بن العوام رضي الله عنهم نخلة اثنتان ثلاثة أربعة فحفروا تحت الخامسة .
وما هو إلا شبرٌ من تراب فإذا هو "المسك" مملوء بالمجوهرات .
فحملاه وأتيا به فوضعاه بين يدي الحبيب المصطفى ﷺ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة ماهذا يا كنانة ؟
ألم يكن هذه "المسك" تحت النخلة الخامسة على يدك اليمنى إذا دخلت بستانك ؟
قال : أجل يا أبا القاسم .
وكاالعادة : أخذ يتوسل ويستجير وأن يغفر له الزلة وأن يصفح عنه
فقال له النبي كنت قد أمهلتك كثيراً ولكنك أستخففت بأمر السماء .
وأنت تعلم كما كان يعلم "حيي بن أخطب" من قبلك أني نبي وأن النبي يوحى إليه .
قم يا محمد بن مسلمة فاضرب عنقه .
لماذا محمد بن مسلمة ؟؟
لأن أخوه "محمود بن مسلمة" الذي استشهد عندما ألقوا عليه اليهود حجر من فوق الحصن
فقام ليأخذ ثأر أخيه وضرب عنقه ....
وسبيت زوجته وهي صفية بنت حي بن أخطب رضي الله عنها والتي تزوجها النبي ﷺ بعد ذلك .
وكانت هذه الهزيمة من أكبر هزائم اليهود في تاريخهم كما كانت من أعظم انتصارات المسلمين ....
وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة 93 قتيل...
بينما شهداء المسلمين كانوا 16
ولكن اليهود بعد المعاهدة وبعد أن بدؤا الخروج من خيبر والتوجه ناحية الشام
جاءوا إلى النبي ﷺ
وقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها فنحن أعلم بها منكم .
فأستحسن النبي ﷺ رأيهم و وافق عليه ....
لأنه يعلم أن المسلمين لايستطيعون القيام على هذه الأرض لأن أرض خيبر كبيرة وبعيدة عن المدينة .
فأعطى النبي ﷺ أرض خيبر لليهود على أن يكون لهم من الزرع النصف وللمسلمون النصف .
وعين "عبد الله بن رواحة" حتى يقوم بتقدير الزروع ومحاسبة اليهود عليها ....
ولذلك بعد فتح "خيبر" تحسنت كثيراً الظروف الإقتصادية في المدينة ....
لأن "خيبر" كانت من أغنى البلاد في الجزيرة في الزراعة وكان في منطقة "الكتيبة" وحدها 40 ألف نخلة ....
يقول "عبد الله بن عمر" رضي الله عنهما ما شبعنا حتى فتحنا خيبر.
ولكن شرط عليهم النبي ﷺ
أن المسلمين يخرجون اليهود من خيبر متى شاءوا
قال "على أنَّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم"
لماذا اشترط عليهم النبي ﷺ هذا الشرط ؟؟
لأن النبي ﷺ أصبح عنده قاعدة : اليهود معروفون بالغدر والخيانة ونقض العهود .
فكان لابد من إشعارهم بأن وجودهم مهدد حتى يخافوا من أن يغدروا بالمسلمين.
وقد قام بطردهم بالفعل بعد ذلك في خلافة "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بعد أن غدروا في عهده .
أرسل إبنه "عبدالله بن عمر" رضي الله عنهم إليهم ليحصي له موسم خيبر فسحروه ..
جلس ﷺ يقسم غنائم "خيبر"
وبينما هو يقسم ﷺ وقد نشر أصحابه رضي الله عنهم حرساً حول الحصون .
وإذا برجل يجري ويقول يا رسول الله هذا "جعفر بن أبي طالب" قد أقبل من الحبشة .
"جعفر بن أبي طالب ، اخو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الذي هاجر للحبشة وناقش النجاشي ثم أسلم على يديه
بقي هو والمسلمون في الحبشة والآن رجعوا واستشهد رضي الله عنه بعد عام وبضعة أشهر في غزوة مؤتة ...
يا رسول الله هذا جعفر بن ابي طالب" قد أقبل من الحبشة
قال النبي صلى الله عليه وسلم جعفر !!!! يا مرحباً .
فقام النبي ﷺ وترك القسمة وكان يلبس إزارا ورداء كما يلبس المحرم ....
يقول الصحابة رضي الله عنهم فمن فرحته ﷺ قام وألقى رداءه وأخذ يهرول بالإزار فقط "يعني نصفه الأعلى عاري" حتى إذا وقع نظره عليه .
قال : مرحبا بمن أشبه خَلقي و خُلقي .
"كان أشد الناس شبها بالنبي ﷺ .
قال مرحبا بمن أشبه خَلقي و خُلقي ، وأيمَّ الله .
قال وأيمَّ الله ، لا أدري بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ؟
"فجعل فرحته بقدوم جعفر يعدل فتح خيبر .*
ثم إعتنقه ﷺ وقبله بين عينيه
رحب النبي ﷺ به وبمن معه من أصحابه رضي الله عنهم ثم أجلسهم حوله .
وقال مالذي أقدمكم إلى خيبر ؟
فقال جعفر رضي الله عنه قدمنا المدينة من ثلاث أيام
فعلمنا أن رسول الله في خيبر فلم نبت ليلة واحدة حتى لحقنا بك ....
وكان مع جعفر وفد من النجاشي ....
فقام ﷺ يخدمهم بنفسه "
فقال له أصحابه رضي الله عنهم نحن نكفيك يا رسول الله .
فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين ، وإني أحب أن أكافئهم .
ألم يكرم النجاشي المسلمون عنده وذكرناها .
وهذه أخلاق نبينا ﷺ كان لا ينسى من قدم له المعروف .
وجلس يحدثهم ﷺ
قال ألا تخبروني بأعجب شيء رأيتم بأرض الحبشة ؟
فقال شباب منهم يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء .
"عجوز حاملة جرة فخار على رأسها
فمرت بصبي فدفعها . فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها "انكسرت الفخارة"
فلما قامت التفتت إليه
قالت : سوف تعلم يا غدر .
إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون .
فستعلم أمري وأمرك عنده "أي عند الله"
فقال ﷺ صدقت كيف يقدس الله قوماً .
"أي يكون لهم قدسية وتعظيم عند الله"
كيف يقدس الله قوماً ، لا يأخذ لضعيفهم من قويهم .
وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة "رملة بنت أبي سفيان" ابوها سيد قريش و المكناة "أم حبيبة"
لم تاتي مع الرجال إلى خيبر .
بقيت في المدينة وكان قد عقد عليها النبي ﷺ وهي في الحبشة
"أم حبيبة" رضي الله عنها كانت قد أسلمت وخالفت أهلها واتبعت دين الإسلام
فكانت ممن هاجر "الهجرة الثانية" للحبشة مع زوجها عبدالله بن جحش وكانت حامل
وضعت حملها بالحبشة فوضعت انثى وسمتها "حبيبة" وبها تكنى "أم حبيبة"
عندما وضعت حملها واستقروا بالحبشة وعلموا أن "النجاشي" قد أسلم
ركبت الشياطين رأس زوجها "عبدالله بن جحش" وارتد عن الإسلام هناك وتنصر .
وبقيت هي على إسلامها .
فماهي إلا أيام وشهور ابتلاه الله بمرض فأهلكه فمات نصرانيا .
فأصيبت "رملة" بمصابين .
وبلغ أمرها رسول الله ﷺ
المصاب الأول "أنها أسلمت وعادت أباها وقومها وهجرت مكة "
والمصاب الثاني "أن زوجها الذي تعلقت به وهاجرت معه تنصر ومات "
فأصبحت "أرملة " وابنتها "يتيمة"
فما موقف نبينا الكريم ﷺ والذي قال فيه ربه :
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ .
تصوروا حال "أم حبيبة" وهي بالحبشة غريبة أرملة بنتها يتيمة و تنصر زوجها ثم مات .
ماذا تصنع ترجع إلى مكة ؟
أين ستقيم ؟؟ في دار أبيها "أبو سفيان" أشد رجل عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أين تذهب ؟؟ وماذا تفعل ؟؟
فلما سمع النبي ﷺ أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجها منه ..
ويقول له النبي ﷺ وكلتك نفسي[[ يعني أنت يا نجاشي نائباً عن محمد رسول الله بهذا الزواج ]]
وكلتك نفسي بخطبة "رملة بنت أبي سفيان" من أقرب رحم إليها .
[[ اي انظر من المهاجرين أقرب رحم لها اخطبها لي منه ]]
وطار النجاشي فرحاً أن يكون هو وكيل النبي صلى الله عليه وسلم يمثله بهذا الزواج .
فأرسل إلى المهاجرين فحضروا
فقال : من اقربكم رحماً بأم حبيبة بنت أبي سفيان ؟
فقام رجل اسمه "خالد بن سعيد" رضي الله عنه .
فقال له النجاشي إن رسول الله ﷺ قد وكلني أن اخطب رملة له
وأن أتم الزواج هنا "أي العقد في الحبشة"
فأرسل إلى أم المؤمنين "ام حبيبة" جارية من جواري النجاشي فطرقت عليها الباب "وكانت قد اعتزلت الناس المسكينة ليس لها احد"
ففتحت ... فقالت لها إن الملك قد ارسلني إليك ويقول لك
إن رسول الله قد كتب إليه أن يزوجك منه .
فلم تستوعب "ام حبيبة" الخبر !!!
قالت : أعيدي ما قلتي .
فأعادت الجارية .
قالت . أحقاً ما تقولين ؟
رسول الله يخطبني ؟
قالت . نعم .
فقالت . استحلفك بالله أنت واثقة مما تقولين .
رسول الله الذي في المدينة يخطبني أنا ؟
قالت . نعم وقد أرسلني الملك إليك لتحضري عقد الزواج .
فقالت لها . بشرهُ الله بالخير .
ومن شدة فرحتها خلعت "أم حبيبة" ما معها من أساور من فضة واعتطها للجارية .
وتم العقد وامهرها النجاشي من ماله نيابة عن النبي ﷺ 400 دينار ذهبية . مبلغ كبير .
ثم قام النجاشي وأمر بأن تصنع لهم وليمة .
قال لهم النجاشي : اجلسوا، فإن من سنن الأنبياء إذا تزوجوا أن ياكلوا الطعام على التزويج
فدعا بطعام فأكلوا .
وأصبحت أم حبيبة أم للمؤمنين وزوج لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم رجعت الجارية التي بشرتها واعطتها المهر
فقالت لها ام حبيبة رضي الله عنها لم يكن لدي مال عندما بشرتني لأعطيك .
اما الآن فخذي واعطتها 50 دينار من المهر .
قالت لها الجارية لا إن الملك امرني أن أرُجع لك ما اعطيتني إياها...
فلم تأخذ منها المال وأرجعت لها اساور الفضة التي أخذتها .
وقالت وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر وعنبر و حلي .
ثم قالت الجارية ولكن أريد منك حاجة يا "أم حبيبة"
قالت . ما حاجتك ؟؟
قالت . حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله ﷺ مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه .
تقول أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وكانت تلك الجارية كلما دخلت علي تقول لا تنسي حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله السلام .
ولما سمع ابوها "ابو سفيان" بهذا الزواج .
سُرا بما فعله النبي ﷺ مع ابنته
ورجعت أم المؤمنين "أم حبيبة" مع جعفر إلى المدينة .
ولما رجع النبي ﷺ من "خيبر" بنى بها
تقول أم المؤمنين "أم حبيبة" وأخبرت النبي ﷺ كيف كانت الخطبة وما فعلت معي جارية النجاشي وأقرأته منها السلام .
تقول . فتبسم ﷺ وقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته .
اللهم إن أم حبيبة قد أوصلت سلام الجارية لرسول الله .
✨✨✨✨✨✨
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائة 175
محاولة قتل النبي ﷺ بالسم
قبل أن يرحل النبي ﷺ من خيبر .... كان هناك إمرأة يهودية اسمها "زينب بنت الحارث" وهي زوجة "سلام بن مشكم"
أخوها "مرحب" الذي بارز "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه فشقه "علي" بالسيف نصفين .
جاءت متظاهرة بالكرم "
جاءت "زينب" وهي تتظاهر بأنها جاءت تكرم النبي ﷺ لأنه عفا عنهم ....
بمعنى أنها تريد أن تشكر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يأخذهم بذنب كنانة عندما نقض العهد وأخفى المال ....
قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم شاة مصلية مشوية
وسألت : أي عضو في الشاة أحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل لها : الذراع اليمنى من الشاة .
فجاءت ووضعت عليها السم وأكثرت فيها ....
ثم وضعت السم على الشاة كلها
جاءت مبتسمة وقالت : هذه هدية لك يا رسول الله
تقول يا رسول الله...
إذآ هي مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب المطلق ....
وكان معه عدد من أصحابه رضي الله عنهم ولكن كان أقربهم منه "بشر بن البراء" رضي الله عنه
ومن أدب الصحابة رضي الله عنهم لا أحد يأكل قبل أن يمد يده ﷺ . ...
فلما وضعت الشاة بين يديه ﷺ تناول الذراع ...
وكان من سنته أن ياخذ الذراع بكلتا يديه فيقمض منها قرضاً
فأخذ الذراع ووضعه بين أسنانه وكاد أن يقمض منها "يعضّ"
وكان "البشر" رضي الله عنه بعدما تناول النبي ﷺ الذراع قد أخذ قطعة ووضعها في فمه ولاكها ...
فعندما وضعها النبي ﷺ بين أسنانه ردها وقال : ارفعوا أيديكم
فرفعوا أيديهم ...
فقال إن هذا الذراع ليخبرني أنه مسموم .
وكان "بشر بن البراء" رضي الله عنه قد أكل من الشاة قطعة وابتلعها...
فقال بشر : والذي بعثك بالحق لقد شعرت بذلك من أكلتي التي أكلت ...
[[ يعني من اللقمة اللي أكلتها شعرت أن الطعام فيه طعم غريب ]]
فقال له النبي ﷺ فلم لم تلفظها .
قال بشر رضي الله عنه ما منعني أن ألفظها إلا كراهية أن أنغص عليك طعامك....
نفسي لك الفداء يا رسول الله
ثم أمر النبي ﷺ أن يأتوا له بالمرأة التي فعلت ذلك .
فلما حضرت سألها النبي ﷺ
قال يازينب أوضعتي السم في هذه الشاة ؟
قالت : نعم
فقال ما حملك على ذلك ؟
قالت : قد بلغت من أهلي ما لايخفى عليك .
لقد قتل في خيبر زوجي وأخي وإبني
فقلت أضع لك السم ...
فإن كنت ملكاً متغطرساً نستريح منك .
وإن كنت نبياً أطلعك الله عليه و لم يضرك .
كلام غير مقنع ....
والسبب أن المغضوب عليهم يعلمون أنهم يستطيعون قتل الأنبياء ولا يمنعهم شيء من قتل النبي ﷺ والدليل
قال تعالى .
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ .
لقد قتل اليهود من قبل الكثير من أنبياء الله وهم يعلمون ذلك .
و هذا هو حال المغضوب عليهم في كل زمان .
فهم ليسوا أهل حرب .
بل أهل دس ومؤامرة وهذا هو حالهم مع المسلمين في كل زمان ...
ولأنها صدقت عفا عنها النبي ﷺ .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم ألا تقتلها يا رسول الله ؟
فقال لا قد عفونا عنها .
"لأن النبي ﷺ لم يكن ينتقم لنفسه أبداً
ولكن عندما تأثر "بشر" بالسم وتغير لونه وأصبح لا يستطيع أن يتحرك من مكانه
ومات في اليوم الثاني
أمر النبي ﷺ أن يحضروا زينب وأن تقتل قصاصآ
لأنها قتلت "بشر" رضي الله عنه
واحتجم النبي ﷺ على "الكاهل" وهو الموضع بين الكتفين .
وظل يعتريه المرض كل عام من أثر هذا السم حتى مات بعد ذلك بثلاثة سنوات متأثرا بذلك السم .
كما روى البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت .
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ .
يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ .
فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ .
الأبهر وهو أكبر شريان في جسم الإنسان، والذي يوزع الدم المؤكسج إلى جميع أجزاء الجسم ويخرج من البطين الأيسر في القلب .
النبي ﷺ يخبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن سبب موته "
ولذلك كان ابن مسعود وغيره يقولون أنه ﷺ مات شهيداً
"وذلك إرادة الله ، ليكتمل ﷺ بمراتب الفضل كلها"
كيف وصل خبر انتصار النبي ﷺ في خيبر ؟؟
حدث لا بد أن نذكره ...
أحد الصحابة رضي الله عنهم "الحجاج بن علاط" كان قد أسلم حديثا وشارك في خيبر .
فلما تحقق النصر للمسلمين وهم في خيبر ... جاء إلى النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله .
إن لي بمكة مالاً متفرق عند تجار مكة ...
هل تأذن لي يا رسول الله أن آتي مكة وأن أقول أن أقول :
يعني لا أظهر إسلامي لهم وأقول كلام حتى أتمكن من تحصيل أموالي منهم ...
فأذن له النبي ﷺ ...
فذهب "الحجاج" إلى مكة ...
"وكان أهل مكة ينتظرون الأخبار ويسألون الناس ماذا فعل أهل خيبر بمحمد ؟
لأن كل العرب في الجزيرة العربية يترقبون الخبر ويعلمون أن خيبر لا تغلب على الإطلاق
فلما رآه أهل مكة قالوا : هذا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر .
فأنطلقوا جميعآ إليه ليسمعوا منه الخبر .
قالوا : أخبرنا يا أبا محمد .
فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر .
"القاطع يقصدون النبي ﷺ يدعون أنه قطع أهل مكة وحاربهم وقطع الرحم .
فضحك الحجاج وقال : لقد هزم محمداً هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ...
وقتل أصحابه رضي الله عنهم قتلاً لم تسمعوا بمثله قط .
وقد أخذوه أهل "خيبر" أسيراً عندهم
وقالوا : لن نقتل محمداً حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه هم بين أظهرهم .
فضاجت قريش كلها بين مصفر ومصفق وراقص وواضع يده على رأسه..
فصاحوا وامتلأت مكة بالأفراح .
ثم قال "الحجاج" أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي
الناس المدانين لي ساعدوني احصل منهم المال فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فيء محمد وأصحابه قبل أن يسبقني إليه التجار إلى هناك ....
فجمعوا له كل ماله الذي بمكة
"طبعاً واحد حمل لنا مثل هذه البشارة قامت قريش كلها لتجمع له ماله والذي عليه دين أجبروه على الدفع"
فجاء "العباس" رضي الله عنه عم النبي ﷺ وكان يكتم إسلامه
وقف بجانب "الحجاج" مهموماً مكسوراً مهزوماً حزيناً قد دمعت عيناه ...
قال : يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به ؟
فابتسم الحجاج وقال جئتك والله بما يسرك يا أبا الفضل .
والله لقد تركت ابن أخيك قد فتح الله تعالى عليه "خيبر"
وصارت خيبر وأموالها كلها له ولأصحابه رضي الله عنهم
وتركته عروسآ على إبنة "حيي بن أخطب" سيدهم "أي صفيةرضي الله عنها"
ففرح العباس وقال أحقاً ما تقول يا حجاج ؟
قال الحجاج : نعم والله . ولكن اكتم علي الخبر ثلاثا "أي ثلاثة أيام فإني أخشى الطلب"
وبعدها تكلم بما حدثتك فهو والله الحق ....
ثم أخذ "الحجاج" أمواله وانطلق وترك قريش في فرحة لا توصف ينتظرون أهل خيبر أن يحضروا لهم رسول الله أسيراً مكبلاً بالأغلال ....
فلما مرت ثلاثة أيام قام "العباس" رضي الله عنه اغتسل ولبس أجمل الثياب وتعطر ...
ثم جاء إلى قريش وكانوا مجتمعين عند الكعبة
جاء بكل هدوء وسكينة
فنظر إليه رجال قريش وقالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد على حر المصيبة ...
"يعني جاي ولابس ومتعطر وابن أخوك أسير .
هذا تكابر على مرارة مصيبتك جئت بهذا الشكل لترينا أنك غير متأثر ولست بحزين"
فضحك و قال : كلا والله الذي حلفتم به .
ولكن إبن أخي محمداً قد فتح خيبر وصارت له ولأصحابه رضي الله عنهم
وهذه هي بنت سيدهم حيي أصبحت زوجة له ...
فقاموا واقفين مذهولين
قالوا : أحقاً ما تقول ؟؟ من أتاك بهذا الخبر ؟
قال : الذي جاءكم وأخبركم به "الحجاج بن علاط"
ولقد أسلم واتبع دين محمد
وما قال لكم ما قال إلا ليأخذ ماله ثم يلحق به .
فصاحوا : لقد خدعنا والله
ثم لم تمر إلا أيام قليلة حتى جاءهم الخبر....
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ♡ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ♡
✨✨✨✨✨✨✨
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والسبعون بعد المائة 176
زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.
ذكرنا لكم أن النبي ﷺ أمر بقتل "كنانة بن الربيع بن أبي حقيق"
وكان أحد زعماء اليهود لأنه كان قد أخفى كنز "بني النضير"
وقد كانت شروط الإستسلام تقضي بأن يخرج اليهود من "خيبر" وأن يتركوا أموالهم وديارهم وسلاحهم .
وأن يقتل كل من يخفي مالاً
فلما أخفى "كنانة" أموال "بني النضير" أمر بقتله وسبيت زوجته "صفية بنت حي بن أخطب"
من هي صفية ؟؟
هي إبنة "حيي بن أخطب" أحد زعماء اليهود الذين قتلهم المسلمين في بني قريظة .
وكانت متزوجة قبل "كنانة" من رجل اسمه : "سلام"
أيضاً أحد زعماء اليهود الذين قتلهم المسلمين كذلك .
وعندما أخذت "صفية" في السبي كان عمرها في ذلك الوقت 17 عاما تقريباً
وكانت على صغر سنها قد تزوجت مرتين كما ذكرنا .
كانت "صفية" ذات شرف .
فأبوها كان سيد "بني النضير" وأمها سيدة "بني قريظة"
وكان "بنو النضير" هم أشرف اليهود لأنهم من نسل نبي الله هارون عليه السلام
أخ نبي الله موسى عليه السلام .
حتى كان اليهود يجعلون دية الرجل من "بني النضير" ضعف غيره من سائر اليهود .
فلما أمر النبي ﷺ بضرب عنق "كنانة"
قال ﷺ قم يا محمد بن مسلمة وخذ بثأر أخيك واضرب عنقه .
فقام وضرب عنقه :
ثم قال ﷺ قم يا بلال فأتني بأهله .
فقام بلال وجاء بزوجتيه أحدهما "صفية بنت حيي"
وأخرى كانت قريبة لها بنت عمها .
وجاء بهما "بلال" رضي الله عنه ومر بهما على قتلى اليهود .
فلما نظرت "صفية" ووجدت أكثر القتلى من أهلها مسكت نفسها
أرادت أن تولول ولكن عادة الناس الأشراف والأكابر يمسكون أنفسهم تجلدن لا صبراً خشية الشماتة .
ولكن ضرتها كانت جاهلة
عندما رأتهم ولولت وشقت ثيابها وصكت وجهها وجلست على الأرض وحثت التراب على رأسها .
فانتبه النبي ﷺ إلى هذه الضجة
فقال ما هذا ؟
فقيل له : بلال رضي الله عنه ومعه أزواج "كنانة"
فلما أقبلوا ومازالت تلك الفتاة تولول وتصرخ .
فلما رآها أعرض ﷺ بوجهه عنها .
قال اعزبوا عني هذه الشيطانة . "أي ابعدوها"
ثم نظر النبي ﷺ لبلال بوجه غاضب .
وقال : يا بلال أمررت بالنساء على قتلاهم ؟
قال . أجل .
قال أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما ؟
فاستغفر "بلال" وقال : استغفر لي يا رسول الله .
قال يغفر الله لك .
ثم نظر "لصفية" رضي الله عنها فإذا بلسان حالها ينطق بعكس قومها تماماً .
وإذا بالإيمان يتدفق من وجهها .
فلما نظر النبي ﷺ إليها أطرقت رأسها حياءاً .
ثم لازت من وجهه و وقفت خلف منكبه .
فأمر النبي ﷺ أن ترسل إلى خيمة "ام سلمة" رضي الله عنها
"كان يصحبه من أزواجه في هذه الغزوة أم سلمة"
وأخذت صفية لخيمة "أم سلمة" تكريماً لأدبها
وكان ﷺ يقسم الغنائم كما ذكرنا
فلما فرغ من قسمته ﷺ دخل على خيمة "أم سلمة" ثم نظر إلى صفية .
وقال لها أنتِ .. ابنة حيي بن أخطب ؟
قالت : أجل يا رسول الله .
"يارسول الله : ينبغي لها أن تقول يا ابا القاسم"
قالت . أجل يا رسول الله .
قال أمؤمنة انتِ . وتكتمي إيمانك .
قالت : يا رسول الله .
عندما قدمت إلى يثرب ليلة هجرتك ونزلت بقباء وكنت في ذلك الوقت طفلة لا يتجاوز عمري عشرة أعوام .
وسمع أبي "حيي" وأخوه عمي "أبا ياسر" بقدومك .
كانوا يتحدثون عنك كثيراً أنه أقترب ظهور نبي يسمى نبي آخر الزمن ليس بعده نبي .
وكانوا يرجون أن يكون من ولد "اسحاق"
فلما بلغهم ظهورك في مكة انتظروا وقالوا إن كان هو فسيهاجر إلى يثرب .
نعرفها تماماً "أي هذه العلامة" ونعرف أوصافه .
فلما قدمت إلى قباء خرج أبي "حيي" و عمي "أبو ياسر" مغلسين .
"أي صباحا قبل طلوع الشمس"
حتى أتياك إلى قباء وجلسوا إليك وتكلموا معك .
قال لها النبي صلى الله عليه وسلم اذكر ذلك .
قالت : فرجعا مع مغيب الشمس فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينه .
يحمل أحدهما الآخر "يتكيء أحدهم على الثاني"
قالت : وكنت أحب الأولاد إلى "أبي وعمي" من بين كل أولادهم .
فكانا إذا رجعا أخذاني وحملاني وقبلاني دون أولادهم جميعاً .
ما هششت لهم قط إلا أخذاني وحملاني .
فلما رجعا من عندك من قباء هششت إليهما كما كنت أصنع .
فو الله ما نظر إلي واحد منهما ولم يكلماني .
لا أبي ولا عمي "أبو ياسر"
فوقفت وآجمة "مستغربة" أعي ما اسمع .
فسمعت عمي "أبا ياسر" يقول لأبي : وكان أبي حبر يهود .
قال : أي يا ابن أم : أهو هو ؟
"يعني هو نبي آخر الزمن عرفته من أوصافه"
فقال له أبي : أيِّ وربِ موسى وعيسى إنه هو .
هو الذي نجده عندنا في التوراة وإني أعرفه أكثر مما أعرف ابنتي هذه وأشار إلي .
قال . تعرفه بنعته وصفاته ؟
قال . نعم والله .
قال . فماذا في نفسك منه ؟
قال . عداوته ما حييت ؟؟؟؟
فقال عمي . يا ابن أم أطعني في هذه وأعصني بما شئت .
لا تناصب الرجل العداء .
فإن ظهر أمره دخلنا فيما دخل الناس به ، وإن هلك أصيب على يد غيرنا .
قال . لا .
قال عمي : لَِم تناصبه العداء ؟
قال . لِمَ بعثه الله من ولد "اسماعيل"
ولم يبعثه من ولد "إسحاق.
عداوة قديمة متأصلة .
قال تعالى .
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ ....
قالت صفية رضي الله عنها ووعيت هذا كله فوقع الإيمان في قلبي من ذاك اليوم وأنك نبي .
ولكن كنت لا أملك من أمري شيئاً .
وحين كنت تحت "كنانة"
قلت لكنانة : يا ابن عم "لأن كنانة زوجها ابن عم أبوها "
قلت . يا ابن عم .
إنكم لتعلمون أنه نبي والنبي لا يقهر . فهلا أسلمتم ؟
قالت : فلطمني على وجهي .
ثم قالت : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله خاتم النبين .
فاصطفاها لنفسه ﷺ وألقى عليها الحجاب .
وعرض عليها الزواج فوافقت
وقالت : يا رسول الله .
قد كنت أتمنى ذلك في الشرك
"أي الزواج منك وسنذكر السبب بعد قليل"
فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام ؟
وهكذا تزوجها ﷺ وجعل صداقها هو عتقها .
وبقيت في خيمة أم سلمة أيام وعلمتها الوضوء و الصلاة والطهارة وقد حاضت في هذه الأيام ثم طهرت
كان الهدف من زواجه ﷺ
رحمة بالسيدة "صفية" رضي الله عنها بإنقاذها من السبي بعد أن كانت من الأشراف .
ثم يشرفها بالزواج منه ﷺ وهو قائد المسملين .
فلما ترك ﷺ "خيبر" وأصبح على بعد حوالى 10 كم من "خيبر"
أراد أن يدخل على السيدة "صفية" فامتنعت عنه ....
فوجد منها النبي ﷺ ولكنه لم يراجعها .
حتى إذا ابتعدوا عن أرض "خيبر" ووقف النبي ﷺ للمبيت .
قامت فاغتسلت وامتشطت وتطيبت .
ثم أرسلت امرأة من طرفها إلى النبي ﷺ .
تقول له إن "صفية" تعرض عليك إما أن تأتيها أو تأتيك .
فذهب النبي ﷺ لخيمتها فوجدها قد أعدت نفسها إعداد عروس لعريس تلك الليلة
فجلس في خيمتها .
قال نعم يا صفية .
قالت : فداك أبي وأمي وكل آل حيي يا رسول الله أريد أن أحدثك
ونظر النبي ﷺ في وجهها فوجد في عين السيدة "صفية" اخضرارا من أثر ضربة .
فسألها عن ذلك .
فقالت : قبل قدومك يا رسول الله كان قد زوجني أبي من "كنانة" .
في الليلة التي قبل الزفاف رأيت رؤيا في منامي فأعظمتها .
فلما كان الزفاف قصصتها على "كنانة" فإن عنده علم من علم أهل الكتاب .
رأيت القمر قد جاء ماشيا من يثرب إلى خيبر
فلما استقر واكتمل ووقف فوق "خيبر" وقع واستقر في حجري .
فلما قصتت هذه الرؤيا "لكنانة" وأنا أظن أن لها علاقة بعرسنا
فغضب كنانة غضباً لم أرى مثله من قبل ولطمني على وجهي لطمة .
وقال يا عدوة نفسها أتطمعين أن تكوني زوجة عند ملك يثرب محمد ؟
قالت : ومن غضبه أولها وهو لا يدري .
قلت فوقع ذلك في قلبي وقلت في نفسي أرجو ذلك .
فقال لها النبي ﷺ يا صفية فلماذا رغبتي عني وانتظرتي حتى الآن .
فقالت : خشيت عليك من قرب اليهود فإني خشية والدماء ما تزال حارة .
وإن أنت نمت في خيمتي وعلمت يهود أني أصبحت فراشاً لرسول الله أن يثور الدم في عروقهم من جديد ويثأروا بك غدرا
ووالله ما فعلت ذلك إلا من خوفي عليك من غدرهم يارسول الله .
فزاد هذا الموقف السيدة "صفية" مكانة ومنزلة عند النبي ﷺ .
وتهلل وجه النبي ﷺ ودعا لها بالخير .
ومسح بيده الشريفة على أثر تلك اللطمة فزال ما عليها من آثار وعادت عينها أحسن مما كانت وبنى بها ﷺ .
ومن سنته كان إذا تزوج امرأة جديدة يقسم لها ثلاثة أيام بلياليها "يبقى عندها ثلاثة أيام "
إلا عائشة رضي الله عنها لأنها كانت "بكر" قسم لها سبعة أيام بلياليها .
هناك سؤال يخطر في بال الكثير الآن
كيف دخل النبي ﷺ على صفية رضي الله عنها :
فأين العدة 4 أشهر وعشرة أيام ؟
أولاً :
الذي قام بهذا الفعل النبي ﷺ وهو المشرع عن ربه عز وجل
ثانيا :
كنانة زوج "صفية" السابق مات يهوديآ و ليس بمسلم وزوجته أسلمت بعد موته مباشرة .
"إذن انقطع الرباط بينها وبين زوجها السابق نهائيا"
العدة سببها أمرين :
"الأول" إحترام حق الزوجية للمسلم .
وزوجها السابق كافر وهي قد أسلمت والإسلام يجب ما قبله .
الأمر الثاني : إستبرأء الرحم من حمل سابق .
وقد نهى النبي ﷺ أن يدخل رجل على ذات حمل .
فقال لا يسقي أحدكم زرع غيره .
ولقد أقامت "صفية" رضي الله عنها في خيمة "أم سلمة" بضعة عشرة يوماً
علمتها أحكام الصلاة والطهارة
وبعد أيام توقفت عن الصلاة بسبب الحيض .
فبدورة واحدة تبين خلو الرحم من الحمل
إذآ هنا استبراء الرحم ولا عدة لكافر .
ولما قدم النبي ﷺ إلى المدينة ومعه السيدة "صفية" رضي الله عنها
سمع بجمالها نساء الأنصار .
فجئن ينظرن إليها وجائت معهن أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها وهي منتقبة تخفي وجهها تريد أن ترى السيدة صفية رضي الله عنها...
فلما رآها النبي ﷺ عرفها "أي أم المؤمنين عائشة وكانت تغار كثيرا رضي الله عنها"
فلما خرجت خرج وراءها ﷺ ثم أخذ بثوبها
وقال لها كيف رأيتِ ؟
قالت : رأيت يهودية بين يهوديات .
فقال لها النبي ﷺ لا تقولي هذا ، فقد أسلمت .
وأصبحت "صفية" أم للمؤمنين رضي الله عنها
هل تعلمون كيف كان يدافع عنها النبي ﷺ
لقد هجر أم المؤمنين "زينب بنت جحش" لأنها قالت بها كلمة
و زينب هي أقرب نسب منه ﷺ .
التي زوجه الله إياها في القران الكريم من فوق سبع سموات دون ولي أمر .
قال تعالى فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ..
وكانت زينب رضي الله عنها تفخر على أمهات المؤمنين جميعاً
تقول : ما منكم امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها ، إلا أنا زوجني الله من فوق سبع سماوات .
هذه زينب رضي الله عنها
يغضب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويهجرها ويقاطعها ولا يقسم لها بالمبيت ولا يكلمها منذ خرج لحجة الوداع .
وقبل دخوله مكة حتى قبل موته بأيام.....
لماذا ..
لأنها قالت لصفية رضي الله عنها كلمة تقدح في إيمانها .
في حجة الوداع أخذ أزواجه معه جميعاً ﷺ . رضي الله عنهن
في الطريق جاءت صفية رضي الله عنها
وقالت : يارسول الله برك جملي فلم يقم .
فعالجه لها فلم يقم ....
وفي حجة الوداع .
كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من 20 ألف مسلم خرجوا مع النبي ﷺ ليحجوا وغير الناس الذين سيأتون من الأقطار....
فهل يأخر الركب من أجل جمل ؟
فنظر لأزواجه وكان أكثرهن جمال "زينب" معها أكثر من جمل ....
فقال : يا زينب أفقري أختك جملاً حتى نعود .
يعني اعيريها جمل تركبه حتى نرجع..
فقالت زينب وقد غلبتها نفسها رضي الله عنها وأرضاهاوغفر الله لها .
قالت ورددت في ترفع : أنا أعطي يهوديتك هذه "نسبتها لليهود"
فغضب النبي ﷺ غضباً شديداً
وصاح بزينب وقال مه . بئس ما قلتي يا زينب .
وترك السيدة زينب رضي الله عنها لا يتحدث إليها ولا يكلمها طوال حجة الوداع .
حتى عاد إلى المدينة إلى أن مرض وثقل عليه المرض وبدأ العد التنازلي وعلم أنه مقبوض
ذهب لحجرتها ﷺ .
وكانت "زينب" عندما علمت أنه قد هجرها طوت فراش النبي صلى الله عليه وسلم ونامت على الأرض .
فقام وجاء متعب ﷺ وقد أثقله المرض وكان يتكيء على "علي وعلى العباس" رضي الله عنهم
فقامت زينب رضي الله عنها لما رأته فرحة لم تسعها الأرض من فرحتها قامت تستقبله .
فجاء بنفسه للفراش ﷺ وفرشه ونام تلك الليلة عندها رغم مرضه وتعبه ﷺ نام تلك الليلة عند زينب ، وصالحها .
"ولولا أنه لم يفعل ذلك ما كان كلمها أحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجرها .
من أجل من ؟؟
من أجل "صفية بنت حيي"
لا من أجل جمال صفية وصغر سنها .
بل لأن "صفية" مؤمنة صادقة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم لسماع والدها وعمها .
ومن مواقف النبي ﷺ معها .
كانت أزواج النبي ﷺ فريقان
*عائشة و حفصة و سودة فريق مع بعض *
وباقي زوجات النبي ﷺ فريق .
فحاولت السيدة "صفية" التقرب لضرائرها لكنها كانت كثيراً ما توجه إليها الإهانات والسهام الجارحة تعرض بأصلها اليهودي
طبعاً هي الغيرة عند النساء ولو كنَّ أمهات للمؤمنين رضي الله عنهن...
وكان ﷺ يدافع عنها ويقف إلى جوارها .
و من ذلك أن السيدة: "صفية" إشتكت إليه ﷺ وهي تبكي أن "عائشة و حفصة" رضي الله عنهن تكلمتا وقالتا نحن أكرم على رسول الله منك فنحن بنات عمه وكذا وكذا .
فمسح النبي ﷺ دموعها بيده الشريفة :
وقال لها : ألا قلت وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى عليهم الصلاة و السلام.
وكانت أم المؤمنين "صفية" رضي الله عنها كما قلنا ينتهي نسبها إلى نبي الله هارون عليه السلام
وكان عمها كليم الله موسى عليه السلام
واستمر دفاع النبي ﷺ للسيدة "صفية" حتى آخر أيامه .
وقبل وفاته بيوم واحد كانت تعتريه الحمى فيغيب عن الوعي ثم يفيق وينظر إلى من حوله ثم يعتريه "ما نسميه الغيبوبة" من شدة الحمى صلى الله عليه وسلم
وهو بهذه الحال وقد اجتمعت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً حول فراشه ﷺ .
فكانت أقرب أزواجه إليه السيدة "صفية" رضي الله عنها
فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم تأخذه "الغيبوبة" ثم يفيق .
أشفقت عليه وقالت : إني والله يا نبي الله ليت الذي بك بي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإني أعلم أن الموت حق ولكن لا أطيق أن أراك تغيب ثم تفيق .
فتغامزت عائشة وحفصة بالنظرات ....
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فما راعنا إلا أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيبته ....
وهو يقول قمنَّ فمضمضنَّ أفواهكن .
فقالوا في دهشة من أي شيء ؟
فقال من تغامزكن بصفية .
والذي نفس محمداً بيده
لقد أسلمت فحسن إسلامها وآمنت فكمل إيمانها .
رضي الله عنها
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السابعة والسبعون بعد المائة 177
الرسائل إلى الملوك والزعماء .
رسالة الرسول ﷺ إلى هرقل قيصر الروم .
رجع النبي ﷺ وظن الصحابة رضي الله عنهم أنه سيجلس يستريح بعد صلح الحديبية والقضاء على اليهود في خيبر والإنتهاء من كيدهم ....
فإذا به ﷺ بعد عودته بثلاث أيام يقف ويحمد الله ويثني عليه ثم قال :
أيها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة .*
فأدوا عني رحمكم الله .
ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم عليه السلام .
فقال الصحابة رضي الله تعالى عنهم : وكيف اختلف الحواريون على عيسى عليه السلام يا رسول الله؟
قال دعاهم إلى تبليغ دين الله .
فمن أرسل إلى جهة قريبة اطاع .
ومن أرسل إلى جهة بعيدة كره وأبى .
فقالوا : لن نختلف عليك يا رسول الله .
بدأ النبي ﷺ في إرسال الرسائل إلى الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية ....
قال تعالى :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ .
ويقول تعالى :
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا .
لماذا بدأ النبي ﷺ في دعوة الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية في ذلك الوقت بعد صلح الحديبية ؟
لماذا لم يبدأ في دعوة الملوك والزعماء فور بدء الرسالة ؟
الإجابة هي :
أن صلح الحديبية كان يعني اعتراف قريش بالدولة الإسلامية ....
وقريش هي قبيلة معروفة ليست في الجزيرة فقط .
ولكن في كل دول العالم القديم
وبإعتراف قريش بالدولة الإسلامية أصبح للدولة الإسلامية مكانتها بين دول العالم القديم ....
ولذلك فان من أهم مكاسب صلح الحديبية هو اعتراف قريش بالمسلمين ....
ولو كان النبي ﷺ قد بادر إلى دعوة الملوك والزعماء قبل صلح الحديبية لما التفت أحد إلى هذه الرسائل .
لأنها في ذلك الوقت ستعتبر رسائل مرسلة من جماعة مارقة غير شرعية وليست من دولة لها سيادة ....
فبدأ ﷺ برؤوس تلك الأمم وأعظم دولتين في ذلك الوقت ....
١- كسرى فارس
٢- قيصر الروم .
"كسرى وقيصر" هما لقبان
يعني عظيم فارس وعظيم الروم .
ويقال لعظيم الحبشة "النجاشي"
وكذلك يقال لعظيم الأقباط في مصر "المقوقس"
فأراد النبي ﷺ أن يبدأ بهذه الرؤوس وخاطبهم بلهجة القوي المتمكن ...
كيف لا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤيد من عند الله جل في علاه .
وهو سيد ولد آدم وهو سيد الخلق جميعاً...
فكان كلما خاطب رجل فيهم في رسالة يقول له "أسلم تسلم" بمعنى أنك إن لم تسلم لن تسلم
فأرسل النبي ﷺ في ذلك الوقت عدة رسائل
مع أصحابه رضي الله عنهم وانطلقوا جميعاً من مسجده
١- رسالة إلى هرقل قيصر الروم وحملها {{ دحية الكلبي }} رضي الله عنه
٢- رسالة إلى كسرى ملك فارس وحملها {{ عبد الله بن حذافة }} رضي الله عنه
٣- رسالة إلى المقوقس حاكم مصر وحملها {{ حاطب بن أبي بلتعة }} رضي الله عنه
٤- رسالة إلى النجاشي ملك الحبشة وحملها {{ عمرو بن أمية الضمري }}
ليس النجاشي الذي أسلم عندما نصل لرسالته سنوضح ذلك .
٥ - رسالة إلى {{المنذر بن ساوى}} ملك البحرين وحملها {{ العلاء بن عمرو الحضرمي }} رضي الله عنه .
٦- رسالة إلى {{هوذة بن علي}} ملك اليمامة وحملها {{ سَليط بن عمر }} رضي الله عنه
٧- رسالة إلى {{الحارث بن أبي شَمِر }} ملك دمشق وحملها {{ شجاع بن وهب }} رضي الله عنه
٨- رسالة لأمير {{ بُصرى }} حملها "الحارث بن عمير الاسدي"
بُصرى ليس التي في الشام ...
بُصرى التي ذكرناها بدايةالسيرة التي كان يقيم فيها الراهب بحيرا المعروفة الآن بصيرة الطفيلة...
وهذا الوحيد من الذين حملوا الرسائل الذي قتل ....
من الذي قتله .....؟؟
وعندما أراد النبي ﷺ أن يكتب للملوك
قال له أصحابه رضي الله عنهم يا رسول الله :
إنهم لا يقرؤون كتابا إلا إذا كان مختوما .
فصنعوا للنبي ﷺ خاتم يختم به رسائله مكتوب فيه
{{ محمد رسول الله }}
ونلاحظ في هذا الختم أنه مكتوب من أسفل إلى أعلى :
الله
رسول
محمد
وقد قصد النبي ﷺ ذلك حتى لا يعلو اسم "محمد رسول الله"
وهذا من أدبه ﷺ مع ربه سبحانه وتعالى...
كسرى فارس مقرها "العراق" يعبدون النار ...
قيصر الروم مقرها "الشام" على بقايا تعاليم المسيح عيسى عليه السلام .
أهل كتاب وكانوا في صراع وحروب دائمة ....
عندما كان النبي ﷺ في مكة وجرت حرب بين الروم والفرس
اعتدت الفرس على الروم وهزموهم وأخذوا صليبهم واحتجزوه عندهم لأنهم يعتبرون الصليب رمز عزتهم .
وأهانت الفرس الروم إهانة كبيرة لا يتسع المقام لذكرها.....
الروم كانوا أهل كتاب ....
أما الفرس كانوا يعبدون النار
قريش والعرب كانت تترقب أخبار هاتان الدولتان الكبيرتان
وكانت قريش تميل إلى "الفرس" لأن قريش تعبد الأصنام والفرس تعبد النار ....
فإن إستطاعت الفرس هزيمة الروم لأن الروم أهل الكتاب مثل محمد وصحبه ....
فذلك يعني أننا نستطيع القضاء على محمد ودعوته ....
والنبي ﷺ والمسلمون كانوا يرجون أن تنتصر "الروم"
فلما هزمت الروم اغتم النبي ﷺ والمسلمون لذلك .
وفرحت قريش وأخذت تتوعد من دخل في دين محمد أنه سيأتي يوم لنا ونقضي على دينكم الجديد ...
فأنزل الله على نبيه ﷺ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ .
الله عز وجل يخبر نبيه ﷺ بأن الروم ستغلب الفرس في بضع سنين ....
والبضع عند العرب معروف أقلها ثلاث سنوات وأكثرها تسعة سنوات
وكانت الآيات تأكيد لأهل مكة أن رسول الله مرسل من عند الله تعالى
ففي هذا العام وهذا الوقت الذي أرسل النبي ﷺ رسائله
كان نصر "الروم" على "الفرس " على يد "هرقل" عظيمهم واستعادة الصليب وإجلاء دولة فارس من بلاد الشام .
كما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تماماً...
وكان قيصر الروم "هرقل"
"قيصر" لقب لكل ملك يحكم الروم ....
وسبب تسمية الروم لقب "قيصر" لكل ملك يحكمهم ، هو لقب متوارث عندهم ، لأن حاكم الروم الأول اسمه "قيصر"
أمه عندما كانت تلده ماتت في المخاض ، فلما ماتت شقوا بطنها واخرجوه فسموه "قيصر"
ومعنى قيصر في اللغة : البقير وهو شق البطن....
نسميها اليوم ولادة قيصرية ومن هنا أخذنا نحن هذا المسمى .
وكان قيصر يفتخر بذلك ويقول لم أخرج من فرج ....
"أي ولادته غير طبيعية مثل كل الناس بل قيصرية .
لو يأتي هذا قيصر في زماننا وينظر فقد جعل بعض الأطباء أكثر الناس قياصرة.....
ومن هنا أخذ الإسم كل من يحكم الروم بعده كان يأخذ لقب قيصر ....
كان قيصر الروم "هرقل"
قد انتصر الروم على يديه على الفرس ....
وكان يسيطر في ذلك الوقت على :
١- نصف أوروبا الشرقية
٢- تركيا
٣- الشام
٤- مصر
٥- شمال إفريقيا
لو نظرت للخارطة على هذه الدول كلها مطلة على
"البحر الأبيض " لذلك كان يسمى البحر الأبيض في ذلك الوقت "البحيرة الرومانية"
طبعاً كل الدول التي ذكرتها ، كل حكامها كانوا عبارة عن أحجار شطرنج تحت يد قيصر الروم
وباقي الدول أحجار شطرنج للفرس .....
انتصر "هرقل" على الفرس ، وكان مكان إقامته "حمص"
وكان قد نذر إن نصره الله على الفرس أن يأتي مشياً على قدميه من "حمص" إلى "بيت المقدس" شكراً لله على نصره في حربه ضد الفرس .... فخرج ماشيا .
وكان في مشيه إلى "بيت المقدس"
تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين ليمشي عليها.....
وصادف خروجه لبيت المقدس خروج رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل الرسالة
والذي كان يحملها إليه كما قلنا الصحابي الجليل "دحية الكلبي" رضي الله عنه .
كان يريد أن يذهب بالرسالة إلى هرقل في مقره في حمص .
فلما وصل للشام "الأردن" أخبروه أن قيصر موجود الآن في "بيت المقدس بفلسطين"
فحول طريقه إلى فلسطين ليسلمه الرسالة هناك .
كان "دحية" رضي الله عنه : حسن الهيئة وحسن الوجه .
له ميزة خاصة من الله عزوجل وهي أن جبريل عليه السلام كان عندما يأتي إلى النبي ﷺ في صورة بشرية ....
كان يأتيه في صورة رجل حسن الهيئة يشبه "دحية" رضي الله عنه..... وعندما يرى النبي ﷺ جبريل عليه السلام على شكل دحية رضي الله عنه كان يعرفه يقول مرحبا بأخي جبريل .
كان ﷺ يختار السفير حسن الهيئة والوجوه ....
نص رسالة النبي ﷺ إلى هرقل
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم .
سلام على من اتبع الهدى
أما بعد :
فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين .
أي لإيمانك بعيسى ثم بمحمد ...
فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين..
أي الفلاحين وهو يقصد البسطاء من كل رعايا الإمبراطورية الرومانية لأن البسطاء الغالب عليهم الجهل وهم على دين ملكهم ....
فإن آمنت بوحدانية الله آمنوا معك .
وإن كفرت فإثمهم في رقبتك .
ثم ختم الرسالة بقوله تعالى :
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
انطلق بهذه الرسالة "دحية" رضي الله عنه... استأذن بالدخول عليه
فلما دخل أعطاه الرسالة فلما نظر وقرأ له الترجمان مافيها
كان يقف بجانب الترجمان أخ "هرقل"... فلما سمع الترجمان يقرأ.... "من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم"
ضرب صدر الترجمان ضربة شديدة ، ونزع الكتاب من يده، وأراد أن يقطعه...
فقال هرقل لأخوه ما شأنك؟
فقال : تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا ؟
فقال له هرقل إنك أحمق صغير .
أتريد أن تمزق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟
ولعمري إن كان رسول الله كما يقول
لنفسه أحق أن يبدأ بها مني .
فلما انتهى الترجمان من قراءة الرسالة ...
قال هرقل : هذا كتاب لم أسمع بمثله .
وكان هرقل متدينا وذو علم .
وكان يعلم من الكتب التي قرأها من كتب أهل الكتاب أن هناك نبيا خاتما بعد عيسى عليه السلام وقد بشر به "عيسى وموسى عليهما السلام"
وقرأ صفاته في تلك الكتب .
ولكن "هرقل"
لم يكن يعلم أن هذا الرجل الذي أرسل إليه هذه الرسالة هو هذا النبي أم لا ....
ولذلك لم يتعجل في الرد على "دحية الكلبي"
وأمر جنوده أن يأتوا له ببعض العرب من أهل مكة لكي يسألهم عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي ظهر في بلادهم .
وقال هرقل لصاحب شرطته : إقلب الشام ظهرآ إلى بطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه ...
طبعاً الآن قريش كانت قد خرجت لتجارتها للشام ...
لأنهم قد خرجوا فور التوقيع على صلح الحديبية بعد أن أمنوا على تجارتهم .
وكان من بين هؤلاء التجار "أبو سفيان بن حرب" زعيم قريش .
فقبض الجنود على بعض التجار من مكة الذين كان يتاجرون في غزة ...
والذي قص ما الذي جرى هو "أبو سفيان بن حرب" نفسه بعد إسلامه...
وهذه القصة موجودة في صحيح البخاري رحمه الله
يقول أبو سفيان : أنه دخل مع أصحابه من التجار إلى مجلس "هرقل"
وكان جالساً على عرشه وعليه التاج وحوله حاشيته من الوزراء والأمراء وقادة الجيش والعلماء ورجال الدين ...
سأل هرقل التجار عن طريق ترجمانه ...
أيكم أقرب نسبآ لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا إليه
"أبو سفيان يلتقي مع النبي ﷺ في الأب الرابع وهو "عبد مناف"
ولم يكن بين التجار من هو أقرب إلى النبي ﷺ من أبو سفيان .
وانظروا إلى السياسة الحكيمة...
"هرقل" يريد أن يصل إلى الحقيقة .
قال هرقل : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره .
"أي اجعلوا بقية التجار يقفون خلف أبا سفيان"
ثم قال لترجمانه ...
قل لهم : إني سائلٌ هذا الرجل "يعني أبا سفيان" فإن كذبني فكذبوه...
وجعل أصحابه خلفه لأنهم قد يستحون أن يكذبوه في وجهه .
ولكن يمكن أن يكذبوه وهو لا ينظر اليهم .
وهذا يدل على حكمة {{ هرقل }}} ودقته ...
ويدل أيضاً على شدة إهتمامه بقضية الحبيب المصطفى ﷺ
وبدأت أسئلة "هرقل" أو استجواباته و "أبو سفيان" يرد عليه
ولنتخيل الموقف كأنه أمامنا تماماً
هرقل جالس على عرش ملكه ومن حوله حاشيته من الوزراء ، والأمراء ، وقادة الجيش ، والعلماء ، ورجال الدين
"ابو سفيان" يقف أمامه
ورجال قريش يقفون خلف أبو سفيان عيونهم متجهة للملك هرقل ...
ثم تدبروا أسئلة "هرقل" التي تدل على عقلانية وحكمة ...
فالسؤال الواحد لايحتمل "اللت والعجن" في الجواب حتى لا يعطيه جواب و كلام يفسر بأكثر من معنى ...
أسئلة لا تحتمل الجواب عليها إلا "نعم أو .. لا "
وأسئلة يجاب عليها فقط ببضع كلمات...
قال هرقل لترجمانه اسأله
كيف نسبه فيكم ؟؟
قال : هو فينا ذو نسب .
هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
[[ هل في شخص قبله ، قال انه نبي قبله ، ماذا يجيب نعم او لا ]]
قال أبو سفيان . لا .
هل كان من آبائه من ملك ؟؟
قال ... لا .
هل أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟؟
قال : بل ضعفاؤهم
أيزيدون أم ينقصون ؟؟
قال : بل يزيدون
فهل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
[[ يعني هل يرتد أحد عن دينه بسبب التعذيب ]]
قال . لا
هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال . لا
هل يغدر ؟؟
يقول أبو سفيان : لم أجد سؤال أدُخل فيه كلمة ريبة إلا هذا السؤال .
قال : نحن معه في مدة لا ندري ماهو فاعل فيها .
يعني هو لم يغدر من قبل، ولكن نحن الآن في هدنة .
لا نعلم هل سيغدر فيها أم لا .
يقول أبو سفيان : فوالله ما التفت إليها مني...
"يعني تجاهل هذه الكلمة كأني لم أقلها"
يقول أبو سفيان وهو الذي حدث بهذا بلسانه إلى العباس لما رجع
وراوي الحديث العباس وابنه رضي الله عنهما والحديث للبخاري رحمه الله..
يقول : كنت تمنيت أن استطيع أن أكذب فأشوه صورة "محمد" بين يدي "هرقل"
ولكن خشيت أن يؤثر علي الكذب بين قومي ...
وقال : فهل قاتلتموه ؟
قال . نعم
فكيف كان قتالكم إياه ؟
قال . الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه .
ماذا يأمركم ؟؟
قال : يأمرنا ويقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا .
وينهانا عما كان يعبد آباؤنا .
ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة ...
"لاحظوا قول أبو سفيان ينهانا عما كان يعبد آباؤنا .
يعني كأنه يقول عذره في عدم اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم
وأراد أبو سفيان أن يطعن في صدق النبي ﷺ .
فقال . أخبرك عنه أيها الملك خبراً تعرف به أنه قد كذب
قال : وما هو ؟
قال : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح .
[[ يقصد حادثة الاسراء والمعراج ]]
فوقف أحد البطاركة المسؤولون عن المسجد الأقصى وكان بجانب هرقل
قال : صدق أيها الملك
فنظر إليه هرقل
فقال : ما أعلمك بهذا ؟
قال : إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد .
فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني
"أي لم أستطيع إغلاقه "
فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلآ
"كأن الباب جبل لا نستطيع تحريكه"
فدعوت النجارين فنظروا إليه
فقالوا : لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح
فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب ،وإذا فيه أثر مربط الدابة ...
فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر
فقال هرقل لقومه : يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبياً بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم ؟
قالوا . بلى .
قال : فإن الله قد جعله في غيركم
ثم نظر "هرقل" لأبي سفيان ولحاشيته من الوزراء والأمراء والعلماء ورجال الدين .
وبدأ يذكر سبب هذه الأسئلة بالتحديد وما هي استنتاجاته
فقال للترجمان قل له .
سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب
وكذلك الرسل تبعث في أشرف نسب قومها
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فقلت لا
فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بمن قبله
"أي يقلد غيره"
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فقلت لا
فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال . فقلت لا .
فلم يكن ليصدق مع الناس ويكذب على الله
وسألتك هل أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم
فقلت أن ضعفائهم
فالضعفاء هم اتباع الرسل
لان على مر الزمن دائما الضعفاء هم من يتبعون الرسل اما الاشراف ما عندهم استعداد للتنازل هم اكبر من هيك .
وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون
وكذلك أمر الايمان حتى يتم
وسألتك أيرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل . فقلت لا
وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلباً ، فتخرج منه
وسألتك هل يغدر ، فقلت لا
وكذلك الرسل لا تغدر
وسألتك بما يأمركم ؟؟
فذكرت إنه يأمركم ان تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان .
ويأمركم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة .
إعلم يا هذا "هرقل : يقول لابي سفيان"
إعلم يا هذا إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين
وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم
فلو أني أعلم أني أخلص إليه
[لو أستطيع أن أصل إليه ]]
لتجشمت لقاءه [[ أي تحملت المشقة للقاءه ]]
ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه
[[غسلت رجليه طبعا وغسل القدمين من الطقوس الدينية المسيحية يقوم بها القساوسة الآن يوم واحد في العام في {{خميس العهد }} لإظهار الحب والتواضع .
وعندهم أن عيسى عليه السلام قد غسل أقدام تلاميذه .
ثم طوى الرسالة ، وقبَّلها و وضعها على رأسه ، ثم أمر أن تحفظ في الديباج
"يعني كيس من حرير"
يقول أبو سفيان : فلما قال هرقل ما قال كثر عنده الصخب .
"أي ارتفعت أصوات الحاشية من حوله ينكرون على هرقل ما قال"
فأمر أن نخرج . فخرجنا ....
فنظرت إلى أصحابي وقلت :
لقد بلغ من أمر "ابن أبي كبشة" أن يخافه ملك بني الأصفر .
وكان المشركون يصفون النبي صلى الله عليه وسلم ﷺ ابن أبي كبشة : سخرية منه واستخفاف لا يقولون بن عبد المطلب ، ينسبونه لزوج مرضعته حليمة"
كثر الصخب وارتفعت الأصوات عند "هرقل" فقام وانطلق متوجهًا من الأقصى إلى حمص .
وأخذ معه حامل الرسالة "دحية" رضي الله عنه
فلما وصل لمقر حكمه في حمص
أمر أن يجتمع عنده عظماء الروم في دسكرة له "اي مقر القيادة"
فلما اجتمعوا أمر أن تغلق الأبواب
ثم قال . يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟؟
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب .
لم يعجبهم الكلام .
غضبوا وقاموا يهربوا مثل الحمار الوحشي عندما يلحقه أسد
فوجدوا الأبواب قد أغلقت..
فقالوا له : اتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيدا لأعرابي ؟
فقال لجنده ردوهم عليّ :
وقال . إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت
فسجدوا له ورضوا عنه .
"خاف يسحبوا الملك منه وينقلبوا عليه .
لو تفطن "هرقل" لقوله ﷺ في الكتاب أسلم تسلم
لسلم لو أسلم من كل ما يخافه
ولكن التوفيق بيد الله تعالى
وكان "قيصر" يوقن من الكتب التي قرأها أنه في يوم الأيام سيتحول كل الملك الذي بين يديه إلى الرسول ﷺ .
ووجد هرقل نفسه بعد ذلك منجرفا ومنقادا لحرب المسلمين في "مؤتة و تبوك"
ثم بعد ذلك الحروب المتتالية في الشام ومصر في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم
كان هذا هو موقف الدولة الرومانية .
أكرم هرقل "دحية" وحمله بالهدايا وأكرمه غاية الإكرام
وقبل أن يغادر دحية رضي الله عنه...
جاءت رسالة لهرقل من والي دمشق ...
انظروا إلى تعامل هرقل واستقباله لرسالة النبي ﷺ و المرسل....
وانظروا إلى عماله من العرب كيف استقبلوا الأمر ...
"شرحبيل" وكان والي على البلقاء ...
عندما رأى حامل الكتاب .
قال له : إلى أين ؟؟
قال : إلى ملك بُصرى .
قال : لعلك من رسل محمد الذي يزعم أنه نبي ؟
قال . نعم .
فما كان من "شرحبيل بن عمرو الغساني" عربي أصيل...
فضرب عنقه فورا قبل أن يستلم الكتاب ...
يريد أن يعطي الثقة الكاملة لمن ولاه...
الخوف ليس من الكبار الخوف من الأذناب...
وهكذا بعض العرب إذا كان عنده ولاء.... حتى يبيض وجه لهرقل الذي ولاه و يظهر له إخلاصه
غضب النبي ﷺ غضباً شديداً وحزن ...
لم يقتل من رسله إلا هذا
لأن الرسل في عرف الأمم لا تقتل حامل الرسالة....
لا يقتل لا يتحمل ما كتب فيها
وبسبب مقتل حامل الرسالة كانت "غزوة مؤتة"
التي وقف فيها الكون كله
سنذكرها لاحقآ بعد عمرة القضاء إن شاء الله تعالى
وانظروا للوالي الآخر من العرب كذلك...... عظيم دمشق
ولاه "هرقل" على دمشق اسمه "الحارث بن أبي شَمِر"
والذي حمل الرسالة إليه هو الصحابي "شجاع بن وهب رضي الله عنه"
عندما أتاه حامل الرسالة ....
قرأ الرسالة.... عندما قرأ الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم .
أحمر وجهه الحمش وغضب...
وقال : من ينزع مني ملكي ؟؟
إني سائر إليه...... ولو كان باليمن لجئته إليه
وقال لصاحب الرسالة : اخبر صاحبك ما سمعت ......
ونادى : يا قائد الجند جهز لي جيشا اغزو المدينة ....
فتذكر بأنه ليس هو صاحب الأمر والنهي وأنه عبارة عن حجر شطرنج وضعه هرقل بهذا المكان ....
فأرسل رسولاً من طرفه إلى "هرقل" في حمص ....
يقول له : فعلت وفعلت وأنا أجهز جيش لغزو المدينة ....
يريد الإذن منه....
يقول دحية رضي الله عنه :
جاء رسول "بن أبي شمر" ملك الشام لهرقل وأنا عنده ....
فغضب هرقل غضباً شديداً .
وأمر أن يرسل إليه لا تفعل ولا تزعج الرجل وأكرم وفادة حامل الرسالة ....
فجاءت الرسالة لابن أبي شمر من هرقل .
فقام "بن أبي شمر" واعتذر للرسول وحامل الرسالة وأكرمه وحمله هدايا...
و هكذا بيبرد رأسهم لما يجيهم الأمر من فوق .
وما أشبه اليوم بالأمس
وسبحان الله ربنا الذي قال
وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس ....
هرقل عظيم الروم استقبل الرسالة وكاد أن يسلم .....
والذين تحت يده من العرب هم الذين أساؤوا التعامل...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثمانون و السبعون بعد المائة 178
رسالة النبي ﷺ إلى كسرى ملك الفرس .
أرسل النبي ﷺ إلى "كسرى" ملك فارس رسالة يدعوه فيها إلى عبادة الله تعالى وحده..
ذكرنا أن "فارس" هي واحدة من أكبر دولتين في العالم في ذلك الوقت .....
لأن العالم في ذلك الوقت كان مقسماً بين
الإمبراطورية الفارسية في الشرق ....
والإمبراطورية البيزنطية في الغرب ....
وكسرى هو لقب كل من يحكم الإمبراطورية الفارسية ...
كما أن "قيصر" كان هو لقب كل من يحكم الإمبرطورية البيزنطية
كسرى الذي أرسل إليه النبي ﷺ الرسالة كان إسمه "خُسرو الثاني" وكان لقبه "إبرويز" يعني : المنتصر .
لأنه كان قد حقق انتصارات كبيرة على الروم ....
والذي حمل الرسالة هو "عبد الله بن حذافة" رضي الله عنه .
وعبد الله بن حذافة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أسره الروم .
وحاول ملك الروم أن يجعله يتنصر فرفض
"والقصة طويلة"
ولكن وصل الأمر إلى أن ملك الروم .
قال له : تنصر أشركك في ملكي فأبى ... رضي الله عنه
فأمر به أن يصلب ثم أمر أن ترمى عليه السهام فلم يجزع
عبد الله بن حذافة رضي الله عنه
فأمر قيصر بإنزاله وأمر بقدر فصب فيها الماء وأغلي عليه وأمر بإلقاء أسير فيها حتى ذابت عظامه .....
فأمر بإلقائه إن لم يتنصر
فلما ذهبوا به بكى ....
قال : ردوه .
فقال له : لم بكيت ؟
قال : تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في سبيل الله تعالى فتعجب ملك الروم .
وقال له : قبَّل رأسي وأنا أخلي عنك .
فقال : وعن جميع أسرى المسلمين ؟؟
فقال : نعم .
فقبل رأسه فأطلق سراحهم ...
فلما رجعوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقصوا عليه ما حدث ...
وقف عمر رضي الله عنه وقام إلى "عبد الله بن حذافة" وقبل رأسه ...
هذا هو الصحابي الجليل الذي حمل الرسالة لكسرى .
"عبد الله بن حذافة" رضي الله عنه
شخصية صلبة جداً ومعتزة بنفسها ... ولذلك فلن يهتز عندما يدخل على كسرى وهو في ملكه
ولذلك إختاره النبي ﷺ لهذه المهمة ....
كان يعلم النبي ﷺ أن الكبرياء في نفس "كسرى" غير ما هو عند "هرقل"
لأن هرقل رجل "كتابي" أي من أهل الكتاب فهو يعظم ذكر شيء اسمه أنبياء...
أما "كسرى" رجل يعبد النار فلا يوجد عنده هذا الطبع .
فقال النبي ﷺ لحامل الرسالة "عبدالله" تسلم الكتاب لأمير البحرين .
"أمير البحرين الذي هو من طرف كسرى ، عامل عند كسرى ويرفعه هو إلى كسرى"
يعني مهد له المسألة حتى تلين نفس كسرى ويتقبل الأمر
وفعل عبدالله بن حذافة ذلك ودفعه لأمير البحرين وأمير البحرين رفعه إلى كسرى .
طلب أمير البحرين الأذن من كسرى فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه ....
فدخل "عبد الله بن حذافة" على كسرى وهو يحمل رسالة النبي ﷺ .
فأومأ كسرى إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده ...
فقال عبدالله رضي الله عنه إنما أمرني رسول الله أن أدفعه لك يدآ بيد وأنا لا أخالف أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال كسرى لرجاله : اتركوه يدنو مني .
فاقترب من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده .
لننظر ونتفكر كيف كان النبي ﷺ يخاطب كل واحد بما ينبغي وبما يليق
فإن "قيصر الروم" كما قلنا نصراني ينسب لأهل الكتاب .
ولكن كسرى "فارسي" و لا يدينون بدين بل يعبدون النار .
فصيغة كتابه لقيصر "النصراني" تختلف عن صيغة خطابه لكسرى "الناري"
دفع كسرى الخطاب إلى المترجم وقرأ فيه ...
بسم الله الرحمن الرحيم .
كل رسالة كان يرسلها كانت تبدأ بالبسملة ...
قال ﷺ كل شيء لا يبدأ فيه بإسم الله فهو أبتر . أي مقطوع البركة .
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس * *سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .
وأدعوك بدعاء الله .
فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين .
فإن تُسلم تَسلم . وإن أبيت فإن عليك إثم المجوس .
هنا انتهت الرسالة
هل لاحظتم ؟
لم يقل له مثل قيصر يؤتك الله أجرك مرتين .
لأن قيصر كان يدين بالنصرانية
فإن اتبعتني يؤتيك الله الأجر مضاعف .
أجر إيمانك بعيسى عليه السلام وأجر إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم..
وختم رسالته ﷺ لقيصر بآية
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
ولم يختم رسالته لكسرى بهذه الآية ...
فكان ﷺ يخاطب كل رجل بما يليق به رسائله .
فليس الخطاب الواحد يصلح للناس جميعاً .
وما أن سمع "كسرى" رسالة النبي ﷺ حتى استشاط غضباً وأخذته العزة بالإثم...
وخطف الرسالة من يد المترجم ومزقها ....
وهو يقول في غطرسة : عبد من رعيتي يكتب اسمه قبلي .
ثم أرسل عامله على بلاد اليمن على الفور ...
"لأن اليمن كانت تابعة للإمبراطورية الفارسية"
وكان عامله على اليمن إسمه "باذان" .
طلب منه كسرى أن يبعث رجلين من رجاله ليأتي برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال الرسول ﷺ وإذلال المسلمين
لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط
والذي يرسلهما هو أحد عماله
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
ذكرنا من قبل كيف يكون العرب من غير عقيدة ودين.
ذيل الروم من العرب قتل حامل الرسالة ...
وذيل الفرس الآن يمتثل فوراً لسادته ويرسل رجلان ضخمان أقرعان...
خرج الرجلان وفي الطريق مروا بالطائف ...
فعلم أهل الطائف أن كسرى يطلب محمد صلى الله عليه وسلم
ففرحوا واستبشروا ....
وقال بعضهم لبعض : أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك
كفيتم الرجل .
سمع "عبدالله بن حذافة"
كل هذا ....
ورجع إلى المدينة مسرعآ وأخبر النبي ﷺ بما حدث وأنه قد أرسل إلى عامله باليمن رجال ليأخذوك إليه ومزق الرسالة
فسخر النبي صلى الله عليه وسلم وضحك ...
وقال : مزق الله ملكه .
"وقد كان ذلك في غضون سنوات قليلة من ذلك الموقف"
مزَّق الله تعالى مُلك كسرى تماماً وسقطت الإمبراطورية الفارسية على أيدي المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
ووصل الجنديين إلى "المدينة المنورة"وكانوا يحلقون رؤوسهم واللحية و شاربهم طويل...
فلما رءاهم النبي ﷺ أشاح بوجهه عنهما ...
أي لم يستطع أن ينظر إليهما "
قال : من أمركم بتغير خلق الله ؟
قالا : ربنا "ربهم يعني كسرى"
وأبلغوا النبي ﷺ بما قال "كسرى"
وقالا له وإن أبيت فهو من قد علمت ...
فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك
وكان الوقت ليل ....
قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : اذهبا الآن و أتاني غداً .
فأخذهم أحد الصحابة رضي الله عنهم وآواهم عنده ...
وفي وقت الصبح عند الضحى أتي بهما إلى النبي ﷺ
فلما دخلا عليه :
قال لهما النبي ﷺ أدعوكما إلى الله أن تسلمان وتؤمنان بالله وأني محمد رسول الله .
فأرتعدت فرائصهما من هذه الكلمات ووقفا ولم يجيبا بشيء
وقالا : وإنما نحن رسل نبلغ
فقال لهما : إرجعا إلى صاحبكما في اليمن وأخبره .
إِنَّ ربي قتل ربَّه هذه الليلة بعد منتصف الليل وإن إبنه شيرويه هو الذي قتله .
وبالفعل في هذه الليلة :
قتل كسرى فارس "خسرو الثاني" الملقب "أبرويز" على يد إبنه شيرويه ...
فلما قال النبي ﷺ ذلك للجنديين فزعا ...
وقالا له : هل تدري ما تقول ؟
إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا أفنكتب عنك هذا ونخبر الملك باذان ؟
"يعني هل تعلم أن الذي تقوله شيء كبير ، فإن كسرى من رسالة منك أقام الدنيا وأقعدها
فكيف إذا أخبرناه أنك تقول عنه أنه مقتول على يد إبنه "
فقال النبي ﷺ في كل هدوء وثقة :
نعم أخبراه ذاك عني .
وقولا لباذان إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي إلى الخف والكراع .
"أي كل البلاد التي تحت سيطرته ستكون تحت سلطة النبي ﷺ حتى الأنعام والمواشي"
وقولا له : إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك .
في الطريق قال أحدهما للآخر إن صدق فهو حقاً رسول من عند الله .
وصل الجنديان إلى "باذان" ملك اليمن وأخبره برسالة النبي ﷺ
قالا له : إن للرجل هيبة لا يجرؤ أحد أن يدنو منه .
إذا حدثنا ترتعد فرائصنا .
وقد أخبرنا أن ربه قد قتل ربنا
وأن إبنه "شيرويه" قد إعتدى عليه فقتله وأن إبنه قد انتزع الملك منه ....
قال باذان إن كان نبيا حقا فسيكون ما قال ...
ننظر فإن صحت أخباره آمنا به واتبعناه ..
وما لبث أيام حتى جاءه خطاب من "شيرويه" إبن كسرى الزعيم الجديد في بلاد فارس
إلى "باذان" عامله على اليمن .
يقول فيه إنه قد قتل أباه أبرويز ...
لأن أبرويز قد قتل الكثير من أشراف فارس ...
ويطلب منه بيعة أهل اليمن .
فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه "أي النبي" فلا تزعجه حتى يأتيك أمري ...
يظن أن باذان قد قبضه لا ترسله إلى دعه عندك"
وعلم "باذان" الليلة التي قتل فيها "أبرويز"
فوجد أنها هي نفس الليلة التى أخبر عنها النبي ﷺ .
فأيقن أنه رسول الله وأن الذي أخبره هو وحي من عند الله تعالى ....
لأن المسافة بين المدينة والمدائن هائلة وبعيدة...
ويستحيل على أهل هذا الزمن بأي صورة من الصور أن يعرفوا الأحداث التي تحدث في بلد آخر إلا بمعجزة خارقة .
وهنا أخذ "باذان" قرار الإسلام فوراً
أسلم "باذان" من معجزة إعلامية للنبي ﷺ .
وأسلم أبناؤه وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وأسلم الرسولان اللذان بعثهما باذان إلى رسول الله .
ثم أسلم بعد ذلك كثير من أهل اليمن .
وكان إسلام اليمن إضافة كبيرة جداً لقوة المسلمين .
أما كسرى فارس الجديد "شيرويه" فلم يفكر في الإسلام
وظلت العلاقات بين الدولة الإسلامية والفارسية متجمدة .
إلى أن بدأت المواجهات بين الدولتين في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين وجزاه ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين وجمعنا بهم في جنات النعيم.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٠/٧/٢٠٢١ ٧:١٠ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة 179
المقوقس حاكم مصر .
كان "المقوقس" مسيحيا وتابعآ للإمبراطورية الرومانية .
نأخذ صورة عن حال مصر
فعندما نقول : "القبط" في مصر
لم تكن مصر من "العرب" يعني الأقباط لم يكونوا من العرب
والذي قرأ التاريخ يعرف تماماً هذا الكلام ولا يستغربه ....
فكان الذين يسكنون مصر أقباط وليسوا من العرب ....
وكيف أصبحت مصر عربية ومن أكبر دول العرب ؟؟
بعد فتحها على يد "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وسكنها الصحابة رضي الله عنهم
وأصبح بين أهل مصر والصحابة رضي الله عنهم من العرب مصاهرة فكثرت العرب فيها وأصبحت عربية ...
نحن نتكلم عن مصر في عهد النبي ﷺ
اما الآن فمصر هي من أهم دول العرب بل تسمى أم العرب.
وكانت لغة أهلها "اللغة القبطية" اللغة الأم قبل الفتح الإسلامي
وكان لهم دراية باللغة العربية
وعندما انتشر الإسلام في مصر وانتشار الصحابة رضي الله عنهم فيها تغلبت اللغة العربية فيها وانتشرت فأصبحت اللغة العربية "لغة القرآن" هي اللغة الأم في مصر ....
أما اللهجة العامية "اللهجة المصرية" جاءت من تأثرها مع بعض اللغات .
فأشربت العربية بلغات أخرى مع أن مصر أصبحت لغتها الأم هي العربية .
ولكن بقيت متأثرة
باللغة القبطية ، والإنجليزية واليونانية ، والتركية ، والفارسية ، والإيطالية ، والفرنسية ...
وذلك بسبب موقعها بين القارات أسيا وإفريقيا ...
كان الأقباط في مصر وعظيمهم "المقوقس" يدينون بالنصرانية .
فخاطبهم ﷺ بالصيغة التي خاطب فيها عظيم الروم "هرقل" لأنهم أهل كتاب .
والذي حمل الرسالة هو "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه .
وعندما توجه "حاطب" إلى مصر ، وجد "المقوقس" قد رحل إلى الإسكندرية "مقر حكمه"
فتوجه إليه وسلمه رسالة النبي ﷺ .
وكان نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط .
سلام على من اتبع الهدى .
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم .
يؤتك الله أجرك مرتين .
فإن توليت فإنما عليك إثم القبط .
[[ تماماً كما قال لهرقل عظيم الروم .
الأجر الأول إيمانك بالمسيح عيسى عليه السلام وإتباعك له
والأجر الثاني إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعك له
ثم ختم الرسالة بالآية الكريمة كما ختمها لقيصر ...
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
يقول حاطب رضي الله عنه : عندما أعطيته الرسالة قرأها وأمعن النظر فيها
وأعاد القراءة أكثر من مرة
ثم طوى الرسالة وقبلها ووضعها في قطعة من حرير ...
ثم وضعها في صندوق وأمن عليها جارية خاصة له مقربة له بالقصر .
وأمر أن يجهز لي مكان للراحة في قصره .
يقول حاطب رضي الله عنه فبعد أن أخذت راحتي دعاني لمجلسه وقد جمع عنده أكابر حاشيته
ثم قال لي : إذا كان صاحبك كما تقول نبي...
والنبي مؤيد من ربه ...
قال حاطب : نعم .
فقال المقوقس : إذآ ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده مكة إلى غيرها أن يهلكهم الله فلا يبقى له عدو .
فقال له حاطب رضي الله عنه بكل هدوء
قال : ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله ؟
قال : بلى .
قال حاطب رضي الله عنه فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى .
لكنه صبر حتى رفعه الله إليه ؟
فتبسم المقوقس وقال : أحسنت جواباً .
أنت حكيم جاء من عند حكيم
ثم قال : لقد قرأت الرسالة وفهمتها فأمهلني الآن ...
يقول حاطب رضي الله عنه فمكثت عنده ثلاثة أيام لم يراجعني بشيء فلم يقرب ولم يبعد .
"يعني لم يعلن أنه يريد أن يسلم ولم يرفض"
ثم دعاني بعد ثلاثة أيام إلى مجلسه ....
وأخذ يسألني عن الإسلام ، ويسأل عن النبي ﷺ ...
ثم قال المقوقس لي هذه صفته .
وكنت أعلم أن نبياً قد بقي وكنت أظن أن مخرجه بالشام .
فأراه قد خرج من أرض العرب
ثم دعا كاتبه وكتب إلى النبي ﷺ
وهو الوحيد الذي رد على النبي برسالة
نص الرسالة :
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط .
[[ لم يقدم اسمه على إسم النبي ]]
سلام عليك .
أما بعد
فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه .
وقد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام .
[[ أي من بني اسرائيل ]]
وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم .
وكسوة وقد أهديت لك بغلة تركبها والسلام .
أرسل المقوقس الهدايا للنبي ﷺ .
منها جاريتين
"مارية القبطية" التي تزوجها النبي ﷺ التي أنجبت له "إبراهيم " عليه الصلاة والسلام
"و سيرين" التي تزوجها "حسان بن ثابت" رضي الله عنه.
نكمل بمشيئة الله تعالى تفاصيل الهدايا ونتائج هذه الرسالة للمقوقس ..
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقه الثمانون بعد المائة 180
هدايا المقوقس للنبي ﷺ .
وزواجه من مارية القبطية
اقتنع "المقوقس" بالإسلام وأيقن بنبوة النبي ﷺ لكنه لم يدخل في الإسلام ....
يقول حاطب رضي الله عنه أرسل معي المقوقس هدايا للنبي ﷺ .
١ - الجاريتان"
مارية القبطية رضي الله عنها أنجبت "إبراهيم عليه الصلاة والسلام... ابن النبي ﷺ
لأن النبي ﷺ تسرى بها
والتسري هو أن يجعلها زوجة ولكنها ليست حرة .
و للتنبيه :
الإسلام لم يبتدع التسري على الإطلاق
التسري كان معروفا في كل الأمم قبل الإسلام .
فقد ورد أن "إبراهيم عليه السلام" تسرى بهاجر التي وهبه إياها ملك مصر .
فولدت له إسماعيل عليه السلام
فهو ليس من اختراع الإسلام كما يريد الأعداء
بل جاء الإسلام ووضع شروط ونظام للتسري وحفظ حقوقهم
تسرى النبي ﷺ بمارية القبطية
فقد عرض عليها ﷺ الإسلام فأسلمت ....
فأراد أن يعتقها ثم يخطبها ثم يضمها إلى أمهات المؤمنين ويتخذ لها حجرة .
فحرجته بغاية الأدب
وقالت يا رسول الله لقد تربيت على الرهبانية عند القبط حتى اتقنت ديننا .
فألفت نفسي الرق والعبودية وأخشى أن لا أكون بمستوى الأحرار ...
فإني أكون أقرب لخدمتك وأنا أمة...
فتسرى بها وهي أمة...
فحملت بمولود لرسول الله وهو "إبراهيم عليه السلام " الذي ولد وعاش 18 شهر .
فلما بدأت تظهر صفاته الخلقية كان أشبه الناس خلقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا يستطيع أحد أن يفرق بين صورة وجهه وصورة وجه أبيه النبي ﷺ .
لكنه مات في عام والنصف فقط
وفي شرعنا وقد قلنا أن الإسلام جعل شروط للتسري
ومن تلك الشروط
الأمة المملوكة الرقيقة إذا أنجبت غلامآ فإن إبنها يحررها ....
فلما أنجبت "مارية" مولودها للنبي ﷺ .
فلم تعد "مارية القبطية" أمة وإن كانت هي تريد أن تبقى أمة
فأصبحت حرة
ومادامت هي أم "ابراهيم" ابن النبي ﷺ فهي "أم للمؤمنين" رضي الله عنها
هل يطلق على "مارية" لقب أم المؤمنين ام لا يطلق لأنها أمة .
البعض يقول لا يطلق عليها لقب أم المؤمنين لأنها أمة
وقد فاتهم أن الأمة وإن لم تكن زوجة النبي ﷺ
أي أمة أنجبت لزوجها غلاماً يحررها وتصبح حرة .
وهذا حكم شرعي أجمع عليه جميع المذاهب..... السلف والخلف ليس عليه خلاف على الإطلاق .
فلذلك نقول : أم المؤمنين "مارية القبطية" رضي الله عنها
والذين يتمسكون برأيهم وينكرون لها هذه الصفة وأنها جارية .
إليهم هذا الحديث في صحيح البخاري رحمه الله
"عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت . والله ما ترك رسول الله ﷺ عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة .
توفت مارية رضي الله عنها بعد النبي ﷺ في عهد عمر بن الخطاب .
ودفنت بالبقيع بجانب ولدها إبراهيم ابن النبي ﷺ .
والجارية الثانية معها هي اختها "سيرين"
كان مقوقس القبط قد رباهما في قصره وتعلمتا دين النصرانية
كانتا مقربتان إليه لم يربيهما ويعتني بهما ليرسلهما في الآخر إلى النبي ﷺ .
ولكن عندما قرأ الرسالة رأى أن خير ما عنده يقدمه للنبي صلى الله عليه وسلم هو هاتين الجاريتين .
هذا في الظاهر ....
وفي الحقيقة كما قال ﷺ عنه عندما قرأ حاطب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم رسالة المقوقس .
تبسم النبي ﷺ ضاحكاً
وقال لاصحابه رضي الله عنهم ثعلب مراوغ .
وتأتي صدق نبوته ﷺ .
ويبقى المقوقس على النصرانيه حتى تأتي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
يأمر بفتح مصر علي يد "عمرو بن العاص" ويولي عمرو بن العاص أميراً على مصر ، ويموت هذا المقوقس في ولاية عمرو بن العاص ولم يسلم ....
فعندما أرسل المقوقس الجاريتين كهديتين
في الظاهر تكريمآ للنبي ﷺ .
أما في الحقيقة أرسلهما عيون له
مادام جاريتان ستكونان في بيت النبي ﷺ فتكونا عينا للمقوقس في بيت النبوة .
فهو بيت المسلمين الأول ليعلمنَّه ماذا يدور من تدريب أو ترتيب للمستقبل أو سياسة .
ولم يكن بحسبانه أنهما ستسلمان وتكونا من خيار الصحابة رضي الله عنهم
فالأولى "مارية" أصبحت أم للمؤمنين .
والجارية الثانية "سيرين" أخت مارية أهداها النبي ﷺ إلى شاعره الأنصاري "حسان بن ثابت" رضي الله عنه فأعتقها حسان وتزوجها وأصبحت صحابية جليلة رضي الله عنها
مارية وأختها سيرين ولدتا في محافظة "منيا"في صعيد مصر وكانتا من كبار عائلات الأقباط المصريين آنذاك
وسلبهما المقوقس هي وأختها سيرين من أهلهما الذين كانوا من أعيان المصريين .
يقول المقوقس في الرسالة : "وأرسلت لك جاريتان لهما مكان في القبط عظيم"
فمارية من صميم مصر وذلك يعني أن أهل مصر "أخوال إبراهيم " ابن النبي ﷺ .
الهدية الثانية .
وأهدى للنبي ﷺ "طبيب مخصي"
يعني كان "عبد مخصي"
وكانوا قديماً السادة يخصون العبيد
والخصي هو إزالة الرجولة منه فلا يستطيع الأقتراب من النساء حتى يأمنوا عليه أعراضهم في القصور "
كان طبيب خصي وقد تعلم الطب وبرع فيه
فأرسل المقوقس للنبي ﷺ
"طبيب وجاسوس في آن واحد"
فممكن أن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
"هذا كان تفكير المقوقس فيكون عين أخرى له"
فماذا صنع النبي ﷺ ؟؟
قبل كل الهدايا
ولكنه قال للطبيب بعد أن أكرمه واستضافه .
قال له ارجع لصاحبك وقل له .
إنا معشر أمة لا نأكل حتى نجوع . وإذا أكلنا نقوم دون الشبع .
فلا نحتاج لطبيب .
"فإن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء"
في كل أدب وتقدير أعطانا درس في السلوك
"ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"
رأى النبي ﷺ يوماً أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها وقد أكلت يوماً مرتين .
تقول رضي الله عنها والحديث في "صحيح مسلم"
قالت: فوكزني بأصبعه في بطني
وقال ليس لك همٌّ إلا بطنك يا عائشة ؟
"الطبيب المخصي رده النبي ﷺ
الهدية الثالثة .
ألف مثقال من "الذهب الخالص" وزعها النبي ﷺ فوراً على فقراء المسلمين ....
أمام عين الطبيب المخصي
حتى إذا مارجع ينقل ما رأى إلى صاحبه المقوقس النبي ﷺ لا يحتاج إلى مال .
والهدية الرابعة .
بغلة شهباء .
ومعنى شهباء "أي لونها أبيض "
سأل المقوقس حاطب رضي الله عنه ماذا يركب نبيكم إذا أراد التنقل ؟؟
قال : يركب ما تيسرله ، يركب الفرس أحيانا ، ويركب الجمل أحيانا ويركب الأتان أي [[ انثى الحمار ]]
فعلم المقوقس أنه لا توجد بغال عند العرب ..
يجعلون الجماع والمعاشرة بين "الأتان و الحصان"
فيأتي المولود بغل لا هو لأبوه ولا لأمه
فأرسل المقوقس له بغلة بيضاء
وكانت غريبة واستغربها الصحابة رضي الله عنهم أي نوع من الدواب هذا ؟؟
فأوضح لهم النبي ذلك
فقال علي رضي الله عنه: _ لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه ....
"يعني جعلنا الحمير تعاشر الخيل سيكون لنا مثل هذه البغلة"
فقال النبي ﷺ : إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون .
وسماها النبي ﷺ دلدل "أي البغلة"
وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن يسمي كل شيء له به علاقة .
يسمي ثيابه ، سلاحه ، يسمي دوابه ، كلنا نعرف أن اسم دابته "القصواء"
فسمى البغلة "دلدل" وكان يركبها دائما في داخل المدينة
الهدية الخامسة .
"زق من عسل"
والزق هو جلد الشاة المذبوحة منزوع منه الشعر .
مدبوغ بطريقة معينة يجعلوه وعاء للمواد السائلة اسمه "زق"
أرسل له زق من عسل وهو من أطيب أنواع العسل
من مدينة اسمها "بنها" من صعيد مصر تبعد عن القاهرة 45 كم تقريباً
هذه المدينة شبه جزيرة لأن المياه تحيط بها من الشرق والغرب والجنوب .
ثمارها وخيراتها كثيرة و إلى يومنا هذا مشهورة بالعسل وذلك لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها
وما كانوا على عهد النبي ﷺ يعرفون الغش مثل أيامنا ما يطعموا النحل سكر ما كان عندهم سكر .
فكان من ألذ أنواع العسل حتى أن النبي ﷺ أحبه كثيراً حتى أنه دعا في عسل "بنها" بالبركة
وإلى يومنا هذا إخوانا في مصر يعرفون أن "بنها" مشهورة بالعسل .
الهدية السادسة .
ثياب من نسيج قطن مصر ومعها "بسط" أي قطع سجاد للأرض
فنظر إليها النبي ﷺ .
وكلما وجد صورة صليب في الثياب أو البسط أتلفها فوراً
وأبقى التي ليس عليها صور استعملها ولبسها .
الهدية السابعة .
بعض العود والمسك "أي الطيب ما نسميه العطر" استخدمه ﷺ جميعا
وسأل المقوقس "حاطبا" رضي الله عنه عن النبي ﷺ .
قال يا حاطب : هل يكتحل نبيكم ؟
فقال له : نعم وينظر في المرآة ويرجل شعره .
ولا يفارق خمسآ في سفر كان أو في حضر :
وهي المرآة والمكحلة والمشط والمسواك والمدرى
"المدرى عود رفيع ، يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالأصبع يخرب الشعرة ويلويها"
فأرسل له المقوقس :
مربعة "نسميها علبة" ليضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك .
ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت : سبع لم تفارق رسول الله ﷺ في سفر ولا حضر .
القارورة التي يكون فيها الدهن "علبة العطر"
و المشط . والمكحلة . والمقراض "المقراض أي المقص" والمسواك . والمرآة .
وفي رواية أخرى زاد بعضهم "والإبرة ، والخيط"
نرجع الى ام المؤمنين "مارية" رضي الله عنها
تسرى بها النبي ﷺ وهي أمة وأسكنها في دار الحارث "أي في جوار المسجد" لأنها ليست أم للمؤمنين الآن .
فلم يحب أن يضع لها حجرة بين أزواجه رضي الله عنهن
وأراد أن يبعدها شيئاً ما عن السيدة عائشة رضي الله عنها "شديدة الغيرة" حتى لا تراها
وتقول عائشة رضي الله عنها : ما ادخلت علي زوجة من أزواج رسول الله ما ادخلته مارية القبطية .
مع أن النبي ﷺ لم يقسم لها ليلة كباقي زوجاته ومع هذا تقول عائشة رضي الله عنها
"ما ادخلت علي زوجة من أزواج رسول الله ما ادخلته مارية القبطية"
لكن عندما شاع الخبر الذي أبهج المدينة كلها بأن "مارية" قد حملت من رسول الله
أمر رسول الله "حتى يبعدها أيضاً من عائشة رضي الله عنها " أمر أن يتخذ لها بيت في العوالي جهة مسجد قباء .
أبعدها هناك لأن النبي ﷺ يعلم أن النساء فطرهن الله على الغيرة ....
حتى إذا كمل حملها و وضعت إبنها "ابراهيم" عليه السلام
و من فرحة الصحابة رضي الله عنهم به يوم مولده أولم كل بيت في المدينة فرحاً بهذا المولود للنبي صلى الله عليه وسلم
لأن النبي ﷺ قد بلغ عمره هذا العام 60 .
وفرحة كبيرة أن يرزق بغلام بهذا العمر .
صلوات ربي وسلامه عليه .
وماهي إلا سنوات قليلة فتحت مصر في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بقيادة "عمرو بن العاص" رضي الله عنه .
ودخلت مصر ضمن الدولة الإسلامية .
حتى أصبحت من أهم الدول العربية والإسلامية وأخرجت للإسلام والمسلمون عمالقة وعلماء .
وكان للمصريين بصمات واضحة على جبين العلوم الشرعية عبر التاريخ الإسلامي .
فكان منها آلاف العلماء الأجلاء الذين ملأوا الدنيا نوراً وهداية
وكانوا منارات وقامات يشار إليهم إلى يومنا هذا .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
07-02-2022, 05:45 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والثمانون بعد المائة 181
رسالته ﷺ للنجاشي .
نختم حديثنا عن الرسائل برسالته ﷺ "للنجاشي" ملك الحبشة .
قبل ان نبدأ بالحديث يجب أن نتنبه لأمر مهم و موجود في كتب السيرة ....
نجد أن بعض كتب السيرة أخذوا بالرسالة الأولى "للنجاشي" الذي أسلم و آوى المهاجرين الأولين
وكان إيمانه على يد "جعفر بن أبي طالب" رضي الله عنه .
وبعضهم يذكر الرسالة ضمن الرسائل التي وجهها النبي ﷺ بعد "خيبر" ولو تمعنا بالرسائل نجد أن النبي ﷺ قد أرسل رسالتان لملك الحبشة .
الرسالة الأولى .
لم تكن دعوة إلى رجل غير مؤمن يدعوه فيها النبي ﷺ إلى الإيمان
ولكن كانت من باب أمانة التبليغ
فإن النبي ﷺ لم يدعوه مباشرة
ولكن بلغه أن النجاشي قد أسلم على يد "جعفر رضي الله عنه وآوى المهاجرين وأحسن إليهم .
والذي حمل الرسالتين الأولى والثانية رجل واحد وهو الصحابي "عمرو بن أمية الضمري" رضي الله عنه .
وللخروج من هذا الخلاف :
نقول : أرسله النبي ﷺ برسالتين كل رسالة في وقت فقبل أن يرسل الرسائل إلى الزعماء...
عندما أرسل إلى النجاشي يوكله أن يخطب له رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة رضي الله عنها
أرسل له رسالة أي النجاشي المؤمن واسمه "أصحمة بن أبجر"
هذا الملك أسلم وحين بلغ النبي ﷺ موته قام و وقف على باب المسجد :
وقال ﷺ الصلاة على أخيكم ملك الحبشة أصحمة بن أبجر .
صلى عليه ﷺ صلاة الغائب في المدينة مع أصحابه رضي الله عنهم.
النجاشي رحمه الله كانت معاملته مع الذين هاجروا في قمة العطف والرحمة والعدل .
وشكر له النبي ﷺ ذلك
فكانت رسالتان :
١- للنجاشي المؤمن .
٢- للنجاشي الذي خلفه في الملك بعد موته ولم يؤمن .
الآن ننظر إلى نص الرسالتين لتتضح معنا الصورة ....
فكانت الرسالة الأولى للنجاشي المؤمن .
و انظروا إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي لم يعلم القراءة ولا الكتابة صلى الله عليه وسلم :
ولكن جل الله الذي قال في حقه:
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا .
انظروا كيف يخاطب الناس بما يليق بهم وبما يستحقون .
رجل قد أسلم "أي النجاشي" ولكنه لم يعلن إسلامه .
فانظروا كيف خاطبه النبي ﷺ
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة
سلامٌ عليك ...
لاحظوا اتذكرون الرسائل الاخرى ؟؟
سلام على من اتبع الهدى .
فهنا يقول له النبي ﷺ سلامٌ عليك .
أي أنت ممن اتبع الهدى
سلامٌ عليك .
فإني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن .
وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة .
"البتول أي العفيفة و المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم"
فخلقه كما خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه .
"يُذكره إن كان تعجب الناس من خلق المسيح بلا أب ولكن له أم
فما رأيهم بخلق آدم بلا أب ولا أم ؟؟"
وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني فإني رسول الله .
"أي يا نجاشي لا يكفي الإيمان خذ التعاليم من الصحابة رضي الله عنهم الذين عندك فتتبعني"
وإني أدعوك وجندك إلى الله عز وجل .
"اي ليست الدعوة لك ولكن تكون أنت باب ليؤمن جنودك ورعيتك"
ولقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى .
لعل البعض يقف الآن عند كلمة
والسلام على من اتبع الهدى
وفي البداية قال له سلام عليك
فكيف نجمع بينهما ؟؟
في البداية إذا لاحظنا خاطب النجاشي
وفي اخر الرسالة قال له إني ادعوك وجندك فدخل فيها النجاشي وجنوده ورعيته .
لذلك قال والسلام على من اتبع الهدى .
اي السلام عليك وعلى من آمن معك من رعيتك يشمله سلامي
ولم يختم له الرسالة .
فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى كباقي الرسائل
ولم يختم له أيضآ بالآية كما ختمها لقيصر والمقوقس .
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
قلنا إنه ﷺ ذكر في كتب السيرة رسالتين للنجاشي...
وقد وقع الإشكال عند كثير ممن كتبوا السيرة لأن حامل الرسالتين هو الصحابي نفسه "عمرو بن امية الضمري رضي الله عنه
الرسالة الثانية
التي أرسلها النبي ﷺ إلى النجاشي الآخر غير أصحمة بن أبجر....
فلقد مات أصحمة المؤمن وخلفه من بعده في ملكه نجاشي آخر ولكنه لم يكن مؤمن .
أرسلها مع الصحابي نفسه
"عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه
لنبين فيها ونوضح الإشكال :
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله الى النجاشي عظيم الحبشة .
"لم يذكر هنا اسمه أصحمة بن أبجر...
سلام على من اتبع الهدى .
"لم يقل له سلام عليك فقد ساواه مثل قيصر وكسرى"
وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً .
"ارأيتم فيها تنكيل بعقيدته لأنه لا يزال على الشرك"
وأن محمداً عبده ورسوله . أدعوك بدعاية الله .
"تماماً كما خاطب الملوك والعظماء"
فإني أنا رسول الله أسلم تسلم .
أرأيتم لم يقل لأصحمة أسلم تسلم" لأنه أسلم
ولكن هنا يقول أسلم تسلم
فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك .
لاحظوا لماذا قال له من قومك ؟
لأنه هناك من آمن وأسلم من أهل الحبشة.... وهناك من لم يؤمن .
فلم يقل له عليك إثم أهل الحبشة فليس كل أهل الحبشة لم يسلموا .
لذلك قال عليك إثم النصارى من قومك .
ثم ختم الرسالة بالآية :
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
الآن اتضحت معنا الأمور وهذا الإشكال بالرسالتين في كتب السيرة ...
الرسالة الأولى للنجاشي المؤمن وقد مات .
الرسالة الثانية للنجاشي الذي خلفه بالحكم ولم يكن مؤمن وراسله النبي ﷺ مع الملوك و لم يسلم .
هكذا ثبت أنه لم يسلم .
جاء في صحيح مسلم رحمه الله
عن أنس رضي الله عنه قال
إن النبي ﷺ كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار .
"ختم كلامه إلى كل جبار لأنهم كلهم لم يسلموا"
وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى .
وهذا النجاشي ليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي ﷺ المعروف بأصحمة بن أبجر
هذا نص حديث أنس رضي الله عنه في صحيح مسلم رحمه الله
نرجع في حديثنا إلى النجاشي المؤمن ...
بعث إليه النبي ﷺ وكان المهاجرون عنده في الحبشة
قبل أن يرسل لزعماء الأرض الرسائل وقبل صلح الحديبية
أرسل له هذه الرسالة التي ذكرناها ومعها رسالة أخرى تكلف النجاشي رحمه الله بأن يزوجه برملة بنت أبو سفيان "أم حبيبة" رضي الله عنها برسالة أخرى .
إذآ كتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام من باب الإتباع والأمانة..
وفي الآخر يطلب منه أن يزوجه أم حبيبة رضي الله عنها
فلما وصله الكتابين أخذهما النجاشي وقبلهما ووضعهما على رأسه وعينيه .
ونزل عن سريره تواضعآ وأمر أن تحفظ الرسالتين بقطعة من حرير .
هكذا نكون قد إنتهينا من أبرز الرسائل ...
هنالك رسائل أخرى ولكن يكفي هذا القدر وقد كانت كلها رسائل خير أدخلت أقوام في دين الله عزوجل بفضل الله و رحمته..... وحكمته ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٣/٧/٢٠٢١ ١٢:٠٥ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والثمانون بعد المائة 182
غزوة ذات الرقاع...والسرايا
غزوة "خيبر" والتي انتهت بانتصار ساحق للمسلمين وهزيمة منكرة لليهود ....
وتخلص النبي ﷺ من اليهود الذين قاموا بتجميع الأحزاب على المدينة المنورة .
واستطاع قبل خيبر أن يدخل مع قريش في صلح "الحديبية"
والتي في بنودها وقف القتال بين المسلمين وقريش عشر سنوات
وبدأت أعداد كبيرة من العرب في الدخول في الإسلام وأخذت قوة المسلمين تكبر وتنمو فالله الحمد
قبيلة "غطفان" كم مرة غدورا بالمسلمين ؟؟
ثم كان لهم الدور الأكبر في غزوة "الأحزاب" حين حاصروا المدينة 6 آلاف مقاتل
وكانوا على وشك الإشتراك مع اليهود في خيبر .
غطفان هي مجموعة كبيرة من القبائل الشرسة المرتزقة الذين يعيشون على السلب والنهب وقطع الطرق .
لم ينسى لهم هذه المواقف ﷺ من الغدر .
ولذلك قرر ﷺ تأديب "غطفان" وبعض القبائل التي تأمرت على المدينة ... فلم تكن هناك لحظة ضائعة في حياة النبي ﷺ . وحياة هذا الجيل من الصحابة رضي الله عنهم....
هذا يفسر لنا الكم الهائل من الأحداث والإنجازات التي وقعت في تلك الفترة القصيرة...
كان النبي ﷺ قد سمع أيضآ بإجتماع قبيلتين من غطفان
وهي "بني أنمار" و "بني مُحارب" وأنهم يريدون الإغارة على المدينة ....
فخرج ﷺ بنفسه إلى ديار "غطفان" بجيش قوامه 700 مقاتل .
هو عدد قليل نسبياً في مواجهة "غطفان" لأن النبي ﷺ لم يكن يريد ترك المدينة بلا جيش يحميها ....
ولم يكن مع المسلمين سوى 60 أو 70 بعير ....
فكان كل ستة من الصحابة رضي الله عنهم يتناوبون ركوب البعير الواحد ....
وسار الرسول ﷺ مسافة كبيرة بجيشه في عمق الصحراء وتوغل حتى بلغ ديار "غطفان" وهي إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة على مسافة حوالي 300 كم تقريباً من المدينة المنورة .
وهذه المسافة كبيرة جداً
والصحابة رضي الله عنهم يسيرون على أقدامهم حتى بليت نعالهم وتلفت أقدامهم وسقطت أظافرهم وأخذوا يلفون الخرق وقطع القماش على أقدامهم .
لذلك سميت هذه الغزوة *ذات الرقاع .
وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى ديار "غطفان" كانت الظروف كلها في صالح غطفان .
فأعدادهم كبيرة والمعركة في ديارهم وفي الطرق والدروب التي يعرفونها جيداً
والمسلمون أعدادهم قليلة وهم قادمون من مسافة بعيدة ومرهقون وقد تلفت أقدامهم من السير في الصحراء رضي الله عنهم...
ومع كل هذه الظروف التي في صالح "غطفان"
فقد أصابها الرعب وانسحبت من أمام المسلمين...
لم تكن هذه المرة الأولى التي ينسحب فيها أعداء المسلمين خوفا منهم ...
وكان ذلك توفيقاً من الله تعالى
لذلك كان يقول الحبيب المصطفى ﷺ : نصرت بالرعب مسيرة شهر .
وهذا هو الإعداد الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم لا كما يفهمه الناس اليوم ....
قال تعالى .
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ .
الإعداد الحقيقي هنا القوة الإيمانية ومعطوف عليها رباط الخيل هو السلاح ....
فالمؤمن الحق صاحب الإيمان الصادق الذي يقفو أثر رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم
إيمانه يهز قلوب الأعداء وأذنابهم وشياطينهم وله رهبة في قلوبهم .
هذا ما يخيفهم ويرعبهم ....
كيف يصل المؤمن لهذا الإيمان ؟؟
بإتباع سنة الحبيب المصطفى ﷺ وتعلم سيرته وسيرة الصحابة رضي الله عنهم ونهج منهجهم والثبات عليه....
عاد المسلمون إلى المدينة دون قتال.....
وكان ﷺ في هذه الغزوة "ذات الرقاع" قد كسر الجناح الثالث ممن اشتركوا في غزوة الأحزاب :
١- اليهود الذين حزبوا الأحزاب .
٢- وقريش التي اشتركت بأربعة آلاف مقاتل.
٣- ثم غطفان التي اشتركت بستة آلاف مقاتل .
ولم ينتهي الأمر عند رسول الله ﷺ في هذه الغزوة .
بل أرسل 6 سرايا متتالية إلى قبائل غطفان وغيرها .
ولم تجتريء قبائل غطفان بعد غزوة "ذات الرقاع" وبعد هذه السرايا أن ترفع رأسها مرة أخرى أمام المسلمين .
بل استكانت شيئا فشيئا حتى استسلمت ثم أسلمت واحدة بعد الأخرى .
ونذكر بعض هذه السرايا بأختصار
١ - سرية غالب بن عبد الله الليثي . رضي الله عنه
إلى "بني الملوح"
هذه السرية قبل غزوة "ذات الرقاع"
وكان سبب السرية أن "بني ملوح" قد قتلوا بعض أصحاب ﷺ رضي الله عنهم.
فأرسل إليهم ﷺ "غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه ومعه 17 رجل رضي الله عنهم.
فوصلوا إليهم قبل غروب الشمس .
فلما كان الليل أرسلوا أحد الصحابة رضي الله عنهم و اسمه "جندب الجهني رضي الله عنه ليستطلع الأمر فبينما هو منبطح خرج رجل من القوم من خيمته
فقال لأمرأته إني أرى على التل سوادا "أي خيال" لم أره في أول يومي ....
فانظري إلى أوعيتك لعل الكلاب تكون قد جرت منها شيئا .
فنظرت ثم قالت : ما فقدت من أوعيتي شيئا .
فقال لها : ناوليني قوسي وسهمين .... فأرسل أحد السهام فأصابت "جندب رضي الله عنه فانتزعه جندب وثبت مكانه لا يتحرك .
فأرسل سهم آخر فوقع في منكبه فانتزعه وثبت مكانه ....
فقال الرجل لأمرأته لو كان ربيئة للقوم لتحرك .....
"الربيئة هو العدو الذي يراقب من بعيد"
لقد خالطه سهمان ولم يتحرك رضي الله عنه...
فإذا أصبحت فأتى بالسهام لا تمضغها الكلاب ....
ثم دخل إلى خيمته مرة أخرى
فلما اطمأنوا وناموا شن المسلمين عليهم الغارة في الليل وقتلوا منهم من قتلوا وساقوا الأنعام
ثم طاردهم عدد كبير من "بني الملوح" حتى إذا قربوا من المسلمين ....
نزل سيل عظيم ولم يكن في السماء سحابة واحدة ....
وكان بين الفريقين وادي فامتلأ الوادي بالماء فحال بين الفريقين ....
ونجا المسلمين من مطارديهم وشاهد الأعداء المسلمين وهم يسوقون أنعامهم متوجهين إلى المدينة المنورة ولم يستطيعوا الإقتراب منهم .
٢ - سرية أبو بكر الصديق . رضي الله عنه .
إلى {{ بني فزارة }} يتبعون لغطفان .
وقد أغاروا عليهم بعد صلاة الفجر و غنم منها المسلمون ورجعوا .
٣ - سرية عمر بن الخطاب . رضي الله عنه .
إلى "هوازن"
أرسل النبي ﷺ "عمربن الخطاب رضي الله عنه ومعه 30 رجلاً إلى هوزان .
فلما وصل الخبر إلى "هوزان" هربوا جميعاً من الخوف
فلما وصل "عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكان لهم اسمه "تُربَة" لم يجدوا أحد منهم .
فانصرفوا راجعين إلى المدينة...
٤ - سرية غالب بن عبد الله الليثي . هذا الصحابي رضي الله عنه خرج على رأس سريتين ذكرنا الأولى وهذه الثانية .
أرسله ﷺ إلى "بني عوال" و "بني عبد بن ثعلبة" في ناحية نجد .
وكان معه 130 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم
فهجموا عليهم جميعاً وقتلوا جمعآ من أشرافهم واستاقوا الأنعام والشاة .... ولم يأسروا أحداً...
وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الرجل الذي قال: لا إله إلا الله
يقول أسامة رضي الله عنه كان رجل من القوم اسمه "نهيك بن مرداس" إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا "يقاتلهم بقوة وشجاعة"... فعندما انهزموا
يقول أسامة رضي الله عنه فتبعته أنا ورجل من الأنصار فرفعت عليه السيف
فقال : لا إله إلا الله .
فكف الأنصاري "أي توقف عن قتله"
يقول أسامة رضي الله عنه فطعنته برمحي حتى قتلته .
"لما وجد هذا الرجل أنه سيقتل قال : لا اله إلا الله .
كي لا يقتله أسامة رضي الله عنه ولكن أسامة بن زيد قتله"
يقول أسامة رضي الله عنه ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام .
"شعر أسامة رضي الله عنه أنه قام بفعل منكر نفسه تلومه حتى لم يستطيع أن يأكل من الهم"
فلما قدمت المدينة استقبلني رسول الله ﷺ وقبلني واعتنقني .
"لأن أسامة رضي الله عنه يعتبر عند رسول مثل إبن إبنه
"أبوه زيد بن حارثة" تربى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يطلق عليه زيد بن محمد
فأبطل الله التبني ولكن بقيت المشاعر كما هي
وكان النبي ﷺ إذا بعث "أسامة بن زيد رضي الله عنهما يسأل عنه أصحابه ويحب أن يُثنى عليه خيراً
"كان يحب رسول الله ﷺ أن يسمع أخبار أسامة رضي الله عنه بالقتال وأنه قام بأعمال بطولية إيمانية "
فلما رجعوا لم يسألهم عنه
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم يحدثون رسول الله ﷺ عن أسامة رضي الله عنه وبطولته لأنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يثنى عليه خيرا
واسامة بن زيد كان في مقتبل العمر شاب صغير .
قالوا : يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة رضي الله عنه ولقيه رجل : فقال الرجل "لا إله إلا الله" فشد عليه أسامة فقتله .
"هم يظنون أن هذا العمل بطولي لأسامة رضي الله عنه
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ رفع رأسه الشريف ونظر إلى أسامة رضي الله عنه مغضبآ
وصاح بأسامة رضي الله عنه وقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟
فقال أسامة رضي الله عنه إنما قالها خوفا من السلاح .
"أي لم يؤمن.... قالها خوفا"
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب ؟
فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟
أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟
أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟
قال أسامة رضي الله عنه فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم .
"يعنى تمنى لو كان قد أسلم بعد هذا اليوم لأن الإسلام يجب ما قبله"
رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين...
✨✨✨✨✨✨
يتبع إن شاء الله عمرة القضاء
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثمانون بعد المائة 183
عمرة القضاء .
تحدثنا عن الحديبية من السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة انتهى الأمر بعقد "صلح الحديبية" مع قريش وكان أحد بنود هذا الصلح هو :
ألا يدخل المسلمون مكة لأداء العمرة هذا العام .
على أن يعودوا في العام المقبل لأداء العمرة ويدخلون مكة بسيوفهم فقط والسيوف في القرب .
ويظلون في مكة ثلاثة أيام فقط ثم يخرجوا بعد ذلك .
وتترك قريش لهم مكة هذه الأيام الثلاثة ....
وكان هذا البند من بنود الصلح هو أهم بند عند قريش .
"لأن دخول المسلمين لأداء العمرة كان من وجهة نظرهم سيهز هيبتهم ويكسر كبريائهم في الجزيرة العربية .
بينما كان هذا البند في صالح المسلمين لأنهم وإن عادوا عامهم هذا فهم سيأتون العام القادم وتترك لهم قريش مكة .
فيضمن المسلمون ألا يحدث احتكاك مع قريش .
وبذلك يؤدي المسلمين عمرتهم في هدوء وبدون منغصات .
ومر عام على "صلح الحديبية"
وفي ذي القعدة من السنة السابعة أعلن النبي ﷺ أنه سيخرج لأداء العمرة .
وأمر النبي ﷺ ألا يتخلف عنها أحد شهد الحديبية ....
وكانت أول عمرة يقوم بها ﷺ
كم عمرة اعتمرها النبي ﷺ
النبي ﷺ قد حج حجة واحدة حجة الوداع .
واعتمر أربع عمرات :
١- عمرة الحديبية .
وقد ذكرناها لم يدخل مكة
ولكن احتسبت عمرة لأنهم احصروا فقد وقع أجرهم على الله .
لقوله تعالى :
وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .
فالعمرة معقودة ومحسوبة وإن لم تكن تمت بشعائرها .
٢ - عمرة القضاء "موضوعنا اليوم"
يقال لها عمرة القضية ...
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشآ عليها أي صالحهم عليها . ومن ثم قيل لها عمرة الصلح ويقال لها عمرة القصاص .
ولكن اشتهرت بعمرة القضاء .
٣- بعد فتح مكة عندما رجع من "غزوة حنين"
٤ - عمرة مقرونة بحجه ﷺ في "حجة الوداع"
فكانت له صلى الله عليه وسلم أربع عمرات وحجة واحدة
خرج ﷺ ومعه 2000 من الصحابة رضي الله عنهم
غير النساء والصبيان
وأحرم المسلمون من "ذي الحلفية" وهي المعروفة الآن "أبيار علي" وبدؤا التلبية .
وقلد وأشعر هديهُ....
ذكرنا من قبل قلد كانوا في الجاهلية يجعلوا شيء من جلد على عنق الناقة أو حذاء قديم ليعلم الناس أن هذا الإبل للهدي فلا يعتدي عليهم أحد .
نبينا ﷺ قلدها بطوق من خرز
والأشعار أن تجرح سنام الناقة جرح صغير وتأخذ من دمها وتدهن شعرها منه"
فقدم 60 ناقة هديً بالغ الكعبة على عدد سنين عمره ﷺ وقد بلغ في هذا العام من عمره 60 عاما .
وعندما حج كان 63 عام فنحر بيده الشريفة 63 بدناً مع أنه ساق معه 100 ناقة في حجة الوداع
فنحر 63 .
ثم قال قم يا علي فأتمم المئة .
فعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه عدد الإبل التي نحرها النبي ﷺ
فقال : هذه آخر سنة في حياته ﷺ
"لأنه ألف النبي ينحر بعدد سنين عمره ﷺ"
فقدم 60 بدناً وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يشتركوا في الهدي فكل خمسة في بدنة ...
واتجهوا إلى "مكة" وظلوا طوال الطريق من المدينة إلى مكة يلبون لمدة عشرة أيام كاملة هي المسافة من المدينة إلى مكة .
وعندما خرج ﷺ أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يخرجوا بالسلاح الكامل .
وهي السيوف والرماح والسهام والدروع وغير ذلك
كما خرجوا بمائة فارس .
لم يخرجوا بالسيوف فقط وقد كان الإتفاق ألا يدخل المسلمون إلى مكة إلا بالسيوف فقط .
فقال له أصحابه رضي الله عنهم يارسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تشترط قريش أن نخرج للعمرة بسلاح المسافر ؟
وها أنت تخرج إليهم بسلاح الغازي ؟؟
فقال لهم : أن لا ندخل فيه الحرم فيكون قريب منا .
فإن هاجنا من قريش هيجٌ "الهيج إسم للحرب" كان سلاحنا وخيلنا قريبة منا .
النبي ﷺ كان حذر من قريش
فهي ما زالت على كفرها فمن الذي يضمن أنها لاتغدر ؟
فقدم مئة فارس مدججين بالسلاح ولكنهم محرمين
قال نضع السلاح والخيل بمر الظهران .
"ما نعرفه اليوم التنعيم"
فأخبرهم ﷺ أنه لن يدخل مكة بالسلاح وأنه سيترك هذا السلاح خارج مكة .
وبالفعل عندما اقترب ﷺ من مكة نزل بمر الظهران .
ترك السلاح باستثناء السيوف فقط .
وترك لحراسة السلاح 200 من الصحابة رضي الله عنهم بقيادة "محمد بن مسلمة رضي الله عنه
وبعد أن انتهى من العمرة تبادل هؤلاء الحراس أماكنهم مع مجموعة من المسلمين الذين أدوا العمرة .
وكان الهدف المعلن من إصطحاب السلاح :
١- هو الخوف من غدر قريش .
٢ - إظهار قوة المسلمين، وإلقاء الرهبة والخوف في قلوب قريش .
فلما اقتربوا من مر الظهران كانت هناك عيون لقريش ترصد الطريق ....
فلما نظروا من بعيد و رأوا الخيل والسلاح تتقدم في الأمام أسرعوا إلى قريش منذرين .
قالوا : قد قدم إليكم محمداً بسلاح الغازي لا بسلاح المسافر
فلما سمعت بذلك قريش فزعت واعتقدت أن النبي ﷺ جاء يغزوهم .
وقالوا : ما أحدثنا حدثا ففيم يغزونا محمد و أصحابه ؟
وأسرعت قريش وأرسلت "مكرز بن حفص" ومعه رجال من رجالات قريش .
وكان النبي ﷺ قد نزل "بمر الظهران" وأمر أن تبقى الخيل والسلاح هناك وأخذ يستريح استعداداً لدخول مكة .
فلما وصل "مكرز بن حفص" ورجال من قريش
وجد النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم وأصحابه رضي الله عنهم محرمون .
والهدي مقلد ومشعر بين أيديهم والناس يلبون ولكن بجانبهم كان الخيل والسلاح .
فقال : والله يا محمد ما عُرفت صغيراً ولا كبيراً بالغدر فما هذا السلاح الذي نرى ؟
وقد شرطت على قريش أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر و السيوف في القرب .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أن لا ندخل عليكم الحرم بالسلاح ، ولكن يكون قريب منا . فإن هاجنا منكم هيج يكون قريب منا .
فقال له : هكذا عُرفت براً صغيراً وكبيراً لست بغادر
فحيهلا "أهلا وسهلاً "
فانطلق "مكرز" يطمئن قريش ويفتح له الطريق حتى لا يعارضه أحد .
وقال : إن محمداً لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذي شرط لكم .
فلما إقترب ﷺ من مكة لأداء مناسك العمرة .
قامت قريش بترك مكة كما الإتفاق في "الحديبية" هو أن تترك قريش للمسلمين مكة لمدة ثلاثة أيام هي مدة بقاء المسلمين في مكة .
وقلنا أن هذا البند فيه كسر لكبرياء قريش أكثر مما لو كانت قد سمحت لهم بأداء العمرة عندما جاءوا أول مرة في العام السادس .
لأن قريش ستترك بيوتها وتخرج من مكة وتبيت في شعاب الجبال المحيطة بمكة .
وهذا لم يحدث في تاريخ قريش من قبل .
فتركت قريش مكة للنبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم حتى لا يقع إلتماس من بعض سفهاء مكة
أو منافق بين صفوف المسلمين يستفز قريش فيقع بينهم حرب
هكذا خرج أهل مكة جميعاً إلى جبال مكة .
ودخل ﷺ مكة راكباً على ناقته "القصواء" و من حوله الصحابة رضي الله عنهم وهم يلبون في مشهد مهيب رائع
وكان يقود زمام راحلته ﷺ "عبدالله بن رواحة رضي الله عنه شاعره الأنصاري
فلما دخل ﷺ ونظر للجبال وعليها رجال قريش وكانوا قد أشاعوا مقالة :
سترون اليوم قوماً يطوفون بالبيت ، قد أوهنهتم حمى يثرب
"كانت المدينة المنورة مشهورة في الحمة.
يعني : قصدهم رجال ليس لديهم قدرة حتى لو قاتلناهم لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم قوم ضعاف أهلكهم المرض"
وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم ما تقوله قريش .
ولكن "عبدالله بن رواحة رضي الله عنه كان قبل أن يسمع هذه المقالة من قريش
عندما سمع النبي ﷺ يلبي وأمرهم أن يكبروا .
قال شعراً معتزاً بنبيه ﷺ ودينه .
قال :
خَلّوا بَني الكُفّارِ عَن سَبيلِهِ خَلّوا فَكُلُّ الخَيرِ في رَسولِهِ
قَد أَنزَلَ الرَحمَنُ في تَنزيلِهِ في صُحُفٍ تُتلى عَلى رَسولِهِ
بِأَنَّ خَيرَ القَتلِ في سَبيلِهِ
يا رَبُّ إِنّي مُؤمِنٌ بِقيلِهِ
أَعرِفُ حَقَّ اللَهِ في قَبولِهِ
فلما قال هذا الشعر وهو يقود زمام ناقة النبي ﷺ وكان بجانبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال عمر رضي الله عنه معترضاً يا ابن رواحة .
مه شعرٌ بين يدي رسول الله وهو محرم ملبي وقد أشرفنا على الحرم ؟
فقال النبي ﷺ :
إني اسمع ياعمر ، فخلي عنه .
والذي نفس محمداً بيده لشعره أسبق إلى قلوبهم من نضح النبل .
"يعني هذا الشعر سيرعب قلوبهم ويعطي المسلمون الهيبة أكثر من أن ترمونهم بالسهام"
أما بلغك يا عمر ما يقولون ؟
قال عمر : ماذا يقولون يارسول الله ؟
قال أتاني جبريل وأخبرني أنهم يقولون سيطوف اليوم بالبيت قوم أوهنتهم حمى يثرب . قل يا ابن رواحة .
فأخذ ابن رواحة يردد الشعر .
دخل النبي ﷺ مكة راكباً على ناقته وحوله الصحابة رضي الله عنهم وهم يلبون في مشهد رائع .
فلما دخل الحرم من جهة المسعى ونظر إلى الحرم
قال إيهاً يا ابن رواحة .
"يعني كفى توقف عن قول الشعر"
ومجد لنا الله .
قل : لا اله الا الله وحده . صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .
كلمات لها معنى عظيم وأصبحت شعار....
يعلن التوحيد رغم أنف قريش وتنكيلاً بآلهتم"
صدق وعده "لأنه وعدناوقال"
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ .
"فهذاالوعد قد أنجز "
ونصر عبده . لأن صلح الحديبية كان فتحا ونصرا .
وأعز جنده . أي المؤمنين لأن عزتهم ممتدة من الله .
وهزم الأحزاب وحده . يذكرهم بيوم الأحزاب وكيف هزمهم الله بالريح وهي جند من جنود الله تعالى.
فأخذ بن رواحة رضي الله عنه يقول والصحابة رضي الله عنهم يرددون خلفه
بصوت اهتزت له مكة كلها
لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .
تذكرون يوم الهجرة :
خرج ﷺ قبل سبع سنين مهاجرآ من مكة مع أبو بكر الصديق رضي الله عنه متخفياً .
ثم هاجر على ناقته القصواء .
واليوم يدخل مكة معتمراً على ناقته القصواء وحوله 2000 من أصحابه رضي الله عنهم يلبون ، ويكبرون ، على مسمع قريش .
انظروا وتفكروا سبع سنين فقط وقد جاء بدين جديد وبنى بهذا الدين قوة وعز...
رجع ﷺ بعد سبع سنين ليدخل مكة علناً في وضح النهار ملبياً مكبراً مذكرهم بهزيمتهم .
فلما اقترب من الكعبة نزل عن راحلته واقترب منها
وراع الصحابة رضي الله عنهم شي جديد الإحرام يعرف من أيام إبراهيم عليه السلام
أن يلبس الإنسان إزاراً ويضع على منكبيه رداء يستر كتفيه .
وإذا بالحبيب المصطفى ﷺ يكشف عن كتفه الأيمن ما يسمى بالإضطباع
وهو أن يجعل الرداء أسفل المنكب الأيمن وتبقى الكتف اليمنى مكشوفة .
وقال بصوت مرتفع ومسموع رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة .
"رد عملي على دعايتهم سيطوف بالبيت قوم أوهنتهم حمى يثرب"
فكشف عن كتفه وكانت رسالة الهدف منها هو إظهار قوة المسلمين.
ثم دنى ﷺ واستلم الركن
ثم رأوا شيئا جديداً من رسول الله ﷺ .
الناس تطوف مشياً حول الكعبة وللمرة الأولى يستلم النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ويقبله ثم يرمل رملا "هرولة"
وأمر النبي ﷺ صحابته رضي الله عنهم "بالرَّمل"
وهو الهرولة في الثلاثة أشواط الأولى من الطواف .
ولم يأمرهم بالرمل في بقية الأشواط شفقة عليهم .
في الشوط الرابع ستر كتفيه ومشى الهوينة .
وبقي "الرمل والإضطباع" من سنن الطواف المستحبة .
المشركون على الجبال ينظرون
فلما رأى المشركون المسلمين وهم يطوفون بهذه السرعة وقد كشفوا عضلاتهم .
قالوا لبعضهم : أهؤلاء الذين زعمتم أن الحمَى قد أوهنتهم ؟
نراهم يقمزون حول البيت قمز الظبي "الغزلان" لا والله هؤلاء أجلد من كذا وكذا
لقد ترك ذلك أثراً كبيرًا في المشركين .
وأتم ﷺ طوافه سبعاً .
ثم مكث عند الحجر الأسود ملياً يقبله صلوات ربي وسلامه عليه ، ويسكب دموعه .
لقد فارق البيت سبع سنين فهو مشتاق .
وكان بجانبه عمر رضي الله عنه
فقال لعمر هاهنا تسكب العبرات يا عمر .
وتقبيل الحجر الأسود "سنة"
والنهي عن إيذاء مسلم "فرض"
مزاحمة المرأة للرجال والإحتكاك بهم "محرم"
فلا يجوز لك كمسلم أن تؤذي الناس وتدافعهم لتصل للحجر الأسود وتقبله لتطبق السنة وتنتهك الفرض وتقع بالإثم عند بيت الله الحرام .
ولا يجوز للمرأة مزاحمة الرجال لتطبق السنة وتقبل الحجر وتقع في الحرام عند بيت الله الحرام
يكفيك في الطواف أن تشير للحجر من بعيد بيدك وتقول بسم الله الله اكبر .
فهذا يكفيك عن المصافحة
الموضوع لا يحتاج العنف والوقوع بالإثم .
وبعد أن انتهى من الطواف ثم صلى ركعتين عند مقام ابراهيم وشرب من ماء زمزم
ثم مضى للمسعى وجاء إلى الصفا أولاً
وقال أبدؤا بما بدأ الله به
ثم قرأ قوله تعالى .
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا .
فلما رقى الصفا واستقبل الكعبة حتى إذا وقع نظره على الكعبة
رفع يديه وقال الله اكبر الله اكبر الله اكبر . لا إله إلا الله وحده . صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .
ورددها أصحابه رضي الله عنهم من خلفه بصوت عالي حتى سمعتها كل أهل مكة وارتج المسعى بصوتهم .
ثم سعى ﷺ سبعاً ورمل بين الميلين .
حتى انتهى عند المروة .
قدموا له الهدي فنحر 60 بدناً بيده قائماً .
وتعجب أصحابه أي رجولة هذه ؟؟
لأن نحر الإبل ليس بالسهل وليس كذبح الغنم .
فالإبل تنحر وهي واقفة .
قال تعالى : فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ .
أي قائمة ....
ينحر بيده قائمة 60 بدناً بيد واحدة .
ينحر واحدة تلو الأخرى ، واحدة تلو الأخرى
وهو يقول .
بسم الله ، الله اكبر ، منك وإليك .
بسم الله ، الله اكبر ، منك وإليك .
بسم الله ، الله اكبر ، منك وإليك .
60 ناقة !!!
يقول أصحابه رضي الله عنهم ما علمنا رجولةً كرجولة رسول ﷺ
فلما انتهى قال نحرت هاهنا ومكة كلها منحر .
ثم دعى حالقه فحلق له رأسه وكان ذو جمة ﷺ "الجمة أي الشعر الوفير"
لقد حلق يوم الحديبية اتذكرون ؟؟
كان في ذلك الوقت شعره يسيل على كتفيه اما الآن فقد مضى عليه عام واحد فكان شعره قد تجاوز شحمة الأذن إلى رؤوس الأكتاف
وكان أجمل الناس خَلقاً وأجلهم خُلقاً صلى الله عليه وسلم
وقريش تنظر إليه وقد سطعت مكة كلها بنوره المحمدي وهيبته ﷺ .
ينظرون إليه من أعلى الجبال وكيف أصحابه رضي الله عنهم حوله .
إذا التفت إلى جهة التفت أصحابه كلهم جميعاً
واذا تكلم صمتوا واصغوا جميعاً
لذلك كثير من قريش في تلك العمرة للرسول ﷺ اعجبوا بهذا الدين ومنهم خالدبن الوليد سيف الله المسلول وسنذكر إسلامه إن شاء الله .
لما رأت قريش هذا اهتزت قلوبهم من جماله وهيبته
فمنهم من قال : لِمَ نكابر على أنفسنا حقاً إن محمداً ليس كالبشر .
صلى الله وسلم عليك يارسول الله .
حقاً ان محمداً ليس كالبشر إنه رسول كما يقولون .
"كانوا لا يستطيعون أن يعلنوا ذلك
فلما أسلموا أخبروا الصحابة رضي الله عنهم ، بما قالوا في أنفسهم "
ثم أخذ الناس يحلقون ويقصرون .
فألتفت النبي ﷺ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال هل صدقك الله وعده يا ابن الخطاب ؟
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أشهد أنك رسول الله .
وصدق الله تعالى وعده في سورة الفتح التي نزلت قبل ذلك التاريخ بعام واحد .
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
ثم حل إحرامه ﷺ واغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى حيث وضعت له قبته عند الابطح .
ثم رجع إلى الحرم وقد انتصف النهار .
وانظروا إلى خلقه ﷺ خير من وفى بعهد .
لم يستفز أحد من قريش ، ولكنه إذا استفز لا يقبل "المذلة" أبداً
قدم للكعبة ظهراً والشرط عند قريش أن يتعبد محمداً ويتطوف ويعتمر في مكة هو وأصحابه رضي الله عنهم ثلاثة أيام كما يشاؤون لا تعترض عليهم قريش .
لكنه قيد نفسه وقيد أصحابه
طاف بالبيت والبيت حوله الأصنام فلم يعثروا بصنم ولم يحركوه من مكانه .
والآن يريد أن يصلي حول الكعبة وأصنام قريش تحيط بالكعبة .
فصلى ﷺ والأصنام أمامه
"لأنه يصلي لله لا يصلي للأصنام"
ولم يأذن للصحابة رضي الله عنهم أن يحرك صنم من مكانه
وعندما أراد أن يرفع بالآذان لم يقل لبلال اصعد على الكعبة .
"كما في فتح مكة وحجة الوداع"
لا
قال : يا بلال ارقى الصفا فأذن للظهر .
فصعد بلال بن رباح رضي الله عنه وأذن
"بلال الحبشي" الذي في نظر قريش عبد من العبيد لا قيمة له .
"بلال" المعذب في إسلامه على رمال مكة .
يرفع الآن الأذان بأعلى صوته فترتج مكة كلها بصوت أذانه .
وكان بلال رضي الله عنه صيِّتً .
"صاحب صوت عالي ، جميل الصوت رقيقا فيه لذة لمن سمعه . من سمع بلال يؤذن لا يملك نفسه من البكاء"
نادى بلال على مسمع قريش كلها ولأول مرة في مكة .
الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر .
أذن بلال رضي الله عنه
وصلى بهم النبي ﷺ
ثلاث أيام يصلي بهم ولكن قصراً
وأخذ يحدث أصحابه رضي الله عنهم عن بناية هذا البيت وقصة إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام ولماذا نطوف سبعاً ونسعى سبعاً وماقصة زمزم .
ولماذا نهرول في المسعى بين الميلين .
فكان يعطيهم الدروس....
وقضى اليوم الأول والثاني في مكة .
في اليوم الثالث جاءه عمه العباس رضي الله عنه يحدثه عن ميمونة رضي الله عنها .
يتبع كيف ختم ﷺ هذه العمرة بزواجه من أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها
آخر زوجات ﷺ .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثمانون بعد المائة 184
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث .
رضي الله عنها.
بعد انتهاء النبي ﷺ من عمرة القضاء وبقي هو و أصحابه رضي الله عنهم في مكة ثلاث أيام .... جاء "العباس" عم النبي ﷺ في اليوم الثالث للنبي ﷺ وحدثه عن أخت زوجته أم الفضل "زوجة العباس اسمها أم الفضل"
لها أخت اسمها "برة"
وقد غيّرَ النبي ﷺ اسمها بعد ذلك وسماها "ميمونة"
ولكن في ذلك الوقت كان اسمها "برة بنت الحارث"
كانت قد أسلمت وزوجها بقي مشرك فلم تستطع الهجرة وكانت تكتم إيمانها
ومات زوجها خلال هذه الأعوام وكان عمرها 26 عام .
فلجأت لبيت "العباس" لأنه زوج اختها....
والعباس كان في مكة مقيم يكتم إيمانه أيضآ
جاء العباس رضي الله عنه وحدث النبي ﷺ عن برة
قال : يارسول الله إن برة أخت أم الفضل امرأة تكتم إيمانها وهي الآن أيِّم تريد صحبتك للمدينة أو تأذن لها بالهجرة .
فقال له النبي ﷺ وقد استشف هذه الرسالة ...
وهو صاحب الفراسة الكاملة
وهو القائل لنا اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : بل خيرٌ من ذلك يا عباس .
إذهب إليها يا علي وقل لها إن رسول الله يخطبك لنفسه .
فجاءها علي رضي الله عنه وأخبره أن النبي ﷺ يخطبها لنفسه وكانت تركب على بعير
فلما سمعت الخبر فرحت فرحاً شديداً .
وقالت : البعير وما عليه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
"يعني هي تريد أن تتزوجه بلا صداق أي مهر "
وأقر الله عز وجل هذا الزواج
فشروط النكاح في الإسلام أربعة
١- قبول وإيجاب "يعني موافقة الزوجين"
٢- المهر .
٣- ولي أمر للزوجة .
٤ - الشهود .
إذا فقد إحدى هذه الشروط الأربعة فالنكاح يكون "باطل غير شرعي"
و هنا لا يوجد مهر لميمونة رضي الله عنها
وليس لها ولي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وليها العباس .
فأنزل الله مقراً هذا الزواج
قال الله تعالى :
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .
والآية شهادة لها رضي الله عنها بالإيمان.
وقوله تعالى إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ . يعني بغير صداق
وقوله تعالى :
خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .
يعني هذه خصوصية فقط للنبي ﷺ .
وليس لأحد من أمته أن يتزوج امرأة بغير ولي ولا صداق .
تكملت الآيات من سورة الأحزاب
قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا .
"يعني نحن - عز وجل - فرضنا المهر ونحن فرضنا عدد النساء أربعة "
ولكن هذه خصوصية لك يا رسول الله ولا ينبغي لأحد من أمتك أن يتزوج امرأة من غير ولي أمر ولا مهر .
لكي لا يكون عليك حرج .
تزوج النبي ﷺ من أم المؤمنين "برة" و سماها "ميمونة رضي الله عنها.... لأن الزواج وقع في مناسبة ميمونة مباركة وهي العمرة .
وكانت أم المؤمنين "ميمونة" رضي الله عنها هي آخر من تزوجها النبي ﷺ .
"ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها كانت من قبيلة عزيزة قوية وهي قبيلة "بني هلال"
وقد تزوجها النبي ﷺ تأليفاً لقلوب قبيلتها ....
و تأليفا لقلوب قريش أيضاً لأنها كانت ترتبط بصلات نسب مع كثير من سادة وأشراف قريش .
وبالفعل بعد ذلك الزواج دخلت قبيلة "بني هلال" في الإسلام تباعاً .
وأسلم بعض أقاربها مثل إبن أختها "خالد بن الوليد" سيف الله المسلول رضي الله عنه .
فهذا الزواج ترك أثر في نفس "خالد بن الوليد رضي الله عنه فأسلم بعدها بشهر واحد .
وتم العقد.... وانقضت الأيام الثلاثة التي اتفقت قريش مع النبي ﷺ .
وهي أن يؤدي المسلمين فيها العمرة ثم يخرجوا من مكة .
فجاء إلى النبي ﷺ سهيل بن عمرو ومعه رجال من قريش
جاء إلى خيامهم في الأبطح
فوقف وقال : يا محمد قد انتهت زيارتك.... فارحل عنا
فنظر إليه ﷺ مسالماً متبسماً مشرق الوجه
وقال : يا سهيل وما عليك لو زدت فيها بعض اليوم "بقية هذا اليوم"
فلقد تزوجت من بنت الحارث
فما عليكم لو أعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه وشاركتمونا إياه
فرد عليه في جفاء لا حاجة لنا في طعامك فاخرج من أرضنا وأعرس حيث شئت وفارق بلادنا .
فلم يطق سعد بن عبادة رضي الله عنه هذا الجفاء للنبي ﷺ
فغضب ووثب قائماً في وجه سهيل ...
وقال : لا أمك لك يخرج من بلدك ؟
والله ليست أرضك ولا أرض آبائك .
إنها ارض الله الحرام وبلده ومسقط رأسه .
والله لا يخرج منها إلا طائعا راضياً .
فأشار النبي ﷺ إلى سعد رضي الله عنه "أن أسكت وأشار إليه أن إجلس"
ثم ابتسم لسهيل مرة أخرى ﷺ صاحب الخلق العظيم .
فابتسم مرة أخرى مخاطباً سعد رضي الله عنه وسهيل يسمع .
قال : يا سعد لا تؤذي قوماً زارونا في رحالنا .
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه .
"اعتبر قدومهم إلى الخيام ضيوف والضيف لا يهان"
ثم نظر لسهيل ...
وقال له : حباً وكرامةً يا سهيل .
قم يا أبا رافع فأذن بالرحيل
فقام أبو رافع ونادى بالناس بالرحيل ....
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسهيل : ولكن تأذنوا لأبي رافع أن يبقى إلى المساء حتى يخرج بإبنة الحارث "أي أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها...
وأمر صلى الله عليه وسلم الصحابه رضي الله عنهم أن لا تغيب شمس ذلك اليوم ورجل في مكة....
فأتى إلى منطقة إسمها "سرف" وهي قريبة من التنعيم يعرف اليوم مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها...
فنزل في سرف وضرب خيامه بها وانتظر قدوم أبا رافع بأم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها...
وبنى بها ﷺ في "سرف"
وعاشت أم المؤمنين "ميمونة رضي الله عنها إلى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعندما شعرت بإقتراب أجلها
قالت :
أرى أن أجلي قد دنى ، وإني أحب أن ادفن في البقعة التي بنى بها عليٌَ النبي ﷺ .
فما عليك لو حملتني إلى هناك ففاضت روحي في سرف ودفنت هناك ؟
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه السمع والطاعة يا أم المؤمنين ....
فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تجهز وتحمل إلى "سرف" مع رجال
وضربوا لها خيمة في نفس البقعة التي ضربت خيمة الزواج فيها وأقاموا من حولها .
وتوفت هناك فدفنت في مكان ما تزوجها النبي ﷺ بالتمام .
وأنت داخل مكة قبل أن تصل التنعيم على يدك اليمين ، جدار طويل مدهون بالأبيض في سرف هناك قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث خاتمة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
مما حدث في عمرة القضاء .
أثناء رحيل النبي ﷺ من مكة
تبع المسلمون فتاة صغيرة وهي "عُمارة بنت حمزة بن عبدالمطلب"
أبوها حمزة سيد الشهداء وأسد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
عندما هاجر حمزة لم تكن زوجته قد أسلمت...
فلم تتبعه وكان له منها ابنة واحدة .
وبما أن كنيته "أبا عمارة" اشتهر هذا الإسم على إبنته فكانوا يقولون لها "عُمارة" ولكن اسمها الحقيقي "امامة بنت حمزة"
عندما علمت أن النبي ﷺ سيخرج .
خرجت ووقفت له بالطريق ونادت بأعلى صوتها للنبي ﷺ
يا عم يا عم :
"لأن أبوها حمزة رضي الله عنه هو أخو النبي من الرضاعة ، فقد أرضعتهما ثويبة .
خرجت و وقفت له بالطريق ونادت بأعلى صوتها .
يا عم يا عم . فسمعها علي فتناولها "علي بن أبي طالب" من يدها .
وهو إبن عمها بعد أن استأذن النبي ﷺ .
وقال علي رضي الله عنه علامَ نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين ؟
وذهب بها إلى فاطمة رضي الله عنها وقال لها : دونك ابنةَ عمكِ .
بمعنى خذي بنت عمك اعتني بها وكانت عُمارة صبية لكن دون سن التمييز يعني تجاوزت السابعة ولكن دون سن البلوغ .
كانت تقيم في "مكة" مع أمها "سلمى بنت عميس" وكانت أمها مسلمة
ولكن لاشك أن "عمارة" هذه الطفلة كانت تعاني وهي تقيم بين المشركين في مكة لأنها إبنة "حمزة رضي الله عنه الذي قتل كثير من قريش في "بدر" وفي "أحد " فهم يرون فيها إبنة من قتل منهم .
و أيضاً "قريش" هي التي قتلت أباها في "أحد " فهي تراهم الذين قتلوا أباها .
ولكن بعد أن أخذها "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ووصلوا المدينة المنورة
اختصم في كفالة {{ عمارة }}
١- جعفر بن أبي طالب "شقيق علي الأكبر"
٢ - وزيد بن حارثة .
٣ - وعلي بن أبي طالب .
الكل يريد أن تكون في بيته
فقال جعفر رضي الله عنه إبنة عمي وخالتها تحتي
"أي خالة البنت زوجتي ، وكانت خالتها "أسماء بنت عميس" زوجة جعفر بن أبي طالب "
وقال زيد بن حارثة . إبنة أخي
لأن الرسول ﷺ كان قد آخى بين زيد بن حارثة وبين حمزة بن أبي طالب .
وقال علي رضي الله عنه : أنا أخذتُها . وهي ابنةُ عمي .
ولننظر الآن الى الحبيب المصطفى ﷺ .
انظروا إلى صاحب الخلق العظيم والمشرع الحكيم كيف أرضى كل واحد وكيف اختار للفتاة أين تكون .
فقال لعلي رضي الله عنه : أنت مني وأنا منك .
وقال لزيد رضي الله عنه : أنت أخونا ومولانا .
وقال لجعفر رضي الله عنه : إنك أشبهت خَلفي وخُلقي .
[[ فأثنى على الثلاثة ]]
ثم قال أما الفتاة أو الجارية ، فإنها لخالتها وإن الخالة بمنزلة الأم .
"لم يقل ﷺ لهم هي لجعفر فنسبها لخالتها"
فالخالة بمنزلة الأم كما أن العمة بمنزلة الوالد .
ففاز بها جعفر ومالبث جعفر رضي الله عنه بعد أشهر حتى استشهد في "مؤتة"
سنأتي على ذكرها لاحقآ إن شاء الله.
وهكذا قضى النبي ﷺ بأن تكون عند "جعفر بن أبي طالب" لأن جعفر متزوج من خالتها .
فالأولى أن الذي يتولى رعايتها هو خالتها .
كما أن "جعفر" لا يحل لها لأنه متزوج من خالتها .
وقد قال النبي ﷺ إن المرأة لا تنكح على عمتها ولا على خالتها .
ومن هنا أخذ الفقهاء من ذلك
أن الخالة مقدمة في الحضانة على سائر الأقارب بعد الأبوين
وأول شيء فعلته "عمارة" عندما عادت إلى المدينة أن سألت عن قبر أبيها .... وذهبت إلى قبر أبيها لزيارته
وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون على كفالة اليتيم
وكانت الكفالة حقيقية .
ليست بأن يدفع لليتيم ٢٠٠ ريال في الشهر . لا .
صحيح كله خير ومأجورين عليه ولكن ليست هذه الكفالة الحقيقية في الإسلام ....
الكفالة الحقيقية الكاملة هي أن يكون اليتيم في بيتك ومع أبنائك .
فينشأ نشأة طبيعية كما نشأ النبي ﷺ .
ولذلك لم نجد في الإسلام "دور للأيتام" على كثرة الأيتام في زمن النبي ﷺ .
لأن حركة الجهاد كانت كبيرة وكان هناك الكثير من الشهداء .
ولكن كانوا لا يتركون إمرأة مات عنها زوجها بلا زواج .
لأنه لم تكن هناك مشكلة عند النساء في تعدد الزوجات
فكانوا يتنافسون كما رأينا على كفالة اليتيم رضي الله عنهم.
ترك النبي ﷺ مكة وقد ظهرت عزة المسلمين وقوتهم أمام قريش وأمام كل العرب .
حتى أن البعض قال : أن عمرة القضاء كانت البذرة أو تهيئة الأرض لفتح مكة بعد هذا التاريخ بعشرة شهور فقط.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائة 185
إسلام خالد بن الوليد .
وعثمان بن طلحة .
وعمرو بن العاص رضي الله عنهم .
أول حدث في شهر "صفر" في السنة الثامنة من الهجرة : كان إسلام ثلاثة من عمالقة قريش وهم .
خالد بن الوليد "فارس قريش"
عمرو بن العاص -وهو من أحكم وأدهى العرب"
عثمان بن طلحة "من وجوه أهل مكة"
رضي الله عنهم
وهذا الحدث من أعظم الأحداث ونصر من أكبر إنتصارات الإسلام
ونقطة فارقة في التاريخ الإسلامي
وقد أسلم الثلاثة في يوم واحد
عندما أسلموا قال النبي ﷺ رمتكم مكة بأفلاذ كبدها .
لماذا تأخر إسلام "خالد بن الوليد" رضي الله عنه سيف الله المسلول .
عندما أوحي إلى النبي ﷺ في مكة كان خالد شاباً عمره 27 عام .
وعندما أسلم كان عمره 47 عام .
بقي خالد بن الوليد رضي الله عنه 20 عام كاملة يرفض الإسلام ويحارب المسلمين حتى أسلم في أول السنة الثامنة من الهجرة .
وكان سبب رفضه وعداوته للإسلام طوال هذه الفترة أنه من بيت يكره الإسلام .
فأبوه هو "الوليد بن المغيرة" سيد "بني مخزوم" أحد بطون قريش .
ومن أغنى أغنياء قريش .
ومن أشد قريش عدواة للنبي ﷺ لدرجة أنها نزلت فيه عشرون آية في سورة المدثر
قال تعالى :
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ♡ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ♡ وَبَنِينَ شُهُودًا ♡ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ♡ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ♡ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ♡ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ♡ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ♡ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ♡ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ♡ ثُمَّ نَظَرَ ♡ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ♡ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ♡ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ♡ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ♡ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ♡ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ♡ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ♡ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ♡ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ♡
نزلت هذه الآيات في حق "الوليد بن المغيرة"
وسبب آخر لتأخر إسلام "خالد بن الوليد" هو أن خالد كان من زعماء مكة .
وله مكانته في قريش ومكانته المرموقة في العرب .
ومكانته في الجيش المكي فهو قائد فرسان قريش وهي أهم كتيبة في الجيش .
فكان "خالد" يخشى على مكانته أن تضيع إذا دخل في الإسلام .
وكان من أسباب إسلام "خالد بن الوليد رضي الله عنه كثيرة .
في صلح الحديبية قبل هذا التاريخ بعام تقريباً عندما خرج "خالد بن الوليد رضي الله عنه على رأس جيش مكة لإعتراض المسلمين الذين جاؤوا لأداء العمرة .
ووقف خالد بجيش مكة أمام المسلمين .
ثم جاءت صلاة الظهر فوقف المسلمون يصلون .
وشاهد "خالد بن الوليد رضي الله عنه المسلمون وهم يصلون ويسجدون ووجدها فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم .
فسأل من حوله هل سيصلي المسلمين مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال له بعضهم نعم إن لهم صلاة بعد هذه "صلاة العصر" أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
فجهز "خالد بن الوليد رضي الله عنه جيش مكة للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر .
ولكن في ذلك الوقت نزل جبريل بتشريع صلاة الخوف .
ووقف النبي ﷺ يصلي بالمسلمين صلاة الخوف لأول مرة .... فقام وصلى خلفه نصف الجيش .
والنصف الثاني من الجيش وقف خلف المسلمون لحراستهم .
وأتم النبي ﷺ صلاة ركعتين .
ثم وهو في التشهد سلم الجيش وانصرف ووقف للحراسة .
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع الرسول ﷺ .
ولما رأى "خالد بن الوليد رضي الله عنه ذلك قال كلمة عجيبة
قال : إن القوم ممنوعون .
"أي أن الله تعالى يمنع ويحمي هؤلاء"
وكانت "عمرة القضاء" قد تركت أثراً آخر بعد خروجه منها ﷺ
قلنا إن النبي ﷺ قد خرج مهاجراً من مكة يصحبه رجل واحد من أصحابه و هو "أبو بكر الصديق رضي الله عنه..
في جنح الظلام .
وها هو يرجع اليوم إليها بإقرار من قريش .
وتخلي قريش له مكة فلا يشاركه بالطواف مشرك ولا يصادفهم في طرقاتهم أحد حتى لا يستفزهم .
وبيوت قريش مغلقة ومن أراد أن يبقى في مكة أغلق عليه باب داره .
ومن أراد أن يخرج خرج إلى شعاب الجبال .
مكة كلها يدخلها النبي ﷺ في وضح النهار محرماً ملبياً مكبراً يتطوف بالبيت .
وحول البيت آلهتهم التي طالما سفه أحلام من يعبدها بنص القران الكريم ....
ورجالات قريش تنظر إليه
حرك هذا المشهد تفكير العقلاء منهم وذوي الرأي أمثال "خالد بن الوليد" و "عثمان بن طلحة" وغيرهما
وقد ترك في نفوسهم حيرة .
هذا الرجل الذي خرج قبل سبع سنين في جنح الظلام يعود الآن في وضح النهار وحوله 2000 رجل محرمين يطوفون ويعلنون دينهم علانية في مكة
ولا يستطيع أحد أن يعارضهم .
ما سر هذا الرجل ؟!!
لقد قاتلناه مراراً فانتصر علينا .
وها هو قد طاف في الكعبة مع أولئك العبيد الذين كنا نستهين بهم ونعذبهم في مكة وتعلو أصواتهم بالتلبية والتكبير
من أين يستمد قوته هذا الرجل ؟
وها هي قريش قد أذعنت له .
فأكل العرب واليهود معاً بالأمس قضى على آخر اليهود في "خيبر"
واليوم يدخل مكة عنوة في وضح النهار .
ما سر هذا الرجل ..
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه قلت في نفسي لم تعد مكة دار إقامة لي لعله يأتي في كل عام فيعتمر ويحج .
ولعل أمره يظهر على قريش .
ففكرت أن أغادر مكة إلى "الحبشة" .
فتذكرت أن ملك الحبشة النجاشي قد دخل في دينه .
فقلت : اخرج إلى قيصر الروم .
فتذكرت أن "قيصر" سيعرض علي النصرانية وأدخل في دينه ما دمت في حماه .
فأترك دين قومي وأكون هنالك موالي للعجم فأفقد قومي وعشيرتي .
أين أذهب ؟؟
وبينما أنا كذلك في تلك الحيرة
قلت : أغلق باب داري علي وانظر إلى ما يصير إليه أمر محمد صلى الله عليه وسلم
وإذا بقارع يقرع الباب علي ويسلمني رسالة من أخي الوليد
وكان لخالد أخ إسمه "الوليد بن الوليد بن المغيرة" كان قد أسلم بعد بدر .
وبحث "الوليد" عن أخيه "خالد" فلم يجده ....
كان قد خرج مع قريش و ترك مكة للمسلمين ثلاثة أيام .
فترك له "الوليد بن الوليد" رسالة قال فيها .
بسم الله الرحمن الرحيم .
أما بعد . فإني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك يا خالد .
ومثل الإسلام لا يجهله أحد ؟
"أي هذا الإسلام بتعاليمه لايجهله عاقل وأنت من العقلاء يا خالد"
وقد سألني رسول الله ﷺ عنك ونحن بمكة .
وقال أين خالد ؟؟
فقلت يأتي الله به مسلماً إن شاء الله .
فقال ما مثل خالد يجهل الإسلام .
"يعني لا يعقل مثل عقلية خالد ورجاحة عقله يجهل الإسلام "
ولو كان جعل نكايته وجَدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له .
ولقدَّمناهُ على غيره .
"يعني قوته وحنكته في القتال لو جعلها على أعداء الله لكان خير له"
فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة .
يقول خالد رضي الله عنه فلما قرأت كتابه زدت رغبة في الإسلام .
وسرني سؤال رسول الله ﷺ عني وقوله ما مثل خالد يجهل الإسلام .
انظروا إلى حكمة رسول الله ﷺ
هو يعلم أن "خالد" يخشى على مكانته في جيش مكة .
فهو يريد أن يطمئنه من هذه الناحية وأنه إذا دخل في الإسلام فلن يكون تابعاً بل سيظل قائداً .
اهتز قلب "خالد" بهذه الرسالة
رجل أعاديه وأقاتله ونلت منه ما نلت يوم أحد .
ثم يثني علي ويقول ما مثل خالد يجهل الاسلام .
فيشهد برجاحة عقلي .
قال فهزتني مقالته وجعلتني أقُلب الأمور رأساً على عقب .
وأقول لقد قاتلته مراراً .
وأنا لا أدافع عن عقيدة ولا حتى أدري لما اقاتله ؟
لماذا لا أدخل في دينه ؟
وأخذت أفكر وأتدبر أمري .
فنمت ليلتي تلك ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة .
فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة فيها المياه تتدفق
فلما صحوت قلت : إنها رؤيا .
لأن صدقت فإني خارج من دين قريش إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم.
وهنا كان قرار "خالد بن الوليد رضي الله عنه رضي الله عنه أن يدخل الإسلام .
ولكن قبل هجرة خالد رضي الله عنه أراد "خالد" ألا يهاجر وحده
يقول خالد رضي الله عنه قلت من أصاحب معي إلى الرسول ﷺ ؟
"فخالد شخصية إيجابية ويريد أن يقدم شيئا للإسلام في أول لحظات إسلامه
حتى قبل أن يهاجر وقبل أن يقابل الرسول ﷺ .
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه فذهبت إلى صديقي "صفوان بن أمية"
وعرضت عليه أن يدخل في الإسلام وأن يهاجر معي .
فقال له صفوان وقد أنكر عليه أشد الإنكار
قال : واللآت لو لم يبقَ غيري من قريش لما اتبعته .
"يعني لو أسلمت قريش كلها إلا أنا ما اتبعت دين محمد"
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه...
قلت في نفسي رجل قُتل أباه وأخاه يوم بدر فأعذره فيما يعتقد ....
فتركته وانصرفت عنه .
ثم ذهبت إلى صديقي "عكرمة بن أبي جهل" وعرضت عليه أن يسلم وأن يهاجر معي .
فقال له عكرمة وكان أشد إنكاراً من صفوان . لو لم يبقَ غيري من قريش لما اتبعته .
فقلت وهذا أعذره أيضآ
لقد قتل أباه يوم بدر ومازال يحمل عار أبيه أبو جهل .
يقول خالد رضي الله عنه فمضيت وقلت لا أكلم أحداً حتى لا يفشوا أمري في مكة فيسخر مني أهل مكة .
يقول خالد رضي الله عنه وبينما أنا في طريقي لا أريد أن أكلم أحداً لقيني "عثمان بن طلحة"
هذا الرجل ؟؟
عندما هاجرت أم سلمة لم يتركها تهاجر وحدها وخرج ماشياً على قدميه حتى أوصلها وابنها المدينة المنورة ثم رجع .
وذكرناها في السيرة سابقآ وقلنا أن له سابقة خير فهداه الله للإسلام .
قال : لقيني "عثمان بن طلحة"
يقول خالد رضي الله عنه فقلت هذا أشد إنكاراً من الذين قبله .
فإن كان "صفوان" قتل أباه وأخاه .
و "عكرمة" قتل أباه .
فهذا "عثمان" فقد قتل أبوه وعمه ، وإخوته الأربعة في يوم أحد على يد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فهو أشد عداوة لمحمد ودينه من غيره .
فلا أفضح أمري بين يديه .
فلما لقيني "عثمان" سلم علي وسلمت عليه ثم أخذت أناقشه في أمر محمد وقريش .
وأقول له : ألا ترى أن أمر محمداً قد علا علوا منكراً "أي غريبا"
فما أصبحنا يا عثمان إلا بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج .
"أي أصبحنا ضعاف جداً أمام محمد وصحبه"
قال فأنصت إلي تماماً
وقال عثمان : و هو كذلك يا خالد... فقلت له ألم يستقم الميسم "أي تبين الطريق وظهر الحق"
فما علينا لو دخلنا في دين محمد يا عثمان ؟
فقال عثمان . هذا ما عزمت أن أحدثك به والله
"سبحان الله الذين اختارهم كانوا أشد إنكارا .
والذي خشي أن يحدثه كان هو الموافق .
قال : هذا ما عزمت ان أحدثك به .
والله لقد طاب المنسم يا خالد . فعلامَ نكابر ؟؟
فاستجاب له "عثمان بن طلحة" واتفق الإثنان على الخروج من مكة وتواعدا .
وخرجا إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامها بين يدي النبي ﷺ وفي الطريق إلى المدينة
قابل "خالد بن الوليد" و "عثمان بن طلحة"
رجل في الطريق هو "عمرو بن العاص" كان هو الآخر متوجها من مكة إلى المدينة ليعلن إسلامه
ننتقل مع "عمرو بن العاص" رضي الله عنه ونرى مالذي جعله يدخل الإسلام .... وعلى يد من أسلم .
ثم نرجع إلى خالد وعثمان وعمرو وماذا حدث عندما تقابلوا في الطريق .
"عمرو بن العاص" رضي الله عنه تأخر في إسلامه
مثل "خالد بن الوليد"
ظل "عمرو بن العاص" عشرون عاما منذ البعثة وحتى بداية السنة الثامنة من الهجرة رافضاً ومعاديا للإسلام .
وكان سبب رفضه للإسلام طوال هذه الفترة أنه من بيت يكره الإسلام .
فأبوه "العاص بن وائل" كان من أشد أعداء النبي ﷺ وكان شديد الإيذاء للرسول ﷺ في مكة قبل الهجرة .
وهو الذي كان يقول عن النبي ﷺ بعد موت ولده أنه "أبتر"
فنزل فيه قول الله تعالى "إن شانئك هو الأبتر"
ومن شدة إيذائه للنبي ﷺ
دعا عليه النبي فقال اللهم سلط عليه شوكة من أشواك الأرض .
فدخلت شوكة في قدمه فتورمت قدمه ولم يستطع أن يتحرك وأصبح طريح الفراش .
وذهب إبنه "عمرو بن العاص" إلى "الطائف" ليأتي بطبيب ولكنه مات قبل أن يصل إليه .
إذآ "عمرو بن العاص" من بيت يكره الإسلام كراهية شديدة جداً .
وسبب آخر لتأخر إسلام "عمرو بن العاص" وهو أن له مكانة كبيرة في قريش .
بل وفي الجزيرة كلها .
ولذلك فهو يخشى على ضياع هذه المكانة إذا اتبع النبي ﷺ ودخل في الإسلام .
كيف أسلم ؟
بعد غزوة "الأحزاب" رأى "عمرو بن العاص" بحنكته السياسية أن الأمور ستتجه بعد ذلك لصالح المسلمين .
لأن كل أعداء المسلمين تحالفوا ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا .
ولكن مع ذلك لم يكن "عمرو بن العاص" متقبلًا لفكرة أن يدخل في الإسلام .
كان شديد الكراهية للرسول ﷺ فأخذ قرارا غريباً وهو أن يترك مكة ويهاجر إلى الحبشة
والقصة يرويها "عمرو بن العاص" نفسه والقصة في البخاري ومسلم رحمهما الله :
يقول "عمرو بن العاص رضي الله عنه :
أنه تحدث إلى رجال من قريش كانوا يرون رأيي
"يعني مجموعة من رجال قريش كانوا يقتنعون بأي شيء يقوله .
ويسمعون كلامه وينفذون ما يقوله"
فقلت لهم . إني أرى أمر محمد يعلوا علواً منكرًا .
وإني أرى أن نلحق بالنجاشي .
فلئن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد .
وكان "عمرو بن العاص" صديقاً للنجاشي .
وانظروا إلى مدى كراهية "عمرو بن العاص" للنبي ﷺ في ذلك الوقت .
يقول عمرو بن العاص ولم يكن أحد أشد كراهية لرسول الله مني .
يقول عمرو بن العاص لأصحابه وإن ظهر قومنا فنحن مَن قد عرفوا .
فلن يأتينا منهم إلا خيراً .
"أي لو انتصرت قريش على المسلمين فيمكن أن نعود إلى مكة ومكانتنا محفوظة"
وإن ظهر محمد كان النجاشي بيننا وبينه .
"هذا عمرو بن العاص الذي كان يسمى بداهية العرب .
إن ظهر محمد فهذا النجاشي يتدخل ويقوم بصلح بيننا"
فقال أصحابه إن هذا لهو الرأي
فقال لهم عمرو . فاجمعوا له ما نهدي إليه .
"يعني ساعدوني نجمع للنجاشي الهدايا"
يقول عمرو . وكان أحب ما يهدى إليه من أرض العرب هو الأدم .
"أي الجلود المدبوغة" فجمعوا له جلودا كثيرة ثم توجهوا إلى الحبشة .
فلما ذهب "عمرو بن العاص" إلى النجاشي وجد عنده "عمرو بن أمية الضمري"
تذكرون هذا الاسم الذي حمل الرسالة من النبي ﷺ للنجاشي .
كان النبي ﷺ قد أرسل "عمرو بن أمية" إلى النجاشي يطلب منه أن يرسل "جعفر بن أبي طالب" ومن بقي من المسلمين في الحبشة إلى المدينة .
"الرسالة التي زوجه فيها رملة بنت أبي سفيان"
ففكر "عمرو بن العاص" أن يدخل إلى النجاشي ويطلب منه أن يسلمه "عمرو بن أمية الضمري" ويقتله...
وبذلك يكون قد صنع شيئا لقريش يرفع بها مكانته في مكة .
مع أن "عمرو بن العاص" حاول قديما منذ 15 عام في السنة الخامسة من البعثة أن يسلم له النجاشي المسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة .
ولكن النجاشي رفض رفضاً قاطعا .
يقول عمرو بن العاص فدخلت عليه وسجدت له كما كنت أصنع .
فقال : مرحبًا بصديقي .
أهديت الي من بلادك شيئا .
قال عمرو : نعم أيها الملك .
قد أهديت لك أُدُماً كثيراً . ثم قدمه إليه فأعجبه .
يقول عمرو فلما رأيت نفسه قد طابت .... قلت له . أيها الملك .
إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا .
فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وأعزتنا .
قال عمرو . فغضب النجاشي غضباً لم أرى النجاشي قد غضب مثله من قبل حتى كاد الدم أن يتفجر في وجهه
ثم مد يده فضربني بها على انفي ضربة ظننت أنه قد كسره وخلعه من مكانه .
فتدفق الدم على ثيابي .
ورأيت من الذل والمهانة مالم أرى ومالم أتوقع .
فوددت لو انشقت لي الأرض فدخلت فيها خوفا منه ....
"ترضوا على النجاشي أصحمة
ثم قلت له : أيها الملك . والله لو ظننت أنك تكره هذا ويغضبك ما سألتكه .
فقال النجاشي . يا عمرو أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟
"وكان أهل الكتاب يطلقون على جبريل الناموس الأكبر .
ولذلك قال ورقة بن نوفل لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى"
قال عمرو . أيها الملك .
أكذاك هو ؟ أتشهد له ذلك ؟
قال النجاشي : أي ورب محمد وعيسى وموسى .
يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى .
وإنه رسول من عند الله .
ويحك يا عمرو . أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنده .
في هذه اللحظة نزلت الهداية من الله الرحمن الرحيم اللطيف الودود الجميل .
سبحانه ما أعظمه وأجمله سبحانه ما أرحمه....
والله لوعرف المسلمون الله حق معرفته لذابت قلوبهم بمحبته والإشتياق للنظر لوجه الكريم .
نزلت الهداية من الله تعالى على قلب "عمرو بن العاص" ولا شك أن ذلك نتيجة تراكمات ومشاهدات واستنتاجات كثيرة في حياته .
في تلك اللحظة كان عمرو يفكر ويبحث عن الحق صدقاً .
قال عمرو للنجاشي أيها الملك ألا خلوت بي ؟؟
قال النجاشي حباً وكرامة
يقول عمرو . فلما خلوت به
قلت له . أتبايعني له على الإسلام ؟
قال . نعم .
فبسط النجاشي يده فبايعه "عمرو بن العاص" على الإسلام .
أسلم هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه الذي فتحت مصر وفلسطين على يده .
وله أجر كل من أسلم من مصر و فلسطين منذ ذلك اليوم ليومنا هذا هو والنجاشي رضي الله عنهما ....
ثم خرج "عمرو بن العاص" على أصحابه لم يخبرهم بشيء مما حدث .
ولم يخبرهم بإسلامه .
وبقي في مكة كاتمآ إسلامه بضعة شهور حتى أعد نفسه للهجرة .
ثم خرج من مكة سراً واتجه إلى المدينة ليعلن إسلامه بين يدي الرسول ﷺ .
وتقابل في الطريق مع خالد وعثمان رضي الله عنهم...
فسلما عليه وقالا له مالذي أخرجك وعهدنا بك في الحبشة ؟
قال عمرو . مالذي أخرجكما أنتما ؟؟
يقول خالد رضي الله عنه فعلمت أنه يقصد هدفاً ولكنه يراوغ
قال خالد بن الوليد والله لقد استقام المَنسِمُ يا عمرو .
"اتضح الأمر ولم يعد فيه لبس وشك... وإن الرجل لنبي .
إذهب والله معنا فأسلم فحتى متى ؟
قال عمرو . فأنا والله ما جئت إلا للإسلام
وقص عليهم ما حدث معه مع النجاشي وأنه أسلم على يده .
قال خالد رضي الله عنه فسررنا به وانطلقنا ركباً ثلاثة نقطع الطريق حتى وصلنا أطراف المدينة .
فجلسنا نستريح ونبدل ثيابنا ونجهز أنفسنا لمقابلة رسول الله ﷺ .
يقول خالد رضي الله عنه فما ادهشني إلا وأخي الوليد يأتي مسرعاً إلينا .
ويقول : أسرع يا خالد فرسول الله في انتظاركم في المسجد .
قلت : رسول الله ينتظرنا ؟
لم نرسل له أحد يعلمه بقدومنا
قلت من أخبره ؟؟
قال : أتاه جبريل وأخبره أنكم أتيتم مسلمين طائعين وقد فرحنا بإسلامكم .
هيا أسرعوا إنه ينتظركم في المسجد منذ ساعة .
قال خالد بن الوليد رضي الله عنه فأسرعنا الخطى إلى مسجده حتى إذا وقفنا بباب المسجد ونظرنا إليه
نظر إلينا: مشرق الوجه مبتسماً ضاحكاً .
وقام إلينا مسروراً واستقبلنا وعانقنا .
وهو يقول مرحباً بإخواننا مرحباً بإخواننا .
يقول خالد رضي الله عنه فجلست بين يديه وبايعته على الإسلام .
وقلت له . يارسول الله اغفرلي تلك المواقف التي وقفتها عليك .
وأخذت سيفي من عنقي و وضعته بين يديه
وقلت . وهذا اقدمه لك .
فوضع يده على كتفي وابتسم في وجهي :
وقال يا خالد الإسلام يهدم ما قبله . واحتفظ بسيفك هذا واجعله معنا بدل أن كان علينا .
ثم تقدم عثمان بن طلحة وبايع النبي ﷺ .
ثم تقدم عمرو بن العاص وقال للنبي ﷺ ابسط يمينك فأبايعك .فبسط النبي ﷺ يده .
فقبض عمرو يده .
فقال له النبي ﷺ مالك يا عمرو ؟
قال عمرو أردت أن أشترط .*
قال له النبي صلى الله عليه وسلم تشترط ماذا ؟
قال عمرو: _أشترط أن يغفر لي
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ .
يا عمرو .
أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله .
وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها .
وأن الحج يهدم ما كان قبله .
وعندما احتضر "عمرو بن العاص" حول وجهه إلى الجدار وأخذ يبكي بكاءا مرا .
فجعل إبنه يقول له يا أبتاه أما بشرك رسول الله ﷺ بكذا وكذا .
فأقبل عليه "عمرو بن العاص" بوجهه.. وقال إني قد كنت على أطباق ثلاث
قد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله ﷺ مني .
ولا أحب إلي إلا أن أستمكن منه فأقتله .
فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار .
فلما جعل الله الإسلام في قلبي .
ما كان أحد أحب إلي من رسول الله ﷺ ولا أجل في عيني منه .
وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له .
ولو سألتني أن أصفه لك ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه .
ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة .
كان إسلام "عمرو بن العاص رضي الله عنه إضافة كبيرة إلى المسلمين .
وقد كان من أحكم وأدهى العرب .
وهو الذي فتحت مصر وفلسطين على يديه .
وقال عنه النبي ﷺ كلمات لم يقلها لأحد غيره .
قال ﷺ في حقه
أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص .
رضي الله عنه وأرضاه
وكان إسلام "خالد بن الوليد رضي الله عنه إضافة هائلة إلى قوة المسلمين .
وكان له دورا رئيسيا في حروب الردة التي حفظت كيان الدولة الإسلامية .
ثم فتح العراق والشام وهزم الفرس والروم .
وهو من القادة النادرين في التاريخ الذين لم يهزموا في أي معركة .
مع أنه اشترك في أكثر من 100 معركة .
وقال عنه عمر بن الخطاب عجزت النساء أن يلدن مثل خالد .
وقال عنه أصدقائه وأعدائه
الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحداً ينام .
رضي الله عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم......
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثمانون بعد المائة 186
الخروج إلى مؤتة .
سرية مؤتة
وهي أول مواجهة للمسلمين مع الإمبراطورية الرومانية .
وهي أكبر دولة في العالم في ذلك الوقت .
وكان سبب هذه المعركة أن النبي ﷺ أرسل أحد الصحابة وهو "الحارث بن عمير رضي الله عنه برسالة إلى أمير بصرى يدعوه فيها إلى الإسلام .
وقد ذكرناها مع الرسائل .
إعترض طريقه "شرحبيل بن عمرو" وهو ملك الغساسنة
ومملكة الغساسنة هي مملكة تدين بالنصرانية كانت موالية للإمبراطورية الرومانية .
وقد سقطت بعد ذلك وانتهت في معركة اليرموك في الفتح الإسلامي للشام .
قبض "شرحبيل" على حامل رسالة النبي ﷺ "الحارث بن عمير رضي الله عنه
وقال له : أين تريد ؟
قال . الشام
قال . لعلك أحد رسل محمد ؟
قال . نعم أنا رسول رسول الله .
فأمر به فأوثق وقتل صلباً
"وكان العرف في العالم كله في ذلك الوقت وحتى الآن أن الرسل لا تقتل .....
وإذا حدث وقتل رسول دولة فإن ذلك يمثل إهانة كبيرة وإعلان حرب على تلك الدولة"
ليس هذا فحسب بل بدأت الدولة الرومانية ومعها القبائل العربية الموالية لها في شمال الجزيرة وهي قبائل تدين بالنصرانية في تعقب وقتل كل من يسلم .
حتى قتل والي "معان" بالأردن لأنه أعلن إسلامه .
وكان قد أسلم دون أن يرسل إليه النبي ﷺ .
وكان رد النبي ﷺ على هذه التصرفات هي ضرورة إرسال جيش إلى هذه المنطقة .
والحروب في الإسلام تكون بهدف الدفاع عن النفس ضد أي إعتداء... ولتأمين حركة الدعوة الإسلامية .
ومنح الناس حقهم في الإعتقاد وحقهم في إختيار الدين الذي يريدونه .
ومما جعل الحبيب المصطفى ﷺ يسرع بإرسال هذا الجيش
هو أنه كان واضحاً أن المواجهة مع الإمبراطورية الرومانية العملاقة .
ومع القبائل القوية الموالية لها في شمال الجزيرة أمر حتمي ولا بد منه .
فأراد النبي ﷺ أن تكون هذه المواجهة في حياته هو
وألا يتركها لمن يأتي بعده .
حتى يكسر حاجز الخوف من مواجهة الإمبراطورية الرومانية في الغرب .... أو الفارسية في الشرق .... أو أي دولة مهما بلغت قوتها .
قام ﷺ بإعداد جيش قوي قوامه 3 آلاف مقاتل .
وهو أكبر جيش إسلامي حتى ذلك الوقت .
وجعل على رأس الجيش "زيد بن حارثة" رضي الله عنه .
وكان النبي ﷺ قد أعد "زيد بن حارثة" إعداداً خاصاً
حيث قاد سبع سرايا قبل هذه السرية ....
وهو أكثر قائد أرسله النبي ﷺ في سرايا .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
"ما بعث رسول الله ﷺ زيد بن حارثة رضي الله عنه في جيش قط إلا أمره عليهم .... ولو بقي حياً بعد الرسول لأستخلفه .
وكان زيد رضي الله عنه رجلاً قصيراً أسمرآ أفطس الأنف .
وكان عمره في ذلك الوقت 43 عام رضي الله عنه .
كذلك لم يجعل النبي ﷺ على هذه السرية أميراً واحداً
وإنما عيَّن ثلاثة من الأمراء .
إن قتل أحدهم تولى الآخر من بعده .
وعقد لهم لواء أبيض مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله . وأعطاه لزيد رضي الله عنه... وأوصاهم أن يأتوا مكان مقتل الصحابي "الحارث بن عمير" رضي الله عنه .
ويدعوا من هناك إلى الإسلام .
فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم .
ثم قال ﷺ إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس .
وإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة على الناس .
فإن أصيب ابن رواحة فليرتضِ المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم .
"يعني إذا قتل القادة الثلاثة يختارون رجل من الجيش يكون القائد فيهم"...
طبعاً كان من ضمن الجيش "خالد بن الوليد" ولكنه كان حديث عهد بالإسلام .
كما ذكرنا في الجزء السابق
وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يولي فيها النبي ﷺ ثلاثة من الأمراء على سرية واحدة .
وهذا يعني أن الحبيب المصطفى ﷺ كان يتوقع حرباً ضروساً في هذه المعركة .
وانظروا إلى هذا الموقف
لنعرف كم كان حقد و علم وخبث اليهود...
كان يقف بجانب "عبدالله بن رواحة" حبر من أحبار اليهود .
كان صديقآ له قبل الإسلام .
عندما سمع النبي ﷺ يقول إن أصيب زيد فجعفر وإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة فإن أصيب ابن رواحة يرتض المسلمون رجل فهمس هذا "الحبر اليهودي" في أذن عبدالله بن رواحة ...
وقال : يا ابن رواحة إن كنت موصي في أهلك شيئا فأوصي فوالذي خلقك لن ترى وجه محمداً بعد اليوم .
ما كان لنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا أصيب فلان فيرجع إلى أهله حياً .
ولو عد مائة أصيبوا جميعاً .
سبحان الله
يعرف أن محمداً نبي وأنه ما ينطق الهوى .
فمالذي حملك على الكفر ؟
هم يعلمون أنه نبي مؤيد من السماء .
ولكن كما قال الله تعالى
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ♡
وقال تعالى :
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ♡
إذن بشرهم النبي ﷺ بالشهادة زيد ثم جعفر ثم عبدالله رضي الله عنهم...
ولم يخرج النبي ﷺ بنفسه في هذه المعركة .
والرسول ﷺ لم يخرج في جميع الغزوات .
والسبب :
١- حتى لا يشق على أمته .
"لأنه لو خرج في كل غزوة لخرج كل المسلمين معه .
وهذا أمر لا يتحمله كل الناس"
٢ - لكي يتعود المسلمون على الإعتماد على أنفسهم .
ويستطيع تربية وإعداد صف من القادة ينهضون بالرسالة بعده ﷺ .
وخرج ﷺ بنفسه لتوديع الجيش وكان يوم الخميس .
وودعهم الناس وقالوا لهم صحبكم الله ودفع عنكم . وردكم إلينا صالحين .
فلما قيل لعبد الله بن رواحة ذلك رد على من يدعون له أن يرجع إليهم بشعر
فقال :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فراغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
أرشده الله من غاز وقد رشدا
وأوصى النبي ﷺ الجيش وقال :
انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله .
ولا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا طفلاً صغيراً ، ولا إمرأة .
ولا تمثلوا ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم ، وأصلحوا وأحسنوا ، إن الله يحب المحسنين .
وانطلق الجيش على بركة الله إلى "مؤتة"
وكان الطريق من "المدينة" الى "مؤتة" 1200 كم في صحراء قاحلة
وهي أكبر مسافة سارها جيش مسلم حتى ذلك الوقت .
وكان ذلك أيضاً الجو شديد الحرارة .
انطلق الجيش كما قلنا يوم "الخميس" قبل سقوط القرص حتى يبيت الجيش خارج المدينة ثم ينطلقوا يوم الجمعة
ووقف النبي ﷺ يوم الجمعة بين الناس على منبره يخطب الجمعة .
وإذا "عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بين الصفوف .
فلما فرغ من صلاته
قال له النبي ﷺ : ما أبطأك عن صحبك يا بن رواحة لما لم ترح معهم ؟
لأن السفر بعد الظهر إسمه "روحة"
والسفر صباحا يسمى "غدوة"
لذلك ﷺ لَغَدْوَةٌ في سبِيلِ اللَّهِ أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيها .
قال له : لما لم ترح مع أصحابك
فقال ابن رواحة : أحببت أن أجمع معك يارسول الله فلعلها تكون آخر جمعة .
"أي اصلي الجمعة معك اسمع آخر موعظة لك...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفع النبي ﷺ صوته بلهجة المعاتب المغضب
وهو يقول : والذي نفسي بيده لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ما أدركت غدوتهم .
إنطلق عبدالله بن رواحة رضي الله عنه مسرعاً وقد اشعلت هذه الكلمات النور في قلبه .
إذا غدوتهم فقط تعدل ما على الأرض.....
وصل الجيش بعد اسبوعين إلى منطقة "معان" في جنوب الأردن .
وكان الهدف كما ذكرنا هو قتال "شرحبيل بن عمرو" ملك غسان الذي قتل حامل الرسالة "الحارث بن عمير" رسولَ رسولِ الله ﷺ .
ولكن في هذا المكان نقلت الإستخبارات الإسلامية إلى "زيد بن حارثة رضي الله عنه مفاجأة غير متوقعة....
وهي أن الدولة "الرومانية" قد قررت الإشتراك في المعركة بنفسها ....
بل وألقت بثقلها في المعركة وأرسلت جيشاً قوامه
100 ألف مقاتل .
طبعاً أذناب الروم من العرب دائماً جاهزين للولاء ...
فتجمع العرب مع "هرقل" وأعدوا جيشاً آخر قوامه 100 ألف .
فأصبح عدد العدو 200 ألف منهم 50ألف فارس .
مقابل 3 آلاف مسلم رضي الله عنهم
هكذا أجمعت كل كتب السيرة
والبعض قال كان عدد الروم أكثر من 200 ألف .
والعجيب أن يعد الروم والعرب الموالين لهم كل هذا الجيش لقتال جيش قوامه فقط 3 آلاف مقاتل ....
على ماذا يدل هذا ؟؟
يدل على مدى الرعب الذي كان فيه هؤلاء الروم وأتباعهم وخوفهم من المسلمين .
والهيبة العظيمة التي إستطاع الحبيب المصطفى ﷺ تحقيقها للدولة الإسلامية .
عندما علم المسلمون بعدد الروم جمع "زيد بن حارثة رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم ليعرض عليهم مستجدات الموقف واستشارهم كما فعل ﷺ في بدر وفي أحد وفي الخندق .
وكانت هناك ثلاثة آراء مختلفة
الرأي الأول :
كان يرى أن يرسل المسلمون رسالة إلى النبي ﷺ في المدينة ويخبرونه بالوضع ويطلبون رأيه .
فإما أن يأمرهم بالقتال أو الإنسحاب أو يرسل إليهم مدد .
وقد تم رفض هذا الرأي لأن المسافة بين معان والمدينة كبيرة .
الرأي الثاني :
كان يرى أن ينسحب الجيش ويعود إلى المدينة .
لأن الجيش جاء لمحاربة مملكة "غسان" وعقاب "شرحبيل بن عمرو" الذي قتل "الحارث بن عمير رضي الله عنه.
ولذلك أتى بجيش قوامه 3 آلاف مقاتل ولم يأت لقتال تحالف بين الإمبراطورية الرومانية العملاقة وكل القبائل العربية المتحالفة معها ....
ودخول معركة كهذه معناه إهلاك الجيش الذي هو كل عماد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت .
ولا يأمن إذا حدث هذا أن يجتاح أعداء الدولة الإسلامية من قريش وغطفان وغيرهم المدينة .
وقال أصحاب ذلك الرأي لزيد بن حارثة قد وطئت البلاد وأخفت أهلها فانصرف فإنه لا يعدل العافية شيء .
فوقف عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقال : يا قوم
والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون "الشهادة"
وما نقاتل الناس بعدد ولا بقوة ولا كثرة.. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به . فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين .
إما ظهورٌ وإما شهادة .
وكانت الأغلبية في الجيش مع هذا الرأي الأخير وهو الدخول في الحرب .... الرأي الثالث
وكان هذا القرار كان هو أجرأ قرار عسكري على مر التاريخ كله .
وصل المسلمون إلى قرية تسمى "شارف" بعدما أقاموا يومين في "معان"
وكانت هذه القرية شارف قد اشتهرت بصناعة السيوف .
كان يقال سيوف مشرفية .. "أي صنعت في شارف"
ولكن وجد المسلمون أن هذا المكان غير مناسب للقتال بالنسبة لهم .
فانحازوا إلى قرية يطلق عليها "مؤتة" مدينة معروفة في جنوب الأردن أقاموا معسكرهم هناك .
وكان سبب اختيار هذه القرية هو استغلال مزارع القرية وبيوتها لتكون حماية طبيعية للجيش
فلا يتمكن الرومان من تطويق الجيش .
وتكون المواجهة بنفس أعدادهم
وهي نفس خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر وفي أحد ..
ووصلت جيوش العدو أمواج بشرية هائلة تنساب إلى أرض المعركة والمسلمون واقفون ثابتون كالجبال .
تخيلوا 200 الف عددهم وكثرتهم .
وكان ممن حضر المعركة "أبو هريرة رضي الله عنه
يقول : شهدت مؤتة .
فلما رأينا المشركين ما لا قبل لنا به من العدد والكراع. والسلاح والكراع . والديباج . والحرير . والذهب فبرق بصري
فقال لي "ثابت بن أقرم رضي الله عنه وهو صحابي كان ممن شهد بدر ..
فقال لي يا أبا هريرة : مالك .. كأنك ترى جموعاً كثيرة ؟؟
قلت : نعم .
قال : لم تشهدنا ببدر ... إنا لم نُنصر بالكثرة .
"اسمعتم""
نحن أمة لا ننتصر بالكثرة ولا بالعدة .. ننتصر بالعقيدة الصادقة وقوة الإيمان بالله العلي الكبير.
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . وهي قوة العقيدة .
قلب قد تمكن فيه الايمان هذه هي قوة الأمة .
لذلك قال ابن رواحة رضي الله عنه : وما نقاتل الناس بعدد ولا بقوة ولا كثرة .
ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به .
وجاءت ساعة الصفر ، وأعطى "زيد بن حارثة رضي الله عنه إشارة البدء إلى أصحابه رضي الله عنهم.....
وبدء القتال .....
ما الذي حدث بعد ذلك ؟
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والثمانون بعد المائة 187
معركة مؤتة .
وصلت جيوش العدو أمواج بشرية هائلة تنساب إلى أرض المعركة....
والمسلمون واقفون ثابتين كالجبال .....
وجاءت ساعة الصفر وأعطى "زيد بن حارثة" رضي الله عنه إشارة البدء إلى أصحابه رضي الله عنهم وجزاهم ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين....
وانطلق "زيد بن حارثة" رضي الله عنه كالسهم صوب جيوش الأعداء وهو يحمل الراية وانطلق معه المسلمون وقد ارتفعت صيحات التكبير ....
استمر القتال طوال اليوم ولم يتراجع المسلمون وإنما كالجبال أمام طوفان قوات التحالف الرومانية و العربية ....
وكان صمود وأداء المسلمون في المعركة مفاجأة بالنسبة لقوات العدو، فقد كانوا يتوقعون ألا تستمر هذه المعركة سوى ساعات ثم يتم إبادة الجيش المسلم بالكامل ....
ولكنهم فوجئوا أن المسلمون يقاتلون بشراسة وشجاعة لم يشهدوا مثلها ....
"كل التاريخ يشهد أن المسلمون في الحروب بأنهم أشجع المقاتلين على الإطلاق .
فحبهم للشهادة في سبيل الله تعالى أشد من حب أعدائهم للحياة .... وماسبب ذلك إلا الإيمان وقلوبهم المعلقة بالله العلي الكبير....
حاولوا تطويق المسلمين واعتقدوا أنه أمر سهل لتفوقهم في العدد الكبير ....
ولكن المسلمون لم يمكنوهم من ذلك ....
ونجحت خطة القائد "زيد بن حارثة رضي الله عنه في الإستفادة من جغرافية أرض مؤتة ....
فلم يتمكن الروم من تطويق الجيش المسلم .
ركز الروم هجومهم على القائد حامل اللواء "زيد بن حارثة رضي الله عنه ومزقته رماح الروم وهو مقبلاً عليهم كالأسد حتى قتل شهيداً رضي الله عنه .
"عدوا الجراح في جسده بعد ذلك فوجدوها أكثر من 90 جرحا رضي الله عنه.
ما بين ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم .
وأخذ الراية "جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكان عمره 33 عاما .
وتكالب عليه الرومان وأصيب عشرات الإصابات ما بين ضربة سيف وطعنه رمح ورمية سهم وهو لا يتوقف عن القتال .
"كان من عادة الجيوش قديماً أنهم يعتبرون الراية هي رمز بقائهم فإذا سقط اللواء كانت هزيمة معنوية"
فمازال يقاتل حتى تمكن أحد الروم من قطع يده التي يحمل بها اللواء .
فترك سيفه الذي يقاتل به وأمسك اللواء بيده الأخرى .
فقطعوا يده الأخر.....
فمسك اللواء بعضدية .
ثم مات شهيداً رضي الله عنه .
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه في حديث "رواه البخاري رحمه الله...
وقفت على جعفر رضي الله عنه يومئذ وهو قتيل .
فعددتُ به خمسين بين طعنةٍ وضربة، ليس منها شيءٌ في دبره .
"يعني لم تكن به إصابة واحدة في ظهره ....
فهو لم يعطي ظهره للعدو ولو لحظة واحدة حتى قتل"
وأثاب الله تعالى "جعفر رضي الله عنه عن قطع يديه بجانحين يطير بهما في الجنة .
يقول الحبيب المصطفى ﷺ رأيت جعفر بن أبي طالب يطير في الجنة .
ولذلك لقب "جعفر بن أبي طالب بجعفر الطيار رضي الله عنه.
وأخذ اللواء "عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
وامتطى جواده وهو يقول :
أبيات شعر قائلاً .... بعد تردد حصل في نفسه رضي الله عنه...
أقسمت يا نفس لتنزلنه
لتنزلن أو لتكرهنة
إن أجلب الناس وشدوا الرنه
مالي أراك تكرهين الجنة .
قد طال ما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا نطفة في شنة
يانفس إلا تقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما هديت
وحمل الراية وقاتل حتى قتل شهيداً رضي الله عنه .
وهكذا استشهد الأمراء الثلاثة الذين عينهم النبي ﷺ .
وبقي الجيش بلا قائد
فأسرع أحد الأنصار وهو "ثابت بن أرقم " رضي الله عنه وكان ممن شهد بدرآ
فأخذ اللواء وتراجع به للخلف قليلاً وزرعه في الأرض ليتجمع الناس حوله ....
ونادى بأعلى صوته إليك اللواء يا "ابن الوليد رضي الله عنه
فقال له خالد بن الوليد أنت أحق به مني...
فقال ثابت خذه يا خالد فوالله ما أخذته إلا لك...
ألم يقل النبي ﷺ إذا أصيب عبدالله بن رواحة يصطلح الناس على رجل .
هل تصطلحون على خالد
فقال الناس : نعم
فأخذ اللواء خالد بن الوليد رضي الله عنه.... حمل خالد الراية
وعادت الروح المعنوية المرتفعة للمسلمين بعد أن كانت قد بدأت بالتأثر نتيجة استشهاد الأمراء الثلاثة ....
نرجع إلى المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى ﷺ هناك في مسجده بين أصحابه رضي الله عنهم... وقد كشف الله تعالى لنبيه ﷺ في المدينة ما يحدث في أرض المعركة .
نظر الصحابة رضي الله عنهم لوجه النبي ﷺ فوجدوه محزوناً
وإذا بالمصطفى ﷺ يرفع رأسه للأفق وهو ينظر لأرض المعركة
ثم يقول لأصحابه رضي الله عنهم لقد لقي إخوانكم عدوهم اليوم .
أخذ الراية زيد فأصيب .
ثم أخذها جعفر . فقطعت يده التي يحمل بها اللواء . فترك سيفه الذي يقاتل به وأمسك اللواء بيده الأخرى .
فقطعت يده الأخرى فأخذ اللواء بعضديه . فأصيب .
ثم أخذ اللواء بن رواحة وتردد قليلاً ثم أستنزل نفسه .
ثم استعبر الحبيب المصطفى ﷺ أي غلبته دموعه وأخذت عيناه تذرفان الدمع .
ثم قال : ثم أخذ اللواء سيف من سيوف الله تبارك وتعالى ففتح الله على يديه .
فمن يومئذ سمي خالد سيف الله .
لم يهزم في أي معركة مع أنه خاض 100 معركة رضي الله عنه .
ولم يمت شهيداً وقال عند موته
لقد شهدت مئة زحف أو زهاءؤها .
وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح .
وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير .
فلا نامت أعين الجبناء .
أتدرون لماذا لم يمت شهيدا خالد ؟ لأنه الملقب "بسيف الله" وسيف الله لا ينكسر رضي الله عنه وأرضاه...
يقول ﷺ لقد رفعوا إلي في الجنة على سرر من ذهب .
فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة أزْوِرَاراً عن سرير صاحبيه .
[[ أي أقل درجة... هذا التردد جعل انتقاص عن سريري صاحبيه رضي الله عنهم
فقال الصحابة رضي الله عنهم عم هذا ؟
فقال ﷺ وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى فقُتِل ولم يُعقّب .
أخذ اللواء "خالد بن الوليد رضي الله عنه... ماذا صنع خالد رضي الله عنه... هذا القائد المحنك التي عجزت النساء أن يلدن مثل خالد رضي الله عنه...
رأى كثرة العدو ومن المحال أن نهزمهم ثم نلحقهم ثم نغنم منهم مع أنهم غنموا وسنذكر ذلك
فلما جاء الليل وتحاجز الفريقان
بات الرومان يتحدثون عن شجاعة المسلمون واستبسالهم
وكان اليوم الأول من القتال في صالح المسلمون تماماً...
فقد ثبتوا أمام الرومان وأفشلوا خططهم في تطويق المسلمون .
وكان عدد قتلى الرومان أكبر من قتلى المسلمين
كان عدد الشهداء من المسلمين في مؤتة 12 شهيد .
أما عدد قتلى الروم .
فقد جاء في بعض الكتب أن عددهم كان مالا يحصي أحد.
وقيل بعد الفتوحات الإسلامية ودخول الناس في دين الله تعالى
أخبر العرب الصحابة رضي الله عنهم أن عدد قتلاهم كان في مؤتة فوق ثلاثة آلاف .
طبعاً أغلب القتلى من العرب
لأن العرب كانوا أذناب للروم والفرس ....
فكان قرار "خالد بن الوليد رضي الله عنه أن ينسحب بالجيش .
لأن المسلمون وإن كانوا قد حققوا تفوقآ في اليوم الأول
فليس هناك إحتمال لتحقيق النصر الكامل .
ولا يمكن مثلاً تعقب الروم والتوغل داخل الأراضي الرومانية بهذا الجيش الصغير ....
وهنا أخذ يفكر خالد رضي الله عنه لو انسحب المسلمون من أمام الرومان بطريقة طبيعية
فلابد أنهم سيلحقوا بهم وستكون مجزرة حقيقية يباد فيها الجيش بأكمله .
فوضع "خالد رضي الله عنه خطة إنسحاب .
أراد بها إيهام الجيش الرومي أن إنسحاب المسلمون هو خدعة يريد بها استدراج الجيش الرومي فلا يلحقوا بهم .
وبذلك ينجو بالجيش المسلم بلا خسائر .
فوضع "خالد بن الوليد رضي الله عنه أعظم خطة إنسحاب في التاريخ .
لتنفيذ هذه الخطة قام "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
بالخطوات التالية :
أولا ...
جعل الخيل طوال الليل تجري في أرض المعركة لتثير الغبار الكثيف...
وصاحب ذلك أصوات تكبير المسلمين ....
فيُخيل للرومان أن هناك مددآ لا ينقطع طوال الليل يصل إلى المسلمين .
ثانيا ...
عندما جاء الصباح جعل في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعة من الجنود خلف أحد التلال.... فاختار 100 فارس
وقال قفوا خلف هذا التل "تل مؤتة"
فإذا طلعت الشمس تأتوني عشرة عشرة .
وكل عشرة معهم لواء ....
تضربون الأرض بالخيل وتثيرون الغبار
"ليشعر الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين"
فإذا هدأت الغبار تتقدم عشرة يضربون الأرض بالخيل وهكذا عشرة عشرة .
ثالثا ...:
قام بتغيير ترتيب الجيش
فجعل الميمنة ميسرة .. والميسرة ميمنة .
وجعل المقدمة مؤخرة .. والمؤخرة مقدمة .
وحين رأى الرومان الجيش في الصباح .
ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيرت
أيقنوا أن هناك مددآ قد جاء للمسلمين .
ونتيجة لذلك إنهارت معنويات الروح وساد فيهم الرعب والارتباك ....
ولسان حالهم يقول "إذا كان هذا العدد الصغير قد فعل بنا الأفاعيل.....
فماذا بعد أن يصل إليهم هذا المدد الكبير ؟
في ذلك الوقت وأثناء إرتباك الروم قام خالد بهجوم قوي وقتلوا الكثير من الروم.....
ومن شدة القتال تكسرت في يد "خالد بن الوليد رضي الله عنه تسعة أسياف .
يقول خالد رضي الله عنه فصبرت معي صفيحة لي يمانية
"الصفيحة هو سيف عريض يصل إلى 8 سم يكون ثقيلاً ولكن يتحمل مقاومة الكسر والصدمات
يقول خالد رضي الله عنه كسرت في يده تسعة أسياف
رضي الله عنه
وفي ذلك الوقت وقبل أن يعيد الروم ترتيب صفوفهم ....
أعطى خالد قادته الإشارة بالارتداد إلى الخلف كما اتفق معهم ....
فأخذ الجيش يغادر أرض المعركة بكل هدوء وثقة وانضباط
وكان خالد رضي الله عنه يجول بفرسه بين الجيش ليشرف على عملية الإنسحاب .
وشاهد الرومان المسلمون وهم يرتدون إلى الخلف بعد الهجوم الكاسح الذي قاموا به .
وبعد أن شاهدوا ما اعتقدوا أنه مدد يصل إلى الجيش المسلم
فأيقنوا أن هذا الإنسحاب مكيدة يريد بها المسلمون استدراج الجيش الرومي إلى أحد الكمائن
وهم يعرفون أن العرب يجيدون "الكر والفر والكمائن" في الحرب
فخافوا من تتبع المسلمين .
وأصدر القادة الروم أوامرهم بعدم تعقب المسلمون .
وهكذا نجحت خطة "خالد" وخدعته العسكرية الباهرة
وعاد الجيش المسلم إلى المدينة سالماً....
رضي الله عنهم
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى......
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة و الثمانون بعد المائة 188
رجوع الصحابة رضي الله عنهم من مؤتة .
رجع الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة وكان "خالد بن الوليد" رضي الله عنه قد وضع أعظم خطة إنسحاب في التاريخ ....
خرج ﷺ من مسجده وهو يكفكف دمعه متجهاً إلى بيت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه...
تقول "أسماء بنت عميس" رضي الله عنها زوجة "جعفر" رضي الله عنه ولها منه ولدان إثنان "عبدالله و محمد"
تقول فقال لي رسول الله ﷺ ائتيني ببني جعفر .
تقول : فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه "أي بكى" حتى نقطت لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم..
فقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟
أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟
قال وقد حجرش وخنقته العبرة
قال : احتسبي يا أمة الله ، لقد اصيبوا هذا اليوم .
"احتسبي أي أجرك عندالله"
قالت : فلم أملك نفسي فقمت أصيح .... واجتمع علي النساء .
فقال لها النبي ﷺ يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي خدآ .
وغلبه البكاء ﷺ وخرج وهو يقول :
اللهم قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدًا من عبادك في ذريته .
وخرج رسول ﷺ إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم .
يقول عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما وكان عمره 8 سنين
فقامت سلمى مولاة النبي ﷺ وأحضرت شعيرآ فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت "وضعت عليه الزيت" وجعلت عليه فلفلا..
فأكلت من ذلك الطعام...
وأخذني رسول الله ﷺ معه أنا وأخي محمد وأبقانا عنده ثلاثة أيام ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا
ومن هنا كانت سنة صنع الطعام لأهل الميت.
وتسمى عند العرب "الوضيمة"
وطعام العرس يسمى "الوليمة"
وطعام القادم من السفر "النقيعة"
وطعام البناء "الوكيرة"
فمن السنة صنع الطعام لأهل الميت... ولكن دون توسع وإسراف....
ولعل شخص يسأل لماذا أمر النبي ﷺ لآل جعفر مع أن هناك شهداء غير جعفر ؟
يجب أن نعلم :
إذا قال النبي ﷺ هذا لأهل بيته وجعفر رضي الله عنه من آل بيته فهو إبن عمه ....
فهذا يعني أنه قد شرع للناس سنة فاقتدوا بها يا مسلمين .
فأقرب ناس لآل جعفر قد صنعوا له الطعام .
فليصنع ل آل ابن رواحة .
وليصنع ل آل زيد .
وليصنع ل آل الشهداء .
فعل ذلك ﷺ وأخبر أصحابه رضي الله عنهم بما حدث في المعركة قبل أن يعود الجيش للمدينة "بشهر "
مما حصل في أحداث المعركة :
الصحابي "خزيمة بن ثابت الأنصاري " رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم رحمه الله باب المغازي يقول :
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم،
"لايعني أمير الجيش يعني شخصية من شخصياتهم هكذا كانت العرب تعبر عن من لهم مكانة مميزة في قومه يقولون أمير "
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم على رأسه بيضة ...
"الخوذة التي تلبس على الرأس في الحرب كانت تصنع بشكل بيضوي لكي تتحمل الضربات"
على رأسه بيضة في وسطها ياقوته فجعلته هدفي لعلِ أغنم هذه الياقوته ...
فمازلت أراقبه حتى قتلته ثم أخذت الخوذة عن رأسه وانتزعت الياقوته ...
من هدي النبي ﷺ : من قتل قتيل فله سلبه .
يعني أمواله ومتاعه للصحابي الذي قتله ..
يقول خزيمة رضي الله عنه فلما أتينا المدينة وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت يارسول الله أنا قتلت ذلك الأمير وهذا سلبه .
فنفلنيها "أي أعطاني إياها "
فأحتفظت بها .
حتى إذا كان عهد "عثمان بن عفان رضي الله عنه بعتها بألف دينار واشتريت بها بستان من نخيل ....
مثال آخر أيضآ في صحيح مسلم رحمه الله :
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه :
قال خرجت مع "زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه ...
"ومعنى مددي النبي ﷺ كلف للجهاد أهل المدينة فقط
فكان الملزم أهل المدينة بالجهاد
ومن يأتي من خارج المدينة مسلماً يريد الإشتراك هذا يكون متطوعاً يسمى مددي "
قال : خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه
فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق .
"أي طلب منه جلد الناقة يجعل منه درع يتلقى الضربات ما معه غير السيف"
ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ...
فجعل الرومي يغري بالمسلمين فقعد له المددي خلف صخرة
فمر به الرومي فعرقب فرسه "أي عرقل قدمي الفرس فسقط "
فخر الرومي على الأرض وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه .....
رجع الجيش إلى المدينة :
فلما اقتربوا أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رجل من طرفه يخبر النبي ﷺ بقدوم الجيش
ولم يكونوا يعلمون أن النبي ﷺ قد سرد لأصحابه رضي الله عنهم تفاصيل المعركة وهم في أرض المعركة ....
فجاء ذلك الرجل إلى النبي ﷺ ودخل إلى مجلسه
وقال : يا رسول الله أرسلني إليك "خالد بن الوليد" وهو أمير الجيش أخبرك بمقدمهم .
فقال له ﷺ إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك .
قال : فأخبرني يا رسول الله .
فأخبره رسول الله ﷺ خبرهم كله ووصف له .
فقال : والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً واحدا لم تذكره ...
وإن أمرهم لكما ذكرت .
فقال له النبي ﷺ إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم .
ثم وقف ﷺ وقال للناس اخرجوا لملاقاة إخوانكم .
فأخذ الناس يسألون هذا الصحابي رضي الله عنه عن تفاصيل المعركة وكيف نجا المسلمون .
"فقص عليهم خطة خالد بالإنسحاب وتفاصيلها"
فلما سمع الصحابة رضي الله عنهم ذلك غضبوا
وقالوا : ألم تتبعوهم ؟؟
قال . لا . لقد رأى خالد رضي الله عنه أن ننسحب خيراً من أن نتوغل في بلادهم .
فغضب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : سترون منا اليوم .
فخرج النبي ﷺ بنفسه لإستقبال الجيش وكان يركب على دابة صغيرة .
وخرج الصبية مسرعين يستقبلون آباءهم .
فقال النبي ﷺ أعطوني ابن جعفر .
فأخذ "عبدالله بن جعفر عمره 8 سنين ووضعه في حجره .
"كي لا يشعر بألم فقد أبيه صلوات ربي وسلامه عليك...
يقول عبدالله : فوضعني في حجره وهو يقول لي
هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء .
ودعا لي وقال اللهم بارك له في صفقة يمينه .
يقول عبدالله لما كبر : فوالذي بعثه بالحق نبياً ما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه .
فلما اقتربوا وإذا بأهل المدينة يستقبلون الجيش وهم يحثون وجوه الجيش بالتراب .
ويقولون لهم : يا فرارون . فررتم في سبيل الله ؟
فوقف النبي ﷺ ورفع كلتا يديه وقال لا تقولوا لأصحابي فرارون . ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عزوجل .
وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
ما معنى هذا ؟؟
الصحابة رضي الله عنهم فهموا تماماً ما يقول النبي ﷺ :
فهموا على الفور معنى وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
فهموا القرآن الكريم بقلوب مفتوحة وليست عليها أقفالها
تذكر الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى لأن القرآن الكريم يجري في عروقهم .
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
سورة الأنفال .
لذلك قال النبي ﷺ أن خالداً تحيز إلي وأنا فئته .
يعود إليهم فاتحاً إن شاء الله تعالى .
وخالد بن الوليد رضي الله عنه هذا الصحابي الجليل قد فتحت هذه البلاد على يديه فعلاً
وصدقت نبوءة رسول الله ﷺ
بقي الصبية الصغار والذين لا يدركون كلام النبي ﷺ
كلما لقوا رجل ممن شهد "مؤتة" إذا لقيهم بباب المسجد أو الطرقات .
يقولون له : أنت من الفرار .
كلما وجدوا رجل أنت من الفرار . أنت من الفرار .
تأثر بهذا الكلام "سلمة" .
ابن أم سلمة زوجة النبي ﷺ وكان قد زوجه النبي ﷺ قبل خروجه للمعركة بأيام فهو حديث عهد بعرس .
جلس في البيت ثلاثة أيام لا يأتي للمسجد .
وافتقده النبي ﷺ فقال لأم سلمة رضي الله عنها : ما شأن سلمة ؟؟
قالت : والذي بعثك بالحق لا أدري : سأسأل عروسه .
فأتتها وقالت لعروسه : مابال سلمة لا يحضر الجماعة . فوجدته إبنها جالس في بيته .
وجدته جالساً في زاوية البيت يبكي وقد تسلخت عيناه .
قالت : ما هذا يا بني .
قال : كلما أتيت المجلس قال لي الصبية أنت من الفرار .
فأصبحت لا أطيق أن أرى أحد
فذكرت ذلك للنبي ﷺ .
فقام ﷺ على الفور وخطب في أصحابه رضي الله عنهم :
ونهى في المسجد كبيراً وصغيراً أن يقول لأحد من جند مؤتة أنت من الفرار .
بل سماهم الكرار وأثنى عليهم
ثم ذهب بنفسه إلى بيت "سلمة رضي الله عنه وأخذ بيده وأتى به إلى المسجد .
صلى الله عليه وسلم ورضي عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[سيرة النبي صل الله عليه وسلم
الحلقة الثامنة و الثمانون بعد المائة 188
رجوع الصحابة رضي الله عنهم من مؤتة .
رجع الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة وكان "خالد بن الوليد" رضي الله عنه قد وضع أعظم خطة إنسحاب في التاريخ ....
خرج ﷺ من مسجده وهو يكفكف دمعه متجهاً إلى بيت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه...
تقول "أسماء بنت عميس" رضي الله عنها زوجة "جعفر" رضي الله عنه ولها منه ولدان إثنان "عبدالله و محمد"
تقول فقال لي رسول الله ﷺ ائتيني ببني جعفر .
تقول : فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه "أي بكى" حتى نقطت لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم..
فقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟
أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟
قال وقد حجرش وخنقته العبرة
قال : احتسبي يا أمة الله ، لقد اصيبوا هذا اليوم .
"احتسبي أي أجرك عندالله"
قالت : فلم أملك نفسي فقمت أصيح .... واجتمع علي النساء .
فقال لها النبي ﷺ يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي خدآ .
وغلبه البكاء ﷺ وخرج وهو يقول :
اللهم قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدًا من عبادك في ذريته .
وخرج رسول ﷺ إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم .
يقول عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما وكان عمره 8 سنين
فقامت سلمى مولاة النبي ﷺ وأحضرت شعيرآ فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت "وضعت عليه الزيت" وجعلت عليه فلفلا..
فأكلت من ذلك الطعام...
وأخذني رسول الله ﷺ معه أنا وأخي محمد وأبقانا عنده ثلاثة أيام ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا
ومن هنا كانت سنة صنع الطعام لأهل الميت.
وتسمى عند العرب "الوضيمة"
وطعام العرس يسمى "الوليمة"
وطعام القادم من السفر "النقيعة"
وطعام البناء "الوكيرة"
فمن السنة صنع الطعام لأهل الميت... ولكن دون توسع وإسراف....
ولعل شخص يسأل لماذا أمر النبي ﷺ لآل جعفر مع أن هناك شهداء غير جعفر ؟
يجب أن نعلم :
إذا قال النبي ﷺ هذا لأهل بيته وجعفر رضي الله عنه من آل بيته فهو إبن عمه ....
فهذا يعني أنه قد شرع للناس سنة فاقتدوا بها يا مسلمين .
فأقرب ناس لآل جعفر قد صنعوا له الطعام .
فليصنع ل آل ابن رواحة .
وليصنع ل آل زيد .
وليصنع ل آل الشهداء .
فعل ذلك ﷺ وأخبر أصحابه رضي الله عنهم بما حدث في المعركة قبل أن يعود الجيش للمدينة "بشهر "
مما حصل في أحداث المعركة :
الصحابي "خزيمة بن ثابت الأنصاري " رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم رحمه الله باب المغازي يقول :
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم،
"لايعني أمير الجيش يعني شخصية من شخصياتهم هكذا كانت العرب تعبر عن من لهم مكانة مميزة في قومه يقولون أمير "
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم على رأسه بيضة ...
"الخوذة التي تلبس على الرأس في الحرب كانت تصنع بشكل بيضوي لكي تتحمل الضربات"
على رأسه بيضة في وسطها ياقوته فجعلته هدفي لعلِ أغنم هذه الياقوته ...
فمازلت أراقبه حتى قتلته ثم أخذت الخوذة عن رأسه وانتزعت الياقوته ...
من هدي النبي ﷺ : من قتل قتيل فله سلبه .
يعني أمواله ومتاعه للصحابي الذي قتله ..
يقول خزيمة رضي الله عنه فلما أتينا المدينة وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت يارسول الله أنا قتلت ذلك الأمير وهذا سلبه .
فنفلنيها "أي أعطاني إياها "
فأحتفظت بها .
حتى إذا كان عهد "عثمان بن عفان رضي الله عنه بعتها بألف دينار واشتريت بها بستان من نخيل ....
مثال آخر أيضآ في صحيح مسلم رحمه الله :
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه :
قال خرجت مع "زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه ...
"ومعنى مددي النبي ﷺ كلف للجهاد أهل المدينة فقط
فكان الملزم أهل المدينة بالجهاد
ومن يأتي من خارج المدينة مسلماً يريد الإشتراك هذا يكون متطوعاً يسمى مددي "
قال : خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه
فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق .
"أي طلب منه جلد الناقة يجعل منه درع يتلقى الضربات ما معه غير السيف"
ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ...
فجعل الرومي يغري بالمسلمين فقعد له المددي خلف صخرة
فمر به الرومي فعرقب فرسه "أي عرقل قدمي الفرس فسقط "
فخر الرومي على الأرض وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه .....
رجع الجيش إلى المدينة :
فلما اقتربوا أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رجل من طرفه يخبر النبي ﷺ بقدوم الجيش
ولم يكونوا يعلمون أن النبي ﷺ قد سرد لأصحابه رضي الله عنهم تفاصيل المعركة وهم في أرض المعركة ....
فجاء ذلك الرجل إلى النبي ﷺ ودخل إلى مجلسه
وقال : يا رسول الله أرسلني إليك "خالد بن الوليد" وهو أمير الجيش أخبرك بمقدمهم .
فقال له ﷺ إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك .
قال : فأخبرني يا رسول الله .
فأخبره رسول الله ﷺ خبرهم كله ووصف له .
فقال : والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً واحدا لم تذكره ...
وإن أمرهم لكما ذكرت .
فقال له النبي ﷺ إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم .
ثم وقف ﷺ وقال للناس اخرجوا لملاقاة إخوانكم .
فأخذ الناس يسألون هذا الصحابي رضي الله عنه عن تفاصيل المعركة وكيف نجا المسلمون .
"فقص عليهم خطة خالد بالإنسحاب وتفاصيلها"
فلما سمع الصحابة رضي الله عنهم ذلك غضبوا
وقالوا : ألم تتبعوهم ؟؟
قال . لا . لقد رأى خالد رضي الله عنه أن ننسحب خيراً من أن نتوغل في بلادهم .
فغضب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : سترون منا اليوم .
فخرج النبي ﷺ بنفسه لإستقبال الجيش وكان يركب على دابة صغيرة .
وخرج الصبية مسرعين يستقبلون آباءهم .
فقال النبي ﷺ أعطوني ابن جعفر .
فأخذ "عبدالله بن جعفر عمره 8 سنين ووضعه في حجره .
"كي لا يشعر بألم فقد أبيه صلوات ربي وسلامه عليك...
يقول عبدالله : فوضعني في حجره وهو يقول لي
هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء .
ودعا لي وقال اللهم بارك له في صفقة يمينه .
يقول عبدالله لما كبر : فوالذي بعثه بالحق نبياً ما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه .
فلما اقتربوا وإذا بأهل المدينة يستقبلون الجيش وهم يحثون وجوه الجيش بالتراب .
ويقولون لهم : يا فرارون . فررتم في سبيل الله ؟
فوقف النبي ﷺ ورفع كلتا يديه وقال لا تقولوا لأصحابي فرارون . ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عزوجل .
وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
ما معنى هذا ؟؟
الصحابة رضي الله عنهم فهموا تماماً ما يقول النبي ﷺ :
فهموا على الفور معنى وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
فهموا القرآن الكريم بقلوب مفتوحة وليست عليها أقفالها
تذكر الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى لأن القرآن الكريم يجري في عروقهم .
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
سورة الأنفال .
لذلك قال النبي ﷺ أن خالداً تحيز إلي وأنا فئته .
يعود إليهم فاتحاً إن شاء الله تعالى .
وخالد بن الوليد رضي الله عنه هذا الصحابي الجليل قد فتحت هذه البلاد على يديه فعلاً
وصدقت نبوءة رسول الله ﷺ
بقي الصبية الصغار والذين لا يدركون كلام النبي ﷺ
كلما لقوا رجل ممن شهد "مؤتة" إذا لقيهم بباب المسجد أو الطرقات .
يقولون له : أنت من الفرار .
كلما وجدوا رجل أنت من الفرار . أنت من الفرار .
تأثر بهذا الكلام "سلمة" .
ابن أم سلمة زوجة النبي ﷺ وكان قد زوجه النبي ﷺ قبل خروجه للمعركة بأيام فهو حديث عهد بعرس .
جلس في البيت ثلاثة أيام لا يأتي للمسجد .
وافتقده النبي ﷺ فقال لأم سلمة رضي الله عنها : ما شأن سلمة ؟؟
قالت : والذي بعثك بالحق لا أدري : سأسأل عروسه .
فأتتها وقالت لعروسه : مابال سلمة لا يحضر الجماعة . فوجدته إبنها جالس في بيته .
وجدته جالساً في زاوية البيت يبكي وقد تسلخت عيناه .
قالت : ما هذا يا بني .
قال : كلما أتيت المجلس قال لي الصبية أنت من الفرار .
فأصبحت لا أطيق أن أرى أحد
فذكرت ذلك للنبي ﷺ .
فقام ﷺ على الفور وخطب في أصحابه رضي الله عنهم :
ونهى في المسجد كبيراً وصغيراً أن يقول لأحد من جند مؤتة أنت من الفرار .
بل سماهم الكرار وأثنى عليهم
ثم ذهب بنفسه إلى بيت "سلمة رضي الله عنه وأخذ بيده وأتى به إلى المسجد .
صلى الله عليه وسلم ورضي عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
.[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة 189
سرية ذات السُلاسل .
بعد معركة "مؤتة" رجع الصحابة رضي الله عنهم إلى مدينة الحبيب المصطفى ﷺ .
وبلغ رسول الله ﷺ من خلال العيون التي وضعها حول المدينة أن جمعآ من "قضاعة" قد تجمعوا يريدون المدينة ....
قضاعة" كانت قبيلة كبيرة قوية وتبعد عن المدينة المنورة حوالي 600 كم .
وكانت منطقة "قضاعة" تسمي "السُلاسِل"
لأن هناك بئرآ في هذه المنطقة اسمه "السلسل"
وقد كان العرب كثيراً ما يسمون المناطق بأسماء الآبار التي فيها
لأهمية المياه عندهم...
مثل "بدر" على إسم بئر في هذه المنطقة اسمه بدر...
لذلك عرفت هذه السرية بإسم سرية "ذات السُلاسل"
لكي لا تختلط علينا الأمور
هناك أيضاً معركة أخرى عرفت بنفس الإسم أكثر منها شهرة وهي المعركة التي كانت بين المسلمين بقيادة "خالد بن الوليد" وبين الفرس بقيادة "هرمز" في سنة 12 للهجرة في عهد "أبي بكر الصديق رضي الله عنه"
وقد انتهت بانتصار خالد بن الوليد وعرفت "ذات السلاسل"
لأن "هرمز" قائد الفرس في هذه المعركة أمر بربط الجنود بسلاسل حتى لا يفروا .
وكانت النتيجة بعد هزيمة الفرس في هذه المعركة أنهم قتلوا جميعاً لأنهم لم يستطيعوا الفرار
وبالمناسبة فإن المضيق الموجود في الخليج العربي معروف حتى الآن باسم هذا الأمير الفارسي، وكان "هرمز" هذا شديد البغض للإسلام والمسلمين والعرب
لدرجة أن العرب في العراق كانوا يضربون به الأمثال فيقولون "أكفر من هرمز" و "أخبث من هرمز".
نرجع إلى سرية "ذات السلاسل" التي أرسلها النبي ﷺ في جمادى الآخرة من السنة الثامنة ....
فاختار النبي ﷺ لقيادة هذه السرية الصعبة "عمرو بن العاص رضي الله عنه مع أن "عمرو بن العاص" كان قد دخل الإسلام منذ 4 شهور فقط .
ولأن "عمرو بن العاص رضي الله عنه كان من الشخصيات الهامة والمحورية في قريش بل وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام وكان معروفاً بالحكمة والدهاء والحزم وحسن القيادة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤلف قلب "عمرو بن العاص رضي الله عنه ويحفظ له منزلته ومكانته حتى تستفيد منه الدولة الإسلامية وليكون إضافة للدولة الإسلامية .
فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وجعل معه رآية سوداء .
وخرج بالفعل "عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى قضاعة على رأس جيش قوامه 300 من الصحابة رضي الله عنهم
فكان يسير بالليل ويكمن في النهار حتى لا ترصده عيون أعدائه .
زحف بالفعل حتى اقترب من "قضاعة" ووصل إليهم دون أن يشعروا به .
وبعث "عمرو العاص رضي الله عنه العيون فوصل إليه أن أعداد "قضاعة" كبيرة جداً
فأمر الجيش بعدم القتال وأرسل إلى النبي ﷺ في المدينة يطلب منه المدد ....
وسنجد بعد ذلك أن "عمرو بن العاص" رضي الله عنه
في فتوحاته في مصر وفلسطين كان لا يقبل على قتال إلا بعد دراسة متأنية للواقع الذي هو مقبل عليه .
وبالفعل أرسل اليه النبي ﷺ 200 من الصحابة رضي الله عنهم وكان أميرهم "أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وقال النبي ﷺ لأبو عبيدة رضي الله عنه قال له : إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا
ومن ضمن الصحابة رضي الله عنهم كان الصحابي الجليل "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه .
الرجل الثاني في الأمة المحمدية بعد رسول الله ﷺ .
والصحابي الجليل "عمر بن الخطاب رضي الله عنه الملهم بالصواب الذي سماه الحبيب المصطفى ﷺ بالفاروق رضي الله عنه وارضاه .
أميرهم "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وعمره في الإسلام 4 أشهور .
لم يكن النبي ﷺ يختار القادة بالأقدمية ولا بالأكبر بالسن ولا بالذي يملك المال ويرشح نفسه
فكان يختار ﷺ الكفاءة والخبرة بالحروب...
ولا يعني الأمارة تكون لمن هو أفضل ، لا
قال ﷺ : إني لأؤمر الرجل على القوم و فيهم من هو خير منه لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب .
أي : أنزلوا الناس منازلهم ....
فأصبح جيش المسلمين عددهم 500
ولكن لم يكن معرفاً ولم يحدد النبي ﷺ من هو أمير الجيش
أهو : عمرو بن العاص الأمير الأساسي ؟
أم أبو عبيدة بن الجراح الأمير الذي جاء بالمدد ؟
واعتقد "أبو عبيدة بن الجراح" أنه هو الأمير
وجاء موعد الصلاة
وتقدم "أبو عبيدة رضي الله عنه ليؤم المسلمين .
وكانت العادة أن الأمير هو الذي يؤم المسلمين في الصلاة .
لكن "عمرو بن العاص" قال له إنما قدمت علي مددآ وأنا الأمير
وليس لك أن تؤمني ...
وكان "أبو عبيدة" أحد السابقين في الإسلام.... وأحد العشرة المبشرين بالجنة .
وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة . وشهد بدر وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد
وقال عنه النبي ﷺ أنه "أمين هذه الأمة"
ولذلك غضب لأبو عبيدة من جاء معه...
فقالوا : لعمرو بن العاص كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه
فرفض "عمر بن العاص" هذا الحل لأنه لا يمكن أن يكون هناك قائدان للجيش .
فقال عمرو بن العاص لا بل أنتم مدد لنا
فقال أبو عبيدة بن الجراح أنت الأمير يا عمرو وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك .
فقد قال لي النبي ﷺ : إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا .
فقال عمرو بن العاص فإني الأمير عليك .
فقال أبو عبيدة رضي الله عنه فدونك . "يعني خذ الإمارة"
وكان "أبو عبيد بن الجراح" معروفاً بحسن الخلق رضي الله عنه
وتقدم "عمرو بن العاص رضي الله عنه وصلى بالمسلمين وصلى خلفه "أبو عبيدة بن الجراح" وصلى خلفه المهاجرين والأنصار وفيهم "أبو بكر" و "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهم.
من أهم سبب إنتصارات المسلمين في ذلك الوقت ؟؟
الوحدة وعدم الإختلاف
من الطبيعي تختلف الأفكار ولكن لا يصل هذا الخلاف إلى النزاع والشقاق وسفك الدماء
وكان المسلمون مهما اختلفوا
يتحدون ويجتمعون حول رأي واحد لأنهم لم يكونوا طلاب دنيا
ولكنهم طلاب آخرة .
رضي الله عنهم أجمعين.
وكان النبي ﷺ يمكن أن يحدد الأمير ولكن ﷺ أراد أن يدرب الصحابة رضي الله عنهم على إدارة خلافاتهم .
وإدارة الأزمات التي يمكن أن تواجه الأمة من بعده ....
هو ﷺ فقط وضع القاعدة وهي تطاوعا ولا تختلفا
وذلك قوله تعالى :
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
تركهم النبي ﷺ يتصرفون بناءاً على هذه القاعدة .
التي لو طبقت لتحققت الوحدة ولما حدث أي خلاف بين المسلمين .
قبل المعركة أراد الجيش أن يوقد نارا للتدفئة في الليل ....
والجو الصحرواي شديد الحرارة نهاراً .... شديد البرودة ليلاً
لكن "عمر بن العاص رضي الله عنه رفض أن يوقد أي رجل نار
غضب الصحابة رضي الله عنهم وغضب "عمر بن الخطاب" وتحدث في هذا الأمر مع "أبو بكر الصديق رضي الله عنهم
وكاد أن يذهب إلى "عمرو بن العاص" ولكن منعه
"أبو بكر رضي الله عنه
فأخذ الناس يشكون "لأبي بكر" شدة البرد .
فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجلس إلى "عمرو بن العاص رضي الله عنهم وكلمه في ذلك فرفض ....
قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وما عليك يا عمرو لو اشعلوا ناراً فقد أهلكهم البرد .
قال : لا لا ، لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : سمعا وطاعة .
وقام في الناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: لا يوقد أحد منكم ناراً "واستجاب الجيش"
بدأ القتال مع "قضاعة" وكانت أعداد "قضاعة" أضعاف أعداد المسلمين .
وقعت معركة هائلة كتب الله تعالى فيها النصر للمسلمين .
وفرت قضاعة من أمام المسلمين وبدأ المسلمين في تتبعهم ومطاردتهم .
ولكن "عمرو بن العاص" أمر المسلمين بعدم تتبع "قضاعة" .
ومرة أخرى يغضب الجيش ولكنهم يطيعون "عمرو بن العاص رضي الله عنه...
ثم كان هناك خلاف آخر حدث أثناء السرية
حيث احتلم "عمرو بن العاص رضي الله عنه في ليلة من الليالي وكانت الليلة شديدة البرودة .
فأشفق أن يغتسل بالماء البارد فتيمم وصلى بالناس صلاة الصبح ...
لم يقتنع الصحابة رضي الله عنهم برأي "عمرو بن العاص رضي الله عنه ولكن حتى هذا أطاعوه فيه وصلوا خلفه .
وعندما عادوا إلى المدينة اشتكى الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ .
فسأله النبي ﷺ : يا عمرو لما منعتهم أن يوقدوا ناراً ؟
فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه كرهت أن يرى عدوهم قلة عددهم .
"لأن النار كانت تدل على عدد الجيش" فأخفيت أن هنالك جيش واخفيت عددنا .
فأقره النبي ﷺ على ذلك .
قال : ولما منعتهم بعدم تتبع قضاعة ليغنموا منهم ؟
فقال : يا رسول الله كرهتُ أن يتبعوهم فيكون لهم مدد .
فهي أرضهم ونحن لا ندري بها فإذا توغلنا أنعطفوا علينا .
فأحببت أن أنجو بأصحابي وأردهم لك سالمين فما فقدت جندياً واحداً .
"وفعلاً لم يستشهد بهذه السرية أحد"
ومرة أخرى يقر النبي ﷺ بن العاص على رأيه .
قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول لقد صلى بنا وهو جنب .
فقال له النبي ﷺ أصليت بالناس جنباً يا عمرو ؟
قال : يا رسول الله إني سمعت الله يقول :
وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا .
فإن أنا اغتسلت قتلت نفسي ... فتيممت خشيت أن أقتل نفسي من شدة البرد .
فتبسم الحبيب المصطفى ﷺ ولم يقل شيئا وكان هذا إقرار لإجتهاد عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وأخذ الفقهاء رحمهم الله من ذلك أن "التيمم" يقوم مقام الغسل بالنسبة للجنب مع وجود الماء إذا خشي أن يؤدي استخدام الماء إلى الضرر ....
هذا الموقف من أعظم المواقف التي يشجع فيها النبي ﷺ أمته على الإجتهاد .
وأن الإجتهاد ليس موقوف على أحد .... إن كان من أهل الإجتهاد حقاً.
الغريب
07-02-2022, 05:53 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التسعون بعد المائة 190
فتح مكة . الجزء الأول .
قريش تنقض صلح الحديبية .
أولاً ...
كيف تم نقض "صلح الحديبية"
تم عقد صلح الحديبية بين المسلمين وبين قريش في "ذي القعدة" من السنة السادسة من الهجرة ....
وكان من بنود صلح الحديبية هذا البند :
من أحب أن يدخل في عقد محمد ( صلى الله عليه وسلم) وعهده دخل فيه.
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
هذا البند وهو ما نسميه التحالف
وكانت التحالفات في الجزيرة العربية معروفة لأن العرب في الجاهلية كانوا يقتتلون دائماً مع بعضهم البعض كل قبيلة مع الأخرى .
فكانت القبائل القوية تعتدي على القبائل الضعيفة ....
فكانت القبائل الضعيفة حتى تحمي نفسها تتحالف مع قبيلة قوية كما نسميه اليوم بلغة العصر الآن إتفاقية دفاع مشترك .
بمعنى : إذا حدث إعتداء على أحد الدولتين يكون إعتداء على الدولة الأخرى .
وعلى هذه الدولة بموجب هذا الحلف أن تنصر الدولة التي وقع عليها الإعتداء.
فكل قبيلة ملزمة بهذا التحالف أن تدافع على القبيلة الأخرى المتحالفة معها إذا وقع أي إعتداء
فلما تم عقد صلح الحديبية
دخلت قبيلة "خزاعة" في حلف مع النبي ﷺ .
لأن العلاقة بين النبي ﷺ وبين "خزاعة" كانت قوية ...
لأنه كان هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" و "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ
حتى عبد المطلب "شيبة الحمد" جد النبي ﷺ كان قد تحالف مع خزاعة قديماً وكان هنالك كتاب بينهم بهذا التحالف .
وهذا نص الكتاب :
انظروا كما كانت العلاقة بين بني هاشم وخزاعة .
باسمك اللهم .
هذا ما تحالف عليه "عبد المطلب بن هاشم" ورجالات عمرو بن ربيعة من "خزاعة"
تحالفوا على التناصر والمواساة .
حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ . والأصاغر على الأصاغر .
والشاهد على الغائب .
وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد "أي عهد مؤكد شديد"
وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث "تخيلوا لا يلغى أبدا "
ما أشرقت شمس على ثبير وحنّ بفلاة بعير .
وما أقام الأخشبان وعمر بمكة إنسان .
حلف أبد لطول أمد
يزيده طلوع الشمس شدّا وظلام الليل مدا .
وإن "عبد المطلب" وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون .
فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب .
وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل .
وجعلوا الله على ذلك كفيلا .
وكفى بالله جميلا .
"جعلوا من هذا العقد كأنهم إخوة في الدم ؟
إن هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" وبين "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ .
وكان النبي ﷺ يستخدمهم كعيون له بالرغم من أنهم كانوا حتى ذلك الوقت على شركهم .
إلا أن "خزاعة" لم تدخل في حلف مع رسول الله ﷺ من البداية خوفاً من قريش .
فلما كان صلح الحديبية .
دخلت "خزاعة" على الفور في حلف مع النبي ﷺ .
وقامت قبيلة "بنو بكر" ودخلت في حلف قريش .
لأن "خزاعة" و "بنو بكر" بينهم حروب وعداوت قديمة وثارات كثيرة
لما رأى "بنو بكر" أن عدوتهم الأولى "خزاعة" دخلت في حلف النبي ﷺ .
قالت بنو بكر : لن نكون مع خزاعة في حلف واحد .
فأرادت "بنو بكر" أن يكونوا في الحلف المعاكس .
رغم أن بنو بكر علاقتهم مع قريش ليست قوية لدرجة أن قريش حين خرجت لحرب المسلمين في بدر كانت تخاف من غزو بني بكر لمكة ...
فالآن دخلوا في حلف قريش مثل ما نقول : هو عناد في خزاعة رغم أنهم لا يميلون لقريش .
وفي أثناء هدنة صلح الحديبية وفي السنة الثامنة من الهجرة .
شاب من بني بكر وقف يردد الشعر ويهجو النبي ﷺ .
سمعه شاب من خزاعة فلم يتحمل أن يهجو محمد وهو حليفهم يعني : أنت تهجونا .
فما كان من هذا الشاب الخزاعي إلا أن قام وضربه وشج رأسه .
هنا:
ثار الدم في رؤوس القبيلتين .
فأخذت قريش تحرض حليفتها "بني بكر" على قتال "خزاعة"
وأعانت "قريش" بنو بكر بالسلاح والدواب ....
بل واشترك في القتال من قريش بعض فرسانهم منهم :
١- عكرمة بن أبي جهل
٢- وصفوان بن أمية
٣ - وسهيل بن عمرو وهو الذي كتب بنود معاهدة الحديبية مع النبي ﷺ .
قريش أعانت بنو بكر وقالت لهم باغتوهم في الليل .
وتم الإتفاق :
جاؤوهم ليلاً بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له "الوتير" وقتلوا منهم بعض رجالهم .
فلما رأت "خزاعة" أنهم سيهزمون وقتل منهم بعض رجالهم .
هربوا و دخلوا إلى الحرم .
"كانت العرب لا تقتل لا في الحرم ولا في الأشهر الحرم .
وكان الرجل يرى قاتل أبيه داخل الحرم فلا يقترب منه حتى يخرج من الحرم"
فلما دخل رجال خزاعة الحرم
قالوا لقائد بني بكر "نوفل بن معاوية"
قالوا له : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم . الله الله في إلهك...
الله الله في إلهك.... فإننانحتمي به في البيت .
فقال نوفل : لا إله هذه الليلة
وصاح برجاله : يا بني بكر أصيبوا ثأركم .
فلعمري إنكم لتسرقون وتسرفون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فقتلوا منهم في الحرم 20 رجلاً من خزاعة .
ماذا يعني هذا ؟؟
يعني أنه نقضآ واضحاً وصريحآ "لصلح الحديبية" من قريش لأنها أعانت "بنو بكر" بالسلاح .
بل واشتركت أيضآ في قتال "خزاعة" حلفاء النبي ﷺ .
فلو كانت قريش لم تشترك معهم لأكتفى ﷺ بعقاب "بنو بكر" كما أرسل الكثير من السرايا العقابية للقبائل التي إعتدت على بعض الصحابة رضي الله عنهم.
هذا ما وقع في مكة
إلى المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى ﷺ هناك ....
عند أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها .
التي تزوجها النبي في "عمرة القضاء" آخر من تزوج ﷺ وكانت ليلتها .
فكان ﷺ في حجرتها وقد قام من الليل يصلي .
تقول ميمونة رضي الله عنها . سكبت له وضوءاً فلما شرع في وضوئه و مضمض واستنشق و أراد أن يغسل وجهه نفض يديه من الماء .
وقال : نُصِرتَ . نُصِرتَ . نُصِرتَ .
فقلت : بأبي وأمي يارسول الله من تكلم ؟
قال : لقد حدث حدثاً في خزاعة الليلة .
سمعتهم يستنصرونني فوالذي نفسي بيده لأنصرنهم .
ثم أتم وضوئه وقام يصلي .
لم تخبر ميمونة أحداً بهذا الحديث فهي خاصية من خصائص الحبيب ﷺ في تلك الليلة .
ولم يكلم النبي صلى الله عليه وسلم أحد ومضت ثلاثة أيام .
والمسافة من مكة للمدينة 6 أيام تقريباً.
فلما وقع هذا الإعتداء انطلق فورا من "خزاعة" أحد شعرائهم وهو "عمرو بن سالم الخزاعي" انطلق إلى المدينة المنورة يستنصر النبي ﷺ .
فلما وصل ووقف على باب المسجد وهيئته هيئة المذعور .
"فقد قطع المسافة من مكة للمدينة في ثلاثة أيام أي في نصف الوقت .
وكان النبي ﷺ في مسجده بين أصحابه فوقف "عمرو بن سالم" كان مغبرآ أشعثاً
فسلم على النبي ﷺ ثم قال شعراً :
[[فكانت الرسالة عبارة عن شعر ، وهذا من بلاغة العرب]]
فقال :
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قد كنت ولدآ وكنا والدآ
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرآ أعتدا
وادع عباد الله يأتوا مددا
إلى أن قال :
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
هم بيِّتونا بالوتير هجـــدا
"اي نايمين"
وقتلونا ركــــعــا ً وسجدا
فلما انتهى من شعره :
قال له النبي ﷺ في قوة وحزم نُصِرتَ يا عمرو بن سالم .
والله لأنصرنكم ، ولأمنعنكم مما أمنع منه نفسي وأهلي .
وكان أن قرر النبي ﷺ أن ينتقم لخزاعة من "بني بكر" ومن "قريش" لإعتدائهم عليهم ونقضهم صلح الحديبية .
فقال يا عمرو إرجع إلى مكة ، ولا تخبر أحداً أنك جئتنا إلا قومك وليتفرقوا .
وأسكنوا حتى يأتيكم أمري .
ودخل ﷺ بيته ولم يحدد كيف يكون هذا الإنتقام وكيف يكون هذا العقاب ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائة 191
فتح مكة . الجزء الثاني .
قرار فتح مكة .
بعد نقض قريش "صلح الحديبية"
قرر النبي ﷺ أن يقوم بغزو مكة
وسبحان الله العظيم إذا أراد امراً يهيء له الأسباب .
جاء نقض الصلح من قريش في هذا الوقت ....
فمكة بيت الله الحرام ولا يجوز أن تكون تحت حكم المشركين
ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة .
ولا يجوز أن يطوف البعض بالبيت عريانا .
وبصفة عامة أوضاع كثيرة غير مقبولة في مكة
كما أن مكة لها مكانتها المعروفة بين العرب .
فلو فتحها المسلمون لدخلت "الجزيرة العربية" كلها في الإسلام
وهذا ما حدث بالفعل كما قال تعالى :
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .
وغدر قريش ونقضهم صلح الحديبية أمر قد لا يتكرر مرة أخرى ....
لأن قريش تعلم جيداً أن موازين القوى أصبحت في ذلك الوقت في صالح المسلمين تماماً .
وكان هذا الإعتداء من جانبهم على خزاعة تهورآ وتصرفآ أحمقآ غير مبرر .... فهم ليسوا على عداوة مع "خزاعة" بالأصل
وليست علاقتهم بهذه القوة مع "بنو بكر"
ولو تكرر هذا الموقف مائة مرة لما تهورت قريش وأقدمت على ما هي أقدمت عليه .
ولو لم تنقض قريش الصلح كان يجب على النبي ﷺ أن ينتظر ثماني سنوات أخرى
وهي المدة الباقية من صلح الحديبية .
لأن المسلمون يحترمون تعاهداتهم ولا يمكن أن ينقض الرسول ﷺ العهد أبدا
فقرر النبي ﷺ غزو مكة ولكنه لم يخبر أحداً
أخذت "قريش" تبحث عن حل للمشكلة التي أوقعت نفسها فيها .
فقالوا : ما فعلناه إن بلغ محمداً فهو نقض للصلح فما العمل ؟
قريش خائفة لنقضهم الصلح مع المسلمين
والسبب :
هي تعلم جيداً أنها الآن أضعف بكثير من المسلمين .
وتعلم جيداً أنه إذا كانت القوة متعادلة بين الفريقين في السنة السادسة من الهجرة عند توقيع صلح الحديبية .
فإن القوة الآن في صالح المسلمين بعد عامين فقط في السنة الثامنة من الهجرة
فقد رأت قريش أن المسلمون قد انتصروا بعد "الحديبية" في معركتين من أصعب المعارك
وهما "خيبر" و "مؤتة"
"خيبر" بحصونها وكثرة مقاتليها أقوى من قريش .
"مؤتة" ثبت المسلمون أمام جيش الإمبراطورية الرومانية .
وتعلم قريش أن الجيش الإسلامي مدرب تدريبآ جيداً لكثرة المعارك التي خاضها في فترة قصيرة جداً...
وتعلم أن الروح المعنوية للجيش مرتفعة جداً.
من جهة أخرى تضاعفت أعداد المسلمين في هذه الفترة من الزمن ودخلت كثير من القبائل بل والممالك في الإسلام .
فاليمن دخلت في الإسلام .
وعمان دخلت في الإسلام .
ودخلت كثير من القبائل في حلف النبي ﷺ .
بينما أحلاف قريش قليلة جداً وغير قوية وتكاد تكون محصورة في ذلك الوقت في "بنى بكر" فقط.
شيء آخر وهو تناقص أعداء المسلمين وضعفت شوكتهم :
فاليهود انتهى خطرهم تماماً
وغطفان التي كانت القوة الأكبر في حصار المدينة في الأحزاب انتهى خطرها كذلك وجاءت وفودها تعلن الإسلام .
كانت قريش تعلم كل ذلك
ولذلك اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التي أوقعت نفسها فيها
وهي نقضها لبنود صلح الحديبية .
وبالتالي إحتمال دخولها في حرب جديدة مع المسملين بل وغزو المسلمين لمكة .
وقررت قريش في هذا الإجتماع أن ترسل أبو سفيان بن حرب
فقالوا له :ما لها سواك يا أبا سفيان .
اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة
وكانت بنته زوجة النبي "ام حبيبة رملة بنت أبو سفيان رضي الله عنها"
قالوا له : تذهب لزيارت بنتك
ومن خلالها تصل محمداً واطلب إليه أن يشد بالعهد ويزيد في المدة ....
خرج أبو سفيان وحده لتجديد العهد وطلب مد مدة الهدنة .
سيد قريش يقوم بهذه المهمة بنفسه .
كان هذا تنازل كبير عن كرامة قريش وكبريائها .
وهذه أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل .
ولكن قريش رأت أن تقدم هذا التنازل وتخسر هذه الخسارة خير لها ألف مرة من خسارة أكبر كثيراً لو قام المسلمون بغزو مكة .
وهذا يدل على مدى الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش من المسلمين .
انطلق أبو سفيان من "مكة" ووصل إلى المدينة وكان عمره في ذلك الوقت 70 عاما .
واتجه أول الأمر إلى إبنته "أم حبيبة رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ .
كان النبي ﷺ قد تزوجها منذ عام واحد في السنة "السابعة من الهجرة" وهي بالحبشة .
وكانت "أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها من أوائل المسلمين الذين أسلموا في مكة وهاجرت للحبشة .
أبو سفيان له 17 من الأبناء .
10 من البنات و 7 من الأولاد .
منهم ولده الأكبر "حنظلة" قتل في بدر كافراً
فأبو سفيان لقب ....
أما كنيته الحقيقية "أبو حنظلة"
ومن أبناءه "معاوية بن أبي سفيان" الذي أصبح خليفة المسلمين
طرق باب حجرة بنته "أم حبيبة" رضي الله عنها
فلما فتحت نظرت إلى أبيها
وكان هذا اللقاء بعد غياب 16 سنة .
كان "أبو سفيان" يعتقد من "أم حبيبة" استقبالاً حافلاً .
لكن "أم حبيبة" نظرت إلى أبوها سيد قريش بأنه عدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فسكتت ولم تتكلم وحارت بأمرها ....
فأراد أبوها أن يفك هذه الحيرة فدخل من دون أن تقول له ادخل ....
ولما أن أراد أن يجلس على الفراش الوحيد في الغرفة وهو فراش النبي ﷺ إذا بها تسرع وتطوي الفراش حتى لايجلس عليه أبوها .
فتعجب وكانت صدمة له .
فأراد أن يخرج من هذا الحرج .
وقال لها بلطف : يا بنية ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
"يعني لم تجلسيني على الفراش لأني رجل عظيم لا يصح أن أجلس على هذا الفراش المتواضع .
أم أنا أقل من أن أجلس على هذا الفراش"
وانظروا ما أجمل الإيمان بالله عندما يكون صادقاً لا يعرف المداهنة حتى ولو كان أبوها
قال تعالى :
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ .
فقالت له أم حبيبة في صلابة وجفاء واضح .
"هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس .
فلا أحب أن تجلس على فراشه
فصدم أبو سفيان من رد إبنته ودارت الأرض به .
وقال : يا بنية والله لقد أصابك بعدي شرٌّ كبير .
قالت : بل أصابني الخير الكثير وهداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر .
وأعجب منك يا أبتِ وأنت سيد قريش وكبيرها .
قال : أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد ؟
"إذا كان هذا جوابها عندما أراد أن يجلس فكيف لو أراد أن يناقشها بأمور أخرى"
فتركها وخرج .....
واتجه "أبو سفيان" إلى الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلم
اتجه إلى المبعوث رحمة للعالمين .
اتجه إلى صاحب الخلق العظيم ﷺ
فدخل إلى مسجده فوراً فسلم وجلس .
وقال : يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده
"انظروا إلى نفاق المشركين و لغتهم ومن سار في طريقهم ومذهبهم"
وقد تبدلت الأيام وتغيرت وأمر قريش بين يدي فأحببت أن آتيك وأشهد بالعهد وأزيد في المدة .
فقال له النبي ﷺ من جوامع الكلم
قال له :_ هل كان هناك حدث ؟؟
"يعني صار شي"
قال أبو سفيان لا معاذ الله .
نحن على عهدنا وصلحنا لانغير ولا نبدل .
قال : إذآ هو ذاك العهد على ما هو عليه .
[[ كلمتين هل من حدث ؟؟
لا ..... إذآ هو ذاك نحن على عهدنا ثم أعرض بوجهه عنه ﷺ .
فخرج "أبو سفيان" من عند النبي ﷺ واتجه إلى "أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقال : يا أبا بكر كلم لنا صاحبك يجدد العقد و يزيد في المدة .
فقال له أبو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يعني ما أنا بفاعل فلن أتوسط بينك وبين الرسول رأيي من رأيه"
فخرج "أبو سفيان" من عند "أبي بكر رضي الله عنه...
فتوجه إلى "عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب منه كما طلب من أبي بكر أن يتوسط له عند النبي ﷺ .
ولكن عمر رضي الله عنه رد عليه أنا أشفع لكم عند رسول الله .
فوالله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به .
"أي لو لم يكن معي إلا جيش من النمل لقاتلتكم به يعني : إذا مات الرجال كلهم وما بقي رجال غزناكم بالنمل"
وخرج "أبو سفيان" من عند "عمر رضي الله عنه
واتجه إلى "علي بن ابي طالب رضي الله عنه ودخل عليه في بيته وكانت معه زوجته السيدة "فاطمة"
فقال أبو سفيان لعلي . يا علي . إنك أَمَسُّ القوم بي رحماً وأقربهم مني قرابة .
وقد جئت في حاجة فاشفع لي إلى محمد .
فقال على بن أبى طالب ويحك يا أبا سفيان .
والله إذا عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه .
فقال : أليس عندكم من قِرا .
"يعني ضيافة قدمولي شيء أشربه"
فأحضرت له فاطمة رضي الله عنها الضيافة .
وكان "الحسن" طفلاً صغيراً يلعب في البيت .
فأراد "أبو سفيان" أن يتلطف إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها لعلها تشفع له وهو يعلم حب النبي ﷺ لها .
فقال : يا بنت محمد .
هل لك أن تأمري بُنيك هذا فيُجير بين الناس .
ارفعي ولدك هذا وقولي قد أجار الحسن بن علي فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟
ولكن تجاهلت مزاحه وقالت في وقارها ...
والله ما بلغ بُني ذلك أن يجير بين الناس .
وما يجير أحد على رسول الله ﷺ .
فأسقط في يد أبو سفيان وقال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ والأبواب كلها قد سدت فانصحني .
فقال له علي رضي الله عنه والله يا أبا حنظلة لا أعلم شيئاً يغني عنك .
ولكنك أنت سيد بني كنانة فقم فأَجِر بين الناس ثم الحق بأرضك .
أي قم وسط الناس وقل أنك أجرت بين الناس .
أي أنك حجزت بين الناس ومنعت وقوع الحرب بينهم .
ولأنك سيد بني كنانة وشخصية لها مكانته في الجزيرة فالمفروض أن يحترم الناس هذه الإجارة"
فقال أبو سفيان : أوترى ذلك مُغنياً عني شيئاً ؟
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا والله ما أظن . ولكن لا أجد لك غير ذلك .
فقام "أبا سفيان" ودخل المسجد .
وقال يا أيها الناس إني قد أَجرت بين الناس .
فلم يرد على "أبو سفيان" أحد ولم يلتفت إليه أحد
ركب أبو سفيان بعيره راجعآ إلى مكة ومر في طريقه على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم
فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها .
"يعني يا حسرة على هذه السيوف التي بأيدينا لم تقتل هذا الكافر في الحروب السابقة لعلها في الأيام القادمة تنال منه"
فسمعهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يعجب ما قالوه . فنهرهم قائلاً أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم .
وذهب "أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخبر النبي ﷺ .
فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟
لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك .
وفهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوراً إن كنت أغضبتهم لماذا ؟
لأن هؤلاء من أولياء الله تعالى
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون .
يقول الله في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .
فمن أغضب أولياء الله فإنه يغضب الله عزوجل .
لذلك أخفى الله أولياءه بين البشر حتى يكون الناس على حذر ولا يتجرأ أحد أن يؤذي إنسان ويكون هذا الإنسان في علم الغيب من أولياء الله .
ذهب ابوبكر من فوره الى سلمان وصهيب و بلال رضي الله عنهم
وقال لهم : يا إخوتاه أغضبتكم ؟
قالوا . لا يغفر الله لك يا أُخيَّ .
"إذآ كان هناك منتهى الغلظة في التعامل مع أبو سفيان...
ولم ينكر النبي ﷺ على أي منهم ما فعله ....
لأن الموقف موقف حرب ولابد من الغلظة في التعامل مع الكفار في وقت الحرب .
قال تعالى .
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ....
رجع أبو سفيان إلى مكة وهو يعلم أنه قد فشل في أداء مهمته .
قال له أشراف مكة ما وراءك ؟
فقال أبو سفيان جئت محمداً فكلمته .
فوالله ما رد علي شيئاً
ثم جئت ابن أبي قحافة . فوالله ما وجدت فيه خيراً .
ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو .
ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم . وقد أشار علي بأمر صنعته .
فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا ؟
فقالوا فبماذا أمرك ؟
فقال . أمرني أن أُجير بين الناس ، ففعلت .
قالوا . فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال . لا
قالوا . ويحك ! ما زادك الرجل على أن لعب بك .
فقال أبو سفيان لا والله ما وجدتُ غير ذلك .
وعلمت قريش أن احتمال قيام معركة مع المسلمين أمر محتمل وارد .
وعلمت أن قيام النبي ﷺ بغزو مكة أمر محتمل ووارد....
أمر النبي ﷺ الجيش بالإستعداد .
وأمر بالمسلمين من القبائل خارج المدينة أن يتجمعوا في المدينة
وكما هي عادة النبي ﷺ لم يخبر أحداً أين وجهته .
استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر وبالكتمان ...
وكان ﷺ شديد الحرص على كتم خبر خروج الجيش إلى مكة .
لأنه ﷺ كان يريد ويخطط لدخول مكة بلا قتال وسفك دماء بالحرم .
فكان يريد أن يستخدم كل عوامل القوة حتى يصل بقريش إلى الإستسلام .
ومن عوامل القوة هو مفاجأة العدو
وكان ﷺ يقول في دعائه .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .
وكذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقف على مداخل المدينة .
"حاجز تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة"
وتتحفظ على من سلك طريق المدينة مكة .
وذلك حتى يحول دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين .
وبرغم ذلك فقد كان النبي ﷺ مضطراً إلى أن يقول هذا السر لكبار الصحابة رضي الله عنهم و صحابته المقربين الذين طلب منهم مهمات عسكرية محددة .
ومن هؤلاء الذين علموا بنيته في فتح مكة "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه
و"حاطب بن أبي بلتعة" كان عمره في ذلك الوقت
43 عام أي أنه في سن إكتمال الرجولة، وهو من المهاجرين
ومن الذين اشتركوا في بدر وثبت مع النبي ﷺ في أحد .
كما شهد الخندق والحديبية .
وهو الذي أرسله النبي ﷺ إلى المقوقس حاكم مصر ودار بينهما حوارات طويلة ....
حتى قال له المقوقس في النهاية "أنت حكيم جئت من عند حكيم"
ولكن في لحظة من لحظات الضعف الإنساني والصحابة ليسوا بمعصومين رضي الله عنهم
فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة .
وهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه كانت له ذلة ولكنها غير قادحة بإيمانه .
فقرر "حاطب" أن يفشي سر رسول الله ﷺ وأن يخبر قريشآ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم...
وكان السبب
أن "حاطب رضي الله عنه كان له بمكة بعض أهل بيته وكانت له تجارة في قريش .
وكان يعاني من إيذاء قريش له في أهله وماله في مكة .
فأراد "حاطب" أن يؤدي لأهل مكة خدمة حتى لا يؤذونه في أهل بيته ولا في تجارته .
فكتب "حاطب" إلى أهل مكة كتابآ أخبرهم فيه بمسير النبي ﷺ إليهم
وأعطى "حاطب" هذه الرسالة إلى امرأة في المدينة اسمها "سارة"
وكانت "سارة" مغنية تغني في مكة ....
وكانت قد قدمت المدينة تشكو الحاجة .....
فقال لها النبي ﷺ ما كان في غنائك ما يغنيك ؟
فقالت : إن قريشا تركوا الغناء منذ قتل من قتل ببدر .
فأعطاها النبي ﷺ ثم عرض عليها الإسلام فرفضت وقبل منها النبي ﷺ أن تظل بالمدينة على كفرها .
فأعطى "حاطب" الرسالة إلى هذه المرأة .
وأعطاها مبلغاً من المال على أن تبلغ هذه الرسالة إلى قريش .
وقال لها : إخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسآ....
فخرجت فسلكت غير الطريق وجعلت الكتاب في قرون رأسها
"أي ضفائر شعرها خوفاً أن يطلع عليه أحد"
وهي لا تعلم مضمون الكتاب
ولبست لباسها وكان لباسهن مسلمات وغير مسلمات احتشام كامل
واتجهت نحو مكة وعندما رأى الحرس إمرأة تركب دابة لم يلتفتوا إليها فليس لهم شأن بها فتركوها .
فهبط جبريل عليه السلام على النبي ﷺ يخبره بما صنع حاطب رضي الله عنه
فقال النبي : قم يا علي والزبير وطلحة والمقداد و أدركا امرأة بمحل كذا .
قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم .
فخذوه منها وخلوا سبيلها .
فإن أبت فاضربوا عنقها .
فخرجوا مسرعين خلفها حتى أدركوها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم
فقالا لها : أين الكتاب ؟
فحلفت بالله ما معها من كتاب .
فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدوا شيئا .
فقال لها علي رضي الله عنه إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك ونمزق عليك الثياب ....
ولما سمعت كلمة نمزق الثياب صاحت بأعلى صوتها لاااا لااااا ورب الكعبة سأعطيكم الكتاب إياكم أن تمزقوا ثيابي .....
قالت : أعطيكم الكتاب ولكن اصرفوا وجوهكم عني .....
فأعرضوا بالنظر عنها :
فكشفت شعرها وحلت قرون شعرها واستخرجت الكتاب منه .
فأخذ "علي" الكتاب منها ثم تركوها وانصرفوا .
ورجعوا إلى رسول الله ﷺ وهو جالس بين أصحابه رضي الله عنهم
فقال : اقرأ الكتاب يا علي .
وكان على رضي الله عنه قاريء
وحاطب رضي الله عنه يجلس بين الناس
فقرأ علي رضي الله عنه من حاطب.... فإن رسول الله ﷺ قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل .
وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم .
فإنه منجز له ما وعده فيكم .
فإن الله تعالى ناصره ووليه .
فنظر النبي ﷺ لحاطب
وقال له ماهذا يا حاطب ؟
فقال حاطب رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يارسول الله .
والله ماكفرت منذ أن آمنت . ولكن امهلني حتى أقول لك .
قال قل ..
قال: يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش .
"يعني حليفا لقريش لا من قريش"
وليس أحد من أصحابك من المهاجرين إلا ولهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمواله .
فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدآ يحمون قرابتي .
ولم أفعله إرتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام .
فقال النبي ﷺ أما أنه فقد صدقكم .
كان ما فعله حاطب رضي الله عنه جريمة شنعاء و خيانة عظمى لأنه أفشى سراً عسكرياً خطيراً كان يمكن أن يعرض الجيش الإسلامي كله لخطر عظيم ....
ولذلك فإن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقنعه ما قاله حاطب ....
"فهو بذلك يحمي أهله على حساب جيش بالكامل"
لذلك قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ...
فقال النبي ﷺ : لا يا عمر ومن قال لك أنه منافق . أنسيت أنه بدري . ومايدريك يا عمر أن الله تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر .
فقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
يقول عمر رضي الله عنه فما بقي بدري في المسجد إلا وجهش "أي بكى"
"يعني لولا هذه الزلة من هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه من أين تأتي هذه البشرى لأهل بدر بأن الله قد تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر وقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
ثم أكب حاطب رضي الله عنه على يدي النبي ﷺ يقلبهما ويبكي ......
ويقول : والله لم انافق يا رسول الله .
والنبي ﷺ يقول له وأنا أشهد
فالرسول ﷺ لم يعفو عن حاطب فقط .
وإنما أيضاً رفع من قدره أمام المسلمين لأن حاطب رضي الله عنه قدم تضحيات كثيرة .
وله رصيد عند النبي ﷺ .
فليس معنى أنه أخطأ مرة أن ينسى له النبي ﷺ ما قدمه من قبل .
و الحبيب المصطفى ﷺ لا يريد أن يكون عونا للشيطان على "حاطب"
فالمسلم عندما يكون صالحاً ويرتكب ذنبا .
يوسوس إليه الشيطان أنه قد أضاع كل شيء ويحبطه عن التوبة .
و النبي ﷺ لا يريد لحاطب أن يسقط في هذه الدائرة .
بل على العكس يريد أن يأخذ بيده حتى يخرج به من هذه الأزمة .
والبطولة هي أن تأخذ بيد المخطيء وتصلحه لا أن تسحقه .
وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة في أول سورة الممتحنة .
يقول تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .
ثم دعى النبي ﷺ ربه مرة أخرى .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[فى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة 192
فتح مكة . الجزء الثالث .
إستعداد جيش المسلمين لدخول مكة .
قرر النبي ﷺ الخروج لفتح مكة
وأعلن للصحابة رضي الله عنهم وجهته وأنه يريد فتح مكة....
خرج ﷺ من المدينة بجيش قوامه 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح .....
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
لقد هاجر إلى المدينة ﷺ قبل 8 سنوات إلا 3 أشهر وحده بصحبة الصديق رضي الله عنه ومطارد في الطريق .
واليوم يرجع إلى مكة على رأس 10 آلاف موحد الله تعالى لو أمرهم أن يزيلوا الجبال لأزالوها .....
لم تشهد الجزيرة هذا العدد الكبير من الجيش إلا جيش أبرهة في عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه النبي ﷺ قبل الهجرة بخمسين عاما ....
ثم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .
وكان قوام الجيش من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار
700 من المهاجرين .
4000 آلاف من الأنصار أهل المدينة .
والبقية من القبائل العربية التي دخلت الإسلام وجاءت إلى المدينة للإنضمام إلى الجيش إستجابة لأمر النبي ﷺ أو لحقت بالجيش وهو في طريقه من المدينة إلى مكة .....
وكان خروج الجيش من المدينة في 10 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة .
وكان النبي ﷺ صائماً والجيش كله صائما ....
حتى إذا وصلوا إلى موضع "الكديد" أفطر النبي ﷺ، فأفطر الصحابة رضي الله عنهم
وظل النبي ﷺ يفطر حتى دخل مكة ....
وقد أخذ الفقهاء من ذلك أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر
كانت قريش لا تعلم شيئا عن تحركات المسلمين ....
وقد أعمى الله الأخبار عن قريش إستجابة لدعائه ﷺ فلم يعلموا بوصوله إليهم ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره إليهم .
وفي هذه الأثناء خرج "العباس بن عبد المطلب" عم النبي ﷺ بأهله من مكة مهاجرآ إلى المدينة .
وكان "العباس" رضي الله عنه قد أسلم منذ "بدر" في السنة الثانية من الهجرة .
لكنه لم يهاجر منذ ذلك التاريخ ولمدة 6 سنوات بالرغم من أن الهجرة قبل فتح مكة كان فرضاً
"لأنه كان عيناً للنبي ﷺ في مكة"
فكان "العباس" رضي الله عنه هو آخر من هاجر من المسلمين .
فقابل "العباس" رضي الله عنه جيش المسلمين في منطقة "الجحفة" وسر به النبي ﷺ
وانضم "العباس" رضي الله عنه إلى جيش المسلمين المتجه لفتح مكة وأرسل أهله وثقله إلى المدينة .
فلما وصل ﷺ إلى "مَرُّ الظهران" وهو وادٍ في شمال مكة يبعد عنها 22 كم ويسمى الآن "وادي فاطمة" عسكر الجيش هناك .
وأمر النبي ﷺ الجيش بأن يوقد كل منهم ناراً
فأوقدوا عشرة آلاف نار .
حتى إذا رأتهم عيون قريش تصيبهم الرهبة من الجيش .
وجعل النبي ﷺ قائد الحرس هو "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه
وكان "العباس" رضي الله عنه عندما رأى جيش المسلمين وكثرتهم علم أن قريش لا قبل لها بهذا الجيش....
وعلم أنه إذا وقع قتال فسيتم سحق قريش تماماً....
أشفق "العباس بن عبد المطلب" على قريش فركب بغلة النبي ﷺ واتجه إلى مكة حتى يقنع قريش بأن تستسلم وأن تطلب الأمان من النبي ﷺ
وفي ذلك الوقت كان قد خرج من مكة :
١- أبو سفيان بن حرب .
٢- و حكيم بن حزام .
٣- و بديل بن ورقاء .
يلتمسون الأخبار بأنفسهم .
فلما رأوا النيران قال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانآ قط ولا عسكرآ...
هذه النيران كنيران عرفة
فقال بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب لتنتقم وتأخذ الثأر .....
وكان "بديل" من "خزاعة" يقيم في مكة فهو يتمنى أن تكون كل هذه الجموع من "خزاعة"
فقال أبو سفيان : خزاعة !!
هي أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
فسمع أصواتهم من بعيد "العباس بن عبد المطلب" فعرفهم .
فنادى "العباس" بأعلى صوته على "أبو سفيان"
وقال : يا أبا حنظلة .
فقال أبو سفيان . أبا الفضل ؟
قال العباس . نعم
قال أبو سفيان . مالك . فداك أبي وأمي ؟
فقال العباس . ويحك يا أبا سفيان !
هذا رسول الله في الناس على رأس عشرة ٱلاف مدجج بالسلاح .
يا ويل قريش والله ، وأصباح قريش .
"يعني خربت دياركم لن يصبحكم الله بخير "
قال أبو سفيان : فما الحيلة يا أبا الفضل فداك أبي وأمي ؟
قال العباس : اتسأل المشورة هذا الليلة يا أبا حنظلة ؟
والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك .
فاركب خلفي على هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك .
فركب "أبو سفيان" خلف "العباس" على بغلة رسول الله ﷺ ورجع حكيم و بديل .
عاد "العباس" إلى معسكر المسلمين .
فكلما مر على أحد من المسلمين
قال . من هذا ؟؟
فاذا اقترب قالوا "عم رسول الله على بغلته"
فيتركوه حتى مر على قائد الحرس "عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال : من هذا ؟؟ ثم قام فنظر
فرأى أبو سفيان فقال أبو سفيان عدو الله .
الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
"كان قتل سيد قريش قبل بدء المعركة مكسب كبير للمسلمين يمكن أن يحسم المعركة .
لذلك أراد عمر رضي الله عنه أن يقتل أبو سفيان وقد جاء بعد نقض العهد ....
بينما لم يفعل ذلك عندما جاء أبو سفيان إلى المدينة .
لأن أبو سفيان جاء سفيراً لقريش .
ولذلك قال عمر رضي الله عنه الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
أي لا شيء يمنعني من قتلك الآن
ثم أخذ عمر رضي الله عنه يشتد نحو رسول الله ﷺ ..
ودخل عليه وقال يا رسول الله
هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه .
فقال العباس يا رسول الله : إني قد أجرته .
فأصر "عمر" رضي الله عنه على قتل "أبو سفيان" وأخذ يتحدث إلى الرسول ﷺ في ذلك .
و "العباس" يرد على "عمر"
والنبي ﷺ لا يرد عليهما .
يقول العباس فلما أكثر "عمر" في شأنه ومجادلته .
قال العباس . مهلاً يا عمر
فوالله لو كان "أبو سفيان" من بني عدي "أي لو كان من قبيلتك يا عمر" ما قلت هذا .
ولكن لأنه من "بني عبد مناف"
"كان العباس لا يزال متأثرا بالجاهلية .....
ولم تكن قضية الولاء للمسلمين والبراء من المشركين وآضحة في ذهنه"
فأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعطيه درساً هاماً في الولاء والبراء
وقال له : مهلاً يا عباس .
فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم .
وما ذاك إلا أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله ﷺ من إسلام الخطاب لو أسلم .
ثم قال الرسول ﷺ للعباس : إذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به .
النبي ﷺ يريد لأبي سفيان أن يسلم .
كيف لا : وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين
وهو الذي يقول ﷺ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
فذهب مع العباس ونظر أبو سفيان للصحابة رضي الله عنهم
منهم من قام يصلي .
ومنهم من يقرأ القرآن .
ومنهم من قام يناجي ربه .
فلما صار وقت الفجر .
قام بلال رضي الله عنه يؤذن للصلاة ....
وثار الناس وهرعوا للصلاة .
فهذا التحرك من الصحابة رضي الله عنهم لصلاة الفجر أرعب "أبو سفيان"
ففزع أبو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون ؟
هل أمر محمد بشيء ؟
قال : لا يا ابا حنظلة .. إنها صلاة الفجر .
قال . كم مرة تصلون باليوم .
قال . خمس مرات وهذه صلاة الفجر هي أقربها لمرضاة الله .
وأخذ يخبره عن فضلها
فقام ابو سفيان ينظر فرأى الصحابة رضي الله عنهم يتلقون وضوء رسول الله ﷺ ويتبادرون لخدمته .....
ثم رآهم يركعون إذا ركع . ويسجدون إذا سجد .
فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟
فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه .
فقال أبو سفيان :
ما رأيت مُلكاً مثل هذه الليلة
و لا ملك كسرى ولا ملك قيصر ، ولا ملك بني الأصفر .
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً .
فقال له : إنها النبوة يا أبا سفيان وليست الملك .
قال : نعم هو ذاك .
فلما جاء الصباح جاء العباس ومعه "أبو سفيان"
قال له النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان . ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
فقال أبو سفيان . بأبي أنت وأمي .
ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . والله لو كان مع الله إله غيره . لقد أغنى عني .
أشهد أن لا إله إلا الله .
فقال النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله .
فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك .
أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا ....
"لم يكن أبو سفيان صادقاً بهذه الكلمة .
فهو يعلم يقيناً أن محمداً رسول الله ولكنه يبرر إصراره على الكفر حتى هذه اللحظة .
فقال العباس ويحك يا أبا سفيان أسلم قبل أن تضرب عنقك .
يفهم من هذا وإن قال لا اله الا الله لا يعد مسلماً إلا أن يقول محمداً رسول الله كلمة التوحيد .
ومرة أخرى ليس هذا إجبار لأبي سفيان حتى يدخل في الإسلام
ولكن حسب معطيات الحرب ينبغي قتله كما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولكنه إذا أسلم فالإسلام يهدم ما قبله .....
وهذا من رحمة الإسلام وهو أول أركان الإسلام الشهادتين وليست شهادة واحدة ...
فإن لم يشهد أن محمدا رسول الله فليس بمسلم .
فلما قال العباس هذا
قال أبو سفيان : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.....
ثم قال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً .
فقال النبي ﷺ نعم .
انطلق أبا سفيان إلى قومك وأخبرهم .
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
ومن أغلق بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .
كان إعلان النبي ﷺ أن من أغلق عليه بابه فهو آمن
يعني بلغة العصر الآن تطبيق "حظر تجول"
وهذه هي أول مرة في التاريخ يطبق فيها حظر التجول .
فالرسول ﷺ هدفه هو أن يدخل مكة بلا قتال ومن غير سفك للدماء ....
ويعتمد في ذلك على إخافة قريش حتى تسلم وتجبن عن القتال ....
ولذلك أمر الصحابة رضي الله عنهم بأن يوقد كل منهم ناراً
ثم هو يعلن الآن بأن من يغلق عليه بابه فهو آمن .
يعني من يجلس في بيته ولا يشترك في القتال أوالمقاومة فهو آمن .
واستثنى المسجد لمكانته وحتى يكون مكاناً يتحدث فيه إلى الناس .
واستكمالآ لخطة إخافة قريش
أمر النبي ﷺ "العباس" بأن يجعل "أبو سفيان" في مكان يرى فيه الجيش كله حتى ينقل هذه الصورة لقريش ....
فقال النبي ﷺ للعباس يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل "المكان الضيق الذي سيمر منه الجيش" حتى تمر به جنود الله فيراها .
فذهب به العباس إلى حيث أمر النبي ﷺ ومر الجيش كله أمام "أبو سفيان"
"مثل العروض العسكرية التي تقوم بها الدول الآن"
وكانت كل قبيلة تمر تحمل رايتها
فكلما مرت قبيلة سأل أبو سفيان عنها .
فقال . يا عباس من هذه ؟
يرد عليه . غفار .
يقول . ما لي و غفار .
يا عباس من هؤلاء ؟؟
سليم
ما لي وسليم
يا عباس من هؤلاء ؟
مزينة .
يا أبا الفضل ما لي ولمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها .
يا عباس من هؤلاء ؟؟
جهينة .
ما لي ولجهينة .
يا عباس من هؤلاء ؟؟
بنو ليث بن بكر . وبنو ضمرة بن بكر .
نعم أهل شؤم والله .
هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم . أما والله ما شوورت فيهم ولا علمته ولكنه أمر حُتِم .
يا عباس من هؤلاء ؟
أشجع .
هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
العرب تطلق الخضرة على السواد لأنهم لابسين لباس الحرب الكامل"
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد .
"يعني لابسين لباس القتال الكامل لا يرى منهم إلا عيونهم"
قال أبو سفيان مدهوش . سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : هذا رسول الله ﷺ في المهاجرين والأنصار .
قال أبو سفيان . ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة .
والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً !
قال العباس . يا أبا سفيان إنها النبوة .
قال أبو سفيان . نعم نعم
أبو سفيان :
فإنه لما أسلم حسن إسلامه وقاتل مع النبي ﷺ في "حنين" وكان عمره 70 عامًا .
ولما انكشف المسلمون في "حنين" وفر بعضهم ثبت مع النبي ﷺ .
وشارك في حصار "الطائف" وأصابه سهم في عينه فأصيبت
وجاء إلى النبي ﷺ وقال . هذه عيني أصيبت في سبيل الله .
فقال له النبي ﷺ إن شئت دعوت فردت عليك . وإن شئت فالجنة .
فقال : الجنة .
وشارك في معركة اليرموك ضد الروم وكان عمره وقتها 76 سنة فكان من أكبر المسلمين عمراً .
رضي الله عنه وأرضاه .
ثم قال له العباس رضي الله عنه إلحق الآن بقومك وحذرهم .
فانطلق "أبو سفيان" إلى مكة وهو من الرعب في نهاية .
وصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش .
هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .
فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
قالوا : قبحك الله . وما تغني عنا دارك؟
قال . ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .
فقامت إليه زوجته "هند بنت عتبة" ونادت : يا معشر قريش اقتلوا هذا الشيخ الأحمق . هلأ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟
فقال أبو سفيان . لا تغرنّكم هذه من أنفسكم .
فقد جاءكم ما لا قِبَل لكم به .
تفرق القرشيون ولزم كثير منهم دورهم ولجأ البعض إلى المسجد .... وبذلك نجحت خطة المسلمين في تحطيم مقاومة قريش .
ومع ذلك رفض بعض شباب قريش الإستسلام وقرروا "المقاومة" وفي نفس الوقت استعد الجيش لدخول مكة .
ما الذي حدث بعد ذلك
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 06:11 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التسعون بعد المائة 190
*فتح مكة .
[ سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة بعد المائة 193
فتح مكة .... الجزء الرابع .
يوم فتح مكة شرفها الله تعالى
وقبل أن يدخل مكة ﷺ قرر دخول مكة بأربعة جيوش أو أربعة كتائب تدخل مكة من أربعة جهات في نفس الوقت .....
وكانت العرب لاتعرف دخولاً لمكة إلا من المسفلة .....
"أي الطريق السهلة الرملية فلا أحد يكلف نفسه أن يصعد جبلاً ثم ينحدر بنفسه نزولآ بالوادي"
وذلك حتى يستفيد من التفوق العددي الكبير لجيش المسلمين
وكانت هذه الخطة على بساطتها ضربة قاضية لجيش قريش حيث عجزت عن التجمع .....
وضاعت منها أي فرصة للمقاومة
فجعل على رأس أول كتيبة "خالد بن الوليد رضي الله عنه يدخل من أسفل مكة .
والثاني "الزبير بن العوام رضي الله عنه يدخل من أعلى مكة من الحجون مع النبي ﷺ من جهة
والثالث "أبو عبيد بن الجراح" رضي الله عنه يدخل من جهة أخرى من أعلى مكة .
والرابع "سعد بن عبادة" رضي الله عنه زعيم الخزرج يدخل من غرب مكة ...
عدد الجند 10 آلآف يعني كل 2500 يدخلون من جهة .
وكان قد أمر أصحابه ﷺ أن لا تقاتلوا أحداً إلا إذا قاتلكم .
كان يحب ﷺ أن يدخل مكة من غير سفك للدماء فهي حرم الله و تعظيما لحرمتها .
وجعل النبي ﷺ على رأس ثلاثة كتائب ثلاثة من أهل مكة "أي من المهاجرين"
وذلك تأليفاً لأهل مكة حتى لا يشعرون أنه غزو خارجي .
وإنما قادة الجيش من أهل مكة أنفسهم .....
وجعل على كتيبة واحدة واحد من الأنصار حتى ينفي عن الجيش صفة العنصرية .
وقفة
النبي ﷺ إختار أن يدخل مكة من الأعلى مع الزبير رضي الله عنه وهي منطقة تسمى "الحجون" فيها جبل الحجون .
و كان جبل شاهق وعليه صخور ملساء من المستحيل أن تصعد عليه الخيل
إختار النبي ﷺ هذا المكان ليدخل منه مكة .
نرجع للخلف في السيرة لبداية الدعوة وموقف حدث مع النبي ﷺ في بداية الدعوة في مكة
عندما كانت قريش تستهزء بدعوته ﷺ وكان للكعبة باب يغلق تدخل قريش فتطوف في داخلها ثم يغلق الباب .
وهذا بعد تجديد بناء الكعبة وقد ذكرناها كيف كان لها بابان ثم جعل لها باب في أجزاء تجديد بناء الكعبة .
فجاء النبي ﷺ على عادة قومه وأراد أن يدخل الكعبة .
فكان مفتاح الكعبة مع "عثمان بن أبي طلحة" هذا الصحابي الذي رافق أم سلمة بالهجرة وأسلم مع "خالد بن الوليد وعمرو بن العاص" رضي الله عنهم
فكان المفتاح مع "عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه وهو من بني شيبة الذين معهم مفتاح الكعبة إلى أيامنا هذه .
فكان واقف على باب الكعبة
فلما أراد النبي ﷺ أن يدخل الكعبة وضع "عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه يديه على الباب وصده عن الدخول .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : ما بك يا عثمان ؟
قال : أنت رجل فارقت دين قومك فعلام تدخل كعبتهم .
فقال له الحبيب ﷺ يا عثمان كيف ترى إذا كان هذا المفتاح يوماً في يدي أضعه أنا حيث أشاء .
فقال عثمان رضي الله عنه بإستهزاء واستخفاف إذن ذلك يوم طلعت فيه الخيل من "الحجون" وذُلة يومها قريش .
"يعني أمر مستحيل يعني إذا أرادت أي قبيلة أن تغزو مكة فلا يمكن أن تدخل من الحجون
فإذا طلعت الخيل من الحجون الأمر الغير معقول المستحيل
ولم يبقى ولا رجل في قريش وقتها بيكون مفتاح الكعبة بيدك يا محمد"
وموقف آخر
كان قد وقع بين عم النبي صلى الله عليه وسلم "العباس" و "أبو سفيان" لم يعلم به النبي ﷺ
في العهد المكي والنبي ﷺ في مكة يدعوا قومه لله بعد إنتهاء الحصار في شعب أبي طالب
قال يوماً العباس لأبي سفيان
قال : يا أبا سفيان ألا تعلم أن محمداً صادقاً .
قال : نعم لم نجرب عليه كذباً قط .
قال : ألا ترى أن أصحابه رضي الله عنهم يزيدون ولا ينقصون .
قال : نعم .
قال . ألا ترى أنه دين حق . فما عليك لو اتبعناه .
فقال أبو سفيان : أنا اتبع محمداً ؟
يتيم أبا طالب راعي الغنم في قريش .
نعم يا أبا الفضل اتبعه إذا رأيت نواصي الخيل تطلع علينا من "الحجون"
فأراد النبي ﷺ أن يدخل بالخيل من الحجون ليحقق لهم المستحيل .....
وسمع بعض الصحابة رضي الله عنهم "سعد بن عبادة رضي الله عنه وهو يقول اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة
فلما وصلت للنبي ﷺ هذه المقولة من سعد رضي الله عنه
قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله ....
والله لا نأمن سعدآ أن تكون منه في قريش صولة ......
"ومعنى صولة أي يفعل ما يشاء دون رادع كما نقول فلان له صولات وجولات"
فأمر النبي ﷺ بعزل "سعد رضي الله عنه عن قيادة هذه الكتيبة من الجيش
وجعل مكانه ابنه "قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهم
فلم يتأثر سعد ولا الأنصار "لأن هو وإبنه واحد"
دخلت هذه الكتائب من الجهات الأربعة بلا أي مقاومة إلا باستثناء كتيبة "خالد بن الوليد" حيث تجمع بعض رجال قريش بقيادة "عكرمة بن أبي جهل وصفوان" عند جبل "الخندمة"
وقالوا : نقاتل حتى نقتل أو نصدهم .
وكان فيهم رجل "جماش بن قيس" كان طوال الليل يعد سلاحاً له في داره .
فقالت له زوجته وكانت مسلمة بالسر ....
قالت : لمن تعد هذا السلاح ؟
قال : بلغني أن محمداً يريد أن يفتح مكة ويغزوها .
قالت له : أوبعد ما صنع بخيبر
تذكره بحصون خيبر التي لا تقهر كيف دك النبي ﷺ حصونها دكا"
قالت : أوبعد ما صنع بخيبر ما صنع . يقوم له أحد بعد ذلك .
دع عنك هذا فلا يقوم لمحمد أحدٌ بعد اليوم .
قال لها : فلئن كان لأخدمنك خادماً من بعض من أستأسره
فقالت له : والله لكأني بك وقد رجعت تطلب مخبأ أخبئك فيه لو رأيت خيل محمد .
فلما خرج مع صفوان وعكرمة إلى "الخندمة" وهو أحد الجبال الوعرة وتصدوا للقوات المتقدمة بالسهام .
فأصدر "خالد بن الوليد" أوامره بالإنقضاض عليهم .....
وما هي إلا لحظات حتى تشتتت هذه القوى وفرت .....
وهرب "جماش" هذا وأخذ يجري إلى منزله فدخل مرعباً لبيته
وقال لزوجته: اغلقي باب البيت .
أما سمعتي أبو سفيان يقول من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن .
" من خوفه لم يغلق الباب خلفه"
فقالت له وهي تضحك فأين الخادم ؟
"أي ألم تعدني أن تحضر لي خدم من أصحابه أين هم ؟
فقال لها : دعي عنك "علم انها تستهزء به"
فقال شعراً
وأنتِ لو أبصرتنا بالخندمة
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضرباً فلا تسمع إلا غمغمة
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
وكان النبي ﷺ قد نهى عن القتال إلا من قاتلهم
فلما علم النبي ﷺ
قال قم يا علي وانطلق إلى خالد وقل له يرفع يده عن دماء الناس .
واحصوا عدد القتلى بهذه المعركة الصغيرة فكان عدد من قتل من قريش 70 رجلاً
في يوم أحد حين وقف النبي صلى الله عليه وسلم على جثة عمه حمزة ؟؟
وقد مُثل به وجُدع أنفه واذنه ولاكت هند كبده ...
مشهد لم تعرفه العرب من قبل فالعرب لم تكن تعرف "المثلة"
والنبي ﷺ بشر يوحى إليه
فغلبت عليه بشريته من الحزن على عمه يومها
فصاح بأعلى صوته واهتز لصوته جبل أحد....
وقال : عماااااه .
والذي بعثني بالحق لئن أظهرني الله على قومك يوماً لأقتلن سبعين منهم .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم من حول النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون لنفعلن ولنمثلن بهم ....
وإذا بجبريل عليه الصلاة و السلام يهبط في نفس الموقف
والنبي صلى الله عليه وسلم في قمة الحزن"
ويوحي إليه الله عزوجل :
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ .
فرفع النبي ﷺ رأسه وتلا الآيات على أصحابه رضي الله عنهم
في نفس الموقف ومازالت دموعه تترقرق على لحيته والحزن يغمره صلى الله عليه وسلم
فقال : لقد اخترنا ما أختار الله لنا من عزم الأمور . نصبر ونغفر .
ولكن في ذلك الوقت كان قد سبق "قسمه" فأراد الله بمشيئته أن يبر "قسم النبي" ﷺ....
واليوم أظهره الله على قريش
فلم تقع مع النبي صلى الله عليه وسلم وقريش معركة بعد أحد
وفي الخندق لم يكن هنالك معركة وقتال ....
فقد هزم الله الأحزاب يوم الخندق وحده بجند من جنوده وهي "الريح"
فهذا أول يوم يظهر فيه النبي ﷺ على قريش والقسم كان "أن يقتل سبعين من رجالهم"
فسخر الله "خالدا" وسبحان الله قتل 70 من رجالهم وهذه مشيئة الله ليبر به قسم النبي ﷺ .
النبي ﷺ لم يأمر بذلك ولكنها مشيئة الله تعالى.....
ولما سأل خالد كم قتلتم منهم ؟؟
قال . هم سبعون يارسول الله
فقال الله اكبر لقد أردنا أمراً ، و أراد الله آخر .
وقبل أن يدخل ﷺ مكة اغتسل
ونزع عنه السلاح ولبس لباسه وأعتم بعمامته السوداء التي لبسها ليلة الإسراء والمعراج وقد أرخى طرفيها على كتفيه ....
ثم قال لعمه العباس رضي الله عنه : اصرخ بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري .
فنادى العباس : يا معشر الأنصار إلى رسول الله .
فأسرع الأنصار إليه و وقفوا حوله ....
فقال لهم النبي ﷺ يا معشر الأنصار أرأيتم قريش .
قالوا . نعم .
قال فإن برزت لكم فاحصدوهم حصداً حتى توافوني على الصفا .
"هل رأيتم هو نهى عن القتال وحقن دمائهم وأعطاهم الأمان "
أما إن هم أرادوا أن يسفكوا الدماء بعد ذلك فاحصدوهم حصدآ إذا فكروا الغدر"
لماذا أمر الأنصار فقط ؟؟
لانهم ليسوا من مكة وليس لهم أرحام بها فتأخذهم شفقة الرحم .
فقالوا : سمعاً وطاعةً يا رسول الله .
فحمل الأنصار فقط سلاحهم ومشوا بين يديه ﷺ
ثم ركب ناقته القصواء وتقدم نحو مكة .
فسطع النور المحمدي على أهل مكة من الحجون هو على ناقته والأنصار حوله مدججين بالسلاح .
وياله من مشهد وياله من يوم .
صلوات ربي وسلامه عليك يا خيرخلق الله....
محمد رسول الله ﷺ على ناقته القصواء بعمامته السوداء إشارة للسيادة والسؤدود .
فلما رأى قريش من الأعلى وقفت تنظر اإليه والناس تستشرف لرؤيته .
"الإستشراف هو أن ينظر الرجل من بعيد ويضع كف يده فوق عينيه كي يحجب أشعة الشمس ليتمكن من النظر حتى لا تضرب اشعة الشمس عينيه"
فلما رأى قريش من الأعلى والناس تستشرف لرؤيته
طأطأ رأسه ﷺ حتى أن شعر لحيته يكاد يمس ظهر راحلته
"لم يدخلها ممتطياً صهوة جواده كما يفعل القادة الفاتحين"
"لم يدخلها على هيئة المنتصرين
كان ﷺ مطأطا رأسه ساكباً دموعه يتلو كلام ربه يمشي الهوينة تواضعاً لله تعالى
وهو يتلو قوله تعالى .
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا .
فلما وصل للكعبة
واستقبل الحجر الأسود بعصاه "حتى يعلم الأمة ترك المزاحمة على الحجر"وطاف بالبيت .
وأخذ قوسه وأخذ يدفع به الأصنام حول الكعبة
وهو يقول : جَاءَ الْحقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كانَ زَهُوقاً .
وكان حول الكعبة 360 صنم بعدد أيام السنة.....
ثم طاف بالبيت سبعآ
ثم جلس النبي ﷺ في ناحية من المسجد وأرسل بلالا رضي الله عنه إلى "عثمان بن طحة رضي الله عنه وهو الذي يحمل مفتاح الكعبة
قال قل له أحضر لرسول الله مفتاح الكعبة .
"المفتاح ليس معه لأنه أسلم وهاجر للمدينة فالمفتاح مع إخوته "
فلما جاء عثمان إلى بيت أمه لم يجد إخوته .
فسأل أمه عن المفتاح .
فقالت : هو معي .
قال : أعطينيه فقد طلبه رسول الله ﷺ .
قالت : لا والآت لا أعطيك إياه
قال : يا أماه إن لم تعطينيه . أرسل غيري ليأخذه .
فأخذت المفتاح ورفعت دكت سروالها وأخفت المفتاح هناك .
وقالت : ليبعث محمد من شاء ، وهل رجل يضع يده ها هنا ؟؟
مفتاح الكعبة له حجم كبير و وضعته في عجزتها "والعجز في الجسم هو المكان الذي يكون أعلى البنطلون....
واستشف ﷺ بنور النبوة أن عثمان لن يستطيع أن يأتي بالمفتاح .
فقال قم يا عمر رضي الله عنه فأتني بمفتاح الكعبة .
فانطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولماذا عمر رضي الله عنه :
لأنه الرجل الذي تعرفه قريش وتعرف شدته و يهابه رجال ونساء مكة ....
فكان جهوري الصوت .
كان إذا صاح بأعلى صوته إرتجت الطرقات بصوته .
كان يفر الشيطان من المكان الذي يكون فيه عمر رضي الله عنه
فدنى من البيت ونادى بصوته : يا عثمان أين المفتاح ؟؟
رسول الله بانتظارك .
يقول عثمان رضي الله عنه فاهتزت الدار كأن بها رعد
فأخرجت أمي المفتاح وقالت لي: خُذ ، خُذ لا تدع عمر رضي الله عنه يدخل
فأخذ المفتاح "عثمان" وانطلق به إلى رسول الله وهوعند الكعبة .
فعندما دنى منه ليعطيه المفتاح تذكر قول النبي ﷺ قبل عشر سنين .....
فأخذته الرهبة فسقط المفتاح من يده .....
فظلل النبي ﷺ بثوبه على المفتاح ثم انحنى إليه وأخذه
ثم قال لعثمان : يا عثمان اتذكر يوم قلت لك كيف بك إذا رأيت المفتاح في يدي ، أضعه أنا حيث أشاء .
قال : نعم يارسول الله .
قال أرايت اليوم نواصي الخيل تطلع من الحجون .
قال عثمان رضي الله عنه أشهد أنك رسول الله . أشهد أنك رسول الله .
فصعد النبي ﷺ على درج الكعبة
"كان لها درج من حجارة واسمنت وازيلت حتى لا تعيق الطواف واستبدل بدرج متحرك اليوم"
ففتح النبي ﷺ الكعبة ....
وأمر بمحو الصور داخل الكعبة
ثم غسلها بماء زمزم وصلى داخل الكعبة .
"قيل ركعتين وقيل ثماني ركعات
ثم خرج من الكعبة وقريش واقفة تنتظر مصيرها
فأسند يديه ﷺ على جانبي الباب
وخطب ﷺ الناس وقال :
لا إله إلّا الله وحده لا شريك له .
صدق وعده . ونصر عبده . وهزم الأحزاب وحده .
يا معشر قريش .
إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء .
الناس من آدم وآدم خُلق من تراب .
يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ .
يا معشر قريش ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل بكم ؟
( يالها من عبارة تذكرت قريش بها سجل 21 سنة )
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
يتيم أبا طالب الذي كان لقبه فيكم "الصادق الأمين "
من قبل سن البلوغ كان يحمل هذا اللقب .
ولما أصبح رجلاً أحبه الجميع .
واحتكم الجميع لديه يوم تجديد بناء الكعبة و وضع الحجر الأسود .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
التي كانت كفار قريش بعد أن نزل الوحي عليه وكذبوه كانت لا تضع أماناتها إلا عنده .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي كذبتموه واصطنعتم له الألقاب ساحر ومجنون وكذاب وأشر .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي حاصرتموه في شعب أبو طالب 3 سنين ومات الكثير حوله من الجوع .
وكان يسمع بكاء الصغار .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي عقدتم مؤتمركم الأول تحت "رعاية إبليس " في دار الندوة وأجمعتم على قتله .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي اشعتم عنه بين العرب أنه ساحر عظيم .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي بعد موت عمه أبو طالب اشتد الإيذاء عليه .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي خرج حزيناً وحيداً مفارقآ أحب أرض إليه .
وقد قالها يوم الهجرة ودموعه تنهمر على لحيته
والله إنك لأحب بقاع الأرض إلي ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي تبعتموه إلى غار ثور تلتمسون قتله .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي أعلنتم 100 ناقة مكافأة لمن يأتي به حياً أو ميتاً .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي قاتلتموه يوم "بدر" و "أحد " ويوم "الخندق"
هذا الذي منعتموه بالأمس القريب أن يعتمر وهو محرم .
هذا هو محمد رسول ﷺ
يقول لكم الآن :
يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟
فدارت في عقول قريش كل هذه الأحداث
رجل ظُلم و أوذي والآن هو في موقف القوة
حوله 10 آلاف مدجج بالسلاح بإشارة منه لأطاحوا برؤوس قريش كلها .
يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟
فأخفضوا رؤوسهم .
وقالوا من غير أن يرفعوا رؤوسهم مقولة الذليل المسترحم ....
قالوا : أخٌ كريم وابن أخ كريم رحيم .
فماذا تنتظرون يا قريش من أخ كريم رحيم صاحب الخلق العظيم ؟
فرد عليهم بابتسامة.....
إبتسامة الرضا والطمأنينة حتى يطمئنوا بأن الحال يصدق المقال ....
فسبقت ابتسامته مقاله
قال و هو مبتسم : فاني أقول لكم كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم .
إذهبوا فأنتم الطلقاء .
فخرجوا فكأنهم نشروا من القبور ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائة 194
أحداث متفرقة وقعت بعد فتح مكة وتحطيم الأصنام .
نبي الرحمة ﷺ عفا عن قريش وقال لهم :
إذهبوا فأنتم الطلقاء .
فسمي أهل مكة من أسلم منهم بعد الفتح : "الطلقاء"
ثم قال ﷺ
إن مكة حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض .
ولم يحرمها الناس .
فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً .
ولا يعضد بها شجرة .
"أي يقطع شجرة"
فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ﷺ .
فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يؤذن لكم .
"أي عن الذين قاتلهم خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحُرمتها بالأمس .
فليبلغ الشاهد الغائب .
أتم كلماته ﷺ وهو على باب الكعبة ثم نزل :
يستقبل بيعة من يريدون الدخول في الإسلام فتزاحمت قريش تبايعه على الإسلام بعد هذا العفو الكريم .
وجلس ﷺ في صحن الكعبة
وقف بجانبه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ....
وكان علي رضي الله عنه بين يديه يقدم له الناس أفواجاً ليبايعوه .
وكان النبي ﷺ قبل دخول مكة قد أهدر دماء رجال ونساء من قريش .....
سنأتي على ذكرهم بالتفصيل
كل واحد وإسمه وقصته وكيف أسلم....
وكان النبي ﷺ لا يزال يحمل مفتاح الكعبة ....
فطلب "العباس بن عبد المطلب" من النبي ﷺ أن يعطيه مفتاح الكعبة....
فيكون له ولأبنائه من بعده ولبني هاشم شرف "السدانة" .
يعني شرف الإحتفاظ بمفتاح الكعبة والعناية بشؤنها من تنظيف وكسوة وغير ذلك .
وكان العباس رضي الله عنه له شرف "السقاية" أي سقاية الحجيج .
"السقاية كانت حوض يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج .
في بعض الأوقات كانوا يضعون فيه التمر والزبيب ."
وبعد فتح مكة : كان لزمزم حوضان :
١- حوض بين زمزم والركن يشرب منه الناس .
٢- وحوض من ورائه للوضوء .
حتى أن النبي ﷺ أراد أن يغترف دلو من زمزم ليشرب منه يوم فتح مكة فخشي أن يأخذها المسلمون من بعده سنة وتذهب السقاية من العباس .....
فطلب من العباس رضي الله عنه أن يغترف له دلو من زمزم ليشرب .
فأراد أن يجمع العباس بين "السقاية" و "السدانة"
وكان المفتاح في يد علي رضي الله عنه وكان قد أراد أن يحتفظ به عندما فتح النبي ﷺ باب الكعبة ودخل لجوفها .
فأنزل الله على نبيه ﷺ وهو في داخل الكعبة ...
قال تعالى :
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...
فلما خرج النبي ﷺ طلب أيضاً علي رضي الله عنه من رسول الله أن يجمع لبني هاشم السقاية والسدانة ....
قال له النبي ﷺ يا علي رد المفتاح إلى عثمان فقد أنزل الله في شأنك .
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...
ودعا "عثمان بن طلحة رضي الله عنه ورد إليه مفتاح الكعبة
ليس هذا فحسب بل قال له : خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم .
"وبسبب هذا التوجيه والتحذير النبوي الكريم لم يجرؤ أي حاكم أو سلطان على أخذ مفتاح الكعبة من بني أبي طلحة إلى اليوم
فلما مات عثمان رضي الله عنه إنتقلت "السدانة" منه إلى أخيه "شيبة" ثم توارثها أبناءه إلى يومنا هذا ......
وأصبح العناية بالكعبة لها هيئة تشرف عليها ....
ولكن ظل المفتاح في يد "آل شيبة" ولا تفتح الكعبة إلا بحضورهم إلى اليوم ....
ثم أتى النبي ﷺ الصفا فأخذ يدعو الله تعالى ويذكره
وحانت صلاة الظهر .
فأمر بلال رضي الله عنه
فصعد فوق الكعبة وأذن للصلاة
وصلى النبي ﷺ بالمسلمين
ثم أرسل مناديا ينادي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلّا كسره .
وقال "أسامة بن زيد رضي الله عنه للرسول ﷺ ألا تنزل في دارك ؟
فقال النبي ﷺ وهل أبقى عقيل لنا دارا .
عقيل هو إبن عمه أبو طالب شقيق علي بن أبي طالب
بعد هجرة النبي ﷺ وهجرة أخوه "علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وموت أخوه "طالب" في بدر
واستشهاد أخوه "جعفر" في مؤتة ....
وكان النبي ﷺ له حق في هذه الدار لأنها كانت ملك جده "عبد المطلب"
وكان كل من هاجر من المسلمين باع قريبه داره .
فلم يأمر النبي ﷺ برد هذه البيوت تأليفا لقلوب من أسلم منهم .
ولأنهم هجروها في الله تعالى
فلا يرجعون فيما تركوه لأجل الله تعالى ....
ثم ضربت خيمة صغيرة للرسول ﷺ في "الأبطح" فنزل فيها وكان معه ﷺ زوجتاه "أم سلمة وميمونة" رضي الله عنهما .
من الذين جاؤوا بعد فتح مكة إليه ﷺ ليسلموا بين يديه "أبو قحافة" والد "أبو بكر الصديق"
وكان "أبو قحافة" حين فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة شيخا كبيراً قد تجاوز 90 عام
جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ممسكآ بيد أبيه أبو قحافة يقوده .....
فلما رآه المصطفى ﷺ قال له هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه .
فلما جلس بين يدي النبي ﷺ مسح ﷺ على صدره وقال أسلم تسلم .
فقال . أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فقال أبو بكر رضي الله عنه والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه .....
وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .
وكان رأس أبي قحافة ولحيته كالثغامة [[ الثغامة نبته جبلية لون زهرتها أبيض فإذا كبرت ويبست اشتد بياضها تشبه الشيب هناك صورة بالتعليق ]]
فقال : غيروهما، وجنبوهما السواد .
وفي رواية "واجتنبوا السواد"
من المواقف التي حدثت بعد فتح مكة :
أن "أبو سفيان بن حرب" كان جالساً وهو يحدث نفسه بأن يجمع للرسول ﷺ بعض القبائل لحربه ......
وكانت أحد القبائل الكبيرة لا تزال في عداء مع النبي ﷺ وهي "هوازن"
فبينما هو كذلك فوجىء بأنه ﷺ خلفه يضرب على ظهره ....
وقال إذآ .. يخزيك الله .
فرفع "أبو سفيان" رأسه فوجد المصطفى ﷺ .
فقال له : أشهد أنك رسول الله .
و أراد "فضالة بن عمير" قتل النبي ﷺ .
وكان شديد الكراهية للحبيب المصطفى ﷺ .
فلما كان فتح مكة أظهر الإسلام
ثم حمل سيفه وأخفاه بين ملابسه وكان النبي ﷺ يطوف بالبيت .
فأخذ يدنو من النبي ﷺ فلما إقترب منه....
قال له النبي ﷺ أفضالة ؟
قال : نعم . فضالة يا رسول الله
فقال له ﷺ ماذا كنت تحدث به نفسك ؟؟
فقال : لا شيء . كنت أذكر الله
فتبسم ﷺ وقال استغفر الله يا فضالة .
ثم وضع ﷺ يده على صدر فضالة :
وقال استغفر الله يا فضالة .
فسكن قلب فضالة .
يقول فضالة : فوالذي بعثه بالحق نبياً... ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه ﷺ .
قلنا أن النبي ﷺ دخل مكة على راحلته وهو مطأطأً رأسه تواضعآ لله تعالى .
وأراد أن يستلم الحجر الأسود ولكنه كان مزدحمآ ، فأشار ﷺ إلى الحجر الأسود بمحجنه "عصا كانت في يده" ثم بدء يطوف حول الكعبة
وكان حول الكعبة وعلى الكعبة عدد كبير من الأصنام 360 صنم
وكانت أقدام كل صنم مثبتة في الأرض بالرصاص .....
فجعل النبي ﷺ يدفع هذه الأصنام بالعصا التي معه
أو يشير إليها بهذه العصا وهو يردد قوله تعالى .
وَقُلْ جَآء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا .
فيسقط الصنم على وجهه أو على ظهره وينكسر .
ثم أمر ﷺ بأن تخرج هذه الحجارة من المسجد فأخرجت وأحرقت ....
وأقام النبي ﷺ في مكة تسعة عشر يوماً....
خلال هذه الأيام أرسل ﷺ عدد من السرايا لتحطيم الأصنام في المناطق المحيطة بمكة لتطهير الجزيرة العربية من رموز الشرك والوثننية ....
وكانت هذه السرايا إشارة إلى أن الجزيرة العربية مقبلة على مرحلة جديدة من التوحيد الإعتقادي والعملي
مناة ...
هي أحد الأصنام التي عبدها العرب ....
وقد كانت طرفاً في الثالوث الإلهي وهم اللات والعزى ومناة .
قال تعالى .
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ...
كانت الجزيرة بها كثير من المعبودات .
ولكن هؤلاء الثلاثة كانوا أهم المعبودات عند العرب .
لأن العرب كانت تعتقد أن هؤلاء الثلاثة بنات الله ....تعالى الله
وبعض العرب يعتقد أن اللات ومناة بنات العزى .
وكانت العرب تعظم جداً صنم "مناة" حتى أنها كانت تحج إليه
وكانت في منطقة على ساحل البحر الأحمر تعرف "بالمُشلل"
فأرسل النبي ﷺ "سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه ومعه 20 فارسآ في الرابع والعشرين من رمضان لهدم هذا الصنم .
ولما انتهى إليها قابله سادنها
"السادن هو خادم الصنم .
كما يمكن أن يطلق الآن على خادم المسجد الحرام...
وخادم الكعبة . وخادم المسجد الأقصى"
فقال له سادن الصنم ماذا تريد ؟
فقال : هدم مناة
فقال له : أنت وذاك .
فلما اقترب منها صاح السادن مناة دونك بعض عصاتك
فأقبل "سعد بن زيد رضي الله عنه على الصنم فهدمه .
"كان السادن يعتقد أنه ستصيبه لعنة الآلهة"
العزى ...
هو أحد أطراف الثالوث الإلهي الذي تكلمنا عنه وهي
اللات والعزى ومناة .
"العزى" اسم اشتقوه من اسم الله تعالى "العزيز" ولذلك كانوا يسمون "عبد العزى"
وبلغ من تعظيم العرب للعزى أن جعلوا له حرمآ مثل حرم مكة
فأرسل النبي ﷺ خالد بن الوليد رضي الله عنه في 25 من رمضان على رأس 30 فارسآ لهدم هذا الصنم على رؤوس الأشهاد
فوصل إليها خالد رضي الله عنه فكسر الصنم وهدم البيت الذي كانت فيه وهو يردد ويقول :
كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائة 195
الذين أهدر دمائهم يوم فتح مكة .
الجزء الأول ..
في يوم فتح مكة ، أمر النبي ﷺ أصحابه بهدر دماء خمسة عشر من أهل مكة .
حددهم بالإسم وأمر صحابته رضي الله عنهم بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة
ولم يقتل من هؤلاء سوى أربعة فقط .... وعفى النبي ﷺ عن الباقين لأن هؤلاء الذين أمر النبي ﷺ بقتلهم قد قاموا بجرائم شديدة في المسلمين .....
نذكر أسماءهم وكلما توقفنا على واحد ذكرنا سبب هدر دمه ...
مقيس بن صبابة .
كان قد أسلم ثم إرتد عن الإسلام
حدث أن قتل أحد الأنصار أخيه خطأ في أحد الغزوات ظناً منه أنه من العدو ....
فأخذ الدية ثم قتل هذا الأنصاري وارتد وعاد مشركآ إلى قريش
فلما كان الفتح قتل قصاصا.
عبد الله بن الأخطل .
والجاريتين المغنيتين
كان "عبد الله بن الأخطل" قد أسلم وهاجر إلى المدينة .
ثم بعثه النبي ﷺ لأخذ الصدقة وكان معه مولى له مسلماً
فأمر مولاه بأن يصنع له طعاماً ثم نام ....
فلما استيقظ وجد مولاه نائما ولم يصنع شيئا فقتله.....
ثم خاف أن يقام عليه الحد فارتد مشركآ وعاد إلى مكة وكان شاعراً فأخذ يهجو النبي ﷺ
وكان له جاريتان يغنيان بهذا الشعر .
فأمر النبي ﷺ بقتله وقتل الجاريتين .
وكان أمره ﷺ بقتله قصاصآ لقتله هذا "الرجل المسلم"
وأمر النبي ﷺ بقتل الجاريتين من أجل الحفاظ على هيبة الدولة الإسلامية ....
فلما كان يوم الفتح ركب "عبد الله بن الأخطل" فرسه ولبس درعه وأقسم لا يدخلها النبي ﷺ
فلما رأى خيل المسلمين خاف وذهب إلى الكعبة وتعلق بأستارها فرآه النبي ﷺ كذلك .
فقال لأصحابه رضي الله عنهم اقتلوه فان الكعبة لا تمنع من إقامة الحد .
فقتل وقتلت إحدى الجاريتين
وأما الثانية فطُلِب من النبي ﷺ العفو عنها فعفا عنها وعاشت حتى خلافة "عثمان رضي الله عنها.
عبد الله بن أبي سرح .
كان قد أسلم وكان ممن يكتب الوحي ثم ارتد ولحق بمكة
ومن أجل أن يرضي قريش أخذ يشوه مصداقية النبي ﷺ والوحي
وكان يقول لقريش إن محمداً لا يعلم ما يقول .
وقال لهم كتبت له :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ.
فقلت : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . قبل أن ينطق بها محمد ...
فقال لي . اكتب ذلك . هكذا أنزلت .
يا قريش إن كان محمداً نبياً يوحى إليه فأنا نبي يوحى إلي
وكنت أصرف محمداً كيف شئت كان يملي علي {{ عزيز حكيم }} فأقول أو {{ عليم حكيم }}
فيقول : نعم كلٌ صواب اكتبها .
وكل ما كنت أقوله لمحمد يقول لي . اكتب هكذا نزلت....
"وقد كان أهل مكة يصدقونه، لأن الإنسان الذي على باطل يريد أن يصدق أي كلام يزين له هذا الباطل حتى ولو كان كلاما غير معقول"
فلذلك أهدر النبي ﷺ دمه يوم فتح مكة ....
فلما كان يوم الفتح وعلم بإهدار النبي ﷺ دمه لجأ إلى "عثمان بن عفان" رضي الله عنه وكان أخيه من الرضاعة .
فقال له : يا أخي استأمن لي رسول الله ﷺ قبل أن يضرب عنقي .
فغيبه عثمان رضي الله عنه في بيته حتى هدأ الناس واطمأنوا
ثم أتى به إلى النبي ﷺ وهو في صحن الكعبة
فوقف عثمان بن عفان رضي الله عنه أمام النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي بايع عبد الله بن أبي سرح ....
فلم يرد عليه ﷺ واستدار بوجهه وأخذ يكلم غيره .
فعاود "عثمان" قوله للمرة الثانية
فلم يرد عليه النبي ﷺ فأستدار النبي إلى جهة أخرى وأخذ يكلم غيره .
فكرر طلبه "عثمان" للمرة الثالثة .
"عثمان" يخاطب المبعوث رحمه للعالمين صاحب الخلق العظيم .
أبت عليه نفسه الكريمة أن يعرض عن عثمان رضي الله عنه ثلاث مرات....
فنظر فيه وقد علاه الغضب
وقال : نعم أبسط يدك يا ابن أبي سرح .
فبسط يده وبايعه وأمنه صلوات ربي وسلامه عليه
فشعر "عثمان رضي الله عنه أنه أثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ بيد عبدالله بن أبي سرح بعد أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم وخرج به من الحرم
فلما انصرف قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم وهو مغضب بصوت مرتفع .
أعرضت عنه مراراً و هو مهدور الدم . ألا قام إليه بعضكم فيضرب عنقه ؟
وقال لعباد بن بشر "وكان عباد عليه نذر إن رأى عبد الله بن أبي سرح أن يقتله .
فلما حضر عبدالله مع عثمان أخذ عباد سيفه واستعد لقتله ينتظر إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباد وهو مغضب وقد ارتفع صوته انتظرتك أن تفي بنذرك .
قال : يا رسول الله خفتك .
أفلا أومأت إلينا بعينك ؟
فقال النبي ﷺ :
سبحان الله . إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين ؟
فسكت الصحابة رضي الله عنهم وأنقذ رأس عبدالله بن أبي سرح
وكان "عبدالله بن أبي سرح" بعد ذلك يستحيي من مقابلة النبي ﷺ .
فذكر عثمان رضي الله عنه ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : بأبي أنت وأمي يارسول الله .
إن عبدالله لا زال يذكر جرمه القديم وهو يستحي منك .
فقال له ﷺ يا عثمان الإسلام يجبّ ما قبله .
وأخبره عثمان رضي الله عنه بذلك .
ومع ذلك صار إذا جاء جماعة للنبي صلى الله عليه وسلم يجيء معهم ولا يجيء إليه منفردا .
وقد حسن إسلام "عبد الله بن السرح" رضي الله عنه بعد ذلك .
هند بنت عتبة .
زوجة "أبي سفيان"
وكانت شديدة في كفرها وهي التي مثلت بحمزة رضي الله عنه عم الرسول ﷺ .
وكانت "المثلة" سابقة في العرب لم تعرفها العرب من قبل .
ابتكرت شيئاً من وحي الشيطان .
فأمرت النساء اللواتي كانوا معها أن يقطعنَّ انوف وأذان الشهداء
فجعلت منهم قلادة تضعها في عنقها تدخل بها مكة...
وزادت مثلة في عمه حمزة رضي الله عنه فأمرت وحشي أن يبقر لها بطنه ويستخرج لها كبده فلاكتها ولم تستطيع أن تسوغها فلاكتها ولاكتها ثم بزقتها .
وهنالك مقالة لطيفة يقال إنها لاكت كبد حمزة فأختلط شيء من دم حمزة رضي الله عنه بجسدها فلذلك هداها الله للإسلام لأن الله حرم على النار دم سيد الشهداء"
فلما كانت يوم الفتح لزمت منزلها وقد علمت أن النبي ﷺ قد أهدر دمها .
جلس ﷺ على الصفا يبايع أهل مكة على الإسلام .
فجاءه الكبار والصغار والرجال والنساء يبايعهم على الإسلام .
أي على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله .
فدخل الناس في دين الله أفواجآ أفواجآ
وكانت لرسول الله ﷺ هيبة لا يستطيع أحد التمعن والنظر في وجهه من شدة هيبته .
"لذلك قيل ان الله أعطى شطر الجمال ليوسف عليه السلام وأعطى الحبيب المصطفى ﷺ الجمال كله .
فجاءه رجل يبايعه فلما نظر إلى الحبيب المصطفى ﷺ أخذته الرعدة .
فقال له هون عليك فإني لست بملك .
إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد .
"اللحم المجفف ، الذي يأكله عامة الناس"
وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقف بين يديه وتجمع النساء فأتت النساء ليبايعن النبي ﷺ .
لم يبايعهن ببسط اليد ووضع اليد باليد ، لا
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ما وضع ﷺ يده بيد امرأة إلا امرأة تحل له أو ذات محرم .
ولكنه بسط يده في الهواء وبسطت نساء قريش أيدهن وتمت البيعة .
وهند كانت بين النساء وكانت كما قلنا مهدورة الدم .
ولكن أخبروها أن النبي ﷺ لا يقتل من أسلم
فجاءت حتى دخلت بين النساء ، وجلست وهي متنقبة تخفي وجهها ....
فلما بسط يده يبايعهن
قال ابايعكن على أن تشهداوا أن لا إله إلا الله , وأن محمد رسول الله .
قالت النساء : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله .
قال وألا تقتلن أولادكن من إملاق .
فقالت هند وهي متنقبة
قالت : لقد ربيناهم صغاراً يا رسول الله وحصدتهم يوم بدر كباراً فأنت وهم أعلم عند الله
فعرفها ﷺ من صوتها
فقال أهندٌ بنت عتبة ؟؟
فأماطت النقاب عن وجها
وقالت : نعم بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
الحمد لله الذي أظهر الدين الذي إختاره لنفسه لتنفعني رحمك
"قبل قليل قالت الشهادة مع النساء .
والآن تقول بأبي وأمي أنت يارسول الله .
فتبسم لها ﷺ ضاحكاً وقال مرحبا بك .
ثم أكمل بنود البيعة
وقال للنساء و ألا تزنين .
فقالت "هند" رضي الله عنها :
قال . أو تزني الحرة يا رسول الله
قالت هند للنبي ﷺ والله يا رسول الله ماكان على وجه الأرض أهل خباء [[ أي نساء أهل بيت ]] أحب إلي أن يذلوا من أهل خباءك .
ثم ما أصبح اليوم أهل خباء على وجه الأرض أحب إلي من أن يعزوا من أهل خباءك .
لقد كنا في جاهلية يا رسول فأصفح الصفح الجميل .
فقال ﷺ قد عفونا وصفحنا يا ابنت عتبة .
رجعت هند رضي الله عنها وقد أنار وجهها وقلبها نور الإيمان وكانت صادقة الإيمان .
حتى إذا دخلت دارها أسرعت إلى صنمها التي كانت تعبده وأخذته وألقته في الأرض ووضعت قدمها عليه .
وقالت : لقد كنا معك في غرور . الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور .
عكرمة بن أبي جهل .
كان من أشد قريش عداوة للنبي ﷺ وقاتل مع قريش في بدر .
وكان ميسرة الفرسان في أحد
واشترك في الخندق .
وهو أحد الذين اقتحموا الخندق مع "عمرو بن ود" قبل أن يقتله علي وفر هو هارباً
وكان أخيراً قائد جيش المشركين الذين تصدوا للمسلمين في فتح مكة عند جبل "الخندمة"
وهو ممن قام بنقض "صلح الحديبية" وشارك "بني بكر" بقتال "خزاعة"
فأهدر النبي ﷺ دمه ...
فلما دخل المسلمون مكة هرب واتجه إلى اليمن .
كانت امرأته "أم حكيم بنت الحارث" قد أسلمت
اتعرفون من أم حكيم ؟
اختها أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها التي تزوجها النبي ﷺ يوم عمرة القضاء .
"أم حكيم أسلمت قبل الفتح وانفصلت عنه بحكم الإسلام فالمسلمة لا تحل لكافر"
ولكنها لم تسافر بقيت مع إخواتها في مكة .
فهي الآن مسلمة وسمعت كيف تقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلام من أهدر دمهم .
فقالت مخاطبة النبي ﷺ وهو يعفو عن "هند بنت عتبة"
يا رسول الله لقد شمل عفوك قريش كلها وإن "عكرمة" رجل من رجالات قريش سمع بدمه المهدر ففر إلى الساحل هارباً
ألا تأمنه يا رسول الله ؟
فرق قلب النبي المصطفى ﷺ لها
وقال لها : أدركِ زوجك فهو آمن .
فلما أخذت له الأمان من رسول الله خرجت في طلبه إلى اليمن ولحقته قبل أن يركب البحر .
قالت : قف يا بن عم لقد جئتك من عند أكرم الناس واوصل الناس .
جئتك من عند رسول الله وقد أخذت لك الأمان فلا تهلك نفسك ...
كان يثق بها فقال لها . أومحاسبي هو ؟؟
قالت : لا قد صفح وأعطاك الأمان فأرجع فإنه ابن عمتك .
لأن آمنة أم الحبيب المصطفى ﷺ تكون عمته فرسول الله ابن عمته .
فإنه ابن عمتك ، وعزه عزك ، وشأنه شأنك .فرجع معها
وهو قادم في الطريق والنبي ﷺ جالس بمكة بين أصحابه رضي الله عنهم
وإذا بالنبي ﷺ يأتيه الوحي من السماء أن عكرمة قد آمن ورجع
فقال لاصحابه رضي الله عنهم
لقد رجع إليكم عكرمة مسلماً مهاجراً ، فمن رآه منكم فلا يؤذيه بسب أبيه أبو جهل فإن مسبة الأموات تؤذي الأحياء ولا ينال الميت منها شيء .
فلما قدم عكرمة لساحة الحرم
يقول الصحابة رضي الله عنهم ففزع إليه ﷺ
أي قام إليه مسرعاً بإزار دون رادء عاري المنكببن
وهو يقول بأعلى صوته مرحباً بمن جاءنا مؤمنا مهاجراً .
استقبله بفرح وسرور صادق
وهو يقول مرحباً بمن جاءنا مؤمنا مهاجراً .
قال عكرمة . يا رسول الله فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها .
أو مسير وضعت فيه أو مقام لقيتك فيه ، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه .
فقال النبي اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك ، فاغفر له ما نال مني من عرض في وجهي أو أنا غائب عنه .
رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السادسة والتسعون بعد المائة 196
الذين أهدر دمائهم ، يوم فتح مكة .
الجزء الثاني ...
سارة ...
"سارة" مغنية في مكة كانت تغني في مكة بهجاء النبي ﷺ
ثم قدمت المدينة تشكو الحاجة
فقال لها النبي ﷺ ما كان في غنائك ما يغنيك؟
فقالت : إن قريشا تركوا الغناء منذ قتل منهم من قتل ببدر .
فعرض عليها النبي ﷺ الإسلام فرفضت .
فأعطاها النبي ﷺ وقبل منها أن تظل بالمدينة على كفرها .
ولكنها خانت كل ذلك وحملت كتاب "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه إلى قريش تخبرهم بمسير الرسول ﷺ إليهم
فلما كان فتح مكة اختفت
ثم جاءت إلى الحبيب المصطفى ﷺ واستأمنته وأسلمت وعاشت حتى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
صفوان بن أمية ...
كان من أشد قريش عداوة للنبي ﷺ وإيذاءا للمسلمين
هو ابن "أمية بن خلف" أحد صناديد قريش وقد قتل في "بدر"
وهو أيضاً الذي شارك بنقض "صلح الحديبية" وشارك بني بكر بقتال خزاعة .
وأيضاً قاتل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه عند دخوله مكة من جهة المسفلة عند "الخندمة"
فلما كان فتح مكة هرب "صفوان" وكان له ابن عم "عمير بن وهب"
وقد أسلم عمير فاصبحت بينه وبين صفوان عداوة .
جاء ابن عمه "عمير بن وهب" للنبي ﷺ
قال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن صفوان سيد قومه وقد هرب فأمنه فإنك أمَّنت الأحمر والأسود
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ أدرك ابن عمك فهو آمن .
فقال : يا رسول الله أعطني آية حتى يثق بي صفوان .
فأعطاه النبي ﷺ عمامته التي دخل بها مكة وكل الناس رأوها ولونها سوداء .
قال خذ هذه عمامة رسول الله أمان لصفوان .
فأنطلق "عمير" يسابق الريح حتى أدرك "صفوان" قبل أن يركب البحر .
فقال له : يا ابن عم على رسلك لا تهلك نفسك .
فنظر إليه صفوان وقال اهرب عني وهل نسيت أنك شيطان قريش وأصبحت شيطان المسلمين لعلك جئت تأسرني إلى محمد . صلى الله عليه وسلم
"كان عمير يسمى في الجاهلية شيطان قريش لدهائه"
قال عمير رضي الله عنه لا والذي خلق السموات والأرض وبعث محمد نبياً يا صفوان .
لقد جئتك من عند أفضل الناس وأبرّ الناس وأحلم الناس وخير الناس وهو ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك
فقال صفوان : إني أخافه على نفسي .
قال: هو أحلم من ذلك وأكرم جئتك من عنده بأمان لك قبل أن تدخل مكة .
ثم أراه عمامة النبي ﷺ
وقال له : هذه عمامة رسول الله وقد رأتها قريش كلها هي أمان لك .
فدنى صفوان بحذر .
وقال: أعطنيها وأخذ العمامة ثم ركب ناقته .
وقال لعمير رضي الله عنه إنطلق أمامي فجعل يمشي أمامه وهو خلفه
حتى إذا وصل أرض الحرم ظل راكباً على راحلته .
وقف صفوان ونادى بأعلى صوته يا محمد يزعم صاحبك هذا أنك قد أمنتني .
قال له : صدق وأنت آمن .
قال : يا محمد لا تكرهني على دينك أمهلني بالخيار شهرين .
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ أنت بالخيار أربعة أشهر .
وأسلم قبل مضي شهرين في حنين وسنأتي على ذكرها إن شاء الله .
زهير بن أمية والحارث بن هشام .
كانا شديدان في كفرهما ....
فاختبئا في بيت "أم هانىء بنت أبي طالب" .
وهي بنت عم النبي ﷺ والتي تربت معه في بيت واحد
تقول أم هانيء رضي الله عنها لما نزل رسول الله ﷺ بأعلى مكة فر إلي رجلان من أحمائي .
"أي من أقارب زوجها هبيرة بن أبي وهب"
مستجيرآن بي فأجرتهما .
فدخل عليّ أخي علي بن أبي طالب فقال : والله لأقتلنهما .
قالت : فحلت بينه وبينهما .
فخرج فأغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله ﷺ بأعلى مكة
فوجدته يغتسل وفاطمة رضي الله عنها إبنته تستره بثوب
فسلمت عليه فقال : من هذه؟
فقلت: أم هانىء بنت أبي طالب
فأخرج رأسه ﷺ من خلف الرداء
وقال مرحبا بأم هانىء، ، ما جاء بك ؟
فأخبرته الحديث فقال أجرنا من أجرتِ . وأمنا من أمنتِ فلا نقتلهما .
ولم تكن { أم هانئ } قد أسلمت
فأسلمت في ذلك اليوم يوم "فتح مكة"
وزارها النبي ﷺ في بيتها
وقال لها هل عندك من طعام نأكله ؟
قالت : بأبي وأمي أنت ليس عندي إلا كسر يابسة وأنا أستحي أن أقدمها إليك .
فقال هلمي بهن . فكسرهن في ماء وجاءت بملح
فقال هل من أدم .
فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل .
فقال هلميه .
فأحضرته فصبه على الكسر وأكل منه . ثم حمد الله تعالى.
ثم قال نعم الأدم الخل . يا أم هانىء لا يفقر بيت فيه خل .
وجاء نعم الأدم الخل، اللهم بارك في الخل، فإنه كان إدام الأنبياء قبلي.... .
وحشي بن حرب ..
هو الذي قتل "حمزة" رضي الله عنه يوم معركة أُحد .
وكانت الصحابة رضي الله عنهم أحرص شيء على قتله .
فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف وقد علم أن دمه قد أهدر .
ثم بلغه أن من لقي النبي ﷺ مسلماً لا يسفك دمه
فجاء وحشي إليه في "حنين" وكان النبي ﷺ يقسم غنائم حنين ....
جاء وحشي متنكرا حتى وقف وراء النبي ﷺ والناس كثير
وهو متلثم
وقال : إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله .
فألتفت النبي إليه وقال من ؟؟
فكشف اللثام عن وجهه
وقال: وحشي ابسط يدك يا رسول الله ابايعك .
فقال أوحشي ؟
قال . نعم
قال قاتل حمزة ؟
اجلس اجلس بين يدي وحدثني كيف قتلت حمزة ؟
قال وحشي: إقبل إسلامي أولاً يا رسول الله واغفر لي يارسول الله.
قال أما إسلامك فقد قبلناه .
ولكن إجلس حدثني كيف قتلت حمزة وهو أسد الله وأسد رسوله .
"يعني لا يعقل رجل يلاقي حمزة رضي الله عنه ويقتله وجه لوجه
فجلس بين يدي النبي ﷺ يحدثه كيف قتل حمزة غدرآ لا مبارزة . فلما أخذ وحشي يتكلم
يقول الصحابة رضي الله عنهم بكى النبي ﷺ وعلا نحيبه حتى أبكى كل من حوله .
فلما فرغ وحشي قال له أما إسلامك فقد قبلناه ولكن غيب وجهك عني الساعة .
قال : لا والذي بعثك بالحق لا أقوم حتى تستغفر لي .
فأستغفر له النبي ﷺ ومسح صدره ....
وقال قم يا وحشي قد قبلنا إسلامك وغفر الله لك .
قام وحشي وقد أسلم
ولما قبض النبي ﷺ ولحق بالرفيق الأعلى
خرج "وحشي" وقاتل في حروب الردة في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنهم...
فكان هو الذي قتل "مسيلمة الكذاب" بحربته التي قتل بها "حمزة رضي الله عنه
فكان يقول: أرجو أن تكون هذه بتلك
"أي قتله لمسيلمة يكفر به قتله لحمزة رضي الله عنهما.
✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والتسعون بعد المائة 197
الذين أهدر دمائهم . يوم فتح مكة .
الجزء الثالث والأخير .
الحويرث بن نقيد .
كان "الحويرث" من أشد قريش إيذاء للمسلمين و قد إشترك مع رجل آخر من أهل مكة وهو "هبار بن الأسود" في محاولة منع السيدة زينب رضي الله عنها بنت النبي ﷺ من الهجرة .
وأخذوا ينخسون الجمل الذي كانت تركبه حتى سقطت على صخرة وكانت حامل فسقط جنينها ....
ولم تزل مريضة حتى ماتت رضي الله عنها...
فلما كان فتح مكة تعلق بأستار الكعبة فقتله "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه .
هبار بن الأسود .
كان كذلك من أشد قريش إيذاء للمسلمين ....
وهو الذي إشترك مع "الحويرث بن نقيد" في إعتراض طريق السيدة "زينب" رضي الله عنها ونخس جملها وسقطت وكان ذلك سبباً في موتها بعد ذلك .
وقيل أنه ضربها بالرمح فسقطت من على الجمل على صخرة وكانت حاملاً فألقت ما في بطنها وأهرقت الدماء .
ولم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت رضي الله عنها.
فكان ممن أهدر دمه يوم فتح مكة فلما علم "هبار" أنه مهدور الدم هرب واختفى حتى عاد ﷺ إلى المدينة
ثم دخل يوماً على النبي ﷺ وهو في مسجده .
فقال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله هذا هبار بن الأسود .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد رأيته .
وأراد بعض الصحابة رضي الله عنهم القيام إليه ليقتلوه كما أمر النبي ﷺ .
فأشار إليهم الحبيب المصطفى ﷺ أن يجلسوا
ثم وقف "هبار" أمام النبي ﷺ
وقال السلامُ عليك يا رسول الله .
إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .
لقد هربتُ منك في البلاد يا رسول الله وأردتُ اللحوق بالأعاجم .
ثم ذكرت فضلك وبرّك وصَفحك عمّن جهل عليك فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني فإني مقرٌ بسوأتي معترف بذنبي .
يقول الصحابة رضي الله عنهم وأخذ "هبار" يعتذر ويعتذر .
فأطرق النبي ﷺ رأسه حياء من كثرة إعتذار "هبار"
وبكى ﷺ "لأنه يعتبر قاتل بنته رضي الله عنها
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
فماذا كان موقفه ﷺ من قاتل بنته رضي الله عنها رفع رأسه وقد بكى حتى إبتلت لحيته
وقال : اللهم إني عفوت عن هبار فأعفو عنه .
يا هبار عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام .
والإسلام يجب ما كان قبله .
كعب بن زهير .
كان من أكبر شعراء العرب
كان يهجو النبي ﷺ بشعره وينشره بين العرب ويطعن في عرض النبي ﷺ في أهل بيته
وكان الشعر هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة والمؤثرة جداً عند العرب .
فلما بلغه أن النبي ﷺ قد أهدر دمه هرب من مكة .
ثم قدم على الرسول ﷺ وهو في المدينة .
و كان لكعب أخي مسلماً فأخذ يراسله ....
فأرسل له أخوه ويلك ادخل على رسول مسلماً فإن رسول الله لا يقتل مسلماً...
فجاء "كعب" للمدينة ونزل عند رجل صديق له يعرفه
قال له أبيت عندك الليلة حتى تدخل بي على محمد في صلاة الفجر كي لا يراني أحد فإني مهدور الدم .
فأمنه الرجل حتى أتى به إلى المسجد في صلاة الفجر
فلما فرغ النبي ﷺ من صلاته واستدار وأعطى ظهره للقبلة و وجهه لأصحابه رضي الله عنهم
تقدم "كعب" بين الصفوف ودنى من رسول الله ﷺ والوقت ظلمة
فقال كعب : يا رسول الله إن "كعب بن زهير" الشاعر المهدور دمه يريد أن يأتيك مسلماً تائبا
فهل إذا جئت به أمنته وقبلت إسلامه ؟؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن جاء مسلماً قبلناه .
فقال كعب : ها أنا بين يديك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .
فقال النبي ﷺ : أنت كعب ؟
فوثب رجل من الأنصار ليضرب عنقه فأشار له النبي صلى الله عليه وسلم أن إجلس ...
فقام "كعب بن زهير" يقول شعرآ
وهذا ليس غريب على العرب قديماً البلاغة النطق بالشعر في المنشط والمكره ....
في السرور وفي الغضب في الفرح وفي الحزن .
أنشد قصيدته المعروفة "البردة" والتي أولها :
بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ
فلما وصل إلى البيت الذي قال فيها :
إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ
فلما وصل إلى هذا البيت
قام صاحب الخلق العظيم الذي علمنا :
من صنع لكم معروفا فكافؤوه .
فإن لم تجدوا ما تكافؤوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه .
خلع ﷺ بردته "العباءة التي يلبسها"
وهي عباءة مخططة كان يلتحف بها وأعطاه إياها :
وأسلم كعب رضي الله عنه ولم يهدر دمه ....
وهذه العباءة بقيت عند كعب رضي الله عنه ولما كان "معاوية" في زمن خلافته عرض على "كعب بن زهير" عشرة آلاف درهم ليأخذها منه .
فرفض "كعب" وقال ما كنت لأؤثر بثوب رسول الله الذي أعطانيه أحدا .
فلما مات "كعب" بعث معاوية رضي الله عنهم إلى ورثته 20 ألف وأشتراها منهم .
وظلت هذه البردة الشريفة عند السلاطين حتى وصل سعرها "الف الف دينار ذهبية" يعني اليوم بلغتنا "مليون ليرة ذهبية"
فكانوا يلبسونها في الأعياد ليأخذ السلطان بها قلوب الناس "أن السلطان يلبس عباءة النبي المصطفى ﷺ"
وقيل أنها فقدت في وقعة التتار ....
كما رأينا أهدر الرسول ﷺ بعد فتح مكة دماء 15 .
ولم يقتل منهم سوى 4 فقط
بينما عفا النبي ﷺ عن بقيتهم
والذين قتلوا قتلوا قصاصآ لأنهم قتلوا من المسلمين
وفي أثناء إقامة النبي ﷺ في مكة وصل إليه أن عدد كبير من قبائل "هوازن" قد إجتمعت لأول مرة في تاريخها لحرب المسلمين .
وقبائل "هوازن" من القبائل القوية المتغطرسة والتي رفضت أن تستسلم وأن تخضع للنبي ﷺ
فاجتمعت هذه القبائل في جيش كبير، وجعلت لها قائداً واحداً وهو "مالك ابن عوف النَّصْري"
وخرج هذا الجيش واتجه إلى مكة لحرب النبي ﷺ .
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم......
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائة 198
الطريق إلى حنين .
لما فتح الله مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وخضعت له قريش خافت هوزان و ثقيف وقالوا : قد فرغ محمد لقتالنا فلنغزه قبل أن يغزونا...
وصل للحبيب المصطفى ﷺ أن "هوازن" قد إجتمعت لحرب المسلمين ....
من هي قبيلة هوازن ؟
ولماذا إجتمعت على حرب النبي ﷺ ؟
قبيلة {{ هوازن }} هي واحدة من أكبر وأشرس قبائل الجزيرة العربية.... وهي تضم عدداً كبيراً جد من القبائل...
وأكبر هذه القبائل هي "بنو نصر" و "بنو سعد"
وبني سعد هم الذين استرضع الرسول ﷺ فيهم عند "حليمة السعدية رضي الله عنها...
ثم قبيلة "ثقيف" وهي أكبر قبائل "هوازن"
وكانت أغلب قبائل "هوازن" في الشمال الشرقي من مكة على بعد حوالي 20 كم تقريباً...
بينما قبيلة "ثقيف" وحدها اتخذت مدينة "الطائف" في الجنوب الشرقي من مكة .
كانت "ثقيف" من أكبر وأقوى قبائل الجزيرة....
ومدينة "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة بعد "مكة"
حتى أن الله تعالى ذكر قول الكفار :
وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ .
وكانوا يقصدون بالقريتين "مكة والطائف"
وكان في "الطائف" صنم اللات وهو من أشهر أصنام العرب وأحد أطراف الثالوث "اللات والعزى ومناة"....
تجمعت كل قبائل "هوازن" في جيش واحد وتحت قيادة واحدة لحرب النبي ﷺ
وكان قائد هذا التحالف من قبائل "هوازن هو "مالك بن عوف النصري وكان شاباً لم يبلغ 30 من عمره ....
لكنه كان من أشهر فرسان الجزيرة وكان معروف بخططه العسكرية المميزة ....
وكان أيضآ شاعراً وخطيبآ مفوها وله قدرة فائقة على حشد الناس والتأثير عليهم .
وبالفعل إستطاع "مالك بن عوف" أن يجمع كل قبائل "هوازن" في جيش واحد تحت قيادته .
وهذا أمر لم يحدث من قبل كما قلنا في تاريخ "هوازن" وهذا يدل على مدى كفاءته في حشد الناس والتأثير عليهم .
إستطاع أن يجمع تحت قيادته "ثقيف"
ومعروف أن ثقيف هي أعظم قبائل "هوازن" وأكثرها عدداً وأقواها جيشاً...
ومع ذلك قبلت "ثقيف" أن تسير تحت رآية "مالك بن عوف"
وهذا يدل أيضاً على شدة شعور "هوازن" بالخطر
واستطاع "مالك بن عوف" أن يحشد من "هوازن" أكثر من 25 ألف مقاتل ....
وهذا أكبر رقم يُجمع في معركة واحدة في تاريخ العرب حتى ذلك الوقت ...
وقبل أن يخرج "مالك بن عوف"
ماذا فعل ؟؟
أمر "هوزان" بأن يأخذوا معهم إلى أرض القتال
"النساء والأطفال والأنعام والأموال وكل ما يمتلكوه" فتوضع خلف الجيش ....
وذلك لتحفيز الجيش على القتال ويستميت الرجل منهم في الدفاع عن نسائهم وأطفالهم وأموالهم
وكان قد خرج مع الجيش أحد شيوخ "هوازن" المخضرمين عسكرياً وهو "دريد بن الصمة"
وكان عمره أكثر من 120 سنة
وقيل أنه خاض 100 معركة لم يهزم في واحدة منها ...
وقد خرج على راحلة في هودج صغير ليس للحرب ولكن ليأخذوا المشورة والرأي منه ....
وقالوا له لا نخالفك في أمر تراه ...
وسار الجيش حتى نزل وادي "أوطاس" وعلى بعد حوالي 50 كم تقريباً من مكة .
"مسيرة يوم تقريبا من مكة"
وكان "دريد بن الصمة" أعمى فقال لمن حوله بأي وادٍ أنتم ؟
قالوا : بأوطاس .
فقال . نعم مجال الخيل . لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سَهْلٌ دَهِسٌ .
"يعني هذا الوادي أفضل مكان للخيل والحرب والقتال والكر والفر ...
لأنه ليس "حَزْنٌ ضَرِسٌ" الأرض ليست صلبة غليظة فيصعب عيها المشي
"ولا سَهْلٌ دَهِسٌ" ليست لينة جداً فيثقل فيها المشي"
ثم قال دريد : ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ؟
قالوا له : لقد إصطحب "مالك بن عوف" مع الجيش أموالهم ونساءهم وأبناءهم .
فقال: . أين مالك ؟
فجاء إليه مالك بن عوف .
فقال له دريد : يا مالك .
إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام .
ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ؟
قال له . لقد اصطحبت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم .
قال : ولما ذاك ؟
قال . أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم .
فأخرج دريد صوتا من فمه كالصوت الذي يخرجه الرعاة للغنم .
وقال : راعي ضأن والله !
"أي أنت لا تنفع إلا أن تكون راعيآ للغنم ولا تصلح للقيادةالعسكرية
راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شيء ؟
إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه .
وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ...
فأخرج بالمقاتلة فقط .
ثم قال له : إنك تقاتل رجلاً كريماً قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى اليهود .
ولكن "مالك بن عوف" أصر على رأيه ....
وقال له : والله لا أطيعك إنك قد كبرت وضعف رأيك .
فقام دريد يخاطب الناس .
يا معشر هوازن .
والله ما هذا لكم برأي .
إن هذا فاضحكم في عورتكم "يقصد نسائهم" وممكِّن منكم عدوكم ولاحق بحصن ثقيف وتارككم .
فانصرفوا واتركوه
وكادت أن تتأثر "هوازن" برأي دريد ....
ولكن "مالك بن عوف" كما قلنا كان خطيبآ مفوهآ وله قدرة على التأثير على الناس .
فسل سيفه وقام وهو يقول والله لتطيعُنَّني يا معشر هوازن أو لأتكِئنَّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري .
فأطاعت "هوازن" مالك بن عوف ولم يلتفت أحد إلى رأي الخبير العسكري "دريد بن الصمة"
ومع ذلك لم يكن رأي "مالك بن عوف" رأيا أحمق
والسبب ..
لأن مالك يعلم أن المسلمون يقاتلون رغبة في الشهادة وهذا شيء لا تعرفه العرب .
وقد كان العرب في الجاهلية لا يؤمنون بيوم القيامة ولا بثواب ولا بعقاب بعد الموت .
قال تعالى مخبرآ عنهم :
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ...
فأراد "مالك بن عوف" أن يعوض بذلك التصرف هذا التفاوت الكبير في الروح المعنوية بين الجيشين
أيضاً بعض العرب كانت تفعل ذلك
فهو لم يفعل شيء لم يفعله أحد من العرب من قبل ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[٣١/٧/٢٠٢١ ٩:٥٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائة 199
حنين . المعركة ...
نظم مالك بن عوف جيشه تنظيما جيداً...
فرتب الجيش في صفوف متوازية .
فماذا فعل ؟
١- وضع الخيل في المقدمة ...
٢- ثم الرَّجَّالة خلفهم "الرجال الذين يمشون على أقدامهم ليس معهم خيل"
٣- ثم وضع النساء فوق الإبل خلف الرجال .
"لكي يوهم المسلمين أن هناك أيضاً من الرجال عدداً كبيراً فوق الجمال فتزداد الأعداد أمام المسلمين إلى الضعف فتضعف بذلك عزائم المسلمين"
٤ - ثم جعلوا الإبل صفوفآ والبقر والغنم خلف الجيش كي لا يهرب الجيش .
ترتيب منظم :
حتى إن "أنس بن مالك" وصف جيش "هوازن" بقوله متعجبآ :
فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت.
ثم ماذا فعل مالك ؟؟
كان "مالك بن عوف" يعرف تماماً طبيعة الأرض التي إختارها للمعركة ....
فقام بالليل و وضع الكمائن في قمم الجبال "الفخ" وفي الشعاب والمضايق والمنعطفات والأشجار التي على جانبي وادي "حنين" وهو وادي منحدر ....
هذا الوادي "حنين" هو الوادي الذي سيمر منه المسلمون ليصلوا إلى سهل "أوطاس"
وكان وصول "هوازن" إلى أرض المعركة قبل المسلمين أمر في صالح "هوازن"
لأنه نشر قواته في الأماكن المناسبة واحتل المواقع الإستراتيجية في أرض المعركة
أخذ "مالك بن عوف" يخطب في "هوازن" يحمسهم
ويقول : إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة .
وإنما كان يلقى من لاعلم لهم بالحرب فيُنصر عليهم .
ثم قال لهم : إذا أنتم رأيتم القوم فاكسروا جُفون سيوفكم وشُدوا شَّدةَ رجل واحد عليهم .
"وكان العربي إذا كسر غمد سيفه فهذا معناه أنه مصر على الثبات أمام الخصم حتى النصر أو الموت يعني استميتوا "
وعندما وصل إلى النبي ﷺ ورأى أن "هوازن" قد خرجوا بنسائهم وأبنائهم وأموالهم :
قال ﷺ تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله .
وقدخرج ﷺ لقتال "هوازن" في التاسع شوال من السنة الثامنة من الهجرة .
أي بعد فتح مكة بـ تسع عشر يوم فقط
وخرج جيش المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية
فخرج 10 آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة
وخرج معهم ألفين من أهل مكة ممن أسلموا ومنهم 80 رجل من المشركين ...
منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو .
"خرجوا حمية لبلدهم مكة"
فأصبح الجيش 12000 فيهم المسلم وغير المسلم وهو أكبر عدد في تاريخ المسلمين حتى ذلك الوقت...
ولم يكتف النبي ﷺ بسلاح الجيش الذي فتح به مكة
بل ذهب بنفسه إلى أكبر تجار السلاح في مكة وعلى رأسهم "صفوان بن أمية" و "نوفل بن الحارث بن عبد المطلب" ابن عم النبي ﷺ
وكانا لا يزالان على شركهما حتى ذلك الوقت وطلب منهما السلاح على سبيل الإستعارة .
وقال : يا صفوان بلغنا أن عندك سلاح .
فقال صفوان بن أمية . نعم .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم أعرنا من سلاحك .
فقال صفوان . أغصبآ يا محمد "لم يسلم بعد"
فقال له النبي ﷺ لا بل عارية مضمونة يردها محمد رسول الله .
فاستعار النبي ﷺ من "صفوان" 100 درع .
ومن "نوفل بن الحارث" 1000 رمح .
وعين ﷺ حراسة مشددة حول مكة .
كل هذه الإجراءات تبين أن الحبيب المصطفى ﷺ لم يتهاون بهوازن ...
والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن المقاتل إذا تهاون بخصمه فهذا معناه هزيمة محققة .
ومضى النبي ﷺ بالجيش ...
وكما قلنا الجيش يضم المسلمين وحديثي الإسلام ومشركين
فلما مروا بشجر "سدرة" و كان المشركون يعظمونها
ويعلقون عليها أسلحتهم
فقال بعض الناس ممن أسلم حديثاً يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط .
"يعني شجرة نعظمها ونعلق عليها سلاحنا نتفائل بها بالنصر"
فقال ﷺ : الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى عليه السلام .
إجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون .
ثم قال النبي ﷺ لمن حوله لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة . حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .
"كما هو حالنا اليوم كيف نقلد أفعال الغرب خطوة خطوة"
لم يكن كل جيش المسلمين يحسب حساب لهوازن .
وكان المسلمون يظنون أن عددهم كبير ....
وقد انتصر المسلمون بأقل من هذه الأعداد بكثير .
وبدأ المسلمون يتحدثون عن كثرة أعدادهم وأن النصر محقق
وقال أكثر من واحد منهم
لن نهزم اليوم من قلة
وصلت هذه الكلمة إلى مسامع النبي ﷺ فحزن حزناً شديداً من سماع هذه المقالة .
وظهر هذا الحزن على وجهه ﷺ .
وكان سبب هذا الحزن أن المسلمون قالوا هذه الكلمة...
فقد إعتمدوا على الأسباب وليس على رب الأسباب .
وتوكلوا على أنفسهم وليس على الله تعالى .
وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف من بعض المسلمين يوم حنين .
فقال تعالى في سورة التوبة .
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ....
وصل المسلمون إلى وادي "حنين" في العاشر من شوال من السنة الثامنة وهو اليوم الذي ستدور فيه أحداث معركة
"هوازن" : كان وصولهم مع الفجر ولا تزال هناك بقايا من ظلمة الليل ....
وكما قال الرواة في "غبش الصباح"
"الغبش هو بياض الفجر يخالط آخر الليل"
وبينما المسلمون ينحدرون في الوادي وعندما أصبح أكثر الجيش داخل الوادي .
أعطى "مالك بن عوف" إلى "هوازن" إشارة البدء . فبدأت "هوازن" بإطلاق السهام .
وأمطروا المسلمين بآلاف من السهام والمسلمون لا يعرفون مصادر السهام لظلمة المكان واختفاء العدو
فاضطربت صفوف المسلمين وماج بعضهم في بعض وبدأ المسلمون في التراجع والفرار
ويصف القرآن العظيم هذا المشهد :
يقول تعالى في سورة التوبة .
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ .
يعني شعر المسلمون أن الصحراء الواسعة أصبحت ضيقة جداً لا تسمح بالفرار
ولم يثبت حول النبي ﷺ في هذا الموقف العصيب سوى تسعة فقط .
أبو بكر وعمر وعلي والعباس وإبنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب . وأسامة بن زيد . وعبد الله بن مسعود وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم.
وبينما كان المسلمون يفرون إلى الوراء...
إندفع النبي ﷺ وحده بدابته في إتجاه المشركين
وكان النبي ﷺ راكباً بغلة قوية التي أهداه إياه المقوقس .
يقول العباس رضي الله عنه أخذ النبي ﷺ يدفع دابته للأمام لا للوراء وهو يقول بأعلى صوته .
أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب .
هلموا إلي أيها الناس .
أنا رسول الله أنا محمد بن عبدالله .
فأخذ العباس رضي الله عنه يشد لجام بغلة النبي ﷺ وكان رجلاً جسيما ليمنع النبي ﷺ من الإنطلاق وسط هذه الأمواج من "هوازن"
والنبي يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
والعباس يقول له . فداك نفسي لا تعرف بنفسك فأنت بغية القوم "هدفهم أنت "
فقام ﷺ ووقف على دابته ووضع قدميه في ركابها حتى أصبح قائماً لا جالسا
وهو ينادي بأعلى صوته أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
وكان هذا الموقف هو أعظم مشاهد القتال في التاريخ كله الجيش كله يفر الى الوراء
وقائد الجيش وهو الحبيب المصطفى ﷺ يندفع في إتجاه العدو فداك أبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقاتل وحده 25 ألف مقاتل .
وجميع هؤلاء الأعداء حريصون على قتله ...
وكان المشهد يخبر بأن المسلمون مقبلون على هزيمة مريرة تضيع كل ما حققه المسلمون من إنتصارات في السنوات الثمانية السابقة منذ هجرة النبي ﷺ وتعود بهم إلى نقطة الصفر ...
وكان سبب هذه الهزيمة السريعة في بداية المعركة...
هو أن الجيش به عدد من المنافقون بل عدد من المشركين الذين خرجوا طمعاً في الغنائم
وبه عدد كبير من الأعراب الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم .
ولو كان الجيش من "المهاجرين والأنصار" فقط لما حدثت هذه الهزيمة....
حتى لو كانت أعدادهم أقل بكثير من الأعداد التي خرجوا بها .
وكان ﷺ يعلم ذلك ولكنه كان مضطرا لإصطحاب هؤلاء .
والسبب ؟؟
حتى يندمجوا مع المسلمين
ولأنه لا يستطيع أن يتركهم في مكة لأنه لا يضمن أن ينقلبوا عليه بعد أن يترك مكة أو ينضموا في الحرب ضد المسلمين مع هوازن .
وأراد النبي ﷺ في هذه اللحظات الحرجة أن يستخلص المسلمون الصادقون .
فصاح النبي ﷺ بالعباس رضي الله عنه عمه وكان العباس جهير الصوت .
قال يا عباس اصرخ يا أصحاب "السمرة" يوم الحديبية .
"يعني يا أصحاب الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان في صلح الحديبية"
فهؤلاء الذين بايعوا النبي ﷺ على الموت في صلح الحديبية
وهؤلاء الذين فتح بهم "خيبر"
وهؤلاء هم "خير أهل الأرض" في ذلك الوقت...
يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة . وبالأنصار الذين آووا ونصروا .
فصاح العباس يا أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم
يا أصحاب سورة البقرة رسول الله يدعوكم
وخص سورة البقرة لأن فيها قول الله تعالى .
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .
وسمع المسلمون صوت العباس فأخذوا يجيبونه
يالبيك ... يالبيك .
وارتفعت أصوات الصحابة رضي الله عنهم من كل مكان في أرض المعركة يالبيك .... يالبيك
ويصور العباس رضي الله عنه هذا الموقف فيقول :
فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها .
"عطفتهم أي استجابتهم للنداء يعني تجمعوا بسرعة فور سماعهم صوته كالبقر الذي يدافع عن أولاده الصغار"
وكان الرجل منهم يحاول أن يصل إلى النبي ﷺ وهو على فرسه فلا يستطيع أن يصل إليه بسبب الزحام الشديد والفوضى في أرض المعركة .
فكان ينزل من على فرسه ويتجه إلى الصوت حتى يصل إلى النبي ﷺ
وتجمع حول النبي ﷺ عدة أهل بدر 313 من المهاجرين والأنصار
و هذا الرقم الذي لا يغلب بإذن الله تعالى
وكان الصبح قد طلع ورأى الناس بعضهم بعض...
وبدأ النبي ﷺ القتال مرة أخرى بهؤلاء المجموعة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم
فاستقبلوا العدو وحملوا عليهم
ثم بدء بقية المسلمون يتجمعون حول النبي ﷺ وعادوا ينظمون صفوفهم .
وقال النبي ﷺ الآن حمي الوطيس .
الوطيس وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم .
وهذه من الكلمات لم يكن أحد سمعها قبل أن يقولها النبي ﷺ
ووقع قتال من أشرس أنواع القتال ....
وأخذ بيده الشريفة حفنة من الرمال وألقاها في وجه "هوازن"
وهو يقول شاهت الوجوه . انهزموا ورب محمد اللهم نصرك الذي وعدت .
يقول العباس رضي الله عنه فمارأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه .
وتنزل الملائكة عليهم السلام من السماء لتثبيت قلوب المسلمين كما نزلت في بدر .
ورأى المسلمون هذه الملائكة في صورة "نمل أسود كثير يغطي أجساد المشركين"
بينما رأى المشركون من "هوازن" هذه الملائكة في هيئة رجال بيض....
يرتدون عمائم حمراء أرخوها بين أكتافهم ويمتطون خيل بلق
"يعني هناك سواد وبياض في لونها"
فلما رأى المشركون هذه الكتائب أصابهم الرعب
وكان ممن حضر المعركة مع المسلمين أحد أهل مكة "شيبة الحجبي" وقد خرج وهو يظهر الإسلام
ولكنه كان لا يزال على كفره
وإنما خرج خوفاً من أن تنتصر "هوازن" على قريش
فرأى شيبة هذه الملائكة .
فقال يا رسول الله إنى لأرى خيلا بلقا "يعني في لونها سواد وبياض"
فقال له النبي ﷺ : يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر .
لأن المسلم يراهم في المعركة على شكل نمل والكافر يرى الملائكة للتخويف"
ثم وضع ﷺ يده على صدر "شيبة"
وقال اللهم اهدِ شيبة ، اللهم اهدِ شيبة ، اللهم اهدِ شيبة .
يقول شيبة فوالذي بعثه بالحق ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه .
يقول تعالى .
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ .
وبدأت "هوازن" في الفرار تاركين خلفهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم .
وتحولت سريعاً هزيمة المسلمين في بداية المعركة إلى نصر ساحق
وكان فرار "هوازن" في ثلاثة إتجاهات...
جزء إلى "أوطاس" وهو السهل الذي إلى جانب وادي حنين .
وجزء إلى بلدة "نخلة"
والجزء الأكبر إتجه إلى مدينة "الطائف" ومعهم قائدهم "مالك بن عوف"
فاندفع المسلمون خلفهم يطاردونهم حتى يمنعوهم من التجمع مرة أخرى .
فاتجه بعض الصحابة رضي الله عنهم خلفهم إلى "أوطاس" والبعض إلى "نخلة"
بينما توجه الجيش الرئيسي بقيادة النبي ﷺ إلى "الطائف"
كانت نتيجة المعركة :
5 فقط من القتلى من المسلمين مقابل 70 من المشركين .
وكانت الغنائم كثيرة جداً
لأن مالك بن عوف كما قلنا كان قد أتى بكل أموال "هوازن"
فكانت غنائم "حنين" هي أكبر وأعظم غنائم تحصل في معركة واحدة في تاريخ العرب قاطبة
وتبعهم النبي ﷺ إلى الطائف...
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة : المئتان 200
حصار الطائف .
هربت "هوازن" ومعهم قائدهم "مالك بن عوف" إلى مدينة "الطائف" الحصينة بعد هزيمة حنين .....
واتجه النبي ﷺ لتتبع هوازن حتى يقابلهم في معركة فاصلة..
"الطائف" هي المدينة التي ذهب إليها النبي ﷺ ومعه "زيد بن حارثة" رضي الله عنه ليعرض عليهم الإسلام ....
ولكنهم رفضوا الإسلام وطردوه وأغروا به سفهاءهم وأمطروه بوابل من الحجارة والسباب .
في ذلك الوقت قال الحبيب المصطفى ﷺ لزيد بن حارثة رضي الله عنه :
يا زيد ، إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجا ، وإن الله ناصر دينه ، ومظهر نبيه .
وصل النبي ﷺ إلى الطائف والمسلمون يتوقعون معركة هائلة بين هذا التجمع الضخم بين الجيشين والذي لم تشهد الجزيرة العربية مثيلاً له من قبل ....
ولكن كانت المفاجأة أن تجمعت قبائل "هوازن" و رفضت الخروج لقتال المسلمين ....
واختاروا أن يمكثوا في حصونهم دون قتال بالرغم من أن أعدادهم أكثر من ضعف عدد المسلمين .
وبالرغم من أن "نساءهم وأبناءهم وأموالهم" في أيدي المسلمين ....
وكان ذلك خزيا كبيراً لهوازن وهزيمة جديدة لهم .
أمر النبي ﷺ بحصار "هوازن" وكان حصن هوازن أمنع حصون الجزيرة .
وبدأت "هوازن" في إطلاق السهام بكثافة شديدة .
يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم "مثل الجراد"
بينما لم تكن سهام المسلمين تصل إليهم وأصيب عدد كبير من المسلمين .
فقرر النبي ﷺ تغيير مكان الجيش .
ودعا الخبير "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه
"الحباب" الذي أشار على النبي ﷺ بتغيير مكان الجيش في "بدر"
فكان ذلك سبباً من أسباب النصر
وأشار على النبي ﷺ بتغيير مكان معسكر المسلمين أثناء حصارهم لحصن "ناعم" في "خيبر"
فقال النبي ﷺ يا حباب انظر مكاناً مرتفعا مستأخراً عن القوم .
فانطلق "الحباب" رضي الله عنه حتى إنتهى إلى موضع : هو الآن مكان مسجد الطائف .
وأمر النبي ﷺ بأن يتحول الجيش إلى هذا المكان .
واحتاج المسلمون لتدمير الأسوار إلى المنجنيق .
وقد عرفوا "المنجنيق" من قبل وذلك أثناء حصار "خيبر" ولكن لم يكن معهم منجنيق
فقرروا صناعة منجنيق .
وبالفعل صنعوا منجنيق تحت إشراف "سلمان الفارسي" رضي الله عنه...
كما صنعوا "دبابة" خشبية لأول مرة "وهي عبارة عن غرفة صغيرة مصنوعة من الخشب الصلب لها عجلات يختبيء عدد من الجنود تحتها ويدفعوها وهم بداخلها حتى يلتصقوا بالسور ثم يعملون بواسطة آلات الحفر الحديدية على هدم حجارة السور من المكان الذي أضعفته حجارة المنجنيق .
وكلما هدموا جزء وضعوا له دعائم خشبية حتى لا ينهار السور عليهم .
حتى إذا فرغوا من عمل فجوة متسعة دهنوا الأخشاب بشيء من الزيوت ثم اشعلوا النيران وانسحبوا بالدبابة .
فإذا احترقت الأخشاب إنهار السور مرة واحدة تاركاً فتحة كبيرة صالحة للإقتحام منها"
وبالفعل بدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق .
وسار عدد من الجنود تحت الدبابة الخشبية واستطاع المسلمون كسر جزء من السور
كاد المسلمون يدخلون داخل أسوار الطائف .
ولكن "هوازن" فاجأت المسلمين بالقاء الحسك الشائك المُحمَّى في النار .
"وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة على هيئة صليب يحمى عليها في النار ثم تلقى"
فأصيب المسلمون إصابات بالغة ولم يستطيعوا التقدم في إتجاه الحصن .
ثم أمر النبي ﷺ أن ينادي أصحابه رضي الله عنهم على هوزان :
أن أي عبد من العبيد يخرج إلى المسلمين فهو حر
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم ينادون .
"أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"
وكان الهدف من ذلك هو حرمان "هوازن" من طاقة هؤلاء العبيد والحصول على معلومات عسكرية من داخل الحصن .
وبالفعل بدء العبيد يفرون من الحصن وينضموا للمسملين .
ووصل عددهم إلى 23 من العبيد .
ولكن شددت "هوازن" الحراسة ومنعت هروب العبيد .
وبدء النبي ﷺ يستجوب هؤلاء العبيد .
وعلم منهم أن داخل "الطائف" طعام وشراب يكفيان أهلها لمدة سنة على الأقل .
واستمر حصار الطائف 40 يوم
استشهد فيها عدد من الصحابة رضي الله عنهم وجرح عدد كبير منهم .
وقرر النبي ﷺ في رفع الحصار عن الطائف والعودة
واستشار في ذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم
وكان ممن استشارهم ﷺ :
نوفل بن معاوية الديلمي رضي الله عنه...
هو الذي قاد "بنو بكر" في الإعتداء على "خزاعة" منذ ثلاثة أشهر فقط .
وقتل منهم داخل الحرم
وقال له أصحابه : يا نوفل إلهك إلهك .
فرد عليهم لا إله لكم اليوم، وكانت هذه الحادثة السبب في فتح مكة...
فبعد كل هذا التاريخ الأسود مع المسلمين
فإن النبي ﷺ يقربه ويستشيره
وسنجد أنه سيأخذ بمشورته و كان هذا من حكمته صلوات ربي وسلامه عليه أن يؤلف القلوب وينزل الناس منازلهم ويستفيد منهم لصالح المسلمين .
يقول نوفل بن معاوية رضي الله عنه : يا رسول الله هم ثعلب في جحر .
إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك .
وصف ثقيف: بالثعالب لأنهم كانوا معرفون بين العرب بالمكر .
ومعنى "إن أقمت عليه أخذته" يعني لو صبر المسلمون على الحصار فسيفتحوا الحصن .
ولكن ترك الحصن ليس فيه أي ضرر على المسلمين لأن "هوازن" قد انكسرت شوكتها وانعدم خطرها ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم ....
وقرر النبي ﷺ رفع الحصار
وأمر "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه فأذن في الناس بالرحيل
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم نرحل ولم يفتح علينا الطائف ؟
فلم يتمسك الحبيب المصطفى ﷺ برأيه مثل كل القادة والزعماء في التاريخ كله ...
فقال لهم فاغدوا على القتال .
"يعني إذا كان الصباح فابدأوا القتال مرة أخرى"
فلما جاء الصباح قاتل المسلمون هذا اليوم
واصيب بعض المسلمون ببعض الجروح .
فلما انتهى اليوم قال النبي ﷺ وهو يبتسم إنا قافلون غداً إن شاء الله .
فقالوا : يا رسول الله ادع الله على ثقيف .
فقال لهم الحبيب نعم ابسطوا أيدكم
فبسط الصحابة رضي الله عنهم أيديهم للدعاء ...
فرفع يديه ﷺ وقال اللهم اهد ثقيفا وائت بهم مسلمين .
واستجاب الله تعالى لدعاء نبيه ﷺ وأسلمت ثقيف بعد أقل من عام واحد ....
لأن كل من بقي من القبائل العربية جاء بعد ذلك إلى المدينة فبايع النبي ﷺ وأسلم .
فوجدت "هوازن" أنها لا طاقة لهم بحرب كل من حولهم من العرب .
فجاء وفد منهم إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامهم بعد ذلك .
فبرغم أنهم كانوا آخر العرب إسلاما...
فإنهم ثبتوا على الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ ولم يرتدوا كما فعلت بعض القبائل العربية .
ثم اتجه النبي ﷺ إلى "الجعرانة" لتقسيم الغنائم .
حيث كان قد ترك جميع غنائم "هوازن" والتي كانت أكبر وأعظم الغنائم في تاريخ العرب قاطبة .
وحدثت عند توزيع الغنائم بعض المواقف.....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الجزء الأول .*
قريش تنقض صلح الحديبية .
أولاً ...
كيف تم نقض "صلح الحديبية"
تم عقد صلح الحديبية بين المسلمين وبين قريش في "ذي القعدة" من السنة السادسة من الهجرة ....
وكان من بنود صلح الحديبية هذا البند :
من أحب أن يدخل في عقد محمد ( صلى الله عليه وسلم) وعهده دخل فيه.
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
هذا البند وهو ما نسميه التحالف
وكانت التحالفات في الجزيرة العربية معروفة لأن العرب في الجاهلية كانوا يقتتلون دائماً مع بعضهم البعض كل قبيلة مع الأخرى .
فكانت القبائل القوية تعتدي على القبائل الضعيفة ....
فكانت القبائل الضعيفة حتى تحمي نفسها تتحالف مع قبيلة قوية كما نسميه اليوم بلغة العصر الآن إتفاقية دفاع مشترك .
بمعنى : إذا حدث إعتداء على أحد الدولتين يكون إعتداء على الدولة الأخرى .
وعلى هذه الدولة بموجب هذا الحلف أن تنصر الدولة التي وقع عليها الإعتداء.
فكل قبيلة ملزمة بهذا التحالف أن تدافع على القبيلة الأخرى المتحالفة معها إذا وقع أي إعتداء
فلما تم عقد صلح الحديبية
دخلت قبيلة "خزاعة" في حلف مع النبي ﷺ .
لأن العلاقة بين النبي ﷺ وبين "خزاعة" كانت قوية ...
لأنه كان هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" و "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ
حتى عبد المطلب "شيبة الحمد" جد النبي ﷺ كان قد تحالف مع خزاعة قديماً وكان هنالك كتاب بينهم بهذا التحالف .
وهذا نص الكتاب :
انظروا كما كانت العلاقة بين بني هاشم وخزاعة .
باسمك اللهم .
هذا ما تحالف عليه "عبد المطلب بن هاشم" ورجالات عمرو بن ربيعة من "خزاعة"
تحالفوا على التناصر والمواساة .
حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ . والأصاغر على الأصاغر .
والشاهد على الغائب .
وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد "أي عهد مؤكد شديد"
وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث "تخيلوا لا يلغى أبدا "
ما أشرقت شمس على ثبير وحنّ بفلاة بعير .
وما أقام الأخشبان وعمر بمكة إنسان .
حلف أبد لطول أمد
يزيده طلوع الشمس شدّا وظلام الليل مدا .
وإن "عبد المطلب" وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون .
فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب .
وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل .
وجعلوا الله على ذلك كفيلا .
وكفى بالله جميلا .
"جعلوا من هذا العقد كأنهم إخوة في الدم ؟
إن هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" وبين "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ .
وكان النبي ﷺ يستخدمهم كعيون له بالرغم من أنهم كانوا حتى ذلك الوقت على شركهم .
إلا أن "خزاعة" لم تدخل في حلف مع رسول الله ﷺ من البداية خوفاً من قريش .
فلما كان صلح الحديبية .
دخلت "خزاعة" على الفور في حلف مع النبي ﷺ .
وقامت قبيلة "بنو بكر" ودخلت في حلف قريش .
لأن "خزاعة" و "بنو بكر" بينهم حروب وعداوت قديمة وثارات كثيرة
لما رأى "بنو بكر" أن عدوتهم الأولى "خزاعة" دخلت في حلف النبي ﷺ .
قالت بنو بكر : لن نكون مع خزاعة في حلف واحد .
فأرادت "بنو بكر" أن يكونوا في الحلف المعاكس .
رغم أن بنو بكر علاقتهم مع قريش ليست قوية لدرجة أن قريش حين خرجت لحرب المسلمين في بدر كانت تخاف من غزو بني بكر لمكة ...
فالآن دخلوا في حلف قريش مثل ما نقول : هو عناد في خزاعة رغم أنهم لا يميلون لقريش .
وفي أثناء هدنة صلح الحديبية وفي السنة الثامنة من الهجرة .
شاب من بني بكر وقف يردد الشعر ويهجو النبي ﷺ .
سمعه شاب من خزاعة فلم يتحمل أن يهجو محمد وهو حليفهم يعني : أنت تهجونا .
فما كان من هذا الشاب الخزاعي إلا أن قام وضربه وشج رأسه .
هنا:
ثار الدم في رؤوس القبيلتين .
فأخذت قريش تحرض حليفتها "بني بكر" على قتال "خزاعة"
وأعانت "قريش" بنو بكر بالسلاح والدواب ....
بل واشترك في القتال من قريش بعض فرسانهم منهم :
١- عكرمة بن أبي جهل
٢- وصفوان بن أمية
٣ - وسهيل بن عمرو وهو الذي كتب بنود معاهدة الحديبية مع النبي ﷺ .
قريش أعانت بنو بكر وقالت لهم باغتوهم في الليل .
وتم الإتفاق :
جاؤوهم ليلاً بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له "الوتير" وقتلوا منهم بعض رجالهم .
فلما رأت "خزاعة" أنهم سيهزمون وقتل منهم بعض رجالهم .
هربوا و دخلوا إلى الحرم .
"كانت العرب لا تقتل لا في الحرم ولا في الأشهر الحرم .
وكان الرجل يرى قاتل أبيه داخل الحرم فلا يقترب منه حتى يخرج من الحرم"
فلما دخل رجال خزاعة الحرم
قالوا لقائد بني بكر "نوفل بن معاوية"
قالوا له : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم . الله الله في إلهك...
الله الله في إلهك.... فإننانحتمي به في البيت .
فقال نوفل : لا إله هذه الليلة
وصاح برجاله : يا بني بكر أصيبوا ثأركم .
فلعمري إنكم لتسرقون وتسرفون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فقتلوا منهم في الحرم 20 رجلاً من خزاعة .
ماذا يعني هذا ؟؟
يعني أنه نقضآ واضحاً وصريحآ "لصلح الحديبية" من قريش لأنها أعانت "بنو بكر" بالسلاح .
بل واشتركت أيضآ في قتال "خزاعة" حلفاء النبي ﷺ .
فلو كانت قريش لم تشترك معهم لأكتفى ﷺ بعقاب "بنو بكر" كما أرسل الكثير من السرايا العقابية للقبائل التي إعتدت على بعض الصحابة رضي الله عنهم.
هذا ما وقع في مكة
إلى المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى ﷺ هناك ....
عند أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها .
التي تزوجها النبي في "عمرة القضاء" آخر من تزوج ﷺ وكانت ليلتها .
فكان ﷺ في حجرتها وقد قام من الليل يصلي .
تقول ميمونة رضي الله عنها . سكبت له وضوءاً فلما شرع في وضوئه و مضمض واستنشق و أراد أن يغسل وجهه نفض يديه من الماء .
وقال : نُصِرتَ . نُصِرتَ . نُصِرتَ .
فقلت : بأبي وأمي يارسول الله من تكلم ؟
قال : لقد حدث حدثاً في خزاعة الليلة .
سمعتهم يستنصرونني فوالذي نفسي بيده لأنصرنهم .
ثم أتم وضوئه وقام يصلي .
لم تخبر ميمونة أحداً بهذا الحديث فهي خاصية من خصائص الحبيب ﷺ في تلك الليلة .
ولم يكلم النبي صلى الله عليه وسلم أحد ومضت ثلاثة أيام .
والمسافة من مكة للمدينة 6 أيام تقريباً.
فلما وقع هذا الإعتداء انطلق فورا من "خزاعة" أحد شعرائهم وهو "عمرو بن سالم الخزاعي" انطلق إلى المدينة المنورة يستنصر النبي ﷺ .
فلما وصل ووقف على باب المسجد وهيئته هيئة المذعور .
"فقد قطع المسافة من مكة للمدينة في ثلاثة أيام أي في نصف الوقت .
وكان النبي ﷺ في مسجده بين أصحابه فوقف "عمرو بن سالم" كان مغبرآ أشعثاً
فسلم على النبي ﷺ ثم قال شعراً :
[[فكانت الرسالة عبارة عن شعر ، وهذا من بلاغة العرب]]
فقال :
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قد كنت ولدآ وكنا والدآ
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرآ أعتدا
وادع عباد الله يأتوا مددا
إلى أن قال :
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
هم بيِّتونا بالوتير هجـــدا
"اي نايمين"
وقتلونا ركــــعــا ً وسجدا
فلما انتهى من شعره :
قال له النبي ﷺ في قوة وحزم نُصِرتَ يا عمرو بن سالم .
والله لأنصرنكم ، ولأمنعنكم مما أمنع منه نفسي وأهلي .
وكان أن قرر النبي ﷺ أن ينتقم لخزاعة من "بني بكر" ومن "قريش" لإعتدائهم عليهم ونقضهم صلح الحديبية .
فقال يا عمرو إرجع إلى مكة ، ولا تخبر أحداً أنك جئتنا إلا قومك وليتفرقوا .
وأسكنوا حتى يأتيكم أمري .
ودخل ﷺ بيته ولم يحدد كيف يكون هذا الإنتقام وكيف يكون هذا العقاب ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائة 191
فتح مكة . الجزء الثاني .
قرار فتح مكة .
بعد نقض قريش "صلح الحديبية"
قرر النبي ﷺ أن يقوم بغزو مكة
وسبحان الله العظيم إذا أراد امراً يهيء له الأسباب .
جاء نقض الصلح من قريش في هذا الوقت ....
فمكة بيت الله الحرام ولا يجوز أن تكون تحت حكم المشركين
ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة .
ولا يجوز أن يطوف البعض بالبيت عريانا .
وبصفة عامة أوضاع كثيرة غير مقبولة في مكة
كما أن مكة لها مكانتها المعروفة بين العرب .
فلو فتحها المسلمون لدخلت "الجزيرة العربية" كلها في الإسلام
وهذا ما حدث بالفعل كما قال تعالى :
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .
وغدر قريش ونقضهم صلح الحديبية أمر قد لا يتكرر مرة أخرى ....
لأن قريش تعلم جيداً أن موازين القوى أصبحت في ذلك الوقت في صالح المسلمين تماماً .
وكان هذا الإعتداء من جانبهم على خزاعة تهورآ وتصرفآ أحمقآ غير مبرر .... فهم ليسوا على عداوة مع "خزاعة" بالأصل
وليست علاقتهم بهذه القوة مع "بنو بكر"
ولو تكرر هذا الموقف مائة مرة لما تهورت قريش وأقدمت على ما هي أقدمت عليه .
ولو لم تنقض قريش الصلح كان يجب على النبي ﷺ أن ينتظر ثماني سنوات أخرى
وهي المدة الباقية من صلح الحديبية .
لأن المسلمون يحترمون تعاهداتهم ولا يمكن أن ينقض الرسول ﷺ العهد أبدا
فقرر النبي ﷺ غزو مكة ولكنه لم يخبر أحداً
أخذت "قريش" تبحث عن حل للمشكلة التي أوقعت نفسها فيها .
فقالوا : ما فعلناه إن بلغ محمداً فهو نقض للصلح فما العمل ؟
قريش خائفة لنقضهم الصلح مع المسلمين
والسبب :
هي تعلم جيداً أنها الآن أضعف بكثير من المسلمين .
وتعلم جيداً أنه إذا كانت القوة متعادلة بين الفريقين في السنة السادسة من الهجرة عند توقيع صلح الحديبية .
فإن القوة الآن في صالح المسلمين بعد عامين فقط في السنة الثامنة من الهجرة
فقد رأت قريش أن المسلمون قد انتصروا بعد "الحديبية" في معركتين من أصعب المعارك
وهما "خيبر" و "مؤتة"
"خيبر" بحصونها وكثرة مقاتليها أقوى من قريش .
"مؤتة" ثبت المسلمون أمام جيش الإمبراطورية الرومانية .
وتعلم قريش أن الجيش الإسلامي مدرب تدريبآ جيداً لكثرة المعارك التي خاضها في فترة قصيرة جداً...
وتعلم أن الروح المعنوية للجيش مرتفعة جداً.
من جهة أخرى تضاعفت أعداد المسلمين في هذه الفترة من الزمن ودخلت كثير من القبائل بل والممالك في الإسلام .
فاليمن دخلت في الإسلام .
وعمان دخلت في الإسلام .
ودخلت كثير من القبائل في حلف النبي ﷺ .
بينما أحلاف قريش قليلة جداً وغير قوية وتكاد تكون محصورة في ذلك الوقت في "بنى بكر" فقط.
شيء آخر وهو تناقص أعداء المسلمين وضعفت شوكتهم :
فاليهود انتهى خطرهم تماماً
وغطفان التي كانت القوة الأكبر في حصار المدينة في الأحزاب انتهى خطرها كذلك وجاءت وفودها تعلن الإسلام .
كانت قريش تعلم كل ذلك
ولذلك اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التي أوقعت نفسها فيها
وهي نقضها لبنود صلح الحديبية .
وبالتالي إحتمال دخولها في حرب جديدة مع المسملين بل وغزو المسلمين لمكة .
وقررت قريش في هذا الإجتماع أن ترسل أبو سفيان بن حرب
فقالوا له :ما لها سواك يا أبا سفيان .
اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة
وكانت بنته زوجة النبي "ام حبيبة رملة بنت أبو سفيان رضي الله عنها"
قالوا له : تذهب لزيارت بنتك
ومن خلالها تصل محمداً واطلب إليه أن يشد بالعهد ويزيد في المدة ....
خرج أبو سفيان وحده لتجديد العهد وطلب مد مدة الهدنة .
سيد قريش يقوم بهذه المهمة بنفسه .
كان هذا تنازل كبير عن كرامة قريش وكبريائها .
وهذه أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل .
ولكن قريش رأت أن تقدم هذا التنازل وتخسر هذه الخسارة خير لها ألف مرة من خسارة أكبر كثيراً لو قام المسلمون بغزو مكة .
وهذا يدل على مدى الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش من المسلمين .
انطلق أبو سفيان من "مكة" ووصل إلى المدينة وكان عمره في ذلك الوقت 70 عاما .
واتجه أول الأمر إلى إبنته "أم حبيبة رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ .
كان النبي ﷺ قد تزوجها منذ عام واحد في السنة "السابعة من الهجرة" وهي بالحبشة .
وكانت "أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها من أوائل المسلمين الذين أسلموا في مكة وهاجرت للحبشة .
أبو سفيان له 17 من الأبناء .
10 من البنات و 7 من الأولاد .
منهم ولده الأكبر "حنظلة" قتل في بدر كافراً
فأبو سفيان لقب ....
أما كنيته الحقيقية "أبو حنظلة"
ومن أبناءه "معاوية بن أبي سفيان" الذي أصبح خليفة المسلمين
طرق باب حجرة بنته "أم حبيبة" رضي الله عنها
فلما فتحت نظرت إلى أبيها
وكان هذا اللقاء بعد غياب 16 سنة .
كان "أبو سفيان" يعتقد من "أم حبيبة" استقبالاً حافلاً .
لكن "أم حبيبة" نظرت إلى أبوها سيد قريش بأنه عدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فسكتت ولم تتكلم وحارت بأمرها ....
فأراد أبوها أن يفك هذه الحيرة فدخل من دون أن تقول له ادخل ....
ولما أن أراد أن يجلس على الفراش الوحيد في الغرفة وهو فراش النبي ﷺ إذا بها تسرع وتطوي الفراش حتى لايجلس عليه أبوها .
فتعجب وكانت صدمة له .
فأراد أن يخرج من هذا الحرج .
وقال لها بلطف : يا بنية ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
"يعني لم تجلسيني على الفراش لأني رجل عظيم لا يصح أن أجلس على هذا الفراش المتواضع .
أم أنا أقل من أن أجلس على هذا الفراش"
وانظروا ما أجمل الإيمان بالله عندما يكون صادقاً لا يعرف المداهنة حتى ولو كان أبوها
قال تعالى :
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ .
فقالت له أم حبيبة في صلابة وجفاء واضح .
"هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس .
فلا أحب أن تجلس على فراشه
فصدم أبو سفيان من رد إبنته ودارت الأرض به .
وقال : يا بنية والله لقد أصابك بعدي شرٌّ كبير .
قالت : بل أصابني الخير الكثير وهداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر .
وأعجب منك يا أبتِ وأنت سيد قريش وكبيرها .
قال : أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد ؟
"إذا كان هذا جوابها عندما أراد أن يجلس فكيف لو أراد أن يناقشها بأمور أخرى"
فتركها وخرج .....
واتجه "أبو سفيان" إلى الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلم
اتجه إلى المبعوث رحمة للعالمين .
اتجه إلى صاحب الخلق العظيم ﷺ
فدخل إلى مسجده فوراً فسلم وجلس .
وقال : يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده
"انظروا إلى نفاق المشركين و لغتهم ومن سار في طريقهم ومذهبهم"
وقد تبدلت الأيام وتغيرت وأمر قريش بين يدي فأحببت أن آتيك وأشهد بالعهد وأزيد في المدة .
فقال له النبي ﷺ من جوامع الكلم
قال له :_ هل كان هناك حدث ؟؟
"يعني صار شي"
قال أبو سفيان لا معاذ الله .
نحن على عهدنا وصلحنا لانغير ولا نبدل .
قال : إذآ هو ذاك العهد على ما هو عليه .
[[ كلمتين هل من حدث ؟؟
لا ..... إذآ هو ذاك نحن على عهدنا ثم أعرض بوجهه عنه ﷺ .
فخرج "أبو سفيان" من عند النبي ﷺ واتجه إلى "أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقال : يا أبا بكر كلم لنا صاحبك يجدد العقد و يزيد في المدة .
فقال له أبو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يعني ما أنا بفاعل فلن أتوسط بينك وبين الرسول رأيي من رأيه"
فخرج "أبو سفيان" من عند "أبي بكر رضي الله عنه...
فتوجه إلى "عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب منه كما طلب من أبي بكر أن يتوسط له عند النبي ﷺ .
ولكن عمر رضي الله عنه رد عليه أنا أشفع لكم عند رسول الله .
فوالله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به .
"أي لو لم يكن معي إلا جيش من النمل لقاتلتكم به يعني : إذا مات الرجال كلهم وما بقي رجال غزناكم بالنمل"
وخرج "أبو سفيان" من عند "عمر رضي الله عنه
واتجه إلى "علي بن ابي طالب رضي الله عنه ودخل عليه في بيته وكانت معه زوجته السيدة "فاطمة"
فقال أبو سفيان لعلي . يا علي . إنك أَمَسُّ القوم بي رحماً وأقربهم مني قرابة .
وقد جئت في حاجة فاشفع لي إلى محمد .
فقال على بن أبى طالب ويحك يا أبا سفيان .
والله إذا عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه .
فقال : أليس عندكم من قِرا .
"يعني ضيافة قدمولي شيء أشربه"
فأحضرت له فاطمة رضي الله عنها الضيافة .
وكان "الحسن" طفلاً صغيراً يلعب في البيت .
فأراد "أبو سفيان" أن يتلطف إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها لعلها تشفع له وهو يعلم حب النبي ﷺ لها .
فقال : يا بنت محمد .
هل لك أن تأمري بُنيك هذا فيُجير بين الناس .
ارفعي ولدك هذا وقولي قد أجار الحسن بن علي فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟
ولكن تجاهلت مزاحه وقالت في وقارها ...
والله ما بلغ بُني ذلك أن يجير بين الناس .
وما يجير أحد على رسول الله ﷺ .
فأسقط في يد أبو سفيان وقال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ والأبواب كلها قد سدت فانصحني .
فقال له علي رضي الله عنه والله يا أبا حنظلة لا أعلم شيئاً يغني عنك .
ولكنك أنت سيد بني كنانة فقم فأَجِر بين الناس ثم الحق بأرضك .
أي قم وسط الناس وقل أنك أجرت بين الناس .
أي أنك حجزت بين الناس ومنعت وقوع الحرب بينهم .
ولأنك سيد بني كنانة وشخصية لها مكانته في الجزيرة فالمفروض أن يحترم الناس هذه الإجارة"
فقال أبو سفيان : أوترى ذلك مُغنياً عني شيئاً ؟
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا والله ما أظن . ولكن لا أجد لك غير ذلك .
فقام "أبا سفيان" ودخل المسجد .
وقال يا أيها الناس إني قد أَجرت بين الناس .
فلم يرد على "أبو سفيان" أحد ولم يلتفت إليه أحد
ركب أبو سفيان بعيره راجعآ إلى مكة ومر في طريقه على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم
فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها .
"يعني يا حسرة على هذه السيوف التي بأيدينا لم تقتل هذا الكافر في الحروب السابقة لعلها في الأيام القادمة تنال منه"
فسمعهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يعجب ما قالوه . فنهرهم قائلاً أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم .
وذهب "أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخبر النبي ﷺ .
فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟
لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك .
وفهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوراً إن كنت أغضبتهم لماذا ؟
لأن هؤلاء من أولياء الله تعالى
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون .
يقول الله في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .
فمن أغضب أولياء الله فإنه يغضب الله عزوجل .
لذلك أخفى الله أولياءه بين البشر حتى يكون الناس على حذر ولا يتجرأ أحد أن يؤذي إنسان ويكون هذا الإنسان في علم الغيب من أولياء الله .
ذهب ابوبكر من فوره الى سلمان وصهيب و بلال رضي الله عنهم
وقال لهم : يا إخوتاه أغضبتكم ؟
قالوا . لا يغفر الله لك يا أُخيَّ .
"إذآ كان هناك منتهى الغلظة في التعامل مع أبو سفيان...
ولم ينكر النبي ﷺ على أي منهم ما فعله ....
لأن الموقف موقف حرب ولابد من الغلظة في التعامل مع الكفار في وقت الحرب .
قال تعالى .
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ....
رجع أبو سفيان إلى مكة وهو يعلم أنه قد فشل في أداء مهمته .
قال له أشراف مكة ما وراءك ؟
فقال أبو سفيان جئت محمداً فكلمته .
فوالله ما رد علي شيئاً
ثم جئت ابن أبي قحافة . فوالله ما وجدت فيه خيراً .
ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو .
ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم . وقد أشار علي بأمر صنعته .
فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا ؟
فقالوا فبماذا أمرك ؟
فقال . أمرني أن أُجير بين الناس ، ففعلت .
قالوا . فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال . لا
قالوا . ويحك ! ما زادك الرجل على أن لعب بك .
فقال أبو سفيان لا والله ما وجدتُ غير ذلك .
وعلمت قريش أن احتمال قيام معركة مع المسلمين أمر محتمل وارد .
وعلمت أن قيام النبي ﷺ بغزو مكة أمر محتمل ووارد....
أمر النبي ﷺ الجيش بالإستعداد .
وأمر بالمسلمين من القبائل خارج المدينة أن يتجمعوا في المدينة
وكما هي عادة النبي ﷺ لم يخبر أحداً أين وجهته .
استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر وبالكتمان ...
وكان ﷺ شديد الحرص على كتم خبر خروج الجيش إلى مكة .
لأنه ﷺ كان يريد ويخطط لدخول مكة بلا قتال وسفك دماء بالحرم .
فكان يريد أن يستخدم كل عوامل القوة حتى يصل بقريش إلى الإستسلام .
ومن عوامل القوة هو مفاجأة العدو
وكان ﷺ يقول في دعائه .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .
وكذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقف على مداخل المدينة .
"حاجز تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة"
وتتحفظ على من سلك طريق المدينة مكة .
وذلك حتى يحول دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين .
وبرغم ذلك فقد كان النبي ﷺ مضطراً إلى أن يقول هذا السر لكبار الصحابة رضي الله عنهم و صحابته المقربين الذين طلب منهم مهمات عسكرية محددة .
ومن هؤلاء الذين علموا بنيته في فتح مكة "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه
و"حاطب بن أبي بلتعة" كان عمره في ذلك الوقت
43 عام أي أنه في سن إكتمال الرجولة، وهو من المهاجرين
ومن الذين اشتركوا في بدر وثبت مع النبي ﷺ في أحد .
كما شهد الخندق والحديبية .
وهو الذي أرسله النبي ﷺ إلى المقوقس حاكم مصر ودار بينهما حوارات طويلة ....
حتى قال له المقوقس في النهاية "أنت حكيم جئت من عند حكيم"
ولكن في لحظة من لحظات الضعف الإنساني والصحابة ليسوا بمعصومين رضي الله عنهم
فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة .
وهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه كانت له ذلة ولكنها غير قادحة بإيمانه .
فقرر "حاطب" أن يفشي سر رسول الله ﷺ وأن يخبر قريشآ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم...
وكان السبب
أن "حاطب رضي الله عنه كان له بمكة بعض أهل بيته وكانت له تجارة في قريش .
وكان يعاني من إيذاء قريش له في أهله وماله في مكة .
فأراد "حاطب" أن يؤدي لأهل مكة خدمة حتى لا يؤذونه في أهل بيته ولا في تجارته .
فكتب "حاطب" إلى أهل مكة كتابآ أخبرهم فيه بمسير النبي ﷺ إليهم
وأعطى "حاطب" هذه الرسالة إلى امرأة في المدينة اسمها "سارة"
وكانت "سارة" مغنية تغني في مكة ....
وكانت قد قدمت المدينة تشكو الحاجة .....
فقال لها النبي ﷺ ما كان في غنائك ما يغنيك ؟
فقالت : إن قريشا تركوا الغناء منذ قتل من قتل ببدر .
فأعطاها النبي ﷺ ثم عرض عليها الإسلام فرفضت وقبل منها النبي ﷺ أن تظل بالمدينة على كفرها .
فأعطى "حاطب" الرسالة إلى هذه المرأة .
وأعطاها مبلغاً من المال على أن تبلغ هذه الرسالة إلى قريش .
وقال لها : إخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسآ....
فخرجت فسلكت غير الطريق وجعلت الكتاب في قرون رأسها
"أي ضفائر شعرها خوفاً أن يطلع عليه أحد"
وهي لا تعلم مضمون الكتاب
ولبست لباسها وكان لباسهن مسلمات وغير مسلمات احتشام كامل
واتجهت نحو مكة وعندما رأى الحرس إمرأة تركب دابة لم يلتفتوا إليها فليس لهم شأن بها فتركوها .
فهبط جبريل عليه السلام على النبي ﷺ يخبره بما صنع حاطب رضي الله عنه
فقال النبي : قم يا علي والزبير وطلحة والمقداد و أدركا امرأة بمحل كذا .
قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم .
فخذوه منها وخلوا سبيلها .
فإن أبت فاضربوا عنقها .
فخرجوا مسرعين خلفها حتى أدركوها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم
فقالا لها : أين الكتاب ؟
فحلفت بالله ما معها من كتاب .
فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدوا شيئا .
فقال لها علي رضي الله عنه إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك ونمزق عليك الثياب ....
ولما سمعت كلمة نمزق الثياب صاحت بأعلى صوتها لاااا لااااا ورب الكعبة سأعطيكم الكتاب إياكم أن تمزقوا ثيابي .....
قالت : أعطيكم الكتاب ولكن اصرفوا وجوهكم عني .....
فأعرضوا بالنظر عنها :
فكشفت شعرها وحلت قرون شعرها واستخرجت الكتاب منه .
فأخذ "علي" الكتاب منها ثم تركوها وانصرفوا .
ورجعوا إلى رسول الله ﷺ وهو جالس بين أصحابه رضي الله عنهم
فقال : اقرأ الكتاب يا علي .
وكان على رضي الله عنه قاريء
وحاطب رضي الله عنه يجلس بين الناس
فقرأ علي رضي الله عنه من حاطب.... فإن رسول الله ﷺ قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل .
وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم .
فإنه منجز له ما وعده فيكم .
فإن الله تعالى ناصره ووليه .
فنظر النبي ﷺ لحاطب
وقال له ماهذا يا حاطب ؟
فقال حاطب رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يارسول الله .
والله ماكفرت منذ أن آمنت . ولكن امهلني حتى أقول لك .
قال قل ..
قال: يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش .
"يعني حليفا لقريش لا من قريش"
وليس أحد من أصحابك من المهاجرين إلا ولهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمواله .
فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدآ يحمون قرابتي .
ولم أفعله إرتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام .
فقال النبي ﷺ أما أنه فقد صدقكم .
كان ما فعله حاطب رضي الله عنه جريمة شنعاء و خيانة عظمى لأنه أفشى سراً عسكرياً خطيراً كان يمكن أن يعرض الجيش الإسلامي كله لخطر عظيم ....
ولذلك فإن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقنعه ما قاله حاطب ....
"فهو بذلك يحمي أهله على حساب جيش بالكامل"
لذلك قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ...
فقال النبي ﷺ : لا يا عمر ومن قال لك أنه منافق . أنسيت أنه بدري . ومايدريك يا عمر أن الله تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر .
فقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
يقول عمر رضي الله عنه فما بقي بدري في المسجد إلا وجهش "أي بكى"
"يعني لولا هذه الزلة من هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه من أين تأتي هذه البشرى لأهل بدر بأن الله قد تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر وقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
ثم أكب حاطب رضي الله عنه على يدي النبي ﷺ يقلبهما ويبكي ......
ويقول : والله لم انافق يا رسول الله .
والنبي ﷺ يقول له وأنا أشهد
فالرسول ﷺ لم يعفو عن حاطب فقط .
وإنما أيضاً رفع من قدره أمام المسلمين لأن حاطب رضي الله عنه قدم تضحيات كثيرة .
وله رصيد عند النبي ﷺ .
فليس معنى أنه أخطأ مرة أن ينسى له النبي ﷺ ما قدمه من قبل .
و الحبيب المصطفى ﷺ لا يريد أن يكون عونا للشيطان على "حاطب"
فالمسلم عندما يكون صالحاً ويرتكب ذنبا .
يوسوس إليه الشيطان أنه قد أضاع كل شيء ويحبطه عن التوبة .
و النبي ﷺ لا يريد لحاطب أن يسقط في هذه الدائرة .
بل على العكس يريد أن يأخذ بيده حتى يخرج به من هذه الأزمة .
والبطولة هي أن تأخذ بيد المخطيء وتصلحه لا أن تسحقه .
وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة في أول سورة الممتحنة .
يقول تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .
ثم دعى النبي ﷺ ربه مرة أخرى .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
..[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة 192
فتح مكة . الجزء الثالث .
إستعداد جيش المسلمين لدخول مكة .
قرر النبي ﷺ الخروج لفتح مكة
وأعلن للصحابة رضي الله عنهم وجهته وأنه يريد فتح مكة....
خرج ﷺ من المدينة بجيش قوامه 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح .....
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
لقد هاجر إلى المدينة ﷺ قبل 8 سنوات إلا 3 أشهر وحده بصحبة الصديق رضي الله عنه ومطارد في الطريق .
واليوم يرجع إلى مكة على رأس 10 آلاف موحد الله تعالى لو أمرهم أن يزيلوا الجبال لأزالوها .....
لم تشهد الجزيرة هذا العدد الكبير من الجيش إلا جيش أبرهة في عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه النبي ﷺ قبل الهجرة بخمسين عاما ....
ثم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .
وكان قوام الجيش من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار
700 من المهاجرين .
4000 آلاف من الأنصار أهل المدينة .
والبقية من القبائل العربية التي دخلت الإسلام وجاءت إلى المدينة للإنضمام إلى الجيش إستجابة لأمر النبي ﷺ أو لحقت بالجيش وهو في طريقه من المدينة إلى مكة .....
وكان خروج الجيش من المدينة في 10 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة .
وكان النبي ﷺ صائماً والجيش كله صائما ....
حتى إذا وصلوا إلى موضع "الكديد" أفطر النبي ﷺ، فأفطر الصحابة رضي الله عنهم
وظل النبي ﷺ يفطر حتى دخل مكة ....
وقد أخذ الفقهاء من ذلك أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر
كانت قريش لا تعلم شيئا عن تحركات المسلمين ....
وقد أعمى الله الأخبار عن قريش إستجابة لدعائه ﷺ فلم يعلموا بوصوله إليهم ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره إليهم .
وفي هذه الأثناء خرج "العباس بن عبد المطلب" عم النبي ﷺ بأهله من مكة مهاجرآ إلى المدينة .
وكان "العباس" رضي الله عنه قد أسلم منذ "بدر" في السنة الثانية من الهجرة .
لكنه لم يهاجر منذ ذلك التاريخ ولمدة 6 سنوات بالرغم من أن الهجرة قبل فتح مكة كان فرضاً
"لأنه كان عيناً للنبي ﷺ في مكة"
فكان "العباس" رضي الله عنه هو آخر من هاجر من المسلمين .
فقابل "العباس" رضي الله عنه جيش المسلمين في منطقة "الجحفة" وسر به النبي ﷺ
وانضم "العباس" رضي الله عنه إلى جيش المسلمين المتجه لفتح مكة وأرسل أهله وثقله إلى المدينة .
فلما وصل ﷺ إلى "مَرُّ الظهران" وهو وادٍ في شمال مكة يبعد عنها 22 كم ويسمى الآن "وادي فاطمة" عسكر الجيش هناك .
وأمر النبي ﷺ الجيش بأن يوقد كل منهم ناراً
فأوقدوا عشرة آلاف نار .
حتى إذا رأتهم عيون قريش تصيبهم الرهبة من الجيش .
وجعل النبي ﷺ قائد الحرس هو "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه
وكان "العباس" رضي الله عنه عندما رأى جيش المسلمين وكثرتهم علم أن قريش لا قبل لها بهذا الجيش....
وعلم أنه إذا وقع قتال فسيتم سحق قريش تماماً....
أشفق "العباس بن عبد المطلب" على قريش فركب بغلة النبي ﷺ واتجه إلى مكة حتى يقنع قريش بأن تستسلم وأن تطلب الأمان من النبي ﷺ
وفي ذلك الوقت كان قد خرج من مكة :
١- أبو سفيان بن حرب .
٢- و حكيم بن حزام .
٣- و بديل بن ورقاء .
يلتمسون الأخبار بأنفسهم .
فلما رأوا النيران قال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانآ قط ولا عسكرآ...
هذه النيران كنيران عرفة
فقال بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب لتنتقم وتأخذ الثأر .....
وكان "بديل" من "خزاعة" يقيم في مكة فهو يتمنى أن تكون كل هذه الجموع من "خزاعة"
فقال أبو سفيان : خزاعة !!
هي أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
فسمع أصواتهم من بعيد "العباس بن عبد المطلب" فعرفهم .
فنادى "العباس" بأعلى صوته على "أبو سفيان"
وقال : يا أبا حنظلة .
فقال أبو سفيان . أبا الفضل ؟
قال العباس . نعم
قال أبو سفيان . مالك . فداك أبي وأمي ؟
فقال العباس . ويحك يا أبا سفيان !
هذا رسول الله في الناس على رأس عشرة ٱلاف مدجج بالسلاح .
يا ويل قريش والله ، وأصباح قريش .
"يعني خربت دياركم لن يصبحكم الله بخير "
قال أبو سفيان : فما الحيلة يا أبا الفضل فداك أبي وأمي ؟
قال العباس : اتسأل المشورة هذا الليلة يا أبا حنظلة ؟
والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك .
فاركب خلفي على هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك .
فركب "أبو سفيان" خلف "العباس" على بغلة رسول الله ﷺ ورجع حكيم و بديل .
عاد "العباس" إلى معسكر المسلمين .
فكلما مر على أحد من المسلمين
قال . من هذا ؟؟
فاذا اقترب قالوا "عم رسول الله على بغلته"
فيتركوه حتى مر على قائد الحرس "عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال : من هذا ؟؟ ثم قام فنظر
فرأى أبو سفيان فقال أبو سفيان عدو الله .
الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
"كان قتل سيد قريش قبل بدء المعركة مكسب كبير للمسلمين يمكن أن يحسم المعركة .
لذلك أراد عمر رضي الله عنه أن يقتل أبو سفيان وقد جاء بعد نقض العهد ....
بينما لم يفعل ذلك عندما جاء أبو سفيان إلى المدينة .
لأن أبو سفيان جاء سفيراً لقريش .
ولذلك قال عمر رضي الله عنه الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
أي لا شيء يمنعني من قتلك الآن
ثم أخذ عمر رضي الله عنه يشتد نحو رسول الله ﷺ ..
ودخل عليه وقال يا رسول الله
هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه .
فقال العباس يا رسول الله : إني قد أجرته .
فأصر "عمر" رضي الله عنه على قتل "أبو سفيان" وأخذ يتحدث إلى الرسول ﷺ في ذلك .
و "العباس" يرد على "عمر"
والنبي ﷺ لا يرد عليهما .
يقول العباس فلما أكثر "عمر" في شأنه ومجادلته .
قال العباس . مهلاً يا عمر
فوالله لو كان "أبو سفيان" من بني عدي "أي لو كان من قبيلتك يا عمر" ما قلت هذا .
ولكن لأنه من "بني عبد مناف"
"كان العباس لا يزال متأثرا بالجاهلية .....
ولم تكن قضية الولاء للمسلمين والبراء من المشركين وآضحة في ذهنه"
فأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعطيه درساً هاماً في الولاء والبراء
وقال له : مهلاً يا عباس .
فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم .
وما ذاك إلا أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله ﷺ من إسلام الخطاب لو أسلم .
ثم قال الرسول ﷺ للعباس : إذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به .
النبي ﷺ يريد لأبي سفيان أن يسلم .
كيف لا : وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين
وهو الذي يقول ﷺ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
فذهب مع العباس ونظر أبو سفيان للصحابة رضي الله عنهم
منهم من قام يصلي .
ومنهم من يقرأ القرآن .
ومنهم من قام يناجي ربه .
فلما صار وقت الفجر .
قام بلال رضي الله عنه يؤذن للصلاة ....
وثار الناس وهرعوا للصلاة .
فهذا التحرك من الصحابة رضي الله عنهم لصلاة الفجر أرعب "أبو سفيان"
ففزع أبو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون ؟
هل أمر محمد بشيء ؟
قال : لا يا ابا حنظلة .. إنها صلاة الفجر .
قال . كم مرة تصلون باليوم .
قال . خمس مرات وهذه صلاة الفجر هي أقربها لمرضاة الله .
وأخذ يخبره عن فضلها
فقام ابو سفيان ينظر فرأى الصحابة رضي الله عنهم يتلقون وضوء رسول الله ﷺ ويتبادرون لخدمته .....
ثم رآهم يركعون إذا ركع . ويسجدون إذا سجد .
فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟
فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه .
فقال أبو سفيان :
ما رأيت مُلكاً مثل هذه الليلة
و لا ملك كسرى ولا ملك قيصر ، ولا ملك بني الأصفر .
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً .
فقال له : إنها النبوة يا أبا سفيان وليست الملك .
قال : نعم هو ذاك .
فلما جاء الصباح جاء العباس ومعه "أبو سفيان"
قال له النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان . ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
فقال أبو سفيان . بأبي أنت وأمي .
ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . والله لو كان مع الله إله غيره . لقد أغنى عني .
أشهد أن لا إله إلا الله .
فقال النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله .
فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك .
أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا ....
"لم يكن أبو سفيان صادقاً بهذه الكلمة .
فهو يعلم يقيناً أن محمداً رسول الله ولكنه يبرر إصراره على الكفر حتى هذه اللحظة .
فقال العباس ويحك يا أبا سفيان أسلم قبل أن تضرب عنقك .
يفهم من هذا وإن قال لا اله الا الله لا يعد مسلماً إلا أن يقول محمداً رسول الله كلمة التوحيد .
ومرة أخرى ليس هذا إجبار لأبي سفيان حتى يدخل في الإسلام
ولكن حسب معطيات الحرب ينبغي قتله كما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولكنه إذا أسلم فالإسلام يهدم ما قبله .....
وهذا من رحمة الإسلام وهو أول أركان الإسلام الشهادتين وليست شهادة واحدة ...
فإن لم يشهد أن محمدا رسول الله فليس بمسلم .
فلما قال العباس هذا
قال أبو سفيان : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.....
ثم قال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً .
فقال النبي ﷺ نعم .
انطلق أبا سفيان إلى قومك وأخبرهم .
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
ومن أغلق بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .
كان إعلان النبي ﷺ أن من أغلق عليه بابه فهو آمن
يعني بلغة العصر الآن تطبيق "حظر تجول"
وهذه هي أول مرة في التاريخ يطبق فيها حظر التجول .
فالرسول ﷺ هدفه هو أن يدخل مكة بلا قتال ومن غير سفك للدماء ....
ويعتمد في ذلك على إخافة قريش حتى تسلم وتجبن عن القتال ....
ولذلك أمر الصحابة رضي الله عنهم بأن يوقد كل منهم ناراً
ثم هو يعلن الآن بأن من يغلق عليه بابه فهو آمن .
يعني من يجلس في بيته ولا يشترك في القتال أوالمقاومة فهو آمن .
واستثنى المسجد لمكانته وحتى يكون مكاناً يتحدث فيه إلى الناس .
واستكمالآ لخطة إخافة قريش
أمر النبي ﷺ "العباس" بأن يجعل "أبو سفيان" في مكان يرى فيه الجيش كله حتى ينقل هذه الصورة لقريش ....
فقال النبي ﷺ للعباس يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل "المكان الضيق الذي سيمر منه الجيش" حتى تمر به جنود الله فيراها .
فذهب به العباس إلى حيث أمر النبي ﷺ ومر الجيش كله أمام "أبو سفيان"
"مثل العروض العسكرية التي تقوم بها الدول الآن"
وكانت كل قبيلة تمر تحمل رايتها
فكلما مرت قبيلة سأل أبو سفيان عنها .
فقال . يا عباس من هذه ؟
يرد عليه . غفار .
يقول . ما لي و غفار .
يا عباس من هؤلاء ؟؟
سليم
ما لي وسليم
يا عباس من هؤلاء ؟
مزينة .
يا أبا الفضل ما لي ولمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها .
يا عباس من هؤلاء ؟؟
جهينة .
ما لي ولجهينة .
يا عباس من هؤلاء ؟؟
بنو ليث بن بكر . وبنو ضمرة بن بكر .
نعم أهل شؤم والله .
هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم . أما والله ما شوورت فيهم ولا علمته ولكنه أمر حُتِم .
يا عباس من هؤلاء ؟
أشجع .
هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
العرب تطلق الخضرة على السواد لأنهم لابسين لباس الحرب الكامل"
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد .
"يعني لابسين لباس القتال الكامل لا يرى منهم إلا عيونهم"
قال أبو سفيان مدهوش . سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : هذا رسول الله ﷺ في المهاجرين والأنصار .
قال أبو سفيان . ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة .
والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً !
قال العباس . يا أبا سفيان إنها النبوة .
قال أبو سفيان . نعم نعم
أبو سفيان :
فإنه لما أسلم حسن إسلامه وقاتل مع النبي ﷺ في "حنين" وكان عمره 70 عامًا .
ولما انكشف المسلمون في "حنين" وفر بعضهم ثبت مع النبي ﷺ .
وشارك في حصار "الطائف" وأصابه سهم في عينه فأصيبت
وجاء إلى النبي ﷺ وقال . هذه عيني أصيبت في سبيل الله .
فقال له النبي ﷺ إن شئت دعوت فردت عليك . وإن شئت فالجنة .
فقال : الجنة .
وشارك في معركة اليرموك ضد الروم وكان عمره وقتها 76 سنة فكان من أكبر المسلمين عمراً .
رضي الله عنه وأرضاه .
ثم قال له العباس رضي الله عنه إلحق الآن بقومك وحذرهم .
فانطلق "أبو سفيان" إلى مكة وهو من الرعب في نهاية .
وصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش .
هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .
فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
قالوا : قبحك الله . وما تغني عنا دارك؟
قال . ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .
فقامت إليه زوجته "هند بنت عتبة" ونادت : يا معشر قريش اقتلوا هذا الشيخ الأحمق . هلأ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟
فقال أبو سفيان . لا تغرنّكم هذه من أنفسكم .
فقد جاءكم ما لا قِبَل لكم به .
تفرق القرشيون ولزم كثير منهم دورهم ولجأ البعض إلى المسجد .... وبذلك نجحت خطة المسلمين في تحطيم مقاومة قريش .
ومع ذلك رفض بعض شباب قريش الإستسلام وقرروا "المقاومة" وفي نفس الوقت استعد الجيش لدخول مكة .
ما الذي حدث بعد ذلك
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 06:16 PM
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة بعد المئتان 201
غنائم حنين ...
أمر النبي ﷺ بعد معركة "حنين" وفرار "هوازن" إلى "الطائف" بتجميع الغنائم في وادي "الجعرانة" القريب من حنين حتى يفرغ من حرب "هوازن"
وتوجه ﷺ بعد ذلك إلى "الطائف" واستمر الحصار 40 يومآ كاملاً
ولم ينجح المسلمون في فتح الحصن ...
ثم قرر النبي ﷺ رفع الحصار عن الطائف .
بعد أن وازن بين مكاسب الحصار وخسائر رفع الحصار .
ووجد أن خسائر رفع الحصار أكبر من مكاسب الحصار .
توجه بعدها ﷺ إلى وادي "الجعرانة" حتى يقوم بتوزيع الغنائم .
وكانت غنائم "حنين" ضخمة جداً
بل كانت أكبر وأعظم غنائم في تاريخ العرب قاطبة
لأن قبائل "هوازن" قبائل كثيرة جداً
ولأن زعيمهم "مالك بن عوف" أمر بأن يصحبوا معهم نساءهم وأنعامهم وكل أموالهم .
وذلك لتحفيز الجيش على القتال حتى الموت....
وقلنا أن النبي ﷺ عندما علم ذلك قال تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله .
وتحقق ما قاله الحبيب المصطفى ﷺ فغنم المسلمون كل هذه الأموال .
وبلغت غنائم {{ حنين }}
١- 24 ألف من الأبل
٢- 40 ألف من الأغنام
٣- 150 كيلو جرام من الذهب والفضة
٤- 60 ألف من السبي
وجلس ﷺ متأنياً في قسم الغنائم وهو يرجو أن تأتي "هوازن" مسلمة
لأن جل الأسرى من "هوازن"
وقلنا أن "هوازن" هي مجموعة قبائل حول الطائف فيها "بنو سعد" الذي استرضع فيهم ﷺ
و الذين تربى فيهم أربع سنين ففيهم عماته وخالاته من الرضاعة .
وكان يرجو أن يأتوا مسلمين فلا يقعون في السبي ....
وبنو سعد من كرام العرب فلم يحب أن تسبا نسائهم وأولادهم
ولكنهم تأخروا فاضطر أن يوزع الغنائم وهذا من شرع الله تعالى
توزيع الغنائم حسب القاعدة الشرعية في توزيع الغنائم
وكانت القاعدة الشرعية :
١ - أن أربعة أخماس الغنائم توزع بالتساوي على الجيش
والفارس يأخذ ثلاثة أضعاف الراجل...
لأن الفارس ينفق بنفسه على فرسه .
٢ - الخمس يتصرف فيه رئيس الدولة كما يشاء .
فقد يشتري به سلاح وقد يتم به إفتداء الأسرى .
وقد يعطي منها لمن كان مميزاً في القتال .
وقد ينفق على الفقراء والمساكين
وقد يدخل في أي مشروع من مشروعات الدولة ....
فوزع النبي ﷺ الأربعة أخماس على الجيش الذي عدده 12 ألف
وكان كل جمل يساوي 10 من الشياه أي الخرفان .
فأخذ كل جندي جملان أو 20 من الشياه أو جمل و 10 من الشياه .
أما السبي فكان البعض يأخذ والبعض لا يأخذ .
والذي لا يأخذ يعوض بالفضة ...
تم تقسيم الأربعة أخماس بالتساوي بين الصحابة رضي الله عنهم
أما خمس الله ورسوله صلى الله عليه وسلم التي من حق النبي صلى الله عليه وسلم
فقد قرر ﷺ توزيعها على زعماء القبائل المختلفة .
لأن الدولة الإسلامية اتسعت الآن اتساعآ كبيرا....
والنبي ﷺ يعلم أن كثير من القبائل قد دخلت في الإسلام ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم .
فأراد النبي ﷺ أن يؤلف قلوبهم لأنهم لو وجدوا أن وضعهم الإجتماعي والمادي قد تحسن في ظل الإسلام فلاشك أن حبهم وانتمائهم للإسلام سيقوى ويترسخ وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم في الإسلام "المؤلفة قلوبهم"
والنبي ﷺ يعلم أن نظام القبلية المترسخ في الجزيرة العربية منذ قرون يجعل لقائد القبيلة الكلمة العليا المطلقة في قبيلته .
لذلك فالرسول ﷺ يشتري رضا هؤلاء الزعماء بالمال .
وهؤلاء الزعماء سيؤثرون تأثيراً إيجابياً في أتباعهم ومن ثَمَّ فهو يشتري إستقرار الدعوة الإسلامية.... وكان عدد هؤلاء الذين وزع عليهم ﷺ الخمس يبلغ عددهم حوالي 50 من زعماء العرب .....
من هؤلاء الزعماء "أبو سفيان" زعيم "بني أمية" وزعيم قريش
جاء "أبو سفيان" إلى النبي ﷺ وهو في وادي "الجعرانة" وقال وهو ينظر إلى هذه الأعداد الهائلة من الغنائم....
قال : يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالاً .
فتبسم ﷺ ولم يرد عليه
فقال أبو سفيان : يا رسول الله أعطني من هذا المال .
وكان "بلال رضي الله عنه هو المسؤول عن توزيع الغنائم .
فقال ﷺ : يا بلال زن لأبي سفيان أربعين أوقية من الفضة ، وأعطوه مائة من الإبل .
فقال أبو سفيان . يا رسول الله . ما أعظمك كرمك و ما أحلمك .
وابني يزيد يا رسول الله "وكان له ابن أكبر من معاوية إسمه زيد"
فقال النبي ﷺ يا بلال زن له أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل .
فقال ابو سفيان رضي الله عنه يا رسول الله . ابني معاوية .
يا بلال زن له أربعين أوقية ، وأعطوه مائة من الإبل .
فذهل أبو سفيان من هذا العطاء
فقال أبو سفيان رضي الله عنه ما أعظم كرمك وما أحلمك .
فداك أبي وأمي . لقد حاربتك فنِعمَ المحارب كنت .
ثم سالمتك فنعم المسالم أنت .
انظر كيف ألف الحبيب المصطفى ﷺ قلب أبو سفيان
وحدث نفس الموقف مع "حكيم بن حزام رضي الله عنه من أشراف مكة .
ثم نظر النبي ﷺ لحكيم
وقال لبلال يا يا بلال أعطى "حكيم" مثلما أعطيت أبا سفيان . فأعطاه
فقال حكيم رضي الله عنه ما أحلمك وأكرمك . زدني فليس لي ولد مثل أبي سفيان .
فأعطاه مائة ثانية .
ثم سأله فأعطاه مائة ثالثة .
ثم أراد النبي ﷺ أن يعلم "حكيم بن حزام" ويعلمنا درسا هاما
فقال : يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة [[ لم يقل إن هذا المال حلواً خضراّ ، لأن المقصود بالمال الدنيا، والدنيا مؤنث ]]
يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه .
ومن أخذه بإشراف نفس وتشوف لم يبارك له فيه .
وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى .
فقال حكيم رضي الله عنه : وقد أشرق وجهه وغلبه الإيمان "أي علاه النور"
قال : والذي بعثك بالحق ما أردت إلا أن أسبر المواقف .
"يعني امتحن موقفك ، هل تفرق بينا أم لا "
فوالذي بعثك بالحق لا أخذ إلا العطاء الأول
فرد "حكيم بن حزام" رضي الله عنه المائة الثانية والثالثة .
وأخذ فقط المائة الأولى .
وقال : والله يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أسأل أحداً بعدك شيئاً...
ولا آخذ من أحد شيئاً بعدك حتى أفارق الدنيا .
"وبر حكيم رضي الله عنه بقسمه"
ففي عهد أبي بكر دعاه "أبو بكر" رضي الله عنه أكثر من مرة لأخذ عطاء من بيت مال المسلمين فأبى أن يأخذه .
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه دعاه مرة ثانية إلى أخذ عطاء فأبى أن يأخذه .
وظل حكيم رضي الله عنه كذلك لم يأخذ من أحد شيئاً حتى فارق الحياة رضي الله عنه .
وممن تألف قلوبهم ﷺ : "صفوان بن أمية" رضي الله عنه
وهو الذي طلب المهلة حتى يسلم "شهرين" فأعطاه النبي ﷺ أربعة أشهر .
واستعار منه النبي ﷺ عدة المحارب بالأمس القريب عارية مضمونة .
وقد أعطاه مائة من الأبل كما أعطى زعماء مكة .
ثم وجده ﷺ ما زال واقفا ينظر إلى أحد شعاب "حنين" وقد شد إنتباهه شعباً وقد مُليء إبلاً وشياة وقد بدت عليه علامات الإنبهار بهذه الكميات الكبيرة من الأنعام ....
صفوان ينظر إليها بأعجاب .
فقال له ﷺ أبا وهب . أيعجبك هذا الشعب ؟
فقال صفوان . نعم .
فقال هو لك وما فيه .
قال صفوان . لي ؟
قال نعم ..
يقول الصحابة رضي الله عنهم فأشرق وجهه صفوان .
وقال: إن الملوك لا تطيب نفوسها بمثل هذا .
ما طابت نفس أحد قط بمثل هذا إلا نبي .
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
فأسلم صفوان رضي الله عنه وصدق إسلامه .
وعندما وجد الأنصار عطاء النبي ﷺ من خمسه لسادة قريش "مسلمها وكافرها" عطاء ليس له حدود... وجدوا في أنفسهم "تأثروا"... فقال بعضهم لبعض لقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم قومه ....
"يعني رجع لأهله وفرح فيهم " غفر الله لرسول الله...
يعطي قريش ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم بالأمس ؟
بلغت هذه المقالة للنبي ﷺ فكان لها أثر في نفسه .
وأرسل إلى "سعد بن عبادة" رضي الله عنه زعيم الخزرج وهو الباقي من سادة الأنصار
وقال النبي ﷺ لسعد يا سعد ما مقالة بلغتني عن قومك ؟
قال له : أجل يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت .
قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظيمة في قبائل العرب .
ولم يكن لهذا الحي من الأنصار منها شيء .
فقال النبي ﷺ له فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ "ما موقفك أنت "
فقال سعد رضي الله عنه ما أنا إلا رجل من قومي .
فقال له النبي ﷺ إذآ فاجمع لي قومك لا يخالطكم غيركم .
فخرج سعد رضي الله عنه فجمع الأنصار "أوس وخزرج" في شعب لم يدخل فيه إلا أنصاري .
وأتاهم النبي ﷺ وحده لا يصحبه إلا الصديق "أبو بكر" رضي الله عنهم
فحياهم بتحية الإسلام...
ثم حمد الله وأثنى عليهم ثم قال :
يا معشر الأنصار.
ألم تكونوا كفارآ فهداكم الله بي ؟
ألم تكونوا عالة [[ أي فقراء ]] فأغناكم الله بي ؟
ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟
ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؛؟
قالوا . وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل ؟
فقال ما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم .
قولوا :_ ألم تأتنا مكذباً فصدقناك ؟؟
ألم تأتنا مخذولاً فنصرناك ؟؟
ألم تأتينا طريداً فآويناك ؟؟
ألم تأتينا عائلاً فواسيناك ؟؟
فأرتفع صوت الأنصار بالبكاء وضج المكان وهم يقولون :
المنة لله ورسوله يا رسول الله .
فقال لهم *ما مقالة بلغتني عنكم ووجدة وجدتموها في أنفسكم *
تقولون لقد لقي محمد اليوم قومه .
يا معشر الأنصار
أوجدتم في أنفسكم لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ؟؟
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله ﷺ في رحالكم ؟؟
فقالوا : أوفاعل أنت يا رسول الله ؟
"كانوا قد غلبهم الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقيم في مكة فقد أصبحت دار إسلام .
وهي مسقط رأسه وهي بلد الله الحرام .
فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يرجع للمدينة معهم ففاجأهم بهذا الخبر المفرح .
قالوا : أوفاعل أنت يا رسول الله ؟؟
قال . أجل المحيا محياكم . والممات مماتكم أنتم الشعار والناس دثار .
الملابس الداخلية التي تلاصق الجسم تسمى شعار . لأنها تلامس شعر البدن .
أما القميص يسمى دثار أنتم الشعار أي أنتم أقرب لجلدي أنتم أهلي وعشيرتي وأحبابي رضي الله عن الأنصار....
وباقي الناس دثار .
أنتم الشعار والناس دثار ، فوالذي نفس محمد بيده لو سلك الناس قاطبةً شعباً ، وسلك الأنصار شعب لسلكت مسلك الأنصار . و لولا الهجرة لكنت واحداً من الأنصار .
ثم بسط يديه وهو يقول اللهم إرحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار .
يقول الأنصار رضي الله عنهم فظننا أنه لن يسكت حتى يعد مئة جيل من الأنصار...
وبكى صلى الله عليه وسلم
وقال :
الم أعهد إليكم يوم العقبة {{ الدم الدم والهدم الهدم}} أسالم من سالمتم ، وأحارب من حاربتم المحيا محياكم ، والممات مماتكم .
أي سأعيش ما عشت معكم وإذا متت سأدفن بأرضكم .
فبكى الأنصار رضي الله عنهم حتى أخضلوا لحاهم وهم يقولون ...
رضينا برسول الله ﷺ رضينا رضينا
خذ ما بأيدينا من أموال واعطيها لأهل مكة .
يا الله هنيئاً للأنصار كان حظهم الأوفى من العطاء
فازوا بالحبيب الأعظم ﷺ
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية بعد المئتان 202
إسلام وفد من هوزان .
من الذين وقعوا في الأسر يوم حنين "الشيماء" أخت النبي ﷺ من الرضاعة .
لأن النبي ﷺ كان قد استرضع في بني سعد 4 أعوام ومرضعته هي حليمة السعدية رضي الله عنها
إخواته من الرضاعة من "حليمة" :
١- الشيماء
٢- عبدالله
٣- أنيسة
وكانت "الشيماء" تتقدم النبي ﷺ بالسن 10 سنوات تقريباً
فكانت تشترك مع أمها في رعاية النبي ﷺ وتلاعبه وتعتني به .
فلما وقعت الهزيمة بهوازن كانت "الشيماء" ممن وقع في الأسر
فكانت تقول: إني أخت صاحبكم من الرضاعة !! فلم يصدقوها
وجاؤوا بها إلى النبي ﷺ
فقالت : يا رسول الله أتعرفني ؟
قال لها : ما أنكرك فمن أنت ؟
قالت : إني لأختك من الرضاعة .
قال لها إن تكوني صادقة فإن بك منّي أثراً لن يبلى فكشفت عن عضدها .
"يعني علامة بجسمك أنا سببها "
ثم قالت : نعم يا رسول الله . حملتك وأنت صغير فعضضتني هذه العضة .
فعرفها ﷺ فوثب وقام لها قائما و رحب بها .
وبسط لها رداءه وأجلسها عليه وذرفت عيناه بالدموع وأخذ يكلمها صلى الله عليه وسلم
ثم قال لها :
إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك
"يعني خيرها بين أن تعيش معه أو يعطيها أموال وتعود إلى قومها .
فاختارت أن تعود إلى قومها"
فأعطاها النبي ﷺ وأعادها إلى قومها .
وكان مما أعطاها "غلاما وجارية" فزوجت أحدهما بالآخر .
ولما توفي النبي ﷺ إرتد قومها "بنو سعد" فكانت "الشيماء" ممن ثبتوا وأخذت تنشد الشعر الذي تدافع فيه عن الإسلام .
وعرفت "الشيماء" بعد ذلك بكثرة العبادة والتنسك رضي الله عنها
وجاء إلى النبي ﷺ وهو في "الجعرانة" وفد من "هوزان" فيه عدد من أشرافهم
فأسلموا ثم كلموا النبي ﷺ في الغنائم ....
وقالوا : يا رسول الله .
إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وحواضنك اللاتي كن يكفلنك .
وأنت خير مكفول ونرغب إلى الله وإليك يا رسول الله .
فقال لهم النبي ﷺ قد كنت استأنيت بكم بضع عشرة ليلة .
"يعني أخرت توزيع الغنائم والسبايا عشرة أيام أملاً في إسلامكم"
وقد وقعت المقاسم مواقع .
"اي تقاسم المسلمون أموالكم "
فأي الأمرين أحب إليكم . أطلب لكم السبي أم الأموال ؟
قالوا : يا رسول الله فالحسب أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير .
فقال ﷺ أما الذي لبني هاشم فهو لكم وسوف أكلم لكم المسلمين وأشفع لكم .
فكلموهم أنتم وأظهروا إسلامكم وقولوا نحن إخوانكن في الدين
وعلمهم ﷺ كيفية الصلاة وكيف يتكلمون ....
فلما صلى النبي ﷺ الظهر استأذنوا النبي ﷺ في الكلام فأذن لهم فتكلم خطبائهم وطلبوا رد سبيهم .
فلما فرغوا قام ﷺ وحض المسلمون على رد السبي
فقال قد رددت الذي لبني هاشم ، والذي بيدي عليهم .
فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل ومن كره أن يعطي ويأخذ الفداء فعليَّ فداؤهم .
فأعطى المسلمون كلآ ما بأيديهم وطلب القليل منهم الفداء .
ونأتي إلى موقف النبي ﷺ مع قائد جيش "هوزان"
وهو "مالك بن عوف"
هو الذي جمع كل قبائل "هوازن" في جيش واحد لأول مرة في تاريخها .
وكان السبب في معركة "حنين"
ماذا كان مصير مالك بن عوف بعد هزيمة هوازن ؟
لقد فر "مالك بن عوف" مع من فر من "هوازن" حتى وصل إلى "ثقيف" وهي ليست قبيلته لأنه من "بني نصر"
وكان موقف "مالك بن عوف" مئساوياً فكان وضعه مثل اللاجيء عند قبيلة أخرى .
وكان منبوذا لأنه المسؤول عن مصيبة وفضيحة "هوازن" في فقد نسائهم وأبنائهم وأموالهم .
لأنه هو الذي أصر أن تصحب "هوازن" معها نسائها وأبنائها وأموالها .
وهو نفسه صحب معه نسائه وأبنائه وأمواله .
وقد فقدهم وأصبحوا غنائم في أيدي المسلمين .
لقد كان "مالك بن عوف" في أشدِّ حالات الإنكسار التي من الممكن أن يتعرض لها قائد .
وبينما هو في هذه الحالة المؤسفة المخزية .
كان هناك من يفكِر في أمره
إنه الحبيب المصطفى ﷺ المبعوث رحمة للعالمين .
لقد سأل النبي ﷺ عن "مالك بن عوف"
فقيل له : إنه في الطائف يخشى على نفسه .
فقال النبي ﷺ . أخبروا مالك إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله .
"وكان ذلك هو الإنقاذ لمالك بن عوف من أزمته"
فأسرع "مالك بن عوف" فأسلم بين يدي النبي ﷺ .
فرد عليه أهله وماله .
ثم أعطاه النبي ﷺ فوق ذلك مائة من الإبل .
"هل يمكن أن يتخيل ذلك أحد ؟
هل يوجد في التاريخ كله قائد منتصر يتعامل بهذا الرقي مع زعيم الجيش المعادي المهزوم أمامه ؟
بل أراد النبي ﷺ أن يوظف إمكانات "مالك بن عوف" القيادية لمصلحة الدولة الإسلامية .
فأعاده زعيماً على من أسلم من قبائل "هوازن"
ثم كلفة بمهمة الإغارة على "الطائف" وهي أشبه بحروب الإستنزاف حتى أسلمت ثقيف بعد ذلك .
وقبل عودة النبي ﷺ إلى المدينة من الجعرانة .
توجه ﷺ لأداء العمرة .
وكانت هذه هي العمرة الثانية التى أداها النبي ﷺ .
لأن النبي خرج لأداء العمرة في "ذي القعدة" من العام السادس من الهجرة .
ولكن منعته قريش من دخول مكة وانتهى الأمر بعقد "صلح الحديبية"
وفي العام التالي في "ذي القعدة" من السنة السابعة من الهجرة خرج ﷺ لأداء العمرة .
وهي "عمرة القضاء"
وفي "ذي القعدة" من السنة الثامنة من الهجرة خرج ﷺ لأداء العمرة من "الجعرانة"
أما العمرة الأخيرة فقد قرنها ﷺ مع حجته وكانت في السنة العاشرة من الهجرة .
إذآ إعتمر ﷺ أربع عمرات :
ثلاث عمرات أداها كاملة
بخلاف عمرة "الحديبية" لم يكملها .
التي أحرم فيها ﷺ لأداء العمرة .
ثم صدته قريش فتحلل من إحرامه هو والصحابة رضي الله عنهم بذبح الهدي .
ويصبح المجموع 4 عمرات للنبي ﷺ .
لاحظ أن كل عمرات النبي ﷺ كانت في "ذي القعدة"
وقد فسر العلماء ذلك بأن العرب في الجاهلية كانت تعتبر العمرة في "ذي القعدة" من أفجر الفجور .
ففعله النبي ﷺ مرات ليكون أبلغ في بيان جوازه وإبطال ما كانوا عليه في الجاهلية .
وذهب جمع من أهل العلم إلى القول بفضل العمرة في "ذي القعدة"
وقال البعض مثل "ابن القيم" رحمه الله أن العمرة في "ذي القعدة" أفضل من العمرة في رمضان .
ولم يحج النبي ﷺ هذا العام
وإنما حج بالمسلمين أمير مكة الذي عينه النبي ﷺ بعد فتح مكة أمير على مكة وهو "عتاب بن أسيد " رضي الله عنه
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
07-02-2022, 06:20 PM
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة بعد المئتان 203
عام الوفود .
إسلام عدي بن حاتم الطائي .
رضي الله عنه.
في مطلع العام التاسع ويسمى "عام الوفود"
وسنعرض نماذج من هذه الوفود
ففي شهر "ربيع الآخر" من السنة التاسعة...
أرسل النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه 150 رجل من الأنصار إلى قبيلة "طيئ"
وهي عدة قبائل تسمى "طيئ" وكان سيدها العام "حاتم الطائي" المعروف بالتاريخ والمشهور بالكرم .....
وكان سيدهم في ذلك الوقت بعد موت "حاتم الطائي" إبنه "عدي بن حاتم الطائي" رضي الله عنه
كان قد تنصر "إعتنق النصرانية ولم يلتزمها بل كان يخلط بين النصرانية والصابئة "
وكان هدف السرية هو هدم صنم "طيئ"
وكان من الأصنام المشهورة في الجزيرة واسمه "الفِلس"
شن عليهم المسملون الغارة مع الفجر وهدموا صنمهم "الفلس" وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء....
وفر قائدهم "عدي الطائي" إلى الشام و أخذ زوجته وولده تاركاً أخته "سفانة إبنة حاتم الطائي"
فكانت من ضمن السبايا...
"معنى "سفانة" "الؤلؤة" وبها كان يكنى أبوها حاتم الطائي لا بولده
كان يقال له أبو سفانة وليس أبو عدي....
فلما جاءت "سفانة" المدينة مع السبي وقفت بين السبي...
وكان من عادة النبي ﷺ أن يفصل بين الأسرى...
الرجال في جانب ....
والنساء في جانب .....
والصغار مع أمهاتهم...
فوضعت النساء في القسم المخصص عند ساحة المسجد .
وخرج النبي ﷺ ليؤدي إحدى الصلوات بعد مجيء هذه السبايا والأسرى...
فلما رأته "سفانة" عندما خرج من باب إحدى حجرات أزواجه رضي الله عنهن...
وقفت واعترضت طريقه وناشدته بصوت مرتفع .
يا محمد : هلك الوالد . وغاب الوافد . فامنن عليَّ منَّ الله عليك ....
قال ومن وافدك ؟
قالت . عدي بن حاتم .
قال الفار من الله ورسوله ؟
ثم مضى رسول الله ﷺ وتركها ليؤدي صلاته ....
فحين انتهى من صلاته ورجع قامت وأعترضت طريقه مرة ثانية .
"وعلمت أن الوقت أولاً كان ضيق ولكن الآن متسع ،
في الأول كان في عجلة ليؤدي الصلاة والآن راجع لحجرات أزواجه رضي الله عنهن..
فقالت : يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ من الله عليك ....
يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي قومي .
فإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام .
ولم يرد طالب حاجة قط
أنا إبنة "حاتم الطائي"
فرق قلب النبي ﷺ لحالها
وقال: قد فعلت يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً .
لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه .
خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق . وإن الله يحب مكارم الأخلاق .
فقام أبو بردة بن دينار فقال يا رسول الله ، الله يحب مكارم الأخلاق ؟
فقال ﷺ والذي نفسي بيده لا يُدخِل الجنة إلا حسن الخلق .
ثم نظر إلى سفانة و إلى أصحابه رضي الله عنهم :
وقال : إرحموا عزيز قوم ذلّ . وغنياً افتقر
وبعد أن منَّ عليها ﷺ ....
قال علي بن ابي طالب لسفانة إبنة حاتم .
قال : سليه الحملان "أي شيء تركبيه للسفر"
فسألته فأعطاها ما تركبه .
وقال لها الحبيب المصطفى ﷺ فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني .
"أخبريني أنك راحلة"
وأقامت بين الصحابيات رضي الله عنهن في المدينة حتى قدم ركب من "قضاعة"
فلما جاء وفد من قومها جاءت إلى النبي ﷺ
وقالت : يا رسول الله إن القوم من قضاعة "أي الوفد الذي عندك"
وهم فرع من قومي أجد فيهم من أثق به أبلغ معهم مأمني .
إن شئت فأذن لي بالرحيل ...
قالت : فكساني رسول الله ﷺ وحملني وأعطاني نفقة .
فجهزها وأكرمها وأوصى بها خيراً ووقف ﷺ يودعها مع الركب
فقالت وهي تركب ناقتها قبل أن ترحل ، تدعوا للنبي ﷺ.
رفعت يديها للسماء
وقالت :
شكرتك يدٌ افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتك يدٌ استغنت بعد فقر
وأصاب الله بمعروفك مواضعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة
ولا سلب نعمة كريم إلا وجعل
لك سبباً لردها عليه .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فأشرق وجهه ﷺ معجباً ببلاغتها وحسن كلماتها .
فرد عليها بالدعاء قائلا اللهم اهدي قومها وأتينا بهم طائعين .
يقول الصحابة رضي الله عنهم ولمس من ذلك أنها آمنت ولكنها كتمت إيمانها .
سببين
١ - عزة في نفسها أن تعلن إسلامها وهي أسيرة فيقال أسلمت مجبرة .
٢ - حتى ترى موقف أخيها عدي بن حاتم رضي الله عنه
لم ترجع "سفانة بنت حاتم الطائي" إلى ديارها
وإنما توجهت إلى أخيها "عدي بن حاتم" بالشام .
والآن يحدثنا "عدي بن حاتم" رضي الله عنه
يقول : وكان قد تنصر كما قلنا ولكن يخلط بين النصرانية والصابئة ويسير في قومه بالمرباع...
"المرباع أي يحل لنفسه أن يأخذ ربع غنائم الحرب يشرع لنفسه مالا يشرع لغيره"
فلما غارت عليه خيل المسلمين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه...
كان قد جهز نفسه للهرب قبل وصول المسلمون .
فقد قال لغلام له : يا فلان لا أبا لك .
"لا أبا لك كلمة تستخدم عند العرب للمدح والذم ، فإن كانوا يريدون المدح يكون المراد بها أي أيها الرجل العصامي الذي لا يتكل على غيره .
اما الذم لا أبا لك يعني غير معروف أبوك لا أصل لك"
فقال لغلامه مادحاً . لا أبا لك اختر لي من الأبل نياق سمان سراع أعتمد عليها تكون في مقربة مني فإن سمعت بخيل محمدٍ قدمت أخبرني .
فلما أقتربت خيل المسلمين من ديار طيئ أخبره الغلام .
يقول عدي : فركبت على النياق وحملت زوجتي وولدي وأصابتني ساعة ذهول فتركت أختي "سفانة" "نسي أخته "
ثم انطلقت وقلت ليس لي إلا أرض الشام فإنها تدين بالنصرانية وأنا واحد منهم .
فارتحل إلى الشام والذين يدينون بالنصرانية لم يكونوا عرب ....
قليل من إعتنق النصرانية من العرب .
فكانوا إذا تنصر عربي "خاصة إذا كان كبير في قومه" جعلوا له عندهم مكانة "حتى يملكوا قلبه وقلب قومه معه"
يقول عدي فلما أتيت الشام وعلموا بأمري
جعلوا لي أرضاً وحائطاً "أي بساتين" وضربوا لي قبة وزينوها وأقام من معي ومن أعرف من حولي .
فلما وصلت أخته "سفانة" إلى الشام ...
سألت أين أجد بن حاتم ؟
قالوا لها . عند تلك القبة
فذهبت إليه وكان أخوها يقف على الباب .
فلما رأها من بعيد وعرفها هرول إليها مسرعاً يستقبلها .
وهو يقول . مرحباً مرحباً ببنت حاتم الطائي .
فقالت له : أهرب عني أيها القاطع الظالم .
فعرف انها مغضبة منه
قال : فالتزمت الصمت حتى دنت ودخلت وجلست بالخيمة وذهب عنها الغضب .
فقال : أعذريني يا أختاه ولا تقولي إلا خيراً...
أجل لقد قصرت في حقك وصابتني ساعة ذهول حين قدمت خيل محمد والمسلمين .
اخبريني يا أختاه عن أمرك
وكانت "سفانة" إمرأة رزينة جزلة حصيفة عقلها يعدل عشرات من الرجال ....
فأخبرته كيف منَّ عليها رسول الله وأعتقها .
قال : يا أختاه كيف رأيتِ الرجل ؟
قالت له : رأيت فيه كل خير ، ورأيت منه كل خير .
لقد فعل محمد فعلة ما كان أبوك يفعلها ....
وقد رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير .
وما رأيت أجود ولا أكرم منه
وإن يكن نبياً فا للسابق إليه فضل .
وإن يكن ملكاً فلا تزال في عزّ ملكه .
ويحدثنا "عدي بن حاتم" رضي الله عنه عن قصة إسلامه والتي كانت بدايتها إحسان النبي ﷺ لأخته "سفانة"
وتوجه إلى المدينةالمنورة ودخل على الرسول ﷺ في المسجد وهو يظن أنه سيلقى ملكاً
يقول : فسلمت عليه .
فقال ﷺ من الرجل ؟
قلت له . عدي بن حاتم .
فقال مرحباً بك .
يقول عدي رضي الله عنه فقام النبي ﷺ وأخذ بيدي وتوجه بي إلى بيته .
فلقيته في الطريق امرأة ضعيفة متقدمة في السن ذات هيئة رثة فاستوقفته .
فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها ومازال واقفاّ يكلمها .
والذي بعثه بالحق نبياً ، لم يدر وجهه عنها ولم يعطها ظهره ولم يتركها حتى كانت هي التي قطعت الحديث واستدارت وتركته قائما .
يقول عدي رضي الله عنه فقلت ويل أمك يا عدي .
أنت لا تقف مع ملك من ملوك الدنيا فليس هذا من فعل الملوك .
ثم دخل بيته وقدمني بالدخول "يعني تفضل"
فتناول وسادة فقذفها إلي وقال إجلس على هذه .
فقال عدي رضي الله عنه بل إجلس أنت
فقال ﷺ بل أنت إجلس إنما أنت الضيف والكرامة للضيف .
يقول عدي رضي الله عنه فجلست عليها وجلس ﷺ متربعاً على الأرض .
فقلت : هذه أخرى يا عدي وهل الملوك تجلس على الأرض ؟
الملوك تجلس على العروش وحاشيته حوله .
فقال النبي ﷺ لي مرحباً يا عدي بن حاتم . كيف أنت ؟
وأخذ يحدثني .
يقول عدي فلما استأنست معه بالحديث....
رفع رأسه إلي
وقال يا عدي أسلم تسلم .
فقلت . إن لي ديناً .
قال أنا أعلم بدينك منك ، ألست ترأس قومك ؟
قلت . بلى .
قال ألست نصرانين ركوسين
"يعني تخلط بعبادتك النصرانية وعبادة الأصنام "
قلت . بلى
قال ألست تأكل المِربَاع ؟ "أي ربع غنائم الحرب"
قلت . بلى .
قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك .
قال عدي رضي الله عنه فتضعضعت لذلك .
و أخذ يعد لي أشياء عني كأنه كان يعيش معي .
ثم قال لي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم.
فإنه ما يمنعك أن تسلم وتدخل في هذا الدين قلة أهله وكثرة عدوه .
"يعني أنا أعلم لماذا نفسك تمنعك أن تسلم"
ألا والذي نفسي بيده يا عدي ، ليوشكن أن ترى القصور البيض "أي قصور كسرى وفارس" قد فتحت على أيديهم "أي الصحابة" وجاست بها خيل المسلمين .
يا عدي . إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين خصاصة تراها من حولي .
"اي حاجة وفقر الصحابة رضي الله عنهم الذين حول النبي ﷺ
ألا والذي نفسي بيده ليوشكن أن ترى الغلمان يطفون بالمال لا يقبله أحد .
ولا يأخذ منه شيء .
بل يزيدون عليه حتى يرجع لبيت مال المسلمين أكثر مما خرجوا به .
وتوشك الظعينة "أي المرأة على البعير في الهودج" أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت .
يقول عدي رضي الله عنه وأخذ ﷺ يعدد لي كل شيء في نفسي كان يحجبني عن الإسلام .
ثم قال يا عدي . أسلم تسلم .
فقلت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله كيف علمت عني كل هذا ؟
فقال لي يا عدي إنما أنت تجلس مع نبي ورسول ليس مع ملك من ملوك الدنيا .
فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
وأسلم عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه
ويحدث عدي هذا الحديث للتابعين فلقد عاش عدي 140 عام .
لقد بقي لخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشهد المعارك مع علي بن أبي طالب رضي الله عنهما كلها .
واستشهد علي رضي الله عنه وبقي عدي على قيدالحياة .
فهو يحدث التابعين ويقول لهم والذي بعثه بالحق لقد عشت حتى رأيت اثنتين من نبوءات النبي ﷺ .
وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز .
ودخلت بخيلي قصور كسرى وجمعنا غنائمها .
وها أنا رأيت المرأة تخرج من الحيرة حتى تؤم بيت الله الحرام لا تدخل بجوار أحد ...
وأحلف بالله لترون الثالثة وترون الغلمان يطوفون بالمال لا يقبله أحد ولا يأخذ منه شيء بل يزيدون عليه حتى يرجع لبيت مال المسلمين أكثر مما خرجوا به .
و لعلها قد حقق الله الثالثة في زمن الخليفة الراشد :
عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه
فلقد رأى من بعدك من التابعين الغلمان تخرج من بيت مال المسلمين بالمال يطوفون على الناس فلا يقبله أحد بل يزيدون عليه ... في ظل الخليفة الراشد العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله .....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة بعد المئتان 204
غزوة تبوك . الجزء الأول .
في بداية العام التاسع كان "عام الوفود"
فيه مجيء القبائل العربية لمبايعة النبي ﷺ على الإسلام
الوفود لم تنحصر في عام واحد فمنذ فتح مكة إلى حجة الوداع والوفود تأتي إلى المدينة تعلن إسلامها...
ولكن كتب السيرة جعلت لهذا العام هذا الإسم عام الوفود ....
ومع مجيء هذه الوفود خاصة التي تسكن على أطراف بلاد الشام ....
حملت هذه القبائل أخبار للنبي ﷺ أن الإمبراطورية الرومانية تحشد جيوشها لغزو الجزيرة
وكان ذلك في منتصف العام التاسع تقريباً...
وصلت إلى النبي ﷺ هذه الأخبار التي هي في غاية الخطورة
وهي أن الإمبراطورية الرومانية قد حشدت جيوشها من الروم والغساسنة العرب الموالين لها لغزو الجزيرة العربية حتى يصلوا إلى المدينة المنورة ...
وجاءت الأخبار إلى أن هذه الجيوش قد وصلت إلى منطقة "البلقاء" وهي المنطقة الموجودة الآن في شمال غرب الأردن .
وسبب حشد هذه الجيوش هو خوف الإمبراطورية الرومانية من التصاعد السريع لقوة الدولة الإسلامية والرغبة في كسر شوكة المسلمين قبل أن يستفحل خطرها وتهددها في عقر دارها .
وكذلك الرغبة في الإنتقام من الإنتصار الذي حققه المسلمون في "مؤتة" قبل هذا التاريخ بعام واحد ....
ونزل الأمر الإلهي بقتال الروم .
قال تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً .
ومعنى يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يعني أقرب الكفار من دياركم .
والروم في الشام هم أقرب الكفار إلى المسلمين .
نحن نتكلم عن السنة التاسعة من الهجرة وقد بلغ حبيبنا ﷺ من العمر 62 عام .
كان الروم يريدون أن يسبروا غورا المسلمين وأن يروا ماذا ستكون ردة فعلهم .
اتخذ النبي ﷺ القرار السريع والحاسم بالخروج لقتال الروم في الشام قبل أن يتحركوا هم في إتجاه المدينة .
مع أن الجيش الذي سيظل في مكانه سيتمتع بميزة هامة .
وهي أن الجيش الآخر سيصل إليه مرهق .
لأن المسافة بين المدينة وبين الشام طويلة جدآ تزيد عن 1000 كم في صحراء قاحلة وطرق وعرة وحرارة شديدة جداً
ومع ذلك اتخذ النبي ﷺ القرار بالزحف في إتجاه الشام برغم علمه ﷺ بأن هذا التحرك سيفقده هذه الميزة النسبية
وعلمه ﷺ أن جنود الروم والغساسنة لا يتحملون التوغل في الصحراء هذه المسافة الطويلة وفي هذه الحرارة العالية ....
وكان السبب في ذلك هو أن عدد كبير من القبائل بين المدينة وبين الشام قد دخلت في الإسلام .
فلو بقي النبي ﷺ في المدينة وترك هذه القبائل في مواجهة الجيوش الرومانية .
فهذا معناه التدمير الكامل لهذه القبائل .
والنبي ﷺ ليس مسؤلاً عن أمن المدينة فقط .
ولكنه مسؤولاً عن أمن الجزيرة كلها .
وسبب آخر هو أن مجرد تحرك جيش المسلمين في الجزيرة العربية هو تدعيم للقوة وسلطان المسلمين في الجزيرة .
أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم بالتجهز للقتال ....
كما أرسل إلى القبائل العربية التي دخلت في الإسلام وبعث إلى مكة وقبائل العرب ليستنفرهم للقتال ....
ولأول مرة يعلن ﷺ وجهة الجيش .
وكان من عادته ﷺ أن يخفي وجهة الجيش حتى يفاجأ أعدائه .
ولكن في هذه الغزوة لم يخفي وجهة الجيش لعدة أسباب .
١- أن المسافة بعيدة جداً والطرق وعرة والحر شديد .
فينبغي أن يستعد المسلمون لذلك بتجهيز المؤن وغيرها .
لدرجة أن النبي ﷺ أمر أن يصحب كل رجل معه نعلان .
وكذلك تجهيز أنفسهم نفسيا لهذه الغزوة الشاقة .
٢- أن الجيش به عدد كبير من الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم .
فكان لابد من الإعلان حتى لاتحدث معارضة من هذه الإعداد الكبيرة بعد الخروج .
٣- إن إخفاء الجيش في هذه الغزوة أمر صعب جداً نظراً لضخامة الجيش وبعد المسافة .
فإذا حاول المسلمون إخفاء الجيش فغالباً لن ينجحوا .
حث النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم على الصدقات لتجهيز الجيش .
فتسارع الصحابة رضي الله عنهم في الصدقة ....
وكان لأغنياء الصحابة رضي الله عنهم نفقات عظيمة كالعباس بن عبد المطلب وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن مسلمة وعاصم بن عدي وغيرهم الكثير .
وتصدق "عبد الرحمن بن عوف" بنصف ماله .
وكانت حوالي 24 كيلو من الفضة تقريباً..
وقد تصدق "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بنصف ماله كذلك وكانت ثلاثة آلاف درهم .
يقول عمر رضي الله عنه أمرنا النبي ﷺ أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي .
فجئت بنصف مالي وقلت . اليوم أسبق أبا بكر الصديق رضي الله عنه
فجاء عمر رضي الله عنه ووضع هذا المال بين يدي النبي ﷺ .
فقال النبي ﷺ ما أبقيت لأهلك ؟
فقال عمر رضي الله عنه . مثله .
ثم أتى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وتصدق بأربعة آلاف درهم .
فقال له النبي ﷺ ما أبقيت لأهلك ؟
فقال أبو بكر . أبقيت لهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فقال عمر رضي الله عنه لا أسابقك إلى شيء أبداً...
وتصدق فقراء المسلمين بما يقدرون عليه .
حتى أن بعضهم مثل "أبو عقيل" رضي الله عنه تصدق ببعض التمر
وبعثت النساء بحليهن من خواتم وخلاخل حلق وغير ذلك يشاركن بتجهيز هذا الجيش .
أما أكبر من أنفق في هذا اليوم فهو "عثمان بن عفان" رضي الله عنه
يقول عبد الرحمن بن حباب رضي الله عنه : شهدت الرسول ﷺ وهو يحث على جيش العسرة .
فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه
فقال : يا رسول الله . عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله .
"بأحلاسها وأقتابها يعني بكامل عدتها"
فنزل النبي ﷺ درجة من على المنبر ثم حض على الجيش .
فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال . يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله .
فنزل النبي ﷺ درجة ثانية على المنبر .
وكان نزول النبي ﷺ من على المنبر حركة عملية يقوم بها حتى يشعر الصحابة رضي الله عنهم أن تجهيز الجيش قد اقترب إكتماله...
حتى أنه ﷺ على وشك ترك المنبر وتوقف حثه للصحابة رضي الله عنهم على الصدقة .
ثم حض على الجيش
فقام عثمان بن عفان فقال . يا رسول الله . عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله حتى شنق أسقيتهم .
"وعاء الشرب كان من الأدم أي الجلد فإذا ملئت بالماء لا بد لها من حبل خاص يربطها .
فكانوا يصنعون لها الرباط من الشنق المقوى حتى لاتنفلت فيضيع الماء .
يعني: علي تجهيز الجيش حتى رباط وعاء الماء .
فنزل النبي ﷺ من على المنبر الدرجة الثالثة وهو يقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ، ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم .
أنفق الصحابة رضوان الله عليهم الكثير من المال
ومع كل هذه النفقة فلم تكفِ الأموال لتجهيز كل من أراد الخروج للجهاد في هذا الجيش .
فلم يكن عند المسلمون الأموال لشراء أبعرة "مراكب" تكفي كل المسلمين .
فكانوا يأتون إلى النبي ﷺ من لايملكون المال للجهاد من فقراء المسلمين .
يقولون . يارسول الله احملنا
فيطرق رأسه صلوات ربي وسلامه عليه
ويقول لهم والذي نفسي بيده لا أجد ما أحملكم عليه .
وبعض هؤلاء عندما ردهم النبي ﷺ بكى من شدة الحزن
ومن هؤلاء "علبة بن زيد" رضي الله عنه الذي خرج من المسجد وهو يبكي .
ثم ذهب إلى بيته وأخذ يصلي طويلاً في الليل
ثم رفع يده مناجيا الله تعالى
وهو يقول اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أحمل عليه .
وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض .
وقد سجل لهم القرآن العظيم هذا الحزن النبيل
وقد أطلق على هؤلاء "البكائيين" وقيل أن عددهم سبعة
لماذا يطلق عليهم البكائين .
كانوا يبكون لأنهم لايجدون ما يحملهم على الجهاد في سبيل الله .
قال تعالى يصف حالهم .
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ .
يقول عثمان رضي الله عنه فلما تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ، رق النبي ﷺ لهم ودمعت عيناه .
فوثب العباس رضي الله عنه وقال : أحمل منهم إثنين
وقام رجل اسمه "ياميز بن عمرو الضمري }} رضي الله عنه أصله يهودي من بني النضير وقد أسلم وحسن إسلامه ."
قال . وأنا أحمل إثنان .
قال عثمان رضي الله عنه فقلت للثلاثة الذين بقوا وأنا أحملكم ، فحمل السبعة .
ولما رأى عثمان رضي الله عنه ذلك إنطلق إلى داره
"وحسب المسألة في عقله .
اليوم كنا جلوساً فجاء سبعة فاعتذر لهم النبي صلى الله عليه وسلم فتداركنا الموقف فلعله يأتي غيرهم ونحن لسنا جلوسا عنده فماذا يصنع النبي صلى الله عليه وسلم هل يبقى يعتذر ؟
فقال : فأتيت داري وحملت في كمي .
وحملت في كمي 1000 دينار ذهبية وأتيت بها إلى المسجد .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فجاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مازال في المسجد يحدث أصحابه رضي الله عنهم
وقال عثمان رضي الله عنه : بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
يأتيك الضعفاء من الناس فحتى لا تعتذر إليهم أضع هذه بين يديك .
وأخذ عثمان رضي الله عنه بكمه وهر الدنانير الذهبية في حجر النبي ﷺ .
وهو يقول : أضع هذه بين يديك حتى تحمل منهم من شئت .
وظن الناس أنه يحمل عشرين أو ثلاثين من الدنانير الذهبية .
فمازال عثمان يهر ويهر من كمه حتى أصبح كوماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الصحابة رضي الله عنهم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فيها ونظر في وجه عثمان رضي الله عنه
ثم أخذ يقلبها بيديه وهو يقول :
ما على عثمان ما صنع بعد اليوم .
لا يضر عثمان ما صنع بعد اليوم .
ليصنع عثمان ماشاء بعد اليوم .
"يعني ما فعله كفارة لكل ذنوبه الماضية والآتية أيضاً
وهذه بشارة بحسن الخاتمة
وأخذ يدعو لعثمان رضي الله عنه ويقول اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال .
رأيت رسول الله ﷺ من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعاً يديه الكريمتين يدعو لعثمان بن عفان يقول . اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه.....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة بعد المئتان 205
غزوة تبوك . الجزء الثاني .
قام عبدالله بن سلول "رأس المنافقين" فجمع الناس في فناء داره وكان هو كبير الخزرج
وكان يعرف بالنفاق .
فجمع الذين على شاكلته فبلغ عددهم حوالي 300 منافق .
"أيام النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة رضي الله عنهم في 300 منافق .
جمع ابن سلول رهطه من المنافقين وجلس يحدثهم
قال : يغزو محمد بني الأصفر
يقصد الروم .
و لماذا إسمهم بني الأصفر ؟
أكثر من قول للعلماء في كتب السيرة .....
١ - لأن أغلبهم لون بشرتهم وشعرهم أشقر قريب للصفار ..
٢ - لأنهم يتعاملون بالذهب في كل شيء.....
٣ - لأنهم من سلالة "روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه السلام" وكان يسمى الأصفر لصفرة به "
قال : يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد
"أي ما لا طاقة له به"
والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال ولا أرى محمد ينقلب إلى المدينة أبدا....
كان يقول ذلك الكلام ليحبط الناس حتى يتخلفوا في الخروج مع رسول الله ﷺ
إنا لنخشى الروم ونحن في ديارنا أنذهب إلى ديارهم ؟
"لقد أورث "ابن سلول" هذا المعتقد في المنافقين إلى أيامنا هذه"
هكذا يكون اسلوب المنافقين في الكلام تماماً قلوبهم كقلب كبيرهم الذي أورثهم النفاق "ابن سلول"
قال ابن سلول هذا وبثه في عقول أصحابه من المنافقين
وقد سطر القرآن الكريم أقوالهم بالتفصيل في سورة "التوبة" .
وتسمى أيضاً سورة "الفاضحة
لأنها فضحت المنافقين وسطرت قول كل واحد منهم ما يقول .
ولو أراد الصادقون من الصحابة رضي الله عنهم أن ينقلوا بالكلام ما قاله المنافقين لن ينقلوه بالدقة التي جاء بها القرآن الكريم
فأخذا المنافقون يطلبون الإذن من النبي ﷺ بعدم الخروج للقتال ويتعللون بعلل واهية
من هؤلاء مثلاً :
الجد بن قيس "مناف"
وكان له ابن اسمه "عبدالله" مؤمن صادق من الصحابة رضي الله عنهم فجاء "الجد" إلى النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم في مسجده جالس بين أصحابه رضي الله عنه
قال : تأذن لي يارسول الله هذه المرة أن أجلس في المدينة وأن لا أرتحل ؟
فقال له النبي ﷺ وهو يبتسم إنك موسر يا جد فتجهز ، تجهز في سبيل الله .
فقال الجد : يا رسول الله إني ذو ضبعة وقومي يعلمون ذلك .
"الضبعة هي شدة الشهوة إتجاه النساء.... فأخاف فتنة نساء بني الأصفر.... فلا أصبر....
يقول الصحابة رضي الله عنهم فتربد وجه النبي ﷺ
"ظهر عليه الغضب" ثم أعرض بوجهه الشريف عنه وهو مغضب
وقال له : قد أذنت لك فلا تخرج .
فلما خرج "الجد" من المسجد قام إبنه عبدالله رضي الله عنه المؤمن الصادق وتبعه....
فتبعه وهو يعلم أن أبوه منافق
ولكن قال له بكل أدب: يا أبتي لما تعتذر لرسول الله وقد أكد عليك وقال لك مرتين تجهز تجهز ؟
فكيف تخالف رسول الله وتعتذر له بما ليس فيك ؟
أي تعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم بحجج كاذبة"
فقال له أبوه : يا بني أيحسب محمد : لم يقل رسول الله هذا شعار المنافقين"
أيحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب ، لكأني أنظر إلى أصحابه مجدلين بالحبال
نفس كلام معلمه ابن سلول
فقال إبنه مستغرباً . أبتاه .. هذا شعار المنافقين ....
فصرخ أبوه في وجهه وقال :
أنا أعلم منك بالدوائر .
"أي أعرف أكثر منك كيف تدور الأمور "
فقال له إبنه عبدالله رضي الله عنه والله إن هذا لهو النفاق بعينه .
فما كان من أبوه إلا خلع نعله وضرب به وجه إبنه عبدالله رضي الله عنه
ومع ذلك بقي الولد متأدبآ بتأدب القرآن الكريم ...
قال تعالى :
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا .
فقال رضي الله عنه : إني والله لا أرد عليك بشيء .
ولكني أرجو أن ينزل الله بك قرآن يتلى إلى قيام الساعة
فأنزل الله تعالى فيه قوله :
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ .
"لا تفتني يعني لا تبتليني برؤية نساء بني الأصفر"
فلما نزلت الآية
قال عبد الله رضي الله عنه :ألم أقل لك ؟
فقال له : اسكت يالكع . فوالله لأنت أشد عليّ من محمد .
وفي رواية أخرى أن "الجد بن قيس" لما امتنع وأعتذر .
قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن أعينك بمالي ...
فأنزل الله تعالى .
قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ...
هكذا كان ﷺ يأذن لهؤلاء المنافقين ....
لأن النبي ﷺ لا يريدهم في الجيش لأنهم يثبطون الجيش .
ولكن الله تعالى عاتب المصطفى ﷺ لأنه أعطى الإذن لهؤلاء .
فقال تعالى :
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ♡ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ♡ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ♡
بدأ بالعفو قبل المعاتبة لكي لا يؤلم قلب حبيبه ﷺ بالمعاتبة
فلو قال له لم أذنت لهم . عفا الله عنك لكانت ثقيلة على قلب حبيبه ﷺ .
بدأ بالعفو قبل المعاتبة
فالله تعالى يقول للنبي ﷺ ما كان ينبغي أن تأذن لهم .
لأنك إذا لم تأذن لهم واصروا على القعود فستعلم الصادق من الكاذب ....
و ليس هذا فحسب .
كان المنافقون يحاولون تثبيط المسلمين عن النفقة فعندما يجدون أحد أغنياء المسلمين يتصدق بالأموال الكثيرة
يقولون . ما فعل هذا إلا رياء .
وعندما يتصدق بعض الفقراء بالأموال القليلة
يقولون : إن الله لغني عن هذه الصدقة .
فعندما تصدق "عبدالله بن عوف" رضي الله عنه بنصف ماله
قالوا . ما أعظم رياءه .
وعندما تصدق أحد الصحابة رضي الله عنهم وكان فقير :
" عقيل " رضي الله عنه تصدق ببعض التمرات
فقالوا إن الله لغني عن صدقة هذا .
فنزل قول الله تعالى في سورة التوبة .
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
"يلمزون يعني يعيبون .
"الْمُطَّوِّعِينَ" أصلها المتطوعين بالتاء ولكنها أدغمت التاء في الطاء"
وكان المنافقون يتجمعون في بيت رجل يهودي اسمه "سويلم" ويثبطون الناس عن الخروج والغزو .
ويتعللون بشدة العدو والحر الشديد ويقولون أن الوقت هو وقت جني الثمار .
قال الله تعالى مخبرآ عنهم .
وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ .
بشرهم بنار جهنم .
وهذا درس هام جداً من دروس السيرة وهو التعامل بحسم شديد مع من يريد أن يهدم أركان الدين و الدولة .
تجهز جيش المسلمين :
وبلغ تعداد الجيش 30 ألف مقاتل
وعشرة آلاف فرس .
وأطلق على هذا الجيش "جيش العسرة"
لأن الخروج في هذا الجيش كان أمر عسير وشاق
والجزاء دائماً على قدر المشقة
فمن يصوم في الصيف ليس كمن يصوم في الشتاء .
والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه ليس كمن يقرأه بسهولة .
والذي أطلق عليه "جيش العسرة" هو القرآن العظيم .
يقول تعالى .
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ .
أسباب الصعوبة الشديدة في الخروج إلى تبوك .
كان الخروج في هذا الجيش هو أصعب مرة خرج فيها المسلمون لأسباب كثيرة ....
١ - قوة العدو وشدته وتفوقه في العدد والعدة فكان عددهم 100 ألف .
٢ - بعد المسافة أكثر من 1000 كم تقريباً.
٣ - قلة المؤن من الطعام والشراب .
٤ - قلة " المراكب" من خيل وجمال ودواب .
٥ - أن الوقت الذي خرج فيه الجيش هو وقت جني الثمار .
والمدينة بلد زراعي وأغلب أهله يعملون بالزراعة .
خرج النبي ﷺ على رأس الجيش وكان عمره ﷺ كما قلنا في هذه الغزوة شديدة الصعوبة 62عام وكان خروج الجيش في يوم الخميس غرة رجب من السنة التاسعة .
واستعمل النبي ﷺ على المدينة "محمد بن مسلمة" رضي الله عنه
وخلف النبي ﷺ على أهله "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
حتى هذا الموقف لم يتركه المنافقون فقالوا أنه ترك عليا رضي الله عنه في المدينة لأنه استثقله
فلحق علي رضي الله عنه بالجيش وذكر ذلك للرسول ﷺ
فقال له النبي ﷺ كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي .
فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك . فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
تناول القرآن الكريم لغزوة تبوك .
نزل القرآن العظيم يسجل هذه المواقف في سورة التوبة
يقول تعالى :
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (82) فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (87) لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
07-02-2022, 06:27 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة بعد المئتان 206
غزوة تبوك . الجزء الثالث .
الخروج إلى تبوك .
تجمع جيش المسلمين وكان عدده 30 الف للخروج لقتال الروم في الشام .
قبل أن يتحرك الروم في إتجاه المدينة .....
وخرج الجيش من المدينة في يوم الخميس غرة {{رجب}} من السنة التاسعة من الهجرة
وكانت هذه هي أصعب غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
لأن المسافة بعيدة جداً تصل إلى حوالي 1000 كيلو متر في صحراء قاحلة وطرق وعرة
والحرارة شديدة جداً....
ليس هذا فحسب بل كان هناك عدد قليل من المراكب .
فكان كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر يتعاقبون على بعير واحد .
ومعنى هذا أن كل رجل في الجيش يسير على قدميه حوالي 700 كم تقريباً
رضي الله عن الصحابة أجمعين
عسكر النبي ﷺ بالجيش بالقرب من المدينة وانطلق الجيش
وأخذ المنافقون ينسحبون واحداً تلو الاخر .
فكانوا يتخلفون عن الجيش ويعودون إلى المدينة .
فكان كلما تخلف واحد ورأه الصحابة رضي الله عنهم يقولون يا رسول الله تخلف فلان "يعني رجع"
فيقول النبي ﷺ دعوه . إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم . وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
عبارة واضحة دعوا الأمور لله تعالى نحن لا نحكم على الناس بالنفاق والكفر إنما أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ....
و هكذا طوال الطريق ....
وبعد مسيرة ثلاثة أيام من المدينة تأتي قصة الصحابي الجليل "أبا ذر الغفاري" رضي الله عنه...
يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عندما أمر النبي ﷺ لغزوة تبوك كنت أعلم أن راحلتي ضعيفة...
قال: فعلفته ثلاثة أيام علف شهر حتى لا يعيقني .
فلما انطلق الجيش ركبته وانطلقت معهم حتى إذا كنا على ثلاث مراحل من المدينة أعياني بعيري ...
فجلست أعالجه .
فلما يأست منه تركته
وقبل أن يتم لنا {{ أبو ذر }} رضي الله عنه قصته لننظر حينما تأخر عن الجيش ، وهو يحاول أن يعالج بعيره ماذا كان ؟؟
رأى الصحابة رضي الله عنهم
من كان آخر الجيش ان "أبا ذر" رضي الله عنه قد جلس وتأخر ولم يلحق بهم
فأخبروا النبي ﷺ أن "أبا ذر" رضي الله عنه قد تخلف و تأخر
وإذا بالنبي ﷺ يكرر المقولة نفسها التي قالها عن المنافقين
دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم .
يقول أبو ذر رضي الله عنه فجلست أعالج بعيري .
فلما أعياني تركته باركاً في الصحراء وأخذت متاعي ووضعته على ظهري ولحقت مشياً بالجيش على قدماي ..
فلما كانوا على مقربة من تبوك
استراح الجيش وكان الصحابة رضي الله عنهم قلقون على "أبي ذر رضي الله عنه
فأخذوا يراقبون الطريق لعل "أبا ذر رضي الله عنه يلحق بهم...
فنظروا من بعيد فإذا برجل يسير على قدميه ومتاعه على ظهره ..
فقال أحد الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يشير بأصبعه بإتجاه الرجل من بعيد
ويقول : كن أبا ذر . كن أبا ذر فلما اقترب وتبين الصحابة قالوا : يا رسول الله الله أكبر هو والله أبو ذر رضي الله عنه
فقال النبي ﷺ : رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ويموت وحده . ويبعث يوم القيامة أمة وحده .
قدم "أبو ذر" رضي الله عنه وقد جف ريقه من العطش و تسلخت قدماه من المشي على الرمال الحارة ...
وقد أتعبه حمل متاعه على ظهره وهو يتلهف أن يلحق بالنبي ﷺ
يقول الصحابة رضي الله عنهم فاقترب وجلس بين يدي النبي ﷺ .
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي .
قال له النبي من أي شيء ؟
قال : أعياني بعيري فعالجته حتى يإست منه .
فتركته في الصحراء وحملت متاعي على ظهري حتى لحقت
فاستغفر لي عن هذا التأخر .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فذرفت عين النبي ﷺ .
وقال : لقد حط الله عنك يا أبا ذر في كل خطوة مشيتها سيئة وكتب لك حسنة ورفعك بها في الجنة درجة .
وقد حقق الله نبوءة النبي ﷺ في "أبا ذر" رضي الله عنه
في خلافة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه خرج "أبو ذر" رضي الله عنه ورحل من المدينة عندما بدأت تظهر الفتن وارتحل إلى الطريق الذي يؤدي للعراق
وعلى مسيرة ثلاثة أيام من المدينة ... نصب له خيمة هناك وليس معه إلا زوجته وخادم له
وكان إذا احتاج شيء أخذه من القوافل في الطريق .
وحضرته الوفاة ذات ليلة وليس عنده إلا زوجته وخادمه .
فقال لزوجته إذا أنا مت فضعيني عند باب الخيمة وقفِي وانظري إلى أول مار بالطريق .
فقولي له هذا صاحب رسول الله قد مات فجهزه وصلي عليه .
وعند الضحى فاضت روحه الكريمة رضي الله عنه .
فصنعت زوجته وخادمه كما أوصى...
وضعوه عند باب الخيمة ووضعوا عليه الستار .
ثم أخذت زوجته ترقب الطريق
ويا سبحان الله عندما يكرم الله رجل يحبه .... وإذا براكب من بعيد مقبل من جهة العراق ومعه رهط من الرجال .
فلما اقترب نظرت إليه زوجة "أبا ذر رضي الله عنهم
وقالت : ابن مسعود رضي الله عنه....
فقالت له : ابن مسعود ؟
قال : أجل ما شأنكم ؟!!
قالت : هذا "أبا ذر" صاحب رسول الله ﷺ .
ولقد حضرته نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وها هو قد مات وحده .....
وقد أوصاني أول مار في الطريق فليجهزه وليصلي عليه ....
فنزل ابن مسعود رضي الله عنه وقبله بين عينيه ...
ثم غسله ومن معه من أصحابه رضي الله عنهم
واستخرج مما معهم من ثوب أبيض وكفنه وصلى عليه ابن مسعود رضي الله عنهم
ثم دفنه ورجع إلى المدينة مع زوجته وخادمه ...
وأخبر ابن مسعود رضي الله عنه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.... فقال عثمان رضي الله عنه لقد مات "أبو ذر" رضي الله عنه وحده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وسيبعث يوم القيامة وحده كما قال النبي ﷺ
وكان ممن تخلف عن مسيره مع رسول الله ﷺ
الصاحبي الجليل "أبا خثيمة" رضي الله عنه .
يحدثنا أبا خيثمة عن نفسه
يقول : عندما مضى النبي ﷺ بالجيش قلت في نفسي :
أني في إستعداد وفي سعة فإذا انطلق الجيش انطلقت
يقول : فبقيت في داري في المدينة ولم أعسكر مع الجيش
فلما انطلق الجيش ...
قلت : ألحق بهم آخر النهار فأنا على إستعداد ....
فغلبتني نفسي ونمت تلك الليلة في داري .
فلما كان النهار مضيت في بعض شأني ثم عدت إلى حائطي ...
وكان عندي زوجتان وكان يوماً حارا... فلما دخلت حائطي وجدت زوجتاي في عريشتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها ....
وبرّدتا فيها ماء وهيأتا طعاماً وترجو كل واحدة منهم أن اكون نزيلها ....
وكان يوماً شديد الحر ....
فلما دخلت نظرت إلى زوجتي وما صنعتا....
فقلت : رسول الله خير خلق الله وخاتم رسله مع خيرة صحبه تحت حر الشمس وعسيف الرمال يسير في سبيل الله في الحر .
وأباخثيمة في ظلّ بارد وماء مهيأ وإمرأة حسناء ؟؟؟
ما هذا بالنصف.... وماهذا من شعائر الإيمان والله .
ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زادآ ففعلتا...
ثم ركب بعيره وأخذ سيفه ورمحه ثم انطلق يلحق رسول الله ﷺ حتى أدركه حين نزل بتبوك ....
فلما دنا أبا خثيمة رضي الله عنه
قال الناس : هذا راكب مقبل .
فقال النبي ﷺ كن أبا خثيمة .
فقالوا :يا رسول الله هو والله أبا خثيمة رضي الله عنه
فلما أناخ أقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي لقد كان من أمري كذا وكذا . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفع النبي ﷺ إليه رأسه
وقال له أولى لك يا أبا خثيمة .
فسمع منه صلى الله عليه وسلم ودعاء له رضي الله عنه
أما حال الصحابة رضي الله عنهم وهم في طريقهم إلى تبوك فقد دخلوا في جوع وعطش شديدين .
فلقد كانت المؤن قليلة جداً حتى كان الرجلين يقسمان التمرة بينهما .
وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ، يمصها هذا ، ثم يمصها هذا ثم يمصها هذا .
واضطر الصحابة رضي الله عنهم إلى أكل ورق الشجر حتى تورمت شفاههم .
ثم نفذ الماء وأصاب الجيش عطش شديد .
يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع .
وبدأ الصحابة رضي الله عنهم من شدة العطش ينحرون الأبعرة "البعير" ويعصرون ما في بطونها من فرث ليشربوه .
مع قلة الأبعرة وحاجتهم الشديدة إليها...
يقول عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش ....
حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على صدره .
فشكوا ذلك للنبي ﷺ ...
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي ﷺ يا رسول الله قد عوّدك الله من الدعاء خيراً فادع الله لنا ....
قال أتحب ذلك يا أبا بكر ؟
قال : نعم .
ورفع يديه ﷺ فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى إرتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون إليه .
وكانت تلك السحابة لم تتجاوز المعسكر ....
وكان رجلاً من الأنصار قال لآخر متهم بالنفاق بينهم ويحك قد ترى .... فقال هذا المنافق : سحابة مارّة وانتهت ....
فأنزل الله تعالى :
وتجعلون رزقكم . أي بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون . أي حيث تنسبوه للطبيعة...
تجمعت السحب في السماء ونزل المطر ....
فسقوا وارتوا وسقوا أنعامهم ببركة دعاء الحبيب المصطفى ﷺ .
ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله لو جمعنا ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ....
فجاء المسلمون بكل ما بقي لهم من طعام ....
فبارك النبي ﷺ، عليها حتى ملأ الزاد والطعام كل المعسكر .
ومر الجيش في سيره على منازل "ثمود" قوم نبي الله صالح عليه السلام ...
وقد أخبر القرآن العظيم أن قوم صالح قد أهلكوا في هذه المنطقة ...
وهذه المنطقة بها أبيار للمياه ...
فأسرع المسلمون وشربوا وملؤا أوعيتهم بالماء وعجنوا العجين بهذا الماء ليصنعوا خبزآ يأكلوه بعد طول جوع ...
ولكن المفاجأة أن النبي ﷺ قد أمرهم بأمر شاق جداً يتركوا هذا المكان وما فيه.....
وأيضاً أمرهم النبي ﷺ ألا يدخلوا ديار قوم "ثمود" إلا باكين تأثراً بما حدث لهم عندما خالفوا أمر الله عز وجل....
فقال لهم النبي ﷺ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم ....
وقنع النبي ﷺ رأسه بالثوب وغطاه وأسرع بالمسير ولم يدخل ....
هذا الكلام ينطبق على كل آثار باقية لقوم أهلكوا بسبب معصيتهم
لا يسعى المسلم لدخول هذه الأماكن .... وإذا دخلها لا يدخلها في فرح وسرور وإنما يدخلها في بكاء وتأثر وتذكر وتدبر ...
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد المئتان 207
غزوة تبوك . الجزء الرابع .
حال المنافقين .
تخلف عن النبي ﷺ رهط من المنافقين وهم في طريقهم لغزوة تبوك ....
ولكن بقي بين ظهر المسلمون عدد من المنافقين خرجوا معهم رغبة ورهبة ....
رغبة في الغنائم فهم على يقين بأن النبي ﷺ سينتصر إن لقي حرباً .
ورهبة من أن يفتضح أمر نفاقهم
ونختار نموذجين عن هؤلاء المنافقون
النموذج الاول ....
عندما كان النبي ﷺ في طريقه لغزوة تبوك .
الجيش كما قلنا تعداده 30 ألف بخيلهم وإبلهم .
ويكاد الرجل من ضجيج الجيش لا يسمع من بجانبه .
فجلس النبي ﷺ يستريح ثم أذن بالرحيل .
فكان ثلاثة من المنافقين يجلسون في خيمة واحدة ومتاعهم مع بعض
فختموا جلستهم هذه قبل الرحيل بغيبة لرسول الله ﷺ
أما اسمائهم :
الوديعة بن ثابت
الجلاس بن عمرو
مخشن بن حمير
الثلاثة كانوا في رحل واحد يتكلمون مع بعضهم والنبي ﷺ كان في آخر الجيش .
فقال وديعة بن ثابت: لقد صدق والله ابن سلول
أتحسبون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال ....
"يقول هذا الكلام إرجافاً وترهيباً للمؤمنين"فأخذ القوم يضحكون...
فقال جلاس : وكان معه فتى قد ناهز الحلم يعني عمره 12 أو 13 إسمه "عمير" كان يتيم و تزوج الجلاس أمه فأصبح "عمير" ربيبه فكان متعلق به و لا يرتحل إلى مكان إلا إصطحبه معه وكان عمير فتى مؤمن يحبه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً و يداعبه ....
فكان عمير هذا جالساً معهم
فقال الجلاس :
قال مجيباً لوديعة :
والله لئن صدق محمدٌ ، لنحن شر من الحمير.
"يعني إذا طلع محمد صادق أنه نبي مثل مايقول فنحن أقل منزلة من الحمير"
فأجابه الفتى اليتيم "عمير" الذي هو في كفالته
قال بلغة المؤمن الصادق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم
مجيباً زوج أمه وكافله
قال : أنت شر من الحمير وإن لرسول الله صادق ...
فتدارك "مخشن بن حمير" الموقف حين أجاب هذا الفتى الصغير بهذه اللهجة ورأى أن هنالك عناية ربانية تجعل الصغير لا يخشى بقول كلمة الحق
فقال مخشن بن حمير :
والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مئة جلدة.
وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .
"يعني لو هذا الولد وصل للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قلناه أحب إلي أن اجلد ولا ينزل فينا من الله قرآن يتلى .
وإذا بالنبي ﷺ وهو بآخر الجيش يقول لعمار بن ياسر رضي الله عنه :
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا .
فقال الصحابة رضي الله عنهم متعجبين . من يارسول الله ؟
فسماهم النبي ﷺ بأسمائهم .
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا .
فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا .
وقال فلان كذا .
وأجابه فلان بكذا .
وقل لهم أنا محمد رسول الله .
فانطلق إليهم عمار وهو يشق صفوف الناس حتى أدرك الثلاثة قبل أن يرتحلوا .
فقال لهم عمار رضي الله عنه : قفوا مالحديث الذي دار بينكم تنتقصون فيه رسول الله ؟
فقالوا . ماقلنا شيئاً
وأقسم الجلاس والله ما قلنا شيء .
فقال عمار . لا بل قلت يا فلان كذا وقلت يا فلان كذا .
"واخبرهم بما قالوا بالتفصيل"
فقام "وديعة بن ثابت" يجري وراء رسول الله ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته .
فجعل يتعلق بناقة النبي ﷺ يريد الإعتذار .
فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ومضى في سيره .
فأمسك بحقاب الناقة وأخذ يجري خلف النبي ﷺ
وهو يقول : يا رسول الله . اسمعني اسمعني . إنما كنا نخوض ونلعب ...
فلم يقف له النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستمع له
وإذا بالراحلة التي يركبها النبي ﷺ تثقل وأخذت تمشي ببطء ولم تعد تقوى على المشيء
فوقف الناس وعلموا أنه يوحى إلى الحبيب ﷺ .
وإذا بجبريل عليه السلام ينزل بثلاث آيات من سورة "التوبة"
قال تعالى :
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ .
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ .
قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ .
فبعد نزول الآيات جاء إلى النبي ﷺ "مخشن بن حمير" وجلس بين يدي النبي ﷺ وهو خجل مطرقاً رأسه إلى الأرض مشرقاّ وقد تاب إلى الله توبة صادقة
وهو يقول: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، والله ما قلت إلا خيراّ .
"صحيح كان هناك حديث بس أنا اللي طلع مني خير"
ولقد رجوت أن اجلد مئة جلدة ولا أن ينزل بي قرآن يتلى إلى قيام الساعة .
فنظر إليه النبي ﷺ نظرة رضا وهو مبتسماً .
وقال لقد أنزل الله قرآن وأنت ممن عفى عنك .
فقال مخشن . يا رسول الله ، لعله قعد بي اسمي واسم أبي .
فأنا مخشن بن حمير وإن لكل مسمى من اسمه نصيب .
فقال له النبي ﷺ مبتسما لا عليك فأنت بعد اليوم "عبدالرحمن"
فتسمى عبد الرحمن واستثني هذا من قائمة المنافقين .
التوبة الصادقة إلى الله تجب ما قبلها
وسأل "عبد الرحمن" هذا الله تعالى أن يقتل شهيداً و لا يعلم الناس بمكانه .
فقتل يوم اليمامة ، فلم يجد الناس له أثر .
فلقد صدق الله في توبته رضي الله عنه.
النموذج الثاني ....
مضى النبي ﷺ في طريقه لغزوة "تبوك" واستراح ليلاً .
وانطلقت الإبل في الوادي .
فلما كان وقت الرحيل افتقدوا ناقة النبي ﷺ فلم يجدوها .
فلم يتحرك أحد من الجيش .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم يبحثون عن ناقة النبي ﷺ وهي ناقته "القصواء"
طال البحث عنها ولم يجدوها .
وكان النبي ﷺ جالسٌ في خيمته ومعه صحابي جليل عقبيا بدريا
"عقبي أي ممن شهدوا بيعة العقبة قبل الهجرة . بدري ممن شهدوا بدر .
وكلا الوصفين كان علم في حسن القدوة بين الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون فلان عقبي أو بدري أي من خيرة الصحابة .
فهذا الصحابي يجمع بين الوصفين .
كان النبي ﷺ جالس في خيمته ومعه الصحابي "عمارة بن حزم" رضي الله عنه .
أما في خيمة عمارة رضي الله عنه كان يجلس فيها أصحابه الذين كانوا مع عمارة يرحل معهم ويمشي معهم وينام معهم فكانوا يجلسون في خيمته
وعمارة رضي الله عنه هذا كان جالس مع النبي ﷺ في خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
فكان يجلس في خيمة عمارة رجل من أصحاب عمارة أصله "يهودي من بني قينقاع" ولكنه أسلم نفاقاً إسمه "زيد بن اللصيت"
قال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة :
وعمارة كما قلنا عند رسول الله ﷺ
قال : ياللعجب أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، ويخبرنا عن ما مضى وبما هو آت وهو لا يدري أين ناقته ؟
هذا الحديث يجري في هذا الخيمة وخيمة النبي صلى الله عليه وسلم بعيدة عنها
يقول عمارة رضي الله عنه فما راعنا إلا والنبي ﷺ يتغير وجهه و هو يقول وعمارة عنده :
إن رجلاً منافقاً في خيمة وأشار بإصبعه بعيداً يقول .
هذا محمد يخبركم أنه نبي ، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته .
وإني والله لعبد الله ورسوله . و ما أعلم إلا ما علمني الله .
وها هو أخي جبريل قد حضر يعلمني أين الناقة ، وقد دلني الله عليها .
وهي في هذا الوادي ، في شعب كذا وكذا ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها .
فذهبوا . فجاءوا بها .
فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال لأصحابه
والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله ﷺ آنفا .
"يخبرهم بفرح بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو لا يدري من القائل هو أراد أن يخبرهم لتقوية الإيمان عندهم ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم
إذا به يتغير وجهه ويشير بأصبعه ويقول إن منافقآ في خيمة يقول كذا وكذا .
تماماً كما قال زيد بن اللصيت
وأخبر أصحابه عن مكان الناقة فانطلقوا فوجدوها كما قال واحضروها .
فقال رجل ممن كان في رحل عمارة والله ما قام من مجلسنا رجل واحد .
وإن "زيد" والله هو من قال هذه المقالة قبل أن تأتي .
فوثب عمارة على زيد مغضبا يجأ في عنقه...
وهو يقول: إلي عباد الله إن في رحلي لداهية وما أشعر .
"يعني معي في خيمتي منافق وأنا لا أعلم "
اخرج عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني بعد اليوم ساعة واحدة
وأخرجه من خيمته .
تجهز النبي ﷺ للرحيل ...
وقبل أن ينطلق الجيش أمر رجل من أصحابه صوته جهوري أن ينادي بالجيش .
حتى يسمع الجيش كله يقال إنه عمه العباس رضي الله عنه
قال . نادي بالجيش وقل لهم
ألا إن رسول الله يقول لكم إنكم مشرفون على تبوك غداً إن شاء الله تعالى .
وستصلون إليها عند الضحى فمن سبقنا إليها فلا يقرب ولا يمس أحد ماءها حتى أحضر .
"لأن تبوك سبب تسميتها هو عين الماء الذي فيها كما يقال...
فهي عين ماء ضعيفة "تبك الماء بكا" لذلك سميت تبوك .
نسبة لعين الماء التي فيها فهي "تبك الماء بكا" أي لا تكاد تسقي الراكب الواحد .
يعني إذا شرب رجل انتظر الآخر ساعة بعده حتى يشرب فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لايقرب أحد الماء حتى يحضر ويبارك فيه .
هذا الحديث رواه "مالك ومسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده رحمهم الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
فلما وصلوا أحاط الجيش بهذه العين ينتظروا النبي ﷺ
فلما وصل ترجل عن راحلته ونظر إلى البئر إلى عينها
وقال هل مس الماء منكم أحد ؟
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم أجل يارسول فلان وفلان "وكانوا من المنافقين"
قال معاذ رضي الله عنه فنهرهما النبي ﷺ وقال لهما ماشاء الله له أن يقول "توبيخا وتأديبا"
ثم قال لينزل منكم رجل يجمع لي ما أمكن من الماء .
"كانت العيون يجعلون حولها بئراً واسعاً وكبيراً حتى إذا نزلت الأمطار تتجمع فيها"
فنزل رجل وأحضر له من ماءها
يقول معاذ رضي الله عنه فغسل ﷺ فيه يديه ثم غسل وجهه ، ثم مضمض فيه ثم أرجعه للوعاء ثم أعطاه للرجل :
وقال له : خذ وأدر الماء في العين .
فأخذ الرجل الوعاء وأداره في العين ....
يقول معاذ رضي الله عنه ففارت الماء وعلت ولها أذيذ كأن الماء إنفجر من الأرض إنفجاراً
فما أدركنا الرجل حتى أخرجناه قبل أن يغرق حتى إمتلأ الحوض وجلسنا على حفافه نغرف بأيدينا ....
فقال ﷺ أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
ثم نظر لمعاذ رضي الله عنه وقال يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ههنا ملىء جنانا وبساتين .
"يشير إلى أرض تبوك"
وتبوك لم تكن مدينة بل كانت أرض صحراء ذات رمال .
وهي اليوم قد امتلئت جنان وبساتين .. بل يطلق عليها تبوك الورد
ونحن نقول نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أنك رسول الله .
اللهمَّ صَلِّ وَسَـلِّمْ على نَبِيِّنَـا
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة بعدالمئتان 208
غزوة تبوك . الجزء الخامس .
تحقق النصر وانسحاب الروم .
قبل غزوة تبوك وفي الطريق إليها توفى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه {{ ذو البجادين }}
وهو من قبيلة {{ مزينة }}
هذا الصحابي رضي الله عنه عندما أسلم جرده أهله من كل أمواله، حتى جردوه من ثيابه، وكانوا يعلمون شدة حيائه .
فأخذ بجاد "والبجاد هو كساء غليظ مخطط"
فأخذ بجاد وشقه واتزر به وذهب إلى المدينة المنورة
ووصل ودخل المسجد النبوي
فصلى الصبح مع النبي ﷺ .
فبعد إنتهاء النبي ﷺ من الصلاة أخذ يتصفح وجوه أصحابه
فلما رآه قال له : من أنت يا فتى ؟
فقال . أنا عبد العزى
فقال له النبي ﷺ بل أنت عبد الله .
ثم قال له إنزل قريباً منا .
[[وأطلق عليه الصحابة رضي الله عنهم ذو البجادين ]]
و صحب النبي ﷺ وكان كثير العبادة وكثير قراءة القرآن الكريم
فلما كانت غزوة تبوك خرج مع النبي ﷺ ثم أصابته حمى ومات رضي الله عنه.
يَقُولُ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ .
فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم وَإِذَا عبد الله ذو البجادين المزني قَدْ مَاتَ .
وإذا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يحفر
ثم قال أَدْلِيَا لِي أَخَاكُمَا .
ثم وضعه الرَسُولُ ﷺ بيده وقال رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لَأَوَّابًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ .
يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه "لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ"
وكان "ذو البجادين" رضي الله عنه هذا الشاب الصغير أحد الذين نزل النبي ﷺ بنفسه إلى قبورهم رضي الله عنه.
وصل المسلمون أخيراً إلى تبوك
وكانت المفاجأة أن الجيوش الرومانية العملاقة التي تحكم وتسيطر على نصف العالم القديم تقريباً قد فرت إلى داخل بلادها عندما علمت بقدوم النبي ﷺ
كيف فرت جيوش الإمبراطورية الرومانية العملاقة وهي الدولة الأولى في العالم في ذلك الوقت وبرغم تفوقهم الكبير على المسلمين في العدد والعدة والتاريخ والخبرات القتالية وتدريب الجنود ؟
إنه قوله تعالى :
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا .
فحين علمت الرومان بقدوم 30 ألف مسلم وعلى رأسهم محمد رسول الله ﷺ .
قارنت هذا الوضع بالمواجهة التي كانت في "مؤتة" منذ عام واحد
وكيف كان التفوق لصالح المسلمون
وكيف كان عدد القتلى من الرومان أكثر من المسلمين برغم أن عددهم كان 3000 مقاتل فقط....
"يعني عُشْر العدد الموجود في تبوك، ولم يكن معهم النبي ﷺ
ولذلك كان قرار الرومان هو الإنسحاب المخزي أمام النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم
إنسحب الروم هذا الانسحاب المخزي ولم يعتدي النبي ﷺ على القبائل العربية المقيمين في "تبوك" التي كانت قد تحالفت مع الروم مثل "لخم وجذام"
لم يهدم بيوتهم ولم يأسرهم ولم يقتل النساء والأطفال والشيوخ ولم يهدم لهم بنيان
لم يعتدي النبي صلى الله عليه وسلم على أحد وبقي النبي ﷺ معسكرا 20 يوماً كاملاً .
مع أن عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت هي البقاء في أرض المعركة 3 أيام فقط ليثبت أنه الجيش المنتصر .
وأخذ ﷺ يبث العيون حتى لا يكون للعدو خطة ....
"يعني يكون إنسحابهم خدعة ثم الهجموا على المسلمين فجأة"
فلما إطمأن النبي ﷺ بأنه لا يوجد لهم تجمع وأنه قد داخلهم الرعب والخوف والهلع...
قال ﷺ : لقد نصرت بالرعب مسيرة شهر .
يقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم منه ﷺ قبل وصوله إليهم بشهر"
ثم أراد الحبيب المصطفى ﷺ، أن يوجه رسالة للروم وحلفائها من العرب ....
فكان من أتباع الروم ملك يسمى "ملك دومة الجندل"
دومة الجندل كانت تدين النصرانية وموالية للرومان قريبة من تبوك عليها ملك قد نصبه هرقل حاكماً .
"العرب في الجاهلية لا تستطيع أن تنصب نفسها فالذي يضع ويخلع هم الروم"
ذلك الملك إسمه "أكيدر بن عبدالملك الكندي" وضعه هرقل ملك على دومة الجندل .
حتى إذا ما خالف هرقل ذيل آخر من العرب .... يسلط هذه الأذناب من العرب بعضها على بعض ويبقى الروم متفرجون .
أراد النبي ﷺ أن يوجه لهم رسالة بأن يأدب لهم ذيل من أذيالهم .
فأرسل له النبي ﷺ سرية قوامها 420 فارساً بقيادة "خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ....
قال لخالد رضي الله عنه : إذهب لدومة الجندل وأتني بملكها أكيدر حياً لاتقتله .
قال : فإن قاتلني يارسول الله وتحصن في حصنه ؟
فقال له الصادق المصدوق ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى .
قال يا خالد إنك ستجده يصيد البقر خارج حصنه فخذه على غرة .
إنطلق خالد وبين عينيه نبوة رسول الله ﷺ .
حتى إقترب من "دومة الجندل" وارتقب دخول الليل وكانت ليلة صائفة مقمرة
فجلس خالد ومعه رضي الله عنهم يرقبون الحصن .
وكان "أكيدر" مع زوجته على سطح ذلك الحصن يسمر ليلاً وحوله القينات ....
"المغنيات و الراقصات بلغة عصرنا نسميهم فنانين و نجوم"
سمعت زوجته صوت البقر وقد جاء البقر الوحشي يحك قرونه في باب الحصن .
كان أكيدر هذه الليلة لم يخرج للصيد وهو على سطح الحصن يسمر فساق الله تعالى له البقر الوحشي إلى باب حصنه وأخذت تحك بقرونها باب الحصن .
فاطلت زوجته وقالت له متعجبة : أي أكيدر !!
هل رأيت مثل هذا ؟ !!
فنظر "أكيدر" على الأبقار من سطح الحصن
قال : لا !! لطالما أعددت لها الخيل وهي الآن تأتي إلى باب الحصن ؟
قالت . فهل يترك هذا ؟
قال . لا .
فأمر بفرسه وخرج ومعه نفر من أصحابه...
خرج معه أخاه وولي عهده وإسمه "حسان" وأخذ في مطاردة البقر .
فأخذت البقر تجري إلى الجهة التي فيها "خالد" ومن معه .
فتبعها "أكيدر" فتلقته خيل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
ودار قتال محدود إنتهت بأسر "أكيدر" وقتل أخيه "حسان" وفر من معه من رجاله إلى الحصن وأغلقوا الأبواب....
وكان أخوه "حسان" الذي قتل يرتدي ثيابا من الحرير مشغولة بالذهب "أي مخاطة بالذهب"
وفي عنقه صليب من ذهب
"لأنهم كانوا يدينون بالنصرانية"
فأمر خالد من معه أن يسلب القتيل ، فأخذوا سيفه وثيابه وصليبه الذهبي ....
ثم قال "لأكيدر" فلتأمر رجالك ليفتحوا أبواب الحصن الآن .
فقال "أكيدر" . يا خالد إذا رأى قومي ملكهم أسيراً مجدلاً في الحبال ، لن يفتحوا أبواب الحصن ....
ولن يطيعوه لأنه أصبح أسيراً
فإن شئت أن تتم الأمور ولك علي ذمة الله
"لأنه نصراني يؤمن بالله"
قال : ولك علي ذمة الله وعهده أن أصالحك مقابل حقن دماء قومي ....
ولكن فك قيدي يا خالد حتى يسمع قومي قولي .
قال له خالد لك ذلك
ففك قيده وتقدم "أكيدر" إلى الحصن ونادى من على أسواره من الحراس :
أنا أكيدر افتحوا لي باب الحصن .
ففتحوا له باب الحصن
"رجل عاقل . لأن فعلاً لو رأى قومه ملكهم مربوط بالحبال هل يطيعوه ؟
ففتحت أبواب الحصن دون أن تراق قطرة دم واحدة .
فدخل "خالد" وصالح "أكيدر" على شيء من سلاح ومال مقابل حقن للدماء .
وعلى أن يسير معه إلى النبي ﷺ "لأن النبي ﷺ قال لخالد أحضره إلي"
وجاء به خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي ﷺ .
وكان "خالد" قد أمر بعض أصحابه أن ينطلقوا بما سلب من حسان من سلاح وثوبه الحرير المشغول بالذهب ويسبقوه إلى تبوك حيث النبي ﷺ هناك
ليبشروا النبي ﷺ بقدوم خالد ومعه ملك دومة الجندل "أكيدر"
فوصلوا إلى النبي ﷺ ووضعوا بين يديه ما سلب عن "حسان"
يقول الصحابة رضي الله عنهم ومنهم "عمر بن الخطاب" في رواية هذا الحديث "والحديث متفق عليه"
قال . فأخذنا نتلمس ذلك الثوب من الحرير الذي سلب عن حسان ونعجب منه لنعومته وكيف طرز بالذهب ....
فقال النبي ﷺ أتعجبون من هذا ؟؟
وأشار بيده إلى ذلك الثوب الحريري .
قلنا : نعم يا رسول الله
قال والذي نفسي بيده لمناديل "سعد بن معاذ" في الجنة يمسح بها يديه ويلقيها أحسن من هذا وأعز .
كلنا أصبحنا نعلم من هو سعد بن معاذ رضي الله عنه
هو سيد الأوس الذي استشهد في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .
الذي اهتز لموته عرش الرحمن .
الذي له مواقف كثيرة أثلجت صدر النبي ﷺ
فجاء خالد ومعه "أكيدر" .
وكان عليه لباس الملوك وثياب من حرير وفي عنقه صليب من ذهب .
فكان له هيبة الملوك .
فلما دخل "أكيدر" على رسول الله ووقع نظره على الحبيب المصطفى ﷺ .
أرتعدت فرائصه وخر "أكيدر" ساجداً بين يدي رسول الله "كما يفعلون للأكاسرة والأقاصرة"
فأشار النبي ﷺ بيديه وهو يقول لا ، لا ، لا تفعل . إنما أنا عبدالله ورسوله ، لا ينبغي السجود إلا لله .
فجلس أكيدر يحدث النبي ﷺ وصالحه على دفع الجزية .
وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وجعله ملكاً على قومه كما كان .
وخلى سبيله ولكن ولائه يكون لدولة الإسلام لا لدولة الروم .
فلما سمع ملوك وأمراء الشام بما حدث مع الملك "أكيدر"
أتى ملوك وأمراء مدن الشام الذين يجاورون الجزيرة العربية والموالين للإمبراطورية الرومانية لمصالحة النبي ﷺ على الجزية
بعد أن أدركوا أن أسيادهم القدماء قد ولت أيامهم
وكان من الذين جاءوا "يحنَّة بن رؤبة"
وهو صاحب مدينة "آيلة" العقبة الآن من جهة فلسطين يحتلها اليوم إخوة القردة والخنازير .
وكذلك جاء أهل "جرباء"
وأهل "أذرح"
وهكذا أحكم النبي ﷺ سيطرته على كامل شمال الجزيرة العربية .
وأصبحت حدود الدولة الإسلامية ملامسة لحدود الإمبراطورية الرومانية .
وفقدت الإمبراطورية الرومانية حلفائها في شمال الجزيرة العربية .
كما سقطت هيبة الدولة الرومانية سقوطا مدوياً .
ومهد هذا للفتوحات الإسلامية في بلاد الشام التي تمت بعد ذلك في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه...
ورجع النبي ﷺ من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة .
وفي طريق العودة كما قلنا الطريق من تبوك للمدينة أرض صحراء وحرارة الشمس شديدة
فأصابهم العطش والتعب والهوان "فلا طعام ولا ماء رمال الصحراء تعسف بهم"
وأخذ المنافقون يستغلون هذه الظروف ...
فقال المنافقون وهم يسخرون من هذا الجيش وهذا الخروج ويسخرون من كبار الصحابة رضي الله عنهم "كعثمان وعبدالرحمن بن عوف" الذين أنفقوا أموالهم لهذه الغزوة .
يقولون : أنفقتم أموالكم فلا أنتم قاتلتم ولا أنتم غنمتم فعلى أي شيء أنفقتم ؟
وهكذا ، من هذه الأقوال فإذا زجرهم الصحابة رضي الله عنهم يقولون ندردش نخوض ونلعب .
فأذاقهم الله عطشاّ شديداً .
وكان النبي ﷺ لا يكشف النقاب عن المنافق بغية ثلاثة امور :
١- رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
٢- من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الايمان .
٣- حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو فيكثر عدد أعدائنا .
فهيأ الله السبب للنبي ﷺ لعله يعظهم فيزدادوا إيماناً .
فاشتد بهم العطش في أرض صحراء لا ماء بها .
فاشتكى الصحابة لرسول الله العطش .
فقال هل معكم شيء من ماء ؟
فجمعوا له مقدار قدر "وعاء صغير"
فقال لهم احضروا لي وعاء من أوعيتكم التي تسقوا بها دوابكم .
"كانوا يحملون للخيل والإبل في السفر أوعية من أدم اي من جلد تكون مثل ما نسميه اليوم طشت ولكن كبير من كبرها يستطيع أن يقف حولها 100 أو 200 رجل"
فأخذوا يفرشوا وعاء من الجلد ثم تحلقوا حوله .
يقول الصحابة رضي الله عنهم والحديث في الصحاح الستة
لقد أحاط بذلك الإناء أكثر من مئتي رجل لا يزاحم رجل منهم الآخر
فأخذ النبي ﷺ الإناء الصغير الذي فيه الماء
"المنافقون ينظرون من أين سيأتينا بالماء ؟؟
لم يدعوا الآن فتأتي سحابة تمطر . ولا هنالك عين لتتفجر منها المياه"
فوضع يده ﷺ اليمنى في ذلك الوعاء الصغير فما ستر الماء جلدة يده .
ثم قرأ ماشاء الله له أن يقرأ
ثم دعا بما فتح الله عليه من دعاء ثم نفث بين أصابعه
قالوا : ففارت أربعة عيون من الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم... تنبع من بين أصابعه وتسكب في ذلك الوعاء الكبير
ثم قال استقوا واملؤا أسقيتكم .
فأخذنا نملأ بضع نهار حتى استقينا وسقينا دوابنا وملأنا أوعيتنا والماء يفور من بين أصابعه ﷺ ونحن ننظر .
ثم قال هل بقي لكم من حاجة من ماء ؟
قلنا . اللهم لا .. قد إكتفينا يا رسول الله .
فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله .
ثم قبض يده فتوقف نبض الماء .
فقال الصادقون من الصحابة رضي الله عنهم لبعض من لمسوا منهم النفاق
ويلكم ألم يكفيكم هذا ؟؟
فماذا أجابوهم ؟؟
قالوا : بلغنا عن أهل الكتاب أن موسى قد ضرب الحجر بعصاه فانبثقت منه اثنتا عشرة عيناً .
قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
الآيات تكشف صفات المنافقين وتأتي سياق الآيات
ومنهم ، ومنهم ، ومنهم .
ويسطر الله مقولة كل واحد منهم .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة بعد المئتان 209
العودة من تبوك ومحاولة قتل النبي ﷺ .
الله عزوجل أنزل آيات من سورة التوبة تفضح المنافقون .
فأحس المنافقون أنه سيكشف النقاب عنهم ولم يبقى إلا أن يذكرهم بأسماءهم وأسماء آباءهم ....
وكان هنالك 12 منافق وعلموا أن للنبي صلى الله عليه وسلم موقف و شأن مع المنافقين بعد نزول هذه الآيات فأتمروا ليلاً
واتفقوا على أن يقتلوا النبي ﷺ غيلة وكان ﷺ من سنته إذا كان متجهاً إلى غزوة يسير في طليعة الجيش في المقدمة .
أما إذا كان راجعاً من غزوة يسير في آخر الجيش
ويقول : خلوا ظهري للملائكة وسيروا بين يدي .
يمشي آخر الجيش ويكون حوله بعض أصحابه رضي الله عنهم
فقالوا: نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام .
وكان النبي ﷺ لطبيعة الحر يحب السير ليلاً و يستريح نهاراً
قالوا : نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام ثم نختلط بين الناس في الظلام فلا يعلم أحد من قتله ومن إغتاله
أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم وكان يبعد عن المدينة مسيرة يوم وليلتين ....
"لأن الليلة تسبق اليوم يعني هذه الليلة المقبلة ثم يوم غد والليلة التي سيدخل فيها المدينة إن شاء الله تعالى
فلما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم .
أراد أن يكشفهم حتى لا يلام فيهم ....
فلما إنطلق للسير ليلاً أقبل على وادٍ متسع يسير فيه الجيش
وكان على يمين هذا الوادي طريق ضيق يقال له العقبة .
"الطريق الذي فيه صعود حاد ثم ينحدر يقال له عقبة"
فأمر ﷺ "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه وكان يقود ناقة النبي ﷺ أمره أن ينادي في الجيش ...
إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تسلكوا الوادي .
وإنه آخذٌ في العقبة "أي سيصعد العقبة" وحده فلا يتبعه أحد ، فإن الوادي أيسر لكم وأسهل .
فهمس المنافقون بعضهم لبعضٍ وقالوا هذه فرصتنا ...
"يعني لن يخالفه احد من أصحابه رضي الله عنهم
سيسلكون الوادي ، وسيسلك النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وحده ، ومعه حذيفة رضي الله عنه يقود ناقته"
قالوا : هذه فرصتنا نتبعه ثم نزحمه في الطريق فنلقيه عن ناقته في الوادي فيتردا ثم نختلط بين الناس فلا يعلم كيف مات فيقولوا عثرت به ناقته .
النبي ﷺ أطلعه الله تعالى بكل هذا عن طريق الوحي
فسلك النبي ﷺ العقبة وكان معه إثنان من أصحابه فقط .
"حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه يقود ناقة النبي ﷺ .
"وعمار بن ياسر" رضي الله عنه كان خلف ناقة النبي ﷺ لأنها عقبة حادة كان يلتقط بعض المتاع إذا سقط .
فلما كان الليل وكان النبي ﷺ في وسط العقبة تلثم المنافقون حتى يتخفوا تماماً .
والوقت ليل وفي أول شهر
فالليل ظلام دامس"
تلثم المنافقون وتبعوا النبي ﷺ في العقبة .....
فلما كانوا على قرب منهم أحس بهم ﷺ وكان من عادته لا يلتفت ....
"لا يلتفت كما يفعل الناس برأسه .
فكان إذا أراد أن يلتفت ﷺ إلى الوراء وقف واستدار إستدارة كاملة بجسده .
والآن هو على الناقة لا يمكنه الإستدارة"
فقال : من القوم يا حذيفة ؟؟
لقد قلت لا يتبعني أحد .
فلما علموا أن النبي ﷺ قد أحس بهم أسرعوا بالسير وراء النبي صلى الله عليه وسلم
فجفلت الناقة التي يركبها النبي ﷺ واهتز بعض متاع النبي ﷺ
فسقط بعض متاع النبي ﷺ كالسوط وآلة الوضوء وبعض ما يحتاجه في الركوب ....
سقط بعض متاعه ولكن الله ثبته على راحلته فلم يؤذى
فترك خطام الناقة حذيفة رضي الله عنه وأخذ محجناً يضرب وجوه رواحلهم وهويقول: دونكم دونكم يا أعداء الله ورسوله .
وأخذ عمار بن ياسر رضي الله عنه أيضاً يدافع عن النبي ﷺ
فخاف المنافقون وانهزموا وانحدروا سريعاً إلى الوادي واختلطوا في الناس .
فقال النبي ﷺ : اعرفتهم يا حذيفة ؟؟
قال: لا والذي بعثك بالحق ولكني عرفت بعض رواحلهم .
العرب عندهم فراسة في معرفة الرواحل يقولون ناقة شهباء يقولون ناقة حمراء حمر النعم يقولون ناقة دهماء وهكذا .
قال . عرفت بعض رواحلهم .
قال أتعلم ماذا كانوا يريدون ؟؟
قال :لا والذي بعثك بالحق .
قال عزموا على أن يلقوا رسول الله من على راحلته حتى يقتل ثم يختلطون بين الناس فيقولون عثرت به ناقته .
ومضى النبي ﷺ وسار حتى أتم العقبة ثم انحدر إلى الوادي .
وكان قد إنتهى الليل وقارب الفجر ....
فامر أن يعرس الناس "يعرس أي أن يستريحوا ويناموا"
حتى كان الفجر ....
فصلى بهم رسول الله ﷺ الفجر في أرض برحة "واسعة"
ثم إستقبل الناس بوجهه ثم أمر حذيفة رضي الله عنه أن ينادي من منكم تبع النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة ؟
فلم يتكلم أحد
فقال النبي ﷺ :
إن في اصحابي اثنا عشرة منافقاً قد تبعوا محمد رسول الله في هذه الليلة إلى العقبة وعزموا أن يلقوه عن ناقته ثم يزعموا أنه قد عثرت به ناقته ، ولكن هموا بما لم ينالوا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .
منهم ثمانية منافقين من إثنا عشر اللهم أرميهم بالدبيلة .
قالوا : وما الدبيلة يا رسول الله ؟
قال سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم .
المرض المعروف بلغة عصرنا حزام الناري قد يصيب الإنسان في وسطه أو بين كتفيه"
نسأل الله تعالى السلامة و العافية.
فوثب "أسيد بن حضير" وهو من سادة الأنصار وعقبي ممن بايع النبي ﷺ يوم العقبة وكان أحد النقباء
فقال أسيد رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
أطلعنا عليهم ما دام الله قد أطلعك فلتقم كل عشيرة إلى صاحبها فتضرب عنقه فلا يطالب به أحد .
فقال النبي ﷺ لا يا أسيد .
قال : فداك أبي وأمي أطلعنا عليهم .
فوالذي بعثك بالحق لا تقوم من مقامك حتى تكون رؤوسهم بين يديك .
فقال له النبي ﷺ إني أكره أن يقول الناس إن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم .
فقال : يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحابك .
فقال رسول الله أليس يظهرون الشهادة .
ثم أخبر النبي ﷺ "حذيفة بن اليمان ." رضي الله عنه
فقال يا حذيفة سأطلعك على أسماءهم وأسماء آباءهم ولكن اكتم عليهم ذلك .
حتى تنصح من يلي أمركم بعدي ، بأن لا يركن إليهم ولا يوكل إليهم أمرا .
"وهذه نبوة لحذيفة رضي الله عنه بأنه سيطول عمره"
فذكرهم النبي ﷺ لحذيفة رضي الله عنه...
وكما قلنا في الجزء السابق
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكشف النقاب عن المنافق
بغية ثلاثة أمور :
١ - رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
٢ - من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الإيمان.
٣ - حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو . فيكثر عدد أعدائنا
ولكن جاء الأذن من الله عزوجل أن يكشف النقاب عن كل واحد منهم إذا مات المنافق :
قال تعالى .
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ..
فكان ﷺ إذا مات منافق لا يصلي عليه ﷺ .
فإذا قربت جنازته في المسجد للصلاة عليه وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن إسمه :
قال النبي ﷺ : صلوا على صاحبكم .
و يخرج النبي ﷺ من المسجد ولا يصلي عليه .
فإذا رأى الصحابة ذلك علموا أن هذا الميت كان منافقا ومات على نفاقه ....
فبعد أن يموت فلما يعد لنا أي مطمع في الأسباب الثلاثة التي ذكرناها .
١- مات فلا نرجو حسن إسلامه .مات على نفاقه .
٢- بعد الموت ماذا سيضر أهله وأقاربه مات على النفاق مثله كمثل من مات مشركا من قبل .
٣ - مات فلن يكثر الأعداء .
إنطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة .
وكان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... صلى الله عليه وسلم.
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة بعد المئتيين 210
حرق مسجد الضرار ...
انطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة وسيدخلها غداً
كان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... فكان إذا دنى منها وكان بينه وبينها ساعة من زمن نام خارج المدينة وأرسل البشائر بأنه قدم... ليستعد الناس للقاء ذويهم
ويدخلها عندما ترتفع الشمس وقت صلاة الضحى ...
فبات النبي ﷺ خارج المدينة
ثم إنتدب إثنين من الصحابة رضي الله عنهم وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي"
ليبشروا الناس بقدوم الجيش و ليحرقوا مسجد "الضرار"
كان المنافقون قد بنوا مسجد قريب من قباء وطلبوا من النبي ﷺ أن يصلي فيه قبل خروجه لتبوك ....
فقال لهم النبي ﷺ إنا على سفر ولكن إذا رجعنا صلينا فيه إن شاء الله .
وكان المسجد قد فتح وصلي به قبل تبوك ....
"وقدر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخله ولا يصلي فيه
وعندما سألهم الناس لماذا إتخذتم مسجداً آخر قبال مسجد قباء ؟
قال المنافقون: إتخذناه للمريض والشيخ المسن والليلة المطيرة
[يعني ليس كل الناس تستطيع أن تذهب لصلاة خمس صلوات في مسجد قباء .
فأتخذنا هذا المسجد في وسط هذا الحي قريبآ من بيوتنا لكي يصلي به المريض والشيخ المسن ....
وإذا كانت ليلة فيها مطر صلينا به لأنه قريب ...
ولكن الحقيقة كانت غير ذلك
وقصة هذا المسجد :
أنه كان في المدينة قبل هجرة النبي ﷺ رجل إسمه "أبو عامر" كان قد تنصر قبل هجرة النبي ﷺ وكان من سادة الأنصار .
وعلم أن هذا الزمان زمان نبي فترهب وتنسك طمعاً في أن يكون هو هذا النبي .
وأطلق عليه أهل المدينة "أبو عامر الراهب"
فلما بعث النبي ﷺ وهاجر إلى المدينة خاب ظنه
وحقد على النبي ﷺ ورفض الإسلام وزاد حقده بعد نصر المسلمين في بدر
ثم ذهب إلى قريش وأخذ يشجعهم على حرب النبي ﷺ حتى خرجت قريش لغزو المدينة في أحد ...
وقبل بداية المعركة تقدم بين الصفوف وأخذ ينادي على الأوس حتى يخذلوا النبي ﷺ
وهو يقول : أنا أبو عامر الراهب
ولكن الأنصار سبوه وقالوا له بل أنت أبو عامر الفاسق فلما انتهت المعركة ...
لحق بهرقل قيصر الروم يستنصره على النبي ﷺ
فوعده هرقل وأقام عنده .
وأخذ يراسل المنافقين في المدينة ويعدهم بأنه سيأتي بجيش هرقل لغزو المدينة
ثم أمر أتباعه من المنافقين أن يبنوا مسجداً ليكون مقراً لهم .
وقال لهم : اتخذوا لكم مسجداً ظاهره لإقامة الصلاة وحقيقته تعقدون به أمركم وتتشاورون حتى لا يطلع عليكم أصحاب محمد.
فإذا أعددتم سلاحاً ورجالاً جئتكم بمدد من الروم فأخرجناه هو وأصحابه من المدينة .
فكان هذا المسجد الذي أمرهم به "أبو عامر الفاسق"
حقيقته ليقوموا من خلاله ببث أفكارهم الهدامة ونشر فتنهم في المدينة ... وحتى يقدم عليهم فيه من يقدم بكتبه إليهم وحتى ينزل فيه عندما يأتي .
وبالفعل بنوا مسجدا بجوار مسجد قباء .
وقالوا للرسول ﷺ لقد بنيناه للضعفاء ...
وطلبوا من النبي ﷺ أن يقدم للصلاة فيه حتى يعطوا شرعية للمسجد .
كان ذلك قبل خروج النبي ﷺ إلى "تبوك"
فعصم الله تعالى النبي ﷺ من الصلاة فيه
وقال لهم: إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .
فلما كان النبي ﷺ في طريق عودته من "تبوك" نزل جبريل عليه السلام وأخبر النبي ﷺ بخبر هذا المسجد ...
وأنهم أرادوا به التفريق بين المؤمنين وعقد المؤامرات .
فأرسل النبي ﷺ إثنين من الصحابة رضي الله عنهم كما ذكرنا وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي" رضي الله عنهما
فقال لهم النبي ﷺ سراً بينه وبينهم : إنطلقوا فأخبروا الناس أن جيش المسلمون قد رجعوا سالمين غانمين .
فإذا أخبرتم الناس إنطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه ثم اهدموه .....
فانطلقوا وأخبروا الناس أن النبي ﷺ والجيش قد قدموا سالمين غانميين...
وكان المنافقين قد أرجفوا في المدينة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم وجل أصحابه رضي الله عنهم قد هلكوا في الطريق من الحر والعطش .....
وكانوا كل يوم يشيعون إشاعة فكان جل أهل المدينة في كآبة وحزن ....
لن يروا وجه النبي ﷺ ولن يروا مجمل أهلهم الذين خرجوا ....
فلما شاع الخبر بالبشرى واشتغل الناس كلهم بالاستعداد لإستقبال ذويهم من المجاهدين .
ذهب الصحابة رضي الله عنهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق مسجد الضرار الذي كان يعقد فيه المنافقون مؤتمرهم....
وأشعلوا جريد من أوراق النخيل وألقوه من نوافذ ذلك المسجد
"والمسجد كان مبني من جذوع النخيل وسقفه من أوراق النخيل فاشتعل "
فأخذ المنافقون يفرون من ها هنا وهناك ثم هدموا المسجد على قواعده فلم يبقى له أثر .....
ولما كان الصبح دخل النبي ﷺ مدينته المنورة فلما أشرف على المدينة ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فلما تراءت له المدينة طرح رداءه عن منكبيه .
وقال : هذه طابة .. هذه طابة .. هذه طابة أسكننيها ربي ، تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد .
فلما وقع نظره على جبل أحد أوقف راحلته واستقبل جبل أحد و قال : هذا جبل يحبنا ونحبه ويجعله الله على باب الجنة .
ثم دخل المدينة ﷺ وكان من سنته أن يدخل مسجده أولاً فيصلي فيه ركعتين ....
فإذا فرغ من صلاته ....
أتى بيت "فاطمة" رضي الله عنها فيسلم عليها ويطمئن عنها ...
ثم طاف على حجرات أزواجه رضي الله عنهن يسلم عليهن
يقول الصحابة رضي الله عنهم فركع كعادته وظننا أنه سينطلق
فإذا به ﷺ أخذ مكانه في المحراب وجلس ....
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
07-02-2022, 06:37 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة بعد المئتان 206
غزوة تبوك . الجزء الثالث .
الخروج إلى تبوك .
تجمع جيش المسلمين وكان عدده 30 الف للخروج لقتال الروم في الشام .
قبل أن يتحرك الروم في إتجاه المدينة .....
وخرج الجيش من المدينة في يوم الخميس غرة {{رجب}} من السنة التاسعة من الهجرة
وكانت هذه هي أصعب غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
لأن المسافة بعيدة جداً تصل إلى حوالي 1000 كيلو متر في صحراء قاحلة وطرق وعرة
والحرارة شديدة جداً....
ليس هذا فحسب بل كان هناك عدد قليل من المراكب .
فكان كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر يتعاقبون على بعير واحد .
ومعنى هذا أن كل رجل في الجيش يسير على قدميه حوالي 700 كم تقريباً
رضي الله عن الصحابة أجمعين
عسكر النبي ﷺ بالجيش بالقرب من المدينة وانطلق الجيش
وأخذ المنافقون ينسحبون واحداً تلو الاخر .
فكانوا يتخلفون عن الجيش ويعودون إلى المدينة .
فكان كلما تخلف واحد ورأه الصحابة رضي الله عنهم يقولون يا رسول الله تخلف فلان "يعني رجع"
فيقول النبي ﷺ دعوه . إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم . وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
عبارة واضحة دعوا الأمور لله تعالى نحن لا نحكم على الناس بالنفاق والكفر إنما أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ....
و هكذا طوال الطريق ....
وبعد مسيرة ثلاثة أيام من المدينة تأتي قصة الصحابي الجليل "أبا ذر الغفاري" رضي الله عنه...
يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عندما أمر النبي ﷺ لغزوة تبوك كنت أعلم أن راحلتي ضعيفة...
قال: فعلفته ثلاثة أيام علف شهر حتى لا يعيقني .
فلما انطلق الجيش ركبته وانطلقت معهم حتى إذا كنا على ثلاث مراحل من المدينة أعياني بعيري ...
فجلست أعالجه .
فلما يأست منه تركته
وقبل أن يتم لنا {{ أبو ذر }} رضي الله عنه قصته لننظر حينما تأخر عن الجيش ، وهو يحاول أن يعالج بعيره ماذا كان ؟؟
رأى الصحابة رضي الله عنهم
من كان آخر الجيش ان "أبا ذر" رضي الله عنه قد جلس وتأخر ولم يلحق بهم
فأخبروا النبي ﷺ أن "أبا ذر" رضي الله عنه قد تخلف و تأخر
وإذا بالنبي ﷺ يكرر المقولة نفسها التي قالها عن المنافقين
دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم .
يقول أبو ذر رضي الله عنه فجلست أعالج بعيري .
فلما أعياني تركته باركاً في الصحراء وأخذت متاعي ووضعته على ظهري ولحقت مشياً بالجيش على قدماي ..
فلما كانوا على مقربة من تبوك
استراح الجيش وكان الصحابة رضي الله عنهم قلقون على "أبي ذر رضي الله عنه
فأخذوا يراقبون الطريق لعل "أبا ذر رضي الله عنه يلحق بهم...
فنظروا من بعيد فإذا برجل يسير على قدميه ومتاعه على ظهره ..
فقال أحد الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يشير بأصبعه بإتجاه الرجل من بعيد
ويقول : كن أبا ذر . كن أبا ذر فلما اقترب وتبين الصحابة قالوا : يا رسول الله الله أكبر هو والله أبو ذر رضي الله عنه
فقال النبي ﷺ : رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ويموت وحده . ويبعث يوم القيامة أمة وحده .
قدم "أبو ذر" رضي الله عنه وقد جف ريقه من العطش و تسلخت قدماه من المشي على الرمال الحارة ...
وقد أتعبه حمل متاعه على ظهره وهو يتلهف أن يلحق بالنبي ﷺ
يقول الصحابة رضي الله عنهم فاقترب وجلس بين يدي النبي ﷺ .
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي .
قال له النبي من أي شيء ؟
قال : أعياني بعيري فعالجته حتى يإست منه .
فتركته في الصحراء وحملت متاعي على ظهري حتى لحقت
فاستغفر لي عن هذا التأخر .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فذرفت عين النبي ﷺ .
وقال : لقد حط الله عنك يا أبا ذر في كل خطوة مشيتها سيئة وكتب لك حسنة ورفعك بها في الجنة درجة .
وقد حقق الله نبوءة النبي ﷺ في "أبا ذر" رضي الله عنه
في خلافة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه خرج "أبو ذر" رضي الله عنه ورحل من المدينة عندما بدأت تظهر الفتن وارتحل إلى الطريق الذي يؤدي للعراق
وعلى مسيرة ثلاثة أيام من المدينة ... نصب له خيمة هناك وليس معه إلا زوجته وخادم له
وكان إذا احتاج شيء أخذه من القوافل في الطريق .
وحضرته الوفاة ذات ليلة وليس عنده إلا زوجته وخادمه .
فقال لزوجته إذا أنا مت فضعيني عند باب الخيمة وقفِي وانظري إلى أول مار بالطريق .
فقولي له هذا صاحب رسول الله قد مات فجهزه وصلي عليه .
وعند الضحى فاضت روحه الكريمة رضي الله عنه .
فصنعت زوجته وخادمه كما أوصى...
وضعوه عند باب الخيمة ووضعوا عليه الستار .
ثم أخذت زوجته ترقب الطريق
ويا سبحان الله عندما يكرم الله رجل يحبه .... وإذا براكب من بعيد مقبل من جهة العراق ومعه رهط من الرجال .
فلما اقترب نظرت إليه زوجة "أبا ذر رضي الله عنهم
وقالت : ابن مسعود رضي الله عنه....
فقالت له : ابن مسعود ؟
قال : أجل ما شأنكم ؟!!
قالت : هذا "أبا ذر" صاحب رسول الله ﷺ .
ولقد حضرته نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وها هو قد مات وحده .....
وقد أوصاني أول مار في الطريق فليجهزه وليصلي عليه ....
فنزل ابن مسعود رضي الله عنه وقبله بين عينيه ...
ثم غسله ومن معه من أصحابه رضي الله عنهم
واستخرج مما معهم من ثوب أبيض وكفنه وصلى عليه ابن مسعود رضي الله عنهم
ثم دفنه ورجع إلى المدينة مع زوجته وخادمه ...
وأخبر ابن مسعود رضي الله عنه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.... فقال عثمان رضي الله عنه لقد مات "أبو ذر" رضي الله عنه وحده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وسيبعث يوم القيامة وحده كما قال النبي ﷺ
وكان ممن تخلف عن مسيره مع رسول الله ﷺ
الصاحبي الجليل "أبا خثيمة" رضي الله عنه .
يحدثنا أبا خيثمة عن نفسه
يقول : عندما مضى النبي ﷺ بالجيش قلت في نفسي :
أني في إستعداد وفي سعة فإذا انطلق الجيش انطلقت
يقول : فبقيت في داري في المدينة ولم أعسكر مع الجيش
فلما انطلق الجيش ...
قلت : ألحق بهم آخر النهار فأنا على إستعداد ....
فغلبتني نفسي ونمت تلك الليلة في داري .
فلما كان النهار مضيت في بعض شأني ثم عدت إلى حائطي ...
وكان عندي زوجتان وكان يوماً حارا... فلما دخلت حائطي وجدت زوجتاي في عريشتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها ....
وبرّدتا فيها ماء وهيأتا طعاماً وترجو كل واحدة منهم أن اكون نزيلها ....
وكان يوماً شديد الحر ....
فلما دخلت نظرت إلى زوجتي وما صنعتا....
فقلت : رسول الله خير خلق الله وخاتم رسله مع خيرة صحبه تحت حر الشمس وعسيف الرمال يسير في سبيل الله في الحر .
وأباخثيمة في ظلّ بارد وماء مهيأ وإمرأة حسناء ؟؟؟
ما هذا بالنصف.... وماهذا من شعائر الإيمان والله .
ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زادآ ففعلتا...
ثم ركب بعيره وأخذ سيفه ورمحه ثم انطلق يلحق رسول الله ﷺ حتى أدركه حين نزل بتبوك ....
فلما دنا أبا خثيمة رضي الله عنه
قال الناس : هذا راكب مقبل .
فقال النبي ﷺ كن أبا خثيمة .
فقالوا :يا رسول الله هو والله أبا خثيمة رضي الله عنه
فلما أناخ أقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي لقد كان من أمري كذا وكذا . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفع النبي ﷺ إليه رأسه
وقال له أولى لك يا أبا خثيمة .
فسمع منه صلى الله عليه وسلم ودعاء له رضي الله عنه
أما حال الصحابة رضي الله عنهم وهم في طريقهم إلى تبوك فقد دخلوا في جوع وعطش شديدين .
فلقد كانت المؤن قليلة جداً حتى كان الرجلين يقسمان التمرة بينهما .
وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ، يمصها هذا ، ثم يمصها هذا ثم يمصها هذا .
واضطر الصحابة رضي الله عنهم إلى أكل ورق الشجر حتى تورمت شفاههم .
ثم نفذ الماء وأصاب الجيش عطش شديد .
يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع .
وبدأ الصحابة رضي الله عنهم من شدة العطش ينحرون الأبعرة "البعير" ويعصرون ما في بطونها من فرث ليشربوه .
مع قلة الأبعرة وحاجتهم الشديدة إليها...
يقول عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش ....
حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على صدره .
فشكوا ذلك للنبي ﷺ ...
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي ﷺ يا رسول الله قد عوّدك الله من الدعاء خيراً فادع الله لنا ....
قال أتحب ذلك يا أبا بكر ؟
قال : نعم .
ورفع يديه ﷺ فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى إرتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون إليه .
وكانت تلك السحابة لم تتجاوز المعسكر ....
وكان رجلاً من الأنصار قال لآخر متهم بالنفاق بينهم ويحك قد ترى .... فقال هذا المنافق : سحابة مارّة وانتهت ....
فأنزل الله تعالى :
وتجعلون رزقكم . أي بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون . أي حيث تنسبوه للطبيعة...
تجمعت السحب في السماء ونزل المطر ....
فسقوا وارتوا وسقوا أنعامهم ببركة دعاء الحبيب المصطفى ﷺ .
ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله لو جمعنا ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ....
فجاء المسلمون بكل ما بقي لهم من طعام ....
فبارك النبي ﷺ، عليها حتى ملأ الزاد والطعام كل المعسكر .
ومر الجيش في سيره على منازل "ثمود" قوم نبي الله صالح عليه السلام ...
وقد أخبر القرآن العظيم أن قوم صالح قد أهلكوا في هذه المنطقة ...
وهذه المنطقة بها أبيار للمياه ...
فأسرع المسلمون وشربوا وملؤا أوعيتهم بالماء وعجنوا العجين بهذا الماء ليصنعوا خبزآ يأكلوه بعد طول جوع ...
ولكن المفاجأة أن النبي ﷺ قد أمرهم بأمر شاق جداً يتركوا هذا المكان وما فيه.....
وأيضاً أمرهم النبي ﷺ ألا يدخلوا ديار قوم "ثمود" إلا باكين تأثراً بما حدث لهم عندما خالفوا أمر الله عز وجل....
فقال لهم النبي ﷺ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم ....
وقنع النبي ﷺ رأسه بالثوب وغطاه وأسرع بالمسير ولم يدخل ....
هذا الكلام ينطبق على كل آثار باقية لقوم أهلكوا بسبب معصيتهم
لا يسعى المسلم لدخول هذه الأماكن .... وإذا دخلها لا يدخلها في فرح وسرور وإنما يدخلها في بكاء وتأثر وتذكر وتدبر ...
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية عشر بعد المئتيين 211
المخلفون عن تبوك . الجزء الأول .
جلس ﷺ في مسجده ينتظر المخلفون عن معركة تبوك .
فالذين لم يشهدوا تبوك قسمهم الصحابة رضي الله عنهم إلى ثلاثة فئات ....
١- فئة تخلفت بأمر النبي ﷺ مثل
"محمد بن مسلمة" رضي الله عنه جعله النبي ﷺ أمير على المدينة في غيابه ....
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له النبي ﷺ أخلفني في أهلي .
٢- فئة تخلفوا ولكن ليس فيهم نفاق وسنأتي على ذكرهم...
٣- وفئة تخلفوا نفاقاً ....
وهناك قوم كان لهم أعذار وهم الضعفاء والمرضى
فقال عنهم النبي ﷺ وهو في طريق العودة للمدينة من تبوك
قال :
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم . حبسهم العُذْرُ .
قـالوا : يا رسول اللّه وهــم بالمدينة ؟
قال ﷺ وهم بالمدينة حبسهم العذر .
وقال الله تعالى فيهم :
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ .
فتخلف أصحاب الأعذار .
مثلاً من فقد بصره .
من كان أصيب في غزوة فهو يعرج .... من كان مريضاً من كان طاعناً في السن .
ويروى أنه : جاء شاب أراد أن يخرج مع النبي ﷺ وليس له عذر .
فنظر النبي ﷺ إليه وقال : أليس لك أم ؟
قال . نعم
قال فمن يخدمها ؟؟
قال . أنا
قال من لها غيرك ؟؟
قال . الله تعالى
قال له النبي ﷺ إلزمها فإن الجنة عند رجليها .
جلس النبي ﷺ وأقبل الذين تخلفوا يقدمون الأعذار للنبي ﷺ
ويحلفون له ما تخلفنا عنك إلا لضرورة وعذر ويصطنعون الأعذار ....
والنبي ﷺ يقبل أعذارهم ويصافحهم .
ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لنا يا رسول الله . فيستغفر لهم .
فأنزل الله قوله على نبيه صلى الله عليه وسلم :
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
فأخذ المتخلفون يعتذرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل عذرهم على ظاهره لا يناقشهم
حتى فرغوا وكانوا قريب 80 رجلا...
ثم أقبل ثلاثة رجال من خيار الصحابة رضي الله عنهم وهم من الصنف الثاني الذين تخلفوا ولكن ليس فيهم ذرة نفاق .
"كعب بن مالك" رضي الله عنه وهو عقبي "ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة"
"هلال بن امية" رضي الله عنه
و "مرارة بن الربيع" رضي الله عنه وهما بدريان ممن شهدوا بدر...
وقد قال فيهم : وما أدراك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال قد غفرت لكم فاصنعوا ما شئتم .
هؤلاء ثلاثة تخلفوا من غير عذر "غلبتهم أنفسهم "
وقصتهم يرويها لنا الصحابي الجليل "كعب بن مالك" رضي الله عنه :
يقول :لم أتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك .
غير أني قد تخلفت في غزوة بدر
لأن الله لم يعاتب أحد تخلف عن رسول الله ﷺ لأن النبي ﷺ خرج مع المسلمون يريدون عير قريش .....
فجمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
يقول كعب رضي الله عنه : حتى كانت غزوة العسرة فأخذت أقول أنا قادر على التجهز في أي وقت ...
وتجهز الناس حتى أصبح النبي ﷺ على سفر ولم أصنع شيئاً .
فقلت: أنا قادر على أن أنطلق في أي وقت ولم أكن عقدت نية للتخلف عن رسول الله .
وخرج ﷺ لتبوك في حر شديد وسفراً بعيداً .
فخرج معه رجال كثير لا يجمعهم كتاب حافظ .
"يعني عدد الجيش كبير لم كتب أسماء من خرج ومن لم يخرج"
يقول كعب رضي الله عنه : فتجهز النبي ﷺ والمسلمون معه وطفقت أعدو لكي أتجهز معه
أسرعت أجهز نفسي للإنطلاق معهم فأرجع ولم أقض شيئا .
"كلما أراد أن يتجهز تكاسل وغلبته نفسه"
فأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت .
وغلبتني نفسي وأصبح رسول الله ﷺ غاديا والمسلمون .. وأنا لم أتجهز .
ثم رجعت إلى بيتي اريد أن أتجهز فلم أزل أتمادى حتى أسرعوا وتفارط الغزو ....
يعني مازال يؤجل خروجه يوم بعد يوم وغلبته نفسه ولم يلحق بالنبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم
يقول كعب رضي الله عنه : كنت إذا خرجت من بيتي وطفت في طرقات المدينة كان يحزنني أني لا أرى لي اسوة .
لا أجد إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .... أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء .
وأنا والله لست من هؤلاء ولا من هؤلاء ....
يقول كعب رضي الله عنه :ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك .
فقال : وهو جالس في القوم :
ما فعل كعب بن مالك ؟
فقال له رجل من بني سلمة غفر الله له :
يارسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه ....
فقام له معاذ بن جبل رضي الله عنه : وقال : لا والله . بئس ما قلت .
والله يا رسول الله ما علمنا عن كعب إلا خيرا .
فسكت رسول الله ﷺ
يقول كعب رضي الله عنه :فلما سمعت خبر قدوم النبي ﷺ راجعآ من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب ...
"أي جلس يفكر بأعذار كاذبة إذا سأله رسول الله ﷺ عن سبب تخلفه"
وأقول : بما أخرج من سخطه غداً...
"ما هو العذر الذي أقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لكي لا يسخط علي"
وأخذت أستعين بكل ذي رأي من أهلي .
"يستشير أهله أصحاب الرأي ماذا تنصحوني أن أقول لرسول الله"
فلما سمعت بوصول النبي ﷺ زاح عني الباطل ....
فقلت والله لا أجمع على نفسي ذنبين تخلف وكذب
والله سأصدق الله ورسوله .
وكان ﷺ إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ...
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له .
وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً .
فقبل منهم النبي ﷺ عذرهم وعلانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .
فلما انتهى الناس .
جئت إليه أمشي الهوينة .
فلما سلمت تبسم تبسُم المغضب .
ثم قال : تعال يا كعب .
فتقدمت أمشي الهوينة إليه
فقال وهو مغضب تعال فاجلس .
قال . فجلست بين يديه
فقال لي ما خلفك عني ؟؟
قلت : يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر .... لقد اعطيت جدلا ..
ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي ...
وإن حدثتك بصدق تسخط علي ويرضى الله ...
والله ماكان لي من عذر .
والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت .
فقال ﷺ : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك .
هنا تعجب الصحابة رضي الله عنهم :
لأن الذين كذبوا على الله ورسوله واخترعوا أعذار ليس لها أساس من الصحة يصافحهم النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم ويجدد لهم البيعة .
وهذا الذي صدق يعرض عنه ثم لا يقبل له حديثاً .
وبعد ذلك يأمر الناس لمقاطعته
في مقياس العامة هذا أولى بالإستغفار والمصافحة والرضا
وأولئك يجب أن يعرض عنهم النبي صلى الله عليه وسلم؟؟
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى......
[١٣/٨/٢٠٢١ ٦:١٢ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية عشر بعد المئتيين 212
المخلفون عن تبوك . الجزء الثاني .
نحن الآن مع قصة هؤلاء الثلاثة من الصحابة .
"كعب وهلال ومرارة" رضي الله عنهم
قال النبي ﷺ لكعب رضي الله عنه : قم حتى يحكم الله فيك .
وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء
يقول كعب رضي الله عنه : وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني
"من المحبين له من أقاربه وأصحابه يريدون أن ينصحوه "
فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا .
لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلّفون ....
فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ لك ....
"طلبوا منه أن يفعل كما فعل غيره من المنافقين .
فكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر في التراجع ويقدم حجج للنبي ﷺ
قال كعب رضي الله عنه : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ....
ولكن الله ثبت قلبه وزاد من ثباته أنه تذكر أمرا في غاية الأهمية
قال ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي من أحد ؟
"يعني هل هناك من الصحابة غيري لقوا من النبي ﷺ السخط لتخلفهم عنه"
قالوا : نعم لقيه معك رجلان هلال بن أمية و مرارة بن الربيع
قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلت...
فقيل لهما مثل ما قيل لك .
فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معه قد حصل مع غيره من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يخفف عنه ....
خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم"
فقلت : مرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية ؟؟
رجلان أعرف صلاحهما وصدقهما
قال : فاطمأنت نفسي .
لقد ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرآ فيهما أسوة .
ثم كان الإبتلاء الثاني وهي "المقاطعة"
مقاطعة المجتمع له بكل فئاته
حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل معهم .
وكان ذلك شديداً عليهم ...
يقول كعب رضي الله عنه : حتى تنكرت لي في نفسي الأرض .
فما هي بالأرض التي أعرف .
واستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوماً ذاق فيها كعب وأصحابه رضي الله عنهم من المصاعب ما ذاقوا .
يقول كعب رضي الله عنه :
فلم يكلمنا من المسلمين أحد
كنا نطرح السلام على الرجل فلا يرد علينا أحد .
أما صاحبي "هلال ومرارة" لزما بيتهما وأخذهم البكاء وكنت أشب منهما .
فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد من المسلمين .
وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ...
فكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ "
نبي الرحمة ﷺ إذا صلى كعب رضي الله عنه ينظر إليه بشفقة"
وإذا انتهيت من الصلاة صرف نظره عني .
وكنت أخشى أن تقبض روحي وأنا بهذه المقاطعة فإن الأعمار بيد الله وحده فأموت ولا يصلي علي النبي ﷺ فأخسر الدنيا والآخرة ....
أو أن يختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الموت آتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة فتبقى المقاطعة بيني وبين المسلمين أمر لن يغيره أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
فكنت أتمنى أن تنتهي هذه المقاطعة فأموت فيصلي علي النبي ﷺ .
حتى إذا مضى الشهر جاء رسول من رسول الله .
وقال لي: يا كعب رضي الله عنه: يأمركم رسول الله أن تعتزلوا نسائكم .
"أي هو وصاحبيه ، هلال ومرارة"
فقلت له: أطلقها أم ماذا أصنع ؟؟
قال: إعتزلها
فقلت لزوجتي إلحقي بأهلك حتى يحكم الله فينا .
وأصبحت أبيت على سطح داري وأتوجه إلى الله تعالى بالدعاء
و جاءت زوجة "هلال بن أمية " وكان كبير بالسن وليس عنده من يخدمه ....
فقالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي :
إن هلال كبير في السن وليس هنالك من يخدمه : أتأذن لي أن أصنع له طعامه واغسل له ثيابه ؟
قال اخدميه ولكن لا يقربنك بشيء فإنه لا يحل له ذلك .
فقالت: بأبي وأمي أنت
والله مابه حراك بشيء .
فإنه منذ أن أمرت الناس بمقاطعته ما جف له دمع ولا تناول طعام ولا نام بليل .
وهكذا تستمر المقاطعة بلياليها الطويلة.....
اضطروا فيها إلى ضرورة الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم .
يقول كعب رضي الله عنه حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ .
فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فوالله ما ردَّ علي السلام .
فكررتها فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فلم يرد علي السلام....
"ويزداد الألم حتى أصبح كعب رضي الله عنه يشك في نفسه فيبحث عن إجابات يدحض بها هذا الشك عن نفسه عند أعز الناس عليه ابن عمه أبي قتادة وأعز أصحابه رضي الله عنهم
ولكن لا أحد من المسلمين يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ
قال فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال . فسكت .
فأعدت السؤال عليه
وقلت : نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال: فسكت ولم يرد علي بشيء
يقول كعب رضي الله عنه : فكادت أن تزهق روحي فصرخت بأعلى ما أملك من صوت .
نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
فقال : ابا قتادة بصوت منخفض بينه وبين نفسه : الله ورسوله أعلم.
يقول كعب رضي الله عنه: ففاضت عيناي بالبكاء وتوليت حتى تسورت الجدار .
بعد هذه المقابلة الصعبة وبعد هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة رضي الله عنه.
جاءه الابتلاء الثالث
يقول كعب رضي الله عنه وبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة .
يقول :من يدلني على كعب بن مالك ؟
قال : فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني . فدفع إليَّ كتابا من "ملك غسان" مكتوب بماء الذهب وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه ....
"من ملك غسان إلى كعب بن مالك أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة
فالحق بنا نواسك"
استغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر فيها كعب رضي الله عنه
فكعب رضي الله عنه له مكانته في المجتمع....
وكان معروف بشعره ومكانته ويعلم ملك غسان لو إرتد كعب رضي الله عنه عن دينه لكان أثر ذلك في شق صف المسلمين .
لذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك .
فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب رضي الله عنه بمثابة "الإبتلاء "
يقول كعب رضي الله عنه :
فحين قرأت الرسالة فتوجهت مسرعاً إلى منزلي ورميت بها بالتنور فسجرتها به حتى لا تميل لها نفسي يوما .
حرق "كعب بن مالك" رضي الله عنه : ذلك الكتاب ولم يندم وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم توجهت نحو المسجد ، وإذا رسول الله ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم
فدخلت فسلمت فلم يرد علي أحد...
فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد طال هجرك لي حتى طمع بي أهل الروم .....
قال : فلم يرد علي بشيء ولم يحرك ساكناً .
فطفقت أبكي في المسجد بصوت مسموع حتى قارب هجرنا خمسين ليلة .
فصليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ....
والآن ننتقل إلى بيت رسول الله ﷺ وهو في حجرة "أم سلمة" رضي الله عنها .
كان يصلي قيام الليل صلوات ربي وسلامه عليه
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق .
وكان ﷺ إذا أتاه الوحي استنار وجهه كأنه البدر ليلة التمام..
قالت: فسلم عن شماله ثم التفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً .
وهو يقول : بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه .
تقول أم سلمة رضي الله عنها فوثبت : "على جلالة قدرها وكبر سنها" وأخذت خماري..
ثم تداركت وقلت : بأبي وأمي يارسول الله أتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب رضي الله عنه
قالت : فقال لي متلطفاً يا أم سلمة إذن يحطمكم الناس .
"إذا انطلقتي الآن بالبشرى وشاع الخبر سيتوافد الناس إلى المسجد "
إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم من النوم .
حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر .
قالت : ومضى ﷺ في قيامه إلى صلاة الفجر وكان لا يخرج إلى مصلاه إلا عند إقامة الصلاة .
"لأن دخوله للمسجد كان إشعاراً لإقامة الصلاة فكان يصلي السنة في حجراته" صلى الله عليه وسلم...
قالت : وخرج إلى صلاة الفجر ثم دخل المسجد فأقام الصلاة بلال رضي الله عنه ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه رضي الله عنهم
تقول أم سلمة رضي الله عنها وكنت أنا في مصلى النساء ورآءهم :
"لم يكن المصلى معزول كما نعرفه اليوم في مساجدنا .
الرجال يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهم الصبية وخلف الصبية تصلي النساء فكان يرى بعضهم بعضا "
قالت: فاستقبلنا ﷺ وتلى الآيات في التوبة التي نزلت بحق "كعب وهلال ومرارة" وأعلن أن الله قد تاب على كعب وصاحبيه رضي الله عنهم...
تقول أم سلمة رضي الله عنها : فوثب شيخ الصحابة و وثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب رضي الله عنهم...
انظروا ياله من مشهد
يقول : أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأدركت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيسبقني فقد كان أخف مني وأسرع .
فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك ....
ويكررها أبو بكر بأعلى صوته
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
يقول كعب رضي الله عنه فبينما أنا جالس على سطح داري وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ يصيح و يقول بأعلى صوته .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
فلما سمعت الصوت وأيقنت أنه ابو بكر رضي الله عنه
نظرت فإذا عمر رضي الله عنه يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي
ويقول : أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك .
لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين أصحابه رضي الله عنهم في المسجد ينتظرونك .
قال : فلم أتمالك نفسي فخررت ساجداً لله
ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته
فالبشرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ووالله الذي لا إله إلا هو لم أكن أملك في ذلك اليوم شيء ....
لأني تصدقت بكل أملك و كنت لا أملك إلا ثوبان
فقلت : هما لأبي بكر رضي الله عنه واستعرت ثوبين فلبستهما
يقول كعب رضي الله عنه فأقبل الناس يبشروننا أنا وصاحبي "هلال ومرارة" رضي الله عنهم
يقول:فأنطلقت إلى مسجد رسول الله ﷺ .
وأخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني .
حتى دخلت المسجد أمشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله ﷺ وهو ينظر إلي وقد أشرق وجهه .
فقال : أبشر يا كعب ورفع يده اليمنى أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك أمك .
فقلت : أمن عندك يارسول الله ، أم من عند الله ؟
قال بل من عند الله .
قال : فأكببت أقبل رأسه ويديه ثم جلست وتلى علينا الآيات .
وبمناسبة هذه الآيات سميت السورة بسورة التوبة .
قال تعالى :
لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله إن من توبتي لله وعهد علي أن أخرج من مالي كله لله .
فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله .
فقال النبي ﷺ لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك .
فقلت : اتصدق بنصفه
قال لا ...
قلت . ثلثه .
قال ثلثه والثلث كثير ..
قال كعب رضي الله عنه فجئت بثلث مالي .
وجاء هلال بثلث ماله .
وجاء مرارة بثلث ماله .
وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء .
وأثنى الله على ذلك بنص قرآني .
قال تعالى :
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يقول كعب رضي الله عنه : ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة
فقلت على ملأ من الصحابة رضي الله عنهم يارسول إن عهد الله علي بأن لا أتكلم بعد اليوم إلا صدقاً .
فكنت ممن ابلاني الله بالصدق واسأله أن يحفظه علي حتى ألقاه وهو راضٍ عني .
فكان يعرف كعب رضي الله عنه بأنه الصادق والصديق .
في قصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم فوائد وعبر يرجع إلى كتب السيرة النبوية ويستفاد منها
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المئتيين 213
حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمسلمين .
ونزول آيات صدر سورة التوبة .
رجع ﷺ من غزوة تبوك ....
وفي شهر "ذي الحجة" من السنة التاسعة من الهجرة خرج المسلمون لأداء فريضة الحج .
ولم يخرج معهم النبي ﷺ وإنما خرج بالمسلمون "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه
وكانت هذه هي السنة الثانية التي لم يخرج فيها النبي ﷺ للحج .....
كانت المرة الأولى في السنة الثامنة
وهذه المرة الثانية في السنة التاسعة
وقيل في كتب السيرة أن سبب عدم خروج النبي للحج في السنة التاسعة هو إنشغال النبي ﷺ بإستقبال الوفود التي تأتي للمدينة لتعلم الإسلام والقرآن الكريم ومبايعة النبي ﷺ
ولكن بعد متابعة السيرة ودراستها هنالك سبب آخر لعدم خروجه ﷺ للحج في هذا العام
لنلقي نظرة عامة عن مكة ومن يحج إليها في ذلك الوقت لنعرف أكثر عن عدم خروجه ﷺ في هذا العام للحج .
فقد ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي ﷺ سيحج هذا العام بعد أن أصبحت "مكة" دار إسلام....
وها هو ﷺ قد ثبَّتَ هذا الدين والأمن له في أرجاء الجزيرة كلها
ولكن النبي ﷺ لا يسير إلا أن يسيره ربه تبارك وتعالى
وقد إختار له الله أن يكون له حجة واحدة في عمره وهي "حجة الوداع"
وبإلهام من الله سبحانه وتعالى دون نص قرآني إختار النبي ﷺ عدم خروجه للحج في هذا العام
وانتدب "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه ليخرج بعدد من أهل المدينة بلغوا 300 رجل ومن أراد أن يرافقهم من أهل الأعراب من حول المدينة فيكون "ابو بكر" رضي الله عنه أمير المسلمين في الحج ....
فإن مكة كانت تستقبل المسلمين وغير المسلمين في ذلك الوقت
فكانت العرب كلها تحج إقتداءً بملة نبي الله إبراهيم عليه السلام
لقوله تعالى :
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
فكل الناس كانت تحج على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
لأن دين إبراهيم عليه السلام هو دين الأنبياء جميعاً
لأنه هو الدين عند الله تعالى .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ...
وما دام يأتي إلى الحج المسلم وغير المسلم كانت لهم عادات وتقاليد لا يقرها شرعنا
ولكن لم يأتي للنبي ﷺ نص قرآني يغيرها لهم .
وما كان ﷺ يشرع إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى
ولكن كره أن يحضر موسم حج وفيه ما لا يتفق مع خلق الإنسان الطبيعي ....
فلقد ابتدعت قريش وبعض قبائل العرب بدعة في الحج لم تكن تعرف من قبل وهي الطواف حول الكعبة وهم عراة .
معتقدين بذلك أن الله لا يقبل طوافهم بثياب عصوا الله فيها
فكانوا يتجردون من ثيابهم في حجر إسماعيل ، ويطوفون بالبيت عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
فالمرأة تأخذ شيئاً ما يستر فرجها فقط ثم تطوف في البيت عريانة
والرجل يطوف أيضاً عريان
معتقدين أن الله لا يقبل توبتهم بثياب عصوا الله فيها "خرافات وبدع"
ولم يكن النبي ﷺ قد شرَّع للناس وإن كانت مكة دار إسلام
فلم يحب النبي ﷺ أن يحضر هذا الحج ثم يشهد من يطوفون عراة .....
ومن يغيرون في التلبية
فهنالك تلبية توحيد على ملة إبراهيم عليه السلام
وهنالك تلبية فيها شرك فكانوا يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكٌ أرتضيته لك
وقريش أيضاً إبتدعت بدعة وهي بأنها لا تقف مع الناس على "عرفة" يوم الحج .
بل تقف عند المشعر الحرام .
ويقولون : نحن أهل الحرم نحن أهل الحمس لا نقف مع الناس ولا نفيض مع الناس .
الخلاصة أن النبي ﷺ إنتدب الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه ليكون أميراً على المسلمين و أوصاه بأن لا يغير شيئاً في ما إعتادت عليه قريش لأن الله لم يأمره بشيء
فأمر "أبو بكر" رضي الله عنه أن يكون أمير المسلمين وأن يحج بالمسلمين على ملة التوحيد وأن لا يغير في ما في قريش على الإطلاق
وأرسل معه ﷺ 20 بدناً ليقدمها هديً بإسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام طعمة للفقراء والمساكين .
وأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنفسه 5 من النياق أيضآ فأصبح العدد 25 بدنا .
وبعد خروج وفد الحج بقيادة "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ولم يبعدوا عن المدينة المنورة كثيراً..
نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ بأيآت من صدر سورة "التوبة"
فعندما نزلت الآيات أرسل النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ليقرأ هذه الآيات على الناس يوم الحج .
وكتب له كتاب لأمير مكة حتى يعمل بمضمون هذه الآيات .
وأوصاه بأربعة بنود يبلغها للناس يوم "الحج الأكبر"
"الحج الأكبر" هو الحج ذاته في كل عام لأن فيه "وقفة عرفة"
والحج الأصغر هي "العمرة" لأنها تأتي على جميع أركان الحج إلا "الوقفة على عرفة"
فسبب وقوف الناس على عرفة سمي "الحج الأكبر"
فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه بهذا الكتاب وأذن له النبي ﷺ بأن يركب على ناقته "القصواء" كشاهداً عليه أنه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل معه أبو هريرة رضي الله عنه يزكي شهادته .
فقال له: تحج مع الناس فإذا كان يوم "الحج الأكبر" "يعني صبيحة يوم النحر" وفاض الناس من عرفة واجتمعوا في منى .
اقرأ عليهم هذا الكتاب والآيات التي نزلت .
لأن الحجيج لا يجتمعون كلهم إلا في منى بعد عرفة .
ويعلم النبي ﷺ أن قريش لا تقف في عرفة .
وقد ذكرنا السبب فخصص له يوم النحر حتى يكون كل الناس قد اجتمعوا .
فإذا كان يوم النحر يستأذن "علي" رضي الله عنه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أمير الحج ويقرأ على الناس الكتاب
فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه على ناقة النبي ﷺ ومعه كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم مختوم بخاتمه ويصحبه "أبو هريرة" رضي الله عنه .
حتى إذا إقترب من الركب سمع "أبو بكر" رضي الله عنه رغاء ناقة النبي "ﷺ" القصواء فعرفها
"سبحان الله كانوا يهتمون بكل شيء متعلق بالنبي ﷺ حتى أنهم كانوا يميزون صوت ناقته"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن حوله "ألا تسمعون" ؟
إنه رغاء القصواء ناقة النبي ﷺ
قالوا : أجل .
قال : لعل رسول الله ﷺ قد أمُر بالحج فلحق بنا .
فتوقف الركب كله ينتظرون قدوم الناقة .
فلما زال عنها السراب وظهر لهم من يركبها إذا هو "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ابن عم رسول الله ﷺ .
فلما سلم على الصديق ومن معه
سأله أبو بكر : يا ابن عم رسول الله أتابع أم أمير ؟
قال علي رضي الله عنه : بل تابعٌ ، ونائبٌ عن رسول الله لأقرأ على الناس وابلغهم رسالته يوم الحج الأكبر صبيحة النحر واقرأ عليهم ما أنزل الله من آيات .
ومضى الركب بإمارة "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه .
حتى إذا كان يوم الحج "وقفة عرفة" ووقف الناس كما يقفون على عادتهم .
وقريش عند المشعر الحرام والناس كلهم على "عرفة" فأفاضوا فلما افاض الناس وكان يوم صبيحة النحر .
إستأذن "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه من "أبي بكر" أن يبلغ الناس رسالة رسول الله ﷺ فأذن له .
فوقف علي رضي الله عنه خطيباً بالناس .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم
ثم قال :
ايها الناس .
ولم يقل أيها المؤمنون لأن فيهم المسلم والمشرك فكما شرحت لكم العرب كانت تحج وهي على غير دين الاسلام .
أيها الناس .
إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم ما أنزل الله وأسن سنن تتبع بعد اليوم .
ثم تلى عليهم الآيات من صدر سورة التوبة .
قال تعالى :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ .
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا .
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ .
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [[ اي يكون لهم قوة عليكم ]] لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً .
هذه بعض آيات سورة التوبة حتى نصل إلى الآية ٢٨
يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
ثم وقف "علي" رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات من سورة التوبة
وسورة التوبة نزلت من غير بسملة .
قال العلماء : لأن بدايتها كانت بكلمة "براءة" وهي لا تليق مع البسملة .
لماذا ليس فيها بسملة ؟؟
قيل أنها توقيفية
"يعني هكذا أنزلها الله ولا يجوز لنا أن نقول لماذا ؟؟
أعلن علي رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات أربعة أحكام .
١- يمنع الطواف بالبيت بعد هذا اليوم عريان
لأن رسول الله ﷺ سيأتي في العام القادم للحج ولن يرى فيها عريان إلا وضرب عنقه .
٢- لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك .
٣ - من كان بينه وبين رسول الله عهد فهو إلى مدته والذين لا عهد لهم فمعهم مهلة 4 أشهر .
٤ - ألا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا .
بلغ علي رضي الله عنه للناس ذلك مرة ومرتين :
وأمر "أبو بكر الصديق رضي الله عنه " رجال من الصحابة رضي الله عنهم لهم صوت جهوري يبلغون عن لسان "علي" رضي الله عنه حتى يبلغ القاصي والداني .
وكُلف أمير مكة أن ينفذ هذه الأحكام بعد موسم الحج وأن تهيئ مكة .
لإستقبال الحبيب المصطفى ﷺ في العام القادم حاجاً .
هذا ما كان في حج "أبوبكر الصديق" رضي الله عنه ونفذ ذلك كله ورجع المسلمون بعد حجهم هذا وسمي هذا العام بعام "الوفود"
وعلم المشركون بعد هذه البنود أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وعليهم أن يدخلوا في هذا الدين أو أن يخرجوا من جزيرة العرب .
فجاءت الوفود إلى المدينة أفواجاً يعلنوا إسلامهم .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
*
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة عشر بعد المئتيين 214
أحداث وقعت في العام التاسع من الهجرة . :
وفاة النجاشي . ملك الحبشة
وقد تولى النجاشي حكم الحبشة وهو ابن 9 أعوام بعد موت عمه بصاعقة .
وبعد سنوات من حكمه انتشر عدله وسيرته الطيبة في كل مكان
و عندما اشتد إيذاء قريش للمسلمين نصح النبي ﷺ المسلمين في السنة "الخامسة" من البعثة بالهجرة إلى الحبشة .
وقال : إن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد .
هاجر بعض المسلمين الهجرة الأولى
"وقد ذكرنا هذه الأحداث من السيرة في بداية العهد المكي .
وفي رجب من السنة التاسعة للهجرة أخبر النبي ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بوفاة النجاشي
فقال : مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .
وصلى الحبيب المصطفى ﷺ على النجاشي "صلاة الغائب"
وكان الوحيد الذي صلى عليه ﷺ صلاة الغائب لأنه مات في أرض ليس فيها من يصلي عليه
ومن الأحداث التي وقعت في السنة التاسعة :
هو وفاة بنت النبي ﷺ أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه
وقد ولدت أم كلثوم قبل البعثة بست سنوات وأمها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
جاهدت مع أبيها ﷺ وعانت وطأة الحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب وكان عمرها 11 عام وعاشت كل لحظات معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة 13 عام كاملة .
وهاجرت رضي الله عنها وكان عمرها 19 عام .
تزوجت من "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بعد وفاة أختها "رقية" رضي الله عنها في السنة الثالثة من الهجرة وكان عمرها 22عام .
ولذلك أطلق على "عثمان بن عفان" "ذو النورين" وأصبح الوحيد في التاريخ كله الذي تزوج من ابنتي نبي وظلت مع "عثمان" ستة أعوام ولم تنجب
ثم ماتت رضي الله عنها في شهر "شعبان" من السنة التاسعة من الهجرة بعد عودة المسلمين من "تبوك"
وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وهو يبكي حزنا عليها .
وواسى النبي ﷺ زوجها "عثمان"
وقال : لو كانت عندنا ثالثة لزوجتها عثمان .
رضي الله عنها.
موت عبد الله بن أبي بن سلول
من الأحداث الهامه وفاته في السنة التاسعة للهجرة والذي عرف برأس المنافقين .
وقصة "عبد الله بن أبي بن سلول" أن المدينة قبل هجرة النبي ﷺ شهدت تاريخاً طويلاً من الحروب بين "الأوس والخزرج" وكانت آخر هذه الحروب هي حرب "بعاث" والتي انتهت بانتصار "الأوس"
"أتينا على ذكر تفاصيلها في حلقة خاصة سابقآ"
وفكر العقلاء بعدها على تنصيب رجل يكون ملكاً أو حاكماً على المدينة ....
واتفق الطرفان على أن يكون هذا الحاكم هو أحد سادات الخزرج وهو "عبد الله بن أبي سلول"
وسبب أختياره ملكاً .
أولا .. لأنه لم يشترك في حرب "بعاث" بل كان رافضاً ومعارضا لها .
ثانياً .. لأنه من "الخزرج" الطرف الذي انهزم في حرب "بعاث"
فلا يكون هذا تنصيب رجل من "الأوس" أحد نتائج هزيمة "الخزرج" وهو لا شك أمر سيرفضوه .
وبعد أن اتفق أهل المدينة من الأوس والخزرج وبعد أن أصبح أمر تنصيب "عبد الله بن أبي" مسألة وقت ....
جاءت هجرة النبي ﷺ واجتمع الأنصار حول رآية النبي ﷺ .
وماتت فكرة أن يكون "عبد الله بن أبي" ملكاً على المدينة .
لذلك حقد "عبد الله بن أبي " على الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام وأبطن الكفر ....
ولم يتوقف لحظة عن الكيد ضد النبي ﷺ والمسلمون .
وتعاون مع اليهود في ذلك وقاد جماعة المنافقين في المدينة .
وكانت خطورة "عبد الله بن أبي " أن له مكانته الكبيرة بين قومه .
وقد ذكرنا سابقآ مواقفة ضد النبي ﷺ حين انسحب أثناء تحرك المسلمين إلى أحد فانسحب معه ثلث الجيش .
كما أنه قام بإشاعة حادثة الإفك وتكبيره لها .
فقال الله تعالى في ذلك :
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وفي غزوة "بني المصطلق" في السنة السادسة من الهجرة حاول إحداث وقيعة وفتنة بين المهاجرين والأنصار .
حين قال "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية بقوله :
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا .
يعني : امنعوا الأموال عن أصحاب الرسول حتى ينفضوا عنه ويتركوه
وقد سجل عليه القرآن العظيم هذه الكلمات .
ولم يتوقف "عبد الله بن أبي بن سلول" لحظة عن التآمر والكيد للنبي ﷺ ومحاولة هدم الدولة الإسلامية حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة .
وكان لعبد الله بن أبي ولد اسمه عبد الله على إسم أبيه "أي أن إسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"
وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وشهد بدر وجميع المشاهد مع النبي ﷺ
وكان شديد البر بأبيه ومع ذلك كان من أشد الناس على أبيه .
فلما مات "عبد الله بن أبي" ذهب إبنه "عبد الله" إلى النبي ﷺ وسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه النبي ﷺ قميصه
ثم سأل النبي ﷺ أن يصلي عليه
فقام النبي ﷺ يلبي طلب هذا الصحابي رضي الله عنه المؤمن الصادق ليصلي عليه .
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ بثوب النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله . وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟
فقال النبي ﷺ يا عمر إنما خيرني الله فقال . اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وسأزيده على السبعين
ﷺ ما أرحمك :
هذا تحقيق لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وصلى عليه النبي ﷺ .
يقول عمر رضي الله عنه فعجبٌ لي وجرأتي على رسول الله
ولكن نزل بعد ذلك قول الله تعالى :
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ .
وكان موت رأس المنافقين "عبد الله بن أبي " ضربة قاصمة ثالثة للمنافقين في خلال شهرين فقط .
حيث كانت الضربة الأولى :
هي غزوة {"تبوك" نفسها ونزول سورة التوبة .
وقد أظهرت غزوة تبوك وسورة التوبة عدد كبير من المنافقين .
وكانت الضربة الثانية هي هدم وحرق "مسجد الضرار"
ثم كانت الضربة الثالثة :
وهي موت رئيس المنافقين "عبد الله بن ابي بن سلول"
وبموت "عبد الله بن أُبي بن سلول"
انحسرت جداً حركة النفاق في المدينة المنورة وكسرت إلى حد كبير شوكتهم .
ولذلك لم نجد لهم حضوراً يذكر في العام العاشر من الهجرة .
وإن كان استمرار وجودهم مؤكدا لأن المنافقون لا يختفون أبداً من أي مجتمع مسلم منذ أيام النبي ﷺ وحتى يومنا هذا .
هذا كان باختصار شديد ما وقع من أحداث من السنة التاسعة للهجرة...
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٦/٨/٢٠٢١ ٩:٠١ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر بعد المئتيين 215
إسلام ثقيف ..
العام التاسع هو عام الوفود....
ذكرنا أن السنة التاسعة شهدت المدينة حضور مكثفا للوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية
وقد أطلق على العام التاسع من الهجرة : "عام الوفود" :
حيث زادت هذه الوفود عن 60 وفداً وقيل أنها وصلت إلى 100 وفد .....
وقد بدأت هذه الوفود في القدوم إلى المدينة بعد "فتح مكة" وحرب "هوازن" ثم ازدادت كثافة بعد غزوة "تبوك" بعد أن شاهدت القبائل العربية الجيش المسلم العملاق والذي قوامه 30 ألف مقاتل و 1000 فارس وهو يقطع الجزيرة العربية شمالاً حتى وصل إلى "تبوك"
وشاهدت هروب جيوش "الإمبراطورية الرومانية" وهي أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت "لأن آخر مواجهة بين الفرس والروم كانت لصالح الروم وتحكم نصف دول العالم القديم تقريبا"
شاهد العرب جيوش الإمبراطورية الرومانية وهي تنسحب إنسحابا مخزيا أمام الجيش الإسلامي....
فعلمت هذه القبائل أن لا قبل لها بالدولة الإسلامية الناشئة فجاءت إلى المدينة لمبايعة
النبي ﷺ
بعض هذه القبائل جاء إلى المدينة مقتنعا بالإسلام
والبعض جاء خوفاً وطمعا في الدولة الإسلامية الناشئة القوية
وكان أول هذه الوفود قدوماً بعد غزوة تبوك وأهم هذه الوفود من ناحية الأثر كان وفد "ثقيف"
ثقيف : هي أكبر بطون قبيلة "هوازن" و هوازن واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية تضم عدد كبير من البطون ....
وأكبر هذه البطون وأشهرها هي "ثقيف" وكانت شبه مستقلة عن "هوازن" وتسكن مدينة الطائف على بعد حوالى 100 كم تقريباً جنوب شرق مكة.
وكانت "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد "مكة"....
وبعد عودة النبي ﷺ إلى المدينة وفي السنة التاسعة من الهجرة
قدم على النبي ﷺ في المدينة "عروة بن مسعود الثقفي" وهو أكبر زعماء "الطائف"
وأسلم بين يدي النبي ﷺ
وقال عنه النبي ﷺ أنه يشبه المسيح "عيسى" عليه السلام
ثم سأل "عروة بن مسعود" رضي الله عنه : النبي ﷺ أن يرجع إلى قومه بالإسلام .
فقال له رسول الله ﷺ : إن فعلت فإنهم قاتلوك .
فقال عروة رضي الله عنه :
يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم ...
فعاد "عروة" رضي الله عنه وأظهر إسلامه ودعا قومه إلى الإسلام ولكنهم رفضوا الإسلام وسبوه وأغلظوا له القول .
وفي فجر اليوم التالي صعد "عروة" رضي الله عنه على سطح منزله وأذن للصلاة .
فخرج أحد رجال ثقيف ورماه بسهم فوقع على الأرض .
وقال له أهله : ما ترى في دمك
فقال عروة رضي الله عنه :
كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إليَّ .
"ثم أوصى أن يدفن مع شهداء المسلمين الذين قتلوا أثناء حصار الطائف"
فلما بلغ النبي ﷺ ذلك قال : مثلُ عروة في قومه مثلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه .
وبرغم أن "ثقيف" قد قتلت "عروة بن مسعود" في هذا المشهد المؤلم
إلا أن ثقيف كانت في وضع لا يحسد عليه :
١ - بسبب هزيمة "ثقيف" هزيمة نكراء أمام المسلمين في "حنين"
حتى بعد أن حاصر النبي ﷺ الطائف لمدة شهر لم تجرؤ "ثقيف" على الخروج لمواجهة المسلمين بالرغم من أن نسائهم وأبنائهم وأموالهم كانت في أيدي المسلمين .
٢ - أسلمت تقريباً جميع قبائل الجزيرة العربية .
حتى بطون "هوازن" نفسها والتي "ثقيف" أحد بطونها .
ولم يبق منها الا "ثقيف" ولا تستطيع ثقيف" أن تقف أمام كل العرب .
٣ - إسلام ثم مقتل "عروة بن مسعود" كان حدثاً جليلا ومزلزلا في "ثقيف"
لأن "عروة" كان محبوباً ومطاعا في قومه .
٤ - لأن "مالك بن عوف النصري" والذي كان قائد جيش "هوازن" في غزوة حنين ضد المسلمين كان قد أسلم .
وكلفه النبي ﷺ بحصار الطائف
فضيق ذلك عليهم بشدة وأخذ الوضع الإقتصادي في التردي نتيجة هذا الحصار .
وفقدت الطائف مكانتها التجارية لأنها أصبحت مكان غير آمن ولا يستطيع التجار من العرب وغيرهم الدخول إليها .
كل هذه الأسباب جعلت "ثقيف" تفكر في الإسلام .
ولذلك بعد عودة النبي ﷺ من غزوة "تبوك" جاء إلى المدينة وفد من "ثقيف" مكون من ستة أشخاص :
على رأسهم أحد أبرز سادة "ثقيف" وهو "عبدياليل بن مسعود" : وهو نفس الشخص الذي رد الرسول ﷺ منذ 12 عام عندما جاء إلى "الطائف" ليعرض عليهم الإسلام....
فلما قدم هذا الوفد إلى المدينة، كان أول من رآهم
"المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه وكان يرعى الإبل خارج المدينة فنهض مسرعاً حتى يبشر النبي ﷺ
فلقيه : "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأخبره بقدوم "ثقيف"
فقال له : "أبو بكر" أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله ﷺ حتى أكون أنا من يحدثه
فذهب "أبو بكر" رضي الله عنه وبشر النبي ﷺ ....
ثم ذهب إليهم "المغيرة بن شعبة" وعلمهم كيف يحيون النبي ﷺ
فلما دخلوا على الرسول ﷺ لم يحيوه كما علمهم المغيرة بتحية الإسلام ....
وإنما حيوه بتحية الجاهلية
"وكانت هذه أول علامة أن وفد "ثقيف" لم يأت مسلماً رغبة في الإسلام"
وإنما جاء رغبا ورهبا في الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة القوية ....
استقبل النبي ﷺ وفد "ثقيف" استقبالاً طيباً يليق بنبي كريم
ولم يذكرهم بشيء من هذا التاريخ الطويل من العداء والذي بدأ منذ زيارته أول مرة للطائف في السنة العاشرة من البعثة حتى معركة "حنين" منذ بضعة شهور ....
وأمر النبي ﷺ أن تضرب لهم خيمة في المسجد : حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم ويستمعوا إلى حديث النبي ﷺ ويشاهدوا أحوال المسلمين ويتعلموا الإسلام ويسمعوا القرآن الكريم
فكانوا يمكثون في المسجد ثم يذهبون إلى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك .
وكانوا قد تركوا رحالهم خارج المدينة .
وكان وفد "ثقيف" قد تركوا عند رحالهم لحراستها أصغرهم سناً وهو "عثمان بن أبي العاص" وكان عمره 27 عام تقريباً
فكانوا إذا ذهبوا إلى رحالهم تركهم "عثمان بن أبي العاص" وذهب إلى النبي ﷺ ليتعلم على يديه ....
وإذا لم يجد النبي ﷺ كان يجلس إلى "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه أو "أبي بن كعب" رضي الله عنه ويتعلم منه القرآن .
وحفظ "عثمان بن أبي العاص" في هذه الأيام سورة "البقرة"
ثم أتى إلى النبي ﷺ وقال :
يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني...
فوضع ﷺ يده على صدره وقال يا شيطان اخرج من صدر عثمان .
يقول : عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه .
أعجب النبي ﷺ "بعثمان بن أبي العاص" وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا .
وسنجد بعد ذلك "لعثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه سيرة طيبة وعطاءاً عظيماً للدولة الإسلامية وله فتوحات حتى فارس والهند رضي الله عنه وأرضاه ....
جاء الوفد بعد ذلك ليسلم على يدي النبي ﷺ لكنهم أرادوا الإسلام بشروط معينة .
فتحدث زعيمهم كنانة بن عبد ياليل
وقال: أفرأيت الزنى . فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه ؟
فقال له النبي ﷺ : هو عليكم حرام .*
فإن الله عز وجل يقول .
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا .
قال : أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها ؟
قال له النبي ﷺ لكم رءوس أموالكم إن الله تعالى يقول .
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين .
قال : أفرأيت الخمر . فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها ؟
فقال له النبي ﷺ : إن الله قد حرمها .
ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
ثم طلبوا طلبا أخيرا غريباً :
وهو أن يتم إعفائهم من الصلاة
فرفض النبي ﷺ طلبهم
وقال : لا خير في دين لا صلاة فيه .
ولا شك أن النبي ﷺ كان حزيناً وهو يستمع إلى هذه المناقشة
لأن هذه المساومات كانت تدل على أن هذا الوفد لم يأت مقتنعا بالإسلام وإنما جاءوا خوفاً من الدولة الإسلامية .
وأن هذه الأيام التي قضوها في المدينة وفي مسجد النبي ﷺ لم تؤثر فيهم .
ثم خلا القوم بعضهم ببعض للتشاور
وقالوا : ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة...
انطلقوا نكاتبه على ما سألناه .
فأتوا النبي ﷺ .
وقال زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل"
قال للنبي صلى الله عليه وسلم نعم : لك ما سألت .
ثم قال ..أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟
الربة هي صنم اللات وقد ذكرنا أنها كانت من أعظم أصنام العرب
وكان يقسم بها ويهدى إليها ويذبح عندها
فرد النبي ﷺ بمنتهى الحزم
وقال : اهدموها .
ففزع الوفد وقال كنانة هيهات . لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا ابن عبد ياليل :
ما أجهلك إنما الربة حجر
فقال له : إنا لم نأتك يا ابن الخطاب
فلما رأى الوفد حزم النبي ﷺ واصراره بدؤوا يساومون في توقيت هدم صنم اللات .
فطلبوا من النبي ﷺ أن يترك اللات 3 سنوات قبل أن يهدمها .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا أن يتركها سنتين .
فرفض النبي ﷺ .
فقالوا . سنة .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا شهراً واحدا .
فرفض النبي ﷺ .
فلما أسقط في أيديهم قالوا : تول أنت هدمها .
فأما نحن فإنا لا نهدمها أبداً
فأجابهم النبي ﷺ إلى ذلك وقال سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها .
فقالوا : ائذن لنا أن نرحل قبل رسولك ونخبر قومنا فإنا أعلم بقومنا .
"يعني لا ترسل من يهدم اللات فوراً ولكن دعنا نمهد لثقيف هذا الأمر"
فوافقهم النبي ﷺ في ذلك
ثم قالوا : يا رسول الله !
أمر علينا رجلاً يؤمنا من قومنا
فأمر عليهم النبي ﷺ "عثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه مع أنه كان أصغرهم سنا وهو الذي كانوا يتركونه في رحالهم .
لأن النبي ﷺ وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام ووجد فيه كفاءة قيادية .
ورفض النبي ﷺ أن يؤمر عليهم زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل" لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول ﷺ عدم إقتناعه بالإسلام .
وكان تأمير النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه وهو شاب صغير ولم يؤمر "عبد ياليل"
وقد أمر من قبل على مكة "عتبة بن أسيد" وهو أيضا شاب.....
وعزل "أبو سفيان"
وهذا يدل على اقتناع النبي ﷺ بالإمكانيات الهائلة للشباب
انطلق الوفد....
ولكن بقي عندهم مشكلة وهي مواجهة قومهم بكل هذا وكانوا يعلمون أن غالبية "ثقيف" لا تزال ترفض الإسلام .
فقال "كنانة بن عبد ياليل" أنا أعلم الناس بثقيف . فاكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والقتال ....
وأخبروهم أن محمداً سألنا أمورا أبيناها عليه .
"أي رفضنا شروطه"
سألنا أن نهدم اللات والعزى وأن نحرم الخمر والزنى والربا .
فلما وصلوا إلى "الطائف" خرجت ثقيف لاستقبالهم فأظهر الوفد الحزن واتجهوا إلى اللات كما هي عادة "ثقيف" ونزلوا عندها
ثم قالوا لهم .... أتينا رجلاً فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب "يعني خضع له العرب دوخهم" ودان له الناس ....
فعرض علينا أمورا شدادا
أن نهدم اللات ونترك الخمر والزنا والربا وأمرنا بالصلاة .
فقالت ثقيف :
والله لا نقبل هذا أبدآ....
فقال لهم الوفد : فتهيئوا للقتال وتعبئوا له ورمموا حصونكم .
ومكثت "ثقيف" يومين .
ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فجاؤوا إلى الوفد .
قالوا لهم : والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب .
فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه .
فلما رأى الوفد ذلك .
قالوا لهم : فإنا قد صالحناه على ذلك ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم .
قالوا : فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم ؟!
قالوا : أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان .
ولم تمضِ الا أيام حتى جاءت السرية التي أرسلها الحبيب المصطفى ﷺ لهدم صنم "اللات"
وبرغم أن "ثقيف" قد دخلت في الإسلام .
الا أن دخول "الطائف" وهدم صنمها أمر غير مأمون على الإطلاق ومهمة شديدة الخطورة ....
لذلك أرسل النبي ﷺ السرية وأمر عليها القائد الفذ "خالد بن الوليد" رضي الله عنه وأرضاه
وجعل مع هذه السرية "المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه
وهو من "ثقيف"
فلا شك أن البطن الذي ينتمي إليه "المغيرة بن شعبة" من ثقيف وهو بطن "بني متعب" سيقوم بحماية "المغيرة" وحماية المسلمين ....
و كما أرسل معهم النبي ﷺ أيضآ "أبو سفيان بن حرب" وهذه أيضآ إشارة هامة إلى أن زعيم الوثنية السابق هو الذي يذهب بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب .
فلما وصلت هذه السرية اتجهت فوراً إلى اللات....
فخرجت كل "ثقيف" رجالاً ونساء وأطفالا وتجمعت تشاهد هذا الحدث ....
أغلب "ثقيف" تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم "اللات"
فقام : "المغيرة بن شعبة" وقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف
أخذ المعول فضرب اللات ضربة ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع . فاضطربت كل "ثقيف" وأخذت تصيح :
وتقول : قتلته الربة قتلته الربة .
وفرحت "ثقيف" وصاحوا من شاء منكم فليقترب ويهدمها
فوثب "المغيرة" وهو يقول : قبحكم الله يا معشر ثقيف
إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع فاقبلوا عافية الله واعبدوه
ثم قام "المغيرة" وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها ....
ثم قال السادن : "أي الخادم الذي يقوم بعناية اللات"
قال : إن هدموا الأساس ليخسفن بهم .
فسمع المغيرة ذلك فقال لخالد دعني أحفر أساسها
"فحفر الأساس حتى أخرج التراب ....
واسقط في يد ثقيف وبهتت"
وحسن بعد ذلك إسلام "ثقيف"
هذه كانت قصة اسلام ثقيف
ومن حسن إسلامها :
لم تكن من ضمن القبائل التي إرتدت عن الإسلام بعد وفاة الحبيب المصطفى ﷺ
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة عشر بعد المئتيين 216
وفد بنو سعد بن بكر .
كانت العرب قاطبة في الجزيرة ترقب أمر النبي ﷺ مع قومه في مكة ....
فإن العرب كلها تكنُ قدراً و إحتراماً وهيبةً لأهل الحرم ...
وقد علموا جميعاً بحادثة الفيل وأصبحوا على يقين وقناعة أن من يريد بهذا البلد أو أهله بسوء لن يسلم من عقوبة السماء...
هكذا كان إعتقادهم لأنهم لايؤمنون بالله تعالى بل يؤمنون بالأصنام وأن من يرد به سوء يأتيه عقاب الآلهة ولأن قريش هم : حضنة البيت وزرع إسماعيل عليه السلام
وأن قريش هم : من يقومون بحق ضيافة وفود الرحمن في موسم الحج ....
فلما كان أمر النبي ﷺ مع قومه ووقعت عدة معارك كراً وفراً بين قريش والمسلمين .
أخذت العرب ترقبُ مصير قريش مع هذا النبي ﷺ ....
فخرجوا بنتيجة قالوا :
إن يكن محمد غير صادق فلن يسلم إذا اعتدى على قريش أو حاول فتح مكة .
وإن يكن صادقاً وفتحها وظهر على قريش يكن نبياّ حقاً وصدقا
فلما تم "فتح مكة" وتبعها "غزوة تبوك" أخذت العرب تفد إلى المدينة ليلاّ ونهاراً يدخلون في دين الله تعالى...
وكانت هذه الوفود تختلف أعدادها .... فقد تكون عشرة أفراد وقد تكون أكثر أو أقل .
وكانت تمكث في المدينة بضعة أيام ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل .
فكانت تتعلم في هذه الأيام أصول العقائد والصلاة والفرائض ....
وفد بنو سعد بن بكر .
وفد مبارك كان ممثلاً برجل واحد إسمه "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه...
كان من الوفود المباركة التي قدمت المدينة
وهو وفد "بنو سعد بن بكر "أحد بطون هوازن .
وكان هذا الوفد الذي أرسلته "بنو سعد بن بكر" مكون من رجل واحد فقط وهو "ضمام بن ثعلبة"
لم يكن "ضمام" هذا سيد قومه ولكن كان من عقلاء القوم وحكمائهم فوقع الخيار عليه وذلك لثقتهم فيه وفي رأيه .
طلب منه قومه أن يفد إلى المدينة ويجتمع بالنبي ﷺ وأن يحدثه ويرى فيه رأيه ثم يأتيهم بالخلاصة كي يجمعوا رأيهم ليرسلوا وفدهم .
لكن "ضمام" كان خير وفد وخير وافد .
فقد كفى قومه هذه المهمة .
فكان خير و أيمن وافد على قومه .
قدم هذا الرجل : "ضمام" على جمل له وحده لا يرافقه أحد .
دخل المسجد بجمله وأناخه على باب المسجد وعقله ثم دخل المسجد .
و قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى .
يقول الصحابة رضي الله عنهم دخل ضمام وله دوي لا يفهم .
"أي بلهجة قومه لأنه كان للعرب لهجات وجاء القران بها كلها
قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى
قالوا : فاستند النبي ﷺ
"أي جلس على ركبتيه ""
قالوا : فاستند النبي ﷺ وقال نعم أنا بن عبد المطلب .
قال ضمام . أمحمد ؟؟
فقال النبي ﷺ نعم أنا محمد بن عبد المطلب .
انظروا إلى الحبيب المصطفى ﷺ وهو سيد الأنبياء والرسل وخير البشر .
وهو القائد الذي دانت له الجزيرة العربية وخضع له كل العرب للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية .
وواجه الروم وانسحبوا من أمامه .
يجلس بين أصحابه رضي الله عنهم وأتباعه وجنوده على الأرض متكئا حتى أن الغريب لا يعرفه من بينهم حتى يسأل عليه .
تقدم "ضمام بن ثعلبة" إلى النبي ﷺ
وقال له : يا ابن عبد المطلب
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك .
قال ضمام : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك .
"يعني لا تنفعل وتغضب من اسألتي"
فقال له ﷺ في تواضع وسعة صدر سل عما بدا لك فإني لا أجد إن شاء الله تعالى .
قال ضمام : يا محمد .
أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك .
قال النبي ﷺ صدق ..
قال ضمام . فمن خلق السماء ؟
قال له النبي ﷺ الله ..
قال ضمام . فمن خلق الأرض؟
فقال له الله ..
قال ضمام . فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل .
قال له النبي ﷺ الله ..
قال ضمام : اناشدك الله الذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال إلهك وإله أبائك وإله من كائنٌ بعدك آلله .. أرسلك إلينا رسولا .
قال له النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟
قال له النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
"انظروا إلى تسلسل صيغة السؤال .
قال فبالذي ارسلك .
دليل على ان الايمان سرى في قلب ضمام لم يكرر ويقول له يا بن عبدالمطلب"
قال . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا . تؤخذ من أغنيائنا فتقسم في فقرائنا .
قال النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟
قال النبي ﷺ صدقك .
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً .
قال النبي ﷺ صدق ..
ثم قرأ عليه النبي ﷺ شيء من القران الكريم
فلما انتهى النبي ﷺ .
قال ضمام : آمنت بما جئت به .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك يا محمد رسول الله . صلى الله عليه وسلم
فوالذي بعثك بالحق وانقذنا بك من الضلالة إلى الهدى لن أزيد عن ما سمعت منك ولا أنقص منهن شيء .
وأنا ضمام بن ثعلبة وأنا رسول من ورائي من قومي إليك من بني سعد بن بكر .
ثم ولى ضمام ورجع إلى قومه مسرعاً ....
فلما خرج ضمام قال النبي ﷺ لمن حوله :
لقد فقه الرجل و لئن صدق ليدخلن الجنة .
عاد "ضمام بن ثعلبة" إلى قومه
واجتمع حوله الناس يستمعون إليه...
فكان أول شيء تكلم به .
فقال : بئست اللات والعزى
قالوا : مه يا ضمام ! "يعني على مهلك لا تستعجل"
مه يا ضمام اتقِ البرص والجذام اتق الجنون .
"يعني احذر أن تصاب بهذه الأمراض لأنك تشتم الآلهة .
هكذا كانوا يعتقدون أن من شتم الآلهة ابتلي بالجذام والبرص والجنون .....
قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان .
إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله .
إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه .
ولا يزال ضمام بقومه حتى أسلموا جميعاً رجالاً ونساءاً في نفس اليوم الذي عاد فيه .
لذلك يقول "ابن عباس" رضي الله عنه الذي روى لنا هذه القصة
أن "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه هو أفضل وافد سمعوا به .
و العبرة من قصة "ضمام" رضي الله عنه ليست بالكثرة .
وقد غير شخص واحد من واقع قبيلة بأكملها.
رضي الله عنه
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد المئتان 207
غزوة تبوك . الجزء الرابع .
حال المنافقين .
تخلف عن النبي ﷺ رهط من المنافقين وهم في طريقهم لغزوة تبوك ....
ولكن بقي بين ظهر المسلمون عدد من المنافقين خرجوا معهم رغبة ورهبة ....
رغبة في الغنائم فهم على يقين بأن النبي ﷺ سينتصر إن لقي حرباً .
ورهبة من أن يفتضح أمر نفاقهم
ونختار نموذجين عن هؤلاء المنافقون
النموذج الاول ....
عندما كان النبي ﷺ في طريقه لغزوة تبوك .
الجيش كما قلنا تعداده 30 ألف بخيلهم وإبلهم .
ويكاد الرجل من ضجيج الجيش لا يسمع من بجانبه .
فجلس النبي ﷺ يستريح ثم أذن بالرحيل .
فكان ثلاثة من المنافقين يجلسون في خيمة واحدة ومتاعهم مع بعض
فختموا جلستهم هذه قبل الرحيل بغيبة لرسول الله ﷺ
أما اسمائهم :
الوديعة بن ثابت
الجلاس بن عمرو
مخشن بن حمير
الثلاثة كانوا في رحل واحد يتكلمون مع بعضهم والنبي ﷺ كان في آخر الجيش .
فقال وديعة بن ثابت: لقد صدق والله ابن سلول
أتحسبون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال ....
"يقول هذا الكلام إرجافاً وترهيباً للمؤمنين"فأخذ القوم يضحكون...
فقال جلاس : وكان معه فتى قد ناهز الحلم يعني عمره 12 أو 13 إسمه "عمير" كان يتيم و تزوج الجلاس أمه فأصبح "عمير" ربيبه فكان متعلق به و لا يرتحل إلى مكان إلا إصطحبه معه وكان عمير فتى مؤمن يحبه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً و يداعبه ....
فكان عمير هذا جالساً معهم
فقال الجلاس :
قال مجيباً لوديعة :
والله لئن صدق محمدٌ ، لنحن شر من الحمير.
"يعني إذا طلع محمد صادق أنه نبي مثل مايقول فنحن أقل منزلة من الحمير"
فأجابه الفتى اليتيم "عمير" الذي هو في كفالته
قال بلغة المؤمن الصادق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم
مجيباً زوج أمه وكافله
قال : أنت شر من الحمير وإن لرسول الله صادق ...
فتدارك "مخشن بن حمير" الموقف حين أجاب هذا الفتى الصغير بهذه اللهجة ورأى أن هنالك عناية ربانية تجعل الصغير لا يخشى بقول كلمة الحق
فقال مخشن بن حمير :
والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مئة جلدة.
وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .
"يعني لو هذا الولد وصل للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قلناه أحب إلي أن اجلد ولا ينزل فينا من الله قرآن يتلى .
وإذا بالنبي ﷺ وهو بآخر الجيش يقول لعمار بن ياسر رضي الله عنه :
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا .
فقال الصحابة رضي الله عنهم متعجبين . من يارسول الله ؟
فسماهم النبي ﷺ بأسمائهم .
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا .
فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا .
وقال فلان كذا .
وأجابه فلان بكذا .
وقل لهم أنا محمد رسول الله .
فانطلق إليهم عمار وهو يشق صفوف الناس حتى أدرك الثلاثة قبل أن يرتحلوا .
فقال لهم عمار رضي الله عنه : قفوا مالحديث الذي دار بينكم تنتقصون فيه رسول الله ؟
فقالوا . ماقلنا شيئاً
وأقسم الجلاس والله ما قلنا شيء .
فقال عمار . لا بل قلت يا فلان كذا وقلت يا فلان كذا .
"واخبرهم بما قالوا بالتفصيل"
فقام "وديعة بن ثابت" يجري وراء رسول الله ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته .
فجعل يتعلق بناقة النبي ﷺ يريد الإعتذار .
فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ومضى في سيره .
فأمسك بحقاب الناقة وأخذ يجري خلف النبي ﷺ
وهو يقول : يا رسول الله . اسمعني اسمعني . إنما كنا نخوض ونلعب ...
فلم يقف له النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستمع له
وإذا بالراحلة التي يركبها النبي ﷺ تثقل وأخذت تمشي ببطء ولم تعد تقوى على المشيء
فوقف الناس وعلموا أنه يوحى إلى الحبيب ﷺ .
وإذا بجبريل عليه السلام ينزل بثلاث آيات من سورة "التوبة"
قال تعالى :
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ .
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ .
قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ .
فبعد نزول الآيات جاء إلى النبي ﷺ "مخشن بن حمير" وجلس بين يدي النبي ﷺ وهو خجل مطرقاً رأسه إلى الأرض مشرقاّ وقد تاب إلى الله توبة صادقة
وهو يقول: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، والله ما قلت إلا خيراّ .
"صحيح كان هناك حديث بس أنا اللي طلع مني خير"
ولقد رجوت أن اجلد مئة جلدة ولا أن ينزل بي قرآن يتلى إلى قيام الساعة .
فنظر إليه النبي ﷺ نظرة رضا وهو مبتسماً .
وقال لقد أنزل الله قرآن وأنت ممن عفى عنك .
فقال مخشن . يا رسول الله ، لعله قعد بي اسمي واسم أبي .
فأنا مخشن بن حمير وإن لكل مسمى من اسمه نصيب .
فقال له النبي ﷺ مبتسما لا عليك فأنت بعد اليوم "عبدالرحمن"
فتسمى عبد الرحمن واستثني هذا من قائمة المنافقين .
التوبة الصادقة إلى الله تجب ما قبلها
وسأل "عبد الرحمن" هذا الله تعالى أن يقتل شهيداً و لا يعلم الناس بمكانه .
فقتل يوم اليمامة ، فلم يجد الناس له أثر .
فلقد صدق الله في توبته رضي الله عنه.
النموذج الثاني ....
مضى النبي ﷺ في طريقه لغزوة "تبوك" واستراح ليلاً .
وانطلقت الإبل في الوادي .
فلما كان وقت الرحيل افتقدوا ناقة النبي ﷺ فلم يجدوها .
فلم يتحرك أحد من الجيش .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم يبحثون عن ناقة النبي ﷺ وهي ناقته "القصواء"
طال البحث عنها ولم يجدوها .
وكان النبي ﷺ جالسٌ في خيمته ومعه صحابي جليل عقبيا بدريا
"عقبي أي ممن شهدوا بيعة العقبة قبل الهجرة . بدري ممن شهدوا بدر .
وكلا الوصفين كان علم في حسن القدوة بين الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون فلان عقبي أو بدري أي من خيرة الصحابة .
فهذا الصحابي يجمع بين الوصفين .
كان النبي ﷺ جالس في خيمته ومعه الصحابي "عمارة بن حزم" رضي الله عنه .
أما في خيمة عمارة رضي الله عنه كان يجلس فيها أصحابه الذين كانوا مع عمارة يرحل معهم ويمشي معهم وينام معهم فكانوا يجلسون في خيمته
وعمارة رضي الله عنه هذا كان جالس مع النبي ﷺ في خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
فكان يجلس في خيمة عمارة رجل من أصحاب عمارة أصله "يهودي من بني قينقاع" ولكنه أسلم نفاقاً إسمه "زيد بن اللصيت"
قال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة :
وعمارة كما قلنا عند رسول الله ﷺ
قال : ياللعجب أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، ويخبرنا عن ما مضى وبما هو آت وهو لا يدري أين ناقته ؟
هذا الحديث يجري في هذا الخيمة وخيمة النبي صلى الله عليه وسلم بعيدة عنها
يقول عمارة رضي الله عنه فما راعنا إلا والنبي ﷺ يتغير وجهه و هو يقول وعمارة عنده :
إن رجلاً منافقاً في خيمة وأشار بإصبعه بعيداً يقول .
هذا محمد يخبركم أنه نبي ، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته .
وإني والله لعبد الله ورسوله . و ما أعلم إلا ما علمني الله .
وها هو أخي جبريل قد حضر يعلمني أين الناقة ، وقد دلني الله عليها .
وهي في هذا الوادي ، في شعب كذا وكذا ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها .
فذهبوا . فجاءوا بها .
فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال لأصحابه
والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله ﷺ آنفا .
"يخبرهم بفرح بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو لا يدري من القائل هو أراد أن يخبرهم لتقوية الإيمان عندهم ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم
إذا به يتغير وجهه ويشير بأصبعه ويقول إن منافقآ في خيمة يقول كذا وكذا .
تماماً كما قال زيد بن اللصيت
وأخبر أصحابه عن مكان الناقة فانطلقوا فوجدوها كما قال واحضروها .
فقال رجل ممن كان في رحل عمارة والله ما قام من مجلسنا رجل واحد .
وإن "زيد" والله هو من قال هذه المقالة قبل أن تأتي .
فوثب عمارة على زيد مغضبا يجأ في عنقه...
وهو يقول: إلي عباد الله إن في رحلي لداهية وما أشعر .
"يعني معي في خيمتي منافق وأنا لا أعلم "
اخرج عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني بعد اليوم ساعة واحدة
وأخرجه من خيمته .
تجهز النبي ﷺ للرحيل ...
وقبل أن ينطلق الجيش أمر رجل من أصحابه صوته جهوري أن ينادي بالجيش .
حتى يسمع الجيش كله يقال إنه عمه العباس رضي الله عنه
قال . نادي بالجيش وقل لهم
ألا إن رسول الله يقول لكم إنكم مشرفون على تبوك غداً إن شاء الله تعالى .
وستصلون إليها عند الضحى فمن سبقنا إليها فلا يقرب ولا يمس أحد ماءها حتى أحضر .
"لأن تبوك سبب تسميتها هو عين الماء الذي فيها كما يقال...
فهي عين ماء ضعيفة "تبك الماء بكا" لذلك سميت تبوك .
نسبة لعين الماء التي فيها فهي "تبك الماء بكا" أي لا تكاد تسقي الراكب الواحد .
يعني إذا شرب رجل انتظر الآخر ساعة بعده حتى يشرب فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لايقرب أحد الماء حتى يحضر ويبارك فيه .
هذا الحديث رواه "مالك ومسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده رحمهم الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
فلما وصلوا أحاط الجيش بهذه العين ينتظروا النبي ﷺ
فلما وصل ترجل عن راحلته ونظر إلى البئر إلى عينها
وقال هل مس الماء منكم أحد ؟
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم أجل يارسول فلان وفلان "وكانوا من المنافقين"
قال معاذ رضي الله عنه فنهرهما النبي ﷺ وقال لهما ماشاء الله له أن يقول "توبيخا وتأديبا"
ثم قال لينزل منكم رجل يجمع لي ما أمكن من الماء .
"كانت العيون يجعلون حولها بئراً واسعاً وكبيراً حتى إذا نزلت الأمطار تتجمع فيها"
فنزل رجل وأحضر له من ماءها
يقول معاذ رضي الله عنه فغسل ﷺ فيه يديه ثم غسل وجهه ، ثم مضمض فيه ثم أرجعه للوعاء ثم أعطاه للرجل :
وقال له : خذ وأدر الماء في العين .
فأخذ الرجل الوعاء وأداره في العين ....
يقول معاذ رضي الله عنه ففارت الماء وعلت ولها أذيذ كأن الماء إنفجر من الأرض إنفجاراً
فما أدركنا الرجل حتى أخرجناه قبل أن يغرق حتى إمتلأ الحوض وجلسنا على حفافه نغرف بأيدينا ....
فقال ﷺ أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
ثم نظر لمعاذ رضي الله عنه وقال يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ههنا ملىء جنانا وبساتين .
"يشير إلى أرض تبوك"
وتبوك لم تكن مدينة بل كانت أرض صحراء ذات رمال .
وهي اليوم قد امتلئت جنان وبساتين .. بل يطلق عليها تبوك الورد
ونحن نقول نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أنك رسول الله .
اللهمَّ صَلِّ وَسَـلِّمْ على نَبِيِّنَـا
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة بعدالمئتان 208
غزوة تبوك . الجزء الخامس .
تحقق النصر وانسحاب الروم .
قبل غزوة تبوك وفي الطريق إليها توفى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه {{ ذو البجادين }}
وهو من قبيلة {{ مزينة }}
هذا الصحابي رضي الله عنه عندما أسلم جرده أهله من كل أمواله، حتى جردوه من ثيابه، وكانوا يعلمون شدة حيائه .
فأخذ بجاد "والبجاد هو كساء غليظ مخطط"
فأخذ بجاد وشقه واتزر به وذهب إلى المدينة المنورة
ووصل ودخل المسجد النبوي
فصلى الصبح مع النبي ﷺ .
فبعد إنتهاء النبي ﷺ من الصلاة أخذ يتصفح وجوه أصحابه
فلما رآه قال له : من أنت يا فتى ؟
فقال . أنا عبد العزى
فقال له النبي ﷺ بل أنت عبد الله .
ثم قال له إنزل قريباً منا .
[[وأطلق عليه الصحابة رضي الله عنهم ذو البجادين ]]
و صحب النبي ﷺ وكان كثير العبادة وكثير قراءة القرآن الكريم
فلما كانت غزوة تبوك خرج مع النبي ﷺ ثم أصابته حمى ومات رضي الله عنه.
يَقُولُ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ .
فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم وَإِذَا عبد الله ذو البجادين المزني قَدْ مَاتَ .
وإذا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يحفر
ثم قال أَدْلِيَا لِي أَخَاكُمَا .
ثم وضعه الرَسُولُ ﷺ بيده وقال رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لَأَوَّابًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ .
يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه "لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ"
وكان "ذو البجادين" رضي الله عنه هذا الشاب الصغير أحد الذين نزل النبي ﷺ بنفسه إلى قبورهم رضي الله عنه.
وصل المسلمون أخيراً إلى تبوك
وكانت المفاجأة أن الجيوش الرومانية العملاقة التي تحكم وتسيطر على نصف العالم القديم تقريباً قد فرت إلى داخل بلادها عندما علمت بقدوم النبي ﷺ
كيف فرت جيوش الإمبراطورية الرومانية العملاقة وهي الدولة الأولى في العالم في ذلك الوقت وبرغم تفوقهم الكبير على المسلمين في العدد والعدة والتاريخ والخبرات القتالية وتدريب الجنود ؟
إنه قوله تعالى :
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا .
فحين علمت الرومان بقدوم 30 ألف مسلم وعلى رأسهم محمد رسول الله ﷺ .
قارنت هذا الوضع بالمواجهة التي كانت في "مؤتة" منذ عام واحد
وكيف كان التفوق لصالح المسلمون
وكيف كان عدد القتلى من الرومان أكثر من المسلمين برغم أن عددهم كان 3000 مقاتل فقط....
"يعني عُشْر العدد الموجود في تبوك، ولم يكن معهم النبي ﷺ
ولذلك كان قرار الرومان هو الإنسحاب المخزي أمام النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم
إنسحب الروم هذا الانسحاب المخزي ولم يعتدي النبي ﷺ على القبائل العربية المقيمين في "تبوك" التي كانت قد تحالفت مع الروم مثل "لخم وجذام"
لم يهدم بيوتهم ولم يأسرهم ولم يقتل النساء والأطفال والشيوخ ولم يهدم لهم بنيان
لم يعتدي النبي صلى الله عليه وسلم على أحد وبقي النبي ﷺ معسكرا 20 يوماً كاملاً .
مع أن عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت هي البقاء في أرض المعركة 3 أيام فقط ليثبت أنه الجيش المنتصر .
وأخذ ﷺ يبث العيون حتى لا يكون للعدو خطة ....
"يعني يكون إنسحابهم خدعة ثم الهجموا على المسلمين فجأة"
فلما إطمأن النبي ﷺ بأنه لا يوجد لهم تجمع وأنه قد داخلهم الرعب والخوف والهلع...
قال ﷺ : لقد نصرت بالرعب مسيرة شهر .
يقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم منه ﷺ قبل وصوله إليهم بشهر"
ثم أراد الحبيب المصطفى ﷺ، أن يوجه رسالة للروم وحلفائها من العرب ....
فكان من أتباع الروم ملك يسمى "ملك دومة الجندل"
دومة الجندل كانت تدين النصرانية وموالية للرومان قريبة من تبوك عليها ملك قد نصبه هرقل حاكماً .
"العرب في الجاهلية لا تستطيع أن تنصب نفسها فالذي يضع ويخلع هم الروم"
ذلك الملك إسمه "أكيدر بن عبدالملك الكندي" وضعه هرقل ملك على دومة الجندل .
حتى إذا ما خالف هرقل ذيل آخر من العرب .... يسلط هذه الأذناب من العرب بعضها على بعض ويبقى الروم متفرجون .
أراد النبي ﷺ أن يوجه لهم رسالة بأن يأدب لهم ذيل من أذيالهم .
فأرسل له النبي ﷺ سرية قوامها 420 فارساً بقيادة "خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ....
قال لخالد رضي الله عنه : إذهب لدومة الجندل وأتني بملكها أكيدر حياً لاتقتله .
قال : فإن قاتلني يارسول الله وتحصن في حصنه ؟
فقال له الصادق المصدوق ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى .
قال يا خالد إنك ستجده يصيد البقر خارج حصنه فخذه على غرة .
إنطلق خالد وبين عينيه نبوة رسول الله ﷺ .
حتى إقترب من "دومة الجندل" وارتقب دخول الليل وكانت ليلة صائفة مقمرة
فجلس خالد ومعه رضي الله عنهم يرقبون الحصن .
وكان "أكيدر" مع زوجته على سطح ذلك الحصن يسمر ليلاً وحوله القينات ....
"المغنيات و الراقصات بلغة عصرنا نسميهم فنانين و نجوم"
سمعت زوجته صوت البقر وقد جاء البقر الوحشي يحك قرونه في باب الحصن .
كان أكيدر هذه الليلة لم يخرج للصيد وهو على سطح الحصن يسمر فساق الله تعالى له البقر الوحشي إلى باب حصنه وأخذت تحك بقرونها باب الحصن .
فاطلت زوجته وقالت له متعجبة : أي أكيدر !!
هل رأيت مثل هذا ؟ !!
فنظر "أكيدر" على الأبقار من سطح الحصن
قال : لا !! لطالما أعددت لها الخيل وهي الآن تأتي إلى باب الحصن ؟
قالت . فهل يترك هذا ؟
قال . لا .
فأمر بفرسه وخرج ومعه نفر من أصحابه...
خرج معه أخاه وولي عهده وإسمه "حسان" وأخذ في مطاردة البقر .
فأخذت البقر تجري إلى الجهة التي فيها "خالد" ومن معه .
فتبعها "أكيدر" فتلقته خيل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
ودار قتال محدود إنتهت بأسر "أكيدر" وقتل أخيه "حسان" وفر من معه من رجاله إلى الحصن وأغلقوا الأبواب....
وكان أخوه "حسان" الذي قتل يرتدي ثيابا من الحرير مشغولة بالذهب "أي مخاطة بالذهب"
وفي عنقه صليب من ذهب
"لأنهم كانوا يدينون بالنصرانية"
فأمر خالد من معه أن يسلب القتيل ، فأخذوا سيفه وثيابه وصليبه الذهبي ....
ثم قال "لأكيدر" فلتأمر رجالك ليفتحوا أبواب الحصن الآن .
فقال "أكيدر" . يا خالد إذا رأى قومي ملكهم أسيراً مجدلاً في الحبال ، لن يفتحوا أبواب الحصن ....
ولن يطيعوه لأنه أصبح أسيراً
فإن شئت أن تتم الأمور ولك علي ذمة الله
"لأنه نصراني يؤمن بالله"
قال : ولك علي ذمة الله وعهده أن أصالحك مقابل حقن دماء قومي ....
ولكن فك قيدي يا خالد حتى يسمع قومي قولي .
قال له خالد لك ذلك
ففك قيده وتقدم "أكيدر" إلى الحصن ونادى من على أسواره من الحراس :
أنا أكيدر افتحوا لي باب الحصن .
ففتحوا له باب الحصن
"رجل عاقل . لأن فعلاً لو رأى قومه ملكهم مربوط بالحبال هل يطيعوه ؟
ففتحت أبواب الحصن دون أن تراق قطرة دم واحدة .
فدخل "خالد" وصالح "أكيدر" على شيء من سلاح ومال مقابل حقن للدماء .
وعلى أن يسير معه إلى النبي ﷺ "لأن النبي ﷺ قال لخالد أحضره إلي"
وجاء به خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي ﷺ .
وكان "خالد" قد أمر بعض أصحابه أن ينطلقوا بما سلب من حسان من سلاح وثوبه الحرير المشغول بالذهب ويسبقوه إلى تبوك حيث النبي ﷺ هناك
ليبشروا النبي ﷺ بقدوم خالد ومعه ملك دومة الجندل "أكيدر"
فوصلوا إلى النبي ﷺ ووضعوا بين يديه ما سلب عن "حسان"
يقول الصحابة رضي الله عنهم ومنهم "عمر بن الخطاب" في رواية هذا الحديث "والحديث متفق عليه"
قال . فأخذنا نتلمس ذلك الثوب من الحرير الذي سلب عن حسان ونعجب منه لنعومته وكيف طرز بالذهب ....
فقال النبي ﷺ أتعجبون من هذا ؟؟
وأشار بيده إلى ذلك الثوب الحريري .
قلنا : نعم يا رسول الله
قال والذي نفسي بيده لمناديل "سعد بن معاذ" في الجنة يمسح بها يديه ويلقيها أحسن من هذا وأعز .
كلنا أصبحنا نعلم من هو سعد بن معاذ رضي الله عنه
هو سيد الأوس الذي استشهد في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .
الذي اهتز لموته عرش الرحمن .
الذي له مواقف كثيرة أثلجت صدر النبي ﷺ
فجاء خالد ومعه "أكيدر" .
وكان عليه لباس الملوك وثياب من حرير وفي عنقه صليب من ذهب .
فكان له هيبة الملوك .
فلما دخل "أكيدر" على رسول الله ووقع نظره على الحبيب المصطفى ﷺ .
أرتعدت فرائصه وخر "أكيدر" ساجداً بين يدي رسول الله "كما يفعلون للأكاسرة والأقاصرة"
فأشار النبي ﷺ بيديه وهو يقول لا ، لا ، لا تفعل . إنما أنا عبدالله ورسوله ، لا ينبغي السجود إلا لله .
فجلس أكيدر يحدث النبي ﷺ وصالحه على دفع الجزية .
وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وجعله ملكاً على قومه كما كان .
وخلى سبيله ولكن ولائه يكون لدولة الإسلام لا لدولة الروم .
فلما سمع ملوك وأمراء الشام بما حدث مع الملك "أكيدر"
أتى ملوك وأمراء مدن الشام الذين يجاورون الجزيرة العربية والموالين للإمبراطورية الرومانية لمصالحة النبي ﷺ على الجزية
بعد أن أدركوا أن أسيادهم القدماء قد ولت أيامهم
وكان من الذين جاءوا "يحنَّة بن رؤبة"
وهو صاحب مدينة "آيلة" العقبة الآن من جهة فلسطين يحتلها اليوم إخوة القردة والخنازير .
وكذلك جاء أهل "جرباء"
وأهل "أذرح"
وهكذا أحكم النبي ﷺ سيطرته على كامل شمال الجزيرة العربية .
وأصبحت حدود الدولة الإسلامية ملامسة لحدود الإمبراطورية الرومانية .
وفقدت الإمبراطورية الرومانية حلفائها في شمال الجزيرة العربية .
كما سقطت هيبة الدولة الرومانية سقوطا مدوياً .
ومهد هذا للفتوحات الإسلامية في بلاد الشام التي تمت بعد ذلك في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه...
ورجع النبي ﷺ من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة .
وفي طريق العودة كما قلنا الطريق من تبوك للمدينة أرض صحراء وحرارة الشمس شديدة
فأصابهم العطش والتعب والهوان "فلا طعام ولا ماء رمال الصحراء تعسف بهم"
وأخذ المنافقون يستغلون هذه الظروف ...
فقال المنافقون وهم يسخرون من هذا الجيش وهذا الخروج ويسخرون من كبار الصحابة رضي الله عنهم "كعثمان وعبدالرحمن بن عوف" الذين أنفقوا أموالهم لهذه الغزوة .
يقولون : أنفقتم أموالكم فلا أنتم قاتلتم ولا أنتم غنمتم فعلى أي شيء أنفقتم ؟
وهكذا ، من هذه الأقوال فإذا زجرهم الصحابة رضي الله عنهم يقولون ندردش نخوض ونلعب .
فأذاقهم الله عطشاّ شديداً .
وكان النبي ﷺ لا يكشف النقاب عن المنافق بغية ثلاثة امور :
١- رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
٢- من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الايمان .
٣- حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو فيكثر عدد أعدائنا .
فهيأ الله السبب للنبي ﷺ لعله يعظهم فيزدادوا إيماناً .
فاشتد بهم العطش في أرض صحراء لا ماء بها .
فاشتكى الصحابة لرسول الله العطش .
فقال هل معكم شيء من ماء ؟
فجمعوا له مقدار قدر "وعاء صغير"
فقال لهم احضروا لي وعاء من أوعيتكم التي تسقوا بها دوابكم .
"كانوا يحملون للخيل والإبل في السفر أوعية من أدم اي من جلد تكون مثل ما نسميه اليوم طشت ولكن كبير من كبرها يستطيع أن يقف حولها 100 أو 200 رجل"
فأخذوا يفرشوا وعاء من الجلد ثم تحلقوا حوله .
يقول الصحابة رضي الله عنهم والحديث في الصحاح الستة
لقد أحاط بذلك الإناء أكثر من مئتي رجل لا يزاحم رجل منهم الآخر
فأخذ النبي ﷺ الإناء الصغير الذي فيه الماء
"المنافقون ينظرون من أين سيأتينا بالماء ؟؟
لم يدعوا الآن فتأتي سحابة تمطر . ولا هنالك عين لتتفجر منها المياه"
فوضع يده ﷺ اليمنى في ذلك الوعاء الصغير فما ستر الماء جلدة يده .
ثم قرأ ماشاء الله له أن يقرأ
ثم دعا بما فتح الله عليه من دعاء ثم نفث بين أصابعه
قالوا : ففارت أربعة عيون من الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم... تنبع من بين أصابعه وتسكب في ذلك الوعاء الكبير
ثم قال استقوا واملؤا أسقيتكم .
فأخذنا نملأ بضع نهار حتى استقينا وسقينا دوابنا وملأنا أوعيتنا والماء يفور من بين أصابعه ﷺ ونحن ننظر .
ثم قال هل بقي لكم من حاجة من ماء ؟
قلنا . اللهم لا .. قد إكتفينا يا رسول الله .
فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله .
ثم قبض يده فتوقف نبض الماء .
فقال الصادقون من الصحابة رضي الله عنهم لبعض من لمسوا منهم النفاق
ويلكم ألم يكفيكم هذا ؟؟
فماذا أجابوهم ؟؟
قالوا : بلغنا عن أهل الكتاب أن موسى قد ضرب الحجر بعصاه فانبثقت منه اثنتا عشرة عيناً .
قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
الآيات تكشف صفات المنافقين وتأتي سياق الآيات
ومنهم ، ومنهم ، ومنهم .
ويسطر الله مقولة كل واحد منهم .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة بعد المئتان 209
العودة من تبوك ومحاولة قتل النبي ﷺ .
الله عزوجل أنزل آيات من سورة التوبة تفضح المنافقون .
فأحس المنافقون أنه سيكشف النقاب عنهم ولم يبقى إلا أن يذكرهم بأسماءهم وأسماء آباءهم ....
وكان هنالك 12 منافق وعلموا أن للنبي صلى الله عليه وسلم موقف و شأن مع المنافقين بعد نزول هذه الآيات فأتمروا ليلاً
واتفقوا على أن يقتلوا النبي ﷺ غيلة وكان ﷺ من سنته إذا كان متجهاً إلى غزوة يسير في طليعة الجيش في المقدمة .
أما إذا كان راجعاً من غزوة يسير في آخر الجيش
ويقول : خلوا ظهري للملائكة وسيروا بين يدي .
يمشي آخر الجيش ويكون حوله بعض أصحابه رضي الله عنهم
فقالوا: نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام .
وكان النبي ﷺ لطبيعة الحر يحب السير ليلاً و يستريح نهاراً
قالوا : نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام ثم نختلط بين الناس في الظلام فلا يعلم أحد من قتله ومن إغتاله
أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم وكان يبعد عن المدينة مسيرة يوم وليلتين ....
"لأن الليلة تسبق اليوم يعني هذه الليلة المقبلة ثم يوم غد والليلة التي سيدخل فيها المدينة إن شاء الله تعالى
فلما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم .
أراد أن يكشفهم حتى لا يلام فيهم ....
فلما إنطلق للسير ليلاً أقبل على وادٍ متسع يسير فيه الجيش
وكان على يمين هذا الوادي طريق ضيق يقال له العقبة .
"الطريق الذي فيه صعود حاد ثم ينحدر يقال له عقبة"
فأمر ﷺ "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه وكان يقود ناقة النبي ﷺ أمره أن ينادي في الجيش ...
إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تسلكوا الوادي .
وإنه آخذٌ في العقبة "أي سيصعد العقبة" وحده فلا يتبعه أحد ، فإن الوادي أيسر لكم وأسهل .
فهمس المنافقون بعضهم لبعضٍ وقالوا هذه فرصتنا ...
"يعني لن يخالفه احد من أصحابه رضي الله عنهم
سيسلكون الوادي ، وسيسلك النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وحده ، ومعه حذيفة رضي الله عنه يقود ناقته"
قالوا : هذه فرصتنا نتبعه ثم نزحمه في الطريق فنلقيه عن ناقته في الوادي فيتردا ثم نختلط بين الناس فلا يعلم كيف مات فيقولوا عثرت به ناقته .
النبي ﷺ أطلعه الله تعالى بكل هذا عن طريق الوحي
فسلك النبي ﷺ العقبة وكان معه إثنان من أصحابه فقط .
"حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه يقود ناقة النبي ﷺ .
"وعمار بن ياسر" رضي الله عنه كان خلف ناقة النبي ﷺ لأنها عقبة حادة كان يلتقط بعض المتاع إذا سقط .
فلما كان الليل وكان النبي ﷺ في وسط العقبة تلثم المنافقون حتى يتخفوا تماماً .
والوقت ليل وفي أول شهر
فالليل ظلام دامس"
تلثم المنافقون وتبعوا النبي ﷺ في العقبة .....
فلما كانوا على قرب منهم أحس بهم ﷺ وكان من عادته لا يلتفت ....
"لا يلتفت كما يفعل الناس برأسه .
فكان إذا أراد أن يلتفت ﷺ إلى الوراء وقف واستدار إستدارة كاملة بجسده .
والآن هو على الناقة لا يمكنه الإستدارة"
فقال : من القوم يا حذيفة ؟؟
لقد قلت لا يتبعني أحد .
فلما علموا أن النبي ﷺ قد أحس بهم أسرعوا بالسير وراء النبي صلى الله عليه وسلم
فجفلت الناقة التي يركبها النبي ﷺ واهتز بعض متاع النبي ﷺ
فسقط بعض متاع النبي ﷺ كالسوط وآلة الوضوء وبعض ما يحتاجه في الركوب ....
سقط بعض متاعه ولكن الله ثبته على راحلته فلم يؤذى
فترك خطام الناقة حذيفة رضي الله عنه وأخذ محجناً يضرب وجوه رواحلهم وهويقول: دونكم دونكم يا أعداء الله ورسوله .
وأخذ عمار بن ياسر رضي الله عنه أيضاً يدافع عن النبي ﷺ
فخاف المنافقون وانهزموا وانحدروا سريعاً إلى الوادي واختلطوا في الناس .
فقال النبي ﷺ : اعرفتهم يا حذيفة ؟؟
قال: لا والذي بعثك بالحق ولكني عرفت بعض رواحلهم .
العرب عندهم فراسة في معرفة الرواحل يقولون ناقة شهباء يقولون ناقة حمراء حمر النعم يقولون ناقة دهماء وهكذا .
قال . عرفت بعض رواحلهم .
قال أتعلم ماذا كانوا يريدون ؟؟
قال :لا والذي بعثك بالحق .
قال عزموا على أن يلقوا رسول الله من على راحلته حتى يقتل ثم يختلطون بين الناس فيقولون عثرت به ناقته .
ومضى النبي ﷺ وسار حتى أتم العقبة ثم انحدر إلى الوادي .
وكان قد إنتهى الليل وقارب الفجر ....
فامر أن يعرس الناس "يعرس أي أن يستريحوا ويناموا"
حتى كان الفجر ....
فصلى بهم رسول الله ﷺ الفجر في أرض برحة "واسعة"
ثم إستقبل الناس بوجهه ثم أمر حذيفة رضي الله عنه أن ينادي من منكم تبع النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة ؟
فلم يتكلم أحد
فقال النبي ﷺ :
إن في اصحابي اثنا عشرة منافقاً قد تبعوا محمد رسول الله في هذه الليلة إلى العقبة وعزموا أن يلقوه عن ناقته ثم يزعموا أنه قد عثرت به ناقته ، ولكن هموا بما لم ينالوا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .
منهم ثمانية منافقين من إثنا عشر اللهم أرميهم بالدبيلة .
قالوا : وما الدبيلة يا رسول الله ؟
قال سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم .
المرض المعروف بلغة عصرنا حزام الناري قد يصيب الإنسان في وسطه أو بين كتفيه"
نسأل الله تعالى السلامة و العافية.
فوثب "أسيد بن حضير" وهو من سادة الأنصار وعقبي ممن بايع النبي ﷺ يوم العقبة وكان أحد النقباء
فقال أسيد رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
أطلعنا عليهم ما دام الله قد أطلعك فلتقم كل عشيرة إلى صاحبها فتضرب عنقه فلا يطالب به أحد .
فقال النبي ﷺ لا يا أسيد .
قال : فداك أبي وأمي أطلعنا عليهم .
فوالذي بعثك بالحق لا تقوم من مقامك حتى تكون رؤوسهم بين يديك .
فقال له النبي ﷺ إني أكره أن يقول الناس إن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم .
فقال : يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحابك .
فقال رسول الله أليس يظهرون الشهادة .
ثم أخبر النبي ﷺ "حذيفة بن اليمان ." رضي الله عنه
فقال يا حذيفة سأطلعك على أسماءهم وأسماء آباءهم ولكن اكتم عليهم ذلك .
حتى تنصح من يلي أمركم بعدي ، بأن لا يركن إليهم ولا يوكل إليهم أمرا .
"وهذه نبوة لحذيفة رضي الله عنه بأنه سيطول عمره"
فذكرهم النبي ﷺ لحذيفة رضي الله عنه...
وكما قلنا في الجزء السابق
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكشف النقاب عن المنافق
بغية ثلاثة أمور :
١ - رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
٢ - من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الإيمان.
٣ - حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو . فيكثر عدد أعدائنا
ولكن جاء الأذن من الله عزوجل أن يكشف النقاب عن كل واحد منهم إذا مات المنافق :
قال تعالى .
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ..
فكان ﷺ إذا مات منافق لا يصلي عليه ﷺ .
فإذا قربت جنازته في المسجد للصلاة عليه وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن إسمه :
قال النبي ﷺ : صلوا على صاحبكم .
و يخرج النبي ﷺ من المسجد ولا يصلي عليه .
فإذا رأى الصحابة ذلك علموا أن هذا الميت كان منافقا ومات على نفاقه ....
فبعد أن يموت فلما يعد لنا أي مطمع في الأسباب الثلاثة التي ذكرناها .
١- مات فلا نرجو حسن إسلامه .مات على نفاقه .
٢- بعد الموت ماذا سيضر أهله وأقاربه مات على النفاق مثله كمثل من مات مشركا من قبل .
٣ - مات فلن يكثر الأعداء .
إنطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة .
وكان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... صلى الله عليه وسلم.
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة بعد المئتيين 210
حرق مسجد الضرار ...
انطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة وسيدخلها غداً
كان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... فكان إذا دنى منها وكان بينه وبينها ساعة من زمن نام خارج المدينة وأرسل البشائر بأنه قدم... ليستعد الناس للقاء ذويهم
ويدخلها عندما ترتفع الشمس وقت صلاة الضحى ...
فبات النبي ﷺ خارج المدينة
ثم إنتدب إثنين من الصحابة رضي الله عنهم وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي"
ليبشروا الناس بقدوم الجيش و ليحرقوا مسجد "الضرار"
كان المنافقون قد بنوا مسجد قريب من قباء وطلبوا من النبي ﷺ أن يصلي فيه قبل خروجه لتبوك ....
فقال لهم النبي ﷺ إنا على سفر ولكن إذا رجعنا صلينا فيه إن شاء الله .
وكان المسجد قد فتح وصلي به قبل تبوك ....
"وقدر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخله ولا يصلي فيه
وعندما سألهم الناس لماذا إتخذتم مسجداً آخر قبال مسجد قباء ؟
قال المنافقون: إتخذناه للمريض والشيخ المسن والليلة المطيرة
[يعني ليس كل الناس تستطيع أن تذهب لصلاة خمس صلوات في مسجد قباء .
فأتخذنا هذا المسجد في وسط هذا الحي قريبآ من بيوتنا لكي يصلي به المريض والشيخ المسن ....
وإذا كانت ليلة فيها مطر صلينا به لأنه قريب ...
ولكن الحقيقة كانت غير ذلك
وقصة هذا المسجد :
أنه كان في المدينة قبل هجرة النبي ﷺ رجل إسمه "أبو عامر" كان قد تنصر قبل هجرة النبي ﷺ وكان من سادة الأنصار .
وعلم أن هذا الزمان زمان نبي فترهب وتنسك طمعاً في أن يكون هو هذا النبي .
وأطلق عليه أهل المدينة "أبو عامر الراهب"
فلما بعث النبي ﷺ وهاجر إلى المدينة خاب ظنه
وحقد على النبي ﷺ ورفض الإسلام وزاد حقده بعد نصر المسلمين في بدر
ثم ذهب إلى قريش وأخذ يشجعهم على حرب النبي ﷺ حتى خرجت قريش لغزو المدينة في أحد ...
وقبل بداية المعركة تقدم بين الصفوف وأخذ ينادي على الأوس حتى يخذلوا النبي ﷺ
وهو يقول : أنا أبو عامر الراهب
ولكن الأنصار سبوه وقالوا له بل أنت أبو عامر الفاسق فلما انتهت المعركة ...
لحق بهرقل قيصر الروم يستنصره على النبي ﷺ
فوعده هرقل وأقام عنده .
وأخذ يراسل المنافقين في المدينة ويعدهم بأنه سيأتي بجيش هرقل لغزو المدينة
ثم أمر أتباعه من المنافقين أن يبنوا مسجداً ليكون مقراً لهم .
وقال لهم : اتخذوا لكم مسجداً ظاهره لإقامة الصلاة وحقيقته تعقدون به أمركم وتتشاورون حتى لا يطلع عليكم أصحاب محمد.
فإذا أعددتم سلاحاً ورجالاً جئتكم بمدد من الروم فأخرجناه هو وأصحابه من المدينة .
فكان هذا المسجد الذي أمرهم به "أبو عامر الفاسق"
حقيقته ليقوموا من خلاله ببث أفكارهم الهدامة ونشر فتنهم في المدينة ... وحتى يقدم عليهم فيه من يقدم بكتبه إليهم وحتى ينزل فيه عندما يأتي .
وبالفعل بنوا مسجدا بجوار مسجد قباء .
وقالوا للرسول ﷺ لقد بنيناه للضعفاء ...
وطلبوا من النبي ﷺ أن يقدم للصلاة فيه حتى يعطوا شرعية للمسجد .
كان ذلك قبل خروج النبي ﷺ إلى "تبوك"
فعصم الله تعالى النبي ﷺ من الصلاة فيه
وقال لهم: إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .
فلما كان النبي ﷺ في طريق عودته من "تبوك" نزل جبريل عليه السلام وأخبر النبي ﷺ بخبر هذا المسجد ...
وأنهم أرادوا به التفريق بين المؤمنين وعقد المؤامرات .
فأرسل النبي ﷺ إثنين من الصحابة رضي الله عنهم كما ذكرنا وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي" رضي الله عنهما
فقال لهم النبي ﷺ سراً بينه وبينهم : إنطلقوا فأخبروا الناس أن جيش المسلمون قد رجعوا سالمين غانمين .
فإذا أخبرتم الناس إنطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه ثم اهدموه .....
فانطلقوا وأخبروا الناس أن النبي ﷺ والجيش قد قدموا سالمين غانميين...
وكان المنافقين قد أرجفوا في المدينة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم وجل أصحابه رضي الله عنهم قد هلكوا في الطريق من الحر والعطش .....
وكانوا كل يوم يشيعون إشاعة فكان جل أهل المدينة في كآبة وحزن ....
لن يروا وجه النبي ﷺ ولن يروا مجمل أهلهم الذين خرجوا ....
فلما شاع الخبر بالبشرى واشتغل الناس كلهم بالاستعداد لإستقبال ذويهم من المجاهدين .
ذهب الصحابة رضي الله عنهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق مسجد الضرار الذي كان يعقد فيه المنافقون مؤتمرهم....
وأشعلوا جريد من أوراق النخيل وألقوه من نوافذ ذلك المسجد
"والمسجد كان مبني من جذوع النخيل وسقفه من أوراق النخيل فاشتعل "
فأخذ المنافقون يفرون من ها هنا وهناك ثم هدموا المسجد على قواعده فلم يبقى له أثر .....
ولما كان الصبح دخل النبي ﷺ مدينته المنورة فلما أشرف على المدينة ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فلما تراءت له المدينة طرح رداءه عن منكبيه .
وقال : هذه طابة .. هذه طابة .. هذه طابة أسكننيها ربي ، تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد .
فلما وقع نظره على جبل أحد أوقف راحلته واستقبل جبل أحد و قال : هذا جبل يحبنا ونحبه ويجعله الله على باب الجنة .
ثم دخل المدينة ﷺ وكان من سنته أن يدخل مسجده أولاً فيصلي فيه ركعتين ....
فإذا فرغ من صلاته ....
أتى بيت "فاطمة" رضي الله عنها فيسلم عليها ويطمئن عنها ...
ثم طاف على حجرات أزواجه رضي الله عنهن يسلم عليهن
يقول الصحابة رضي الله عنهم فركع كعادته وظننا أنه سينطلق
فإذا به ﷺ أخذ مكانه في المحراب وجلس ....
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
07-02-2022, 07:13 PM
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية عشر بعد المئتيين 211
المخلفون عن تبوك . الجزء الأول .
جلس ﷺ في مسجده ينتظر المخلفون عن معركة تبوك .
فالذين لم يشهدوا تبوك قسمهم الصحابة رضي الله عنهم إلى ثلاثة فئات ....
١- فئة تخلفت بأمر النبي ﷺ مثل
"محمد بن مسلمة" رضي الله عنه جعله النبي ﷺ أمير على المدينة في غيابه ....
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له النبي ﷺ أخلفني في أهلي .
٢- فئة تخلفوا ولكن ليس فيهم نفاق وسنأتي على ذكرهم...
٣- وفئة تخلفوا نفاقاً ....
وهناك قوم كان لهم أعذار وهم الضعفاء والمرضى
فقال عنهم النبي ﷺ وهو في طريق العودة للمدينة من تبوك
قال :
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم . حبسهم العُذْرُ .
قـالوا : يا رسول اللّه وهــم بالمدينة ؟
قال ﷺ وهم بالمدينة حبسهم العذر .
وقال الله تعالى فيهم :
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ .
فتخلف أصحاب الأعذار .
مثلاً من فقد بصره .
من كان أصيب في غزوة فهو يعرج .... من كان مريضاً من كان طاعناً في السن .
ويروى أنه : جاء شاب أراد أن يخرج مع النبي ﷺ وليس له عذر .
فنظر النبي ﷺ إليه وقال : أليس لك أم ؟
قال . نعم
قال فمن يخدمها ؟؟
قال . أنا
قال من لها غيرك ؟؟
قال . الله تعالى
قال له النبي ﷺ إلزمها فإن الجنة عند رجليها .
جلس النبي ﷺ وأقبل الذين تخلفوا يقدمون الأعذار للنبي ﷺ
ويحلفون له ما تخلفنا عنك إلا لضرورة وعذر ويصطنعون الأعذار ....
والنبي ﷺ يقبل أعذارهم ويصافحهم .
ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لنا يا رسول الله . فيستغفر لهم .
فأنزل الله قوله على نبيه صلى الله عليه وسلم :
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
فأخذ المتخلفون يعتذرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل عذرهم على ظاهره لا يناقشهم
حتى فرغوا وكانوا قريب 80 رجلا...
ثم أقبل ثلاثة رجال من خيار الصحابة رضي الله عنهم وهم من الصنف الثاني الذين تخلفوا ولكن ليس فيهم ذرة نفاق .
"كعب بن مالك" رضي الله عنه وهو عقبي "ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة"
"هلال بن امية" رضي الله عنه
و "مرارة بن الربيع" رضي الله عنه وهما بدريان ممن شهدوا بدر...
وقد قال فيهم : وما أدراك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال قد غفرت لكم فاصنعوا ما شئتم .
هؤلاء ثلاثة تخلفوا من غير عذر "غلبتهم أنفسهم "
وقصتهم يرويها لنا الصحابي الجليل "كعب بن مالك" رضي الله عنه :
يقول :لم أتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك .
غير أني قد تخلفت في غزوة بدر
لأن الله لم يعاتب أحد تخلف عن رسول الله ﷺ لأن النبي ﷺ خرج مع المسلمون يريدون عير قريش .....
فجمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
يقول كعب رضي الله عنه : حتى كانت غزوة العسرة فأخذت أقول أنا قادر على التجهز في أي وقت ...
وتجهز الناس حتى أصبح النبي ﷺ على سفر ولم أصنع شيئاً .
فقلت: أنا قادر على أن أنطلق في أي وقت ولم أكن عقدت نية للتخلف عن رسول الله .
وخرج ﷺ لتبوك في حر شديد وسفراً بعيداً .
فخرج معه رجال كثير لا يجمعهم كتاب حافظ .
"يعني عدد الجيش كبير لم كتب أسماء من خرج ومن لم يخرج"
يقول كعب رضي الله عنه : فتجهز النبي ﷺ والمسلمون معه وطفقت أعدو لكي أتجهز معه
أسرعت أجهز نفسي للإنطلاق معهم فأرجع ولم أقض شيئا .
"كلما أراد أن يتجهز تكاسل وغلبته نفسه"
فأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت .
وغلبتني نفسي وأصبح رسول الله ﷺ غاديا والمسلمون .. وأنا لم أتجهز .
ثم رجعت إلى بيتي اريد أن أتجهز فلم أزل أتمادى حتى أسرعوا وتفارط الغزو ....
يعني مازال يؤجل خروجه يوم بعد يوم وغلبته نفسه ولم يلحق بالنبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم
يقول كعب رضي الله عنه : كنت إذا خرجت من بيتي وطفت في طرقات المدينة كان يحزنني أني لا أرى لي اسوة .
لا أجد إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .... أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء .
وأنا والله لست من هؤلاء ولا من هؤلاء ....
يقول كعب رضي الله عنه :ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك .
فقال : وهو جالس في القوم :
ما فعل كعب بن مالك ؟
فقال له رجل من بني سلمة غفر الله له :
يارسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه ....
فقام له معاذ بن جبل رضي الله عنه : وقال : لا والله . بئس ما قلت .
والله يا رسول الله ما علمنا عن كعب إلا خيرا .
فسكت رسول الله ﷺ
يقول كعب رضي الله عنه :فلما سمعت خبر قدوم النبي ﷺ راجعآ من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب ...
"أي جلس يفكر بأعذار كاذبة إذا سأله رسول الله ﷺ عن سبب تخلفه"
وأقول : بما أخرج من سخطه غداً...
"ما هو العذر الذي أقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لكي لا يسخط علي"
وأخذت أستعين بكل ذي رأي من أهلي .
"يستشير أهله أصحاب الرأي ماذا تنصحوني أن أقول لرسول الله"
فلما سمعت بوصول النبي ﷺ زاح عني الباطل ....
فقلت والله لا أجمع على نفسي ذنبين تخلف وكذب
والله سأصدق الله ورسوله .
وكان ﷺ إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ...
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له .
وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً .
فقبل منهم النبي ﷺ عذرهم وعلانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .
فلما انتهى الناس .
جئت إليه أمشي الهوينة .
فلما سلمت تبسم تبسُم المغضب .
ثم قال : تعال يا كعب .
فتقدمت أمشي الهوينة إليه
فقال وهو مغضب تعال فاجلس .
قال . فجلست بين يديه
فقال لي ما خلفك عني ؟؟
قلت : يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر .... لقد اعطيت جدلا ..
ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي ...
وإن حدثتك بصدق تسخط علي ويرضى الله ...
والله ماكان لي من عذر .
والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت .
فقال ﷺ : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك .
هنا تعجب الصحابة رضي الله عنهم :
لأن الذين كذبوا على الله ورسوله واخترعوا أعذار ليس لها أساس من الصحة يصافحهم النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم ويجدد لهم البيعة .
وهذا الذي صدق يعرض عنه ثم لا يقبل له حديثاً .
وبعد ذلك يأمر الناس لمقاطعته
في مقياس العامة هذا أولى بالإستغفار والمصافحة والرضا
وأولئك يجب أن يعرض عنهم النبي صلى الله عليه وسلم؟؟
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى......
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية عشر بعد المئتيين 212
المخلفون عن تبوك . الجزء الثاني .
نحن الآن مع قصة هؤلاء الثلاثة من الصحابة .
"كعب وهلال ومرارة" رضي الله عنهم
قال النبي ﷺ لكعب رضي الله عنه : قم حتى يحكم الله فيك .
وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء
يقول كعب رضي الله عنه : وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني
"من المحبين له من أقاربه وأصحابه يريدون أن ينصحوه "
فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا .
لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلّفون ....
فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ لك ....
"طلبوا منه أن يفعل كما فعل غيره من المنافقين .
فكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر في التراجع ويقدم حجج للنبي ﷺ
قال كعب رضي الله عنه : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ....
ولكن الله ثبت قلبه وزاد من ثباته أنه تذكر أمرا في غاية الأهمية
قال ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي من أحد ؟
"يعني هل هناك من الصحابة غيري لقوا من النبي ﷺ السخط لتخلفهم عنه"
قالوا : نعم لقيه معك رجلان هلال بن أمية و مرارة بن الربيع
قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلت...
فقيل لهما مثل ما قيل لك .
فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معه قد حصل مع غيره من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يخفف عنه ....
خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم"
فقلت : مرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية ؟؟
رجلان أعرف صلاحهما وصدقهما
قال : فاطمأنت نفسي .
لقد ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرآ فيهما أسوة .
ثم كان الإبتلاء الثاني وهي "المقاطعة"
مقاطعة المجتمع له بكل فئاته
حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل معهم .
وكان ذلك شديداً عليهم ...
يقول كعب رضي الله عنه : حتى تنكرت لي في نفسي الأرض .
فما هي بالأرض التي أعرف .
واستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوماً ذاق فيها كعب وأصحابه رضي الله عنهم من المصاعب ما ذاقوا .
يقول كعب رضي الله عنه :
فلم يكلمنا من المسلمين أحد
كنا نطرح السلام على الرجل فلا يرد علينا أحد .
أما صاحبي "هلال ومرارة" لزما بيتهما وأخذهم البكاء وكنت أشب منهما .
فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد من المسلمين .
وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ...
فكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ "
نبي الرحمة ﷺ إذا صلى كعب رضي الله عنه ينظر إليه بشفقة"
وإذا انتهيت من الصلاة صرف نظره عني .
وكنت أخشى أن تقبض روحي وأنا بهذه المقاطعة فإن الأعمار بيد الله وحده فأموت ولا يصلي علي النبي ﷺ فأخسر الدنيا والآخرة ....
أو أن يختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الموت آتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة فتبقى المقاطعة بيني وبين المسلمين أمر لن يغيره أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
فكنت أتمنى أن تنتهي هذه المقاطعة فأموت فيصلي علي النبي ﷺ .
حتى إذا مضى الشهر جاء رسول من رسول الله .
وقال لي: يا كعب رضي الله عنه: يأمركم رسول الله أن تعتزلوا نسائكم .
"أي هو وصاحبيه ، هلال ومرارة"
فقلت له: أطلقها أم ماذا أصنع ؟؟
قال: إعتزلها
فقلت لزوجتي إلحقي بأهلك حتى يحكم الله فينا .
وأصبحت أبيت على سطح داري وأتوجه إلى الله تعالى بالدعاء
و جاءت زوجة "هلال بن أمية " وكان كبير بالسن وليس عنده من يخدمه ....
فقالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي :
إن هلال كبير في السن وليس هنالك من يخدمه : أتأذن لي أن أصنع له طعامه واغسل له ثيابه ؟
قال اخدميه ولكن لا يقربنك بشيء فإنه لا يحل له ذلك .
فقالت: بأبي وأمي أنت
والله مابه حراك بشيء .
فإنه منذ أن أمرت الناس بمقاطعته ما جف له دمع ولا تناول طعام ولا نام بليل .
وهكذا تستمر المقاطعة بلياليها الطويلة.....
اضطروا فيها إلى ضرورة الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم .
يقول كعب رضي الله عنه حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ .
فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فوالله ما ردَّ علي السلام .
فكررتها فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فلم يرد علي السلام....
"ويزداد الألم حتى أصبح كعب رضي الله عنه يشك في نفسه فيبحث عن إجابات يدحض بها هذا الشك عن نفسه عند أعز الناس عليه ابن عمه أبي قتادة وأعز أصحابه رضي الله عنهم
ولكن لا أحد من المسلمين يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ
قال فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال . فسكت .
فأعدت السؤال عليه
وقلت : نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال: فسكت ولم يرد علي بشيء
يقول كعب رضي الله عنه : فكادت أن تزهق روحي فصرخت بأعلى ما أملك من صوت .
نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
فقال : ابا قتادة بصوت منخفض بينه وبين نفسه : الله ورسوله أعلم.
يقول كعب رضي الله عنه: ففاضت عيناي بالبكاء وتوليت حتى تسورت الجدار .
بعد هذه المقابلة الصعبة وبعد هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة رضي الله عنه.
جاءه الابتلاء الثالث
يقول كعب رضي الله عنه وبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة .
يقول :من يدلني على كعب بن مالك ؟
قال : فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني . فدفع إليَّ كتابا من "ملك غسان" مكتوب بماء الذهب وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه ....
"من ملك غسان إلى كعب بن مالك أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة
فالحق بنا نواسك"
استغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر فيها كعب رضي الله عنه
فكعب رضي الله عنه له مكانته في المجتمع....
وكان معروف بشعره ومكانته ويعلم ملك غسان لو إرتد كعب رضي الله عنه عن دينه لكان أثر ذلك في شق صف المسلمين .
لذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك .
فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب رضي الله عنه بمثابة "الإبتلاء "
يقول كعب رضي الله عنه :
فحين قرأت الرسالة فتوجهت مسرعاً إلى منزلي ورميت بها بالتنور فسجرتها به حتى لا تميل لها نفسي يوما .
حرق "كعب بن مالك" رضي الله عنه : ذلك الكتاب ولم يندم وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم توجهت نحو المسجد ، وإذا رسول الله ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم
فدخلت فسلمت فلم يرد علي أحد...
فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد طال هجرك لي حتى طمع بي أهل الروم .....
قال : فلم يرد علي بشيء ولم يحرك ساكناً .
فطفقت أبكي في المسجد بصوت مسموع حتى قارب هجرنا خمسين ليلة .
فصليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ....
والآن ننتقل إلى بيت رسول الله ﷺ وهو في حجرة "أم سلمة" رضي الله عنها .
كان يصلي قيام الليل صلوات ربي وسلامه عليه
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق .
وكان ﷺ إذا أتاه الوحي استنار وجهه كأنه البدر ليلة التمام..
قالت: فسلم عن شماله ثم التفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً .
وهو يقول : بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه .
تقول أم سلمة رضي الله عنها فوثبت : "على جلالة قدرها وكبر سنها" وأخذت خماري..
ثم تداركت وقلت : بأبي وأمي يارسول الله أتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب رضي الله عنه
قالت : فقال لي متلطفاً يا أم سلمة إذن يحطمكم الناس .
"إذا انطلقتي الآن بالبشرى وشاع الخبر سيتوافد الناس إلى المسجد "
إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم من النوم .
حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر .
قالت : ومضى ﷺ في قيامه إلى صلاة الفجر وكان لا يخرج إلى مصلاه إلا عند إقامة الصلاة .
"لأن دخوله للمسجد كان إشعاراً لإقامة الصلاة فكان يصلي السنة في حجراته" صلى الله عليه وسلم...
قالت : وخرج إلى صلاة الفجر ثم دخل المسجد فأقام الصلاة بلال رضي الله عنه ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه رضي الله عنهم
تقول أم سلمة رضي الله عنها وكنت أنا في مصلى النساء ورآءهم :
"لم يكن المصلى معزول كما نعرفه اليوم في مساجدنا .
الرجال يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهم الصبية وخلف الصبية تصلي النساء فكان يرى بعضهم بعضا "
قالت: فاستقبلنا ﷺ وتلى الآيات في التوبة التي نزلت بحق "كعب وهلال ومرارة" وأعلن أن الله قد تاب على كعب وصاحبيه رضي الله عنهم...
تقول أم سلمة رضي الله عنها : فوثب شيخ الصحابة و وثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب رضي الله عنهم...
انظروا ياله من مشهد
يقول : أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأدركت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيسبقني فقد كان أخف مني وأسرع .
فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك ....
ويكررها أبو بكر بأعلى صوته
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
يقول كعب رضي الله عنه فبينما أنا جالس على سطح داري وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ يصيح و يقول بأعلى صوته .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
فلما سمعت الصوت وأيقنت أنه ابو بكر رضي الله عنه
نظرت فإذا عمر رضي الله عنه يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي
ويقول : أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك .
لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين أصحابه رضي الله عنهم في المسجد ينتظرونك .
قال : فلم أتمالك نفسي فخررت ساجداً لله
ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته
فالبشرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ووالله الذي لا إله إلا هو لم أكن أملك في ذلك اليوم شيء ....
لأني تصدقت بكل أملك و كنت لا أملك إلا ثوبان
فقلت : هما لأبي بكر رضي الله عنه واستعرت ثوبين فلبستهما
يقول كعب رضي الله عنه فأقبل الناس يبشروننا أنا وصاحبي "هلال ومرارة" رضي الله عنهم
يقول:فأنطلقت إلى مسجد رسول الله ﷺ .
وأخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني .
حتى دخلت المسجد أمشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله ﷺ وهو ينظر إلي وقد أشرق وجهه .
فقال : أبشر يا كعب ورفع يده اليمنى أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك أمك .
فقلت : أمن عندك يارسول الله ، أم من عند الله ؟
قال بل من عند الله .
قال : فأكببت أقبل رأسه ويديه ثم جلست وتلى علينا الآيات .
وبمناسبة هذه الآيات سميت السورة بسورة التوبة .
قال تعالى :
لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله إن من توبتي لله وعهد علي أن أخرج من مالي كله لله .
فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله .
فقال النبي ﷺ لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك .
فقلت : اتصدق بنصفه
قال لا ...
قلت . ثلثه .
قال ثلثه والثلث كثير ..
قال كعب رضي الله عنه فجئت بثلث مالي .
وجاء هلال بثلث ماله .
وجاء مرارة بثلث ماله .
وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء .
وأثنى الله على ذلك بنص قرآني .
قال تعالى :
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يقول كعب رضي الله عنه : ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة
فقلت على ملأ من الصحابة رضي الله عنهم يارسول إن عهد الله علي بأن لا أتكلم بعد اليوم إلا صدقاً .
فكنت ممن ابلاني الله بالصدق واسأله أن يحفظه علي حتى ألقاه وهو راضٍ عني .
فكان يعرف كعب رضي الله عنه بأنه الصادق والصديق .
في قصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم فوائد وعبر يرجع إلى كتب السيرة النبوية ويستفاد منها
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 07:16 PM
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المئتيين 213
حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمسلمين .
ونزول آيات صدر سورة التوبة .
رجع ﷺ من غزوة تبوك ....
وفي شهر "ذي الحجة" من السنة التاسعة من الهجرة خرج المسلمون لأداء فريضة الحج .
ولم يخرج معهم النبي ﷺ وإنما خرج بالمسلمون "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه
وكانت هذه هي السنة الثانية التي لم يخرج فيها النبي ﷺ للحج .....
كانت المرة الأولى في السنة الثامنة
وهذه المرة الثانية في السنة التاسعة
وقيل في كتب السيرة أن سبب عدم خروج النبي للحج في السنة التاسعة هو إنشغال النبي ﷺ بإستقبال الوفود التي تأتي للمدينة لتعلم الإسلام والقرآن الكريم ومبايعة النبي ﷺ
ولكن بعد متابعة السيرة ودراستها هنالك سبب آخر لعدم خروجه ﷺ للحج في هذا العام
لنلقي نظرة عامة عن مكة ومن يحج إليها في ذلك الوقت لنعرف أكثر عن عدم خروجه ﷺ في هذا العام للحج .
فقد ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي ﷺ سيحج هذا العام بعد أن أصبحت "مكة" دار إسلام....
وها هو ﷺ قد ثبَّتَ هذا الدين والأمن له في أرجاء الجزيرة كلها
ولكن النبي ﷺ لا يسير إلا أن يسيره ربه تبارك وتعالى
وقد إختار له الله أن يكون له حجة واحدة في عمره وهي "حجة الوداع"
وبإلهام من الله سبحانه وتعالى دون نص قرآني إختار النبي ﷺ عدم خروجه للحج في هذا العام
وانتدب "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه ليخرج بعدد من أهل المدينة بلغوا 300 رجل ومن أراد أن يرافقهم من أهل الأعراب من حول المدينة فيكون "ابو بكر" رضي الله عنه أمير المسلمين في الحج ....
فإن مكة كانت تستقبل المسلمين وغير المسلمين في ذلك الوقت
فكانت العرب كلها تحج إقتداءً بملة نبي الله إبراهيم عليه السلام
لقوله تعالى :
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
فكل الناس كانت تحج على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
لأن دين إبراهيم عليه السلام هو دين الأنبياء جميعاً
لأنه هو الدين عند الله تعالى .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ...
وما دام يأتي إلى الحج المسلم وغير المسلم كانت لهم عادات وتقاليد لا يقرها شرعنا
ولكن لم يأتي للنبي ﷺ نص قرآني يغيرها لهم .
وما كان ﷺ يشرع إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى
ولكن كره أن يحضر موسم حج وفيه ما لا يتفق مع خلق الإنسان الطبيعي ....
فلقد ابتدعت قريش وبعض قبائل العرب بدعة في الحج لم تكن تعرف من قبل وهي الطواف حول الكعبة وهم عراة .
معتقدين بذلك أن الله لا يقبل طوافهم بثياب عصوا الله فيها
فكانوا يتجردون من ثيابهم في حجر إسماعيل ، ويطوفون بالبيت عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
فالمرأة تأخذ شيئاً ما يستر فرجها فقط ثم تطوف في البيت عريانة
والرجل يطوف أيضاً عريان
معتقدين أن الله لا يقبل توبتهم بثياب عصوا الله فيها "خرافات وبدع"
ولم يكن النبي ﷺ قد شرَّع للناس وإن كانت مكة دار إسلام
فلم يحب النبي ﷺ أن يحضر هذا الحج ثم يشهد من يطوفون عراة .....
ومن يغيرون في التلبية
فهنالك تلبية توحيد على ملة إبراهيم عليه السلام
وهنالك تلبية فيها شرك فكانوا يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكٌ أرتضيته لك
وقريش أيضاً إبتدعت بدعة وهي بأنها لا تقف مع الناس على "عرفة" يوم الحج .
بل تقف عند المشعر الحرام .
ويقولون : نحن أهل الحرم نحن أهل الحمس لا نقف مع الناس ولا نفيض مع الناس .
الخلاصة أن النبي ﷺ إنتدب الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه ليكون أميراً على المسلمين و أوصاه بأن لا يغير شيئاً في ما إعتادت عليه قريش لأن الله لم يأمره بشيء
فأمر "أبو بكر" رضي الله عنه أن يكون أمير المسلمين وأن يحج بالمسلمين على ملة التوحيد وأن لا يغير في ما في قريش على الإطلاق
وأرسل معه ﷺ 20 بدناً ليقدمها هديً بإسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام طعمة للفقراء والمساكين .
وأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنفسه 5 من النياق أيضآ فأصبح العدد 25 بدنا .
وبعد خروج وفد الحج بقيادة "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ولم يبعدوا عن المدينة المنورة كثيراً..
نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ بأيآت من صدر سورة "التوبة"
فعندما نزلت الآيات أرسل النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ليقرأ هذه الآيات على الناس يوم الحج .
وكتب له كتاب لأمير مكة حتى يعمل بمضمون هذه الآيات .
وأوصاه بأربعة بنود يبلغها للناس يوم "الحج الأكبر"
"الحج الأكبر" هو الحج ذاته في كل عام لأن فيه "وقفة عرفة"
والحج الأصغر هي "العمرة" لأنها تأتي على جميع أركان الحج إلا "الوقفة على عرفة"
فسبب وقوف الناس على عرفة سمي "الحج الأكبر"
فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه بهذا الكتاب وأذن له النبي ﷺ بأن يركب على ناقته "القصواء" كشاهداً عليه أنه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل معه أبو هريرة رضي الله عنه يزكي شهادته .
فقال له: تحج مع الناس فإذا كان يوم "الحج الأكبر" "يعني صبيحة يوم النحر" وفاض الناس من عرفة واجتمعوا في منى .
اقرأ عليهم هذا الكتاب والآيات التي نزلت .
لأن الحجيج لا يجتمعون كلهم إلا في منى بعد عرفة .
ويعلم النبي ﷺ أن قريش لا تقف في عرفة .
وقد ذكرنا السبب فخصص له يوم النحر حتى يكون كل الناس قد اجتمعوا .
فإذا كان يوم النحر يستأذن "علي" رضي الله عنه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أمير الحج ويقرأ على الناس الكتاب
فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه على ناقة النبي ﷺ ومعه كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم مختوم بخاتمه ويصحبه "أبو هريرة" رضي الله عنه .
حتى إذا إقترب من الركب سمع "أبو بكر" رضي الله عنه رغاء ناقة النبي "ﷺ" القصواء فعرفها
"سبحان الله كانوا يهتمون بكل شيء متعلق بالنبي ﷺ حتى أنهم كانوا يميزون صوت ناقته"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن حوله "ألا تسمعون" ؟
إنه رغاء القصواء ناقة النبي ﷺ
قالوا : أجل .
قال : لعل رسول الله ﷺ قد أمُر بالحج فلحق بنا .
فتوقف الركب كله ينتظرون قدوم الناقة .
فلما زال عنها السراب وظهر لهم من يركبها إذا هو "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ابن عم رسول الله ﷺ .
فلما سلم على الصديق ومن معه
سأله أبو بكر : يا ابن عم رسول الله أتابع أم أمير ؟
قال علي رضي الله عنه : بل تابعٌ ، ونائبٌ عن رسول الله لأقرأ على الناس وابلغهم رسالته يوم الحج الأكبر صبيحة النحر واقرأ عليهم ما أنزل الله من آيات .
ومضى الركب بإمارة "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه .
حتى إذا كان يوم الحج "وقفة عرفة" ووقف الناس كما يقفون على عادتهم .
وقريش عند المشعر الحرام والناس كلهم على "عرفة" فأفاضوا فلما افاض الناس وكان يوم صبيحة النحر .
إستأذن "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه من "أبي بكر" أن يبلغ الناس رسالة رسول الله ﷺ فأذن له .
فوقف علي رضي الله عنه خطيباً بالناس .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم
ثم قال :
ايها الناس .
ولم يقل أيها المؤمنون لأن فيهم المسلم والمشرك فكما شرحت لكم العرب كانت تحج وهي على غير دين الاسلام .
أيها الناس .
إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم ما أنزل الله وأسن سنن تتبع بعد اليوم .
ثم تلى عليهم الآيات من صدر سورة التوبة .
قال تعالى :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ .
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا .
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ .
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [[ اي يكون لهم قوة عليكم ]] لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً .
هذه بعض آيات سورة التوبة حتى نصل إلى الآية ٢٨
يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
ثم وقف "علي" رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات من سورة التوبة
وسورة التوبة نزلت من غير بسملة .
قال العلماء : لأن بدايتها كانت بكلمة "براءة" وهي لا تليق مع البسملة .
لماذا ليس فيها بسملة ؟؟
قيل أنها توقيفية
"يعني هكذا أنزلها الله ولا يجوز لنا أن نقول لماذا ؟؟
أعلن علي رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات أربعة أحكام .
١- يمنع الطواف بالبيت بعد هذا اليوم عريان
لأن رسول الله ﷺ سيأتي في العام القادم للحج ولن يرى فيها عريان إلا وضرب عنقه .
٢- لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك .
٣ - من كان بينه وبين رسول الله عهد فهو إلى مدته والذين لا عهد لهم فمعهم مهلة 4 أشهر .
٤ - ألا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا .
بلغ علي رضي الله عنه للناس ذلك مرة ومرتين :
وأمر "أبو بكر الصديق رضي الله عنه " رجال من الصحابة رضي الله عنهم لهم صوت جهوري يبلغون عن لسان "علي" رضي الله عنه حتى يبلغ القاصي والداني .
وكُلف أمير مكة أن ينفذ هذه الأحكام بعد موسم الحج وأن تهيئ مكة .
لإستقبال الحبيب المصطفى ﷺ في العام القادم حاجاً .
هذا ما كان في حج "أبوبكر الصديق" رضي الله عنه ونفذ ذلك كله ورجع المسلمون بعد حجهم هذا وسمي هذا العام بعام "الوفود"
وعلم المشركون بعد هذه البنود أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وعليهم أن يدخلوا في هذا الدين أو أن يخرجوا من جزيرة العرب .
فجاءت الوفود إلى المدينة أفواجاً يعلنوا إسلامهم .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة عشر بعد المئتيين 214
أحداث وقعت في العام التاسع من الهجرة . :
وفاة النجاشي . ملك الحبشة
وقد تولى النجاشي حكم الحبشة وهو ابن 9 أعوام بعد موت عمه بصاعقة .
وبعد سنوات من حكمه انتشر عدله وسيرته الطيبة في كل مكان
و عندما اشتد إيذاء قريش للمسلمين نصح النبي ﷺ المسلمين في السنة "الخامسة" من البعثة بالهجرة إلى الحبشة .
وقال : إن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد .
هاجر بعض المسلمين الهجرة الأولى
"وقد ذكرنا هذه الأحداث من السيرة في بداية العهد المكي .
وفي رجب من السنة التاسعة للهجرة أخبر النبي ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بوفاة النجاشي
فقال : مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .
وصلى الحبيب المصطفى ﷺ على النجاشي "صلاة الغائب"
وكان الوحيد الذي صلى عليه ﷺ صلاة الغائب لأنه مات في أرض ليس فيها من يصلي عليه
ومن الأحداث التي وقعت في السنة التاسعة :
هو وفاة بنت النبي ﷺ أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه
وقد ولدت أم كلثوم قبل البعثة بست سنوات وأمها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
جاهدت مع أبيها ﷺ وعانت وطأة الحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب وكان عمرها 11 عام وعاشت كل لحظات معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة 13 عام كاملة .
وهاجرت رضي الله عنها وكان عمرها 19 عام .
تزوجت من "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بعد وفاة أختها "رقية" رضي الله عنها في السنة الثالثة من الهجرة وكان عمرها 22عام .
ولذلك أطلق على "عثمان بن عفان" "ذو النورين" وأصبح الوحيد في التاريخ كله الذي تزوج من ابنتي نبي وظلت مع "عثمان" ستة أعوام ولم تنجب
ثم ماتت رضي الله عنها في شهر "شعبان" من السنة التاسعة من الهجرة بعد عودة المسلمين من "تبوك"
وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وهو يبكي حزنا عليها .
وواسى النبي ﷺ زوجها "عثمان"
وقال : لو كانت عندنا ثالثة لزوجتها عثمان .
رضي الله عنها.
موت عبد الله بن أبي بن سلول
من الأحداث الهامه وفاته في السنة التاسعة للهجرة والذي عرف برأس المنافقين .
وقصة "عبد الله بن أبي بن سلول" أن المدينة قبل هجرة النبي ﷺ شهدت تاريخاً طويلاً من الحروب بين "الأوس والخزرج" وكانت آخر هذه الحروب هي حرب "بعاث" والتي انتهت بانتصار "الأوس"
"أتينا على ذكر تفاصيلها في حلقة خاصة سابقآ"
وفكر العقلاء بعدها على تنصيب رجل يكون ملكاً أو حاكماً على المدينة ....
واتفق الطرفان على أن يكون هذا الحاكم هو أحد سادات الخزرج وهو "عبد الله بن أبي سلول"
وسبب أختياره ملكاً .
أولا .. لأنه لم يشترك في حرب "بعاث" بل كان رافضاً ومعارضا لها .
ثانياً .. لأنه من "الخزرج" الطرف الذي انهزم في حرب "بعاث"
فلا يكون هذا تنصيب رجل من "الأوس" أحد نتائج هزيمة "الخزرج" وهو لا شك أمر سيرفضوه .
وبعد أن اتفق أهل المدينة من الأوس والخزرج وبعد أن أصبح أمر تنصيب "عبد الله بن أبي" مسألة وقت ....
جاءت هجرة النبي ﷺ واجتمع الأنصار حول رآية النبي ﷺ .
وماتت فكرة أن يكون "عبد الله بن أبي" ملكاً على المدينة .
لذلك حقد "عبد الله بن أبي " على الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام وأبطن الكفر ....
ولم يتوقف لحظة عن الكيد ضد النبي ﷺ والمسلمون .
وتعاون مع اليهود في ذلك وقاد جماعة المنافقين في المدينة .
وكانت خطورة "عبد الله بن أبي " أن له مكانته الكبيرة بين قومه .
وقد ذكرنا سابقآ مواقفة ضد النبي ﷺ حين انسحب أثناء تحرك المسلمين إلى أحد فانسحب معه ثلث الجيش .
كما أنه قام بإشاعة حادثة الإفك وتكبيره لها .
فقال الله تعالى في ذلك :
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وفي غزوة "بني المصطلق" في السنة السادسة من الهجرة حاول إحداث وقيعة وفتنة بين المهاجرين والأنصار .
حين قال "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية بقوله :
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا .
يعني : امنعوا الأموال عن أصحاب الرسول حتى ينفضوا عنه ويتركوه
وقد سجل عليه القرآن العظيم هذه الكلمات .
ولم يتوقف "عبد الله بن أبي بن سلول" لحظة عن التآمر والكيد للنبي ﷺ ومحاولة هدم الدولة الإسلامية حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة .
وكان لعبد الله بن أبي ولد اسمه عبد الله على إسم أبيه "أي أن إسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"
وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وشهد بدر وجميع المشاهد مع النبي ﷺ
وكان شديد البر بأبيه ومع ذلك كان من أشد الناس على أبيه .
فلما مات "عبد الله بن أبي" ذهب إبنه "عبد الله" إلى النبي ﷺ وسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه النبي ﷺ قميصه
ثم سأل النبي ﷺ أن يصلي عليه
فقام النبي ﷺ يلبي طلب هذا الصحابي رضي الله عنه المؤمن الصادق ليصلي عليه .
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ بثوب النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله . وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟
فقال النبي ﷺ يا عمر إنما خيرني الله فقال . اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وسأزيده على السبعين
ﷺ ما أرحمك :
هذا تحقيق لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وصلى عليه النبي ﷺ .
يقول عمر رضي الله عنه فعجبٌ لي وجرأتي على رسول الله
ولكن نزل بعد ذلك قول الله تعالى :
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ .
وكان موت رأس المنافقين "عبد الله بن أبي " ضربة قاصمة ثالثة للمنافقين في خلال شهرين فقط .
حيث كانت الضربة الأولى :
هي غزوة {"تبوك" نفسها ونزول سورة التوبة .
وقد أظهرت غزوة تبوك وسورة التوبة عدد كبير من المنافقين .
وكانت الضربة الثانية هي هدم وحرق "مسجد الضرار"
ثم كانت الضربة الثالثة :
وهي موت رئيس المنافقين "عبد الله بن ابي بن سلول"
وبموت "عبد الله بن أُبي بن سلول"
انحسرت جداً حركة النفاق في المدينة المنورة وكسرت إلى حد كبير شوكتهم .
ولذلك لم نجد لهم حضوراً يذكر في العام العاشر من الهجرة .
وإن كان استمرار وجودهم مؤكدا لأن المنافقون لا يختفون أبداً من أي مجتمع مسلم منذ أيام النبي ﷺ وحتى يومنا هذا .
هذا كان باختصار شديد ما وقع من أحداث من السنة التاسعة للهجرة...
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 07:20 PM
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر بعد المئتيين 215
إسلام ثقيف ..
العام التاسع هو عام الوفود....
ذكرنا أن السنة التاسعة شهدت المدينة حضور مكثفا للوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية
وقد أطلق على العام التاسع من الهجرة : "عام الوفود" :
حيث زادت هذه الوفود عن 60 وفداً وقيل أنها وصلت إلى 100 وفد .....
وقد بدأت هذه الوفود في القدوم إلى المدينة بعد "فتح مكة" وحرب "هوازن" ثم ازدادت كثافة بعد غزوة "تبوك" بعد أن شاهدت القبائل العربية الجيش المسلم العملاق والذي قوامه 30 ألف مقاتل و 1000 فارس وهو يقطع الجزيرة العربية شمالاً حتى وصل إلى "تبوك"
وشاهدت هروب جيوش "الإمبراطورية الرومانية" وهي أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت "لأن آخر مواجهة بين الفرس والروم كانت لصالح الروم وتحكم نصف دول العالم القديم تقريبا"
شاهد العرب جيوش الإمبراطورية الرومانية وهي تنسحب إنسحابا مخزيا أمام الجيش الإسلامي....
فعلمت هذه القبائل أن لا قبل لها بالدولة الإسلامية الناشئة فجاءت إلى المدينة لمبايعة
النبي ﷺ
بعض هذه القبائل جاء إلى المدينة مقتنعا بالإسلام
والبعض جاء خوفاً وطمعا في الدولة الإسلامية الناشئة القوية
وكان أول هذه الوفود قدوماً بعد غزوة تبوك وأهم هذه الوفود من ناحية الأثر كان وفد "ثقيف"
ثقيف : هي أكبر بطون قبيلة "هوازن" و هوازن واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية تضم عدد كبير من البطون ....
وأكبر هذه البطون وأشهرها هي "ثقيف" وكانت شبه مستقلة عن "هوازن" وتسكن مدينة الطائف على بعد حوالى 100 كم تقريباً جنوب شرق مكة.
وكانت "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد "مكة"....
وبعد عودة النبي ﷺ إلى المدينة وفي السنة التاسعة من الهجرة
قدم على النبي ﷺ في المدينة "عروة بن مسعود الثقفي" وهو أكبر زعماء "الطائف"
وأسلم بين يدي النبي ﷺ
وقال عنه النبي ﷺ أنه يشبه المسيح "عيسى" عليه السلام
ثم سأل "عروة بن مسعود" رضي الله عنه : النبي ﷺ أن يرجع إلى قومه بالإسلام .
فقال له رسول الله ﷺ : إن فعلت فإنهم قاتلوك .
فقال عروة رضي الله عنه :
يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم ...
فعاد "عروة" رضي الله عنه وأظهر إسلامه ودعا قومه إلى الإسلام ولكنهم رفضوا الإسلام وسبوه وأغلظوا له القول .
وفي فجر اليوم التالي صعد "عروة" رضي الله عنه على سطح منزله وأذن للصلاة .
فخرج أحد رجال ثقيف ورماه بسهم فوقع على الأرض .
وقال له أهله : ما ترى في دمك
فقال عروة رضي الله عنه :
كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إليَّ .
"ثم أوصى أن يدفن مع شهداء المسلمين الذين قتلوا أثناء حصار الطائف"
فلما بلغ النبي ﷺ ذلك قال : مثلُ عروة في قومه مثلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه .
وبرغم أن "ثقيف" قد قتلت "عروة بن مسعود" في هذا المشهد المؤلم
إلا أن ثقيف كانت في وضع لا يحسد عليه :
١ - بسبب هزيمة "ثقيف" هزيمة نكراء أمام المسلمين في "حنين"
حتى بعد أن حاصر النبي ﷺ الطائف لمدة شهر لم تجرؤ "ثقيف" على الخروج لمواجهة المسلمين بالرغم من أن نسائهم وأبنائهم وأموالهم كانت في أيدي المسلمين .
٢ - أسلمت تقريباً جميع قبائل الجزيرة العربية .
حتى بطون "هوازن" نفسها والتي "ثقيف" أحد بطونها .
ولم يبق منها الا "ثقيف" ولا تستطيع ثقيف" أن تقف أمام كل العرب .
٣ - إسلام ثم مقتل "عروة بن مسعود" كان حدثاً جليلا ومزلزلا في "ثقيف"
لأن "عروة" كان محبوباً ومطاعا في قومه .
٤ - لأن "مالك بن عوف النصري" والذي كان قائد جيش "هوازن" في غزوة حنين ضد المسلمين كان قد أسلم .
وكلفه النبي ﷺ بحصار الطائف
فضيق ذلك عليهم بشدة وأخذ الوضع الإقتصادي في التردي نتيجة هذا الحصار .
وفقدت الطائف مكانتها التجارية لأنها أصبحت مكان غير آمن ولا يستطيع التجار من العرب وغيرهم الدخول إليها .
كل هذه الأسباب جعلت "ثقيف" تفكر في الإسلام .
ولذلك بعد عودة النبي ﷺ من غزوة "تبوك" جاء إلى المدينة وفد من "ثقيف" مكون من ستة أشخاص :
على رأسهم أحد أبرز سادة "ثقيف" وهو "عبدياليل بن مسعود" : وهو نفس الشخص الذي رد الرسول ﷺ منذ 12 عام عندما جاء إلى "الطائف" ليعرض عليهم الإسلام....
فلما قدم هذا الوفد إلى المدينة، كان أول من رآهم
"المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه وكان يرعى الإبل خارج المدينة فنهض مسرعاً حتى يبشر النبي ﷺ
فلقيه : "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأخبره بقدوم "ثقيف"
فقال له : "أبو بكر" أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله ﷺ حتى أكون أنا من يحدثه
فذهب "أبو بكر" رضي الله عنه وبشر النبي ﷺ ....
ثم ذهب إليهم "المغيرة بن شعبة" وعلمهم كيف يحيون النبي ﷺ
فلما دخلوا على الرسول ﷺ لم يحيوه كما علمهم المغيرة بتحية الإسلام ....
وإنما حيوه بتحية الجاهلية
"وكانت هذه أول علامة أن وفد "ثقيف" لم يأت مسلماً رغبة في الإسلام"
وإنما جاء رغبا ورهبا في الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة القوية ....
استقبل النبي ﷺ وفد "ثقيف" استقبالاً طيباً يليق بنبي كريم
ولم يذكرهم بشيء من هذا التاريخ الطويل من العداء والذي بدأ منذ زيارته أول مرة للطائف في السنة العاشرة من البعثة حتى معركة "حنين" منذ بضعة شهور ....
وأمر النبي ﷺ أن تضرب لهم خيمة في المسجد : حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم ويستمعوا إلى حديث النبي ﷺ ويشاهدوا أحوال المسلمين ويتعلموا الإسلام ويسمعوا القرآن الكريم
فكانوا يمكثون في المسجد ثم يذهبون إلى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك .
وكانوا قد تركوا رحالهم خارج المدينة .
وكان وفد "ثقيف" قد تركوا عند رحالهم لحراستها أصغرهم سناً وهو "عثمان بن أبي العاص" وكان عمره 27 عام تقريباً
فكانوا إذا ذهبوا إلى رحالهم تركهم "عثمان بن أبي العاص" وذهب إلى النبي ﷺ ليتعلم على يديه ....
وإذا لم يجد النبي ﷺ كان يجلس إلى "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه أو "أبي بن كعب" رضي الله عنه ويتعلم منه القرآن .
وحفظ "عثمان بن أبي العاص" في هذه الأيام سورة "البقرة"
ثم أتى إلى النبي ﷺ وقال :
يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني...
فوضع ﷺ يده على صدره وقال يا شيطان اخرج من صدر عثمان .
يقول : عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه .
أعجب النبي ﷺ "بعثمان بن أبي العاص" وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا .
وسنجد بعد ذلك "لعثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه سيرة طيبة وعطاءاً عظيماً للدولة الإسلامية وله فتوحات حتى فارس والهند رضي الله عنه وأرضاه ....
جاء الوفد بعد ذلك ليسلم على يدي النبي ﷺ لكنهم أرادوا الإسلام بشروط معينة .
فتحدث زعيمهم كنانة بن عبد ياليل
وقال: أفرأيت الزنى . فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه ؟
فقال له النبي ﷺ : هو عليكم حرام .*
فإن الله عز وجل يقول .
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا .
قال : أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها ؟
قال له النبي ﷺ لكم رءوس أموالكم إن الله تعالى يقول .
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين .
قال : أفرأيت الخمر . فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها ؟
فقال له النبي ﷺ : إن الله قد حرمها .
ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
ثم طلبوا طلبا أخيرا غريباً :
وهو أن يتم إعفائهم من الصلاة
فرفض النبي ﷺ طلبهم
وقال : لا خير في دين لا صلاة فيه .
ولا شك أن النبي ﷺ كان حزيناً وهو يستمع إلى هذه المناقشة
لأن هذه المساومات كانت تدل على أن هذا الوفد لم يأت مقتنعا بالإسلام وإنما جاءوا خوفاً من الدولة الإسلامية .
وأن هذه الأيام التي قضوها في المدينة وفي مسجد النبي ﷺ لم تؤثر فيهم .
ثم خلا القوم بعضهم ببعض للتشاور
وقالوا : ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة...
انطلقوا نكاتبه على ما سألناه .
فأتوا النبي ﷺ .
وقال زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل"
قال للنبي صلى الله عليه وسلم نعم : لك ما سألت .
ثم قال ..أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟
الربة هي صنم اللات وقد ذكرنا أنها كانت من أعظم أصنام العرب
وكان يقسم بها ويهدى إليها ويذبح عندها
فرد النبي ﷺ بمنتهى الحزم
وقال : اهدموها .
ففزع الوفد وقال كنانة هيهات . لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا ابن عبد ياليل :
ما أجهلك إنما الربة حجر
فقال له : إنا لم نأتك يا ابن الخطاب
فلما رأى الوفد حزم النبي ﷺ واصراره بدؤوا يساومون في توقيت هدم صنم اللات .
فطلبوا من النبي ﷺ أن يترك اللات 3 سنوات قبل أن يهدمها .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا أن يتركها سنتين .
فرفض النبي ﷺ .
فقالوا . سنة .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا شهراً واحدا .
فرفض النبي ﷺ .
فلما أسقط في أيديهم قالوا : تول أنت هدمها .
فأما نحن فإنا لا نهدمها أبداً
فأجابهم النبي ﷺ إلى ذلك وقال سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها .
فقالوا : ائذن لنا أن نرحل قبل رسولك ونخبر قومنا فإنا أعلم بقومنا .
"يعني لا ترسل من يهدم اللات فوراً ولكن دعنا نمهد لثقيف هذا الأمر"
فوافقهم النبي ﷺ في ذلك
ثم قالوا : يا رسول الله !
أمر علينا رجلاً يؤمنا من قومنا
فأمر عليهم النبي ﷺ "عثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه مع أنه كان أصغرهم سنا وهو الذي كانوا يتركونه في رحالهم .
لأن النبي ﷺ وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام ووجد فيه كفاءة قيادية .
ورفض النبي ﷺ أن يؤمر عليهم زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل" لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول ﷺ عدم إقتناعه بالإسلام .
وكان تأمير النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه وهو شاب صغير ولم يؤمر "عبد ياليل"
وقد أمر من قبل على مكة "عتبة بن أسيد" وهو أيضا شاب.....
وعزل "أبو سفيان"
وهذا يدل على اقتناع النبي ﷺ بالإمكانيات الهائلة للشباب
انطلق الوفد....
ولكن بقي عندهم مشكلة وهي مواجهة قومهم بكل هذا وكانوا يعلمون أن غالبية "ثقيف" لا تزال ترفض الإسلام .
فقال "كنانة بن عبد ياليل" أنا أعلم الناس بثقيف . فاكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والقتال ....
وأخبروهم أن محمداً سألنا أمورا أبيناها عليه .
"أي رفضنا شروطه"
سألنا أن نهدم اللات والعزى وأن نحرم الخمر والزنى والربا .
فلما وصلوا إلى "الطائف" خرجت ثقيف لاستقبالهم فأظهر الوفد الحزن واتجهوا إلى اللات كما هي عادة "ثقيف" ونزلوا عندها
ثم قالوا لهم .... أتينا رجلاً فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب "يعني خضع له العرب دوخهم" ودان له الناس ....
فعرض علينا أمورا شدادا
أن نهدم اللات ونترك الخمر والزنا والربا وأمرنا بالصلاة .
فقالت ثقيف :
والله لا نقبل هذا أبدآ....
فقال لهم الوفد : فتهيئوا للقتال وتعبئوا له ورمموا حصونكم .
ومكثت "ثقيف" يومين .
ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فجاؤوا إلى الوفد .
قالوا لهم : والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب .
فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه .
فلما رأى الوفد ذلك .
قالوا لهم : فإنا قد صالحناه على ذلك ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم .
قالوا : فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم ؟!
قالوا : أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان .
ولم تمضِ الا أيام حتى جاءت السرية التي أرسلها الحبيب المصطفى ﷺ لهدم صنم "اللات"
وبرغم أن "ثقيف" قد دخلت في الإسلام .
الا أن دخول "الطائف" وهدم صنمها أمر غير مأمون على الإطلاق ومهمة شديدة الخطورة ....
لذلك أرسل النبي ﷺ السرية وأمر عليها القائد الفذ "خالد بن الوليد" رضي الله عنه وأرضاه
وجعل مع هذه السرية "المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه
وهو من "ثقيف"
فلا شك أن البطن الذي ينتمي إليه "المغيرة بن شعبة" من ثقيف وهو بطن "بني متعب" سيقوم بحماية "المغيرة" وحماية المسلمين ....
و كما أرسل معهم النبي ﷺ أيضآ "أبو سفيان بن حرب" وهذه أيضآ إشارة هامة إلى أن زعيم الوثنية السابق هو الذي يذهب بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب .
فلما وصلت هذه السرية اتجهت فوراً إلى اللات....
فخرجت كل "ثقيف" رجالاً ونساء وأطفالا وتجمعت تشاهد هذا الحدث ....
أغلب "ثقيف" تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم "اللات"
فقام : "المغيرة بن شعبة" وقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف
أخذ المعول فضرب اللات ضربة ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع . فاضطربت كل "ثقيف" وأخذت تصيح :
وتقول : قتلته الربة قتلته الربة .
وفرحت "ثقيف" وصاحوا من شاء منكم فليقترب ويهدمها
فوثب "المغيرة" وهو يقول : قبحكم الله يا معشر ثقيف
إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع فاقبلوا عافية الله واعبدوه
ثم قام "المغيرة" وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها ....
ثم قال السادن : "أي الخادم الذي يقوم بعناية اللات"
قال : إن هدموا الأساس ليخسفن بهم .
فسمع المغيرة ذلك فقال لخالد دعني أحفر أساسها
"فحفر الأساس حتى أخرج التراب ....
واسقط في يد ثقيف وبهتت"
وحسن بعد ذلك إسلام "ثقيف"
هذه كانت قصة اسلام ثقيف
ومن حسن إسلامها :
لم تكن من ضمن القبائل التي إرتدت عن الإسلام بعد وفاة الحبيب المصطفى ﷺ
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٧/٨/٢٠٢١ ١٠:٠٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة عشر بعد المئتيين 216
وفد بنو سعد بن بكر .
كانت العرب قاطبة في الجزيرة ترقب أمر النبي ﷺ مع قومه في مكة ....
فإن العرب كلها تكنُ قدراً و إحتراماً وهيبةً لأهل الحرم ...
وقد علموا جميعاً بحادثة الفيل وأصبحوا على يقين وقناعة أن من يريد بهذا البلد أو أهله بسوء لن يسلم من عقوبة السماء...
هكذا كان إعتقادهم لأنهم لايؤمنون بالله تعالى بل يؤمنون بالأصنام وأن من يرد به سوء يأتيه عقاب الآلهة ولأن قريش هم : حضنة البيت وزرع إسماعيل عليه السلام
وأن قريش هم : من يقومون بحق ضيافة وفود الرحمن في موسم الحج ....
فلما كان أمر النبي ﷺ مع قومه ووقعت عدة معارك كراً وفراً بين قريش والمسلمين .
أخذت العرب ترقبُ مصير قريش مع هذا النبي ﷺ ....
فخرجوا بنتيجة قالوا :
إن يكن محمد غير صادق فلن يسلم إذا اعتدى على قريش أو حاول فتح مكة .
وإن يكن صادقاً وفتحها وظهر على قريش يكن نبياّ حقاً وصدقا
فلما تم "فتح مكة" وتبعها "غزوة تبوك" أخذت العرب تفد إلى المدينة ليلاّ ونهاراً يدخلون في دين الله تعالى...
وكانت هذه الوفود تختلف أعدادها .... فقد تكون عشرة أفراد وقد تكون أكثر أو أقل .
وكانت تمكث في المدينة بضعة أيام ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل .
فكانت تتعلم في هذه الأيام أصول العقائد والصلاة والفرائض ....
وفد بنو سعد بن بكر .
وفد مبارك كان ممثلاً برجل واحد إسمه "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه...
كان من الوفود المباركة التي قدمت المدينة
وهو وفد "بنو سعد بن بكر "أحد بطون هوازن .
وكان هذا الوفد الذي أرسلته "بنو سعد بن بكر" مكون من رجل واحد فقط وهو "ضمام بن ثعلبة"
لم يكن "ضمام" هذا سيد قومه ولكن كان من عقلاء القوم وحكمائهم فوقع الخيار عليه وذلك لثقتهم فيه وفي رأيه .
طلب منه قومه أن يفد إلى المدينة ويجتمع بالنبي ﷺ وأن يحدثه ويرى فيه رأيه ثم يأتيهم بالخلاصة كي يجمعوا رأيهم ليرسلوا وفدهم .
لكن "ضمام" كان خير وفد وخير وافد .
فقد كفى قومه هذه المهمة .
فكان خير و أيمن وافد على قومه .
قدم هذا الرجل : "ضمام" على جمل له وحده لا يرافقه أحد .
دخل المسجد بجمله وأناخه على باب المسجد وعقله ثم دخل المسجد .
و قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى .
يقول الصحابة رضي الله عنهم دخل ضمام وله دوي لا يفهم .
"أي بلهجة قومه لأنه كان للعرب لهجات وجاء القران بها كلها
قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى
قالوا : فاستند النبي ﷺ
"أي جلس على ركبتيه ""
قالوا : فاستند النبي ﷺ وقال نعم أنا بن عبد المطلب .
قال ضمام . أمحمد ؟؟
فقال النبي ﷺ نعم أنا محمد بن عبد المطلب .
انظروا إلى الحبيب المصطفى ﷺ وهو سيد الأنبياء والرسل وخير البشر .
وهو القائد الذي دانت له الجزيرة العربية وخضع له كل العرب للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية .
وواجه الروم وانسحبوا من أمامه .
يجلس بين أصحابه رضي الله عنهم وأتباعه وجنوده على الأرض متكئا حتى أن الغريب لا يعرفه من بينهم حتى يسأل عليه .
تقدم "ضمام بن ثعلبة" إلى النبي ﷺ
وقال له : يا ابن عبد المطلب
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك .
قال ضمام : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك .
"يعني لا تنفعل وتغضب من اسألتي"
فقال له ﷺ في تواضع وسعة صدر سل عما بدا لك فإني لا أجد إن شاء الله تعالى .
قال ضمام : يا محمد .
أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك .
قال النبي ﷺ صدق ..
قال ضمام . فمن خلق السماء ؟
قال له النبي ﷺ الله ..
قال ضمام . فمن خلق الأرض؟
فقال له الله ..
قال ضمام . فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل .
قال له النبي ﷺ الله ..
قال ضمام : اناشدك الله الذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال إلهك وإله أبائك وإله من كائنٌ بعدك آلله .. أرسلك إلينا رسولا .
قال له النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟
قال له النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
"انظروا إلى تسلسل صيغة السؤال .
قال فبالذي ارسلك .
دليل على ان الايمان سرى في قلب ضمام لم يكرر ويقول له يا بن عبدالمطلب"
قال . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا . تؤخذ من أغنيائنا فتقسم في فقرائنا .
قال النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟
قال النبي ﷺ صدقك .
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً .
قال النبي ﷺ صدق ..
ثم قرأ عليه النبي ﷺ شيء من القران الكريم
فلما انتهى النبي ﷺ .
قال ضمام : آمنت بما جئت به .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك يا محمد رسول الله . صلى الله عليه وسلم
فوالذي بعثك بالحق وانقذنا بك من الضلالة إلى الهدى لن أزيد عن ما سمعت منك ولا أنقص منهن شيء .
وأنا ضمام بن ثعلبة وأنا رسول من ورائي من قومي إليك من بني سعد بن بكر .
ثم ولى ضمام ورجع إلى قومه مسرعاً ....
فلما خرج ضمام قال النبي ﷺ لمن حوله :
لقد فقه الرجل و لئن صدق ليدخلن الجنة .
عاد "ضمام بن ثعلبة" إلى قومه
واجتمع حوله الناس يستمعون إليه...
فكان أول شيء تكلم به .
فقال : بئست اللات والعزى
قالوا : مه يا ضمام ! "يعني على مهلك لا تستعجل"
مه يا ضمام اتقِ البرص والجذام اتق الجنون .
"يعني احذر أن تصاب بهذه الأمراض لأنك تشتم الآلهة .
هكذا كانوا يعتقدون أن من شتم الآلهة ابتلي بالجذام والبرص والجنون .....
قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان .
إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله .
إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه .
ولا يزال ضمام بقومه حتى أسلموا جميعاً رجالاً ونساءاً في نفس اليوم الذي عاد فيه .
لذلك يقول "ابن عباس" رضي الله عنه الذي روى لنا هذه القصة
أن "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه هو أفضل وافد سمعوا به .
و العبرة من قصة "ضمام" رضي الله عنه ليست بالكثرة .
وقد غير شخص واحد من واقع قبيلة بأكملها.
رضي الله عنه
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٨/٨/٢٠٢١ ١:٤٢ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة عشر بعد المئتيين 217
آخر محاولة لقتل النبي ﷺ .
نذكر نموذج عن وفد الشر....
وفد خيانة وخداع وكان
ممثل برجل إسمه "عامر بن الطفيل" فكان عامر سيد قومه "بنو عامر"
وقالوا : يا عامر ألا ترى العرب تدخل في دين محمد أفواجاً في الليل والنهار ؟؟
فإنا نخشى أن يظهر أمره على الجزيرة فلنأخذ من أمرنا من الآن .
فنرى أن تفد إليه واختر من تشاء من الرجال .
فاختار رجل واحد ومعهم رجل يخدمهما
اختار رجل يقال له "أربد بن قيس"
قال : يا أربد إني لا أخشى على نفسي رجل في قومي غيرك "يعني كان بينهم منافسة من يكون زعيم في قومه"
وإني كنت والله أليت على نفسي "اي جاهدة نفسي ما أموت وأطلع من الدنيا"
حتى تتبع العرب كلها عقبي
"يعني أصير أنا ملك عليهم و كلهم تحت عقبي أي قدمي"
فاليوم أتبع أنا عقب هذا اليتيم من قريش ....
قم يا أربد : معي ولنا في الطريق حديث وشأن .
فقام معه أربد بن قيس وانطلقا ومعهما خادم يخدمهما .
فقال لأربد في الطريق : إني سأفد على محمد ، وأنت معي فأكلمه وأشاغله وأصرف وجهه عنك ... فإذا رأيت أنت الفرصة فاعلوه بالسيف .
فإذا قتل فلن يستطيع قومه أن تقاتل العرب فيرضون بالدية فنعقلها لهم وتعود العرب لما كانت عليه ....
وكانت خطته غدر من وجهين .
١ - غدر بالنبي ﷺ الذي هو قادم إليه يريد أن يؤمن .
٢ - غدر يتخلص فيه من رجل يخشاه في قومه .
فإذا غدر "أربد" بالنبي ﷺ بالسيف هل يسكت أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
ففي ظنه أن أربد يقتل محمداً وأصحاب محمد يقتلون أربد .
فيرجع هو إلى قومه ويستريح من المسألة ويصبح ملكاً للعرب .
ومع ذلك وافقه أربد في ذلك .
فلما قدما على النبي ﷺ تقدم "عامر بن الطفيل" الممثل بالشر
فأخذ يسلم على النبي ﷺ ويحيه بتحية الجاهلية ويدنو منه
وقال : يا محمد خالَّني
جاءت مشدده وغير مشدده :
الكلمة الأولى: فيها الشدة "خالَّني" أي اتخذني خليلاً وصديقا مقرب إليه
"خالني" من غير الشدة :
أي اطلب منك الآن أن تخلو بي لأحدثك على إنفراد"
فأي كان قصده ....
كان جواب النبي ﷺ له
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرجع النبي ﷺ عنه إلى الوراء خطوتين .
وقال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده .
فأخذ يناقش النبي ﷺ وهو ينظر إلى صاحبه "أربد بن قيس" وأربد يدور حول النبي ﷺ من خلفه ليضربه بالسيف .
فجعل "عامر" يخاصم النبي ﷺ ويجادله ودار أربد خلف النبي ﷺ ليضربه .
فأخرج سيفه قدر شبر ثم يبست يده فلم يستطع أن يسله .
وجعل "عامر" يومىء لأربد .
فالتفت النبي ﷺ ورأى "أربد" وما يصنع بسيفه
فقال النبي ﷺ اللهم اكفنيهما بما شئت .
وقال له "عامر بن طفيل" :
يا محمد مالي أن أسلمت ؟
قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم .
قال عامر بن طفيل : أتجعل لي الأمر من بعدك ؟
قال النبي ﷺ لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء .
قال : إذن تملكني الوبر ولك المدر .
"يعني أكون أنا ملكا على البادية وأنت ملك على المدينة والناس المتحضرين"
فقال له النبي ﷺ ليس هذا لك ولا لقومك .
قالوا : فصاح في وجه النبي ﷺ
"لأنه فقد صوابه الآن وأربد صاحبه لم يصنع شيء"
فصاح في وجه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال : أما والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً ، وفتيانًا مرداً .
[[ يعني الخيل ليس عليها شعر كثير لا زلت صغيره ، والفتيان في مقتبل العمر ]]
ولأربطن في كل نخلة في المدينة فرساً
فقال النبي ﷺ له الله يحول بينك وبين ذلك .
فولى وانصرف وهو يرغد ويزبد ويهدد وتبعه صاحبه أربد .
وأشار النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بالهدوء فلم يصنع أحد منهم معه شيئاً .
ثم بسط النبي ﷺ كفيه للسماء
وقال : اللهم أكفني عامر بن الطفيل بمرض وذلة .
فلما كانا في الطريق أناخا ليلة في دار امرأة سلولية من بني سلول .
"السليليون كانوا يعرفون عند العرب باللئم والبخل وعدم إكرام الضيف .
ولكنها إمرأة لا رجال لها فخشيت ان تؤذى فأذنت لهم أن يقيموا عندها"
فعندما نام ساعة نظر إليه صاحبه أربد
وقال له : ماهذا ؟؟
وإذا بعنقه من الأمام غدة كغدة البعير.....
"إبتلاه الله عزوجل بالطاعون
فانتفخت عنقه فأصبحت غدة كغدة البعير"
وأصبح لا يستطيع أن يتحرك فأضطر أن يقيم يوم ويومين وثلاث ليتدبر أمره .
وابتعد عنه أربد وأبتعد عنه الخادم وأبتعدت عنه المرأة "لأنهم كانوا يخشون العدوة"
فأصبح "عامر بن الطفيل" يصيح بالدار وحده بأعلى صوته .
ويقول : واا ذلاه .أغدةٌ كغدة البعير ؟
وميتة في بيت سلولية . لا واللات هذا لا يكون .
ولكن الله جعله يكون وخسئت اللات والعزى .
فلما فاضت روحه النجسة خافوا من دفنه وأن ينتقل الطاعون إليهم
فأعطوا المراة دراهم تعويضاً عن بيتها وهدموا البيت على جثته وهو ميت .
ثم ارتحل أربد مع الخادم حتى إذا وصل إلى ديار قومه .
قالوا : ما ورائك يا أربد ؟؟
فأخبرهم عن عامر وكيف مات
وقال : لاشي ء لقد دعانا محمد لعبادة شيء لا نعرفه فطلبنا منه أن يرنا أياه .... فلم يرينا
فكيف نعبد من لا نرى ولا نعرف .
وليت إله محمد يبرز أمامي الآن فأمطره نبالي
فامضى يومه وليلته
فلما كان اليوم الثاني خرج على بعير له يريد أن يتفقد غنمه و إبله ورعاته ....
يقول أصحابه وقد أسلموا فيما بعد [[ يعني قومه ]]
يقولون وكان الطقس حاراً قائظاً "حر شديد"
فلما ابتعد عن قومه وأشرف على غنمه ورعاته
تكونت سحابة في السماء وخرجت منها صاعقة ببرق كاد يخطف الأبصار
فأخذت قحف رأس "أربد" وبعيره .
سقط هو وبعيره ميتان ....
فلما رأى قومه ذلك أجمعوا أمرهم أن يرسلوا وفداً ليدخلوا في دين الله جميعاً .
فلما قدم الوفد المدينة حدثوا النبي ﷺ بما وقع ....
وكان النبي ﷺ قد حدث أصحابه رضي الله عنهم قبل أن يأتي وفدهم بما حصل .
فقال : أنزل الله علي في شأن "عامر بن الطفيل" وصاحبه قرآن ثم .
تلى قوله تعالى
آيات من سورة الرعد
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المئتيين 213
حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمسلمين .
ونزول آيات صدر سورة التوبة .
رجع ﷺ من غزوة تبوك ....
وفي شهر "ذي الحجة" من السنة التاسعة من الهجرة خرج المسلمون لأداء فريضة الحج .
ولم يخرج معهم النبي ﷺ وإنما خرج بالمسلمون "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه
وكانت هذه هي السنة الثانية التي لم يخرج فيها النبي ﷺ للحج .....
كانت المرة الأولى في السنة الثامنة
وهذه المرة الثانية في السنة التاسعة
وقيل في كتب السيرة أن سبب عدم خروج النبي للحج في السنة التاسعة هو إنشغال النبي ﷺ بإستقبال الوفود التي تأتي للمدينة لتعلم الإسلام والقرآن الكريم ومبايعة النبي ﷺ
ولكن بعد متابعة السيرة ودراستها هنالك سبب آخر لعدم خروجه ﷺ للحج في هذا العام
لنلقي نظرة عامة عن مكة ومن يحج إليها في ذلك الوقت لنعرف أكثر عن عدم خروجه ﷺ في هذا العام للحج .
فقد ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي ﷺ سيحج هذا العام بعد أن أصبحت "مكة" دار إسلام....
وها هو ﷺ قد ثبَّتَ هذا الدين والأمن له في أرجاء الجزيرة كلها
ولكن النبي ﷺ لا يسير إلا أن يسيره ربه تبارك وتعالى
وقد إختار له الله أن يكون له حجة واحدة في عمره وهي "حجة الوداع"
وبإلهام من الله سبحانه وتعالى دون نص قرآني إختار النبي ﷺ عدم خروجه للحج في هذا العام
وانتدب "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه ليخرج بعدد من أهل المدينة بلغوا 300 رجل ومن أراد أن يرافقهم من أهل الأعراب من حول المدينة فيكون "ابو بكر" رضي الله عنه أمير المسلمين في الحج ....
فإن مكة كانت تستقبل المسلمين وغير المسلمين في ذلك الوقت
فكانت العرب كلها تحج إقتداءً بملة نبي الله إبراهيم عليه السلام
لقوله تعالى :
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
فكل الناس كانت تحج على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
لأن دين إبراهيم عليه السلام هو دين الأنبياء جميعاً
لأنه هو الدين عند الله تعالى .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ...
وما دام يأتي إلى الحج المسلم وغير المسلم كانت لهم عادات وتقاليد لا يقرها شرعنا
ولكن لم يأتي للنبي ﷺ نص قرآني يغيرها لهم .
وما كان ﷺ يشرع إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى
ولكن كره أن يحضر موسم حج وفيه ما لا يتفق مع خلق الإنسان الطبيعي ....
فلقد ابتدعت قريش وبعض قبائل العرب بدعة في الحج لم تكن تعرف من قبل وهي الطواف حول الكعبة وهم عراة .
معتقدين بذلك أن الله لا يقبل طوافهم بثياب عصوا الله فيها
فكانوا يتجردون من ثيابهم في حجر إسماعيل ، ويطوفون بالبيت عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
فالمرأة تأخذ شيئاً ما يستر فرجها فقط ثم تطوف في البيت عريانة
والرجل يطوف أيضاً عريان
معتقدين أن الله لا يقبل توبتهم بثياب عصوا الله فيها "خرافات وبدع"
ولم يكن النبي ﷺ قد شرَّع للناس وإن كانت مكة دار إسلام
فلم يحب النبي ﷺ أن يحضر هذا الحج ثم يشهد من يطوفون عراة .....
ومن يغيرون في التلبية
فهنالك تلبية توحيد على ملة إبراهيم عليه السلام
وهنالك تلبية فيها شرك فكانوا يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكٌ أرتضيته لك
وقريش أيضاً إبتدعت بدعة وهي بأنها لا تقف مع الناس على "عرفة" يوم الحج .
بل تقف عند المشعر الحرام .
ويقولون : نحن أهل الحرم نحن أهل الحمس لا نقف مع الناس ولا نفيض مع الناس .
الخلاصة أن النبي ﷺ إنتدب الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه ليكون أميراً على المسلمين و أوصاه بأن لا يغير شيئاً في ما إعتادت عليه قريش لأن الله لم يأمره بشيء
فأمر "أبو بكر" رضي الله عنه أن يكون أمير المسلمين وأن يحج بالمسلمين على ملة التوحيد وأن لا يغير في ما في قريش على الإطلاق
وأرسل معه ﷺ 20 بدناً ليقدمها هديً بإسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام طعمة للفقراء والمساكين .
وأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنفسه 5 من النياق أيضآ فأصبح العدد 25 بدنا .
وبعد خروج وفد الحج بقيادة "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ولم يبعدوا عن المدينة المنورة كثيراً..
نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ بأيآت من صدر سورة "التوبة"
فعندما نزلت الآيات أرسل النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ليقرأ هذه الآيات على الناس يوم الحج .
وكتب له كتاب لأمير مكة حتى يعمل بمضمون هذه الآيات .
وأوصاه بأربعة بنود يبلغها للناس يوم "الحج الأكبر"
"الحج الأكبر" هو الحج ذاته في كل عام لأن فيه "وقفة عرفة"
والحج الأصغر هي "العمرة" لأنها تأتي على جميع أركان الحج إلا "الوقفة على عرفة"
فسبب وقوف الناس على عرفة سمي "الحج الأكبر"
فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه بهذا الكتاب وأذن له النبي ﷺ بأن يركب على ناقته "القصواء" كشاهداً عليه أنه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل معه أبو هريرة رضي الله عنه يزكي شهادته .
فقال له: تحج مع الناس فإذا كان يوم "الحج الأكبر" "يعني صبيحة يوم النحر" وفاض الناس من عرفة واجتمعوا في منى .
اقرأ عليهم هذا الكتاب والآيات التي نزلت .
لأن الحجيج لا يجتمعون كلهم إلا في منى بعد عرفة .
ويعلم النبي ﷺ أن قريش لا تقف في عرفة .
وقد ذكرنا السبب فخصص له يوم النحر حتى يكون كل الناس قد اجتمعوا .
فإذا كان يوم النحر يستأذن "علي" رضي الله عنه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أمير الحج ويقرأ على الناس الكتاب
فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه على ناقة النبي ﷺ ومعه كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم مختوم بخاتمه ويصحبه "أبو هريرة" رضي الله عنه .
حتى إذا إقترب من الركب سمع "أبو بكر" رضي الله عنه رغاء ناقة النبي "ﷺ" القصواء فعرفها
"سبحان الله كانوا يهتمون بكل شيء متعلق بالنبي ﷺ حتى أنهم كانوا يميزون صوت ناقته"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن حوله "ألا تسمعون" ؟
إنه رغاء القصواء ناقة النبي ﷺ
قالوا : أجل .
قال : لعل رسول الله ﷺ قد أمُر بالحج فلحق بنا .
فتوقف الركب كله ينتظرون قدوم الناقة .
فلما زال عنها السراب وظهر لهم من يركبها إذا هو "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ابن عم رسول الله ﷺ .
فلما سلم على الصديق ومن معه
سأله أبو بكر : يا ابن عم رسول الله أتابع أم أمير ؟
قال علي رضي الله عنه : بل تابعٌ ، ونائبٌ عن رسول الله لأقرأ على الناس وابلغهم رسالته يوم الحج الأكبر صبيحة النحر واقرأ عليهم ما أنزل الله من آيات .
ومضى الركب بإمارة "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه .
حتى إذا كان يوم الحج "وقفة عرفة" ووقف الناس كما يقفون على عادتهم .
وقريش عند المشعر الحرام والناس كلهم على "عرفة" فأفاضوا فلما افاض الناس وكان يوم صبيحة النحر .
إستأذن "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه من "أبي بكر" أن يبلغ الناس رسالة رسول الله ﷺ فأذن له .
فوقف علي رضي الله عنه خطيباً بالناس .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم
ثم قال :
ايها الناس .
ولم يقل أيها المؤمنون لأن فيهم المسلم والمشرك فكما شرحت لكم العرب كانت تحج وهي على غير دين الاسلام .
أيها الناس .
إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم ما أنزل الله وأسن سنن تتبع بعد اليوم .
ثم تلى عليهم الآيات من صدر سورة التوبة .
قال تعالى :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ .
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا .
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ .
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [[ اي يكون لهم قوة عليكم ]] لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً .
هذه بعض آيات سورة التوبة حتى نصل إلى الآية ٢٨
يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
ثم وقف "علي" رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات من سورة التوبة
وسورة التوبة نزلت من غير بسملة .
قال العلماء : لأن بدايتها كانت بكلمة "براءة" وهي لا تليق مع البسملة .
لماذا ليس فيها بسملة ؟؟
قيل أنها توقيفية
"يعني هكذا أنزلها الله ولا يجوز لنا أن نقول لماذا ؟؟
أعلن علي رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات أربعة أحكام .
١- يمنع الطواف بالبيت بعد هذا اليوم عريان
لأن رسول الله ﷺ سيأتي في العام القادم للحج ولن يرى فيها عريان إلا وضرب عنقه .
٢- لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك .
٣ - من كان بينه وبين رسول الله عهد فهو إلى مدته والذين لا عهد لهم فمعهم مهلة 4 أشهر .
٤ - ألا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا .
بلغ علي رضي الله عنه للناس ذلك مرة ومرتين :
وأمر "أبو بكر الصديق رضي الله عنه " رجال من الصحابة رضي الله عنهم لهم صوت جهوري يبلغون عن لسان "علي" رضي الله عنه حتى يبلغ القاصي والداني .
وكُلف أمير مكة أن ينفذ هذه الأحكام بعد موسم الحج وأن تهيئ مكة .
لإستقبال الحبيب المصطفى ﷺ في العام القادم حاجاً .
هذا ما كان في حج "أبوبكر الصديق" رضي الله عنه ونفذ ذلك كله ورجع المسلمون بعد حجهم هذا وسمي هذا العام بعام "الوفود"
وعلم المشركون بعد هذه البنود أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وعليهم أن يدخلوا في هذا الدين أو أن يخرجوا من جزيرة العرب .
فجاءت الوفود إلى المدينة أفواجاً يعلنوا إسلامهم .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة عشر بعد المئتيين 214
أحداث وقعت في العام التاسع من الهجرة . :
وفاة النجاشي . ملك الحبشة
وقد تولى النجاشي حكم الحبشة وهو ابن 9 أعوام بعد موت عمه بصاعقة .
وبعد سنوات من حكمه انتشر عدله وسيرته الطيبة في كل مكان
و عندما اشتد إيذاء قريش للمسلمين نصح النبي ﷺ المسلمين في السنة "الخامسة" من البعثة بالهجرة إلى الحبشة .
وقال : إن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد .
هاجر بعض المسلمين الهجرة الأولى
"وقد ذكرنا هذه الأحداث من السيرة في بداية العهد المكي .
وفي رجب من السنة التاسعة للهجرة أخبر النبي ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بوفاة النجاشي
فقال : مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .
وصلى الحبيب المصطفى ﷺ على النجاشي "صلاة الغائب"
وكان الوحيد الذي صلى عليه ﷺ صلاة الغائب لأنه مات في أرض ليس فيها من يصلي عليه
ومن الأحداث التي وقعت في السنة التاسعة :
هو وفاة بنت النبي ﷺ أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه
وقد ولدت أم كلثوم قبل البعثة بست سنوات وأمها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
جاهدت مع أبيها ﷺ وعانت وطأة الحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب وكان عمرها 11 عام وعاشت كل لحظات معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة 13 عام كاملة .
وهاجرت رضي الله عنها وكان عمرها 19 عام .
تزوجت من "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بعد وفاة أختها "رقية" رضي الله عنها في السنة الثالثة من الهجرة وكان عمرها 22عام .
ولذلك أطلق على "عثمان بن عفان" "ذو النورين" وأصبح الوحيد في التاريخ كله الذي تزوج من ابنتي نبي وظلت مع "عثمان" ستة أعوام ولم تنجب
ثم ماتت رضي الله عنها في شهر "شعبان" من السنة التاسعة من الهجرة بعد عودة المسلمين من "تبوك"
وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وهو يبكي حزنا عليها .
وواسى النبي ﷺ زوجها "عثمان"
وقال : لو كانت عندنا ثالثة لزوجتها عثمان .
رضي الله عنها.
موت عبد الله بن أبي بن سلول
من الأحداث الهامه وفاته في السنة التاسعة للهجرة والذي عرف برأس المنافقين .
وقصة "عبد الله بن أبي بن سلول" أن المدينة قبل هجرة النبي ﷺ شهدت تاريخاً طويلاً من الحروب بين "الأوس والخزرج" وكانت آخر هذه الحروب هي حرب "بعاث" والتي انتهت بانتصار "الأوس"
"أتينا على ذكر تفاصيلها في حلقة خاصة سابقآ"
وفكر العقلاء بعدها على تنصيب رجل يكون ملكاً أو حاكماً على المدينة ....
واتفق الطرفان على أن يكون هذا الحاكم هو أحد سادات الخزرج وهو "عبد الله بن أبي سلول"
وسبب أختياره ملكاً .
أولا .. لأنه لم يشترك في حرب "بعاث" بل كان رافضاً ومعارضا لها .
ثانياً .. لأنه من "الخزرج" الطرف الذي انهزم في حرب "بعاث"
فلا يكون هذا تنصيب رجل من "الأوس" أحد نتائج هزيمة "الخزرج" وهو لا شك أمر سيرفضوه .
وبعد أن اتفق أهل المدينة من الأوس والخزرج وبعد أن أصبح أمر تنصيب "عبد الله بن أبي" مسألة وقت ....
جاءت هجرة النبي ﷺ واجتمع الأنصار حول رآية النبي ﷺ .
وماتت فكرة أن يكون "عبد الله بن أبي" ملكاً على المدينة .
لذلك حقد "عبد الله بن أبي " على الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام وأبطن الكفر ....
ولم يتوقف لحظة عن الكيد ضد النبي ﷺ والمسلمون .
وتعاون مع اليهود في ذلك وقاد جماعة المنافقين في المدينة .
وكانت خطورة "عبد الله بن أبي " أن له مكانته الكبيرة بين قومه .
وقد ذكرنا سابقآ مواقفة ضد النبي ﷺ حين انسحب أثناء تحرك المسلمين إلى أحد فانسحب معه ثلث الجيش .
كما أنه قام بإشاعة حادثة الإفك وتكبيره لها .
فقال الله تعالى في ذلك :
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وفي غزوة "بني المصطلق" في السنة السادسة من الهجرة حاول إحداث وقيعة وفتنة بين المهاجرين والأنصار .
حين قال "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية بقوله :
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا .
يعني : امنعوا الأموال عن أصحاب الرسول حتى ينفضوا عنه ويتركوه
وقد سجل عليه القرآن العظيم هذه الكلمات .
ولم يتوقف "عبد الله بن أبي بن سلول" لحظة عن التآمر والكيد للنبي ﷺ ومحاولة هدم الدولة الإسلامية حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة .
وكان لعبد الله بن أبي ولد اسمه عبد الله على إسم أبيه "أي أن إسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"
وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وشهد بدر وجميع المشاهد مع النبي ﷺ
وكان شديد البر بأبيه ومع ذلك كان من أشد الناس على أبيه .
فلما مات "عبد الله بن أبي" ذهب إبنه "عبد الله" إلى النبي ﷺ وسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه النبي ﷺ قميصه
ثم سأل النبي ﷺ أن يصلي عليه
فقام النبي ﷺ يلبي طلب هذا الصحابي رضي الله عنه المؤمن الصادق ليصلي عليه .
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ بثوب النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله . وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟
فقال النبي ﷺ يا عمر إنما خيرني الله فقال . اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وسأزيده على السبعين
ﷺ ما أرحمك :
هذا تحقيق لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وصلى عليه النبي ﷺ .
يقول عمر رضي الله عنه فعجبٌ لي وجرأتي على رسول الله
ولكن نزل بعد ذلك قول الله تعالى :
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ .
وكان موت رأس المنافقين "عبد الله بن أبي " ضربة قاصمة ثالثة للمنافقين في خلال شهرين فقط .
حيث كانت الضربة الأولى :
هي غزوة {"تبوك" نفسها ونزول سورة التوبة .
وقد أظهرت غزوة تبوك وسورة التوبة عدد كبير من المنافقين .
وكانت الضربة الثانية هي هدم وحرق "مسجد الضرار"
ثم كانت الضربة الثالثة :
وهي موت رئيس المنافقين "عبد الله بن ابي بن سلول"
وبموت "عبد الله بن أُبي بن سلول"
انحسرت جداً حركة النفاق في المدينة المنورة وكسرت إلى حد كبير شوكتهم .
ولذلك لم نجد لهم حضوراً يذكر في العام العاشر من الهجرة .
وإن كان استمرار وجودهم مؤكدا لأن المنافقون لا يختفون أبداً من أي مجتمع مسلم منذ أيام النبي ﷺ وحتى يومنا هذا .
هذا كان باختصار شديد ما وقع من أحداث من السنة التاسعة للهجرة...
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 07:25 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة عشر بعد المئتيين 218
وفد نصارى نجران . الجزء الأول .
من هم نصارى نجران ؟
ما زلنا نتحدث عن الوفود التي جاءت إلى المدينة في السنة التاسعة و العاشرة من الهجرة .
من أهم الوفود التي قدمت المدينة هو وفد "نصارى نجران"
نجران
كانت تدين بالنصرانية وكان ولاءهم للروم فكانت ولاية "رومية" في اليمن ...
وكان ﷺ قد أرسل إليهم كتاباً يدعوهم فيه إلى الإسلام...
فإن أبو ورفضت فدفع الجزية...
فلما وصلهم الكتاب قرروا أن يرسلوا وفداً رسمياً إلى المدينة
ليس لإعلان الإسلام
بل لمجادلة النبي ﷺ تحت عنوان ما يعرف اليوم بالحوار السياسي ....
وكان عدد هذا الوفد :
60 رجلاً و فيهم بضع نساء وصبية وكان فيهم 14 رجل من وجهائهم....
يرأسهم 3 من رجال الدين تحت اسماء كانوا يقدسونها :
١- العاقب
٢- والأسقف
٣- والسيد
هذه ألقاب لرجال الدين عند النصارى ....
فالعاقب: هو صاحب المرتبة العليا ......ثم بعده يأتي "الأسقف" ثم "السيد"
فكان أميرهم العاقب واسمه "عبد المسيح" وهو من كندى أي كندي الأصل "
قدم هذا الوفد ووافى وصولهم إلى المدينة المنورة
عند باب مسجد النبي ﷺ عند إنصراف المسلمين من صلاة العصر ....
فخلعوا ثياب السفر وبدلوها ودخلوا المسجد وهم يلبسون الحرير والذهب حتى يبهروا المسلمين
وتوشحوا بالصلبان ....
أي علقوا في صدورهم الصليب من الذهب .
مستعدين لمقابلة النبي ﷺ في هيئة رسمية
فلما رءاهم النبي ﷺ على باب مسجده ... رحب بهم ترحي خير مضاف لخير ضيف....
وأمر ﷺ أصحابه رضي الله عنهم على الفور أن يضربوا لهم قبةً في جانب من جوانب المسجد ....
والقبة تعني الخيمة ...
وأذن لهم أن يدخلوا بصبيانهم ونسائهم وأن يمارسوا حريتهم كأنهم في منازلهم .
وعندما دخلوا كانت صلاة العصر .... فقام المسلمون يصلون وقام الوفد يصلي صلاته في مسجد الحبيب المصطفى ﷺ
فأخذوا يرددون تراتيلهم ورفعوا الأصنام واستقبلوا بيت المقدس
أراد الصحابة رضي الله عنهم منعهم ..لكن النبي ﷺ قال لهم دعوهم
وترك لهم حرية أن يختاروا وقت جلوسهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والحديث معه .
كانوا يحملون الهدايا للنبي ﷺ فبدؤوا بتقديمها ....
الثياب . والبسط . وبعض متاع بلادهم . والجلود المدبوغة .
استعرض النبي ﷺ هداياهم فقبل كل شيء إلا ما فيه نقش الصليب رده لهم بكل لطف وأدب معتذرآ منهم ...
وترك لهم كما قلنا الوقت المناسب للدخول في المفاوضات التي يريدونها .
وبعد ثلاثة أيام......
"وهي العرف والعادة عند العرب أن لا يسأل الضيف عن حاجته إلا بعد ثلاثة أيام"
بعد ثلاثة أيام قام قادتهم الثلاث مع بعض الوجهاء وطلبوا من النبي ﷺ أن يجلسوا إليه ويحدثوه ...
وبدء حديثهم بنقاش طويل وفلسفة وجدل : يعني في حلقة مفرغة عن الأديان والكتب السماوية وبعثة النبي...
فلما رأى الحبيب المصطفى ﷺ جدلهم عقيماً لا يريدون به معرفة الحقيقة ....
فكان وفدهم لا يعبر عن الحقيقة إختصر النبي ﷺ الطريق عليهم :
فدعاهم إلى الإسلام
قال لهم : فإني أدعوكم أن تدخلوا في دين الله وأن تسلموا .
فلم يقبلوه بل قال له أميرهم "عبد المسيح" الملقب بالعاقب
قال : نحن مسلمون قبلك يا محمد .
( يعني نحن أتباع المسيح )
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي هو في لفظ البخاري رحمه الله :
قال إنما يمنعكم من الإسلام ثلاثة.
عبادتكم الصليب . وأكلكم لحم الخنزير . وزعمكم أن لله ولداً .
هنا تمسكوا بالأمر الثالث وهو "زعمكم أن لله ولدا"
تمسكوا به لأنه يمس "عيسى عليه السلام" فتوقفوا عندها وأكثروا الجدل فيها
قالوا : ما لك تشتم صاحبنا وتقول إنه عبد لله عز وجل .
فقال النبي ﷺ أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
فقالوا: _ هل رأيت إنساناً قط من غير أب، فإن كنت صادقاً فأرنا مثله ؟
فلم يجبهم.... وإذا بالوحي يتنزل فأنزل الله الوحي ليرد عليهم :
ورأوا وهم جالسين عند رسول الله ﷺ "صفة الوحي" التي يعرفونها ....
بأنه إذا نزل الوحي على نبي آخر الزمان .
فهو ليس كموسى عليه السلام يكلمه الله تكليماً .
لا .. بل هو وحي .
وأن الوحي له ثقل ....
وأنه يغض غضيض البكر وتدق لحيته ﷺ صدره . ويتصبب منه العرق فيه نور كأنه اللؤلؤ .
رأورا صفاته ﷺ وهو يوحى إليه ...
ثم قرأ عليهم ما أنزل الله عليه
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فالنصارى لا ينكرون أن آدم قد خلق بلا أب ولا أم .
فاذا كانوا يرون أن عيسى إلهاً لأنه خلق من غير أب .
فالأولى هو "آدم" لأنه خلق بلا أب ولا أم .
فلما سمعوا كلام الله : خرسوا وحبطوا
وقالوا : أجل ....
ولكن بقي جدالهم بأن نسلم أو لا نسلم ....
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة عشر بعد المئتيين 219
وفد نصارى نجران . الجزء الثاني .
المباهلة
ذكرنا أن وفد "نجران" أخذ يجادل النبي ﷺ نُسلم ولا نسلم فنحن على دين ...
وأخذ الوفد يجادل النبي ﷺ ساعات طويلة ولعدة أيام....
"والآيات التي في صدر سورة آل عمران حتى الآية رقم (80) كانت كلها ردود على وفد نجران وعلى جميع النصارى .
حتى نصل إلى هذه الآية :
وهي آية "المباهلة"
قال تعالى :
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ .
و "المباهلة" : هي طريق جديدة لإقامة الحجة.
وهي تعني أن يجمع كل طرف أهله ويقف وجهاً لوجه مع الطرف الثاني .
ويبتهل ويدعو كل منهما أن ينزل الله عز وجل لعنته على الذي يكذب وينكر الحق .
فمن حماقة القوم أنهم استعجلوا وقالوا : نعم نباهلك ولكن متى ؟
فقال لهم النبي ﷺ غداً إذا ارتفعت الشمس .
يعني وقت صلاة الضحى .
لماذا بدأت الآية أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ .
بدأت بالأبناء يقال : لأن الأطفال بريئون لا يعرفون الكذب وهم أقرب إلى الله تعالى من غيرهم لم يكسبوا جرماً ولا إثماً بعد .
وقبل القوم "المباهلة"
فغاب عنهم النبي ﷺ بقية اليوم وتلك الليلة ولم يكلمهم .
حتى خرج إليهم النبي ﷺ "للمباهلة" في اليوم الثاني عند شروق الشمس
خرج النبي ﷺ "للمباهلة" "وعلي" رضي الله عنه عن يمينه
وعلى شماله للوراء قليلاً السيدة "فاطمة" رضي الله عنها "شماله "
والحسنين يجريان بين يديه
وأقبل على القوم "للمباهلة"
فلما رأه قادتهم الثلاث :
"العاقب والأسقف والسيد"
فنظر كبيرهم العاقب لصاحبيه
وقال لهم : ويلٌ لكم أتباهلون محمداً وقد خرج إليكم بهذه الوجوه .
والذي بعث موسى وعيسى .
لقد خرج إليكم محمد بوجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال الرواسي لأزالها .
ألا ترون نورهم يسعى بين أيديهم ... كفو عن مباهلته
ثم دخلوا الخيمة وقالوا لقومهم: وربِ موسى وعيسى لو باهلتم محمد اليوم ودعى عليكم بمن معه فلن يبقى لكم مالٌ ولا ولد .
"يعني : ينقطع أثركم من الأرض"
وقد تذكروا غضب الله تعالى على اليهود إذا اعتدوا في سبتهم فمسخهم قردة وخنازير"
ثم خرج ثلاثتهم إلى النبي ﷺ
وقالوا : لا يا محمد معذرة .
إن الذي تعجل إليك بالأمر وقال نعم نباهل هم عامتنا وأمرهم إلينا فنحن رجال الدين فيهم فنحن لا نريد مباهلتك .
ولكن نريدك أن تحكم فينا دون أن ندخل بالإسلام...
"يعني: نتبعك وأنت حاكم علينا من غير أن ندخل في الإسلام "
فبأي شي تحكم فأمرك مطاع !!
فقال لهم النبي ﷺ :
أعرض عليكم واحدة من ثلاث .
إما الإسلام . وإما أن تعطوا الجزية . وإما الحرب بيننا وبينكم .
فقالوا : نعطيك الجزية ونرجع إلى قومنا على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجل من أصحابك يكون أمين حق . أمين يستوفي منا الجزية ويقضي فينا فيما يقع بيننا من شجار ....
فقال النبي ﷺ : أجل سأبعث معكم رجل أمين حق أمين .
يقول الصحابة رضي الله عنهم : فوالله ما منا أحد إلا واستشرف لها .
"أي تمنى أن يكون لها"
قالوا : فإذا به ﷺ يقول : قم يا أبا عبيدة .
فوقف أبو عبيدة "عامر بن الجراح" رضي الله عنه .
فقال النبي ﷺ : هذا أمين هذه الأمة .
امضي معهم يا أبا عبيدة فأقضي في ما بينهم واستلم منهم جزيتهم في كل عام .
ثم أمر أن يكتب له كتاب آمان ..
و "الجزية" أن يدفعوا للمسلمين ألف حلة في شهر صفر :
"والحلة تعني الثوب والرداء"
و ألف حلة في شهر رجب ومعها 3 آلاف قطعة من سلاح ما بين درع وسيف ولوازم السلاح في زمانهم .
وشيء من ذهب .....
كُتب ذلك في كتاب بالتفصيل...
وأمر النبي ﷺ أن يكتب في آخر الكلام :
هذه ذمة الله ، وذمة محمد رسول الله لنصارى نجران .
فانقلب القوم إلى قومهم راضين ليدفعوا الجزية لأبي عبيدة رضي الله عنه...
ثم ما أن وصلوا وأخبروا قومهم
فقال لهم قومهم: بئس ما رجعتم به إلينا !!
علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم على الحق ورضيتم أن يحكم فينا ، ولم تتبعوه ولم تصدقوه ...
فضاج القوم على قادتهم ثم رجعوا جميعاً إلى المدينة إلى المصطفى ﷺ مسلمين
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العشرون بعد المئتيين 220
وفد عبد القيس من البحرين وإسلامهم .
شهد له النبي ﷺ بالخير قبل أن يفدوا إلى المسجد وحتى قبل أن يراهم ...
وفد البحرين : كان يعرف "بعبد القيس" نسبة لجد لهم إسمه "عبد القيس" فنسبت القبيلة كلها إليه وكانوا يسكنون البحرين .
لم تصلهم رسل ولم يصلهم تهديد ولا جيوش فهم لم يُكرهوا على الإسلام...
وبالتحقيق في روايات كتب السير وخلاصة صحاح الحديث
قيل : أن رجلاً منهم واحد جاء إلى مكة وسمع بالإسلام .
فأتى إلى المدينة فأسلم ولم يعلم به أحد .
ثم انطلق وعرض الإسلام على قومه حين رأوا أنها قد تغيرت أحواله ...
وبدأت قصته من حجرة زوجته...
رأته يقوم في الليل يغسل أطرافه "أي يتوضأ" ثم يتجه إلى جهة معينة "الكعبة القبلة" ثم يركع ويسجد .
فذهبت وأخبرت أباها .
قالت له : إني أنكر حال بعلي منذ أن رجع من أرض الحجاز .
فإنه يقوم في الليل أو النهار يغسل أطرافه ثم يتجه إلى جهة ، ثم يحني ظهره مرتين . ويُلبس جبهته التراب .
فعندما جاء وكلمه عرف منه الإسلام...
فقبله ودعى قومه إليه فأسلموا
ثم علموا أن الوفود تأتي إلى النبي ﷺ فجمعوا منهم وفداً
هم مؤمنون ومسلمون ولكن أرادوا أن يروا النبي ﷺ ويسمعوا منه عن الإسلام
فقدموا في عام الوفود .
"إذآ الخلاصة هم مسلمون وقد تقدم إسلامهم .
لكنهم جاؤوا إلى النبي ﷺ في عام الوفود .
هذا خلاصة التحقيق من عدة كتب من السيرة وكتب الحديث .
فكانوا يعرفون بعبد القيس .
يقول الصحابة رضي الله عنهم : بينما نحن جلوس حول رسول الله ﷺ في مسجده إذ قال لنا .
سيطلع عليكم من ها هنا وأشار بيده إلى جهة المشرق .
ركبٌ هم خير أهل المشرق . لم يُكرهوا على الإسلام .
قد أمضوا الركائب "أي حثوا في السير" وأفنوا الزاد .
يقول الصحابة رضي الله عنهم : فلم يملك نفسه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقال بأمي أنت وأمي ائذن لي أن أستقبلهم على أبواب المدينة ؟
"لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم أنهم خير أهل المشرق"
وانطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستقبلهم على باب المدينة وكان عددهم 40 بين رجال ونساء وصبية .
فقال عمر رضي الله عنه من القوم ؟
فقالوا : عبد القيس من البحرين .
فقال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى ، لقد شهد لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تصلوه .
ثم سار معهم وهو يرحب بهم . حتى إذا كان عند أبواب المسجد
قال لهم عمر رضي الله عنه :
ها هنا صاحبكم فترجلوا .
أي هنا النبي ﷺ انزلوا من على رواحلكم .
يقول عمر رضي الله عنه وهو راوي الحديث كما أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده :
قال عمر رضي الله عنه . فألقوا بأنفسهم من على رواحلهم
"لم يتمهلوا أن يعقلوها ، وذلك شوقاً للحبيب المصطفى ﷺ قفزوا قفزاً من شدة اشتياقهم له"
فألقوا بأنفسهم من على رواحلهم وهرولوا إلى المسجد ، وأخذوا يقبلون رأس الحبيب المصطفى ﷺ و يديه .
إلا رجلاً واحداً ، ويعرف "بأشج عبد القيس" أما اسمه الحقيقي "عبدالله بن عوف الأشج" رضي الله عنه...
وكان يلقب "بالأشج" بسبب جرح في وجهه بليغ
فنزل عن راحلته بكل هدوء .
وجمع رواحل القوم حتى لا تسرح ها هنا . وها هنا ، ثم أناخها وعقلها .
ثم أخرج ثوبين أبيضين نظيفين
ثم غسل وجهه بالماء فذهب عنه غبار السفر ولبس الثياب النظيفة ....
ودخل المسجد بالهدوء والسكينة حتى أقبل على النبي ﷺ وانكب على رأسه يقبله ويقبل يديه
وأخذ الناس ينظرون إليه .
وكان رجلاً ليس حسن الهيئة .
"من الناحية الخلقية كان دميم البشرة والجلد فأخذ الناس ينظرون إليه هذا الذي دخل بهدوء و سكينة وليس في نظر الناس تلك الشخصية في لغة الناس اليوم"
فلما رءآهم ينظرون إليه باستغراب
قال له النبي ﷺ إن فيك يا أشج لخلتين . يحبهما الله عز وجل ورسوله . الحلم والأناة .
فقال . يا رسول الله تخلقتهما أم جبلني الله عليهما ؟
فقال جبلك الله عليهما .
فقال الأشج رضي الله عنه الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله .
فقال النبي ﷺ يخاطب الوفد مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى .
فلما كان يحدثهم نظر ﷺ في رجل منهم وتفرس فيه أنه غير مسلم وكان إسمه "الجارود بن بشر"
"كان نصراني على دين المسيح عليه السلام .
لم يسلم ولكنه صحب القوم ليرى النبي ﷺ أولاً ويسمع منه ثانياً .
كي يقارن بما يرى ويسمع بما عنده من علم الكتاب"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يرفع رأسه .
يا جارود إني أدعوك إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله .
ناده بلقبه المعروف في قومه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهم عن أسمائهم .
يا جارود إن ادعوك إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله فتدخل في دين الله .
فقال الجارود : يا محمد إني كنت على دين .
وإني تارك ديني لدينك . أفتضمن لي ديني ؟
فقال رسول الله إني أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه .
إن الدين عند الله الإسلام فهو دين عيسى وموسى ومحمد والناس أجمعين .
فقال الجارود : والذي بعثك بالحق . لقد وجدت صفتك التي أرى الآن ونطقك الذي أسمع الآن في الإنجيل كما بشر به ابن البتول عليه السلام .
وكان "الجارود" سيد قومه في البحرين فلما عاد أسلم قومه كلهم لم يناقشوه أبداً .
وكان له أثر طيبٌ بعد وفاة النبي ﷺ إذ تسللت الردة إلى بعض الأقوام .
فلما شم "الجارود" رضي الله عنه رائحة الردة قد تقع في البحرين .
وقف وجمع قومه وجدد الشهادة
وقال . إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله . وإن مات فإن الموت حق . وإن الله الحي الذي لا يموت .
أما والله من بعث محمداً بالحق . ما ارتد أحد منكم عن دينه إلا ضربت عنقه .
[[ فمنع الردة في البحرين ]]
رضي الله عنه.....
قال الوفد : يا رسول الله إنا حي من ربيعة وإنا نأتيك شقة بعيدة
"يعني : نحن في بعد عنكم "
وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر .
وإنا لا نصل إليك إلا في شهر الحرام .
فمرنا بأمر فصل ندعوا إليه من وراءنا وندخل به الجنة .
"يعني أوجز لنا شيء نفعله ونقوم به يدخلنا الجنة"
فقال لهم النبي ﷺ :
آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع .
آمركم بالإيمان بالله وحده .
أتدرون ما الإيمان بالله . شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وإقام الصلاة . وإيتاء الزكاة . وصوم رمضان . وأن تعطوا من المغانم الخمس .
ولم يذكر ﷺ لهم الحج لأن الحج لمن إستطاع إليه سبيلا .
وأنهاكم عن أربع عن الدباء . والحنتم . والنقير . والمزفت .
فقال رجل منهم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما علمك بالنقير وأنت ابن الحجاز ؟
"لأن النقير كان لا يعرف إلا في منطقة البحرين"
فقال ﷺ بلى . إنكم حين جلستم بين يدي رفع الله لي بلدكم فنظرت فيها فعلمت كل شيء .
ماهو الدباء . والحنتم . والنقير . والمزفت .....
الدباء ...
فكان كل أهل الحجاز لا يعرفونه
الدباء . هو القرع اليابس الأصفر يشبه البطيخ يفرغ من داخله مثل ما يعمل الكوسا للحشي ، يخرجون اللب الداخلي ويضعون فيه الماء ثم ينبذون "يلقون" فيه شيء من الزبيب "عنب مجفف" أو التمر أو القطين "تين مجفف"
وما كان عندهم ثلاجات وفلاتر ماء فتعلموا هذه الطريقة .
يلقون هذه الأشياء داخل القرع المفرغ ويضعون عليه الماء لأن ماء البحرين مالحاً فيحلى الماء ، فيشربون منه ماء حلو وبارد ولكن بعضهم يضع هذا الماء فترة طويلة فيصبح مسكرا .
الحنتم ...
آنية كبيرة مثل الفخار يصنعونها من تراب معين يعجنونه وتبقى طينته طرية ثم يضعون عليه شيء من الدهان كي لا يرشح منها الماء و كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة .
النقير ...
جذع النخل ينقرونه ويفرغونه من الداخل ثم يضعون فيه الخمر .
المزفت ...
الوعاء المطلي بالزفت .
فقال الأشج رضي الله عنه يارسول الله إن بلادنا وخمة
"يعني طبيعتها الجو شديد الرطوبة".
وإذا شربنا الماء مطلقاً عظمة بطوننا ولا يستسقي أحد منا "يعني ما بتروينا الماء"
فهل رخصة لنا بمثل هذه وجمع بين كفيه كالذي يقدم حفنة .
"يعني شوي نشرب منه"
فقال النبي ﷺ وهو مبتسم إلى الأشج .
يا أشج إني إن رخصت لكم في مثل هذه . شربتم في مثل هذه وفرد يديه .
"يعني رح ياخدوها رخصة"
حتى إذا قعدتم وشربتم وثملة العروق .
"ارتوت" قام أحدكم يتفاخر . فقام إليه ابن عمه فلطم ساقه بالسيف فجعله أعرج .
فصاح القوم جميعا "نشهد أنك لرسول الله"
"أخبرهم ﷺ بحادثة وقعت فيهم لا أحد يعلمها"
فقام المضروب ساقه وكان مع الوفد ورفع الثوب عن ساقه
وقال : أشهد أنك رسول الله والله قد فعلت هذا . فقام ابن عمي وضرب ساقي بالسيف وها أنا أعرج عليها يا رسول الله .
وهكذا كان وفد عبد القيس من أفضل الوفود وأطيبها ....
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 07:32 PM
[ى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والعشرون بعد المئتيين 221
وفد بني حنيفة .
ظهور مسيلمة الكذاب في اليمامة .
جاء وفد بني حنيفة من "اليمامة"
كان معهم صاحب الكلمة فيهم : "مسيلمة بن حبيب" ولم يكن يعرف بالكذاب حتى هذا الوقت الذي حضر فيه .....
أما فيما بعد فهو المعروف في كتب السيرة والتاريخ بإسم " مسيلمة الكذاب " بعد أن وصفه النبي ﷺ بالكذاب بنبوءة ااصادقة ....
مسيلمة الكذاب ..
كان نصرانياً من بني حنيفة باليمامة في وسط الجزيرة العربية ....
أقام في القدس " عاصمة فلسطين " عامين يتعلم الدين النصراني .....
وكان هناك أخبار من الرهبان أنهم ينتظرون ظهور نبي تحدث عنه الإنجيل ....
وكان كل واحد من الرهبان يمني نفسه ويرجو أن يكون هو النبي المنتظر .....
فلما عاد "مسيلمة" إلى اليمامة وجد أن عدداً كبيراً من نصارى "بني حنيفة" قد تركوا النصرانية ودخلوا في الإسلام .
بما في ذلك الأمير "ثمامة الحنفي" الذي كان نصرانياً واعتنق الإسلام ....
واشتكى إليه الرهبان من دخول أهل اليمامة في الإسلام .
وكان "مسيلمة" رجلاً متكلماً وشاعراً فأخذ يصنع لقومه الشعر والسجع ....
ويقول هذا مثل الذي يقوله محمد... صلى الله عليه وسلم
هذا مثل الذي ينزل عليه من السماء . وأنا قد أنزل على...
أراد أن يلبس على قومه ...
ولكن أجمع قومه على أن يأتوا المدينة ويقابلوا النبي ﷺ كسائر العرب ....
فلما ذهب وفد "بني حنيفة" إلى المدينة لمبايعة النبي ﷺ ذهب معهم " مسيلمة " وهو يرتدي الصليب ....
وكان قرار قومه إذا دخلوا المدينة أن يستروه بالثياب .
لأن مكانته عندهم كبيرة فلا يراه أحد حتى يحضر إليهم النبي ﷺ فهو لا يقابل أي إنسان هو أكبر من ذلك ، ولكن سيقابل النبي صلى الله عليه وسلم...
فلما أشرفوا على المدينة ستروه بالثياب تعظيماً له
ووقف رجال من قومه أمامه وخلفه وعن جانبيه ينتظرون قدوم النبي ﷺ .
وانظروا إلى "نبوءة" النبي ﷺ قبل قدوم وفد بني حنيفة .
قال تعالى .
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى .
وتفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن النبي ﷺ حين ذكر له وفد اليمامة من بني حنيفة .
صنع شيئاً لم يصنعه من قبل أبداً عند استقبال أي وفد .
فجاء إلى نخلة وأخذ منها عرق ليس فيه إلا ورقة واحدة .
أخذه بيده ومضى ومعه عدد قليل من أصحابه رضي الله عنهم
فأقبل عليهم ﷺ ورحب بهم وسلم ....
فرفعوا الحجاب من الثياب عن رأس "مسيلمة"
وافسح قومه له المجلس حتى يجلس "مسيلمة" ويكون هو المتكلم فيهم .
فبدأ النبي ﷺ بالحديث قبل أن يتكلموا على غير عادته ...
"المفروض أن يستمع أولاً لخطيب الوفد أو كبيرهم ومن ثم يرد عليهم "
فلما همَّ "مسيلمة" أن يتكلم بدأهم النبي ﷺ بالكلام
وهو يقول ....
"يقسم النبي" : والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك ....
"العرق الخشب الذي في يده"
وإني لأراك الذي أوريته في نومي.. ولن تعدوا أمر الله فيك
ثم صرف النبي ﷺ وجهه عنه
ذهل الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : يارسول الله مالذي أوريته ؟؟
لنا وقفة هنا .
ونأخذ فكرة عن "مسيلمة" .
وهو قادم في طريقه إلى النبي ﷺ ماذا كان يقول لكبار قومه ؟
كان يقول لقومه في الطريق
قال : إن أشركني محمد معه في الأمر وعهد إلي به من بعده آمنت به واتبعته .
"يعني أكون شريكه الآن بالنبوة والرسالة والزعامة يعني: وراثية أنا أصير نبي وأصير رحمة للعالمين من بعده "
وإلا لن أدخل في دينه أبداً..
مسيلمة كان يقول هذا في الطريق لرجال من حوله....
وقومه لم يسبقوه إلى المدينة ولم ينقلوا هذا الخبر للنبي ﷺ
لكن الحبيب المصطفى ﷺ من أول ساعة قابلهم قد علم ما قاله مسيلمة الكذاب
فلذلك قال له النبي قبل أن يتكلم مسيلمة الكذاب :
والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك .
وإني لأراك الذي أوريته في نومي ولن تعدوا أمر الله فيك .
فلما قال له النبي ذلك اضطر الوفد أن يقتربوا من بعضهم كي يتشاورا ....
والتفت الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي ﷺ يسألوه ....
قالوا يارسول الله مالذي أوريته ؟؟
نسمع للحديث من لفظ البخاري رحمه الله :
قال ﷺ بينما أنا نائم أوريت .
في يدي سوارين من ذهب وأهمني شأنهما .
"لأن الذهب محرم في الدنيا على الرجال ....
لذلك قال ﷺ أهمني شأنهما لماذا أنا ألبس هذا الذهب في يدي ؟"
فأوحي إلي وأنا نائم أن انفخهما . فنفختهما فطارا من يدي .
فقال له الصحابة رضي الله عنهم فبما أولتهما يا رسول الله .
قال بكذابان يخرجان في الأمة هذا أحدهما وأشار إلى مسيلمة .
وقد سمع الشقي كلام النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه ويقول عنه كذاب ...
وقد فاجأهم بهذا الحديث وبهذه النبوءة قبل أن يسمع منه أو يسمع من قومه ....
ومع ذلك فالكفر عناد ....
فلما سمع قومه كلام النبي ﷺ اتعظوا وأسلموا وبايعوا النبي ﷺ على الإسلام..
وخاف مسيلمة الكذاب أن يكون هو الوحيد الذي لم يسلم فيفرق بينه وبين قومه وتذهب الزعامة منه ....
فأعلن "مسيلمة" إسلامه نفاقاً وبقي يكتم ما يريد في قلبه
ففقههم النبي ﷺ بالدين وعلمهم القرآن الكريم....
ثم أذن لهم وانطلقوا راجعين إلى بلادهم ....
فقال مسيلمة الكذاب لقومه في طريقه : يا قوم لقد وجد محمد من قريش من يقف معه فلذلك دخل الناس في دينه واتبعوه .
وأنا لم أجد منكم من يقف معي فكان حالنا كما رأيتم .
ولو أنكم شاركتموني الرأي ...
فأنا اقسم لكم بربكم ورب محمد بأنه يوحى إلي كما يوحى إليه
ولقد اشركني الله معه بالأمر وقسم الأرض لنا نصفين فكان نصفها لقريش ونصفها الآخر لبني حنيفة .
استخف عقول الضعفاء من قومه فأيدوه وقالوا له: نحن معك .
عاد "مسيلمة الكذاب " إلى قومه فحاول مرة أخرى وأرسل رسالة إلى النبي ﷺ ... قال فيها :
"من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ...
ألا إني أوتيت الأمر معك ...
فلك نصف الأرض ولي نصفها
ولكن قريشاً قومُ يظلمون .
"يعني قريش يأكلوا حقوق الناس لهم نصف الأرض ولكن يريدونها كلها "
فلما قُرأت الرسالة على النبي ﷺ
"رسالة لا تثير الغضب ولا تحدث ضجة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم : بأنه كذاب ويدعي النبوة وأنه لن يعدوا أمر الله فيه فلن يضر المسلمين بشيء .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فضحك النبي ﷺ والتفت إلى حاملي الرسالة وكانا رجلان .
قال لهما: ما تقولان أنتما ؟؟
فقالا : نقول كما يقول صاحبنا .
قال أتشهدان أني رسول الله .
فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله .
فقال لهم النبي ﷺ : آمنت بالله ورسله .
أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لأمرت بضرب عنقكما . ولكن الرسل لا تقتل .
فرد عليه النبي ﷺ برسالة قال فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب .
"هنا أخذ هذا اللقب فعرف بالكذاب في قومه .....
السلام على من أتبع الهدى
اما بعد
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
رد عليه بنص آية قرآنية .
وارسلت له الرسالة فانقسم قومه إلى نصفين ...
نصفهم على إيمانهم وإسلامهم
والنصف الآخر مع مسيلمة الكذاب لأنه أعطاهم ماتهوى أنفسهم...
و حتى يستعطف مؤيديه
قال لهم : محمد يأمر أصحابه بخمس صلوات في اليوم والليلة ....
يكفيكم صلاتين:صلاة أول النهار وصلاة في آخر الليل .
قال . محمد يحرم على أصحابه الخمر .
لا بأس لكم في شرب الخمر في المناسبات .....
محمد يفرض على أصحابه الزكاة ..
قد اسقطتها عنكم لا تزكوا ...
محمد أنزل عليه القرآن .
وأنا أنزل علي مثله ...
ويسجع لهم ... :
لقد أنعم الله على الحبلى . أخرج منها نسمة تسعى . من بين صفاق وحشا .
وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة .
يقول لهم : هذا مثل الذي أنزل على محمد .
والطاحنات طحنا . والعاجنات عجنا . والخابزات خبزا . والثاردات ثردا . واللاقمات لقما .
وهكذا ستخف أصحاب القلوب الضعيفة والعقول المتحجرة والذين يريدون الهوى ومتاع الدنيا
وكان ممن تبع مسيلمة الكذاب رجل إسمه : " نهار بن عنفوة " وقيل إسمه : "الرحال"
كان قد أسلم وتعلم شيئا من القرآن الكريم وصحب النبي ﷺ مدة وقد مر عليه رسول الله ﷺ وهو جالس مع "أبي هريرة" رضي الله عنه ومعهم رجل ثالث إسمه : "فرات بن حيان"
فقال لهم الحبيب المصطفى ﷺ أحدكم ضرسه في النار مثل أحد .....
فلم يزال "أبو هريرة وفرات" رضي الله عنهما خائفين حتى إرتد "الرحال" مع مسيلمة الكذاب .
فجاء إليه الذين آمنوا من قومه أهل اليمامة و كانوا يعلمون أنه كاذب ...
فأردوا أن يستهزوء به
قالوا : يا مسيلمة . محمد قد ظهر على يده خوارق و إن للنبي معجزات وقد سمعنا من أمور خارقة من أخبار محمد ﷺ .
قال : لهم ماذا تريدون ؟؟
قالوا : بلغنا أن محمداً قد بصق في عين أحد أصحابه بعد أن قُلعت من مكانها في إحدى الغزوات . "يقصدون الصحابي قتادة رضي الله عنه"
قال مسيلمة : *أحضروا لي رجل أعور ، فأحضروا له رجل أعور .
فبصق في عينهِ من أجلِ أن يُشفى "فعميت عينه الأخرى"
فلو بصق كل الناس في عين شخص لا يعمى .. ولكنها إهانة له وذل وخزي فضحك الناس عليه
قال لهم : هاتوا غيرها .
قالوا له : بلغنا أن محمداً جاء إلى بئر ماء مالح وقليل لا يسقي الظمأن....
فبصق فيه فكثر الماء وامتلأ البئر على الفور .
فذهب مسيلمة معهم إلى بئر فيه ماءٌ قليل .
فبصق فيه مسيلمة فجف الماءُ على الفور لم يبقى فيه نُقطة ماء واحدة .
فلما رأى أصحاب "مسيلمة الكذاب " ذلك انفض عنه ثلثي من تبعه لأنهم رأوا الآيات بأعينهم ....
ومع ذلك ومع أن الله تعالى أعطاه الإنذار اصر على كفره وأنه نبي وأنه يوحى إليه .
وبعد وفاة النبي ﷺ ثار "مسيلمة الكذاب " على الخليفة "أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه"
فهزمت قواته في معركة اليمامة بقيادة سيف الله المسلول "خالد بن الوليد"
وقتل "مسيلمة الكذاب"
والذي قتله هو "وحشي بن حرب"
رضي الله عنه...
هذا أحد الكذابين .
فمن الكذاب الثاني...
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتيين 222
قصة دخول الإسلام إلى اليمن .
ذكرنا من قبل عن بعض الوفود من اليمن كيف أسلمت...
ولكن لم تدخل "اليمن" كاملة في الإسلام دفعة واحدة ....
إنما كان إسلامها على مراحل
وقلنا في الجزء السابق عن ظهور اثنين من مدعي النبوة وهما :
١ - مسيلمة الكذاب في اليمامة .
٢ - الأسود العنسي في اليمن .
لم يكن اليمن قبل الإسلام دولة لها قيادة موحدة ....
وإنما كان شأنها شأن الجزيرة العربية كلها مجموعة من القبائل
وكلهم في قتال مع بعضهم البعض وتناحر ....
فكانت تضم أكثر من قبيلة
١- قبيلة حمير .
٢ -وكندة في حضر موت
٣ - وهمدان .
وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة للحكم "الفارسي"
وكانت نصارى نجران تابعة للحكم "الروماني"
وكما قلنا لم يدخل الإسلام إلى "اليمن" دفعة واحدة ولا في زمن واحد ....
وإنما دخل الإسلام إلى اليمن بالتدريج ....
إما عن طريق الدعوة السلمية...
وإما عن طريق السرايا والبعوث التي كان يرسلها الرسول ﷺ...
المرحلة الأولى .
إسلام أفراد من قبائل مختلفة
وكان أول دخول الإسلام إلى اليمن عندما أسلم أفراد من قبائل مختلفة مثل :
١- "أبي موسى الأشعري" رضي الله عنه من قبيلة "الأشاعرة"
٢ - "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه من "دوس"
٣ - "قيس بن نمط" رضي الله عنه من "همدان"
ونشط هؤلاء للدعوة إلى الإسلام في قبائلهم .
المرحلة الثانية .
إسلام "باذان" حاكم اليمن الذي وضعه الفرس و كان يحكم صنعاء وعدن وما حولهما....
اتذكرون هذا الأسم ؟؟
ذكرنا قصته في "أجزاء الرسائل" التي أرسلها النبي ﷺ للملوك .
ولكن للتذكير نذكرها بإختصار .
كانت قصة إسلامه أن الرسول ﷺ قد أرسل إلى الملوك والحكام في السنة السادسة بعد صلح الحديبية يدعوهم إلى الإسلام
وكان من هؤلاء "كسرى" عظيم فارس الذي غضب من رسالة النبي ﷺ ومزق الرسالة .
ولم يكتفي بذلك .
بل أراد أن يعتقل النبي ﷺ حتى يعاقبه ....
فأرسل كسرى رسالة إلى عامله على بلاد اليمن وكان فارسيا واسمه "باذان" وطلب منه أن يبعث رجلين من رجاله ليأتيا برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال المسلمين لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط .
والذي يرسلهما هو أحد عماله .
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
فطلب منهما النبي ﷺ في هدوء أن ينتظرا إلى اليوم التالي وسوف يرد عليهما ....
وفي اليوم التالي بعث النبي ﷺ إلى الجنديين
وقال لهما : إِن ربِي قتَل ربَّكُم الليلة .
وبالفعل في هذه الليلة قُتِّل "كسرى" على يد إبنه "شيرويه"
فعاد الجنديين إلى "باذان" وأخبراه بنبوءة الحبيب المصطفى ﷺ .
فقال لهما : والله ما هذا بكلام ملك .
فإن كان ما يقول حقاً فهو رسول .
وما لبث أن وصل خطاب "شيرويه بن أبرويز" كسرى يخبره فيه بأنه قد قتل أباه "أبرويز" ويطلب منه البيعة .
وعلم "باذان" الليلة التى قُتِّل فيها "أبرويز" فوجد أنها هي نفس الليلة التي أخبر عنها النبي ﷺ
فأيقن أنه رسول فأسلم وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة .
ومات "باذن" بعد ذلك وتولى الأمر بعده إبنه المسلم الفارسي الأصل "شهر بن باذان"
في عهد "شهر بن باذان" ظهر "الأسود العنسي"
من هو الأسود العنسي ؟
قلنا في الجزء السابق أن النبي ﷺ أخبر أصحابه رضي الله عنهم أنه رأى في الرؤيا أنه يلبس سواران من ذهب فاغتم لذلك واوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا ....
فأول النبي ﷺ هذه الرؤيا بظهور اثنين يدعيا النبوة .....
فما لبث أن ظهر
"مسيلمة الكذاب" في اليمامة .
"الأسود العنسي" في صنعاء باليمن .
"الأسود العنسي"
اسمه "عبهلة بن كعب" وقد سمي بالأسود لأنه كان أسود اللون .
والعنسي نسبة إلى قبيلة "عنس" باليمن .
كان سيدا على بعض قبائل اليمن ....
وكان قوي البنية حلو اللسان ويغطي وجهه بخمار ولذلك كان يلقب "بذو الخمار" .
وكان ساحرا مشعوذاً يستخدم السحر لإقناع أتباعه ....
أعلن العصيان على النبي ﷺ وكان ذلك في محرم من السنة الحادية عشر من الهجرة قبل وفاة النبي ﷺ بشهرين فقط...
وتبعته كثير من قبائل اليمن تعصبا لأنها رأت أن الزكاة التي يرسلونها إلى النبي ﷺ في لغتنا اليوم هي ( أتعابهم ) ترسلها اليمن إلى قريش .
استولى "الأسود العنسي" على نجران ثم سار إلى صنعاء ومعه 700 مقاتل .
فخرج إليه "شهر بن باذان" ملك اليمن المسلم الفارسي الأصل .
وتقاتلا فغلبه "الأسود العنسي" وقتله وتزوج من امرأته وكانت فارسية واسمها "آزاد" فأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم "الأسود العنسي" لمدة 25 يوم فقط .
وقد أقنع قومه أنه نبي يوحى إليه وارتد خلق كثير من اليمن
فأرسل النبي ﷺ إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال "العنسي"
وكان عامل "الأسود العنسي" على الفرس في اليمن اسمه "فيروز الديلمي" وكان من أصل فارسي
وهو ابن عم "آزاد" التي قُتل زوجها وتزوجها "الأسود العنسي"
فاتفق "فيروز" مع بنت عمه "آزاد" على قتل "الأسود العنسي"
فسقته الخمر حتى نام ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي .
سمع الحراس صراخه وكان على بابه ألف حارس وسألوا عما يحدث :
فأجابتهم "آزاد" زوجته :
النبي يوحى إليه وهذا الصراخ لأن الوحي نزل عليه لا تزعجوه
ثم أذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر...
وعلم النبي ﷺ بما حدث وهو في المدينة المنورة عن طريق الوحي ....
فقال لصحابته رضي الله عنهم ﷺ لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .
قالوا : من قتله يارسول الله ؟؟
قال قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .
يشهد له النبي ﷺ بالصلاح
وكان مقتله قبل وفاة النبي ﷺ بأيام ....
فلما وصل خبر مقتله للمدينة كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولون بدفن الحبيب المصطفى ﷺ ....
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه جعل "فيروز" والي على بعض اليمن .
ثم أرسل إليه عمر حتى يقدم عليه إلى المدينة المنورة .
فلما جاء وأراد أن يدخل على "عمر" رضي الله عنه زاحمه على الباب ناس من قريش .
فضرب "فيروز" شاب من قريش على أنفه...
فدخل الرجل على "عمر" وأنفه تسيل منها الدماء .
واشتكى الشاب إلى عمر .
فقال عمر رضي الله عنه ماهذا يا فيروز ؟؟
فقال . يا أمير المؤمنين لقد كتبت إلي ولم تكتب إليه .
وأذنت لي بالدخول . ولم تأذن له .
فقال عمر رضي الله عنه القصاص ....
فجلس فيروز على ركبيته وقام الفتى القرشي ليقتص منه .
فقال عمر رضي الله عنه على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله ﷺ
قال الفتى : مالذي سمعته من رسول الله يا أمير المؤمنين .
فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول :
لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .
قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .
ثم نظر عمر رضي الله عنه للفتى يسأله أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ﷺ
فبكى الفتى وقال: قد عفوت عنه قد عفوت عنه يا أمير المؤمنين
فصاح فيروز . أشهدك يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي و 30 ألف من مالي هو هبة له .
فقَال عمر رضي الله عنه :
للفتى عفوت مأجورا يا أخا قريش وأخذت مالاً .
المرحلة الثالثة ..
إسلام قبيلة "حمير" .
وأما قبيلة حمير وهي أعظم القوى القَبَلية في اليمن وأعرقها
فقد أرسل إليهم النبي ﷺ أكثر من رسول حتى أسلم أهل حمير وملوك حمير .
وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة بعد تبوك .
المرحلة الرابعة ..
نصارى نجران ...
بالنسبة لنصارى نجران فقد قدم وفد منهم المدينة
وتحدثنا عن ذلك سابقآ .
وذكرنا آيات المباهلة وقلنا أنهم قد رفضوا الإسلام وأقروا بدفع الجزية .
ثم جاء وفد منهم بعد ذلك وأسلموا....
المرحلة الخامسة ..
همدان ....
أرسل إليهم النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وعمَّمه بيديه ﷺ وعقد له لواء بيده ووضع على اللواء قطعة من عمامته ﷺ .
وأمر أن يكتب كتاب "لعلي" رضي الله عنه رسالة لأهل همدان .
وقال له: انطلق يا علي إلى أهل اليمن واقرأ عليهم كتاب رسول الله ﷺ .
فإنَّ الله يثبت لسانك ويهدي قلبك .
وإن الناس سيتقاضون إليك .
فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق .
وكأنه ﷺ يبشره : بإسلامهم ثم ينصبوك قاضي عليهم .
وإن الناس سيتقاضون إليك فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
انطلق "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه ومعه كتاب النبي ﷺ ومعه 150 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم.
"من باب الإحتياط لأن أهل همدان ليسوا مسلمين بعد"
فلما نزل بساحتهم وأتتهم الأخبار بأن رسول محمد من المدينة قد أقبل ومعه جيش .
"هكذا الأخبار وصلتهم"
جمعوا له الجموع وأعدوا له الجيش وأراد الصحابة رضي الله عنهم أن يستعدوا للقتال .
فقال لهم : "علي" رضي الله عنه . على رسلكم .
ننفذ أوامر رسول الله ﷺ .
ألم يأمرني أن أقرأ رسالته عليهم ؟
قالوا : بلى ولكنهم استعدوا لقتالنا .
فقال : ونحن قد استعددنا لهم بوحي الله لرسوله ﷺ .
فتقدم إليهم "علي" رضي الله عنه وحده ليس معه أحد ولم يسل سيفاً ولم يحمل ترساً .
فلما تقدم منهم أخرج الرسالة وقرأها عليهم .
فعندما أتم القراءة تفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن كل "همدان" وعلى قلب رجل واحد وبلسان واحد يصيحون بأعلى صوتهم :
نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فأسلمت همدان كلها في ساعة واحدة ....
ثم استقبلوا "علي" رضي الله عنه خير استقبال هو وأصحابه رضي الله عنهم...
وأخذ "علي" رضي الله عنه يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن الكريم...
ثم جاءت الخصوم إليه يتقاضون إليه فيقضي بينهم كما أمره النبي ﷺ
يسمع من الطرفين ويقضي
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان علي أقضى أصحاب رسول الله .
"أكثرهم حكمة في القضاء "
وذلك ببركة دعاء النبي ﷺ إذ دعى له يوماً .
فقال ﷺ : اللهم وفقه للقضاء .
وهكذا أسلمت همدان وجاء وفد منهم إلى المدينة ليبايعوا النبي ﷺ في السنة العاشرة من الهجرة ....
وقبل أن يصلوا إلى المدينة قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم مخبراً عن أهل اليمن أتاكم أهل اليمن . هم أرق أفئدة وألين قلوباً .
من جهة أخرى أرسل النبي ﷺ عدة سرايا إلى بعض القبائل اليمنية التي لم تستجب لدعوة الإسلام .
فأرسل النبي ﷺ "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه إلى قبيلة "دوس"
و أرسل سرية بقيادة "خالد بن سعيد بن العاص" رضي الله عنه
وسرية بقيادة "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
وسريتين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وهكذا عندما جاءت السنةالعاشرة كان جميع "أهل اليمن" قد دخلوا في الإسلام
وعندما دخل أهل اليمن جميعاً في الإسلام .
أرسل إليهم النبي ﷺ إثنان من أصحابه :
١- معاذ بن جبل رضي الله عنه
- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
وكانت مهمتم أن يتوليا قيادة اليمن ....
وقسم لهم النبي ﷺ اليمن إلى قسمين كبيرين ....
عرف كل قسم : "بالمخلاف"وأصبح كل واحد منهما مسؤولاً عن أحد هذه الأقسام .....
ووصى النبي ﷺ عاملاه
وقال لهما يسرا وبشرا ولا تنفرا .
ثم إلتفت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال وهو يودعه :
يا معاذ عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا .
ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري .
فبكى معاذ بن جبل رضي الله عنه جزعا لفراق الحبيب المصطفى ﷺ .
ننتقل إلى حجة الوداع .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[ ﷺ .*
الحلقة الثالثة والعشرون بعد المئتيين 223
حجة الوداع . الجزء الأول .
أقبل رمضان من السنة العاشرة من الهجرة...
فصام ﷺ رمضان للمرة العاشر في دار الهجرة ....
واعتكف النبي ﷺ 20 يوماً .
وقد كان يعتكف في كل عام عشرة أيام، هي العشر الأواخر من رمضان .
ودارسه جبريل عليه السلام ما نزل من القرآن مرتين ....
وقد كان جبريل عليه السلام يقرأ عليه ما نزل من القرآن الكريم في رمضان كل عام مرة واحدة .
وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم النبي ﷺ تواجده بينهم في أغلب الساعات وتكثيفه لوعظه وإرشاده لهم....
فاستشعروا كأن النبي ﷺ إنما يودعهم .
وكان قد استشعر هذا هو قبلهم صلى الله عليه وسلم
فقال لأصحابه رضي الله عنهم :
كان أخي جبريل يراجعني القرآن في كل عام مرة .
أما هذه السنة فقد راجعنيه مرتين .
فلما انصرم رمضان ومضت أيام عيد الفطر
أعلن ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم وأرسل إلى جميع المسلمين في كافة البلاد أنه خارجاً للحج في هذا العام فمن أراد أن يشهد الحج مع الرسول ﷺ فليأتي إلى المدينة المنورة كي يأخذوا عنه مناسكهم ....
ولم يحج إلا مرة واحدة في السنة العاشرة للهجرة ...
وذلك أن الحج فُرض بعد "فتح مكة في السنة الثامنة .
ولما حج المسلمون في السنة التاسعة للهجرة كان على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
ولم يحج معهم في تلك السنة ﷺ
لأن المشركين كانوا لا يزالون مستندين إلى صلح الحديبية
وكانوا يدخلون المسجد الحرام ويطوفون بالبيت عُراة على عادتهم في الجاهلية ....
ويباشرون طقوسهم الوثنية حول الكعبة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤجل حجه عاماً حتى يتمَّ تطهير البيت الحرام من شعائر الوثنية .
وأرسل علي بن أبي طالب مع أبي بكر رضي الله عنهما وأمره إذا اجتمع الناس بمنى يوم النحر أن يقرأ عليهم رسالته التي تضمنت
أن لا يحج بعد العام مشرك .
وأن لا يطوف بالبيت عريان .
وتطهير الكعبة من الوثنيين ووثنياتهم ....
و بعد أن طهرها ﷺ عام الفتح من أصنامهم وأوثانهم أصبحت الكعبة رمزاً لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له....
وعادت كما طهّرها إبراهيم عليه السلام للطائفين والعاكفين والركع السجود .
كم مرة اعتمر ﷺ في حياته ؟؟
إعتمر ﷺ 4 مرات وقد ذكرناها من قبل :
١- عمرة الحديبية وكانت في ذي القعدة .
٢- عمرة القضاء وكانت في ذي القعدة .
٣- عمرة بعد رجوعه من حنين أيضآ كانت في ذي القعدة .
٤- عمرة مقرونة مع الحج التي هي موضوع حديثنا ...
كانت عمراته ﷺ في ذي القعدة ليعلن خلاف عقيدته مع قريش .
لأن قريش كانت تقول للعرب "عمرة في الأشهر الحرم فسوق "
"وذي القعدة من الأشهر الحرم"
فكانوا يقولون : العمرة في سائر السنة إلا أشهر الحج ...
يقولون هذا ليجبروا العرب أن تأتي في موسم الحج وفي غير أشهر الحج من أجل مكاسبهم المادية والدنيوية...
فلما أعلن النبي ﷺ أنه خارجاً للحج في هذا العام ...
بدأت الوفود من كافة أنحاء الجزيرة العربية تصل إلى المدينة المنورة يريدون الحج مع النبي ﷺ
وضربت لهم الخيام في أرضها وبساتينها حتى بلغ عدد من وصلوا إلى المدينة أكثر من 120 ألف كما ذكر في بعض كتب السير
ولحق به في الطريق خلق كثير فوصل عددهم 140 ألف تقريباً من أصحابه ﷺ ...
يقول أصحابه رضي الله عنهم والحديث في الصحاح....
قالوا : لقد امتلأت المدينة بوفود الحجيج وكلهم يريد أن يلقى رسول الله ﷺ ....
لنا أن نتخيل هذا المشهد...
كثير ممن أسلموا من القبائل العربية خارج المدينة لم يشاهدوا النبي ﷺ بعد ..
وأعداد هائلة 120 ألف كلهم في شوق له صلى الله عليه وسلم
فلما كان 25 من ذي القعدة وكان يوم جمعة ...
رقى ﷺ منبره وخطب بأصحابه رضي الله عنهم الجمعة ....
ولم يتسع المسجد لهذه الأعداد الهائلة فأي مسجد يسعهم .
ولكن أمر النبي ﷺ رجال خارج المسجد أن يبلغوا الناس عنه .
أي يرددوا كلمات النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة كلمة كلمة حتى يُسمعوا خطابه للناس .
فحثهم على تقوى الله وأن يعقدوا النية للحج .
فقال ﷺ : من حج فلم يرفث ولم يسخط . رجع من حجه كيوم ولدته أمه .
استعد الناس للحج .
وأمر النبي ﷺ أزواجه رضي الله عنهن أن يعدنَّ أنفسهنَّ للحج جميعاً ....
فلما كان يوم السبت .
صلى بهم النبي ﷺ الظهر في مسجده...
ثم دخل الى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها
فاغتسل واسقط ما يجب إسقاطه من شعور ....
ولبس إحرامه ﷺ في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
للتنبيه لمن أراد الحج والعمرة
الإغتسال ولبس الإحرام لا يعد أنه إحرم .
نقول : إستعد للإحرام .
وتطيب ﷺ ولبَّد شعره .
تلبيد الشعر أي دهنه بالزيت أو أي دهن حسب وجوده في كل زمان"
تقول : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فأتيته بالغالية "هو نوع من العطر يكون مزيج بين المسك والعنبر" فأتيته بالغالية فتطيب وأكثر من الطيب حتى وكأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرقه .
"الوبيص هو بريق المسك ولمعانه في مفرقه أي في شعره "
يجوز للمحرم الحاج أو المعتمر قبل عقد نية الإحرام أن يتطيب في بدنه .
ولكن لا يطيب ثياب الاحرام .
ثم فرق شعره نصفين وألقى نصفه على يمينه ونصفه على شماله ﷺ وكان شعره يضرب منكبيه "كتفيه"
إغتسل ﷺ ولبس ثياب الإحرام ثوبين أبيضين ولبد شعره وتطيب .
ثم خرج وقد جُهزت له ناقته على باب حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وأطل على أصحابه رضي الله عنهم بطلعته النورانية أجل وأكمل وأجمل من البدر ليلة الكمال صلى الله عليه وسلم
أكثر الوفود التي أتت للمدينة لم تكن رأته من قبل ...
كثير من أصحابه رضي الله عنهم لم يراه قبل اليوم محرماً .
فلما أطل عليهم ﷺ ضجت المدينة كلها بالصلاة عليه ﷺ .
فحياهم وسلم عليهم ثم ركب ناقته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم : كان الناس حول النبي ﷺ عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر ﷺ
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والعشرون بعد المئتيين 224
حجة الوداع . الجزء الثاني .
إحرام النبي ﷺ .
خرج ﷺ حاجاً من المدينة المنورة والناس حوله و عن يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر ....
سلك بهم الطريق إلى "ذو الحليفة" ما نعرفه اليوم "آبار علي"
خرج بهم يوم السبت قبل أذان العصر بقليل ....
فصلى بهم العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً "هنا بدأ القصر لأننا في سفر"
وأمر أن تنصب الخيام ويبيت الناس في ذلك المكان .
وتساءل أصحابه رضي الله عنهم قالوا : بين المدينة و ذو الحليفة ستة أميال .
فهل يحتاج هذا السفر إلى المبيت ؟
ولكن النبي ﷺ يعلم ما لا يعلمه غيره وذلك بفضل ما علمه الله
قال تعالى :
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا .
كان من الممكن أن يصلي ركعتين ويلبي وينطلق ، ولكنه بات تلك الليلة "ليبين لهم الأحكام"
فصلى بهم المغرب وصلى العشاء ركعتين قصر....
فلما انتهى ﷺ
تقدم إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
وقال : يا رسول الله لقد جاء المخاض أسماء بنت عميس
زوجته رضي الله عنها تزوجها بالمدينة .
وكانت حاملاً متماً "بلغتنا بشهرها التاسع"
ومع ذلك لم تمتنع من الخروج مع النبي ﷺ في هذه الحجة
قال : لقد جاء المخاض أسماء بنت عميس
وما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقد ولدت لك ذكراً
فسماه : "محمد" محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم
ولد أول ليلة في حجة الوداع .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ماذا تصنع أسماء رضي الله عنها الآن يا رسول الله ؟
فقال له النبي ﷺ تغتسل ثم تستذفر بثوبٍ سميك .
(( لا تحتاج لشرح ما تفعله المرأة حفاظاً على سيل الدماء لأنها نفساء ))
وتحرم معنا وتفعل كل ما يفعله الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر .
وحدث هذا الموقف أيضآ مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الطريق بعد ذلك .
دخل عليها النبي ﷺ خيمتها فوجدها تبكي .
قال ما بكِ أنفستي ؟
(( هي ليست حامل وإنما يقال للحيض نفاس وللولادة نفاس لأن الرحم تخلص مما فيه وتنفس ))
قال ما بكِ أنفستي ؟؟
قالت . أجل يا رسول الله .
قال وما عليكِ ؟؟ إصنعي كل ما يصنع الحاج ، غير أنك لا تطوفين بالبيت .
فبات ﷺ بهم تلك الليلة ثم صلى بهم "الفجر"... ثم أذنَّ لمن لم يغتسل من الناس أن يغتسل ويستعد .
فاغتسلوا واسقطوا شعورهم ولبسوا إحرامهم .....
استعد الناس....
وصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين في مكانه "أي مكان خيمته" وشرع بنيته وهو جالس
فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
قالها ﷺ في مصلاه وهذه هي : النية .
والنية لا يتلفظ بها وإنما محلها القلب....
وكان ﷺ قد ساق هديه معه من المدينة ....
"الإبل التي تُهدى إلى الكعبة و تنحر ليأكل منها الفقراء والمساكين"
فساق هدياً بالغ الكعبة ، فأشعر وقلد ...
الإشعار .
نأتي إلى سنام الجمل ذكراً كان أو انثى .
يُجرح بشيء حاد قليلاً بسنامه حتى يسيل الدم ويمسح سنامه بالدم .
التقليد .
يعلق على رقبته شيء من جلد أو متاع .
ليعرف الناس أن هذا الإبل لا يباع ولا يشترى هو هدياً بالغ الكعبة ، أي سينحر عند الكعبة .
قيل أن النبي ﷺ ساق 100 بدنه من المدينة .
وقيل ساق 63 على عدد سنين عمره ﷺ .ساقها بين يديه .
فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن ليحج مع النبي ﷺ لأن النبي ﷺ كان قد أرسله لليمن لهمدان .
جاء علي رضي الله عنه من اليمن ببقيتها فأصبح العدد 100 .
فقدم النبي ﷺ هدياً بالغ الكعبة في هذا العام 100 ناقة طعمة للفقراء والمساكين .
ثم خرج من قبته ﷺ أي خيمته
وركب ناقته واستوت به قائمة
فأعاد تلبيته على سمع الناس مرة أخرى ليسمعوا ....
فتنادى أصحابه رضي الله عنهم قائلون : أوجب رسول الله ﷺ فأحرموا .
فقال الناس : لبيك اللهم لبيك ..
فلما انطلقت به ناقته وخرج من ذو الحليفة وأصبح في البيداء "الصحراء" واجتمع الناس حوله بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله كل واحد يريد أن يأخذ نسكه عن النبي ﷺ ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى.....
الغريب
07-02-2022, 07:36 PM
ﷺ .*
الحلقة الخامسة والعشرون بعد المئتيين 225
حجة الوداع . الجزء الخامس .
قبل وصول النبي ﷺ إلى مكة .
مضى رسول الله ﷺ هو وصحبه الكرام رضي الله عنهم في طريقهم للحج وفي طريقهم نزل عليه جبريل عليه السلام وقال له : إن الله يأمرك أن تُدخل عمرة في حجة
النبي ﷺ أحرم للحج ما كان بالنية للعمرة
قال جابر رضي الله عنه : خرجنا لا نعرف إلا الحج
"أي لا نريد إلا الحج لأنه موسم حج"
وأغلب الصحابة رضي الله عنهم جميعاً أحرموا للحج "مفردين"
قال له جبريل عليه السلام :إن الله يأمرك أن تدخل عمرة في حجة .
"اي ادخل عمرتك في الحج"
ثم تلى عليه قوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ..
فأصبح ﷺ قارناً وعقد النية على ذلك ولم يعلن لأصحابه رضي الله عنهم....
بل تركهم يلبون تلبيتهم يكبرون ويهللون .
ولزم ﷺ تلبيته لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
لم يعلن لهم ﷺ بذلك حتى لا يربك الصحابة رضي الله عنهم
وسبحان من شرع لنبيه ذلك
لأنها حجة واحدة للنبي ﷺ اسمها "حجة الوداع"
و يقال : حجة البلاغ .
ويقال : حجة الإسلام "
هي حجة واحدة فقط حجها النبي ﷺ سيعطي بها كل الأحكام ....
فمن هنا جاء التشريع في الحج فيقال :
المتمتع . المفرد . القارن .
١ - المتمتع "من قدم العمرة على الحج"
٢ - المفرد "من نوى بالحج فقط "
٣ - القارن من "جمع بين الحج والعمرة"
وهنا سيبين النبي ﷺ هذه التشريعات كلها في حجة واحدة .....
حتى إذا وصلوا إلى موقع قبل مكة بقليل يقال له "سرف"
دخل على خيمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي ...
قال لها ما بكِ .. أنفستي ؟؟
قالت : أجل يا رسول الله .
قال وما عليكِ ؟؟
"أي لماذا تبكين هذا الأمر ليس بيدك هذا الأمر بيد الله "
قال : وما عليكِ ؟ اصنعي كل ما يفعل الحاج غير أنك لا تطوفين بالبيت .
وكثير من الناس يسألون وهل هناك فرق بين السعي والطواف ؟
نعم هناك فرق كبير ....
يقول النبي ﷺ الطواف صلاة غير أن الله أباح لنا الكلام فيه .
أباح الله تعالى لنا الكلام كأن تقول لشخص : إفسح ، تقدم ، قف... تساعد إنسان وقع ... كل ما فيه مصلحة....
إذن الطواف صلاة على أن يكون الشخص بكمال الطهارة .
ولما وصل ﷺ قريب من التنعيم ....
أمر ﷺ أن تضرب الخيام في مكان إسمه "ذي طوى"
ومكة على مقربة منه لأنه وصل مع مغيب الشمس ...
فكان من سنته ﷺ أن يدخل مكة نهارا ....
ضرب خيامه ﷺ وبات تلك الليلة حتى إذا أصبح أخذ ماء واغتسل ....
إغتسل صلى الله عليه وسلم وهو محرم حتى يسن لنا : "سنة النظافة"
لماذا يغتسل المحرم ؟؟
من عرق الجسم وغبار الطريق حتى يدخل مكة بما يليق بها فهي بيت الله .
يغتسل المحرم ولكن لا يستعمل الصابون المعطر ....
فاغتسل ﷺ وهو محرم واقتدى به أصحابه رضي الله عنهم من إستطاع منهم أن يغتسل ...
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والعشرون بعد المئتيين 226
حجة الوداع . الجزء الرابع .
طواف النبي ﷺ .
في الصباح ركب ﷺ ناقته ودخل مكة نهارا في 4 ذي الحجة .
دخل ﷺ مكة ملبياً مكبراً ومعه هذا الجمع الذي بلغ فوق ١٠٠ ألف كلهم يكبرون ويهللون ....
واستقبله أهل مكة بفرح وسرور..
فما زال يسير ﷺ حتى إذا وقع نظره على البيت
قال بأعلى صوته معلماً اصحابه .
اللهم إن هذا البلد بلدك . والأمن أمنك . والحرم حرمك .
ثم مضى ﷺ وقال اضربوا خيامنا في الحجون
فاستراح الناس في الحجون
وبعد أن استراحوا
ركب ﷺ ناقته القصواء ثم يمم وجهه نحو البيت العتيق ٠"الكعبة" .
ودخل الحرم من جهة المسعى .
فلما وقع نظره ﷺ على الكعبة
قال اللهم زد بيتك هذا مهابةً وتشريفاً وتعظيماً .
وزد اللهم كل من حجه واعتمره مهابةً وتكريماً وتشريفاً .
ثم نزل ﷺ من على راحلته وأتى "الحجر الأسود " فاستلمه بيديه وقبَّلهُ ....
ثم بدأ طوافه ماشياً على قدميه ﷺ في الشوط الأول .
وعندما وصل إلى "الركن اليماني"
استلمه ﷺ بيده ومضى وقال :
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
ربي اغفر وارحم . وتجاوز عما تعلم .
فلما وصل ﷺ للحجر الاسود مرة أخرى
لم يصنع كما صنع أول مرة لم يقبله . "حتى لا تكون سنة مؤكدة"
لكنه ﷺ أشار للحجر بيده.....
حتى أتم ثلاثة أشواط .
ثم ركب ﷺ ناقته القصواء وطاف وأتم أربعة أشواط على الناقة بعيداً عن جدار الكعبة ليفتح الطريق للناس ويراه الجميع ....
"لأن الكل كان يريد أن يأخذ نسكه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
وكان كلما وصل أمام الحجر الأسود وهو على ناقته أشار إليه بيده....
ثم قال لعمر رضي الله عنه
"وقد رأى النبي ﷺ الناس يزدحمون على الحجر الأسود "
قال يا عمر أنت رجل قوي فلا تزحم الناس .
إن رأيت فرجة فاستلم . وإلا فأشر بيدك وأمضي .
(( الخطاب كان لعمر رضي الله عنه والمراد به الأمة كلها ))
لما أتم النبي ﷺ طوافه حول الكعبة سبعة أشواط .
أتى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ قول الله تعالى :
وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ...
فوقف ﷺ وراء المقام وصلى ركعتين قرأ فيهما بعد الفاتحة
في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون ....
وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد ....
ثم دعى ما شاء الله له أن يدعو
ثم توجه ﷺ إلى زمزم وقال لأصحابه رضي الله عنهم : اشربوا منها وتضلعوا .
فوالله ما أحبها إلا مؤمن وما أبغضها إلا منافق .
ثم حمل الإناء الذي فيه ماء زمزم بين يديه ورفعه وهو يقول
ماء زمزم لما شرب له .
خير ماء على وجه الأرض .
ماء زمزم طعام طعم ، وشفاء سقم . سقيا جدكم إسماعيل .
ثم إتجه إلى الصفا ثم قرأ وهو يرتقي على الصفا ...
قوله تعالى :
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ .
ثم قال أبدأُ بِما بدأ الله به .
ثم وقف على صخرات الصفا واستقبل البيت ، حتى إذا وقع نظره عليه
رفع يديه كهيئة الداعي قائلاً بسم الله ، الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر .
ثم قال :
الله أكبر كبيراً . والحمد لله كثيراً . وسبحان الله بكرة وأصيلا .
لا إله إلا الله وحده . صدق وعده . ونصر عبده وأعز جنده . وهزم الأحزاب وحده .
لا إله إلا الله . ولا نعبد الا أياه . مخلصين له الدين ولو كره الكافرن .
ثم دعى ما شاء الله له أن يدعو .
ثم كرر التكبير "ثانية" ثم دعى ما شاء الله له أن يدعو .
ثم كرر التكبير "ثالثة" أي ثلاث مرات .
ثم إتجه نحو "المروة" وبدأ سعيه ﷺ ماشياً ....
فمازال ﷺ ينحدر نزولاً من الصفا حتى استقر في بطن الوادي .
حتى إذا استقرت قدماه في بطن الوادي هرول ...
الهرولة للرجال فقط وليست للنساء .
هرول ﷺ وكان يدعو في الهرولة بهذا الدعاء .
ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
ربي اغفر وارحم . وتجاوز عما تعلم . إنك أنت الأعز الأكرم .
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا .
حتى إذا رقى المروة ﷺ قرأ الآية ...
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ .
وعلمنا ﷺ أن السعي من الصفا للمروة ذهاباً يعتبر شوطاً أول .
و الرجوع من المروة للصفا شوطاً ثاني وهكذا .
وينتهي الشوط السابع عند المروة .
فلما انتهى عند المروة وقف واستقبل البيت ودعى الله ماشاء له أن يدعو .
وكان أصحابه رضي الله عنهم بين يديه ﷺ قد ملؤوا المسعى
فقال بأعلى صوته "وكان من ورائه من يبلغ عنه من لم يصله الصوت"
قال من كان قد ساق معه الهدي فليبقى على إحرامه .
*ومن لم يكن قد ساق هديه فليحل وليجعلها عمرة .
وتباطأ الصحابة رضي الله عنهم
ليس عصيان لأمره صلى الله عليه وسلم ولكن عز على الصحابة رضي الله عنهم أن يحلو ورسول الله لم يحل ....
وهم يريدون أن يفعلوا كفعله
قال جابر رضي الله عنه : خرجنا معه لا نعرف إلا الحج .
"ماكان في حسابهم أنه فيه عمرة نيتهم الحج فقط ....
النبي ﷺ كان قد ساق هديه معه إذن لن يحل معهم...
فكررها ﷺ
وقال لأصحابه رضي الله عنهم : لقد دخلت العمرة على الحج فمن لم يكن قد ساق هديه فليحل وليجعلها عمرة .
فقال سراقة بن مالك رضي الله عنه : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟
"يعني نتحلل ونحول الحجة لعمرة في هذا العام فقط أم هي ماضية إلى يوم القيامة ؟"
يقول أصحابه رضي الله عنهم : فشبك ﷺ بين أصابع يديه .
وقال بل دخلت العمرة على الحج إلى الأبد ، إلى أبد الأبد ، إلى يوم أن تلقونه ، فمن حج منكم فليعتمر .
فمن ساق هديه فليبقى على إحرامه ومن لم يكن قد ساق هديه فليحل وليجعلها عمرة .
ثم قال لهم ﷺ مواسياً وهو :
لو استقبلت من أمري ما استدبرت .
ماسقت هدياً ولجعلتها عمرة ولكن سقت الهدي والله تعالى يقول .
وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .
وإن محله يوم النحر وفي أرض منى .
إذآ النبي ﷺ حج مقرنا ولم يتحلل لأنه قد ساق هديه معه
وقال لو كان هذا التشريع نزل قبل أن أخرج من المدينة ما سقت معي الهدي ولجعلها عمرة وذلك ليخفف عن أمته...
فتحلل أصحابه رضي الله عنهم : فمنهم من حلق ومنهم من قصر والنبي ﷺ ينظر إليهم ...
فرفع ﷺ يديه وهو ينظر إليهم وقال اللهم اغفر للمحلقين .
فقال صحابي رضي الله عنه والمقصرين يا رسول الله ؟
فقال اللهم اغفر للمحلقين .
فقال مرة أخرى . والمقصرين يا رسول الله ؟؟
فقال اللهم اغفر للمحلقين .
فقال مرة أخرى . والمقصرين يا رسول الله ؟؟
قال ﷺ والمقصرين .
ثم قرأ ﷺ قوله تعالى
مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ..
فتحلل أصحابه رضي الله عنهم وتحولت حجتهم إلى عمرة
فسأله احد الصحابة : يا رسول الله . أي الحل ...
"يعني الآن نحن لم نعد محرمين .
تحللنا من الإحرام ولكن التحلل ماذا يبيح لنا هل يوجد شروط .
فقال ﷺ الحل كله .
فتحللوا من إحرامهم واغتسلوا وتطيبوا وتسرحوا ولبسوا ثيابهم ...
وامتشطت النساء وتزينت لرجالها لأن النبي ﷺ قال الحل كله .
وكان ﷺ في صحبته ابنته "فاطمة" رضي الله عنها .
وكان زوجها "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه قادم من اليمن
فقدم إلى حجة الوداع من اليمن ومعه إبل الصدقة وفيها الخمس للنبي ﷺ . ...
فتحللت فاطمة رضي الله عنها "لأنها لم تسوق الهدي معها"
واغتسلت وامتشطت وهي في خيمتها ....
فدخل على "فاطمة" رضي الله عنها فوجدها قد تحللت .
"لا يخفى على الإنسان هيئة المحرم من المتحلل"
فقال متعجباً ماهذا الذي صنعتِ ؟
قالت . أمرني به أبي ﷺ
فانطلق علي مستغرباً إلى النبي ﷺ مستفسراً
وقال : يارسول الله لقد رأيت فاطمة رضي الله عنها قد صنعت كذا وكذا .
فقال النبي ﷺ أجل ياعلي أنا أمرتها .
ياعلي بما أهللت وأنت قادم ؟
"يعني عند الميقات بما أحرمت"
قال علي رضي الله عنه وقفت متحيراً يارسول الله "
فقلت : اللهم إني أُهلُ بما أهلَّ به رسول الله "يعني نيتي مثل نية رسول الله"
قال فإني قد أهللت بالحج والعمرة وإني قد سقت الهدي .
فأبقى على أحرامك يا علي .
فبقي "علي" رضي الله عنه على إحرامه وتحلل الصحابة رضي الله عنهم...
وبقي من ساق هديه معه من الصحابة رضي الله عنهم محرماً .
وهذا ما نسميه حج المقرن .
فنأخذ من هذه الحجة أوجه الحج الثلاثة ....
إما أن يحج الإنسان :
١ - مفرداً .
٢ - أو متمتعاً .
٣ - أو قارناً .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى.....
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والعشرون بعد المئتيين 227
حجة الوداع . الجزء الخامس .
الوصول إلى عرفة .
بقي ﷺ على إحرامه ....
وتحلل أصحابه رضي الله عنهم ورجع إلى مكان إقامته في مكة عند "الحجون"
فأخذ يصلي بأصحابه رضي الله عنهم عند خيامه صلاة قصر
أقام ﷺ بمكة أربعة أيام :
يوم الأحد والإثنين والثلاثاء
وكان الأربعاء 8 ذي الحجة المعروف بيوم التروية
فأمر ﷺ الناس أن يستعدوا لإحرام الحج وكان ﷺ قد بقي على إحرامه
فاغتسل ﷺ للمرة الثانية وهو محرم .
فلما كان يوم الخميس عند الضحى توجه ﷺ بمن معه من المسلمين إلى "منىً"
نزل بها وصلَّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
وصلى فجر عرفة في "منىً"
"هذه هي السنة ....
ومكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ...
"نمرة نصفها في الحل ونصفها في الحرم ...
أي نصفها في عرفة وعرفة حل
والنصف الآخر في منىً ومنى من أرض الحرم المكي فهي حرم "
ثم سار ﷺ ملبياً مكبراً حتى أتى القبة التي ضربت له في "نَمِرة"
ثم جلس ﷺ في خيمته بنمرة حتى إذا زاغت الشمس .
"أي وقت الظهر ."
أمر بالقصواء فرُحِلت له "جهزت له" ثم ركبها و أتى بطن الوادي
وأمر أن يجتمع الناس حوله ووقف بهم خطيباً
وكانت خطبة الوداع في يوم "الجمعة"
إذا جاء الحج يوم جمعة إسمه "الحج الأكبر"
ماذا يعني هذا الكلام ؟؟
أي : الحجة بسبعين .
قال : وإذا كان عرفة يوم الأثنين تكون الحجة بثلاثين .
هذا الكلام لم يرد في شرع الله .
مشيئة الله عز وجل لنبيه ﷺ أن جمع له يوم عرفة والجمعة في يوم واحد ...
والخطبة التي خطبها كانت "خطبة عرفة" لا خطبة الجمعة
أمر النبي ﷺ أن يجتمع الناس حوله ووقف بهم خطيباً .
وكانت خطبة الوداع في يوم "الجمعة"
ولها أسماء عديدة في كتب السيرة
خطبة عرفة . خطبة الحج . خطبة الإسلام . خطبة الأشهاد . خطبة البلاغ .
وقف ﷺ على ناقته واجتمع الناس حوله في نمرة ....
هو على مدخل عرفة ما يعرف اليوم مسجد نمرة فخطب الناس ﷺ كانت خطبته جليلة عظيمة فيها أحكام بليغة...
يرجع لها في كتب السيرة النبوية
ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً..... ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ( صخرات في أسفل جبل الرحمه وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات)
واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً يتضرع ويبتهل ويدعوا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص
وهنالك أنزلت عليه قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
الغريب
07-02-2022, 07:45 PM
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والعشرون بعد المئتيين 228
الإفاضة من عرفة .
فمازال يدعو صلى الله عليه وسلم حتى سقط القرص
"يعني غابت الشمس"
فلما غربت الشمس أفاض من عرفة وأردف أسامة بن زيد رضي الله عنه خلفه وأفاض بالسكينة ثم ضم إليه زمام ناقته وهو يقول أيها الناس عليكم بالسكينة
وكان صلى الله عليه وسلم يلبي في مسيره ذلك... لا يقطع التلبية حتى أتى المزدلفة وأمر المؤذن بالأذان فأذن ثم أقام فصلى المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال ثم أقيمت الصلاة ثم صلى العشاء ثم نام صلى الله عليه وسلم حتى أصبح...
فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبله وأخذ في الدعاء والتضرع والتكبير والتهليل والذكر... حتى أسفر جدا
وذلك قبل طلوع الشمس ثم سار من مزدلفة مردفا للفضل بن عباس رضي الله عنهم....
وهو يلبي في مسيره...
وأمر ابن عباس رضي الله عنه أن يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات....
فلما أتى بطن محسر... حرك ناقته وأسرع السير فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل العذاب
حتى أتى منى....
صلى الله عليه وسلم....
✨✨✨✨✨✨✨
وأذن ﷺ للضعاف وللنساء ولمن له واجب في مكة .....
ك بني عبدالمطلب "كانت مهمتهم سقيا الحجيج"
رخص لهم أن يفارقوا مزدلفة بعد منتصف الليل قبل الفجر رفعاً للمشقة عنهم والحرج...
وقف يدعو عند المشعر الحرام حتى أسرف النهار ....
"أي لم تشرق الشمس بعد ، ولكن هناك ضوء"
ثم قال صلى الله عليه وسلم : لقد كانت قريش تخالف هدي إبراهيم عليه السلام لا يقفون على عرفة .
ثم لا يفيضون من هنا حتى تشرق الشمس كأنها العمائم على رؤوس الرجال .
ألا أفيضوا قبل أن تشرق الشمس .
"خالف عادة قريش فكانت لا تفيض حتى تطلع الشمس وتضرب على رؤوسهم"
فأفاض من مزدلفة إلى منىً قبل شروق الشمس ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
يتبع بإذن الله تعالى...
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والعشرون بعد المئتيين 229
الجمرة الكبرى ... والنحر .
عاد ﷺ إلى منى بعد الفجر وقبل طلوع الشمس من مزدلفة...
حتى أتى منى فأتى جمرة العقبة فرماها راكباً بعد طلوع الشمس
وقطع التلبية..... ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة...
أعلمهم فيها : بحرمة يوم النحر وفضله عند الله تعالى وحرمة مكة على جميع البلاد وأمر بالسمع والطاعة لمن ولي أمرهم في غير معصية الله تعالى وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه وأمر الناس ألا يرجعوا بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض وأمر بالتبليغ عنه
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده....
وكان عدد هذا الذي نحره عدد سني عمره صلى الله عليه وسلم
كما ذكر ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما عد ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أمسك وأمر عليا رضي الله عنه أن ينحر ما بقي من المائة
فلما أكمل صلى الله عليه وسلم نحره استدعى الحلاق فحلق رأسه.... ثم أفاض إلى مكة راكباً وطاف طواف الإفاضة....
وصلى بمكة الظهر....
ثم رجع إلى منى من يومه ذلك فبات بها.... فلما أصبح انتظر زوال الشمس فلما زالت مشى من رحله إلى الجمار.....
فبدأ بالجمرة الأولى ثم الوسطى ثم الجمرة الثالثة........
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بعد رمي الجمرة الأولى و الثانية..
وخطب بمنى خطبتين :
خطبة يوم النحر
وخطبة ثانية في ثاني يوم النحر
والواقع أن تكرار الخطب في حجة الوداع كان أمراً لا بد منه لحاجة المسلمين
فهي الحجة الوحيدة التي حجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عز فيها الإسلام والمسلمون
فما أشد حاجة المسلمين في هذا المشهد العظيم إلى التذكير والنصح والتوصية وإلى تكرار القول والتأكيد عليه حتى يعوه ويحفطوه ولا ينسوه وإلى تقريرهم بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثلاتون بعد المئتيين 230
تحلله ﷺ من الإحرام .
بعد أن نحر ﷺ.... دعى الحلاق وجلس بين يديه ﷺ وكان إسمه "معمر بن عبدالله" رضي الله عنه
كان من عامة الناس ليس له ذكر في أعلام الصحابة رضي الله عنهم.. أسلم يوم فتح مكة ويعد من "الطلقاء"
كان حلاقٌ ماهر فأخذ الموسي وجلس ﷺ بين يديه وكان شعره يضرب منكبيه ....
وأمر النبي ﷺ أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه أن يجلس بين يديه
ثم فرق ﷺ شعره نصفين
فألقى نصفه على يمينه ، و نصفه الآخر على شماله .....
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معمر لقد أمكنك رسول الله من شحمة أذنه وعنقه بين يديك والموسي في يدك .
إنها شهادة ثقة وأمانة لمعمر رضي الله عنه...
يعتبر مسلم جديد..... أسلم يوم فتح مكة من الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )
فمن يدري قد يغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا يغدر ...
ولكنها فراسة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أحد من المهاجرين والأنصار أن يحلق له شعره مع أن فيهم من يحلق...
فذرفت عينا معمر رضي الله عنه
وقال : المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم...
الحمد لله الذي جعلني موضع ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ بالموسي بالشق الأيمن
وتقدم "سهيل بن عمرو" رضي الله عنه : فما جعل شعرة تسقط على الأرض إلا أخذها وقبَّلها ووضعها على عينه .
وهو يقول : شعر رسول الله فداه أبي وأمي .
فقال النبي ﷺ يا أبا طلحة أقسم شعري بين أصحابنا .
"حديث صحيح أخرجه البخاري"
رحمه الله وغفر له.
فأخذ أبو طلحة رضي الله عنه يقسم شعر النبي صلى الله عليه وسلم لمن حضر من الصحابة رضي الله عنهم "ممن حوله"
فكان نصيب الصحابي الشعرة و الشعرتين ..
وتقدم خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله أعطني بيدك من شعرك
فأعطاه ﷺ ثلاث شعرات من ناصيته "من مقدمة شعره"
فأخذها خالد رضي الله عنه
ووضعها في قلنسوته "الخوذة التي يلبسها المحارب على رأسه"
"هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده"
يقول خالد رضي الله عنه : كنت لا أرى النصر و الظفر على الأعداء إلا ببركتها على رأسي "شعرات النبي ﷺ"
ويوم القادسية :
كان خالد رضي الله عنه هو القائد العام في المعركة .
فلما دارت المعركة واحتدم القتال واشتد....
وكان تركيز الأعداء على خالد رضي الله عنه
"لأن القائد رمز في المعركة إذا ثبت فهو يعطي المعنوية لجنده وإذا أصيب كان عكس ذلك"
فركزوا ضربهم ورمايتهم على خالد رضي الله عنه....
وفي هذه المعمة سقطت قلنسوة خالد من على رأسه إلى الأرض
يقول أصحابه رضي الله عنهم فقفز خالد رضي الله عنه : عن صهوة جواده إلى الأرض وأخذ يبحث بين أرجل الخيل حتى وجدها وأخذها ووضعها على رأسه ثم ركب جواده وقاتل حتى تم النصر ....
فلما إنتهت المعركة تقدم إليه كبار الصحابة رضي الله عنهم وأخذوا يعنفوه ويلوموه .
يا خالد : أنت رمز الجند .
أنت صاحب اللواء .
كيف تلقي بنفسك بين أرجل الخيل بحثاً عن قلنسوة ؟؟
لقد هممنا ان نلقي لك بضعة عشرة قلنسوة ولا أن تلقي نفسك على الأرض .
قالوا : فبكى خالد رضي الله عنه حتى بلَ لحيته
وقال : ألا تدرون ماذا في هذه القلنسوة ؟؟
قالوا : وماذا فيها ؟؟
قال : إن فيها ثلاث شعرات من شعر رسول الله ﷺ أعطانيها بيده يوم حجة الوداع .
فوالله الذي بعثه بالحق لا أرى النصر يحفني من كل جانب إلا ببركتها ...
صلى الله عليه وسلم...
ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
هذا وقد تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة ثم نهض إلى مكة فطاف للوداع ليلاً سحرآ...
وأمر الناس بالرحيل والتوجه إلى المدينة المنورة....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 07:51 PM
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والعشرون بعد المئتيين 228
الإفاضة من عرفة .
فمازال يدعو صلى الله عليه وسلم حتى سقط القرص
"يعني غابت الشمس"
فلما غربت الشمس أفاض من عرفة وأردف أسامة بن زيد رضي الله عنه خلفه وأفاض بالسكينة ثم ضم إليه زمام ناقته وهو يقول أيها الناس عليكم بالسكينة
وكان صلى الله عليه وسلم يلبي في مسيره ذلك... لا يقطع التلبية حتى أتى المزدلفة وأمر المؤذن بالأذان فأذن ثم أقام فصلى المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال ثم أقيمت الصلاة ثم صلى العشاء ثم نام صلى الله عليه وسلم حتى أصبح...
فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبله وأخذ في الدعاء والتضرع والتكبير والتهليل والذكر... حتى أسفر جدا
وذلك قبل طلوع الشمس ثم سار من مزدلفة مردفا للفضل بن عباس رضي الله عنهم....
وهو يلبي في مسيره...
وأمر ابن عباس رضي الله عنه أن يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات....
فلما أتى بطن محسر... حرك ناقته وأسرع السير فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل العذاب
حتى أتى منى....
صلى الله عليه وسلم....
✨✨✨✨✨✨✨
وأذن ﷺ للضعاف وللنساء ولمن له واجب في مكة .....
ك بني عبدالمطلب "كانت مهمتهم سقيا الحجيج"
رخص لهم أن يفارقوا مزدلفة بعد منتصف الليل قبل الفجر رفعاً للمشقة عنهم والحرج...
وقف يدعو عند المشعر الحرام حتى أسرف النهار ....
"أي لم تشرق الشمس بعد ، ولكن هناك ضوء"
ثم قال صلى الله عليه وسلم : لقد كانت قريش تخالف هدي إبراهيم عليه السلام لا يقفون على عرفة .
ثم لا يفيضون من هنا حتى تشرق الشمس كأنها العمائم على رؤوس الرجال .
ألا أفيضوا قبل أن تشرق الشمس .
"خالف عادة قريش فكانت لا تفيض حتى تطلع الشمس وتضرب على رؤوسهم"
فأفاض من مزدلفة إلى منىً قبل شروق الشمس ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
يتبع بإذن الله تعالى...
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والعشرون بعد المئتيين 229
الجمرة الكبرى ... والنحر .
عاد ﷺ إلى منى بعد الفجر وقبل طلوع الشمس من مزدلفة...
حتى أتى منى فأتى جمرة العقبة فرماها راكباً بعد طلوع الشمس
وقطع التلبية..... ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة...
أعلمهم فيها : بحرمة يوم النحر وفضله عند الله تعالى وحرمة مكة على جميع البلاد وأمر بالسمع والطاعة لمن ولي أمرهم في غير معصية الله تعالى وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه وأمر الناس ألا يرجعوا بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض وأمر بالتبليغ عنه
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده....
وكان عدد هذا الذي نحره عدد سني عمره صلى الله عليه وسلم
كما ذكر ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما عد ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أمسك وأمر عليا رضي الله عنه أن ينحر ما بقي من المائة
فلما أكمل صلى الله عليه وسلم نحره استدعى الحلاق فحلق رأسه.... ثم أفاض إلى مكة راكباً وطاف طواف الإفاضة....
وصلى بمكة الظهر....
ثم رجع إلى منى من يومه ذلك فبات بها.... فلما أصبح انتظر زوال الشمس فلما زالت مشى من رحله إلى الجمار.....
فبدأ بالجمرة الأولى ثم الوسطى ثم الجمرة الثالثة........
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بعد رمي الجمرة الأولى و الثانية..
وخطب بمنى خطبتين :
خطبة يوم النحر
وخطبة ثانية في ثاني يوم النحر
والواقع أن تكرار الخطب في حجة الوداع كان أمراً لا بد منه لحاجة المسلمين
فهي الحجة الوحيدة التي حجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عز فيها الإسلام والمسلمون
فما أشد حاجة المسلمين في هذا المشهد العظيم إلى التذكير والنصح والتوصية وإلى تكرار القول والتأكيد عليه حتى يعوه ويحفطوه ولا ينسوه وإلى تقريرهم بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثلاتون بعد المئتيين 230
تحلله ﷺ من الإحرام .
بعد أن نحر ﷺ.... دعى الحلاق وجلس بين يديه ﷺ وكان إسمه "معمر بن عبدالله" رضي الله عنه
كان من عامة الناس ليس له ذكر في أعلام الصحابة رضي الله عنهم.. أسلم يوم فتح مكة ويعد من "الطلقاء"
كان حلاقٌ ماهر فأخذ الموسي وجلس ﷺ بين يديه وكان شعره يضرب منكبيه ....
وأمر النبي ﷺ أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه أن يجلس بين يديه
ثم فرق ﷺ شعره نصفين
فألقى نصفه على يمينه ، و نصفه الآخر على شماله .....
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معمر لقد أمكنك رسول الله من شحمة أذنه وعنقه بين يديك والموسي في يدك .
إنها شهادة ثقة وأمانة لمعمر رضي الله عنه...
يعتبر مسلم جديد..... أسلم يوم فتح مكة من الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )
فمن يدري قد يغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا يغدر ...
ولكنها فراسة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أحد من المهاجرين والأنصار أن يحلق له شعره مع أن فيهم من يحلق...
فذرفت عينا معمر رضي الله عنه
وقال : المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم...
الحمد لله الذي جعلني موضع ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ بالموسي بالشق الأيمن
وتقدم "سهيل بن عمرو" رضي الله عنه : فما جعل شعرة تسقط على الأرض إلا أخذها وقبَّلها ووضعها على عينه .
وهو يقول : شعر رسول الله فداه أبي وأمي .
فقال النبي ﷺ يا أبا طلحة أقسم شعري بين أصحابنا .
"حديث صحيح أخرجه البخاري"
رحمه الله وغفر له.
فأخذ أبو طلحة رضي الله عنه يقسم شعر النبي صلى الله عليه وسلم لمن حضر من الصحابة رضي الله عنهم "ممن حوله"
فكان نصيب الصحابي الشعرة و الشعرتين ..
وتقدم خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله أعطني بيدك من شعرك
فأعطاه ﷺ ثلاث شعرات من ناصيته "من مقدمة شعره"
فأخذها خالد رضي الله عنه
ووضعها في قلنسوته "الخوذة التي يلبسها المحارب على رأسه"
"هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده"
يقول خالد رضي الله عنه : كنت لا أرى النصر و الظفر على الأعداء إلا ببركتها على رأسي "شعرات النبي ﷺ"
ويوم القادسية :
كان خالد رضي الله عنه هو القائد العام في المعركة .
فلما دارت المعركة واحتدم القتال واشتد....
وكان تركيز الأعداء على خالد رضي الله عنه
"لأن القائد رمز في المعركة إذا ثبت فهو يعطي المعنوية لجنده وإذا أصيب كان عكس ذلك"
فركزوا ضربهم ورمايتهم على خالد رضي الله عنه....
وفي هذه المعمة سقطت قلنسوة خالد من على رأسه إلى الأرض
يقول أصحابه رضي الله عنهم فقفز خالد رضي الله عنه : عن صهوة جواده إلى الأرض وأخذ يبحث بين أرجل الخيل حتى وجدها وأخذها ووضعها على رأسه ثم ركب جواده وقاتل حتى تم النصر ....
فلما إنتهت المعركة تقدم إليه كبار الصحابة رضي الله عنهم وأخذوا يعنفوه ويلوموه .
يا خالد : أنت رمز الجند .
أنت صاحب اللواء .
كيف تلقي بنفسك بين أرجل الخيل بحثاً عن قلنسوة ؟؟
لقد هممنا ان نلقي لك بضعة عشرة قلنسوة ولا أن تلقي نفسك على الأرض .
قالوا : فبكى خالد رضي الله عنه حتى بلَ لحيته
وقال : ألا تدرون ماذا في هذه القلنسوة ؟؟
قالوا : وماذا فيها ؟؟
قال : إن فيها ثلاث شعرات من شعر رسول الله ﷺ أعطانيها بيده يوم حجة الوداع .
فوالله الذي بعثه بالحق لا أرى النصر يحفني من كل جانب إلا ببركتها ...
صلى الله عليه وسلم...
ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
هذا وقد تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة ثم نهض إلى مكة فطاف للوداع ليلاً سحرآ...
وأمر الناس بالرحيل والتوجه إلى المدينة المنورة....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
الغريب
07-02-2022, 08:03 PM
😞: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المئتيين 231
غدير خم ...
في طريق العودة من حجة الوداع خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في غدير خم قريباً من الجحفة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة....
وقد جاء في هذه الخطبة : ( أما بعد.. ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب.... وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به
ثم قال صلى الله عليه وسلم :
وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي... ثلاثاً
وفي رواية :
أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال : ( من كنت وليه فهذا وليه... اللهم وال من والاه وعادي من عاداه)
وفي رواية :
( من كنت مولاه فعلي مولاه)
حديث غدير خم ....
وبداية القصة باختصار عن "حديث غدير خم" الذي جعل من المسلمين مذاهب وفرق...
خرج النبي ﷺ لحجة الوداع
وأرسل لعلي رضي الله عنه أن يلحق به إلى مكة ومعه أموال الخمس والغنائم والصدقات والزكاة والخراج ....
إذآ معه أموال الصدقة يأتي بها من اليمن مباشرة لمكة ....
فخرج "علي" رضي الله عنه مع أهل اليمن ....
وفي الطريق قال علي رضي الله عنه لمن معه من أهل اليمن اسبقوني وألحق بكم .....
وأوصاهم أن لا يقربوا أموال الغنائم وأن لا يركبوا على إبل الصدقة
ثم وضع لهم أميراً عليهم وانطلقوا ....
فلما لحق بهم علي رضي الله عنه في الطريق وجدهم قد ركبوا الإبل ولبسوا من ثياب أموال الصدقة ....
فغضب علي رضي الله عنه وعنفهم
فانزعجوا وتضايقوا وظنوا أن "علي" رضي الله عنه قد بخل عليهم ..... فلما وصلوا مكة
جاء أهل اليمن يشتكون علي رضي الله عنه للنبي ﷺ ...
قالوا له : كان علي شديد وقابض يده .
فأرضاهم النبي ﷺ عن علي رضي الله عنه وانتهى الأمر وأقر النبي صلى الله عليه وسلم فعل علي رضي الله عنه....
قال لهم : قد علمتم أنه قد أحسن .
فلما انتهى حج النبي ﷺ وكان قد انتشر وشاع الكلام بين الناس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل اليمن ....
رجع النبي ﷺ إلى المدينة المنورة .
وبين مكة والمدينة مسافة 450 كم تقريباً...
هي مسافة طويلة يقطعها الناس على الإبل ومنهم من يمشي على قدميه وتستغرق المسافة من 7 إلى 10 ايام تقريباً...
فوصل النبي ﷺ إلى "غدير خم"
يبعد عن مكة حوالي 200 كم تقريباً...
وصل إلى هذا المكان بعد خمسة أيام...
في هذا المكان كان مع النبي ﷺ أهل المدينة ومن حولها من قبائل العرب ....
فأهل مكة بقوا في مكة ....
وأهل الطائف ذهبوا للطائف...
وأهل اليمن ذهبوا لليمن ...
الآن ما بقي معه ﷺ إلا أهل المدينة والذين حول المدينة .
فكان الآن من المناسب أن يتكلم النبي ﷺ عن موضوع علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
"لأن الموضوع خاص بهم .
لماذا يشغل النبي صلى الله عليه وسلم العرب الحجاج الذين أتوا من القبائل البعيدة بهذا الموضوع
وإذا لاحظنا أن النبي ﷺ لم يتكلم عن هذا الموضوع لا في عرفة ولا منى ولا مزدلفة .
فلو كان الموضوع عام ومهم لكان تكلم عنه في "خطبة الوداع" ولكنه موضوع خاص ...
ترك النبي ﷺ هذا الموضوع حتى رجع وبعد خمسة أيام عندما وصل "غدير خم" ركب ناقته ﷺ وخطب بالناس .
انتبهوا : الحديث الشائع
تركت فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي .
هذا حديث آخر صحيح كان في خطبة الوداع ....
أما هذا الحديث كتاب الله تعالى، وعِتْرتي أهل بيتي .
حديث صحيح ولكن في "غدير خم"
وقد أخرجه :
الحاكم في المستدرك على شرط الشيخان .
واللفظ للبخاري والطبراني في مسنده وسنن أبي داود ومسند الإمام أحمد رحمهم الله تعالى.
فأوضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم في غدير خم مكانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونبه على فضله لينتهوا عن الشكوى... فقد كان الحق مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في إرجاع ما أعطاهم لأنها أموال صدقات وخمس
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[ سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والثلاثون بعد المئتيين 232
مرض النبي ﷺ .
في صفر من السنة الحادية عشر من الهجرة وقبل وفاة النبي ﷺ بخمسة عشر يوماً
أَمر النبي ﷺ "أسامة بن زيد" رضي الله عنه على سرية لغزو الشام .
وأمره أن يسير حتى يصل إلى "مؤتة"
وهو المكان الذي مات فيه أبوه في غزوة "مؤتة"
وقال له النبي ﷺ سر إلى موضع مقتل أبيك .
أبوه زيد بن حارثة رضي الله عنه وذكرنا استشهاده رضي الله عنه في مؤتة .
كان عمر "أسامة بن زيد" رضي الله عنه عندما أرسله رسول الله ﷺ قيل 17 وقيل 20 عاما ...
وكان في الجيش عدداً كبيراً من شيوخ المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فكان فيهم ...
"أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد" رضي الله عنهم
على ماذا يدل هذا ؟؟
تأكيد النبي ﷺ لأمته أن للشباب إمكانيات هائلة ... فيستفاد منها
ولكن تكلم الناس في هذا
قالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، وإلى محاربة الروم ؟؟
وعلم النبي ﷺ بما يتكلم به الناس .
فقام بعد إحدى الصلوات ...
وكان إذا صلى بأصحابه رضي الله عنهم وانتهى وسلم ، استدار دورة كاملة فجعل ظهره إلى المحراب ووجهه إلى أصحابه رضي الله عنهم ثم استغفر وختم صلاته ...
ولكن هذا اليوم استدار واستقبلهم على الفور قائلاً .
لقد بلغني ما تقولون في اسامة .
ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، فلقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله .
وأيم الله إنه كان للإمارة لخليقاً .
وإن كان لأحب الناس إلي وإن ولده هذا من أحب الناس إلي بعده .
فلقبه الصحابة "الحب بن الحب" أسامة بن زيد رضي الله عنهم
ثم قال فاستوصوا به خيراً ، فإنه من خياركم .
وبدأ المسلمون يستعدون للخروج .
وأمر النبي ﷺ "أسامة بن زيد" رضي الله عنه أن يعسكر على باب المدينة حتى يتجمع الجيش ....
وقبل أن ينطلق الجيش شاع الخبر بالمدينة أن النبي ﷺ وجعٌ "أي أصابه المرض" لا يفك العصابة عن رأسه .
فتوقف الجيش .
ولم يتحرك الجيش بحياته ﷺ ولن نذكر ما حدث بالتفصيل مع الجيش لأنه انطلق في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
وكان قد نزل على النبي ﷺ بعد غزوة حنين .
إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ..
فلما نزلت هذه السورة
قال النبي ﷺ لجبريل عليه السلام .
يا جبريل ! أرى أنه قد نعيت إليَّ نفسي بهذه السورة .
فقال جبريل : يا رسول الله . والآخرة خير لك من الأولى .
والآن وقبل وفاته ﷺ بأيام
ينزل جبريل على النبي ﷺ بآخر آية من القران الكريم...
قوله تعالى .
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
من سورة البقرة .
فقال النبي ﷺ نعيت إلي نفسي .
وخرج ﷺ لزيارة شهداء أحد
فوقف ﷺ ومعه جمع من أصحابه رضي الله عنهم
وقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين . وإنا إن شاء الله بكم لاحقون .
ثم دعا لهم واستغفر
ثم إلتفت إلى أصحابه رضي الله عنهم وقال وَددت أن لو رأيت إخواني .
قال الصحابة رضي الله عنهم : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟
قال أنتم أصحابي .
وإخواني الذين يأتون من بعدي يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله .
هل اشتقتم للحبيب كما اشتاق لكم ؟؟
بعد أن عشتم ايام وايام مع سيرته ﷺ
هل اشتقتم له ....
هل شعرتم بلذة محبته في قلوبكم ....
الذي أحبكم ولم يراكم ، وتمنى لو رأكم ؟؟
ثم قال وأنا فرطهم على الحوض . :
[[ بمعنى : كيف عندما يكون رجال في سفر وينطلق رجل منهم قبلهم يهيئ لهم المكان من ماء ومجلس يقال عنه عند العرب فرط القوم ...
فالنبي ﷺ فرط أمته على الحوض عندما يصلون لحوضه يكون قد هيأ لهم ما يسر قلوبهم ويفرحهم حبيب قلوبنا ﷺ .
فقالوا : يا رسول الله .
كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك ؟
يعني اناس لم تراهم لم تلتقي بهم كيف ستعرفهم ؟؟
قال أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة .
الغر . : هو البياض في غرة الحصان .
محجلة . : وهو ذلك االبياض الذي يكون على أرجلها وليس شرط أن يكون في قوائمها الأربعة . اثنين الأمامية يكفي ليقال عنها محجلة .
في خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله ؟
دُهم .: يعني لونهم أسود .
بُهم . : الذي لا يخالط لونه لون آخر بلغتنا يعني حصان أسود ما عليه ولا شعرة ملونة أسود كحل ،
فمن السهل أن تفرق الحصان اللي غرته بيضاء وقدميه فيها بياض من الحصان الأسود .
فالنبي ﷺ يسأل الصحابة رضي الله عنهم ألا يفرق صاحبهم بينهم ويعرفهم .
وكذلك يعرف ﷺ أمته .
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء .
أي نور يسطع من وجوههم وأيدهم بسبب الوضوء .
وهذه العلامة التي بيننا وبين النبي ﷺ يوم القيامة سببها الوضوء ...
وهذا يدل أن هذه العلامة ليست لأحد من الأمم إلا لهذه الأمة.
والله أعلم جل جلاله.
وأنا فرطهم على الحوض .
ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال .
ألا ليذادن رجال . أي يطرد عن حوضه كما يطرد البعير الضال الذي ضاع عن صاحبه .
كانت العرب تضع أحواض لإبلها وخيولها .
فيأتي البعير الضال يريد أن يشرب معهم فيأتي الراعي ويطرده ويضربه فيهرب .
هكذا كانت العرب في الجاهلية
ليذادن : أي لا بد له أن يطرد من قبل الملائكة عن حوضه .
أناديهم ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم .
أي ينادي عليهم تقدموا تقدموا ...
فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك .
أي غيروا وبدلوا...
فأقول : سحقا سحقا
وبعد أن رجع ﷺ أصبح يشعر بأعراض الحمى وارتفاع الحرارة
فصلى ﷺ يوماً العشاء وقال لأحد أصحابه رضي الله عنهم "أبو مويهبة" رضي الله عنه
قال له انطلق بنا إلى البقيع .
وأمسك بيد "أبو مويهبة" رضي الله عنه لأن الحمى كانت تهزه ﷺ
يرجف من الحمى ﷺ
ودخل البقيع فوقف على أوله
ثم قال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين .
أنتم السابقون ونحن بكم لاحقون .
اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام النخرة .
أنزل عليهم روح منك وسلامٌ منا .
ثم دعا لهم واستغفر
ثم قال هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه .
لقد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها وآخرها أشر من أولها .
"يبشرهم أنهم خرجوا في حياته فلا فتن في حياته ﷺ"
ثم التفت إلى أبو مويهبة رضي الله عنه :
وقال له لقد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة .
فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة .
"خيره الله أن يكون له ملك الدنيا إلى أن تقوم الساعة خالداً فيها .
ثم يوم القيامة هو هو محمد رسول الله فلا ينقص من أجره شيء ...
فاختار ﷺ لقاء الله تعالى ."
فقال أبو مويهبة رضي الله عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة .
فقال ﷺ :
لا والله يا أبا مويهبة .
لقد اخترت لقاء ربي والجنة .
ثم استغفر ﷺ لأهل البقيع .
وعاد وهو يشعر بصداع شديد في رأسه حتى أوصله أبا مويهبة إلى باب حجرة عائشة رضي الله عنها وهو ممسك بيده .
ودخل ﷺ على حجرة عائشة رضي الله عنها
فوجدها تقول : وا رأساه .
"أي اه يا رأسي من شدة ألم الرأس "
فأمسك برأسه الشريف ﷺ
وقال بل أنا والله يا عائشة وا رأساه .
[[ يعني لو تعلمين الألم الذي نزل في رأسي ، ولم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتكي من أي ألم في مرض . ولكن كان الألم هذه المرة شديداً جداً ... صلى الله عليه وسلم
ثم أخذ يداعبها ﷺ لينسيها ألم رأسها رغم مافيه هو من ألم
فقال يا عائشة وما عليك لو متِّ قبلي .
فقمت عليك فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك بيدي .
"وكانت عائشة رضي الله عنها من دون أزواجه جميعاً تُعرف بشدة الغيرة
فلما سمعت هذه المقولة نسيت ألم رأسها رضي الله عنها "
وقالت : لو كنت فعلت . يعني لو كنت متت قبلك"
لكنت نفضت يديك من دفني ، وعدت لحجرتي وأعرست بزوجة جديدة .
فضحك ﷺ من قولها وردة فعلها رضي الله عنها وأرضاها .
واشتد الألم بالنبي ﷺ .
فالتفت إلى عائشة رضي الله عنها وقال : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر .
فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم .
من الشاة المسمومة في خيبر لقتل النبي ﷺ في السنة السابعة من الهجرة وقد ذكرناها .
الأبهر .. هو الشريان الأورطي وهو أكبر شريان في جسم الإنسان والذي يوزع الدم المؤكسج إلى جميع أجزاء الجسم ...
وقد بقي أثر السم في جسده أكثر من ثلاثة سنوات .
حتى يعطي الله تعالى للنبي ﷺ مع درجة النبوة درجة الشهادة .
وذلك لإرادة الله تكميل مراتب الفضل كلها له ﷺ .
وكان مع شدة ألمه ﷺ يخرج للصلاة بالناس في المسجد .
ويبيت كل يوم في بيت زوجة من زوجاته ...
وعندما رأى ﷺ اشتداد المرض به والحمى ...
جمع زوجاته وقال لهن لقد ثقل المرض بي وأصبحت عاجزاً عن التنقال إلى حجراتكن .
أفتأذن لي أن أمرض في بيت عائشه ؟
فهي اقرب حجرة إلى المصلى
انظروا إلى أخلاق الحبيب المصطفى ﷺ .
فقلن : أذنا لك يا رسول الله ...
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المئتيين 233
تمريضه ﷺ في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
انتقل صلى الله عليه وسلم إلى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أقرب حجرات أزواجه رضي الله عنهن للمسجد..
فلما أراد أن يقوم للذهاب لحجرة عائشة رضي الله عنها
ما استطاع ﷺ أن يقف على قدميه ....
فجاء علي بن أبي طالب والعباس رضي الله عنهم فاتكأ عليهما ﷺ وخرجوا به من حجرة أم المؤمنين ميمونه الى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن
وكانت رجلاه ﷺ تخطان الأرض ...
"يعني لا يستطيع أن يرفع رجليه على الأرض"
أصبح ﷺ يخرج للصلاة متكأً على الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم
حتى ثقل المرض عليه ﷺ وأصبح لا يقوى على الخروج إلى المسجد من شدة الحرارة التي يوعك بها ....
وأراد ﷺ أن يخرج لصلاة العشاء ولكن شدة الحرارة أتعبته .
فقال لأزواجه رضي الله عنهن أهريقوا عليَّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن ، لعلي أستطيع أن أخرج إلى الناس .
فأحضروا له طست واسع من حجرة حفصة رضي الله عنها
وجلس ﷺ فيه وصبوا عليه الماء البارد حتى تخف الحرارة
فلما خفت الحرارة قام ﷺ ليلبس ثيابه ويخرج .
فما استطاع صلى الله عليه وسلم
فأغمي عليه وتلقته أيدي أمهات المؤمنين حتى لا يسقط إلى الأرض .....
فلما أفاق ﷺ قال أصلى الناس ؟؟
قالوا . لا .. هم في انتظارك يا رسول الله .
فقال . أعيدوا علي الماء .
فاجلس في المخضب "الطست" وأعادوا عليه سكب الماء حتى خفت الحرارة
فقام ﷺ ليلبس ثيابه يريد أن يخرج للناس ليصلي بالناس .
فلما أخذ في لبس ثيابه أغمي عليه مرة أخرى من شدة الحرارة .
فلما أفاق قال أصلى الناس ؟؟
قالوا . لا .. هم في انتظارك يا رسول الله .
فقال ﷺ مُرُوا أبا بكرٍ فليصلِ في الناس فإني لا أقوى على الخروج .
فخافت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن يتشائم الناس من أبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا قام مقام النبي ﷺ وهو في مرضه ....
فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف . إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء .
"الأسيف هو رقيق القلب الذي إذا قرأ القرآن لا يملك نفسه"
فقال ﷺ مُرُوا أبا بكر فليصلِ بالناس .
ولكن أم المؤمنين عائشة غفر الله لها ورضي عنها
قالت لحفصة رضي الله عنها قولي لرجل فليصلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس ... فقالت حفصة رضي الله عنها لرجل في المسجد : قل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فليصلي في الناس
فنظر الرجل في عمر رضي الله عنه وقال : قم يا عمر رضي الله عنه فصلي في الناس
فلما وقف عمر رضي الله عنه في المحراب وكبر وكان جهوري الصوت ....
سمعه النبي ﷺ فقال وهو في فراشه لا ، لا ، لا يرضى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .
فلما أتم عمر رضي الله عنه نظر للرجل وقال : يغفر الله لك لِمَ أمرتني بذلك ؟
قال : هكذا أمرتني حفصة رضي الله عنها
فلما روجعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
قالت عائشة رضي الله عنها : خشيت أن يتشائم الناس لمن يصلي في محراب النبي ﷺ
"وعندما وضحت الصورة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وجدها ذلة من عائشة رضي الله عنها
فنظر في وجه عائشة رضي الله عنها وقال يا صويحبات يوسف . يأبى الله ورسوله إلا أبا بكر .
فأصبح أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس .
ويثقل المرض ويشتد على النبي ﷺ حتى كان يوم الخميس الثامن ربيع الأول .
ورأى الصحابة رضي الله عنهم حال رسول الله ﷺ فشق ذلك عليهم وأصبحوا في قلقل
خافوا على النبي ﷺ خوفاً شديداً ....
وأخذ الأنصار يبكون ....
فلما علم بذلك ﷺ وكانت صلاة الظهر وتقدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليصلي بالناس ...
فقال النبي ﷺ لعلي والفضل بن عباس رضي الله عنهم وكانا يصليان أمام باب الحجرة
قال لهما خذا بي إلى المحراب .
فاتكأ ﷺ على الفضل وعلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
ولم تلامس قدماه الأرض فقد رفعاه شبه الحمل رجلاه تجران على الأرض...
وهو معصوب الرأس من شدة الحرارة ....
فلما رأه أبو بكر الصديق رضي الله عنه همَّ أن يرجع من الصف ليدع الإمامة للنبي ﷺ فأشار إليه أن مكانك .
وجلس على يمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وصلى الظهر بصلاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
حتى إذا إنتهت الصلاة وكانت آخر صلاة صلاها مع أصحابه رضي الله عنهم.... ﷺ .....
أشار إليهم أن يحملوه إلى المنبر
ثم جلس على أول درجة من المنبر لأن رجليه ﷺ لم تحملاه للصعود على المنبر .
وكان منبره من ثلاث درجات...
والتف الصحابة رضي الله عنهم شوقاً حول النبي ﷺ وخطب فيهم ....
فحمد الله وأثتنى عليه، وصلى على نفسه ﷺ واستغفر لشهداء أحد .
ثم قال :
أيها الناس ! إني بين أيديكم فرط .
"يعنى شفيع .
والشفيع دائما يتقدم على المشفوع ويهيئ له الشفاعة .
وهنا يريد أن يمهد للصحابة رضي الله عنهم أمر موته لأنه يعلم أنه أمر شاق عليهم ...
أيها الناس .
إني بين أيديكم فرط . وأنا عليكم شهيد . وإن موعدكم الحوض .
وإني لأنظر إليه من مقامي هذا .
أيها الناس .
إني لا أخشى أن تشركوا بعدي .
ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم .
فتهلككم كما أهلكتهم .
أيها الناس .
إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله .
فبكى "أبو بكر" رضي الله عنه وارتفع صوته بالبكاء ورفع يديه إلى النبي ﷺ .
وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله !
فديناك بآبائنا . فديناك بأمهاتنا . فديناك بأموالنا . فديناك بأنفسنا يا رسول الله !
فضج الصحابة رضي الله عنهم من بكاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه
لأن الصحابة رضي الله عنهم لم تكن تقاطع النبي ﷺ أبداً
لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه فهم مقصود النبي ﷺ وعلم أن هذا العبد الذي خيره الله هو النبي صلى الله عليه وسلم
فتعجب الصحابة رضي الله عنهم من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لماذا يبكي ....
وقالوا : عجباً لهذا الشيخ وضج المسجد بالكلام لماذا يبكي وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قد علا نجيشه بالبكاء
فقال النبي ﷺ على رسلك يا أبا بكر .
ثم أخذ الرسول ﷺ يدافع عن أبي بكر ويبين فضله .
فقال ﷺ .
أيها الناس .
إن أمنّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر .
ولو كُنت مُتَّخذًا خليلًا من أُمَّتي لاتَّخذتُ أبا بكر .
ولكن أُخُوَّةُ الإِسـلام ومودته .
وما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا كافأناه بها .
إلا الصديق فإنا قد تركنا مكافأته لله عز وجل .
ألا كل خوخة في المسجد تسد إلا خوخة أبي بكر .
"الخوخة أي الباب"
تغلق جميع أبواب المسجد النبوي إلا باب أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبقى مفتوحا .
يا أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم .
هل خلد نبي قبلي فيمن بُعث إليه ؟
فأخلد فيكم .
ألا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون بي
ألا إنه يوشك لي خفقان من بين أظهركم .
"أي غياب لن تروني بعد اليوم"
ألا إنه يوشك لي خفقان من بين أظهركم ، ألا وإني أحب أن ألقى الله وأنا راضياً مرضياً .
من كنت جلدت له ظهراً . هذا ظهر محمدٍ فليقم إليه ويستقد .
[[ أي يقوم ليأخذ حقه مني ]]
ألا من كنت شتمت له عرضاً ، هذا دونكم عرض محمد فليقم ويستقد .
ألا وإن الشحناء ليس من طبعي .
"أي لن أغضب من أحد إذا قام وقال لي عندك حق"
ألا و إن الشحناء ليس من طبعي ، ومن لم يفعل فليحللني بينه وبين ربه .
حتى ألقى الله وليس لأحد في ذمة محمد حق .
صلوات ربي وسلامه عليك..
وسكت ﷺ وأخذ ينظر في وجوه أصحابه رضي الله عنهم كالمودع ....
فدمعت عيناه ﷺ وبكى .
فأخذ أصحابه رضي الله عنهم يبكون وتسيل الدموع على لحاهم .....
ثم أشار بيده للصحابة رضي الله عنهم أن يحملوه
وعادﷺ يتكيء على العباس وعلي رضي الله عنهما
فدخل بيت عائشة رضي الله عنها والصحابة رضي الله عنهم يبكون في المسجد .
واشتد الألم برسول الله ﷺ .
وكان النبي ﷺ يغشى عليه ويفيق ....
وكان إذا مرض نفث على نفسه بالمعوذات فمسح بها على جسده ....
فلما مرض هذا المرض لم يستطع أن يفعل هذا ....
فأخذت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنفث في يد النبي ﷺ ثم تمسح بيده الشريفة على جسده رجاء بركة يد
الحبيب المصطفى ﷺ ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
..
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المئتيين 234
تمريضه ﷺ في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
ثم أفاق صلى الله عليه وسلم فيقة من إغمائه ...
وقال : يا عائشة إن عندي في تلك الخانة "أي الرف" دنانير من ذهب ماذا صنعتم بها ؟
قالت : هي عندي ....
فقال ﷺ وماذا يقول محمد لربه إذا لقيه وفي حجرته سبعة دنانير ذهبية ؟
احضريها يا عائشة رضي الله عنها.. قالت : فأحضرتها .
فوضعها في كفه ونظر إليها
ثم قال يا علي رضي الله عنه خذ هذه الدنانير فأنفقها في سبيل الله .
فلن يلقى محمد ربه وفي بيته دنانير من ذهب .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فلما خرج علي رضي الله عنه..... والنبي ﷺ يغمى عليه ويفيق ...
وكلما أفاق يسأل أرجعَ علي ؟
نقول : ليس بعد ... فلما رجع علي رضي الله عنه
قال له : أنفقتها ؟؟
قال علي رضي الله عنه أجل يارسول الله كما تحب وترضى .
فقال النبي ﷺ : الحمد لله يلقى محمد ربه وهو بريء الذمة .
تقول عائشة رضي الله عنها : والذي بعثه بالحق كانت تمر علينا أيام ، لا نملك شيء في حجرتنا من طعام أو شراب إلا قرص من شعير ....
فقمت في الليل يوماً لأسرج السراج فلم اجد فيه زيتاً .
وليس عندنا زيت وليس عندنا ما نشتري .
فأرسلت به إلى أسماء رضي الله عنها "زوجة أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه غير أم عائشة رضي الله عنهم
فقلت لها :يا أسماء إعصري لنا زيتا نضيء به حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فو الله لا نملك زيتاً ....
قالت : فوضعت لنا فيه ما يضيء السراج ....
فلما كان السبت وهو ﷺ يفيق ويغيب من شدة الحمى .
أقبلت إليه إبنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها
فلما رآها ﷺ ...
قال مرحباً بإبنتي .
وكانت فاطمة رضي الله عنها أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً وهيئة ومشية به ﷺ ....
وأشبه الناس لهجةً بحديث رسول الله ﷺ ...
فكانت إذا دخل عليها في بيتها قامت إليه وقبَّلت يده ثم قبَّلها بين عينيها ...
وإذا دخلت فاطمة رضي الله عنها عليه وكان في أي حجرة من حجرات أزواجه رضي الله عنهن
قام إليها استقبلها من عند الباب وأخذها من يدها وقبَّلَها بين عينيها وقبلت يده وأجلسها على فراشه جنباً إلى جنب ....
ولكن اليوم حاول أن يقوم إليها ليقبلها في رأسها كما كان يفعل حين رآها فلم يستطع .
فبكت فاطمة رضي الله عنها وقالت وااا كرب أباه .
فقال : لها الأب الحنون ﷺ ليس على أبيك كرب بعد اليوم .
أدني مني يا بنيتي .
فدنت منه و أجلسها ﷺ على يمينه عند فراشه .
ثم اقترب من أذنها وتحدث إليها حديثاً لم يسمعه أحد .
فبكت بكاءاً شديداً .
فلما رأى حزنها تحدث إليها مرة أخرى ....
فتوقفت عن البكاء وابتسمت وضحكت ....
وبعد وفاة النبي ﷺ سألتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن عن ذلك ...
فقالت : أن رسول الله ﷺ أخبرها أن جبريل عليه السلام قد قرأ عليه القرآن مرتين هذا العام .
ثم قال لا أرى الأجل إلا قد اقترب . فاتقي الله واصبري .
فلما رأى النبي ﷺ حزنها أسر لها أنها ستكون أول أهل بيته موتا بعده .
وأنها سيدة نساء أهل الجنة . فضحكت رضي الله عنها
وكان الصحابة رضي الله عنهم يدخلون إلى النبي ﷺ يعودونه
يقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :
جئنا النبي ﷺ فإذا عليه صالب من الحمى .
"حراة شديدة جدًا"
يقول : وضعت يدي على صدره فلسعتني شدة حرارته ﷺ .
يقول : و ما تكاد تقر يد أحدنا عليه من شدة الحمى .
فجعلنا نسبح ....
فقال لنا رسول الله ﷺ ليس أحد أشد بلاء من الأنبياء .
لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد ما يلبسه .
ويبتلى بالقمل حتى يقتله . *ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء .
وكان من آخر الوصايا لأصحابه رضي الله عنهم :
١ _ وصيته صلى الله عليه وسلم بالأنصار رضي الله عنهم...
٢ - إخراج المشركين من جزيرة العرب و إجازة الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به.....
٣ _ النهي عن اتخاذ قبره مسجداً.
٤ _ إحسان الظن بالله تعالى...
قال جابر رضي الله عنه : سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : ( أحسنوا الظن بالله عز وجل)
٥_ الوصية بالصلاة وما ملكت أيمانكم..
قال أنس رضي الله عنه : كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : ( الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يغرغر بها في صدره ولا يفيض بها لسانه.
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى..
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المئتيين 235
وفاة الحبيب المصطفى ﷺ .
الساعات الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم
هذا الحبيب المصطفى ﷺ
فو الله لا أدري كيف أحدثكم عن وفاته ﷺ ....
صدقاً فقد كتبت هذا الجزء وما جفت لي دمعة وكأني مع الصحابة رضوان الله عليهم أعيش هذه اللحظات الصعبة
في يوم وفاة النبي ﷺ وكان يوم الإثنين 12 ربيع الأول .
وقف "أبو بكر الصديق " رضي الله عنه يصلي بالناس صلاة الفجر ....
والرسول ﷺ في حجرته....
قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس صلاة الفجر
وكان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون أن النبي ﷺ لا يخرج إلى صلاته بسبب ثقل مرضه
وكانت تقوم على وضوئه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
وكان ﷺ يصلي على فراشه ﷺ وهيئة فراشه كانت إلى جهة القبلة ...
فكان يصلي على فراشه لا يستطيع أن يجلس .
فلما كان اليوم الأخير من حياته ﷺ يوم الإثنين عند صلاة الفجر .... كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس فسمع النبي ﷺ صوت قراءته من حجرته ...
فوجد من نفسه ﷺ خفةً ونشاطاً
فقام و وقف على قدميه دون أن يتكيء على أحد
ثم كشف الستارة من حجرة عائشة رضي الله عنها وكان بابها يفتح على الروضة محادياً للصف الأول في الروضة .
فإذا خرج يكون وجهه لأصحابه رضي الله عنهم وهم في الصلاة
يقول أصحابه رضي الله عنهم وكانت صلاة الفجر والمسجد يضاء بالسراج لا يكاد الرجل يبصر أمامه ...
فلما كشف الستار ﷺ ونظر إليهم ثم تبسم يضحك كأن وجهه القمر إذا اكتمل بدره ....
يقول الصحابه رضي الله عنهم فوالذي بعثه بالحق أضاء المسجد كأنه في رابعة النهار...
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : كأن وجهه ورقة مصحف
"كناية على الجمال وصفاء الوجه واستنارته"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفعنا رؤوسنا ننظر إليه فهممنا أن نفتن من الفرح برؤيته ﷺ
"يعني كادوا أن يخرجوا من الصلاة بسبب فرحتهم برؤية الرسول صلى الله عليه وسلم وطلعته النوارنية عليهم"
وظننا أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة...
قالوا : فأشار إلينا قائلاً أن أتموا صلاتكم ودخل الحجرة وأرخى الستر..... وانصرف بعض الصحابة رضي الله عنهم إلى أعمالهم..
ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على إبنته عائشة رضي الله عنها وقال : ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه الوجع
يقول أصحابه رضي الله عنهم فكانت آخر مرة رأينا بها وجه النبي ﷺ ....
تفاءل الصحابة رضي الله عنهم وأطمأنت نفوسهم وسكنت قلوبهم . فقد ظنوا أن النبي ﷺ قد عاد إلى صحته وتشافى من مرضه ...
ولكنهم كانوا لا يعلمون أن هذه النظرة هي النظرة الأخيرة
نظرة الوداع وأنه لن يخرج من هذه الحجرة عليهم أبداً
في الرفيق الأعلى
اشتدت سكرات الموت بالنبي صلى الله عليه وسلم..
ودخل عليه أسامة بن زيد رضي الله عنه وقد صمت فلا يقدر على الكلام...
فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة رضي الله عنه
فعرف أنه يدعو له...
وأخذت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوسدته إلى صدرها بين سحرها ونحرها...
السحر : الرئه.
النحر : الثغرة التي في أسفل العنق.
فدخل عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم وبيده سوال... فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقالت عائشة رضي الله عنها : آخذه لك؟
فأشار برأسه : نعم... فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه فستاك به صلى الله عليه وسلم به كأحسن ما يكون الاستياك.... وكل ذلك وهو لا ينفك عن قوله ( في الرفيق الأعلى)
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل يده في ركوة ماء فيمسح بها وجهه ويقول : ( لا إله إلا الله إن للموت سكرات)
وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( اللهم أعني على سكرات الموت)
وفي رواية : أن عائشة رضي الله عنها : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند ظهره يقول :
( اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى)
اشتدت الحرارة وجعل رسول الله ﷺ يدخل يده في اناء من جلد به ماء ويمسح بها وجهه .
وهو يقول لا إله إلا الله . إن للموت سكرات . اللهم أعني على سكرات الموت .
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها .
جلس ﷺ على فراشه ورفع رأسه .
فأتيت وأسندت ظهره الى صدري .
فوضع رأسه ﷺ بين سحري ونحري .
السحر هو اول التقاء قصبات الصدر من الاعلى . والنحر هو الحلق .
قالت فوضع راسه بين سحري ونحري وأشرق وجهه كأنه البدر .
فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر "اخوها" ليرى النبي وفي يده سواك لين أخضر .
فظل النبي ﷺ ينظر الى السواك ولا يستطيع ان يطلبه من شدة مرضه .
فقالت السيدة عائشة . يا رسول الله بأبي وامي أنت . آخذ لك السواك .
فأشار برأسه أن نعم .
فأخذت السواك من "عبد الرحمن" وقرضت الجزء المستعمل منه .
ثم لينته بالماء حتى طاب ثم دفعته إلى رسول الله ﷺ فاستاك به جيداً كأشد ما يستاك قبل ذلك
بعد الإستياك والسواك :
حتى إذا قضى صلى الله عليه وسلم رغبته منه ألقى به بيده على صدره ...
تقول عائشة رضي الله عنها :
فأخذته فتسوكت به فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم في حياته ﷺ ...
والذي بعثه بالحق ....
مضت أيام بعد وفاته وما أكلت طعاماً ولا شربت شراباً مهما كان طعمه أو ريحه .
إلا وبقي طعم ريق رسول الله ﷺ في فمي يغلب كل طعمٍ وكل ريحٍ .
ثم رفع بصره إلى سقف الحجرة وكأنه يرى مقعده من الجنة
ويعرض عليه التخيير بين الموت وبين البقاء في الدنيا.... :
لأن عموم المؤمنين يرون مقاعدهم من الجنة في قبورهم بعد موتهم .
ولكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبشرون بذلك في دنياهم قبل موتهم .
يقول النبي ﷺ إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ورفع النبي ﷺ سبابته وسمعته يتمتم بكلمات لم افهمها ....
فقربت أذني إليه وأصغيت له فإذا به يقول :
مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
اللهم اغفرلي وارحمني ، وألحقني بالرفيق الأعلى .
اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى . ويكررها
تقول أم عائشة رضي الله عنها فعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به ...
تقول : فقلت إذن لا يختارنا وعلمت أنه يكلم جبريل وأنه يخير .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله لقد اخترت الله علينا .
فما زال يرفع إصبعه ...
وهو يقول في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى .
واشتدت عليه سكرات الموت ، و بدء النزع ، وحشرج صدره ﷺ
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ثم أرتخت يده إلى جانبه وأخذ يثقل جسده في حجري ....
فظننت أنه قد أغمي عليه كما في السابق ...
فوضعت رأسه ﷺ على الوسادة وخرجت أخبر الناس أن رسول الله قد عاوده المرض ...
فكان أقرب الناس إليه "علي بن أبي طالب رضي الله عنه "
فدخل ونظر في وجهه ثم جهش بالبكاء ...
وقال بأعلى صوته : بأبي وأمي لقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم لقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى الحلقة الأخيرة...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثلاثون بعد المئتيين 236 .
هول الفاجعة وموقف الصحابة رضي الله عنهم
إبنته فاطمة رضي الله عنها : يا أبتاه... أجاب ربا دعاه... يا أبتاه جنة الفردوس مأواه... يا أبتاه إلى جبريل ننعاه....
فلما دفن صلى الله عليه وسلم قالت رضي الله عنها.. لأنس رضي الله عنه : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!
فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا وهو يحكم جزيرة العرب... ويرهبه ملوك الدنيا ويفديه الصحابة رضي الله عنهم بنفوسهم وأولادهم وأموالهم....
وما ترك عند موته صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا عبدآ ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضآ جعلها صدقة...
وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير..
وكان صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة....
يقول أنس رضي الله عنه : كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء..
فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء....
وبكت أم أيمن رضي الله عنها فقيل لها : ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالَت : إني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت ولكن إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا.
قال ابن رجبٍ رحمه الله : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون :
فمنهم من دهش فخولط....
ومنهم من أقعد فلم يطق القيام...
ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام....
ومنهم من أنكر موته بالكلية....
فارتفع أصوات أزواجه بالبكاء
وتسرب هذا الخبر الفادح إلى المدينة بسرعة مذهلة
فكان الصحابة في حالٍ لا يعلمه إلا الله وحده
في دهشة عظيمة لا يعلمها إلا الحي القيوم .
وقفوا في دهشة وحيرة وهم بين مصدقٍ ومكذب .
ضجت المدينة كلها بالأصوات والبكاء كأنه ضجيج الحجيج في منىً .
ورفع عمر بن الخطاب سيفه وهو يقول : والله ما مات رسول الله .
لقد ذهب إلى لقاء ربه كما ذهب موسى إلى لقاء الله وغاب عن قومه أربعين يوماً وعاد مرة ثانية .....
فانطلق رجل في طلب "أبي بكر الصديق رضي الله عنه " فوجده على راحلته قريب من مزرعته
فقال له : يا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ارجع فقد قبض رسول الله ..
فرجع ابو بكر مسرعاً ودخل المسجد فوجد الناس تبكي وعمر رضي الله عنه يهدد ويتوعد والسيف في يده .
فلم يلتفت إليه ولم يكلمه
ودخل إلى بيت ابنته عائشة رضي الله عنها فوجد أزواج النبي ﷺ حوله يبكون ....
وأم سلمة رضي الله عنها تنادي بأعلى صوتها وااا نبياه لقد انقطع عنا خبر السماء .
فلا ربط بين السماء والأرض . فعلى من ينزل جبريل ؟؟
فلما دخل الصديق افسحوا له المكان ....
فأتى جسد النبي ﷺ وهو مسجاً ببرد يماني .
فأماط البرد عن وجهه وجثا على ركبته أمام الحبيب ثم نظر إليه .
ووضع يده على صدغيه وقبَّلهُ بين عينيه وخديه وهو يبكي .
وقال . بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً
والله لا يجمع الله عليك موتتين
أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فها أنت قد متها .
ثم أجهش بالبكاء رضي الله عنه
ثم غطى وجهه ببرده ثم خرج إلى الناس .
خرج الصديق مطأطيء الرأس .
فوجد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه لا يزال في ثورته وغضبه وهو يصرخ
ويقول : من قال بأن محمداً قد مات لأعلونه بسيفي هذا .
"والناس يسمعون عمر رضي الله عنه ويتمنون صدقه"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه على رسلك يا عمر رضي الله عنه...
"وما زال عمر رضي الله عنه يهدد ومشرعاً سيفه وهو يقسم من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ليضربن عنقه"
قال . على رسلك يا عمر
"فلم يسكت عمر"
قال . اجلس يا عمر .
"وعمر يأبى إلا أن يتكلم"
فتركه ومشى إلى المنبر ورقى منه درجة واحدة .
ثم قال بأعلى صوته . الحمد لله
فلما سمع الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه تركوا عمر وأقبلوا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه...
وقال . أيها الناس ، أيها الناس .
"فتجمع الناس حوله"
أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات .
ومن كان يعبد "الله" فإن الله حيٌ لا يموت .
ثم تلا قول الله جل وعلا
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ .
يقول الصحابة بعدما سمعوا الآية والذي بعثه بالحق وكأننا أول مرة نسمع هذه الآية وغابت عنا أنها من القرآن .
"مع أنها نزلت قبل هذا التاريخ بسبع سنوات"
فأخذنا نتلوها والبكاء يغلبنا ونحن نقول ونردد .
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل ....
ثم نظرنا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن سمعها فإذا بالسيف يسقط من يده إلى الأرض .
ثم وقف وكأن الأرض تدور به لا يدري أين يوجه وجهه ؟
وما راعنا إلا و "عمر" يسقط على الأرض وقد أغمي عليه .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فأخذنا نرش عليه الماء حتى أفاق رضي الله عنه ....
فلما أفاق قال .
والله الذي لا إله إلا هو . ما ظننت أن رسول يموت وغابت عني هذه الآية .
وجلس الناس بالمسجد وعلا بكائهم ...
وكانت المدينة قد امتلأت بالناس عندما علموا بمرض النبي ﷺ
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ارسلوا لإخوانكم خارج المدينة أن قد قبض رسول الله
فليحضروا إلى دفنه والصلاة عليه ...
وأرسل إلى جيش "أسامة رضي الله عنه " وكان بالجرف فرجع الجيش كله .
وغرس أسامة رضي الله عنه لواء الجيش على باب المسجد وكان تعداد الجيش 3000 .
رجعوا ليحضروا الصلاة على نبيهم ﷺ .
وجلس الناس وقد ذهلوا وغاب وعيهم .
أما علي رضي الله عنه فقد كسح لم تحمله رجلاه إلى اليوم الثاني ....
وكان عثمان رضي الله عنه قد خرس فلم يتكلم ولا كلمة إلا بعد وفاة النبي ﷺ بثلاثة أيام .
وأخذت الوفود تفد إلى المدينة حتى غصت بهم المدينة .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الأخيرة
وقد إرتفعت اصوات أهل المدينة بالبكاء في كل أنحائها...
أحد التابعين "أبو ذؤيب الهذلي" رحمه الله
جاء إلى المدينة في يوم وفاة النبي ﷺ فلم يرى النبي ﷺ
يقول : قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلّوا جميعا بالإحرام .
فقلت . ما هذا ؟
فقالوا : قبض رسول الله ....
ثم أخذوا يتدبرون أمر تجهيزه ﷺ ودفنه .
وعندما شرعوا في هذا التشاور كان قد مضى النهار ....
وكان إذا دخل وقت الصلاة يصلي بهم "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه .
والنبي صلى الله عليه وسلم مسجاى في حجرته ﷺ .
فأخذوا يتشاورون أين ندفن رسول الله ؟؟
فمن قائلٍ . ندفنه إلى جوار منبره ....
ومن قائلٍ . ندفنه في وسط الروضة ....
ومن قائلٍ . ندفنه في البقيع .
فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على رسلكم فو الله الذي لا إله إلا هو : لقد سمعت أذناي هاتين من رسول الله ﷺ قولاً ما نسيته وما غاب عني .
قال ﷺ ما قبض الله نبياً إلا حيث أراد أن يدفن .
ثم قال : نرفع فراش النبي ﷺ ويحفر تحت فراشه فهذا موضع قبره .
فلما كان الغد وأرادوا تجهيز النبي ﷺ
أيضاً تشاوروا ... رضي الله عنهم
فقالوا : أنغسل رسول الله ﷺ في ثيابه أم نجرده كما نجرد موتانا ؟؟
فلم يجرء أحدٌ أن يعطي فيه قولاً ....
لأنهم لا علم لهم بذلك ....
يقول الصحابة رضي الله عنهم فألقى الله علينا النعاس فنمنا جميعاً وإن لحانا لتدق صدورنا .
ولم يبقى يعي إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته في الداخل ...
فنام الناس كلهم في المسجد .
لا يعني أنهم تمددوا على الارض وناموا لا.... ولكن غشيهم النعاس وعلا شخيرهم فدقت ذقونهم صدورهم جميعاً...
ثم سكتوا وساد الهدوء في المكان ولم يظهر صوت أبداً
حتى سمعوا صوت رنينٍ جميلٍ يخرج من حجرته ﷺ .
قالوا : لا نشك أنه صوت جبريل عليه السلام
فقال : لا تجردوا رسول الله واغسلوه في ثيابه ....
ثم قال معزياً : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ....
يقول الصحابة رضي الله عنهم فعلمنا أنه صوت جبريل عليه السلام...
وفي الحديث : تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فكلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو... أن اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكون بالقميص دون أيديهم...
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه
ودخل على النبي ﷺ أربعة يغسلونه...
علي بن أبي طالب ... والعباس . والفضل بن العباس ... وأسامة بن زيد . رضي الله عنهم..
عند غسله وريح المسك يفوح منه ﷺ .....
وأخذ علي رضي الله عنه يغسله وهو يبكي ويقول :
طبت حياً و طبت ميتاً يارسول الله
وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية من ثياب سحول... بلدة باليمن....
ليس فيها قميص و لا عمامة....
وبعد أن كفنوه ﷺ تذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
حديث سمعه عن الحبيب المصطفى ﷺ في أول مرضه
وسمعه أيضآ الصحابة رضي الله عنهم... فقد قال لهم النبيﷺ
إذا أنا متُ ولحقتُ بالرفيق الأعلى . فضعوني على سريري ، واخرجوا عني جميعاً . فأول ما يصلي عليَّ جبريل والملائكة ثم تنزل ملائكة السماوات السبع يصلون علي .
فإذا غبتم عني ساعة "أي شيء من الوقت" .
فليدخل وليبدأ علي الصلاة أهل بيتي أولاً رجالاً ، ثم نساء أهل بيتي .
ثم يدخل من بعدهم المسلمون أفواجاً أفواجاً .
فصنعوا كما أمر ﷺ
وضعوه ﷺ على سريره في حجرته وأخلو الحجرة تماماً
حتى مضى شيءٌ من الوقت "وكان هذا ظهر يوم الثلاثاء"
فصلوا الظهر والنبي ﷺ في حجرته....
ثم شهد الجميع أن ريح المسك يخرج من حجرته ﷺ
فعلموا أن صلاة الملائكة عليهم الصلاة والسلام قد انتهت ....
فدخل آل بيته رضي الله عنهم يصلون عليه وصلوا لا يؤمهم أحد
ودخل أزواجه رضي الله عنهن ونساء أهل بيته رضي الله عنهن فصلوا عليه ....
حتى إذا فرغ أهل بيته بالصلاة عليه ....
قام شيوخ المهاجرين
أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة وعدد منهم رضي الله عنهم
فدخلوا وهم يظنون أن أبا بكر سيؤومهم بالصلاة عليه
فوقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله ...
أنت إمامنا حياً وميتاً ....
لا والذي بعثك بالحق لا يؤم أحد بالصلاة عليك....
فأخذوا يصلون فرادى .
كلٌ يصلي ويدعو ويخرج .
ويدخل غيرهم حتى صلى عليه المسلمون جميعاً .
فأستغرق هذا من الوقت من صلاة الظهر حتى صلاة العشاء .
كما جاء في السير....
فلما هموا بحفر القبر
ولم يحفروه أولاً
لأنه قبض ﷺ في حجرته مكان دفنه ليتمكنوا من غسله وتجهيزه ....
وقفوا وقالوا : أنلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم نشق له شقاً ؟؟
فقال العباس عمه رضي الله عنه : نرسل إلى من يشق وإلى من يلحد فأيهما حضر يكون له الأمر .
ثم بسط كفيه للسماء وقال :
اللهم اختر لنبيك .
وكان الذي يحفر القبر ويشقه شقاً في المدينة "أبو ايوب الانصاري" رضي الله عنه
والذي يلحد لحداً "أبو طلحة الأنصاري" رضي الله عنه
فانطلق رجلان كلٌ يدعو رجلاً
فحضر أبو طلحة قبل أبي أيوب رضي الله عنهم...
فقالوا : إذآ ندفن رسول الله ﷺ على طريقة أهل المدينة فنلحد له لحداً ...
فقام أبو طلحة رضي الله عنه وحفر القبر ....
ثم قفز بالقبر علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن عباس وشقران مولى رسول الله ﷺ وأسامة بن زيد رضي الله عنهم...
ولما أنزل ﷺ في قبره
تذكر شقران رضي الله عنه قطيفة...
"القطيفة ما نسميه قطعة قماش لها وبر بلغتنا مخمل يمانية كان النبي ﷺ يصلي عليها قيام الليل وهو يتهجد فإذا نعس نام عليها"
فتذكرها شقران فهب من القبر مسرعاً وأخذها من الحجرة
وقال بأعلى صوته على سمع الصحابة رضي الله عنهم
لاااا والذي بعثك وقبضك إليه
لا يصلي عليها أحدٌ بعدك أبداً ، ولا يرتديها أحدٌ بعدك أبداً
ثم وضعها على أرض القبر و وضع النبي ﷺ في قبره عليها .
ثم قال أنس رضي الله عنه انتظروا لقد وقع مني خاتمي .
فقالوا له : أهذا وقت مثل هذا ؟؟
ونزل أنس "وقد رمى خاتمه قاصداً حتى ينزل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى"
"لا يقدرون على فراقه ﷺ"
دفن في اللحد وبني عليه صلى الله عليه وسلم في لحده اللبن يقال إنها تسع لبنات... ثم أهالوا التراب..
قالت إبنته فاطمة رضي الله عنها لأنس رضي الله عنه : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب
فلما انتهوا من الدفن ...
يقول أنس رضي الله عنه :
ما إن نفضنا أيدينا من تراب دفن رسول الله ﷺ حتى أنكرنا قلوبنا
والذي بعثه بالحق حين دخل المدينة يوم هجرته أضاء منها كل شيء...
ولما وارينه قبره أظلم منها كل شيء .....
فسنموا القبر ...
"والسنام أن يجعلوا له حفة من تراب كسنام الجمل"
سنموا القبر ورشوه بالماء .
وحان وقت أول صلاة ....
فأذن بلال رضي الله عنه .
فلما جاء عند قوله أشهد أن محمداً رسول الله .
بكى بلال رضي الله عنه ولم يستطع أن يكمل الأذان فبكى الناس ....
وضجت المدينة بالبكاء ....
فكان حال الصحابة رضي الله عنهم ولا تسأل عن حالهم .
فلقد تغيرت عليهم الدنيا وأظلمت ....
كانوا ينظرون إلى آثاره ....
إلى حجراته......
إلى منبره ....
إلى مصلاه وممشاه ....
إلى ذكريات كلامه ....
فلم يعودوا يروا ذلك المربي والمعلم ﷺ ....
لم يعودوا يرون ابتسامات وجهه الذي كان كأنه قطعة القمر .
صلى الله عليه وسلم
وهكذا قد أتممنا وبفضل الله تعالى وكرمه قبس من "السيرة النبوية العطرة"
على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ...
أرجو من الله أن تكون قد أنارت القلوب وتشبعت بحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب هذا الدين الحنيف
فالسيرة هي زاد كل مؤمن ومؤمنة ....
ولعل في ذلك لنا جميعاً مع مطلع هذا العام أن يكون لنا إطلاعا لسيرته صلى الله عليه وسلم قرأة وسماع فما أحوجنا جميعاً إلى سيرته صلى الله عليه وسلم وأخذ الدروس والعبر...
تمت و الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات
الغريب
07-03-2022, 07:52 AM
اخواااني وأخواااتي
لقد تم نقل ٢٣٧ درس من
دروس السيره النبوويه العطره
ونسأل الله سبحانه وتعالى ان
يمر عليها الجميع ويستفيد من هذه
الدروس ونسسال الله الاجر والثوااااب لنا ولكم
حفظكم الله
االــنــدى
جنة المنتدى
الغريب
07-03-2022, 07:54 AM
كل الششكر للأداىه الموقره التي
سهلت لنا النقل واختارة لنا قسم
خاص لهذه السيره الطيبه ونسال
الله لهم الاجر والثوااب
ندى الورد
07-03-2022, 07:56 AM
جزاك الله خير رحال ويجعله بميزان حسناتك
الغريب
07-03-2022, 07:57 AM
جزاك الله خير رحال ويجعله بميزان حسناتك
وانتي كذلك اسال الله لك الاجر
والثواب كنتي خير سند ومشجعه
لي
الغريب
07-03-2022, 10:17 PM
LeGenD KiLLeR
سعادة المدير
شكرا لك من القلب لقد تم
وبفضل الله سبحانه وتعالى
وتعاونكم وتسهيل لنا القسم
الخاص بنقل ٢٣٧
درس من دروس السنه النبويه الشريفه
واسأل الله الاجر والثواب لكل من ساهم وساعد ومر من هنا
ادارتكم منتداكم اعظاؤكم كلكم
على الراس والعين حفظكم الله
LioN KinG
07-04-2022, 09:03 PM
الشكر لله اخي الفاضل
جنة المنتدى
07-05-2022, 01:41 AM
اخواااني وأخواااتي
لقد تم نقل ٢٣٧ درس من
دروس السيره النبوويه العطره
ونسأل الله سبحانه وتعالى ان
يمر عليها الجميع ويستفيد من هذه
الدروس ونسسال الله الاجر والثوااااب لنا ولكم
حفظكم الله
االــنــدى
جنة المنتدى
نسأل الله
أن يجعل كل مانقلته
في ميزان حسناتك
ويجعلك يارب أخي الطيب
من سعداء الدارين
وجزاك الله كل الخير
وبالتوفيق والتميز دائمآ
كل التقدير
٠
الغريب
07-05-2022, 02:20 AM
نسأل الله
أن يجعل كل مانقلته
في ميزان حسناتك
ويجعلك يارب أخي الطيب
من سعداء الدارين
وجزاك الله كل الخير
وبالتوفيق والتميز دائمآ
كل التقدير
٠
جزاااك الله خير
وحفظك يارب
جنة المنتدى
الغريب
07-05-2022, 02:21 AM
الشكر لله اخي الفاضل
ششكرا مدير
اسعدني مرورك
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir