تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مكة المكرمة قبل الإسلام


الاستاذ
03-29-2022, 11:11 AM
مكة المكرمة قبل الإسلام
مكة أكبر مدن الحجاز، تبعد عن جدة مسيرة خمسة وأربعين ميلًا شرقًا،
كانت تقطعها الإبل قبل السيارات في مرحلتين، وتستريح براكبيها في بحرا أو جدة في «بطن مر».
أما بعد ذيوع السيارات فساعتان كافيتان لبلوغ مكة

والمدينة تدهش زائرها بجدبها وجفافها، فإنها وحرمها تكاد تكون أعقم بقعة يقع عليها البصر؛ فهي جدُّ قحلاء، جرداء،
لا تطمئن العين فيها إلى خضرةٍ يانعة، أو عينِ ماءٍ جارية، فلا حديقة ولا بستان ولا شجرة ولا نخيل ولا أعناب،
حالة هذا الوادي من أكبر الأدلة المستفادة من علوم الاقتصاد والحياة والنفس على صدق النبي في دعوته ووحيه ووعود القرآن ووعيده.
أما الجدب والعقم فقد جاء وصفهما في القرآن على لسان إبراهيم وهو يودع زوجته وولده:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (سورة إبراهيم).
ولو كُلِّف إبراهيم باختيار أقسى أرض الجزيرة قلبًا وأصلدِها صخرًا، وأشدِّها قيظًا وأحرقِها شمسًا ليودع رفيقة فراشه وفلذة كبده
لم يكن ليختارَ بقعة غير هذه البقعة الواقعة وسط تلالٍ وهضابٍ خشنة تقطعها وتخترقها «محيرة»١ ('https://www.hindawi.org/books/30353837/12/#ftn.1') من الأودية الضيقة والمعابر المختنقة بين الصخور،
كأنها حصنٌ طبيعي أحاطه الجبار الذي شاده بالمهاوي والمفاوز،
وحمى ذماره بجبالٍ ووهادٍ ومصاعدَ ومهابطَ أقوى على صد الهجمات من جدران القلال وسنان الأسلاك الشائكة،
ثم تنساب أرض ذلك الوادي، وتبرز بروزًا ظاهرًا في تهامة المنخفضة حيال شواطئ البحر الأحمر، ولكن تعود تلك الأرض فتحتجب
بالجبال التي تعوق مسيرها وتقف خاشعة في انخفاضها حيال الجبال التي تحد من الغرب واديَ «مر»، وإذا افترضنا طائرةً تعلو سماء مكة،
وقد علتها طائرات أثناء الحرب (كتاب الأعمدة السبعة أو ثورة العرب، تأليف لورنس) وألقى ذاك الذي امتطى صهوتها ليسبح في الفضاء نظرة،
لَرأى مكة أشبه الأشياء بسلحفاة رأسها إلى الجنوب وذيلها إلى الشمال، وقد تحلى ظهرها المبرقش بالكعبة ودار الندوة
في الوسط، والصفا والمروة والمسعى ومولد فاطمة عن الشمال، وشعب المولد والخندمة والمدعى وأجياد عن اليمين،
وانتثرت تحت ناظريه في شتى الأجزاء من ظهر تلك السلحفاة الضخمة (التي تحركت ببطء من ملة إبراهيم إلى عبادة الأوثان،
ومن أصنام عمرو بن لحي إلى عقيدة التوحيد ودين الإسلام) سوق الليل وأبو قبيس والمعلاة وقيقعان وسوق الصغير
والمسفلة والجبل الأحمر والماجن وجبل عمر.
وما تزال تلك السلحفاة رابضة منبطحة يحرسها الأخشبان، وقد أعدت لها الطبيعة شبكة من السبل في السهل والجبل على مقربة من
«شبيكة» فمن درب إلى وادي مر ومن زيمة إلى وادي فاطمة، ومنها تسير القوافل إلى جدة والشام والحبشة واليمن وتصعد
إلى نجد وعمان يطل عليها جبل النور، ووراء السلحفاة إلى الجنوب ترى طريق الفرسان والمشاة إلى الطايف وجبل كرا ووادي
نعمان ووادي هذيل، وفي أقصى الشرق ترى مِنًى والمزدلفة وجبل عرفة وجبل الثور.

الاستاذ
03-29-2022, 11:12 AM
مكة المكرمة قبل الإسلام
مكة أكبر مدن الحجاز، تبعد عن جدة مسيرة خمسة وأربعين ميلًا شرقًا،
كانت تقطعها الإبل قبل السيارات في مرحلتين، وتستريح براكبيها في بحرا أو جدة في «بطن مر».
أما بعد ذيوع السيارات فساعتان كافيتان لبلوغ مكة

والمدينة تدهش زائرها بجدبها وجفافها، فإنها وحرمها تكاد تكون أعقم بقعة يقع عليها البصر؛ فهي جدُّ قحلاء، جرداء،
لا تطمئن العين فيها إلى خضرةٍ يانعة، أو عينِ ماءٍ جارية، فلا حديقة ولا بستان ولا شجرة ولا نخيل ولا أعناب،
حالة هذا الوادي من أكبر الأدلة المستفادة من علوم الاقتصاد والحياة والنفس على صدق النبي في دعوته ووحيه ووعود القرآن ووعيده.
أما الجدب والعقم فقد جاء وصفهما في القرآن على لسان إبراهيم وهو يودع زوجته وولده:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (سورة إبراهيم).
ولو كُلِّف إبراهيم باختيار أقسى أرض الجزيرة قلبًا وأصلدِها صخرًا، وأشدِّها قيظًا وأحرقِها شمسًا ليودع رفيقة فراشه وفلذة كبده
لم يكن ليختارَ بقعة غير هذه البقعة الواقعة وسط تلالٍ وهضابٍ خشنة تقطعها وتخترقها «محيرة»١ ('https://www.hindawi.org/books/30353837/12/#ftn.1') من الأودية الضيقة والمعابر المختنقة بين الصخور،
كأنها حصنٌ طبيعي أحاطه الجبار الذي شاده بالمهاوي والمفاوز،
وحمى ذماره بجبالٍ ووهادٍ ومصاعدَ ومهابطَ أقوى على صد الهجمات من جدران القلال وسنان الأسلاك الشائكة،
ثم تنساب أرض ذلك الوادي، وتبرز بروزًا ظاهرًا في تهامة المنخفضة حيال شواطئ البحر الأحمر، ولكن تعود تلك الأرض فتحتجب
بالجبال التي تعوق مسيرها وتقف خاشعة في انخفاضها حيال الجبال التي تحد من الغرب واديَ «مر»، وإذا افترضنا طائرةً تعلو سماء مكة،
وقد علتها طائرات أثناء الحرب (كتاب الأعمدة السبعة أو ثورة العرب، تأليف لورنس) وألقى ذاك الذي امتطى صهوتها ليسبح في الفضاء نظرة،
لَرأى مكة أشبه الأشياء بسلحفاة رأسها إلى الجنوب وذيلها إلى الشمال، وقد تحلى ظهرها المبرقش بالكعبة ودار الندوة
في الوسط، والصفا والمروة والمسعى ومولد فاطمة عن الشمال، وشعب المولد والخندمة والمدعى وأجياد عن اليمين،
وانتثرت تحت ناظريه في شتى الأجزاء من ظهر تلك السلحفاة الضخمة (التي تحركت ببطء من ملة إبراهيم إلى عبادة الأوثان،
ومن أصنام عمرو بن لحي إلى عقيدة التوحيد ودين الإسلام) سوق الليل وأبو قبيس والمعلاة وقيقعان وسوق الصغير
والمسفلة والجبل الأحمر والماجن وجبل عمر.
وما تزال تلك السلحفاة رابضة منبطحة يحرسها الأخشبان، وقد أعدت لها الطبيعة شبكة من السبل في السهل والجبل على مقربة من
«شبيكة» فمن درب إلى وادي مر ومن زيمة إلى وادي فاطمة، ومنها تسير القوافل إلى جدة والشام والحبشة واليمن وتصعد
إلى نجد وعمان يطل عليها جبل النور، ووراء السلحفاة إلى الجنوب ترى طريق الفرسان والمشاة إلى الطايف وجبل كرا ووادي
نعمان ووادي هذيل، وفي أقصى الشرق ترى مِنًى والمزدلفة وجبل عرفة وجبل الثور.

وإذنْ قد اختارت العناية لهذا البلد أن يكون بلدَ تجارةٍ وأخذٍ وعطاءٍ، ومركزَ أسفارٍ ورحلاتٍ، ومستقرَّ قوافل رائحة غادية بين الشام والحبشة، فرحلة الصيف هي رحلة القوافل إلى غزة، ورحلة الشتاء هي رحلتها إلى الجنوب، ولا حياة للبلد بغير هاتين الرحلتين. وإن القارئ ليعجب أن هذه المدينة المحصنة بالجبال كانت في قديم الزمان محصنة بالأسوار العالية والأبواب الضخمة، وقد رأى ابن جبير بقايا إحدى البوابات، ورأى أحجار أحد الأسوار، وقد زالت الأسوار والأبواب ولم يبقَ منها سوى أسمائها؛ كباب المعلاة والمسفلة والشبيكة. والمعلاة تؤدي إلى مِنًى وعرفة — وهي الطريق التي يسلكها كل حاج — وإلى زيمة ونجد لمن يريد أن تشط به الأسفار، ووراء هذا الباب، كما تجد المقابر في مصر وراء باب الفتوح أو باب النصر، كذلك وراء باب المعلاة تجد مقبرة الحجون التي ورد ذكرها في الشعر الجاهلي على لسان مضاض، ويقال إنها مقبرة الصحابة لكثرة من دُفن فيها منهم — عليهم رضوان الله.

الاستاذ
03-29-2022, 11:13 AM
وإذنْ قد اختارت العناية لهذا البلد أن يكون بلدَ تجارةٍ وأخذٍ وعطاءٍ، ومركزَ أسفارٍ ورحلاتٍ، ومستقرَّ قوافل رائحة غادية بين الشام والحبشة، فرحلة الصيف هي رحلة القوافل إلى غزة، ورحلة الشتاء هي رحلتها إلى الجنوب، ولا حياة للبلد بغير هاتين الرحلتين. وإن القارئ ليعجب أن هذه المدينة المحصنة بالجبال كانت في قديم الزمان محصنة بالأسوار العالية والأبواب الضخمة، وقد رأى ابن جبير بقايا إحدى البوابات، ورأى أحجار أحد الأسوار، وقد زالت الأسوار والأبواب ولم يبقَ منها سوى أسمائها؛ كباب المعلاة والمسفلة والشبيكة. والمعلاة تؤدي إلى مِنًى وعرفة — وهي الطريق التي يسلكها كل حاج — وإلى زيمة ونجد لمن يريد أن تشط به الأسفار، ووراء هذا الباب، كما تجد المقابر في مصر وراء باب الفتوح أو باب النصر، كذلك وراء باب المعلاة تجد مقبرة الحجون التي ورد ذكرها في الشعر الجاهلي على لسان مضاض، ويقال إنها مقبرة الصحابة لكثرة من دُفن فيها منهم — عليهم رضوان الله.


وذكر مؤرخٌ أن هذه البقعة كانت محرمة من قبل مجيء إبراهيم إليها؛ بدليل قول الله في القرآن: عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، ولم يكن هذا البيت محرمًا وذاك المعبد مقدسًا في نظر قبيلةٍ واحدة، بل في نظر مئات القبائل والعشائر والفصائل، وكانت هذه القداسة تتجلى كل عام في سلسلةٍ من الحفلات والأعياد والموالد والأسواق تقام كلها حول مكة في بطحائها وظواهرها، وفيها تمتزج المواسم الدينية ذات الشعائر والرسوم، بالتجارة والمساومة والبيع والشراء والسلع. وكان للأدب عند العرب جانب لا يضيعونه؛ فطالما خطب الخطباء وأنشد الشعراء ونطق الحكماء في تلك الأسواق التي كانت فيها أركانٌ ومواقفُ أشبه بمجامع العلم والأدب في عصورنا الحديثة، وكان أهمَّها عكاظ والمجنة وذو المجاز، ولكنها كانت مظاهر فطرية.

الغريب
06-07-2022, 10:04 AM
شكرا على النقل
الطيب لاهنت
وفقك الله