جيفارا
12-01-2021, 11:34 PM
البركة : معناها وفيم تكون ؟
معنى البركة :
البركة: هي النماء والزيادة، حسية كانت أو عقلية، وكثرة الخير ودوامه، يقال: باركه الله، وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له، قال ابن عاشور:"ولعل قولهم: (بارك فيه) إنما يتعلق به ما كانت البركة حاصلة للغير في زمنه أو مكانه، وأما: (باركه) فيتعلق به ما كانت البركة صفة له، و (بارك عليه) جعل البركة متمكنة منه، (وبارك له) جعل أشياء مباركة لأجله، أي بارك فيما له". "والفعل منه: بارك، وهو متعد، ومنه: {أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ}(8) سورة النمل، ويضمن معنى ما تعدى بعلى، لقوله: وبارك على محمد. و تبارك لازم". "وهي في الأصل مأخوذة من برك البعير، وهو صدره، ومنه: برك البعير، إذا ألقى بركه على الأرض، واعتبر فيه معنى اللزوم، فقيل: بركاء الحرب وبركاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال، وسمي محبس الماء بركة، كسدرة، ثم أطلقت على ثبوت الخير الإلهي في الشيء كثبوت الماء في البركة". والتبريك الدعاء بذلك، والتبرك استدعاء البركة واستجلابها.
"وطلب البركة لا يخلو من أمرين: الأول: أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن، قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}(92) سورة الأنعام، فمن بركته هدايته للقلوب، وشفاؤه للصدور وإصلاحه للنفوس، وتهذيبه للأخلاق، إلى غير ذلك من بركاته الكثيرة. الثاني: أن يكون التبرك بأمر غير مشروع، كالتبرك بالأشجار والأحجار والقبور والقباب والبقاع ونحو ذلك، فهذا كله من الشرك".
والله -عز وجل- هو خالق البركة، وهو الذي يبارك في الأشياء، والبركة المضافة لله تعالى نوعان: قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد: "فصل البركة المضافة لله: وأما البركة فكذلك نوعان أيضاً: أحدهما: بركة هي فعله تبارك وتعالى، والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة، والمفعول منها مبارك، وهو ما جعل كذلك فكان مباركاً بجعله تعالى. والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له -عز وجل- فهو سبحانه المبارك...".
فيكون معنى قول تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ}(1) سورة الفرقان، "تفاعل مطاوع بارك، وهو فعل لا يتصرف، ولم يستعمل في غيره تعالى، فلا يجيء منه مضارع، ولا اسم فاعل ولا مصدر، قال الطرماح:
تباركت لا معط لشيء منعته وليس لما أعطيت يا رب مانع
ومعناه: تعاظم، وقيل: تبارك: تقدس، والقدس الطهارة، وقيل: تبارك ارتفع، حكى الأصمعي: تبارك عليكم، من قول عربي صعد رابية، فقال لأصحابه ذلك، أي تعاليت وارتفعت، والمبارك المرتفع، ذكره البغوي. ومنه قول الشاعر:
إلى الجذع جذع النخلة المتبارك
وقيل: معناه ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال، ذكره البغوي أيضاً، وقيل: تمجد، ففي هذه الأقوال تكون البركة صفة ذات. وقيل: معناه أن تجيء البركات من قبله، فالبركة كلها منه، وقيل: تبارك أي باسمه يبارك في كل شيء، وقيل: كثر خيره وإحسانه إلى خلقه، وقيل: اتسعت رأفته ورحمته بهم، وقيل: تزايد عن كل شيء، وتعالى عنه في صفاته وأفعاله، وقيل: تبارك أي البركة تكتسب وتنال بذكره، وقال ابن عباس: جاء بكل بركة. وعلى هذا تكون صفة فعل. وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته وبارك من شاء من خلقه، قال ابن القيم: "وهذا أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه، وصف ذات له، وصفه فعل، كما قال الحسين بن الفضل... وقال ابن عطية: معناه عظم وكثرت بركاته ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب لا يستعمل منها مضارع ولا أمر، قال: وعلة ذلك أن تبارك لما لم يوصف به غير الله لم يقتض مستقبلاً، إذ الله سبحانه وتعالى، قد تبارك في الأزل.".
فيم تكون البركة؟
تكون البركة في الأمكنة والأزمنة والأشخاص: وكما قيل: إن لله خواص في الأمكنة والأزمنة والأشخاص. فالله -عز وجل- قد يبارك في بعض الأمكنة، ويجعلها مباركة. فبارك سبحانه في المسجد الأقصى وما حوله فقال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}(1) سورة الإسراء، قال الطبري: "وقوله: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. لأن البركة لا تفارقه جعلنا الله تعالى في بركاته ونفعنا بشريف آياته". وبارك سبحانه في أرض الشام، قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}(71) سورة الأنبياء، قال الألوسي: "والمراد بهذه الأرض أرض الشام، وقيل: أرض مكة، وقيل: مصر، والصحيح الأول، ووصفها بعموم البركة، لأن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيها، وانتشرت في العالم شرائعهم التي هي مبادىء الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية، ولم يقل: التي باركناها للمبالغة بجعلها محيطة بالبركة، وقيل: المراد بالبركات النعم الدنيوية من الخصب وغيره، والأول أظهر وأنسب بحال الأنبياء عليهم السلام". وقال ابن عاشور: "و(حول) يدل على مكان قريب من مكان اسم ما أضيف (حول) إليه. وكون البركة حوله كناية عن حصول البركة فيه بالأولى، لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه؛ ففيه لطيفة التلازم، ولطيفة فحوى الخطاب، ولطيفة المبالغة بالتكثير.
وأسباب بركة المسجد الأقصى كثيرة كما أشارت إليه كلمة (حوله) منها: أن واضعه إبراهيم عليه السلام، ومنها: ما لحقه من البركة بمن صلى به من الأنبياء من داوود وسليمان ومن بعدهما من أنبياء بني إسرائيل، ثم بحلول الرسول عيسى عليه السلام وإعلانه الدعوة إلى الله فيه وفيما حوله، ومنها: بركة من دفن حوله من الأنبياء، فقد ثبت أن قبري داوود وسليمان حول المسجد الأقصى. وأعظم تلك البركات حلول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه ذلك الحلول الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء كلهم". وقال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} (30) سورة القصص، "وسبب البركة حدوث أمر ديني فيها، وهو تكليم الله إياه وإظهار المعجزات عليه". ودعا -صلى الله عليه وسلم- للمدينة بالبركة فقال: (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلته بمكة من البركة) (أخرجه البخاري ( 1752) ومسلم ( 2432)). وبارك سبحانه بعض الأزمنة فجعلها مباركة. كليلة القدر، قال -عز وجل-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}(3) سورة الدخان. يعني: الكتاب أنزلناه في ليلة القدر، وسميت مباركة لما فيها من البركة، والمغفرة للمؤمنين.
وبارك سبحانه في بعض البشر فجعل الأنبياء والمرسلين مباركين. قال تعالى عن نوح: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ}(48) سورة هود. قال البغوي: {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ} البركة ها هنا هي: أن الله تعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة، {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} أي: على ذرية أمم ممن كان معك في السفينة، يعني على قرون تجيء من بعدك، من ذرية من معك، من ولدك وهم المؤمنون، قال محمد بن كعب القرظي: دخل فيه كل مؤمن إلى قيام الساعة". وقال عن عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}(31) سورة مريم، قال الألوسي: "ومعنى إيتائه البركة على ما قيل جعله مباركاً نفاعاً معلماً للخير". وقيل: "البركة التي جعلها الله لعيسى، أنه كان معلماً مؤدباً حيثما توجه". وكل مؤمن فيه من البركة بقدر إيمانه، و"البركة المنوطة ببني آدم، وهي البركة التي جعلها الله -جل وعلا- في المؤمنين من الناس، وعلى رأسهم: سادة المؤمنين: من الأنبياء والرسل فهؤلاء بركتهم بركة ذاتية، يعني: أن أجسامهم مباركة، فالله -جل وعلا- هو الذي جعل جسد آدم مباركاً، وغيره من الأنبياء كذلك، جعل أجسادهم جميعاً مباركة، بمعنى: أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم، إما بالتمسح بها، أو بأخذ عرقها، أو التبرك ببعض أشعارهم، فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة بركة متعدية، وهكذا نبينا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.. ذلك أن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية ينتقل أثرها إلى غيرهم، وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل عليهم السلام، أما غيرهم فلم يرد دليل على أن من أصحاب الأنبياء والرسل من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، فقد جاء بالتواتر القطعي: أن الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وضي الله عنهم، كما كانوا يتبركون بشعر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بوضوئه، أو بنخامته، أو بعرقه أو بملابسه، لأن بركة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا جاء في الحديث.. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم) (أخرجه البخاري (5024) وهو بمعناه عند مسلم ( 5027))، فدل هذا: على أن في كل مسلم بركة... فهذه البركة التي أضيفت لكل مسلم..، هي: بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان، وإلى العلم، والدعوة، والعمل.. وهذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل.. ولا تنتقل من شخص إلى آخر، وعليه فيكون معنى التبرك بأهل الصلاح هو الاقتداء بهم في صلاحهم، والأخذ من علمهم والاستفادة منه وهكذا، ولا يجوز أن يتبرك بهم بمعنى أن يتمسح بهم، أو يتبرك بريقهم... ويكون التبرك شركاً أصغر: إذا كان يتخذ هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم به، أو التبرك بعين ونحوها، أسباباً لحصول البركة بدون اعتقاد أنها توصل وتقرب إلى الله، يعني: أنه جعلها أسباباً فقط... وأما إذا تمسح بها كما هي الحال الأولى وتمرغ والتصق بها، لتوصله إلى الله -جل وعلا-، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة".
معنى البركة :
البركة: هي النماء والزيادة، حسية كانت أو عقلية، وكثرة الخير ودوامه، يقال: باركه الله، وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له، قال ابن عاشور:"ولعل قولهم: (بارك فيه) إنما يتعلق به ما كانت البركة حاصلة للغير في زمنه أو مكانه، وأما: (باركه) فيتعلق به ما كانت البركة صفة له، و (بارك عليه) جعل البركة متمكنة منه، (وبارك له) جعل أشياء مباركة لأجله، أي بارك فيما له". "والفعل منه: بارك، وهو متعد، ومنه: {أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ}(8) سورة النمل، ويضمن معنى ما تعدى بعلى، لقوله: وبارك على محمد. و تبارك لازم". "وهي في الأصل مأخوذة من برك البعير، وهو صدره، ومنه: برك البعير، إذا ألقى بركه على الأرض، واعتبر فيه معنى اللزوم، فقيل: بركاء الحرب وبركاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال، وسمي محبس الماء بركة، كسدرة، ثم أطلقت على ثبوت الخير الإلهي في الشيء كثبوت الماء في البركة". والتبريك الدعاء بذلك، والتبرك استدعاء البركة واستجلابها.
"وطلب البركة لا يخلو من أمرين: الأول: أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن، قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}(92) سورة الأنعام، فمن بركته هدايته للقلوب، وشفاؤه للصدور وإصلاحه للنفوس، وتهذيبه للأخلاق، إلى غير ذلك من بركاته الكثيرة. الثاني: أن يكون التبرك بأمر غير مشروع، كالتبرك بالأشجار والأحجار والقبور والقباب والبقاع ونحو ذلك، فهذا كله من الشرك".
والله -عز وجل- هو خالق البركة، وهو الذي يبارك في الأشياء، والبركة المضافة لله تعالى نوعان: قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد: "فصل البركة المضافة لله: وأما البركة فكذلك نوعان أيضاً: أحدهما: بركة هي فعله تبارك وتعالى، والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة، والمفعول منها مبارك، وهو ما جعل كذلك فكان مباركاً بجعله تعالى. والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له -عز وجل- فهو سبحانه المبارك...".
فيكون معنى قول تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ}(1) سورة الفرقان، "تفاعل مطاوع بارك، وهو فعل لا يتصرف، ولم يستعمل في غيره تعالى، فلا يجيء منه مضارع، ولا اسم فاعل ولا مصدر، قال الطرماح:
تباركت لا معط لشيء منعته وليس لما أعطيت يا رب مانع
ومعناه: تعاظم، وقيل: تبارك: تقدس، والقدس الطهارة، وقيل: تبارك ارتفع، حكى الأصمعي: تبارك عليكم، من قول عربي صعد رابية، فقال لأصحابه ذلك، أي تعاليت وارتفعت، والمبارك المرتفع، ذكره البغوي. ومنه قول الشاعر:
إلى الجذع جذع النخلة المتبارك
وقيل: معناه ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال، ذكره البغوي أيضاً، وقيل: تمجد، ففي هذه الأقوال تكون البركة صفة ذات. وقيل: معناه أن تجيء البركات من قبله، فالبركة كلها منه، وقيل: تبارك أي باسمه يبارك في كل شيء، وقيل: كثر خيره وإحسانه إلى خلقه، وقيل: اتسعت رأفته ورحمته بهم، وقيل: تزايد عن كل شيء، وتعالى عنه في صفاته وأفعاله، وقيل: تبارك أي البركة تكتسب وتنال بذكره، وقال ابن عباس: جاء بكل بركة. وعلى هذا تكون صفة فعل. وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته وبارك من شاء من خلقه، قال ابن القيم: "وهذا أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه، وصف ذات له، وصفه فعل، كما قال الحسين بن الفضل... وقال ابن عطية: معناه عظم وكثرت بركاته ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب لا يستعمل منها مضارع ولا أمر، قال: وعلة ذلك أن تبارك لما لم يوصف به غير الله لم يقتض مستقبلاً، إذ الله سبحانه وتعالى، قد تبارك في الأزل.".
فيم تكون البركة؟
تكون البركة في الأمكنة والأزمنة والأشخاص: وكما قيل: إن لله خواص في الأمكنة والأزمنة والأشخاص. فالله -عز وجل- قد يبارك في بعض الأمكنة، ويجعلها مباركة. فبارك سبحانه في المسجد الأقصى وما حوله فقال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}(1) سورة الإسراء، قال الطبري: "وقوله: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. لأن البركة لا تفارقه جعلنا الله تعالى في بركاته ونفعنا بشريف آياته". وبارك سبحانه في أرض الشام، قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}(71) سورة الأنبياء، قال الألوسي: "والمراد بهذه الأرض أرض الشام، وقيل: أرض مكة، وقيل: مصر، والصحيح الأول، ووصفها بعموم البركة، لأن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيها، وانتشرت في العالم شرائعهم التي هي مبادىء الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية، ولم يقل: التي باركناها للمبالغة بجعلها محيطة بالبركة، وقيل: المراد بالبركات النعم الدنيوية من الخصب وغيره، والأول أظهر وأنسب بحال الأنبياء عليهم السلام". وقال ابن عاشور: "و(حول) يدل على مكان قريب من مكان اسم ما أضيف (حول) إليه. وكون البركة حوله كناية عن حصول البركة فيه بالأولى، لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه؛ ففيه لطيفة التلازم، ولطيفة فحوى الخطاب، ولطيفة المبالغة بالتكثير.
وأسباب بركة المسجد الأقصى كثيرة كما أشارت إليه كلمة (حوله) منها: أن واضعه إبراهيم عليه السلام، ومنها: ما لحقه من البركة بمن صلى به من الأنبياء من داوود وسليمان ومن بعدهما من أنبياء بني إسرائيل، ثم بحلول الرسول عيسى عليه السلام وإعلانه الدعوة إلى الله فيه وفيما حوله، ومنها: بركة من دفن حوله من الأنبياء، فقد ثبت أن قبري داوود وسليمان حول المسجد الأقصى. وأعظم تلك البركات حلول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه ذلك الحلول الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء كلهم". وقال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} (30) سورة القصص، "وسبب البركة حدوث أمر ديني فيها، وهو تكليم الله إياه وإظهار المعجزات عليه". ودعا -صلى الله عليه وسلم- للمدينة بالبركة فقال: (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلته بمكة من البركة) (أخرجه البخاري ( 1752) ومسلم ( 2432)). وبارك سبحانه بعض الأزمنة فجعلها مباركة. كليلة القدر، قال -عز وجل-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}(3) سورة الدخان. يعني: الكتاب أنزلناه في ليلة القدر، وسميت مباركة لما فيها من البركة، والمغفرة للمؤمنين.
وبارك سبحانه في بعض البشر فجعل الأنبياء والمرسلين مباركين. قال تعالى عن نوح: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ}(48) سورة هود. قال البغوي: {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ} البركة ها هنا هي: أن الله تعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة، {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} أي: على ذرية أمم ممن كان معك في السفينة، يعني على قرون تجيء من بعدك، من ذرية من معك، من ولدك وهم المؤمنون، قال محمد بن كعب القرظي: دخل فيه كل مؤمن إلى قيام الساعة". وقال عن عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}(31) سورة مريم، قال الألوسي: "ومعنى إيتائه البركة على ما قيل جعله مباركاً نفاعاً معلماً للخير". وقيل: "البركة التي جعلها الله لعيسى، أنه كان معلماً مؤدباً حيثما توجه". وكل مؤمن فيه من البركة بقدر إيمانه، و"البركة المنوطة ببني آدم، وهي البركة التي جعلها الله -جل وعلا- في المؤمنين من الناس، وعلى رأسهم: سادة المؤمنين: من الأنبياء والرسل فهؤلاء بركتهم بركة ذاتية، يعني: أن أجسامهم مباركة، فالله -جل وعلا- هو الذي جعل جسد آدم مباركاً، وغيره من الأنبياء كذلك، جعل أجسادهم جميعاً مباركة، بمعنى: أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم، إما بالتمسح بها، أو بأخذ عرقها، أو التبرك ببعض أشعارهم، فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة بركة متعدية، وهكذا نبينا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.. ذلك أن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية ينتقل أثرها إلى غيرهم، وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل عليهم السلام، أما غيرهم فلم يرد دليل على أن من أصحاب الأنبياء والرسل من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، فقد جاء بالتواتر القطعي: أن الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وضي الله عنهم، كما كانوا يتبركون بشعر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بوضوئه، أو بنخامته، أو بعرقه أو بملابسه، لأن بركة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا جاء في الحديث.. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم) (أخرجه البخاري (5024) وهو بمعناه عند مسلم ( 5027))، فدل هذا: على أن في كل مسلم بركة... فهذه البركة التي أضيفت لكل مسلم..، هي: بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان، وإلى العلم، والدعوة، والعمل.. وهذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل.. ولا تنتقل من شخص إلى آخر، وعليه فيكون معنى التبرك بأهل الصلاح هو الاقتداء بهم في صلاحهم، والأخذ من علمهم والاستفادة منه وهكذا، ولا يجوز أن يتبرك بهم بمعنى أن يتمسح بهم، أو يتبرك بريقهم... ويكون التبرك شركاً أصغر: إذا كان يتخذ هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم به، أو التبرك بعين ونحوها، أسباباً لحصول البركة بدون اعتقاد أنها توصل وتقرب إلى الله، يعني: أنه جعلها أسباباً فقط... وأما إذا تمسح بها كما هي الحال الأولى وتمرغ والتصق بها، لتوصله إلى الله -جل وعلا-، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة".